ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   فتاوى وأحكام منوعة (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=109)
-   -   بيان ومفهوم معنى البسملة (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=277751)

ابوالوليد المسلم 16-06-2022 09:00 PM

بيان ومفهوم معنى البسملة
 
بيان ومفهوم معنى البسملة
الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي



البسملة: اسم.
ولفظة (بسملة): مصدرها بسمل.
وبسملَ فِعل: أي: يبسمل، بَسْمَلَةً، فهو مُبسمِل، فالبسملة اسم بُنيَ من فعل، وهو من بسمل الشخص إذا قال: بسم الله، كقولهم: حوقل إِذا قال: لا حول ولا قوَّة إِلا بالله، وحمدل إِذا قال: الحمد لله[1].

وهي من الكلام المنحوت المجموع من كلمتين[2].

والعرب تفعل هذا إِذا كثر استعمالهم للكلمتين ضموا بعض حروف إِحداهما إِلى بعض حروف الأُخرى منه[3].

والبسملة هي قول:﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة: 1]
والاسم: كلمة يستدل بها على مُسَمًّى بذاته وعينه، يعرف به، ويتميّز به عن غيره.

ولفظ الجلالة:﴿ اللَّهِ اسم علم على الذات الإلهية لربّ العزة والجلال تبارك وتعالىوهو غني عن تعريف خلقه جل في علاه.

والإله هو المألوه الذي تألهه القلوب وتحبه وتخضع له، وتعبده خوفًا وطمعًا، وتدعوه رغبًا ورهبًا، وتعظمه تذللًا وتزلفًا، وتتوكل عليه وتنطرح بين يديه افتقارًا واضطرارًا إليه سبحانه وتعالى.

﴿ بِسْمِ اللَّهِ أي: أبدأ وأستهل بسم الله تعالى، وهي بركة واستعانة.

والجار والمجرور -على التعظيم والإجلال- في ﴿ اللَّهِ متعلق بفعل مقدر، تقديره: «أبدأ».

ومعناها: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ وحده أقرأ كلامه وأتلوه متبركًا.

أي: أبتدأ قراءتي حال كوني متبركًا ومستعينًا ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وهي مشروعة ومستحبة في أحوال شتى منها على سبيل البيان لا الحصر:
عند الوضوء، وعند المأكل والمشرب، وعند الوقاع، وعند الخروج من البيت والولوج فيه، وعند غلق الأبواب، وعند النوم، وعند التخلي، وعند الصيد، وعند الذبح، وعند التألم والتوجع يرقي بها نفسه، وفي أذكار طرفي النهار، وعند السفر وعند ركوب الدابة وعند تعثرها، وعند ركوب البحر، وعند قتال العدو، وعند المكاتبات كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عند مكاتبة الملوك يدعوهم إلى الإسلام، وعند لحد المسلم في قبره، وفي غيرها من المواضع التي لا يسع المجال لذكرها بل ولا لحصرها.

قال الجصاص[4]رحمه الله:«وَالأَحْكَامُ الَّتِي يَتَضَمَّنُهَا قَوْلُهُ: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الأَمْرُ بِاسْتِفْتَاحِ الأُمُورِ لِلتَّبَرُّكِ بِذَلِكَ، وَالتَّعْظِيمُ لِلَّهِ ۵ بِهِ، وَذِكْرُهَا عَلَى الذَّبِيحَةِ شِعَارٌ وَعَلَمٌ مِنْ أَعْلامِ الدِّينِ وَطَرْدِ الشَّيْطَانِ؛ وَفِيهِ إظْهَارُ مُخَالَفَةِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَفْتَتِحُونَ أُمُورَهُمْ بِذِكْرِ الأَصْنَامِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْمَخْلُوقِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ، وَهُوَ مَفْزَعٌ لِلْخَائِفِ، وَدَلالَةٌ مِنْ قَائِلِهِ عَلَى انْقِطَاعِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلُجُوئِهِ إلَيْه، وَأُنْسٌ لِلسَّامِعِ، وَإِقْرَارٌ بِالأُلُوهِيَّةِ، وَاعْتِرَافٌ بِالنِّعْمَةِ، وَاسْتِعَانَةٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَعِيَاذَةٌ بِهِ، وَفِيهِ اسْمَانِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَخْصُوصَةِ بِهِ لا يُسَمَّى بِهِمَا غَيْرُهُ، وَهُمَا اللَّهُ وَالرَّحْمَنُ»[5].

و﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اسمان كريمان عظيمان من أسماء الله تعالى الحسنى، يدلان على اتصاف الله تعالى بالرحمة الواسعة، و﴿ الرَّحْمَنِ دال على صفة ذاتية، و﴿ الرَّحِيمِ دال على صفة فعلية.

و﴿ الرَّحْمَنِ وصفٌ بالرحمة، و﴿ الرَّحِيمِ هو الذي يرحم بتلك الرحمة، سبحانه:﴿ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام: 12] [الأنعام:54]، كما قال تعالى: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة: 163]، والرحمن من الأسماء الخاصة به جل في علاه والتي لا يجوز ولا يصح أن يوصف بها سواه سبحانه وتعالى، تعالى: ﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الإسراء: 110].

و﴿ الرَّحْمَنِ على وزن فعلان، وهو يدل على الشمول والسعة والامتلاء، وهو اسم من أسماء الله تعالى الحسنى مشتق من الرحمة، وهي رحمة عامة لجميع الخلق.

ومما يدل على ذلك ذكر الله للاستواء باسم ﴿ الرَّحْمَنِ ليعم الرحمن جميع خلقه برحمته الواسعة الشاملة، فكما أن عرشه يعم جميع خلقه فكذلك رحمته.

كما قال تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5].

﴿ الرَّحْمَنُ على وزن فعيل، اسم من أسماء الله الحسنى، الواصلة لخلقه، وقد تكون أخص بالمؤمنين في الآخرة.

قال ابن القيم رحمه الله: «الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه، والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم، فكان الأول للوصف والثاني للفعل فالأول دال على أن الرحمة صفته، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته، وإذ ا أردت فهم هذا فتأمل قوله ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا [الأحزاب: 43] وقوله ﴿ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة: 117] ولم يجئ قط (رحمن بهم) فعلم أن رحمن هو الموصوف بالرحمة، ورحيم هو الراحم برحمته»[6] ا.هـ .

وكلام ابن القيم رحمه الله وكلام غيره من أهل العلم يؤكد أن ﴿ الرَّحْمَنِ رحمة خاصة يرحم الله بها من شاء من عباده المؤمنين وهذا ما دلت عليه الآية: ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا [الأحزاب]. وقد تكون أخص بالمؤمنين في الآخرة كما مرَّ معنا آنفًا، ويؤيد ذلك أيضًا القرطبي[7].


المصدر: «معالم التوحيد في فاتحة الكتاب»

[1] ينظر: لسان العرب لابن منظور (2/ 402) .

[2] ينظر: تاج العروس للزبيدي مادة (عبد).

[3] لسان العرب لابن منظور (11 / 701).

[4] أبو بكر الجصاص، (305 - 370هـ): الجصاص الحنفي هو: أبو بكر أحمد بن علي الرازي المشهور بالجصاص، ولد في مدينة الري، ثم رحل إلى بغداد، كان إمام الحنفية في وقته، واستقر التدريس له ببغداد، وانتهت الرحلة إليه، وله تصانيف كثيرة. ينظر ترجمته في: مقدمة كتابه (أحكام القرآن) (ص4، 5)، والفوائد البهية في تراجم الحنفية للكنوي (ص27، 28).

[5]بتصرف يسيرأحكام القرآن للجصاص (1/ 19).

[6] بدائع الفوائد (1/ 24 ).

[7]تفسير القرطبي (1/ 105).







الساعة الآن : 03:17 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 11.72 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 11.63 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.80%)]