الاعتداء الجسدي على الأطفال
الاعتداء الجسدي على الأطفال د. سامية عطية نبيوة (ضرب الآباء للأبناء وأثر ذلك على شخصية الطفل) يعتبر الاعتداء الجسدي على الطفل مشكلةً متفشية في مختلف أنحاء العالم؛ فهي ليست ظاهرة تقتصر على فئة معينة من السكان دون غيرهم؛ فالأُسَر على مختلف انتماءاتها العِرْقية وأوساطها الاجتماعية قد تنخرط في مثل هذه الممارسات الانتهاكية ضد الأطفال، كما أن الأطفالَ على مختلف أعمارهم - وبغضِّ النظر عن جنسهم - يتعرَّضون لأصناف الاعتداء الجسدي. تعريف الاعتداء الجسدي: يُشير الاعتداء الجسدي، أو سوءُ المعاملة الجسدية عامة إلى الأذى الجسديِّ الذي يلحق بالطفل على يدِ أحدِ والديه أو ذَوِيه. وهو لا ينجم بالضرورة عن رغبة متعمَّدة في إلحاق الأذى بالطفل؛ بل إنه في معظم الحالات ناتجٌ عن أساليبَ تربوية قاسية، أو عقوبة بدنيَّة صارمة أدّت إلى إلحاق ضرر ماديٍّ بالطفل. وكثيرًا ما يوافق الاعتداء الجسدي على الطفل أشكالاً أخرى من سوء المعاملة، مثل: الإهانات والشتائم، وفي هذه الحالة يُعتبر الطفل ضحيةَ اعتداء جسدي وعاطفي في آن واحد. أشكال الاعتداء الجسدي: يشمل ذلك ضرب الطفل، سواءٌ باليد أو بأداة، والصفع واللطم، والحرق والتسميم،والخَنْق والغرق، والرفس والخض؛ فكل هذه الممارسات - وإن لم تُسفِرْ عن جروح أو كسور بدنية ظاهرة - تعتبر اعتداءً بحد ذاتها. أثر الاعتداء الجسدي على شخصية الطفل: لقد أوضح ابن خلدون ما ينشأ من الأثر السيئ والنتائج الوخيمة بسبب القهر واستعمال الشدة والعنف ضد الولد، فقال: إن من يعامَل بالقهر يصبح حِملاً على غيره؛ إذ هو يصبح عاجزًا عن الذود عن شرفه وأُسرته؛ لخلوِّه من الحماسة والحميَّة، على حين يقعد عن اكتساب الفضائل والخُلُق الجميل، وبذلك تنقلب النفسُ عن غايتها ومدى إنسانيتها. فالأطفال من كِلا الجنسين - نتيجة الاعتداء الجسدي الواقع عليهم – تنتابُهم، إما الانطوائية أو العدوانية: • ففي حالة الانطوائية يصبح الطفلُ بعد بلوغه وزواجه ضعيفَ الشخصية أمام زوجته وأولاده. • أما العدوانية فينتج عنها أشخاصٌ ذوو طبيعة حادة تميل للعنف والحصول على مرادها بالقوة، حتى لو كان ذلك ضررًا على الجميع؛ فالأطفال الواقعون تحت وطأة العنف قد ينفِّسون عما يعانون منه بسلوكيات عدوانية ضد مدرِّسيهم وزملائهم، وقد يكونون خطِرين في بعض الأحيان. هل أباح الإسلام ضرب الأطفال؟ روى أبو داود والحاكم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مُرُوا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عَشْرٍ، وفرِّقوا بينهم في المضاجع)). ومن هنا نرى أن العقوبة بالضرب أمرٌ أقرَّه الإسلام، ولكن لا يجوز اللجوءُ إلى الأشد إذا كان ينفع الأخفُّ. ولكن الإسلام حين أقر عقوبة الضرب، أحاط هذه العقوبة بدائرةٍ من الحدود، وبسياج من الشروط؛ حتى لا يخرج الضربُ من الزَّجر والإصلاح إلى التشفِّي والانتقام! وهذه الشروط هي: • ألا يلجأ إلى الضرب إلا بعد استنفاد جميع الوسائل التأديبية. • ألا يضرب الأب وهو في حالة عصبية شديدة؛ مخافة إلحاق الضرر بالطفل. • أن يتجنَّب في الضرب الأماكن المؤذية؛ كالرأس والوجه والصدر والبطن؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - كما روى أبو داود: ((ولا تضربِ الوجهَ.....))؛ لأن الرأس والوجه موضع الحواس، أما الضرب على الصدر والبطن يؤدِّي إلى أضرار بالغة، قد تؤدي إلى الوفاة أحيانًا. • ألا يضرب الطفل قبل أن يبلغ سن العاشرة؛ أخذًا بالحديث النبوي الشريف: ((مُرُوا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عَشْر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع)). • إذا كانت الهفوة من الولد لأول مرة، يعطى الفرصة لـ يتوبَ عما اقترف، ويعتذر عما فعل. • أن يقوم الوالد بالضرب بنفسه، ولا يترك الأمر لأحد من الإخوة؛ حتى لا تتأجج بينهم نيران الأحقاد والمنازعات. الطريقة الإسلامية في عقوبة الولد: أكَّد كثيرٌ من علماء التربية الإسلاميين - ومنهم ابن خلدون وابن سينا - أنه لا يجوز أن يلجأَ إلى العقوبة إلا عند الضرورة القصوى، وألا يلجأ إلى الضرب إلا بعد التهديد والوعيد، لإحداث الأثر المطلوب في إصلاح الطفل وتكوينه، بمعنى أنه لا يلجأ إلى العقوبة إلا بعد اليأس من استعمال أسلوب الموعظة والتأنيب. أما الطريقة التي انتهجها الإسلام في عقوبة الولد فهي: 1- معاملة الولد باللِّين والرحمة هي الأصل: إن ما يؤكد أن معاملةَ الولد بالرفق واللين هي الأصل في تربية الأولاد: ملاطفةُ الرسول - صلى الله عليه وسلم - للأولاد، وممازحته لهم، وروى البخاريُّ في "الأدب المفرد": ((عليك بالرِّفق، وإياك والعنفَ والفُحْش)). 2- مراعاة طبيعة الطفل المخطئ في استعمال العقوبة: فالأولاد يتفاوتون فيما بينهم ذكاءً ومرونة واستجابة، كما أن أمزجتهم تختلف على حسب الأشخاص، ويعود ذلك إلى الوراثة، وإلى مؤثِّرات البيئة، وإلى عوامل النشأة والتربية، فبعض الأطفال ينفع معهم النظرةُ العابسة للزجر والإصلاح، وقد يحتاج طفلٌ آخر إلى استعمال العصا في حالة اليأس من نجاح الموعظة، واستعمال طريقة التوبيخ والتأنيب. 3- التدرج في المعالجة من الأخف إلى الأشد: يجب أن تكون هناك مراحل في المعالجة والتأديب قبل اللجوء إلى الضرب؛ لعلها تؤدِّي الغرضَ من تقويم اعوجاج الطفل، ولعلها تُصلِح من شأنه، وترفع من مستواه الأخلاقي والاجتماعي، وتجعله إنسانًا سويًّا؛ فالعقوبة للطفل يجب أن تكونَ في المرحلة الأخيرة، فيجب أن يعامَلَ كلُّ طفل المعاملةَ التي تلائمه، ويُبحَثَ عن الباعث الذي أدى إلى الخطأ، وعن عمر المخطئ وثقافته، والبيئة التي يكتسب منها. ومن هذا يتضح أن التربية الإسلامية قد عُنِيت بموضوع العقوبة عنايةً فائقة، سواء أكانت عقوبة معنوية أم عقوبة مادية، وقد أحاطت هذه العقوبة بمجموعةٍ من القيود والشروط، فعلى الوالدين ألا يتجاوزوها، وألا يتغاضَوْا عنها، إن أرادوا لأولادهم التربية المثلى، ولأجيالهم الإصلاح العظيم. المراجع: ♦ عباس محمود عوض: علم النفس العام. ♦ عبدالحميد أحمد أبو سليمان: العنف وإدارة الصراع السياسي في الفكر الإسلامي. ♦ عبدالحميد محمد وآخرون: العنف ضد الأطفال. ♦ عبدالرحمن محمد العيسوي: علم النفس والإنسان. ♦ عبدالله ناصح علوان: تربية الأولاد في الإسلام. ♦ محمد عطية الإبراشي: رسائل التربية الإسلامية. |
الساعة الآن : 10:34 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour