مختارات نثرية للخليفة المأمون (ت 218هـ)
مختارات نثرية للخليفة المأمون (ت 218هـ) محمد شريف سليم لما كتبت إليه السيدة زبيدة - بعد قتل ابنها الأمين - الخطابَ الآتي تستعطفه: كل ذنب يا أمير المؤمنين - وإن عَظُمَ - صغيرٌ في جنب عفوك، وكل زلل - وإن جل - حقير عند صفحك، وذلك الذي عودك الله، فأطال مدتك، وتمم نعمتك، وأدام بك الخير، ورفع بك الشر، هذه رقعة الوالهِ[1]، التي ترجوك في الحياة لنوائب الدهر[2]، وفي الممات لجميلِ الذكرِ، فإن رأيتَ أن ترحَمَ ضعفي واستكانتي[3] وقلة حيلتي، وأن تَصِلَ رَحِمي[4]، وتحتسب[5] فيما جعلك الله له طالبًا، وفيه راغبًا - فافعَلْ وتذكر مَن لو كان حيًّا لكان شفيعي إليك. فكتب إليها المأمون جواب المواساة الآتي: وصلتْ رقعتُك يا أماه، أحاطكِ الله، وتولاكِ بالرعاية[6]، ووقفتُ عليها، وساءني - شهد الله[7] - جميعُ ما أوضحتِ فيها، لكن الأقدار نافذة[8]، والأحكام جارية، والأمور متصرفة، والمخلوقون في قبضتها لا يقدرون على دفاعها[9]، والدنيا كلها إلى شتات[10]، وكل حي إلى ممات، والغدر والبغي حَتْفُ الإنسان[11]، والمكر راجع إلى صاحبه، وقد أمرتُ برد جميع ما أخذ لك، ولم تفقدي ممن مضى إلى رحمة الله إلا وجهَه، وأنا بعد ذلك لك على أكثرَ مما تختارين[12]، والسلام. وله في المال: إنما تطلب الدنيا لتَملك، فإذا مُلكَتْ فلتُوهَبْ، إنما يتكثر بالذهب والفضة من يَقلاَّنِ عنده[13]. وله في السفر: لا شيء ألذُّ من سفر في كفاية؛ لأنك كل يوم تحل محلة لم تحلها، وتعاشر قومًا لم تعاشرهم. وله في ذم النميمة: النميمة لا تقرب مودة إلا أفسدَتْها، ولا عداوة إلا جدَّدتْها، ولا جماعة إلا بدَّدَتْها[14]، ثم لا بد لمن عُرِفَ بها، ونسب إليها، أن يجتنب ويخاف من معرفته. مصورة من كتاب: "مجموعة من النظم والنثر للحفظ والتسميع" [1] الواله والوالهة والولهى: الشديدة الحزن والجزع على فقد ولدها. [2] ما يصيب الإنسان من المصائب. [3] خضوعي وذلي. [4] تؤدي حقوق قرابتي. [5] تحتسب؛ أي: تعتد أجرًا عند الله. [6] حفظك الله وصانك برعايته. [7] جملة معترضة يقصد بها تأكيد ما يقول. [8] ما قدر الله لا بد أن يكون. [9] إن المخلوقات مستسلمة لأحكام الله وأقداره. [10] مآلها التفرق. [11] إن البغيَ فيه هلاك الباغي. [12] أقوم لك بجميع ما تحبين وزيادة. [13] لا يتباهى بالمال إلا المقل منه. [14] فرقتها. |
الساعة الآن : 06:34 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour