ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى اللغة العربية و آدابها (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=111)
-   -   مجزوء البسيط بلا "مخلع" (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=260699)

ابوالوليد المسلم 17-06-2021 03:00 AM

مجزوء البسيط بلا "مخلع"
 
مجزوء البسيط بلا "مخلع"
عبدالستار النعيمي






يقول كمال أبو الديب: (إذا رفَضنا الحكمَ على قصائد جاهليَّة وصفَها شوقي ضيف بالمختلَّة؛ بمقاييس صيغَت بعدها وجاءت تعميمًا لأُسس استُخرجت من تحليل جزء من التراث - فإنَّنا سنرفض تعميمَها بأنَّها مختلَّة مضطربة بها عيوب، ونحاول فهْمَ طبيعة تركيبها ذاته، دون تعدِّي ذلك إلى إصدار أحكامٍ أخلاقيَّة عليها).

فقصيدة عبيد بن الأبرص (أقْفرَ من أهله ملْحوبُ) عدَّها السكاكي من عجائب الدنيا في اختلافها في الوزن، وأراد لها أن تلحق بالخطَب؛ ولكنَّها قصيدة عدَّها العرَب من المعلَّقات العشر، وإنْ وضع الجمحي شاعرها "عبيدًا" ضمن الطَّبقة الرابعة.

إنَّ الخليل قد أخذ شِعرَ الذين سبَقوه حجَّة بجميع بحوره وفروعها؛ لأنَّهم الأصلُ في الشعر، وإليهم يَرجع الوزنُ كله، واستقامته وزِحَافاته.

ثمَّ تتابع علماءُ العَروض، وكتبوا الكثيرَ عن قواعد العروض الخليلي، ومنهم مَن أخرج بحورًا مستحدَثة، ومنهم من أَهمل بعضَها؛ ومن الذين استحدثوا بحرًا كان القرطاجني؛ إذ قد أسمى نوعًا من مجزوء البسيط بـ (اللاحق) أو المخلَّع: مستفعلن فاعلن مفعولن.

فلنتتبع أخبار هذا اللاحق أو المخلَّع؛ لنردَّه إلى أصله بلا تَسميات محدثة.

س: هل كان عبيد هو أوَّل من حاد عن تَجامع الضَّرب مع عروض مجزوء البسيط في قوله:
أقفَرَ من أهله ملْحوبُ (مستفعلْ) ♦♦♦ فالقطبيَّاتُ فالذنوبُ (فعولنْ)؟

ج: كلَّا؛ لقول امرئ القيس:
عيناكَ دمعُهُما سِجالُ (فعولن) https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كأنَّ شأنَيْهما أوشالُ (مستفعلْ) https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أو جدولٌ في ظلال نخْلٍ (فعولنْ) https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
للماءِ من تحتهِ مجالُ (فعولن) https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

قد أقطعُ الأرض وهْي قفْر (فعولن) https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وصاحبي بازلٌ شِملالُ (مسْتفْعِلْ) https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

نائمةٌ نائمٌ أبجلُها (مسْتَعلُنْ) https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كأنَّ حاركها أُثالُ (فعولن) https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

عَدْوًا تَرى بينهُ أبواعًا (مسْتفْعِلْ) https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تحفزهُ أكرعٌ عِجالُ (فعولنْ) https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


وقول الأسود بن يعفر النهشلي:
ونحن قوم لنا رماحٌ (فعولن) ♦♦♦ وثروة من مُوالٍ وصميم (مستعلانْ)

س: هل كانت قصيدة امرئ القيس على عَروض واحدة؟
ج: كلا؛ بل كانت على (فعولنْ) و(مسْتعلنْ) و(مسْتفْعِلْ).

س: ما معنى هذا؟
ج: معناه أنَّه استعمل في (مستفعلن) العروض زحافَ الطيِّ والقطع، وعند القطع استعمل الخبن.

فكانت العروض: مطوية (مسْتعلنْ \0\\\0)، ومقطوعة (مسْتفْعِلْ \0\0\0)، ومقطوعة مخبونة (فعولنْ \\0\0).

س: وفي الضَّرب؟
ج: الضرب كان مقطوعًا مخبونًا (فعولن \\0\0).

س: ما هو مجزوء بحر البسيط؟
ج: مجزوء البسيط له:
أ - عروض صحيحة؛ (يجوز فيها الخبن والطي)، ولها ثلاثة أضرب:
1 - الضرب الأول: صحيح (يجوز فيه الخبن والطي):
(أهكذا باطلًا عاقَبني ♦♦♦ لا يرحمُ اللهُ مَن لا يرحمُ)

2 - مُذيـَّل (يجوز فيه الخبن والطي والخبل):
(لا تلتمسْ وصلةً من مخلِفٍ ♦♦♦ ولا تكن طالبًا ما لا يُنـالْ)

3 - مقطوع؛ (يجوز فيه الخبن):
(مَنْ يسألِ الناسَ يحرموهُ ♦♦♦ وسائلُ الله لا يخيبُ)

ب - عروض مقطوعة، ووزنها (مفعولن)، ولها ضرب واحد مثلها (يجوز فيهما الخبن):
(ما هيَّجَ الشوقَ مِنْ أَطْلَالٍ ♦♦♦ أضحَتْ قِفَارًا كوَحْيِ الوَاحي)

