أكرر الوضوء بسبب الوسواس
أكرر الوضوء بسبب الوسواس أ. عائشة الحكمي السؤال السلام عليكم. أنا أعاني من وسواس من 3 سنوات، في أول الأمر كنتُ أعيد الوضوء، ولكن لستُ متأكِّدة أنه وسواس؛ بسبب خروج الغازات، ثم أصبحتُ إذا دخلتُ الحمَّام أغسلُ ملابسي، وأستحم في كلِّ مرة، حتى أصبحت أدخل مرتين في اليوم، وأترك الصلاة لأيَّام ثم أعود، ولكنِّي في حالة قلقٍ مستمرٍّ. فمن صلاة الصبح إلى العشاء وأنا في قلقٍ، وفي الليل أنتظر الفجر، ولا أعرف سأتمكن من الصلاة أم لا؛ فإخوتي يريدون دخول الحمَّام، وأنا عندما أدخل لا أخرج قبل نصف ساعة في أحسن الأحوال، وطبعًا الكلُّ يطرق عليّ الباب لأخرجَ، وعندما أخرج أسمع كلامًا، وكأني أنا التي أريد ذلك، وطبعًا هذا يحدث كلَّ مرة، فكرهتُ الدنيا؛ أرجو ألاَّ تكون الإجابة: لا تلتفتي إلى الوساوس؛ لأنَّ هذه الإجابة لا تجدي. خاصة وأنَّ كلَّ ما أفعله هو المفروض عليّ عمله؛ من أجْل طهارتي الجواب أختنا العزيزة، شفاكِ الله وعافاكِ. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. نحن المسلمين أُمَّة تهتمُّ بالنظافة والطهارة، فالطهر جزءٌ أصيل من تفاصيل حياتنا اليوميَّة، ولا تُقبل صلواتنا الخمس بغير طهور، والله تعالى يقول: ﴿ لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ﴾ [الواقعة: 79]، ويقول: ﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾ [المدثر: 4]، ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾ [التوبة : 108]. في المقابل جعلَنا الله أُمَّة وسطًا نعمل بمقتضى القاعدة الفقهيَّة التي تقول: "لا ضررَ ولا ضِرار"؛ لأن الله - عز وجل - قد أمرَنا بعدم إلقاء النفْس إلى التهلُكة: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195]. وعليه؛ فالمفترض علينا كمسلمين ألاَّ نحوِّل حرْصنا على النظافة والطهارة وإسباغ الوضوء إلى هاجسٍ ووساوس مثْلما تفعلين بنفسكِ يا عزيزتي! نصيحتي لكِ: أولاً: استشارة طبيبة نفسيَّة لعلاج المشكلة دوائيًّا؛ فالعلاج الدوائي يلعب دورًا مُهِمًّا في علاج المشكلة. ثانيًا: سماع شريط - رسالة إلى موسوس - لفضيلة الشيخ سلمان العودة. ثالثًا: الوضوء للصلاة عبادة، والوساوس التي تعتري المتوضِّئ بعد الوضوء تندرجُ تحت باب الشك الطارئ؛ لأن المتوضِّئ يكون قد فرغَ بالفعل من أداء العبادة، وعليه بَنَى الفقهاء قاعدة فقهيَّة تنصُّ على أنه: "لا أثَرَ للشكِّ بعد الفراغ من العبادة"، وهي قاعدة متفرِّعة من القاعدة الكبرى: "اليقين لا يزول بالشك"، والتي يقول عنها السيوطي: "إن المسائل المخرَّجة عليها تبلغ ثلاثة أرباع الفقه أو أكثر". أي: إن إعادة الوضوء والاستحمام وكل ما تفعلينه بنفسك للتأكُّد من طهارتك - يدخل تحت باب الشكِّ والظنِّ والوساوس الشيطانيَّة التي أمرَنا الشارعُ ألاَّ نلتفِتَ إليها. مريض الوسواس يا عزيزتي هو مريض بالشك، وقد ذمَّ الله - تعالى - المتَّبِعين للظنون والشكوك، فقال: ﴿ وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ﴾ [النجم: 28]. كما نبَّهنا النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى عدم الالتفات إلى الشكِّ حتى في أداء أهمِّ الفرائض وهي الصلاة؛ فعن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا شكَّ أحدُكم في صلاته فلم يَدرِ كَمْ صلَّى؛ ثلاثًا أم أربعًا؟ فليطرح الشكَّ وليبنِ على ما استيقنَ، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلِّمَ، فإن كان صلَّى خمسًا، شفعْنَ له صلاته، وإن كان صلَّى إتمامًا لأربع، كانت ترغيمًا للشيطان))؛ رواه مسلم. رابعًا: إعادة الوضوء بحُجة أنَّ هذا من الطهارة ليس إلا مخالفة لسُنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن إعادة الوضوء لا تكون إلا من ناقض للوضوء. إذًا؛ ما تفعلينه مِن زيادة في الطهارة بالاستحمام ليس إلا نوعًا من التنطُّع المنهي عنه، وقد ذمَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتنطِّعين في الدين، فقال: ((هَلَكَ المتنطِّعون)) قالها ثلاثاً؛ رواه مسلم. قال الإمام النووي في "المنهاج" في شرح الحديث: قوله -صلى الله عليه وسلم -: "هلَكَ المتنطِّعون"؛ أي: المتعمِّقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم". فهل بعد عِلمكِ بكلِّ هذا ستستمرِّين في الإصرار على الخنوع لأفكارك المرَضِيَّة من أنَّ ما تفعلينه هو طهارة؟ قال ابن خُزيمة - رحمه الله -: "ويحرمُ على العالِم أن يخالفَ السُّنَّة بعد عِلمه بها". خامسًا: عند الوضوء استحضري هذا الحديث: عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا توضَّأ العبد المسلم أو المؤمن، فغسل وجهَه، خرج من وجهِه كلُّ خطيئة نظرَ إليها بعينيه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسلَ يديه، خرج مِن يديه كلُّ خطيئة كان بطشتْها يداه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسلَ رجليه خرجَ كلُّ خطيئة مشتْها رِجْلاه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقيًّا من الذنوب))؛ رواه مسلم. تخيَّلي خروج الخطايا لحظة بلحظة مع ماء الوضوء، وبمجرد وصولك إلى خروج الخطايا من رجليك تكونين بذلك قد انتهيتِ فِعْليًّا من الوضوء، فلا تستسلمي لوساوسك وتعيدي الوضوء ثانية. سادسًا: يقول د.محمد شريف سالم: "عند مَرْضى الوسواس القهري هناك خَللٌ ما، يحدث في المخِّ يؤثِّر على إحساس المريض بالانتهاء من عملٍ ما، والدخول في عمل آخر؛ مما يؤدِّي إلى التَّكْرار وعدم التأكُّد والشك، وهو ما جَعَلَ المرْضَى لا يحصلون على الإحساس بأنَّ هناك شيئًا قد تَمَّ عملُه والانتهاء منه بمجرَّد القيام به". ويكمن علاج ذلك في أربع خطوات رئيسة: • بعد الفراغ من الوضوء قولي مباشرة دعاء الفراغ من الوضوء، واعتبري ذلك تأكيدًا على أنكِ توضَّأْتِ بالفعل، والدعاء هو: ((أشهد أنْ لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله))؛ رواه مسلم. • تحويل الانتباه من الوضوء إلى شيءٍ آخرَ لعِدة دقائق، كإعادة تعبئة حاوية الصابون إذا كانت فارغة، أو ترتيب رفِّ الحمَّام، أو تنظيف حوض الغسيل، ونحو ذلك. • عند معاودة الأفكار الوسواسيَّة استعيذي بالله من الشيطان الرجيم؛ فقد قال - تعالى -: ﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأعراف: 200]. ثم ذَكِّري نفسَك بأنَّ هذه الوساوس ليست سوى أفكار مَرَضيَّة يريد الشيطان بها تأخيرَك عن الصلاة. • عدم الاستجابة للأفكار الوسواسيَّة، والأفعال القهْريَّة لمدة 5 دقائق على الأقل في أول الأمر، ثم زيدي مدة التوقُّف 5 دقائق في كلِّ مرة، ولو تطلَّب الأمرُ تأخُّرَك في الحمَّام، المهم هو عدم القيام بإعادة الوضوء أو الاستحمام مباشرة، بل بعد توقُّف ولو لعِدة دقائق. سابعًا: الدافع الحقيقي وراء الوسواس القهري هو الشعور بالقلق، فاحْرِصي على ممارسة تمارين الاسترخاء المختلفة لمدة 15 دقيقة يوميًّا، مع المحافظة على الأذْكار والاستغفار؛ فقد قال - تعالى -: ﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد:28]. ثامنًا: يمكنك استعمال بعض البدائل المساعدة للشعور بالنظافة والطهارة، كاستعمال المناديل المطهرة أو الجل المطهِّر بعد الوضوء مباشرة، كذلك يمكنك وضْع كِريم مرطِّب لليَدَين على رفِّ الحمَّام؛ لترطيب يديك فورَ الانتهاء من الوضوء كعلامة على أنَّكِ توضَّأْتِ بالفِعْل، وهذا هو المطلوب أن تؤكِّدي لنفسك أنَّكِ توضَّأْتِ بغض النظر عن كونك أحسنتِ الوضوء أو أنكِ أصبحتِ طاهرة؛ كي تقطعي الشكَّ باليقين. تاسعًا: أثبتتْ بعضُ الدراسات فعَالية العلاج الطبيعي بعشبة يوحنا St. John's Wort في علاج الوسواس القهْري، وهي متوفِّرة في محلات الأغذية التكميليَّة، ولكن يجب أخذُها بعد استشارة صيدلانيَّة. متمنية لكِ في الختام دوامَ الصحة والعافية والسلامة ولا بأْسَ عليك، دمْتِ بألف خيرٍ، ولا تنسيني من صالح دعائكِ |
الساعة الآن : 05:32 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour