السعادة الزائفة.. القصة الكاملة
السعادة الزائفة.. القصة الكاملة أ. أحمد محمد سليمان (1) قبل البَدْءِ هذه قصةٌ يائسةٌ، وأحداثٌ بائسةٌ، لا تستحق أن تروى، وما كان لها أن تحكى، لولا أنها اقترنت لدي بكتاباتٍ أدبيةٍ، شعرًا ونثرًا، فصارت جزءًا من تكويني. وبعض الناس لا يقبل مني أن أبوح بمثل ما في هذه القصة؛ استعظامًا أن أُنسَبَ إلى القراءات وأُشغَلَ بتلك الترهات. ولست أخدع الناس عن نفسي، وأدَّعي من الورع الزائد ما لا يلزمني؛ إذ خلقني الله بشرًا، ومن ذا حرَّم على الإنسان أن يُحِبَّ، أو أنكر عليه أن يميل قلبه، وأين أنا ممن سبقني من أفاضل العلماء والكتَّاب، الذين يروي الناس شعرهم بغير نكير، وتقع قصص حبهم على النفوس صافيةً بلا تكدير؟! مع أني لم أطلق لقلبي العِنان استخفافًا بألم الجوى، وتماديًا في التلذذ بالهوى، وإنما لم أقع فيما وقعت فيه إلا وقد غلبني القلب الجموح، وشرد بي الوجد الطموح؛ فأنا مغلوبٌ، غير أني لا أعتذر، فما ألجئت إلا إلى أمرٍ مباح، ولم يغب عني: "لم ير للمتحابين مثل النكاح"، فلم يكن مقصودي إلا إليه، وهو وإن لم يتيسر لطالبه، فبقي بهذا القلب المحزون، فذلك قدر الله قدره ولله في خلقه شؤون. (2) اللقاء الأول مضى اللقاء الأول كأحسن ما يكون، تعارفنا، أبديت ارتياحًا، أبدَتْ رضًا. (3) اللقاء الثاني لم يكن بيننا ميعاد. غير أني ترصَّدْتُ وقت مجيئها؛ لأصطنع لقاءً كانت تتوقعه هي أيضًا. وتأخَّرت عن موعدها المعتاد وقتًا أتاح لي كتابة هذه الكلمات: قد أطلتُ الوقوفَ حتى تجيئي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وطردتُ الظنون عن أن تسيئي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وتوسمتُ أن تجيئي لأني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لم أزل ممتعًا بقلبٍ بريء https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فأنا مفعمٌ بحب وشوقٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وحنانٍ ما مطلبي بالدنيء https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif والذي ينشد المحبة صفوًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif دون ريبٍ يمضي بقلبٍ جريء https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يا فتاةً بدَتْ لقلبٍ خَلِيٍّ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif صرتِ كالماء للفؤاد الظميء https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif اهنئي إن أردت قُرْبي فإني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif راغبٌ، وانعمي بقربٍ هنيء https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ودعيني كذاك أَهْنَا بقربٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif منك في رقةٍ وحسنٍ وضيء https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif (4) التصافي وكانت سعادة غامرة لي حين التقينا؛ إذ وافقَتْ رغبتي في حديثها رغبةً لديها في الحديث. وتكرر اللقاء قليلًا. وقد سجلت مشهدًا من ذلك بعد أن انقضت القصة: سوف أحكي حكايتي يا ولادي[1] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif حين سِرْنا معًا وراء النادي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif واحتكاك الأكتاف يشهد أنَّا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif نتهادى مع التصاق الأيادي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وحديثٌ أرقُّ من قطراتٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif حانياتٍ قد ضُمِّخت بالوداد https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أعجَبُ الأمر أننا نتلاقى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif كلَّ يومٍ لكن بلا ميعاد https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif (5) صديقتها ثم أبدت صاحبتي تحولًا وإعراضًا، وبدأت تطلب مني أن أبتعد، فاضطررت إلى استشارة صديقتها التي تتابعنا باهتمامٍ، فنصحتني أيضًا أن أبتعد. لكن صاحبتي لم تكن جادةً في طلبها، أو هكذا بدا لي، وصديقتها لم أكن واثقًا أنها تمحضني النصح، فلم آخذ بقول إحداهما، ومضيتُ كما أنا أتقرب إليها، وسجلت موقف صديقتها: |
رد: السعادة الزائفة.. القصة الكاملة
غارقًا في الودادِ غيرَ مُصيخٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لنصيحٍ ولا مبالٍ بناهِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif كاذبًا نفسي الغريرة أني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif واحدٌ عندها بلا أشباهِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif اتركيني في وصلِها في انتشاءٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لا ترومي إفاقتي وانتباهي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif واعذِريني لن أستجيب لنُصحٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لا يقول: انطلِقْ بغير تناهي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif (6) المكابرة ثم تمادت صاحبتي مكابرةً، وبدا أن تحولها مقترنٌ بظهور آخرين، وأنها ترضى بالعلاقات الزائفة؛ علاقات العمل، وذلك ما لا يوافقني؛ لأني كنت ارتقيت عن ذلك درجةً لا أحب أن أنحدر عنها. وشكتني إلى اثنين ممن لا يعبأ بهم. إن اللَّذينِ شكوتِني لهما https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ليسا بأدنى منك في الجهلِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif قد يُسعفانِك في ملاومتي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لا عن هدًى، لكن من الذحلِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif قد أزمعا هَجْري وهجرهما https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif مما يُسَرُّ بمثله مثلي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ومضيت في الهجران مصغيةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لهما بلا رأيٍ ولا عقلِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لم يدريا من سوء جهلهما https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أني أصبت القلب بالنصلِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أصميت قلبك غيرَ متئدٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ورميتني بالأعين النجل https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أقوى على الهجران مصطبرًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فخذي دواء الصبر من أجلي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ودعيهما يتحرقان معًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif كالنار إذ حرمت من الأكل https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif مع أمورٍ صارفةٍ أخرى، قررت معها أن أبتعد، وأردت أن أسجل قراري هذا في أبياتٍ، فقلت: أتظنين أنني سأعود...... وزدت عليها كلماتٍ لم أكمل بها أبياتًا، بل أنسيتها. (7) القصة لكني كنت إذ ذاك أكتب القصة كاملةً: السعادة الزائفة (2) وهكذا اخترت في النهاية ألا أَفِيَ لمن يخون؛ فإن مقام الحب عندي مصون، ومذهبي فيه غير مذهب ابن زيدون [2]. [1] أعني: يا أولادي، وقد تسامحتُ في كتابة هذه اللفظة على هذا النحو كما تسامح بعضهم قبلي فقالوا: يا ستي؛ يريدون: يا سيدتي. [2] أعجبني - كما أعجب الناس - شعر ابن زيدون ورسائله، لكني في الحقيقة غير راضٍ عن مذهبه في الحب؛ فقد اختار أن يفي لمحبوبته ولادة ويتغنى بحبه لها إلى آخر حياته، مع أنها في الحقيقة - كما قال الرواة - قَلَتْهُ بعد المحبة، وصدته بعد الوصال، واشتهر أمرها بأنها مالت إلى الوزير ابن عبدوس، ولم تكتفِ بهذا، بل هجت صاحبنا ابن زيدون هجاءً مقذعًا، ورمته بأقبح الأوصاف. |
الساعة الآن : 10:17 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour