ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى اللغة العربية و آدابها (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=111)
-   -   الغربة! (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=250085)

ابوالوليد المسلم 07-01-2021 05:05 AM

الغربة!
 
الغربة!(1)















طارق البرغوثي





الغربة كلمة لا يَعرف معناها إلا من لفحَته نارُها واكتوى بلهيبها.





في الغربة كلَّما يُذكر الوطن تشعر بأنَّك لاجئ، وكلما يُذكر الصبا وأيام الأنس تتذكَّر أنَّك بلا قلب أو أحاسيس، أو على الأقل أماكن الإحساس فيك تعطَّلَت.





في الغربة تحاول أن توقف الذاكرة لأنها إذا عملَت وبدأت باستعادة الشريط فقدتَ التوازن.





ليت شعري، كم غربة نعيش، فنحن نعيش في غُرُبات وليس غربةً واحدة؛ غربة الوطن وغربة المستقرِّ، ثم غربة الأصدقاء، أصدقاء الصبا ورفاق الشباب وأقسى غربة هي غربة الدين.





الحنينُ إلى الوطن والمكان فطرةٌ فطرَ اللهُ الناسَ عليها، فكما تعود العصافيرُ إلى أوكارِها، والظباء إلى كِنَاسها، والطفل يروم حِضنَ أمِّه.





كلُّ مهاجر يحلم بالعودة يومًا، لا يبالغ بالسرف في غربته، معلِّقاً آمالَه بالعودة وكأنها غدًا، وهذا الغدُ ليس له صباح كبحرٍ بلا شاطئ.





قاسيةٌ هي الغربة، شبيهةٌ بالسجن الإداريِّ الذي لا يعرف المعتقلُ متى تنتهي فيه محكوميته.





في الغربة تحمل همَّك بين ضلوعك، وسرَّك لا تأتمنه إلا على نفسك.





يكبر الهمُّ كوَرمٍ سرطانيٍّ حتى يقتلك أو يحيلك جثَّة.





في الوطن كلُّ شيء له طعم ونَكهة، أتذكر أن ضحكاتنا كانت طبيعية وغير متكلفة، وفي أحيان كثيرة كانت تنقطع أنفاسُنا، وعند الانتهاء من الضحك نعود نضحك من جديد.





ونحن في الغربة وقودٌ، جلُّ همِّنا أن نوفِّر لقمةَ العيش لأبنائنا، ونوفر لهم حياةً كريمة.





الوطن والغربة ثنائيَّة كل يوم تقتلنا، فلا نحن في الغربة، ولا نحن في الوطن، مشتَّتون هنا وهناك، كلما حاولنا لملَمة بقايانا زاد تشتُّتنا.






يا وطني إلى اجتماع بك عسى أن يكون قريبًا.






ابوالوليد المسلم 07-01-2021 05:05 AM

رد: الغربة!
 
الغربة!(2)
طارق البرغوثي



في الغربة ولعٌ ووجَع...
ولع بالذكريات، وماضٍ فاتْ..
ووجَعٌ من المصير وما هو آت.

قال جالينوس: إنَّ أنقى هواء في العالم هو هواء اليونان.

وقال ابن رشد: إن أنقى هواء هو هواء قُرطبة.

ولم يعلموا أن أنقى هواءٍ هو هواء بلدي فلسطين، بوابة السماء!

نار الغربة لهيب، ونار الشوق للوطن مُحرِقة..

عندما تحتضن الوطن للزيارة تَقتُلك فكرة الرحيل..

وعندما تكون في الغربة يَقتلك الانتظار..

أغمض الجفون على القذى ليَغفو الوطن قرير العين..

أدعو الله كل طالعة صباح أن تُشرق شمس المعرفة في وطني كما تُشرق الشمس مُبدِّدةً سُحُب الظلام..

يا موطني، غنَّينا في رباك أشعارًا..

يا موطني، سفحْنا بعشقِك دموعًا مدرارًا..

كم تألَّمنا ونحن نُعاين نزفك..

وكم سهرْنا نُحاول تضميد جرحِك..

آلة العَين لا تعمل إلا في الوطن..

وعضلة القلب لا تضخُّ إلا في الوطن

كنتُ دائمًا أجفِّف منابع الوهن في المشاعر التي بدأت تَخبو كما ينطفئ السراج في ليلة شاتيَة، هي كل ما أملك أن تَبقى مشاعري تجاه الوطن والأهل متَّقدة..

كنت أقرأ كثيرًا في أشعار الحبِّ والحنين إلى الوطن حتى أغسلَ الرُّوح من وطأة الغربة ومن وحشة المكان.

حفظتُ أشعار الوطن، والغربة، والحنين، غنَّيتُها ورويتُها، وجعلت الوطن في قلبي قصيدةً.

في الغربة: العين لا تُبصر، والأذن لا تطرب، الروح توَّاقة لصوت العنادل وخَرير السواقي وحفيف الشجر.

أُبقي الوطن على عدسة عيني، أتخيَّل طَيفه في منامي، أُناجيه في أحلامي، أستمد منه قوَّتي وآمالي، وأمسَحُ بِرَجْع طيفه حرماني وآلامي..

أضمُّ الوطن بين ضلوعي، أحمله في قلبي، وبين أهداب عيوني...

أرسمه نقشًا فسيفسائيًّا وأحوِّل حروفه إلى إلياذَة أترنَّم بها في صُبحي ومسائي..


أيُّ نِعمة أنتَ يا وطني، وأي وجع؟!
نِعمة في القرب، وجع في البعد..!




الساعة الآن : 01:36 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 14.99 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 14.85 كيلو بايت... تم توفير 0.14 كيلو بايت...بمعدل (0.91%)]