ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=41)
-   -   حقوق أمهات المؤمنين رضي الله عنهن (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=275068)

ابوالوليد المسلم 04-03-2022 06:21 PM

حقوق أمهات المؤمنين رضي الله عنهن
 
حقوق أمهات المؤمنين رضي الله عنهن (1)
سلامة إبراهيم محمد دربالة النمر



‌الحمد ‌لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله أجمعين، ‌وأزواجه الطيبات ‌الطاهرات، أمهات المؤمنين، وأصحابه الهداة المهتدين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:

‌الإخوة ‌الكرام والأخوات ‌الفضليات، ‌السلام ‌عليكم ‌ورحمة الله وبركاته.
يلحظ ‌القارئ للكتابِ والسُّنَّةِ المتفهم لمعانيهما أنهما قد اهتما ‌غاية ‌الاهتمام ببيان فضائل وحقوق أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، ثم وفق الله سبحانه وتعالى أهل الحديث ‌فبوَّبوا أبوابًا ضمن ما جمعوا من الأحاديث في فضائل أمهات المؤمنين، ومناقبهن وحقوقهن؛ بل إن المصنفين قديمًا وحديثًا صنفوا مصنفات مستقلة؛ منها: "السمط ‌الثمين في مناقب أمهات المؤمنين"، لمحب الدين ‌الطبري أحمد بن عبدالله، المتوفى سنة 694 ه، وكتاب: "الأربعين ‌في ‌مناقب أمهات المؤمنين"، لابن عساكر الشافعي، المتوفى سنة 620 ه.

ولعل من المناسب ذكر حقوق أمهات المؤمنين رضي الله عنهن بشيء ‌من ‌التفصيل حسب الاستطاعة، ‌واللَّه المستعان.

الترضي والاستغفار ‌عن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وأرضاهن:
جرت عادة السلف والخلف من عموم الأمة ‌الترضي والاستغفار والترحم ‌عن الصحابة رضي الله عنهم، وأمهات المؤمنين رضي الله عنهن يدخلن ‌في ‌عموم ‌الصحابة؛ لأنهن منهم؛ قال تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾ [التوبة: 100]، وقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].

‌فيُستحب "‌الترضي والترحُّم على الصحابة والتابعين، فمن بعدهم من العلماء والعبَّاد وسائر الأخيار، فيُقال: رضي الله عنه، أو رحمه الله، ونحو ذلك"[1].

ومن السنة "تولي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبتهم وذكر محاسنهم، والترحم عليهم، والاستغفار لهم، والكف عن ذكر مساوئهم، وما شجر بينهم، واعتقاد فضلهم، ومعرفة سابقتهم... ومن السنة: ‌الترضي ‌عن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين المطهرات المبرآت من كل سوء، أفضلهن خديجة بنت خويلد، وعائشة الصديقة بنت الصديق، التي برأها الله في كتابه، زوج النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، فمن قذفها بما برأها الله منه، فقد كفر بالله العظيم"[2].


والجدير بالذكر أن آيات القرآن والأحاديث النبوية قد ‌أكدَّا ورغَّبا في ‌الدعاء، ‌والترحم والتصدق، والحج، وسائر الطاعات على موتى المسلمين عرفانًا بحقهم وفضلهم، وفي ذلك فوائد للأموات، فالدعاء للسابقين مستجاب؛ اعتمادًا على فضل وسَعَةِ رحمة الله تعالى، يصل إليهم ثواب جميع العبادات، وكذا فوائد للأحياء، فهي من الصدقات الجارية التي يلحقهم ثوابها بعد الموت.

حفظ وصية النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فيهن، والإِحسان إليهن:
وعن الوصاة بأهل بيته صلى اللَّه عليه وسلم وقرابته، عن ابن عمر، عن أبي بكر رضي الله عنهم، قال: " ‌ارْقُبُوا [3] ‌مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ "[4].

قوله: "((ارقبوا محمدًا في أهل بيته))، يخاطب بذلك الناس ويوصيهم به، والمراقبة للشيء المحافظة عليه، يقول: احفظوه فيهم، ‌فلا ‌تؤذوهم، ‌ولا ‌تسيئوا ‌إليهم"[5].

وعن توقير آل البيت وعلوِّ منزلتهم؛ قال الحافظ ابن كثير: "ولا ننكر ‌الوصاة ‌بأهل ‌البيت، والأمر بالإحسان إليهم، واحترامهم وإكرامهم، فإنهم من ذرية طاهرة، من أشرف بيت وُجد على وجه الأرض، فخرًا وحسبًا ونسبًا، ولا سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية، كما كان عليه سلفهم، كالعباس وبنيه، وعليٍّ وأهل بيته وذريته، رضي الله عنهم أجمعين"[6].

وقد ‌‌دخل "‌الأزواج في الآل وخصوصًا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تشبيهًا لذلك بالسبب؛ لأن اتصالهن بالنبي صلى الله عليه وسلم غير مرتفع، وهن محرمات على غيره في حياته، وبعد مماته، وهن زوجاته في الدنيا والآخرة"[7].

ومن باب الوصاة بأهل البيت، كان عمر يقدمهم في العطاء على جميع الناس، ويفضلهم في العطاء؛ عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال لعمر بن الخطاب: ((إِنَّ فِي الظَّهْرِ[8] نَاقَةً عَمْيَاءَ، فَقَالَ عُمَرُ: ‌ندْفَعْهَا ‌إِلَى ‌أَهْلِ ‌بَيْتٍ ‌يَنْتَفِعُونَ ‌بِهَا، فَقُلْتُ: وَهِيَ عَمْيَاءُ؟ قَالَ: يَقْطُرُونَهَا بِالإِبِلِ، قَالَ: فَقُلْتُ: كَيْفَ تَأْكُلُ مِنَ الأَرْضِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: أَمِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ هِيَ، أَمْ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ؟ قال: فَقُلْتُ: مِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَرَدْتُمْ، وَاللَّهِ، أَكْلَهَا، فَقُلْتُ: إِنَّ عَلَيْهَا وَسْمَ الْجِزْيَةِ، فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ، فَنُحِرَتْ، وَكَانَ عِنْدَهُ صِحَافٌ تِسْعٌ، فَلَا تَكُونُ فَاكِهَةٌ وَلَا طُرَيْفَةٌ، إِلَّا جَعَلَ مِنْهَا فِي تِلْكَ الصِّحَافِ، فَيبَعَثَ بِهَ إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَكُونُ الَّذِي يَبْعَثُ بِهِ إِلَى حَفْصَةَ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقْصَانٌ، كَانَ فِي حَظِّ حَفْصَةَ، قَالَ: فَجَعَلَ فِي تِلْكَ الصِّحَافِ مِنْ لَحْمِ تِلْكَ الْجَزُورِ، فَبَعَثَ بِهِ إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بِمَا بَقِيَ، فَصُنِعَ، فَدَعَا عَلَيْهِ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ))[9].

فكان عمر رضي الله عنه "يفضِّل أهل السوابق ومَن له مِن رسول الله قرابة في العطاء، وفضَّل أزواج النبي في العطاء على الناس أجمعين، ففرض لكل واحدة اثني عشر ألفًا، ولم يلحق بهن أحدًا إلا العباس، فإنه جعله في عشرة آلاف، وذهب عثمان في ذلك إلى التفضيل، وبه قال مالك"[10].

ونستنتج من الآثار المتواترة: أهمية الوصاة بأهل البيت، واختلاف الصحابة رضي الله عنهم في قسم الفيء والعطاء، فرُوى عن بعضهم التسوية في العطاء بين الحر والعبد، والشريف والوضيع، وروى عن البعض الآخر التفضيل بين الناس، وهذا يدل على محبة آل البيت، والرفق بهم والمحافظة عليهم، واحترامهم ومراعاتهم، وحبهم وتوقيرهم.

والحمد لله وحده، ‌وصلى ‌الله ‌على سيدنا محمد وآله وأصحابه، وأزواجه وذريته والتابعين لهم بإحسان، وسلم تسليمًا كثيرًا.


[1] الأذكار، المؤلف: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (ت: 676 هـ)، ص118، تحقيق: عبدالقادر الأرنؤوط رحمه الله، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، 1414هـ - 1994م.

[2] لمعة الاعتقاد، المؤلف: أبو محمد موفق الدين عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي، الشهير بابن قدامة المقدسي (ت 620 هـ)، ص39، الناشر: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية، الطبعة: الثانية، 1420 هـ - 2000م.

[3] معنى: "ارقبوه": ارعوه ‌واحترموه وأكرموه؛ انظر: رياض الصالحين، المؤلف: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (ت 676ه)، ص139، المحقق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة: الثالثة، 1419 هـ/ 1998م.


[4] صحيح البخاري: كتاب المناقب، باب مناقب قرابة النبي صلى الله عليه وسلم، ج5، ص21، رقم ح 3713.

[5] فتح الباري لابن حجر، ج7، ص79.

[6] تفسير ابن كثير، ج7، ص201.

[7] جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام، المؤلف: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (ت: 751ه)، ص217، المحقق: شعيب الأرنؤوط، دار العروبة، الكويت، الطبعة الثانية، 1987م.

[8] الظهر وهي ‌دواب السفر؛ [انظر: مشارق الأنوار على صحاح الآثار للقاضي عياض، ج1، ص30].

[9] الأم، المؤلف: الشافعي أبو عبدالله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن عبدالمطلب بن عبدمناف المطلبي القرشي المكي (ت: 204ه)، ج2، ص87، الناشر: دار المعرفة - بيروت، الطبعة: بدون طبعة، سنة النشر: 1410هـ/1990م.

[10] شرح صحيح البخاري لابن بطال، ج5، ص340.









ابوالوليد المسلم 19-03-2022 02:08 PM

رد: حقوق أمهات المؤمنين رضي الله عنهن
 
حقوق أمهات المؤمنين رضي الله عنهن (2)
سلامة إبراهيم محمد دربالة النمر


















الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده محمد بن عبدالله، وعلى آله وأصحابه، ومن اتبع هداهم إلى يوم الدين؛ أما بعد:



أيها الإخوة الكرام، ‌أحييكم ‌بتح ية ‌الإسلام، ‌السلام ‌عليكم ‌ورحمة ‌الله ‌وبركاته، إن شاء الله تعالى نكمل الحديث عن حقوق أمهات المؤمنين رضي الله عنهن؛ ومنها:



ذكر محاسنهن ومدائحهن والثناء عليهن:



عن ابن أبي مليكة، قال: ((استأذن ابن عباسٍ قبل موتها على عائشة وهي مغلوبة، قالت: أخشى أن يثنيَ عليَّ، فقيل: ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن وجوه المسلمين، قالت: آذنوا له، فقال: ‌كيف ‌تجدينكِ؟ ‌قالت: ‌بخيرٍ ‌إن ‌اتقيت، قال: فأنتِ بخيرٍ إن شاء الله، زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينكح بكرًا غيركِ، ونزل عذركِ من السماء، ودخل ابن الزبير خلافه، فقالت: دخل ابن عباسٍ فأثنى عليَّ، ووددت أني كنت نسيًا منسيًّا[1]))[2].







قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "في القصة دلالة على: سعة علم ابن عباس، وعظيم منزلته بين الصحابة والتابعين، وتواضع عائشة وفضلها وتشديدها في أمر دينها، وأن الصحابة كانوا لا يدخلون على أمهات المؤمنين إلا بإذن ومشورة الصغير على الكبير، إذا رآه عدل إلى ما الأولى خلافه، والتنبيه على رعاية جانب الأكابر من أهل العلم والدين، وألا يترك ما يستحقونه من ذلك لمعارض دون ذلك في المصلحة"[3].







وفي ضوء ذلك: لا بد من بيان ‌بعض آداب ابن عباس في دخوله على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، يطلب ‌الإذن في الدخول، فأذِنت له، ولما رأى ‌شدة ‌وجعها وغلبة ‌مرضها عليها، خاطبها بأحسن الخطاب، وناداها بالأمومة، وهي أمومة احترام وتقدير، وبشرها بطيب المقام، واجتماعها مع الأحبة في الجنة، وأثنى عليها بمحاسن ‌أعمالها، ‌وبركاتها المتكررة على الصحابة، وكونها سببًا لكل ما لهم فيه؛ رفقًا ومصلحة.







