ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى مشكلات وحلول (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=51)
-   -   أكلم نفسي.. فهل هذا طبيعي؟ (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=252315)

ابوالوليد المسلم 09-02-2021 06:51 PM

أكلم نفسي.. فهل هذا طبيعي؟
 
أكلم نفسي.. فهل هذا طبيعي؟


أ. عائشة الحكمي



السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاةٌ في الخامسة عشرة من عُمرِي، مجتهدة في الدراسة، مصرية ولكنِّي أقيم في السعودية، ومشكلتي هي: أنَّني أتكلَّم مع نفسي كثيرًا، وهذه الظاهرة بدَأت بمرحلة الثالث المتوسط، ولكن اشتدَّت بعد أنْ ذهبتُ إلى الصفِّ الأوَّل الثانوي، وتركتْني صديقتي التي كنتُ قد بدأت أنسجم معها بعد أنْ كنتُ أعيش في الرياض مع صديقتي التي استمرَّت صداقتي معها سبع سنين ونصف، والتي أحبَبتُها وكانت أعزَّ صديقاتي، وكنت أقضي معها وقتًا أكثر ممَّا أقضِيه مع أمي وإخوتي، والآن أتحدَّث مع أشخاصٍ ليسوا موجودين، فبعضهم سافَرُوا وبعضهم قد تُوفُّوا، وبعضهم معي في المدرسة، وأعاني من تكوين أصدقاء؛ وذلك خوفًا من أنْ يتركوني ويرحلوا كما فعل مَن قبلهم، وأشعُر عندما أقفُ معهم أنهم لا يرغَبُون في وجودي أو أنَّهم لا يحبونني.

أرجو الردَّ في أسرع وقتٍ ممكن.

وشكرًا.

الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
مُعظَم الناس يتحدَّثون إلى أنفُسهم أثناءَ التخطيط لمهمةٍ ما، أو عند الشعور بالغضب، أو عند ارتكاب الخطأ، فالحديث إلى النفس ليس مشكلةً في كثيرٍ من الحالات؛ لكونه يُشكِّل تنفيسًا انفعاليًّا صحيًّا، ولاعتباره نوعًا من "التفكير" ولكن بصوتٍ عالٍ، وقد ورد في "لسان العرب" كلمتي: غمغمة وتغمغم بمعنى "الكلام الذي لا يُبَيّن، وقيل: هما أَصوات الثيران عند الذُّعْر، وأَصوات الأَبطال في الوَغى عند القتال"، ولستُ أدري إلى أيِّ مَدَى يمكن اعتِبار حديثكِ إلى نفسكِ مشكلة؟! فالأمر لم يتَّضِح لي جيدًا.

لكن يبدو أنَّ السبب وَراء هذه المشكلة - إذا اعتبرناها مشكلة - يَكمُن في شُعوركِ بالوحدة وانعِدام وجود صديقات مُقرَّبات تتحدَّثين إليهنَّ، خصوصًا أنَّكِ قد ربطتِ المشكلة بابتِعاد صديقتكِ الحميمة عنكِ.

فالخطوة الأولى على طريق التحسُّن تبدأ إذًا بتكوين صَداقات جديدة، وإقامة علاقات اجتماعيَّة مع الآخَرين؛ فالإنسان كائنٌ اجتماعي، يُدمِّر نفسيَّتَه التفرُّدُ والتوحُّد والتغرُّب والفِراق، وقد قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ﴾ [الحجرات: 13].

حاوِلِي التعرُّف على صَدِيقات جَدِيدات في المدرسة، ولا تجعَلِي فكرة الفراق تستَحوِذ على تَفكِيركِ، فتفسد عليكِ حياتكِ.

اللقاء والفراق شأن الحياة الدنيا:

وَمَا الدَّهْرُ إِلاَّ جَامِعٌ وَمُفَرِّقٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَمَا النَّاسُ إِلاَّ رَاحِلٌ وَمُوَدَّعُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فَإِنْ نَحْنُ عِشْنَا يَجْمَعُ اللهُ شَمْلَنَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَإِنْ نَحْنُ مِتْنَا فَالقِيَامَةُ تَجْمَعُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


ولو كنَّا نملك استِبقاءَ الأحبَّة إلى جوارنا لاستبقى الصحابة الكرام - رضي الله عنهم أجمعين - خيرَ الأمَّة لهذه الأمَّة محمدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى جوارهم، ولكنَّهم لا يملكون ذلك، وكذلك نحن لا نملك لِمَن نحبُّ سوى الصُّحبة الطيِّبة، والدُّعاء لهم بظهْر الغيب وبعد الموت.