س: ما هي زِحافات عبيد بن الأبرص في معلَّقَته؟
ج: نستطيع أن نعرض أهمَّ الزِّحافات والعلل في قصيدة عبيد بتتبُّع أبياتها:
أقفر من أهله ملحوبُ (مستفعلْ) ♦♦♦ فالقطبيَّات فالذنوبُ (فعولنْ)
وبُدِّلتْ من أهلها وحوشًا

وفي الراوية الأصح في ديوانه:
وبدِّلَت منهمُ وحوشًا (فعولن) https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وغيَّرَت حالَها الخطوبُ (فعولن) https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

إمَّا قتيلًا وإمَّا هالكًا (مستفعلنْ) https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
والشيبُ شَينٌ لمن يشيبُ (فعولن) https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

واهيةٌ أو معينٌ ممعنٌ (مستفعلن) https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
من هضْبة دونها لهوبُ (فعولن) https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فكلُّ ذي نعمةٍ مخلوسها (مستفعلن) https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وكل ذي أمَلٍ مَكذوب (مستفعلْ) https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أفلحْ بما شئتَ قد يُدرَكُ بالضْ (مستعلنْ) https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ضَعْفِ وقد يُخدع الأريبُ (فعولن) https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لا يعِظ الناسُ مَن لا يعظ الدْ (مستعلنْ) https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
دَهرُ ولا ينفعُ التلبيبُ (مستفعلْ) https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لا ينفعُ اللبُّ عن تعلُّمٍ (مُتَفْعلن) https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
إلَّا السجيَّاتُ والقلوبُ (فعولنْ) https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


س: هل كانت الزحافات والعِلل في معلَّقة عبيد بن الأبرص من ضمن جوازات مجزوء البسيط؟
ج: نعم؛ وكما ترى لم يَخرج من نِطاق الجوازات المبينة في أعلاه؛ وكما استعملَها امرؤ القيس في قصيدته (عيناك دمعهما سجال).

ونحن نستطيع أن نقول: إنَّ عبيد بن الأبرص قد بلغ الكمالَ في هذه المعلَّقة، ولم يجانِب الصَّوابَ في وزنها؛ بل فتح أفقًا واسعًا لبحر البسيط في مَجزوئه باستعمال الجوازات كلها في آنٍ واحد؛ وإن سبقه بذلك ملكُ الشِّعر امرؤ القيس.

يقول أبو ديب: (إنَّ الخليل افترض وجود مركَّبات أساسية، خلق باعتمادها بناءً نظريًّا، منتظمًا شموليًّا، لم يشترِط في معطياته الحتمية أن يكون دائمًا صورة وصفيَّة للمعطيات الحقيقية التي أنتجَتها الفاعليَّةُ الشعرية في نشاطها الخلاق).

إنَّ هذا الكلام لا يضرُّ بالخليل أو بمنهجه العروضي؛ بل ينبِّهنا على ما أغفلناه في تقييم قصيدة الشِّعر العموديَّة لا سيما إذا كانت لشاعر فحل من شُعراء ما قَبل عصر الإسلام؛ فكثيرًا ما عاب معلَّقةَ عبيد بن الأبرص الشهيرة ناقدٌ أو شاعر أو عروضي؛ مثل أبي العلاء المعري بقوله:

وقد يُخْطِئُ الرَّأيَ امرُؤٌ وهو حازِم ♦♦♦ كما اختَلَّ في وَزْنِ القَريضِ عَبِيدُ

وقال ابنُ رشيق القيروانيُّ: ومن الزحاف قبيحٌ مردودٌ، لا تُقْبِلُ النَّفسُ عليه؛ كقبح الخلق، واختلافِ الأعضاء في النَّاس، وسوء التَّركيب؛ مثاله قصيدةُ عَبِيد المشهورة، تدرجَت من النَّثر.

وقد عدَّها الدكتور شوقي ضيف من (مخلَّع البسيط)؛ كما يذكر د. عبدالهادي عبدالله، ويضيف الأخيرُ مع دخول بعض الزحافات: "فتأتي مستفعلن تارة مستعلن، وتارة متفعلن، وتأتي مستفعلن في العروض والضرب مستفعل تارة، ومتفعل تارة، ومتفعلن تارة، ومستعلن تارة أخرى".

فلماذا لا نراها (المعلقة) الآن بقُبح وصفها أو باختلال وزنها لمَّا وضعناها تحت تَشريح الشَّمس وغسلناها بماء النَّدى الرائق لتنفض عن نفسها كلَّ عالِق متشائم، ويسقط عن جمالها كلُّ تخديش ظالم.

والآن نرجع إلى مَجزوء بحر البَسيط وقد حوى كلَّ زحافات معلَّقة ابن الأبرص التي حيَّرَت علماءَ العروض والشعراء؛ فما حاجتنا لاسمٍ ثقيل "مخلع" على المسامِع لصق بهذا المجزوء الجميل كما لَصق الاختلال بوزن معلَّقة عبيد ظلمًا وعدوانًا!

فلنرفع كلمةَ المخلَّع من الآن، والسَّلام على مَن اتَّبع الهدى من علماء العروض والشُّعراء.




الساعة الآن : 07:25 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 16.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 16.62 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.56%)]