ملتقى الشفاء الإسلامي - الإمام أبو حنيفة والشعر

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)

- ملتقى الشعر والخواطر (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=30)

- - الإمام أبو حنيفة والشعر (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=281230)

الإمام أبو حنيفة والشعر

الإمام أبو حنيفة والشعر

د. عبدالحكيم الأنيس

نُسِبَ في بعض الكتب الحديثة التي تتناولُ موضوع التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى الإمام أبي حنيفة (70- 150هـ) قصيدةٌ، فيها هذه الأبيات:
يا سيّد السادات جئتك قاصدًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أرجو رضاك وأحتمي بحماكا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

والله يا خيرَ الخلائق إن لي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

قلبًا مشوقًا لا يرومُ سواكا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ووحقِّ جاهك إنني بك مغرمٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والله يعلم أنني أهواكا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أنتَ الذي لولاك ما خلق امرؤ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كلا ولا خلِق الورى لولاكا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أنتَ الذي من نورِك البدرُ اكتسى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والشمس مشرقةٌ بنور بهاكا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أنتَ الذي لمّا رُفعت إلى السما https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بك قد سمتْ وتزينتْ لسراكا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وقد استغربتُ هذه النسبة، ولغة القصيدة لا تشبه لغة القرن الثاني، ورجعتُ إلى عددٍ من تراجمه، فلم أجد فيها أنه قالَ شعراً، ومن الكتب التي راجعتُها:
1- أخبار أبي حنيفة وأصحابه للصيمري (ت: 436هـ)[1].
2- الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء لابن عبد البر (ت: 463هـ).
3- وفيات الأعيان لابن خلكان (ت:681هـ)، (5/ 405).
4- تاريخ الإسلام للذهبي (ت:748هـ) (3/ 990).
5- سير أعلام النبلاء له (6/ 390).
6- البداية والنهاية لابن كثير (ت:774هـ)، (10/ 137).
7- الجواهر المضية في طبقات الحنيفة لعبد القادر القرشي (ت: 775هـ) (1/ 26)[2].
والقرشي أول مَنْ صنَّف في طبقات الحنفية.

وكان معتنياً بترجمة الإمام، وله عنه كتابٌ كبيرٌ مفردٌ سمّاه: "البستان في مناقب إمامنا النعمان"، وقد أشارَ إليه في " الجواهر المضية".

8- الخيرات الحسان في مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان لابن حجر الهيتمي (ت: 973هـ)[3].
9- سلم الوصول إلى طبقات الفحول للحاج خليفة (ت:1067هـ)، (3/ 372).
10- الأعلام للزركلي (ت: 1396هـ)، (8/ 36).
♦ ♦ ♦ ♦

• وقد ذكر ابنُ حجر الهيتمي أنّه تمثَّل بالشعر، ففي "الخيرات الحسان" ص 63:
" وأجاب في مسألةٍ، فقيل له: لا يَزالُ هذا المصر - أي الكوفة - بخيرٍ ما أبقاك الله تعالى فيه. فقال:
خلت الديارُ فسدتُ غيرَ مسوَّدِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ومن العناء تفرُّدي بالسُّؤددِ" https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

• وفيه -أي "الخيرات الحسان"-ص73:
" قال ابنُ عبدالبر: كان أبو حنيفة يُحْسَدُ، ويُنسَبُ إليه ما ليس فيه، ويُختلقُ عليه مالا يليق به. وقد أقبل عليه وكيعٌ فرآه مطرقاً مفكِّراً، فقال له: من أين؟ فقال: من عند شريك. فأنشأ يقول:
إن يحسدوني فإني غير لائمهمْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قبلي من الناس أهل الفضل قد حُسِدوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فدام لي ولهم ما بي وما بهمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وماتَ أكثرُنا غيظًا بما يجدُ"[4]. https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

رد: الإمام أبو حنيفة والشعر

والبيت الأول (خلت الديار) لحارثة بن بدر الغُداني التابعي[5].

