ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   من بوح قلمي (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=72)
-   -   ثقافة الذباب! (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=257354)

ابوالوليد المسلم 22-04-2021 03:32 AM

ثقافة الذباب!
 
ثقافة الذباب!
محمد حسن جباري


فتح النافذةَ ليتخلَّص من الحمولة الضَّخمة من أسراب الذُّباب، الذي يَكاد دويُّ طنينه يهزُّ السقفَ، ليفاجأ بأضعافها وهي تتدفَّق عليه من جهة الغرب بسرعة مجنونة.

لم يَكن الذُّباب يَقصد أسمال الجوارب النَّتنة، ولا علالة القهوة التي تَقبع في قاع الفنجان منذ أسبوع، ولا رشقات البصاق التي تتناثَر على أرضيَّة الغرفة.

كان ينصب كلُّه على المكتب، وبالذَّات على الكتاب الذي فرَغ هو من تأليفه مؤخرًا! وكان يستعدُّ لإرساله إلى المطبعة.

كان الذُّباب يفور فوق الكتاب! يحكُّ قوائمَه في خفَّة، ويلكز بمجسَّاته القذرة أحرفَ العنوان.

عقدَت الدهشة لسانَه وهو يَرى الذبابَ يَفتح الكتاب، يتدفَّق على صفحاته، يَجول بين أسطره وكلماته، يقلِّب الأوراق واحدةً بعد أخرى كما يَفعل هو أثناء القراءة تمامًا!

أفاق من دَهشته حين رأى الكتابَ يَطير باتِّجاه النَّافذة!
أسرع بالكتاب إلى المطبعة، ما كادوا يَفرغون من النُّسخ المطلوبة، حتى غصَّت المطبعة أيضًا بالذُّباب!

المكتبات، المدارس، الجامعات، البيوت - كلُّها لم تَنج من هذا الاحتلال البغيض.

طغى الكلام عن الحادِثة على كلِّ شيء؛ بدءًا بالتَّسمية (الظاهرة الذبابيَّة)، البحث في تاريخها: هي الأولى من نوعها، الأسباب: غير معروفة حتى الساعة، النتائج: أورام خَبيثة تصيب الدِّماغَ والقلبَ من جرَّاء لسعات الذباب، تؤثِّر على أَنماط التفكير لدى البشَر؛ فمِنهم من يولَع بالمزابِل، ومنهم من يفضِّل الخوضَ في المستنقعات، ومنهم من يَحرص على قضاء أَوقاته في أكثر الأمكنة نتنًا، (وبالجملة: كلَّما كانت الأَمكنة أوفَر فسادًا وأكثر عفنًا.. كانت للِّقاء والنَّشاط أنسب).

المرض سريع العَدوى، نافِذ الانتشار، وقد يكون قاتلًا إذا تراخَى العلاج.

جُفِّفَت المستنقعات، العمل في مراكز الحجر الصحِّي كان على قدَمٍ وساق، إرهاصات انفراجٍ تتراءى في الأفُق؛ الذُّباب في تَناقص مَلحوظ، بل لم يَبق منه سوى أقل القَليل، الحالات كلها تتماثَل للشِّفاء، غير مريض واحد!

ما إن تترَعرَع في أوصاله الواهنة أزاهيرُ العافية، حتى تكر لفحاتُ الدَّاء بسمومها فتخنق نسائمَ الأمل البليلة، ويتقهقر العلاج مراحل.

عزَلوه، وضعوه تحتَ المراقبة الدَّائمة، سلَّطوا عليه الكاميرات من كلِّ زاويةٍ مع تسجيل كل حركاته وسكناته.

بعد منتصف الليل، تجمَّعوا حولَ الكاميرات؛ إذ أَيقظَتهم رنَّات جهاز المراقبة الصحيَّة، منذرة بنكوصٍ جديد في حالة المريض، لكن سرعان ما عاود المريضَ راحتُه، بعد أن استخلصوا منه النسخةَ النَّاجية الوحيدة من الكتاب.

أضرموا فيها النَّار، غسلوا أثرَ الحريق بالمطهرات، وجفَّفوا المستنقعَ الأخير.




الساعة الآن : 12:54 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 7.37 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 7.27 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (1.27%)]