ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى اللغة العربية و آدابها (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=111)
-   -   مقامة المعافاة (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=248629)

ابوالوليد المسلم 18-12-2020 03:50 AM

مقامة المعافاة
 
مقامة المعافاة

د. أحمد كمال محمد



حدثنا أبو الطيب أحمد قال:
كنت يومًا في الطريق من إطسا إلى الفيوم، وقد لعبت برأسي الهموم، واستبدت بها كما تستبد بالسماء الغيوم، وإذا بامرأة متلفِّعة بالسواد، ومعها ابنتها مثلها كأنهما في حداد، قد ركبتا إلى جواري، وعلى عكس عادة النساء لم تسترسلا في السهاري.

شأنهما غريب، ومنظرهما كئيب، جلستْ في الجهة المقابلة لهما امرأةٌ أخرى، حاملة رضيعها على كتفها اليسرى، اعتدلت حاملة الرضيع في جلستها العجيبة، وسألت المرأة الكئيبة: إلى أين تذهبين؟ وما هذه الشِّيَلُ التي تحملين؟ فأجابتها المسكينة، بنبرة حزينة: زوجي عليل، يذهب كل يومين إلى الغسيل، ولا بد له في عودته من رفيق، يعينه على مشاق الطريق، فقالت المتطفِّلة: أمَا لك من ولد، يعينك في هذا الكَبَد؟ أما له من إخوة، يحملون هذا العبء عن النِّسوة؟ أما لك أو له من أم تحمل عنك عبء الصغار، وتعينك في هذا العثار؟

قالت المرأة: وهل أصاب بَعْلي ما أصابه إلا بعد فَقْد الولد، وفت الكبد؟! كان لنا ولد في عامه الرابع عشر، خرج من منزلنا بعد الظهر، ولم يعد حتى طلوع الفجر، فابتدأنا بالسؤال حتى أتانا الخبر، وذلك أن الولد في أثناء عودته، سقط من أعلى السيارة التي أقلته، وتركه السائق اللعين، حتى قطع منه الوتين، ونقل إلى العيادة، دون تحقيق شخصية أو إفادة، وبقي هناك يومين حتى أتاه اليقين، وقد حزن البعل المسكين؛ إذ أتاه مصرع ابنه وهو ما زال جالسًا في عزاء أبيه.

وقد أصيب زوجي من جرَّاء ذلك بالهم والغم، فضلاً عن مصابنا بالأم، التي تجلس على كرسي ذي عجلات، أقعدها عن أداء المهمات، وتلا همَّه وغمه ارتفاعٌ في الضغط، وانتهى به الأمر في جلسات الغسيل، وهمه الثقيل، وإنه لا يعيننا في هذا البلاء الكبير، إلا ربنا القدير، فإخوته كلٌّ منصرف إلى حاله، مهتمٌّ بأهله وعياله.

لم أتمالك نفسي أن دخلت الحوار، آمرًا المرأة بالصبر، داعيًا لها بالمثوبة والأجر، قائلاً في نفسي: تالله إنك لفي ضلال مبين، ماذا يؤرقك من الوساوس، ويعتريك من الهواجس؟ ألست آمنًا في سربك، معافًى في بدنك، عندك قوت يومك، ودهر بعده؟! ثم نزلت من السيارة وأنا أقول:

الحمد لله العلي الأجللِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ذي المجد والإنعام والتفضُّلِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

على المعافاة وحسن المنزلِ






الساعة الآن : 06:58 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 6.41 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 6.31 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (1.46%)]