ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الشعر والخواطر (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=30)
-   -   الغزل بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=266600)

ابوالوليد المسلم 14-10-2021 04:40 AM

الغزل بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم
 
الغزل بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم


صدقي البيك






كان للقصيد في الشعر العربي في العصر الجاهلي غالباً منهج محدد، يسلكه الشاعر، سواء أكان الشاعر مقلاً أم كان مكثراً، فكانت القصيدة تبدأ بمقدمة غزلية، يتغزل فيها الشاعر بامرأة، يذكر اسمها وتعلق قلبه بها، ويصفها وصفاً حسياً أو معنوياً، ويقف على أطلال ديارها يشكو هجرانها له، ويحيي ذكرياته معها في تلك الديار التي أقفرت من ساكنيها، وسمي هذا لمطلع للقصيدة: "الوقوف على الأطلال".

وكان يفعل ذلك الشعراء الذين اشتهروا بالمجون، والذين اتصفوا بالعقل والرزانة، والشعراء الشباب، والشعراء الذين تقدمت بهم السن، فالشاب طرفة بن العبد يقول:

لخولة أطلال ببرقة ثهمد https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



والماجن امرؤ القيس يستوقف صاحبيه على أطلال محبوبته:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بسقط اللوى بين الدخول فحومل https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



والشيخ الهرم الذي نيف على الثمانين زهير بن أبي سلمى يقول:
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بحومانة الدراج المتثلم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وقفت بها من بعد عشرين حجة https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فلأياً عرفت الدار بعد توهم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



وهذا الغزل لم يكن تغزلاً بزوجة الشاعر دائماً، فقد يتغزل بها أو بغيرها، وغالباً ما يكون بغير زوجته، ضناً بها عن أن يتحدث عنها الناس. وكانت هذه الطريقة أسلوباً سلكه الشعراء في العصر الجاهلي، واستمروا عليه حتى بعد ظهور الإسلام، فالشعراء المخضرمون الذين أسلموا ساروا على هذا النهج، وشعراء العصر الأموي لم يخرجوا عليه.. إلى أن لحق التجديد نهج الشعر في العصر العباسي، بعد معركة كلامية حامية بين من خرج على هذا النهج (المحدثين) ومن بقي عليه (المحافظين).

وعندما جاء الإسلام بعقيدة جديدة على المجتمع الجاهلي، وبأخلاق سامية نبيلة، هذبت هذه العقيدة سلوك أفراد المجتمع، نتيجة تحريم الخمرة، وطلب الحفاظ على العرض وغض البصر... فلم يكن بد من أن يلتزم المجتمع بذلك في سلوك أفراده.

أما الشعراء، فقد قال الله تعالى عنهم في كتابه العزيز ﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ﴾ [الشعراء: 224 - 226] ومع ذلك، كان منهم شعراء مسلمون يؤدون دورهم الإعلامي، ويجاهدون بالكلمة المنافحة عن الإسلام والمسلمين، وقد استمروا على النهج الذي كانوا عليه؛ فكانوا يبدؤون قصائدهم بالغزل التقليدي، ويقفون على الأطلال، ولم يكن المسلمون يحاسبونهم على كل كلمة يقولونها في شعرهم، ولا يستنكر عليهم ذلك أحد: فهذا كعب بن زهير بن أبي سلمى كما تروي كتب الأدب والتاريخ، يقف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يمدحه ويعتذر إليه عما بدر منه من هجاء له وعن محاربته للإسلام بشعره، ويفتتح قصيدته، على عادة شعراء الجاهلية بالوقوف على الأطلال، بل بالغزل مباشرة فيقول:

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
متيم إثرها لم يفد مكبول https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وما سعاد غداة البين إذ رحلوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إلا أغن غضيض الطرف مكحول https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كأنه منهل بالراح معلول https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

شجت بذي شبم من ماء محنية https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
صاف بأبطح أضحى وهو مشمول https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فيا لها خلة قد سيط من دمها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فجع وولع وإخلاف وتبديل https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فما تدوم على حال تكون بها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كما تلوّن في أثوابها الغول https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وما تمسّك بالوعد الذي وعدت https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إلا كما تمسك الماء الغرابيل https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif





ابوالوليد المسلم 14-10-2021 04:40 AM

رد: الغزل بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم
 

كانت مواعيد عرقوب لها مثلاً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وما مواعيدها إلى الأباطيل https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أرجو وآمل أن تدنو مودتها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وما لهن، إخال، الدهرَ تعجيل https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أمست سعاد بأرض لا تبلغها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إلا العتاق النجيبات المراسيل https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


فهو يصرح بذكر اسم المرأة التي يتغزل بها، ويصف جمالها وكمالها وأخلاقها الحسنة وعاداتها.. فهي هيفاء عجزاء مكحولة العينين ذات صوت أغن، معتدلة القوام، وتعد وتخلف، وتتلون وتتقلب.. أوصاف جسدية ومعنوية.


والرسول صلى الله عليه وسلم يستمع إليه، فلا ينهره ولا يردعه! وأين يلقي كعب قصيدته هذه؟ إنه يلقيها بين يدي الرسول عليه السلام، وفي مسجده وبعد صلاة الفجر، ويروي هذه القصيدة ابن هشام في سيرته في الصفحة 153 من الجزء 4، كما يرويها ابن كثير في تاريخه "البداية والنهاية" في الصفحة 370 من الجزء الرابع، مقدماً لها بقوله:

وجاء به رجل من جهينة بينه وبينه معرفة فغدا به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح، فصلى مع رسول الله ثم أشار له إلى رسول الله، فقال، هذا رسول الله، فقم إليه فاستأذنه، وقام فجلس إلى رسول الله، ووضع يده في يده، والرسول لا يعرفه.

وقد يقول قائل: إن كعباً نظم هذه القصيدة وهو جاهلي، وقبل أن يسلم، ولا يعرف أحكام الإسلام.


ولكن الحقيقة أن كعباً لم يكن يجهل مفاهيم الإسلام، فقد كان يهجو الرسول والمسلمين، وترددت الرسائل بينه وبين أخيه المسلم بجير مرات، كما أن المشركين كانوا يعرفون مفاهيم الإسلام ومواقفه الأخلاقية.. وسواء أكان هذا أم ذاك، فإن الرسول عليه السلام لم يعنفه على ما قال في مطلع قصيدته، ولم يرشده إلى التخلي عن ذلك، بل يورد ابن كثير، أن الرسول صلى الله عليه وسلم نبه الصحابة إلى بيت كعب:

نبئت أن رسول الله أوعدني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والعفو عند رسول الله مأمول https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



فأشار رسول الله إلى من معه (أن اسمعوا).

ويروى أن الرسول تدخل في صياغة بعض أبيات القصيدة فعندما قال كعب:

مهند من سيوف الهند مسلول

فسأله الرسول: ألا يصح.. من سيوف الله؟ قال: بلى.


وهذا يدل على أن الرسول عليه السلام، لم يعترض على أبيات المقدمة، واستمع إليها مع كثرة أبياتها!


وحسان بن ثابت شاعر الرسول، الذي نافح بشعره عن الإسلام وعن الرسول، له قصيدته الهمزية، التي تتصدر ديوانه، ويرويها كاملة ابن هشام في سيرته (في الصفحة 43 من الجزء الرابع)، فيما قيل من شعر في يوم الفتح، كما يذكرها ابن كثير بتمامها (في تاريخه في الصفحة 310 من الجزء الرابع)، ولا يتورع أي منهما عن ذكرها في كتابه، وهذه القصيد يبدؤها حسان بوصف الأطلال ثم بالغزل فيقول:

عفت ذات الأصابع فالجواء https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إلى عذراء منزلها خلاء https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فدع هذا، ولكن من لطيف https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يؤرقني إذا ذهب العشاء https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لشعثاء التي قد تيمته https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فليس لقلبه منها شفاء https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

عدمنا خيلنا إن لم تروها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تثير النقع موعدها كداء https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



فحسان في هذه الأبيات لم يكتف بالوقوف على أطلال شعثاء بل تغزل بها، فطيفها يؤرقه، ولا شفاء لقلبه منها.. ويزيد على ذلك أنه يذكر أربعة أبيات يتحدث فيها عن الخمرة.


وقد يقول قائل: هذه المقدمة ليست جزءاً من قصيدة حسان في مدح الرسول وفتح مكة، إنما هي مقدمة لقصيدة أخرى من شعر حسان في جاهليته، اتفقت في الوزن والقافية والروي وحركته، مع القصيدة التي تحدث فيها عن فتح مكة.


ولكن ما يلفت النظر أن ديوان حسان لا يحتوي على قصيدة همزية أخرى بهذه المواصفات، وكذلك لم يشر جامع الديوان ولا ابن هشام ولا ابن كثير إلى انفصال المقدمة عن بقية القصيدة، كما أن العالمين الجليلين ابن هشام وابن كثير، لم يعلقا على القصيدة بنقد أو بعيب أو أي إشارة إلى تناقض هذه المقدمة مع أحكام الإسلام، فكأنهما نظرا إليها من الناحية البيانية والشعرية، على أنها شيء مألوف ومعروف ومعفوّ عنه في أوساط الأدب والأدباء، فلا يثير عندهم شيئاً من الاستنكار. ولذلك يستغرب المرء الآن أن يجد من يستنكر إلقاء الشعر في المسجد أو يعترض على من يرد في شعره كلمة غزلية عابرة من مثل "فالوجه الباسم لامرأة وسط حقول الرمان، أجمل من أشعاري وقوافيّ".


ولم تكن قصيدة حسان السابقة هي الوحيدة التي يفتتحها بالمقدمة الطللية والغزل، بل هناك قصيدة أخرى أوردها ابن كثير (في الصفحة 361 من الجزء الرابع)، في ما كان من أمر الأنصار وتأخرهم عن الغنيمة بعد حصار الطائف.


قال حسان:

ذر الهموم، فماء العين منحدر https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
شحا إذا حفلته عبرة درر https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وجدا بشماء إذ شماءُ بهكنة https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
هيفاء لا ذنن فيها ولا خور https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

دع عنك شماء إذ كانت مودتها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
نزراً، وشر وصال الواصل النزر https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وأنت الرسول، وقل يا خير مؤتمن https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
للمؤمنين إذا ما عدد البشر https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



فهو يأخذه الوجد بشماء، وهي بضة ناعمة دقيقة الخصر ما فيها ضعف ولا فتور. وهذا كله بعد غزوة الطائف في أواخر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يعترض عليه رسول الله ولا الصحابة، ولم يستنكر ذلك منه ابن كثير صاحب التفسير والحافظ للحديث والفقيه السلفي، وأورد ذلك في كتابه.


ولو كانت كتب التاريخ تروي كل القصائد كاملة لوجدنا لكثير من قصائد الشعراء المخضرمين مقدمات طللية غزلية، ولكن الغالب على هذه الكتب أن تذكر من القصيدة الأبيات التي لها علاقة بالحدث المقصود. وكل هذا يدل على أن النظرة إلى الأدب والشعر خاصة، كانت غير متشددة، وفيها تساهل لا نجده مع النصوص النثرية، ولعل ذلك داخل في باب فهمهم لقول الله تعالى عن الشعراء: ﴿ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ﴾ [الشعراء: 226] وأنهم يتطرقون إليه من غير تزيين له وإغراء به.


الساعة الآن : 11:55 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 22.13 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.99 كيلو بايت... تم توفير 0.14 كيلو بايت...بمعدل (0.61%)]