من أقوال السلف في الطاعة والعبادة
من أقوال السلف في الطاعة والعبادة -1 فهد بن عبد العزيز الشويرخ الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمن أعظم النعم وأفضل المنح أن يوفق العبد لطاعة الله, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الله لم يكرم عبده بكرامة أعظم من موافقته فيما يحبه ويرضاه وهو طاعته وطاعة رسوله وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه. فطوبى لمن وفقه الله لطاعته وعبادته, وأعانه على ذلك, قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: الله سبحانه إذا أراد توفيق عبد وهدايته, أعانه ووفقه لطاعته, فكان ذلك فضلاً منه, وإذا أراد خذلان عبدٍ وكله إلى نفسه, وخلى بينه وبينها, فأغواه الشيطان لغفلته عن ذكر الله, {وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمرُهُ فُرُطًا} [الكهف:28]وكان ذلك عدلاً منه فلنجاهد أنفسنا لنكون من الطائعين, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الطائع قليل والمعاند كثير. فالعبد لا ينفعه إلا طاعة ربه, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ما ينفع العبد هو: طاعة الله, وعبادته, إذ النافع له هو طاعة الله, ولا شيء أنفع له من ذلك. للسلف أقوال في الطاعة والعبادة, يسّر الله الكريم فجمعت بعضاً منها, أسأل الله أن ينفع بها الجميع.
& العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة & العبادة هي الغاية التي خلق الله لها العباد, من جهة أمر الله ومحبته ورضاه, كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] وبها أرسل الرسل, وأنزل الكتب, وهي اسم يجمع كمال الحب لله ونهايته, وكمال الذّلّ ونهايته, فالحب الخلي عن ذل, والذّلّ الخلي عن حب لا يكون عبادة, وإنما العبادة ما يجمع كمال الأمرين, ولهذا كانت العبادة لا تصلح إلا لله. وهي وإن كانت منفعتها للعبد, والله غني عن العالمين, فهي له من جهة محبته لها, ورضاه بها.
& قوله علية الصلاة والسلام: « لن يشاد الدين أحد إلا غلبه » المعنى: لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرفق إلا عجز, وانقطع فيغلب. قال ابن المنير: في هذا الحديث علم من أعلام النبوة, فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع. & الأخذ بالتشديد في العبادة يُفضي إلى الملل القاطع لأصلها, وملازمة الاقتصار على الفرائض مثلاً, وترك التنفل يُفضي إلى البطالة, وعدم النشاط إلى العبادة, وخير الأمور الوسط. & من أجهد نفسه في شيء من العبادة خشي عليه أن يملّ فيفضي إلى تركه. & الاقتصاد في العبادة وترك التعمق فيها لأن ذلك أنشط, والقلب به أشد انشراحاً ** قال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: أنتم متى تكلفتم من العبادة ما لا تطيقون, لحقكم الملل, وأدرككم الضعف والسآمة, وانقطع عملكم, فانقطع عنكم الثواب لانقطاع العمل, يحضهم صلى الله عليه وسلم على القليل الدائم ويخبرهم أن النفوس لا تحتمل الإسراف عليها ** قال الإمام النووي رحمه الله: فيه الحث على القصد في العبادة, وأنه ينبغي للإنسان أن لا يحتمل من العبادة إلا ما يطيق الدوام عليه, ثم يحافظ عليه
& رضا العبد بطاعته دليل على حسن ظنه بنفسه, وجهله بحقوق العبودية, وعدم علمه بما يستحقُّه الربُّ جلَّ جلالُه ويليق أن يعامل به. & الرضا بالطاعة من رعونات النفس وحماقتها...وأرباب العزائم والبصائر أشدُ ما يكونون استغفاراً عقيب الطاعات لشهودهم تقصيرهم فيها وترك القيام بها كما يليق بجلاله وكبريائه. & الله سبحانه إذا أراد بعبده خيراً أنساه رؤية طاعاته, ورفعها من قلبه ولسانه,...فعلامةُ السعادة أن تكون حسنات العبد خلف ظهره, وسيئاتهُ نصبَ عينيه, وعلامة الشقاوة أن يجعل حسناته نصب عينيه, وسيئاته خلف ظهره.
** قال الإمام النووي رحمه الله: استحباب إخفاء الأعمال الصالحة, وما يكابده العبد من المشاق في طاعة الله تعالى, ولا يظهر شيئاً من ذلك إلا لمصلحة, مثل بيان حكم ذلك الشيء, والتنبيه على الاقتداء به فيه, ونحو ذلك, وعلى هذا يحمل ما وجد للسلف من الأخبار بذلك.
& الجهر بالعبادة قد يكون في بعض المواضع أفضل من الإسرار, وهو عند التعليم, وإيقاظ الغافل, ونحو ذلك. & العمل الصالح...قد يستحب إظهاره ممن يقتدى به على إرادته الاقتداء به, ويقدر ذلك بقدر الحاجة.
** قال العلامة العثيمين رحمه الله: قد تكون هناك علامات لمن تقبل الله منهم من الحُجَّاج والصائمين والمتصدِّقين والمصلِّين, وهي انشراح الصدر, وسرور القلب, ونور الوجه, فإن للطاعات علامات تظهر على بدن صاحبها, بل هي ظاهره وباطنه أيضاً, وذكر بعض السلف أن من علامات قبول الحسنة : أن يُوفَّق الإنسان لحسنة بعدها, فإن توفيق الله إياه لحسنة بعدها يدل على أن الله عز وجل قبل عمله الأول, ومنَّ عليه بعمل آخر يرضي به عنه. & جاء في الحديث: « من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن» , هذا شهادة من الرسول عليه الصلاة والسلام: أن الإنسان إذا فعل الحسنة وسُرَّ بذلك وفرح وانشرح صدره. |
رد: من أقوال السلف في الطاعة والعبادة
من أقوال السلف في الطاعة والعبادة -2 فهد بن عبد العزيز الشويرخ
& إن العبد إذا عمل بطاعة الله أحبه الله, وإذا أحبه الله حببه إلى خلقه. & اعمل عملاً صالحاً قبل الغزو, فإنما تقاتلون الناس بأعمالكم. ** قال أبو سليمان الدارني: أهل الطاعة في طاعتهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم. ** عن يحيى بن أبي كثير قال: كان يقال: ما أكرم العبادُ أنفسهم بمثل طاعة الله, ولا أهان العباد أنفسهم بمثل معصية الله. ** قال الإمام ابن قتيبة رحمه الله: من أراد عزاً بلا عشيرة, وهيبة بلا سلطان, فليخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعة الله. ** قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: & الإنسان إذا كان مقيماً على طاعة الله باطناً وظاهراً...فهو في جنة الدنيا. & المسلم الصادق إذا عبد الله بما شُرِعَ, فتحَ الله عليه أنوار الهداية في مدة قريبة. & الطاعة سبب النعمة. & الطاعة عاقبتها سعادة الدنيا والآخرة. & الله يعطي من أطاعه قوة في قلبه وبدنه يكون بها قادراً على ما لا يقدر عليه غيره. & العمل الصالح مثل صلاة أقبل عليها بقلبه ووجهه وأخلص فيها وراقب, وفَقِه ما بُنيت عليه من الكلمات الطيبات والأعمال الصالحة, يعقبه في عاجل أمره نور في قلبه, وانشراح في صدره, وطمأنينة في نفسه...وتثبيت في يقينه, وقوة في عقله. ** قال العلامة ابن القيم رحمه الله: & جعل الله تعالى للحسنات والطاعات آثاراً محبوبة لذيذة طيبة, لذتها فوق لذة المعصية بأضعاف مضاعفة, لا نسبة لها إليها. & آثار الحسنات والسيئات في القلوب والأبدان والأموال أمر مشهود في العالم, لا ينكره ذو عقل سليم...وشهود العبد هذا في نفسه وفي غيره وتأمله ومطالعته مما يقوى إيمانه بما جاءت به الرسل, وبالثواب والعقاب. ** قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: ما استجلب العبد من الله ما يحب, واستدفع منه ما يكره, بأعظم من اشتغاله بطاعة الله, وعبادته, وذكره, وهو حقيقة الإيمان, فإن الله يدفع عن الذين آمنوا. ** قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: المتوجه إلى ربه يُعان, فلا يسرع إليه النصب, والجوع, بخلاف المتوجه إلى غيره. ** قال العلامة السعدي رحمه الله: & الطاعات تصلح بها الأخلاق, والأعمال, والأرزاق, وأحوال الدنيا, والآخرة. & من سبق في الدنيا إلى الخيرات, فهو السابق في الآخرة إلى الجنات, فالسابقون أعلى درجة, والخيرات تشمل جميع الفرائض والنوافل, من صلاة, وصيام, وزكاة, وحج, وعمرة, وجهاد, ونفع متعد وقاصر. & في الاشتغال بعبادة الله تسلية للعابد عن جميع التعلقات والمشهيات, كما قال تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ﴾ إلى أن قال: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا } & متى عرف العبد ما في الطاعات من صلاح القلوب, وزيادة الإيمان, واستكمال الفضائل, وما تثمره من الخيرات والكرامات, وما في المحرمات من الضرر والرذائل, وما توجبه من العقوبات المتنوعة, وعلم ما في أقدار الله من البركة, وما لمن قام بوظيفته فيها من الأجور, هان عليه الصبر على جميع ذلك & السابقون في الدنيا إلى الخيرات, هم السابقون في الآخرة لدخول الجنات. & كل خير يوجد في الدنيا والآخرة فإنه من آثار عبادة الله وتقواه. & مما أمر الله به الصلاة, والزكاة, والصيام, والحج التي من فوائدها: انشراح الصدر ونوره, وزوال همومه وغمومه, ونشاط البدن وخفته, ونور الوجه, وسعة الرزق, والمحبة في قلوب المؤمنين, وفي الزكاة والصدقة ووجوه الإحسان: زكاة النفس, وتطهيرها, وزوال الوسخ والدرن عنها, ودفع حاجة أخيه المسلم وزيادة بركة ماله ونماؤه, مع ما في هذه الأعمال من عظيم ثواب الله الذي لا يمكن وصفه, ومن حصول رضاه الذي هو أكبر من كل شيءٍ, وزوال سخطه. وما ذكره الله في كتابه من الأعمال كلها, كالجهاد, والصلاة, والصوم, والحج, وبقية الأعمال, والإحسان إلى الخلق, فإنها وإن كان المقصود الأعظم منها نيل رضى الله, وقربه, وثوابه, والإحسان إلى عبيده, فإن فيها صحة للأبدان, وتمريناً لها, ورياضة, وراحة للنفس, وفرحاً للقلب, وأسرار خاصة تحفظ الصحة, وتنميها, وتزيل عنها المؤذيات, وبالجملة فإن جميع الشرائع ترجع إلى صلاح القلوب والأرواح, والأخلاق, والأبدان, والأموال, والدنيا والآخرة, والله أعلم. ** قال الشيح سعد بن ناصر الشثري: الإثم سبب من أسباب ضيق الصدر, وقلقه واضطرابه, مما يدل على أن الطاعة سبب للطمأنينة.
وواظب على درس القرآن فإنهُ يُلين قلباً قاسـياً مثل جلمـد ومنها: أن يكون الإنسان قلبه دائماً متعلقاً بالله مٌعرضاً عما سواه, مُتجنباً للقيل والقال, وكثرة السؤال, ومنها: أن يحضر قلبه عند العبادة بحيث لا يفكرُ ولا يوسوسُ, بل يكون قلبه حاضراً يتأمل ما يقول وما يفعل من عبادة الله عز وجل. وقال رحمه الله: إذا شعر الإنسان بأنه مفتقر لربه فسيجد حلاوة العبادة
|
رد: من أقوال السلف في الطاعة والعبادة
من أقوال السلف في العبادة والطاعة - 3 فهد بن عبد العزيز الشويرخ
** قال العلامة العثيمين رحمه الله: ينبغي للإنسان أن يكون عنده فقه في دين الله, وأن يتبع ما جاء عن السلف...وألا يعبد الله بالهوى وإنما يعبده بالهُدى, فاعبد الله بالهدى لا بالهوى, ولو أننا قُلنا: إن الإنسان يعبد الله بالهوى, لكان أولئك أصحاب الطرق الذين ابتدعوا في دين الله ما ليس منه لكانوا على صواب, و لاختلف الناس فيما بينهم في دين الله, ولكن إذا قلنا: العبادةُ موقوفة على ما جاء به الشرع فحينئذ نتَّحد ويكون عملنا واحد.
ولو قصد قاصد بنومه تقليل معاصيه, أو تنفير نفسه عن شرّ اليقظة, لكان في نومه طائعاً. فاجتهد أن تجعل جميع أفعالك طاعات, حتى اللذات, ونيل الشهوات. ** قال الإمام النووي رحمه الله: المباح إذا قصد به وجه الله صار طاعة ويثاب عليه...وذلك كالأكل بنية التقوى على طاعة الله, والنوم للاستراحة ليقوم إلى العبادة نشيطاً, والاستمتاع بزوجته وجاريته ليكف نفسه وبصره عن الحرام وليقضي حقها وليحصل ولداً صالحاً. ** قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: المباح إذا قصد به وجه الله صار طاعة.
** قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: المرء إذا لاحت له فرصة في الطاعة فحقه أن يبادر إليها, ولا يسوف بها لئلا يحرمها.
** قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: المداومة على العبادة وإن قلت, أولى من جهد النفس في كثرتها إذا انقطعت, فالقليل الدائم أفضل من الكثير المنقطع غالباً.
** قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: الثواب في العبادة يكثر بكثرة النصب أو النفقة, والمراد النصب الذي لا يذمه الشرع, وكذا النفقة, قاله النووي. وقال ابن الجوزي: ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت, كما يزيد بحضور القلب, وبخلوص القصد. ** قال العلامة السعدي رحمه الله: العبادة الشاقة على النفس, لها فضل ومزية, ليست لغيرها, وكلما عظمت المشقة عظم الأجر.
** قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: & آفة العبادة الرياء. & أجمع المسلمون على أن مجرد أعمال البدن بدون عمل القلب لا يكون عبادة ولا طاعة لله, وأن كل عمل لا يُرادُ به وجه الله فليس هو عبادة له.
إذا استشعر الإنسان عند فعل العبادة أنه يفعلها امتثالاً لأمر الله فإنه يجد لها لذةً وأثراً طيباً.
وفي الختام فقد كان السلف يجتهدون في العبادة والطاعة مع الخوف والوجل. قال الإمام الغزالي رحمه الله: كان الناس في العصور الأول يواظبون على العبادات, ويؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون, يخافون على أنفسهم, وهم طول الليل والنهار في طاعة الله, يبالغون في التقوى, والحذر من الشبهات والشهوات, ويبكون على أنفسهم في الخلوات. |
الساعة الآن : 12:59 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour