ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى مشكلات وحلول (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=51)
-   -   الانفعال والتشنُّج أثناء النقاشات وقيادة السيارات (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=249575)

ابوالوليد المسلم 02-01-2021 05:29 AM

الانفعال والتشنُّج أثناء النقاشات وقيادة السيارات
 
الانفعال والتشنُّج أثناء النقاشات وقيادة السيارات


د. ياسر بكار


السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
ما أروع هذا الموقع! وما أجمل هذا المكان! استشارات رائعة، وتعقيبات مفيدة، فجزاكم الله عن المسلمين خيرًا وفيرًا، فلْتَدُم هذه الشمعة منيرة مشتعلة، تبدد سدف الظلام، وتمسح أشتات القتام.

أنا - يا إخوة - حينما أدخل في نقاشٍ حادٍّ، أجدني أتشنَّج وأضطرب، فتنتفخ أوداجي، ويعلو صوتي، رغم تيقُّني أن الأمر لا يعدو أن يكون نقاشًا عابرًا، فلماذا التشنُّج؟ ولِمَ الانفعال؟ أسئلة لا أجد لها جوابًا.

سرعان ما ينتهي صبري، فأنا سريع الملل، وأريدُ نتائج سريعة، وأريد أن يقتنع الذي أمامي بسرعة، وإذا لَم يقتنعْ بسُرعة، أغلق النقاش دون تتمَّة، وأقول: كفى، لك رأيك ولي رأيي؛ لأنني لا أصبر ولا أتحمَّل.

حينما أطالب بحقِّي، كأن يكون هناك شخص ما قد أخذ مني مالاً، فإني أتشنَّج بشدة، وأضطرب بقوة؛ فترتعش أطرافي، وتنتفخ أوداجي حينما أكلمه، ما هذا؟ هل أجد حلاًّ لما يحدث؟ أريدُ أن أكون رجلاً هادئًا رَزينًا، كما أنا في سائر حياتي.

حينما أقود السيارة، أُسرع كثيرًا، ولا أستطيع تحمل سيارة تقف أمامي لبِضْع ثوانٍ.

اللهم يَسِّر أمري، وأعني، ووفقني، واغْفِر زلَّتِي.


الجواب
الأخ الفاضل، السلام عليكم ورحمة الله.
مرحبًا بك في موقع الألوكة، وأهلاً وسهلاً بك، وأعتذر عن التأخير.

قرأتُ رسالتك، وأود أن أعلقَ هنا على عدَّة أمور:
أولاً: من الأمور التي يقع فيها الشباب المتحمس والمثقف: قضيةُ النقاشات، التي تتناول موضوعات عديدة، ويصرفون فيها وقتًا طويلاً، وتخلف من البقايا في النفس ما الله به عليم.

وإذا بحثْتَ في خبايا النفْس، وجدتَ أن أصل المُشكلة هو وجود معتَقَد ثابت، وهو: (يجب أن يعلم الآخر الحقيقة، وأنا المسؤول عن إثباتها، لابد أن يقتنع، ولا يجب أن يحمل فكرة خاطئة، ولابد من إبراء الذِّمَّة)، وغير ذلك من الأعذار والأفكار التي تجعلك جاهزًا لخَوْض غمار أي نقاش، وتحمُّل تبعاته السلبية.

أنت تعلم أن هذه النِّقاشات تُسَبِّب ضغطًا كبيرًا على المتناقشين، وكم من الشباب مَن اشتكى من تشنُّج وعصبية، وتعب نفسي كبير أثناء وبعد هذه النقاشات! لقد عشتُ أنا نفسي هذه التجربة، وكنتُ متحمِّسًا لخوض غمار أي نقاش لإثبات رأيي وصحته؛ لكنِّي تأملْتُ القيمة العظيمة لنصيحة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في منعنا من الدخول في النقاشات، والتي يسميها: مراء؛ لأننا نعلم أنها نقاشات عقيمة تأخذك من موضوع لآخر، وتستهلك طاقتك دون طائل منها.

يجب أن نتذكر الوعد النبوي لمن أقلع عن النقاشات، والحقيقة أنني لَمَسْتُ شخصيًّا تلك الراحة النفسية عندما توقفْتُ عن النقاش، والطريقة: أكتشف اللحظات المبكرة لنشوء أي نقاش، وعندها أمسك نفسي وأقول للطرف الآخر: (لكلٍّ رأيه، سأوضح ما أعتقد أنه صحيح، ولن أجادل، وقد يكون ما تقوله صحيحًا)، وأقنع نفسي بأنني لستُ مسؤولاً عن تغيير آراء الناس ومعتقداتها، خاصة وأنا أعلم أن الخوض فيها لا طائل منه، بهذه الطريقة يُمكن أن تتخَلَّص من الخوض في غمار هذه النقاشات، التي تجر أَلَمًا نفسيًّا كبيرًا، هذا الأمر لا يأتي فجأةً؛ بل يحتاج منك إلى التدريب والممارَسة والفَشَل، لكن اعلم أنَّ الثمرة تستحق هذا الجهد، ويكفي الالتزام بسنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - حين قال: ((أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء، ولو كان محقًّا)).

ثانيًا: في حديثك عنِ الاندفاع والعصبيَّة، أريد أن أُقَرِّر أمرًا مهمًّا، القاعدة الذهبية في العلاج النفسي تقول: (ليست الأحداث هي التي تسبب المشاعر، ما نفسر به هذه الأحداث هو الذي يسبب المشاعر)؛ أي: ما نحدث به أنفسنا عن الحدث هو الذي يُسبب المشاعر، وهذا الأمر يتم خلال ثوانٍ قليلة، حيث يمر بنا حدث: (ضايقني شخص أثناء القيادة بسلوك مستفز)، هذا الحدث قد يشعل فينا العصبية والاندفاع، وقد يحدث ما لا يحمد عقباه، وسبب هذه الاستجابة والعصبية ليست سلوك قائد السيارة الأخرى، لا أبدًا، بل ما حدثت به نفسي في لحظة وقوع الحدث، فنحن هنا نقول لأنفسنا: (ما هذا الطائش سيئ الخلق، كان سيُسَبِّب لي حادثًا مروعًا، لابدَّ أن أعاقبه وأربيه على فِعْلَته الشنيعة، هذا الـ...)، وهكذا سيل من الأفكار تَمُر خلال لحظات قصيرة جدًّا، وهي المسؤولة بشَكْل مباشر عن اشتعال الغَضَب والعصبية والتشنُّج.

والحل في ذلك: هو العمل بشكلٍ دائمٍ على التحكم بما يدور في عقولنا كتفسير للحدَث، قم بشكلٍ مباشرٍ بملاحظة الأفكار التي خطرتْ على بالك حول الحدَث لحظة وقوعه، راقبْ كيف حدَّثت نفسك في تلك اللحظة، ثم قُم بالتغيير وبسرعة، ففي مثالنا السابق سأقوم مباشرة بتغْيير الفكرة وحديثي مع نفسي، وأقول: (لعل لديه أمرًا مستعجلاً يجعله مسرعًا بهذه الطريقة، ربما كان والده في الطوارئ أو هناك حدث كبير آخر)، أو (هذا شخص طائش وصغير العقل، ولن أقلل من قدر نفسي وأستجيب لاستفزازاته)، وهكذا ستجد أنك تتحكم في استجابتك وسلوكك واندفاعك بشَكْل أفضل - كما ذكرت سابقًا - الأمر لا يأتي فجأة، ولكن يحتاج إلى التدريب والممارسة، وقبول الفشل أحيانًا.

ثالثًا: يجب أن نُذَكِّر أنفسنا دائمًا بالثمَن الغالي الذي ندفعه من صحَّتنا الجسدية والنفسية بمقابل هذا التشنُّج؛ إنه حقًّا ثَمَن غالٍ، ويستحق منًّا الجهد في التحكم فيه.

رابعًا: منَ التقنيات الجيدة التي تُساعدك بشكْلٍ كبيرٍ: تعلم فن الاسترخاء، وهي طريقة علمية مدروسة ومثبتة النتائج، هناك العديد منَ المواقع التي تحدثت عن هذا الموضوع، كما تَمَّ نشر أكثر من شريط تسجيلي - وبعضها على الإنترنت - يقودك أثناء عملية الاسترخاء.

الاسترخاء أيضًا مهارة، وتحتاج لبعض الوقت لتعلمها، لكن مفعولها جيد ومفيد - بمشيئة الله تعالى.

ختامًا: إذا لم تُجْدِ هذه الأفكار، يمكنك زيارة الطبيب النفسي؛ إذ توجد هناك مجموعة من الأدوية الفعالة والآمنة، والتي لا تُسَبِّب أي ضرر أو تعوُّد أو إدمان، وتعطي مفعولاً جيدًا للتخْفيف من حدة العصبية.

أرجو أن أكون قد أفدتك








الساعة الآن : 07:26 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 9.41 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 9.32 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (1.00%)]