يجبُ ألاَّ يُعجِزنا هذا العجز - يا صغيرتي - عن حبِّ الناس، والاحتِفاظ بصَداقاتهم، وحُسن مُعاشَرتهم والعيش معهم وبينهم.

أمَّا شُعورُكِ بأنَّكِ غير محبوبة من صديقاتكِ، فهذا شعورٌ قد يكون صادقًا وقد يكون وهميًّا؛ بسبب مَخاوِف الفراق التي تجتاحُك بين الفَيْنة والأخرى، وسواء كان شُعورًا حقيقيًّا أم وهميًّا، فالمهمُّ هنا أنْ نتحلَّى بالأخلاق الحسنة، وأنْ نُعامِل الناس بما نحبُّ أنْ يعاملونا به، فبالخُلُق النبيل نستَطِيع أنْ نكسب قلوب الأعداء، فاحرِصي على أنْ تكوني فتاةً مهذبة وخلوقًا؛ كي يحبَّكِ الناس من حولكِ ويهتمُّوا لأمركِ.

ما ألحَظُه على بعض الفتيات غير السعوديَّات في المدارس، حرصهنَّ غير المبرَّر على عدم الاندِماج مع أقرانهنَّ من الفتيات السعوديَّات، ربما لأفكارٍ سابقة امتلأتْ بها عقولهنَّ، فأرجو ألاَّ تكوني أنتِ أيضًا مثلهنَّ، فالسعوديَّات ككلِّ الفتيات في الدنيا، منهنَّ الصالحات ومنهنَّ دون ذلك، فتخيَّري الصالحات واقتَرِبي منهنَّ، وتفاعَلِي مع مشاكلهنَّ، وشارِكيهنَّ اهتماماتهنَّ، كوني متعاونةً واحذَرِي الأنانية على اعتباركِ طالبة متفوِّقة، فالأنانية خلقٌ قبيح وشنيع للغاية، يفسد جمال التفوق وينزع عنه تاج الفضيلة، فضلاً عن كونه عاملاً رئيسًا لتنفير الصديقات من حولكِ.

أمَّا الخطوة الثانية فتتمثَّل في الإبقاء على هذا الحديث الذاتي داخليًّا، وليس بصوتٍ عالٍ أمام الآخَرين، فإنْ وجدتِ نفسكِ تتحدَّثين مع نفسكِ عاليًا فأغلقي فاكِ، ضمِّي شفتيكِ معًا إلى أنْ يتوقَّف هذا الحديث.

ولتعزيز ذلك كافِئِي نفسكِ بنفسكِ بشيءٍ تحبِّينه في كلِّ مرَّة تنجَحِين فيها من التقليل من هذه المحادثات الذاتيَّة، بشراء قِطعة حلوى أو مشاهدة برنامج مفضَّل، ونحو ذلك من المكافآت التي تفضِّلينها شخصيًّا.

وحين تكونين بمفردكِ قيِّدي مثل هذه الأحاديث على الحاسوب، اكتُبِي كلَّ الحوارات التي تحدُث بينكِ وبين أحبَّتكِ ثم قومي بمسحها؛ أعني: بمجرَّد رغبتكِ في الحديث إلى نفسكِ افتَحي مستند Word، واكتُبي هذه الحوارات بدلاً من التحدُّث بها بلسانك، كوني صامتة واكتبي حتى تشعُري بالهدوء النفسي، ثم امسَحِي كلَّ ما كتبتِه، بهذه الطريقة تقومين بعمل تنفيسٍ انفعالي صحي، إضافةً إلى حلِّ مشكلتكِ بنفسكِ، جرِّبي ذلك ثم خبِّريني بالنتائج.

سائلةً المولى العليَّ القدير أنْ يُوفِّقكِ ويُقيِّض لكِ الصديقات الصالحات، ويجمَعكِ بِمَن تحبِّين، ويسعد قلبكِ الصغير في الدنيا والآخرة، اللهم آمين.

دمتِ بألف خيرٍ.



الساعة الآن : 07:28 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 11.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 11.55 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.81%)]