تفسير "ولكنه أخلد إلى الأرض"
تفسير "ولكنه أخلد إلى الأرض" د. أورنك زيب الأعظمي جاءت الصلة (إلى) على الفعل (أخْلَدَ) مرة واحدة في القرآن الكريم ولم أجد لها نظيرًا في كلام العرب فقال الله تعالى: ﴿ وَلَوۡ شِئۡنَا لَرَفَعۡنَٰهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُۥٓ أَخۡلَدَ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُۚ فَمَثَلُهُۥ كَمَثَلِ ٱلۡكَلۡبِ إِن تَحۡمِلۡ عَلَيۡهِ يَلۡهَثۡ أَوۡ تَتۡرُكۡهُ يَلۡهَثۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بَِٔايَٰتِنَاۚ فَٱقۡصُصِ ٱلۡقَصَصَ لَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ (سورة الأعراف). قال الإمام الطبري في شرحها: "وأصل الإخلاد في كلام العرب الإبطاء والإقامة، يقال منه: أخلد فلانٌ بالمكان: إذا أقام به، وأخلد نفسه إلى المكان: إذا أتاه من مكان آخر. ومنه قول زهير: لمن الديارُ غشيتَها بالفدفد https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif كالوحي في حجر المسيل المُخلِد https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يعني المقيم. ومنه قولُ مالك بن نويرة: بأبناءِ حيّ من قبائلِ مالكٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وعمرو بن يربوعٍ أقاموا فأخلدوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وكان بعضُ البصريين يقول: معنى قوله "أَخۡلَدَ": لزم وتقاعس وأبطأ، والمَخلِد أيضًا هو الذي يبطئ شيبُه من الرجال، وهو من الدواب الذي تبقى ثناياه حتى تخرج رباعيتاه".[2] وقال السمين الحلبي: "ومعنى (أَخۡلَدَ) أي ترامى بنفسه. قال أهل العربية: "وأصله من الإخلاد وهو الدوام واللزوم، فالمعنى: لزم الميلَ إلى الأرض، قال مالك بن نويرة: بأبناءِ حيّ من قبائلِ مالكٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وعمرو بن يربوعٍ أقاموا فأخلدوا"[3] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ومثله قال المفسّرون الآخرون. فكأنه تضمين عند المفسّرين. لنعد النظر إليها. فالفعل (أخْلَدَ يُخْلِدُ إخْلَادًا) يأتي لازمًا ومتعديًا بنفسه فللازم قول زهير السالف الذكر: لمن الديارُ، غشيتَها بالفدفد؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif كالوحي، في حجَرِ المسيل، المُخلِدِ[4] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وقول مالك بن نويرة: بأبناءِ حيّ من قبائلِ مالكٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وعمرو بن يربوعٍ أقاموا فأخلدوا[5] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأما المتعدي فقال زهير بن أبي سلمى: فلو كان حمدٌ يخلد الناس لم يمت https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولكنّ حمد الناس ليس بمُخلِد[6] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يتبع |
رد: تفسير "ولكنه أخلد إلى الأرض"
وينسب إلى عمرو بن قميئة: لا تحسبنّ الدهرَ مُخلِدَكم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أو دائمًا لكم، ولم يدم[7] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وقال حسان بن ثابت الأنصاري: ولو أنّ مجدًا أخلد الدهرَ واحدًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif من الناس أبقى مجدُه الدهرَ مطعما[8] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وقال الحطيئة: وهل يُخلدنّ ابني جلالة ما لهم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وحرصُهم عند البياع على الشفّ[9] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأما الصلة (إلى) فهي عندي ليست مضمنة بل هي تعني الجهة والجانب أي أسقطه إلى جهة الأرض وخلد. وهذا لأنّ "أخْلَدَ" هنا ليس بلازم بل هو متعدٍّ ومفعوله محذوف أي أخلده ويدلّ عليه قوله تعالى﴿ لَرَفَعۡنَٰهُ بِهَا ﴾ وهو أيضًا متعدٍّ والرفع يكون إلى الجهة العالية كما يكون الإلقاء أو الإسقاط أو الجرّ إلى الأسفل كما قال تعالى بمثل هذه المناسبة: ﴿ وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا تُلۡقُواْ بِأَيۡدِيكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ وَأَحۡسِنُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ﴾ (سورة البقرة). وقال الفرزدق: وقال لهم: حلّوا الرحال، فإنكم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif هرَبتم، فألقُوها إلى غير مهرب[10] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يتبع |