والبيتان الآخران منسوبان إلى خمسة شعراء، وهم الكميت بن معروف الأسدي، ومحمد بن عبيدالله العرزمي، ولبيد بن عطارد، وبشار بن برد، وأبو تمام[6]، ولعل الراجح أنهما لمحمد بن عبيدالله العرزمي (ت:155هـ).
♦ ♦ ♦ ♦

وبعدُ:
فقد كنت سألتُ الأستاذ الشيخ عبد الفتاح أبو غدة - رحمه الله - عن القصيدة المشار إليها في أول هذ المقال، فقال: (لا تصح. وهو غير مُسْتَبْعَدٍ عليه نظمُ الشعر، ولكنه لم يُعْرَفْ عنه أنّه قاله).
ثم رأيتُها ضمن قصيدةٍ نسبها الأبشيهي (ت:852هـ) لنفسه في كتابه "المستطرف" (1/ 491-493)[7].
♦ ♦ ♦ ♦

ومن المُستغرب قولُ تقي الدين التميمي الغزي (المتوفى سنة 1010هـ) في "الطبقات السنية في تراجم الحنفية":
(وأما ما يُنسب إلى أبي حنيفة من الشعر فكثيرٌ، منه قوله:
إن يحسُدُوني فإنِّي غيْرُ لاَئمهمْ...

البيتين السابقين[8].

ومنه قوله -وقد اتفق له مع شيطان الطاق في الحمّام لما رآه الإمامُ مكشوفَ العورة، ونهاه عن ذلك، ما هو مشهور-، وهو:
أقول وفي قولي بلاغٌ وحِكمةٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وما قلتُ قَوْلاً جئتُ فيه بمُنكَرِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ألا يا عباد الله خَافُوا إلهَكمْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فلا تدخلوا الحمَّامَ إلاَّ بمِئزرِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وأما ما كان يتمثل به أبو حنيفة من الشعر، وما مُدح به رضي الله تعالى عنه من النظم، فكثيرٌ لا يدخل تحت الحصر)!
♦ ♦ ♦ ♦

قلت: والذي وجدتُهُ منسوبًا إلى أبي حنيفة ما ذكره الإمامُ الرافعي (ت: 623هـ) في "الأمالي الشارحة" في المجلس (28) إذ قال:
(يُذكر أن أبا حنيفة أنشد لنفسه:
مَنْ طلبَ العلمَ للمعادِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فاز بفضلٍ من الرشادِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فيا لخسران طالبيهِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لنيلِ فضلٍ من العبادِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وأنه كان يُنشِدُ كثيرًا:
كفى حزنًا ألّا حياةَ هنيئةٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولا عملٌ يرضى به اللهُ صالحُ). https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

♦ ♦ ♦ ♦

وجاء في "تنوير بصائر المقلدين في مناقب الأئمة المجتهدين" للكرمي (ت:1033هـ) ص92:

(قال محمد بن الحسن: إن أبا حنيفة قال لعيسى بن موسى أمير الكوفة:
كسرةُ خبز وقعب ماء https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وفردُ ثوبٍ مع السلامهْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

خيرٌ من العيش في نعيمٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يكونُ مِنْ بعده ندامهْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ومن كلامهِ أيضًا:
ومن المروءة للفتى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ما عاش دارٌ فاخِرهْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فاشكرْ إذا أوتيتَها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
واعملْ لدارِ الآخِرهْ). https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ويجبُ التثبتُ من نسبة هذه الأبيات إليه.

وليت القراء يتابعون البحث في تراجم الإمام أبي حنيفة، لاسيما تراجمه المفردة ككتاب الصالحي والسيوطي، وغيرهما.

[1] دار الكتاب العربي، بيروت، ط،، 1986م.

[2] دائرة المعارف النظامية، الهند، 1332هـ.

[3] المطبعة الخيرية، مصر، 1304هـ.

[4] والخبر في "تاريخ بغداد" (13/ 367) وغيره، ولم أجده في "الانتقاء".

[5] وقد جمَعَ شعرَه الدكتور حاتم الضامن في كتاب، واستنزله عنه الدكتور نوري حمودي القيسي، وأخذه ونشرَهَ في كتابه " شعراء أمويون". (بغداد 1396هـ-1976م).

[6] نُسِبا إليه في "غرر الخصائص الواضحة"، ولكن ذكرهما أبو تمام في "الحماسة"، ولم ينسبهما إلى نفسه، فنسبتهما إليه لا تصح.

[7] وقد جاء فيها:

(أنا طامع في الجود منك ولم يكن https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لابن الخطيب من الأنام سواكا) https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وغيَّر بعضُ الناس قوله: (لابن الخطيب من) فجعله: (لأبي حنيفة في)!!

[8] والصحيح أنَّ الإمام تمثل بهما وليسا له.