ومن ‌‌‌تواضع ‌أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها ‌أوصت عبدالله بن الزبير، وهو ‌ابن ‌أختها ‌أسماء بنت أبي بكر أن يدفنها مع أمهات المؤمنين في البقيع؛ عن عائشة، قالت لعبدالله بن الزبير: ((‌ادفني ‌مع ‌صواحبي، ولا تدفني مع النبي صلى الله عليه وسلم في البيت، فإني أكره أن أزكى))[4].







قال الكرماني: "قوله: (أوصت عبدالله)؛ وهو ابن أختها؛ لأن أمه أسماء أخت عائشة و(صواحبي)؛ أي: أمهات المؤمنين، وقال ابن بطال: ‌فيه ‌معنى ‌التواضع، كرهت عائشة أن يقال: إنها مدفونة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون في ذلك تعظيم لها"[5].







أمْر صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليهن ‌بعد الصلاة عليه:




‌أمر ‌النبي ‌صلى ‌الله ‌عليه ‌وسلم ‌بالصلاة عليه وعلى أزواجه وذريته؛ عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه، أنه قال: ((يا رسول الله، كيف نصلي عليك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا: ‌اللهم ‌صلِّ ‌على ‌محمدٍ ‌وأزواجه ‌وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمدٍ وأزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد))[6].







فمن الواجب على الأمة نحو أمهات المؤمنين حفظ حقوقهن بعد ذهابهن بالصلاة عليهن، والاستغفار لهن، وذكر مدائحهن، وحسن الثناء عليهن ما على الأولاد في أمهاتهن اللاتي ولدنهم، وأكثر لمكانهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزيادة فضلهن على غيرهن من نساء هذه الأمة[7].







قال الباقلاني: "ويجب أن نعترف بفضل أزواجه رضي الله عنهن، وأنهن أمهات المؤمنين، كما وصفهن الله تعالى ورسوله، ونقول في الجميع: خيرًا، ونبدع، ونضلل، ونفسق من طعن فيهن أو في واحدة منهن، لنصوص الكتاب والسنة في فضلهم ومدحهم والثناء عليهم، فمن ذكر خلاف ذلك، كان فاسقًا مخالفًا للكتاب والسنة، نعوذ بالله من ذلك"[8].







إكرامهن واحترامهن والعناية بهن:



أمر النبي صلى الله عليه وسلم باحترام وإكرام أهل بيته، عن يزيد بن حيان، قال: ((انطلقت أنا وحصين بن سبرة، وعمر بن مسلمٍ، إلى زيد بن أرقم، فلما جلسنا إليه، قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيرًا كثيرًا، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصليت خلفه، لقد لقيت يا زيد خيرًا كثيرًا، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا ابن أخي، والله لقد كبرت سني، وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما حدثتكم فاقبلوا، وما لا، فلا تكلفونيه، ثم قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا فينا خطيبًا، بماءٍ يدعى خما بين مكة والمدينة، فحمِد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: أما بعد، ألَا أيها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغَّب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، ‌أذكركم ‌الله ‌في ‌أهل ‌بيتي، ‌أذكركم ‌الله ‌في ‌أهل ‌بيتي، ‌أذكركم ‌الله ‌في ‌أهل ‌بيتي، فقال له حصين: ومَن أهل بيته؟ يا زيد، أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حُرم الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال: هم آل عليٍّ وآل عقيلٍ، وآل جعفرٍ، وآل عباسٍ، قال: كل هؤلاء حُرم الصدقة؟ قال: نعم))[9].







قال أبو العباس القرطبي: "قوله: ((‌وأهل ‌بيتي، ‌أذكركم ‌الله ‌في ‌أهل ‌بيتي ثلاثًا)) هذه الوصية، وهذا التأكيد العظيم يقتضي وجوب احترام آل النبي صلى الله عليه وسلم، وأهل بيته، وإبرارهم، وتوقيرهم، ومحبتهم وجوب الفروض المؤكدة التي لا عذر لأحدٍ في التخلف عنها، هذا مع ما علم من خصوصيتهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبأنهم جزء منه، فإنهم أصوله التي نشأ منها، وفروعه التي تنشأ عنه"[10].







وتنازع العلماء في مسألة: هل أزواجه من آله؟ قولان، هما روايتان عن الإمام أحمد: أحدهما: أنهن لَسْنَ من أهل البيت، والقول الثاني: وهو الراجح أنهن من آله وأهل بيته[11].







وللعلماء روايتان في دخول نساء النبي صلى الله عليه وسلم في أهل البيت، والروايتان ظاهرهما التناقض، تتأول الرواية الأولى على أن المراد أنهن من أهل بيته الذين يساكنون ويعولهم، وأمر باحترامهم وإكرامهم، وسماهم ثقلًا، ووعظ في حقوقهم وذكر، ‌فنساؤه ‌داخلات في هذا كله، ولا يدخلن فيمن حُرم الصدقة، وقد أشار إلى هذا في الرواية الأولى بقوله: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة، فاتفقت الروايتان[12].







فالأرجح تحريم ‌الصدقة ‌على ‌أزواجه، وكونهم من أهل بيته، روايتان الأصح دخولهن[13].







فوائد من كتب شروح الأحاديث:




في استئذان ابن عباس على أمِّ المؤمنين عائشة دلالة على أن الصحابة كانوا يعودون أمهات المؤمنين.







من أخلاق السلف الصالح شدة خوفهم على أنفسهم، كراهية الثناء عليهم.







جواز التبشير للمريض بالخير؛ لأن ابن ‌عباس بشَّر عائشة؛ ولما سألها بقوله: (كيف تجدينك؟)، فقالت: (بخير إن اتقيت)، إنما سألها عن حال بدنها، فأخبرته هي عن حال دينها، قال: (‌فأنتِ ‌بخير ‌إن ‌شاء ‌الله)؛ يعني: إنك من أهل التقوى.







الحرص على مجاورة الموتى الصالحين في القبور؛ طمعًا أن تنزل عليهم رحمة، فتصيب جيرانهم، أو رغبة أن ينالهم دعاء من يزورهم في قبورهم من الصالحين.







قول المصلي: (اللهم صلِّ على محمد)؛ أي: اللهم عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره، وإدامة شريعته، وفي الأخرى بتشفيعه في أمته، وإجزال أجره، وقوله: (وبارك على محمد)؛ أي: أدِمْ ذكره وشريعته، وكثِّر أتباعه وأشياعه.







أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم تجب ‌محبتهم ‌وموالاتهم ورعاية حقهم.







من فوائد الصلاة على آل النبي صلى الله عليه وسلم (أزواجه وذريته) بعد الصلاة والسلام عليه: امتثال أمره صلى الله عليه وسلم، ودلالة على حبنا واتباعنا لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الصلاة عليهم من حقوقهم على الأمة مقابل النفع العظيم، والفضل العميم الذي حصل للأمة بسببهم.







وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد، وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذرياته، وسلم تسليما كثيرًا.







[1] (نسيًا منسيًّا): أي شيئًا حقيرًا، متروكًا مطَّرحًا، لا يلتفت إليه؛ [ينظر: ‌جامع ‌الأصول ‌لابن ‌الأثير، ج9، ص143].




[2] صحيح البخاري: كتاب تفسير القرآن، ‌‌بَابُ: ﴿ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 16]، ج6، ص106، رقم ح4753.




[3] فتح الباري لابن حجر، ج8، ص484.




[4] صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحض على اتفاق أهل العلم، ج9، ص104، رقم ح 7327.




[5] الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري، ج7، ص 161.




[6] صحيح البخاري: كتاب الدعوات- ‌‌باب هل يصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم. ج8 ص77 رقم ح6360. صحيح مسلم: كتاب الصلاة -باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. ج1 ص306، رقم ح 407.





[7] شعب الإيمان، المؤلف: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، البيهقي (ت ٤٥٨ه). ج3 ص87، حققه: د. عبد العلي عبد الحميد، د. مختار الندوي، مكتبة الرشد بالرياض الطبعة الأولى، ٢٠٠٣ م.




[8] الانصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به (ط الأزهرية) ص: 65.




[9] صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب: فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ج4، ص1873، رقم ح 2408.




[10] المفهم لِما أُشكل من تلخيص كتاب مسلم، ج6، ص 304.




[11] منهاج السنة النبوية لابن تيمية، ج3، ص154.




[12] شرح النووي على مسلم، ج15، ص108.




[13] مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية، ص 88.











الساعة الآن : 05:46 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 25.17 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.04 كيلو بايت... تم توفير 0.14 كيلو بايت...بمعدل (0.54%)]