رد: تفسير "ولكنه أخلد إلى الأرض"
ومنه الإلقاء تفويض شيء إلى أحد كما قال الكميت الأسدي: وألقيتم إليّ دلاءَ قومٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بما رفعتْ دلاؤكم عمينا[11] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وقال الحطيئة: أنت الأمين الذي من بعد صاحبه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ألقت إليك مقاليدَ النهى البشرُ[12] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وقال ذو الرمة: إلى أنْ بلغتَ الأربعين فألقيتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إليك جماهيرُ الأمور الكبائرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فأحكمتَها لا أنتَ في الحكم عاجزٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولا أنت فيها عن هدى الحقّ جائرُ[13] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وقد جاء في جمهرة خطب العرب: "---- وسقط الحسن إلى الأرض بعد أن ضرب الذي طعنه بسيف كان بيده واعتنقه فخرّا جميعًا إلى الأرض".[14] وقال زُمَيل بن أمِّ دينار: أغرّ هِجانًا خرّ من بطنِ حُرّةٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إلى كفِّ أخرى حرّةٍ بهبير [15]https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فمعنى الآية أنّ الله يحبّ أن يرفعه إلى العلى ولكن لا يحاول الارتفاع بل يسقط نفسه إلى الدناءة ويدوم. ونرى أنّ الكلب دائمًا يبدي عن دناءته باللهث إما أن نضربه أو نتركه، نشبعه أو نجوّعه ونردفه إلينا أو نجرّه. المصادر والمراجع: 1- القرآن الكريم. 2- جامع البيان عن تأويل آي القرآن (تفسير الطبري) لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن، هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، القاهرة، ط1، 2001م. 3- جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة لأحمد زكي صفوت، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر، ط1، 1933م. 4- الدر المصون في علوم الكتاب المكنون للسمين الحلبي، تحقيق: الدكتور أحمد محمّد الخرّاط، دار القلم، دمشق، د.ت. 5- ديوان الحطيئة، دراسة وتبويب: د. مفيد محمد قميحة، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1993م. 6- ديوان الفرزدق، شرح الأستاذ علي فاعور، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1987م. 7- ديوان الكميت بن زيد الأسدي، جمع وشرح وتحقيق: د. محمد نبيل طريفي، دار صادر، بيروت، ط1، 2000م. 8- ديوان حسان بن ثابت الأنصاري الخزرجي، شرح: ضابط بالحربية، مطبعة السعادة، مصر، د.ت. 9- ديوان ذي الرمة، تقديم وشرح: أحمد حسن بسج، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1995م. 10- ديوان زهير بن أبي سلمى، شرح وتقديم: الأستاذ علي حسن فاعور، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1988م. 11- ديوان عمرو بن قَمِيْئَة، تحقيق وشرح وتعليق: حسن كامل الصيرفي، معهد المخطوطات العربية، جامعة الدول العربية، 1965م. 12- كتاب الوحشيات لأبي تمام الطائي، تحقيق: عبد العزيز الميمني الراجكوتي، وزيادة: محمود محمد شاكر، دار المعارف، القاهرة، مصر، ط3، 1968م. [1] مدير تحرير "مجلة الهند" وأستاذ مساعد، قسم اللغة العربية وآدابها، الجامعة الملية الإسلامية، نيو دلهي.. [2] تفسير الطبري، 10 /585. [3] الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، 5 /516. [4] ديوانه، ص 45. [5] الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، 5 /516. [6] ديوانه، ص 41. [7] ديوانه، ص 190. [8] شرح ديوانه، ص 327. [9] ديوانه، ص 134، الشف: الفضل والربح. [10] ديوانه، ص 21. [11] ديوانه، ص 462. [12] ديوانه، ص 108. [13] ديوانه، ص 119. [14] 2 /5. [15] كتاب الوحشيات، ص 248. |
الساعة الآن : 12:18 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour