ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الأمومة والطفل (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=16)
-   -   كلمة عن تربية الأبناء (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=272380)

ابوالوليد المسلم 21-12-2021 04:47 AM

كلمة عن تربية الأبناء
 
كلمة عن تربية الأبناء
د. سامية منيسي




إن مسؤولية المرأة تجاه أبنائها تنحصر في حسن تربيتهم والقيام عليها بما يتلاءم مع واجبات الأمومة المنوطة بها. فالأم مدرسة يتعلم في أحضانها الطفل كل الصفات والسجايا التي ينبغي أن يتعلمها، فهي مدرسة الحياة الأولى التي يشب الطفل بين أحضانها ويتعلم منها؛ كيف يأكل وكيف يشرب، وكيف يتكلم، وكيف يتعامل مع آبائه وأمهاته، وأقرانه، وذوي قرباه، وجيرانه.. وغيرهم.

كذلك الصدق في التعامل والصلاة والصيام، ومبادئ الدين، وحفظ القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ويطبق ذلك في حياته اليومية لحظة بلحظة وساعة بساعة لتصبح فيما بعد جزءًا لا يتجزأ من طباعه، وتصبح نسيجًا في أخلاقه وشخصيته التي تنمو معه. والأم هي الموجه الأول للطفل ويشاركها الأب في ذلك، في تهذيب وتوجيه هذا الانسان وتربيته وتعليمه ليكون نافعًا وصالحًا في بيته ومجتمعه الصغير، وهي الأسرة، ومجتمعه الكبير، وهو الوطن والمجتمع الإسلامي بأسره، أي أمة الإسلام.

وتبدأ مسئولية الأم تجاه أبنائها منذ أن تشعر بنبتة الأمومة في أحشائها فتحافظ على نفسها من أجلهم وتحافظ عليهم من أجلها وزوجها وأسرتها ومجتمعها؛ لذلك قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء].

كما قال تعالى: ﴿ ... وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ﴾ [الأنعام: ۱٥۱].

أي لا تقتلوا أولادكم خشية الفقر أو من الفقر فإن قتلهم ذنب عظيم كما أن رزقهم ليس عليكم ولكن على الله الرازق الغني الكريم.

وحينما تضع الأم جنينها تلصقه بصدرها ليرشف من حنانها وحبها - مع لبنها - غذاءه الطبيعي والروحي لينمو ويشب وتنمو أعضاؤه كلها ويشتدّ عوده من هذا الحنان الدافق والحب الذي خلقه الله من أجله؛ ألا وهو لبن الأمومة الطبيعي.

وأول ما تبدأ به الأم هو الأذان في أذن الطفل بالتكبير والشهادة بالوحدانية ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم في أذنه اليمنى، ثم قيام الصلاة والفلاح في أذنه اليسرى ليقيه الله شر الشيطان، وكأنما نبت في عقله وقلبه ووجدانه منذ ولادته حب الله تعالى والإيمان به، وإسلام الوجه لله تعالى، وذلك ليكون نبتة طيبة في أسرته ومجتمعه وأمته الإسلامية.

فقد روى عن أبي رافع قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذّن في أُذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة[1].

كذلك من سنن النبوة وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تحنيك المولود عند ولادته، فقد ورد أكثر من حديث في هذا المضمار منها ما ورد عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما عن حملها بعبد الله بن الزبير قالت: فخرجت وأنا متم[2] فأتيت المدينة، فنزلت بقباء فولدته بقباء. ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فوضعته في حجره، ثم دعا بتمرة فمضغها، ثم تفل في فيه. فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم حنّكه بتمرة، ثم دعا له وبرّك عليه[3]. وكان أول مولود ولد في الإسلام[4].

هذا، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتسمية المولود يوم سابعه، وأن يعقّ الأبوان عنه.

فقد روى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتسمية المولود يوم سابعه ووضع الأذى عنه والعقّ[5].

وهذا يعتبر شكر لله تعالى على ما رزقهم من فضله ونعمه ومننه، فيشترك في هذه العقيقة الأهل والأحباب والفقراء من المسلمين تعبيرًا عن هذا الشكر وامتنانًا بهذه النعمة.

ومن مسئولية المرأة تجاه أبنائها اختيار الاسم الحسن لهم، ويشاركها الأب في ذلك أيضًا حتى لا ينشأ الأطفال معقدين من الأسماء غير المرغوب فيها. فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم دائمًا يختار الاسم الحسن ويأمر المسلمين بذلك، فقد ورد عن سهل بن سعد حيث قال: أتى بالمنذر بن أبي أسيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين ولد فوضعه على فخذه، وأبو أسيد جالس؛ فلها النبي صلى الله عليه وسلم بشيء بين يديه، فأمر أبو أسيد بابنه فاحتمل من فخذ النبي صلى الله عليه وسلم، فاستفاق النبي فقال: ((أين الصبي؟)) فقال أبو أسيد: قلبناه يا رسول الله. قال ((ما اسمه)) قال: فلان. قال ((ولكن اسمه المنذر)) فسماه يومئذ المنذر[6].

وعن تغيير الاسم إلى اسم أحسن منه ما روى عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير اسم عاصية وقال لها: ((أنت جميلة))[7].

لذلك وردت أحاديث عديدة في اختيار النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء أحفاده الحسن والحسين. من ذلك ما رواه أبو الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم))[8].

لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يغير الأسماء إلى أسماء حسنة سواء لأزواجه أو للصحابة والصحابيات، ورد كل ذلك في تراجم الصحابة عند ابن حجر وابن الأثير وابن سعد وابن عبد البر وغيرهم من فطاحل المؤرخين في مصادرهم المختلفة عن التراجم.

أما عن تربية الأبناء فعلى النساء المسئولية الأولى؛ فهن اللائي يحملن الأطفال ويرضعن الأولاد ويخالطنهم في كل لحظة من حياتهم؛ لذلك كان بث الأخلاق الإسلامية في نفوسهم منذ نعومة أظفارهم. فيعلمن الأطفال كيف يبدأون أعمالهم دائمًا باسم الله الرحمن الرحيم في كل حركاتهم وسكناتهم مهتدين بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه؛ فإذا أكل الطفل طعامه، أو شرب شرابه، أو لبس رداءه، أو خلع ملابسه، أو نام في فراشه، أو استيقظ من نومه، كانت فاتحة عمله دائما هي التسمية باسم الله تعالى: ((بسم الله الرحمن الرحيم)) فيبدأ بالبسملة دائمًا.

وكذلك حينما يخرج من بيته أو يعود إليه يبدأ بـ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) وكذلك كل عمل يقوم به، ثم نعلمه كيف يدعوا الله جل جلاله بما يتلاءم مع عمله. فإن كان طعام قد تناوله حمد الله حمدًا كثيرًا وشكره على نعمائه قائلاً :((الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين))[9]. وعندما يذهب إلى فراشه للنوم يقول: (الحمد لله الذي يميتنا ثم يحيينا وإليه للنشور - ويقول باسمك ربي أضع جنبي وبك أرفعه فإن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين))[10].

ومنها ما ذكره البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، وقل: اللهم أسلمت وجهي إليك، وفوّضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رهبة ورغبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت قال: فإن مت مت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تقول))[11].

وبذلك يُصبح هذا الهدي النبوي سواء في السلوك أو الدعاء نهجا يسلكه الطفل دائمًا كما يتعود الطفل أن يقرأ حين نومه الفاتحة وآية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين مهتديًا بذلك بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما كان يأوي إلى فراشه، فقد ورد حديث رواه عروة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما وقرأ فيهما ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص]. و﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ [الفلق]. و﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾ [الناس]. ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده: يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات[12].

وإذا استيقظ من نومه قال: ((الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور))[13].

حتى إذا خرج من بيته قال :((بسم الله والحمد لله ولا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله)) فتقول الملائكة له ((كُفيت ووُفيت وجُزيت وتنحى عنه الشيطان)) فإذا دخل بيته قال بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ ﴾ [الكهف: ٣٩]، ويقول: ﴿ رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزَلِينَ ﴾ [المؤمنون] ويقول: ﴿ وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا ﴾ [الإسراء: 80].

فإذا حان موعد مذاكرته لدروسه بدأ باسم الله تعالى ثم قال: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَىٰ * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَىٰ * سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰ * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ * وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَىٰ * فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَىٰ * سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ ﴾ [الأعلى: 1 - 10] فهي تعينه على التذكّر واستذكار دروسه بصورة أفضل.

وهكذا تعلم الأم كمسئولة عن أطفالها، كيف يلتصق الطفل بالدين ويصبح في داخله في كل حركة وسكنة من سكناته. أيضًا تعلِّمه القرآن الكريم وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجتهد في ذلك قدر استطاعتها، فإنها وقاية لأبنائها من كل شر، كما أنها تفتح أبواب الخير والمعرفة والاجتهاد لهم.

كذلك من حسن تربية النساء لأبنائهن المساواة في المعاملة مساواة مطلقة بين الأبناء حتى لا ينشأ الحقد وينبت الحسد والبغض بينهم، فإن قبّلت الأم طفلاً لها، عليها أن تُقبّل الآخر، وإن أعطت أحدهم شيئًا أعطت الآخرين مثله دون بهتان لأحد أو تمييز أحد على الآخر.

وهذا ما أمرنا به الإسلام ونبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم؛ فقد ورد عن أم النعمان بن بشير أنها طلبت من زوجها أن يهب ابنها النعمان هبة دون إخوته، فلما ذهب إلى النبي يسأله عن ذلك رفض النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: ((أكلُّ بنيك أعطيته مثل هذا؟)) قال: لا قال: ((فإني لا أشهد على جور)) - وأم النعمان هي عمرة بنت رواحة - ثم رجع الرجل فردّ عطيته لابنه.
هذا، وقيل أن عمرة بنت رواحة هي التي طلبت من زوجها سؤال النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك[14].

وعلى الأم أن تغدق الحنان على أطفالها لينشأوا أسوياء، فالحنان والحب، مهم جدا للأطفال مع الأمان الذي يجب أن يسود البيت سواء في علاقة الأم والأب بعضهما بعض أو علاقة الأطفال (وهم الأبناء) بالآباء.
يتبع

ابوالوليد المسلم 21-12-2021 04:48 AM

رد: كلمة عن تربية الأبناء
 
كلمة عن تربية الأبناء
د. سامية منيسي




فقد وردت عدة أحاديث عن رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأطفال وتدليله لهم، منها ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال:

قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس التميمي، جالسًا فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبّلت منهم أحدًا. فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: ((من لا يرحم لا يُرحم)).



ومنها ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تقبّلون الصبيان، فما نقبلهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة؟))[15].



كما ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سيف القين، وكان ظئرا لإبراهيم عليه السلام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبّله وشمّه. ثم دخلنا عليه بعد ذلك، وإبراهيم يجود بنفسه. فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: وأنت يا رسول الله؟. فقال: ((يا ابن عوف إنها رحمة)) ثم أتبعها بأخرى. فقال صلى الله عليه وسلم: (( إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون))[16].



ومن حب النبي صلى الله عليه وسلم لأحفاده ما روى عن يعلى العاملي أنه قال: جاء الحسن والحسين يسعيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فضمهما إليه وقال: ((إن الولد مبخلة مجبنة))[17].



وكما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدلل أحفاده من البنين، كان أيضًا يدلل أحفاده من البنات، فكان يحمل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع - وهي ابنة ابنته زينب (رضي الله عنها) - على عاتقه في الصلاة حتى إذا ركع أو سجد تركها، وإذا قام حملها مرة أخرى حتى يدفئها بعطفه وحنانه الدافق صلى الله عليه وسلم[18].



ومن حسن تربية الأبناء بجانب التمسك بأهداب الدين، التسلح بالعلم. فعلى نساء الأمة دفع أبنائهن إلى التعلم والتسلح بالعلم، فهو خير من يرفع من قدر الإنسان في الدنيا والآخرة. وقد حث الإسلام على العلم والسعي لطلبه، فقد كانت أول آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم هي: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1]، كذلك رفع الله تعالى من قدر العلم والعلماء فقال: ﴿ يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11].



وقال تعالى: ﴿ ... وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114].



كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث على طلب العلم والتعلم، لا فرق في ذلك بين رجل وامرأة، أو شيخ وطفل، بل يشجّع الجميع على ذلك.



ومن أحاديث نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم قوله: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضى بها ويعلمها))[19].



كذلك من أحاديثه صلى الله عليه وسلم قوله: ((من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين))[20].



كذلك كان صلى الله عليه وسلم يأمر أسرى بدر من المشركين بتعليم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة ليكون ذلك فداء لأسرهم.



فعلى المرأة أن تهيئ لأبنائها ذكورًا وإناثًا كل السبل التي تحثهم على طلب العلم سواء داخل بيتها أو خارجه... فتعد بيتها إعدادًا كاملاً لذلك سواء من جهة الهدوء والراحة والبعد عن مشاكل الحياة قدر الاستطاعة، وحثهم على الالتزام بمواعيد الدراسة، ومراجعة دروسهم اليومية، وإن أمكن إعداد بعض المكتبات الصغيرة داخل بيتها، وأيضًا الاتصال بالمكتبات العامة، أو استخدام مكتبات المدارس والكليات لإعداد الأبحاث المختلفة للتمكن من فهم المواد التي تصعب عليهم كما ينبغي لهم.



كما أن هدوء العلاقات الزوجية له دور كبير وخطير في تنشئة الأولاد على الهدوء النفسي والتواؤم الروحي مع الأسرة، وينعكس ذلك بالضرورة على قدرتهم في الاستيعاب، كذلك للتغذية السليمة أثرها المهم في تنشئة الطفل تنشئة سليمة وقوية ونقية من كثير من الأمراض التي قد تهاجمه لا قدر الله.



وكما ينبغي على الأم ألا تفرق بين الأبناء في المعاملة سواء بين البنين بعضهم البعض، أو البنات بعضهن البعض، عليها أيضًا ألا تفرّق بين الابن والبنت في المعاملة إلا في حدود ما شرعه الله لهما.



وعليها أن تعطي للابنة حقوقها الكاملة سواء في المعاملة، أو التعليم أو القسمة العادلة بينها وبين الولد، وأيضًا بين البنات بعضهن البعض. فقد روى البخاري في صحيحه حديثا[21] عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت امرأة معها ابنتان لها، تسأل فلم تجد عندي شيئًا غير تمرة، فأعطيتها إياها، فقسمتها بين ابنتها ولم تأكل منها، ثم قامت فخرجت فدخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا، فأخبرته. فقال: من ابتلى من هذه البنات بشيء، كنّ له سترًا من النار)) الحديث.



كما أن البنت أكثر ارتباطًا بأمها، وكذلك تشبها بها؛ لذلك كان حُسن تربية الأبناء تعود مسئوليته على الأم - وبصفة خاصة - مسئوليات تربية البنات، فعلى الأم أن تحرص حرصًا شديدًا على تعليم ابنتها التمسك بأهداب الدين والخلق والخوف من الله في كل تصرفاتها، لتكون ابنة وزوجة وأما صالحة.



لذلك نهى المصطفى صلى الله عليه وسلم عن الزواج من المرأة الحسناء في المنبت السوء وقال: ((إياكم وخضراء الدمن)) وهي المرأة الحسناء في المنبت السوء. كما قال صلى الله عليه وسلم: ((تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم)[22]. وهذا يدُلّ على أهمية دور الأم في تربية الأبناء، خاصة البنات وتعليمهن العلم الصحيح النافع لهن في الدنيا والآخرة. فتعليم الأم لهن، هي مسئولية كبيرة تقع على الأم أولاً ويشاركها الأب أيضًا في ذلك، فهو القيم الأول على الأسرة.



فقد روى عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من رجل تُدرك له ابنتان فيُحسن إليهما، فصحبتاه أو صحبهما إلا أدخلتاه الجنة)). وفي حديث آخر روى عن عقبة بن عامر أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من كان له ثلاث بنات، فصبر عليهن، وأطعمهن، وسقاهن، وكساهن من جدّته، كن له حجابًا من النار يوم القيامة))[23]، وقد روى الحديث بطريقة أخرى عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.



كذلك عن أنس بن مالك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم))[24].



وتربية الأبناء تربية حسنة، هي تعليمهم وتهذيبهم والإصلاح لهم باللين واللطف والشدة عند اللزوم. ومن تربية الأم لأبنائها غرس فضائل الإسلام في نفوسهم؛ مثل: الصدق والفضيلة وآداب الإسلام في كل دروب الحياة[25].



كذلك تدريبهم منذ نعومة أظفارهم على احترام تكاليف الشريعة الإسلامية من طهارة، وصلاة وصيام، وزكاة، وقراءة القرآن الكريم وحفظه والالتزام بأوامره، والبعد عن نواهيه، والـتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في هديه وسننه.



لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يضع تأديب الولد وتعليمه في المقام الأول للإنسان، فقد روى عن أيوب بن موسى عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما نحل والد ولدًا من نحل أفضل من أدب حسن))[26].

والنحل هو العطاء - والقرض، ويطلق على الدين والعقيدة[27].



كما روى عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأن يؤدب الرجل ولده خير من أن يتصدق بصاع))[28].



فتربية الأبناء على فضائل الإسلام وآدابه له دور كبير على الأسرة والمجتمع بصفة عامة. ومسئولية النساء في هذا المضمار كبيرة وخطيرة؛ لذلك أوجز النبي صلى الله عليه وسلم دور الأم في حديث رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كلكم راع، وكل راع مسئول عن رعيته؛ فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئول عنهم، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته))[29].



فينبغي على الأم، وهي مسئولة عن رعيتها داخل بيتها؛ مسئولة عن راحة زوجها، وتربية أطفالها التربية الحسنة الواجبة - أن توجه أطفالها إلى ما يتفق وشعائر الإسلام وتعاليمه والدين الحنيف ليصبحوا أعضاء نافعين داخل مجتمعهم المسلم، كذلك هي مسئولة عن الإنفاق من مال زوجها بما يرضى الخالق الوهاب، فهي أمينة على ماله، أمينة على عرضه، أمينة على بيته وأولاده، بل هي مسئولة عن حياتهم جميعًا. بما تعده لهم من طعام وشراب صحي، وكذا أسلوب معيشتهم بما لا يضرهم، بل ينفعهم ويؤهلهم لإنجاز أعمالهم وتعليمهم وشق طريقهم في الحياة بطريقة سوية. ينبغي على الأم أن تراعى الله في مسئوليتها هذه بما يتفق والواجبات التي فرضت عليها في تربية أبنائها خاصة بناتها، فهنّ واجهة الأسرة ومثال لترابطها والتزامها، وأيضًا للمجتمع بما يؤثر بدورهن، كل واحدة منهن؛ كامرأة إيجابية في دورها، وكأم ترعى أطفالها، وتقف بجوار زوجها، في بناء أسرتهما ومجتمعهما[30].



وعلى الأم كذلك أن تربي أبنائها على احترام الآباء والطاعة لهم وخفض الجناح لهم، فقد قال تعالى:

﴿ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23، 24].



وقال تعالى:

﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [لقمان: 14، 15].



ومن تربية الأبناء على فهم الإسلام الصحيح ما ذكره الله تعالى في كتابه العزيز قائلاً في نصيحة يوجهها لقمان لابنه أوجز فيها نهجه وسلوكه وتمسكه بأهداب الدين والخُلق:

﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ [لقمان: 17 - 19].



فإن التزمت الأم بمسئوليتها تجاه نفسها وزوجها وأولادها وربتهم التربية الإسلامية الناجحة وجب علينا أن نهنئها على توفيقها ونجاحها وعلى الثمرة التي سوف تجنيها بمشيئة الله تعالى.





[1] سنن أبي داود. كتاب الأدب. باب الصبى يولد فيؤذن في أذنه (حديث رقم 5105).




[2] أي أتمت حملها مدة الحمل الغالبة وهي تسعة أشهر.




[3] أي قال: بارك الله فيك أو اللهم بارك فيه.




[4] ولد في الإسلام: أي ولد في المدينة. انظر: صحيح البخاري: باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته وحمله إلى صالح يحنكه ...، وانظر أيضًا حديث عائشة رضي الله عنها في سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب الصبى يولد فيؤذن في أذنه (حديث رقم 5106) العقيقة هي الوليمة التي تذبح عن المولود يوم سُبوعه عند حلق شعره، انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، القاهرة، 1985م.




[5] أخرجه الترمذي في كتاب الأدب - باب ما جاء في تعجيل اسم المولود (حديث رقم 2832).




[6] أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه. ومسلم في كتاب الآداب. باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته.




[7] انظر: صحيح مسلم: كتاب الأدب، باب استحباب تغيير الاسم القبيح إلى حسن (حديث رقم 2139) وأيضًا: سنن أبي داود. كتاب الأدب، باب تغيير الاسم القبيح (حديث رقم 4952).




[8] سنن أبي داود - كتاب الأدب - باب في تغيير الأسماء.




[9] انظر حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في سنن أبي داود، كتاب الأطعمة، باب ما يقول الرجل إذا طعم حديث رقم (3850) وهناك أحاديث أخرى في هذا الخصوص في نفس المصدر (رقم 3849، 3851) عن أبي أمامة، وعن أبي أيوب الأنصاري.




[10] رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، انظر سنن أبي داود كتاب الأدب ( حديث رقم 5050) باب: ما يقال عند النوم.




[11] سنن أبي داود كتاب الأدب، باب ما يقال عند النوم (حديث رقم 5046).




[12] أخرجه أبو داود في كتاب الأدب، باب ما يقال عند النوم (حديث رقم 5056)، والمطلوب: قراءة كل سورة إلى آخرها.




[13] المصدر السابق حديث رقم (5049).




[14] انظر: صحيح مسلم، كتاب الهبات 24، باب كراهية تفضيل بعض الأولاد في الهبة 3 حديث رقم 1084، وصحيح البخاري في كتاب الهبة 51، باب الهبة للولد 12، باب الإشهاد في الهبة. [هذا وقد ورد الحديث بطرق مختلفة]، اللؤلؤ والمرجان ج2 ص162.

انظر أيضًا طبقات ابن سعد جـ8 ص264، ومسند الإمام أحمد جـ6 ص308، وأسد الغابة مجـ7 ص 201، 202.




[15] أخرجه البخاري في كتاب الأدب رقم 78، باب رحمة الولد وتقبيله، ومعانقته رقم 18، ومسلم في كتاب الفضائل 43، باب رحمته صلى الله عليه وسلم بالصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك رقم 15 حديث رقم 1496، انظر اللؤلؤ والمرجان ج3 ص102 الترمذي في سننه: كتاب البر والصلة 28، باب ما جاء في رحمة الولد 12 حديث رقم 1911 ج4 ص318.




[16] أخرجه البخاري في كتاب الجنائز رقم 23، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم إنا بك لمحزونون 44. ومسلم في كتاب الفضائل 43، باب 15 رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك. والقين: هو الحداد واسمه البراء بن أوس الأنصاري. ظئرًا: الظئر المرضعة ولد غيرها، زوجها ظئر لذلك الرضيع. يجود بنفسه: أي يخرجها ويدفعها كما يدفع الإنسان ماله، أي: في حالة سكرات الموت، انظر: اللؤلؤ والمرجان فيم اتفق عليه الشيخان ج3 ص102.




[17] سنن ابن ماجه 33. كتاب الأدب، باب 3 بر الوالد والإحسان إلى البنات حديث رقم 3666 ج2 ص1209. وانظر أيضًا كتاب محمد صلى الله عليه وسلم والمرأة ص36 وكتاب نساء أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسامية منيسي – ص 40 - 42.




[18] أسد الغابة مجـ7 ص.




[19] متفق عليه.




[20] متفق عليه، انظر أيضًا تفسير السيوطي عند الآية السابقة (المجادلة: 11).




[21] انظر: صحيح البخاري 24: كتاب الزكاة 10، باب اتقوا النار ولو بشق تمرة، وصحيح مسلم 45: كتاب البر والصلة والآداب 46، باب فضل الإحسان إلى البنات حديث رقم 1688 ج3 ص203 - 204 انظر اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، كما روى الحديث بطرق أخرى عند ابن ماجه في كتاب الأدب 33، باب بر الوالد والإحسان إلى البنات 3 حديث رقم 3668، 3669، 3670 ج2 ص1210.




[22] سنن ابن ماجه 9 - كتاب النكاح 46. باب الأكفاء حديث رقم 1968 ج1 ص633، (تخيروا لنطفكم) أي اطلبوا لها ما هو خير المناكح وأزكاها، وأبعدها من الخبث والفجور (وانكحوا إليهم) أي اخطبوا إليهم بناتهم. انظر التعليق على الحديث في نفس المصدر.




[23] البيهقي في شعب الإيمان، صحيح الجامع الصغير (حديث رقم 5248).




[24] سنن ابن ماجه، 33كتاب الأدب 3، باب بر الوالدين والإحسان إلى البنات حديث رقم 3671 ج2 ص1211...




[25] الإسلام وتنظيم الأسرة للمؤلفة ص36، 37 ط دار الفكر العربي بالقاهرة 1996م.




[26] سنن الترمذي: كتاب البر والصلة، باب ما جاء في أدب الولد (حديث رقم 1952).




[27] المعجم الوسيط: مجمع اللغة العربية بالقاهرة، مادة (نحل).




[28] سنن الترمذي: كتاب البر والصلة، باب ما جاء في أدب الولد (حديث رقم 1951).




[29] أخرجه البخاري في 49 كتاب العتق، باب 17 كراهية التطاول على الرقيق، ومسلم في كتاب الإمارة رقم 33، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية والنهي عن إدخال المشقة عليهم رقم 5 حديث رقم (1199) ج2 ص242.




[30] انظر: المرأة وتنظيم الأسرة في الإسلام، للمؤلفة ص38، 39.




الساعة الآن : 12:17 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 30.74 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.61 كيلو بايت... تم توفير 0.14 كيلو بايت...بمعدل (0.44%)]