ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الأمومة والطفل (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=16)
-   -   الأسرة ذلك البناء الرباني (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=248467)

ابوالوليد المسلم 17-12-2020 05:24 AM

الأسرة ذلك البناء الرباني
 
الأسرة ذلك البناء الرباني
صفوت نور الدين

الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله وصحبه.
وبعد: ‏
فإن الله جلت قدرته جعل المؤسسات التربوية التي يعهد إليها بتربية الإنسان في ‏منهج الإسلام تتمثل في مؤسستين اثنتين هما: الأسرة، والمسجد. ‏
وقد جعل -سبحانه- الأسس التي تبنى عليها الأسرة أسسًا فطرية، والأسس التي ‏يبنى عليها المسجد أسسًا شرعية، وأيما مسلم نقل معه من المسجد الأسس الشرعية ‏إلى البيت سعد وأسعد البيت، بل سعد به البيت، وأيما عبد لم ينقل أسس ‏المساجد الشرعية إلى البيت فإنه لا يرى السعادة، بل يشقى، ويشقى به البيت ‏الذي يحيا فيه. ‏
وبيان ذلك أن الأسس الفطرية هي التي يشترك فيها المؤمن والكافر، والأسس ‏الشرعية هي التي بعث الله بها رسله وأنزل بها كتبه؛ أي تلك الأعمال التي يُثاب ‏عليها فاعلها من الله - سبحانه -. ‏
فالأسرة تتكون من زوج وزوجة، ثم يصبحا أبًا وأمًّا لأبناء وحفدة، فالرجل عندما ‏يكبر ولده ويبلغ مبلغ الرجال لا يرى غرابة ولا غضاضة في أن يطلب منه أن يختار ‏له فتاة يتزوجها، بل قد يكون الأب هو الذي يبدأ في العرض عليه إذا وجده ‏متشاغلاً أو خجلاً، بل ويستغرب منه التأخر في طلبه هذا، وكذلك الفتاة عندما ‏تبلغ مبلغ النساء لا يتعجب الرجل ولا تتعجب زوجه من أن خاطبًا طرق بابهم ‏يريد الزواج من ابنتهم؛ ذلك لأن هذا كله من الأمور الفطرية التي فطر الله الخلق ‏عليها: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ‏وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [الروم: 30].
وتلك الأسس الفطرية فيها الميل الفطري من الرجل للمرأة، ومن المرأة للرجل لم ‏يأت بها الشرع إنما جاء الشرع بترويضها، فأمر الرجال والنساء بغض الأبصار، ‏وبيّن أن ذلك هو طريق حفظ الفروج: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا ‏فُرُوجَهُمْ) [النور: 30].
وكذلك: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ‏وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ) [النور: 31]. ‏
وأمر كذلك المرأة بالحجاب، ونهاها عن التعطر إذا خرجت من البيت، ونهاها عن ‏الخضوع بالقول، حتى لا يطمع الذي في قلبه مرض، كأن الشرع جاء بالتدابير ‏الواقية التي يحمي بها العبد من نفسه التي بين جنبيه أن تزين له السوء، ومن ‏الشيطان الذي ينزغ في شهوته، ثم أمر بالزواج تحصينًا للفرج وغضًّا للبصر ‏وتكوينًا للأسرة وبناءً لها. ‏
بل إن الله -سبحانه- فطر الأم والأب على حب الأبناء، لذا فإنه لم يوص بالإحسان ‏إليهم كما أوصى بالإحسان إلى الوالدين؛ لأن حب الولد فطري وحب الوالد شرعي‏‏، فإذا أنفق الرجل على ولده أو سهر عليه فهذه أمور فطرية، والأم في ذلك أكثر، ‏تلك بعض الأسس الفطرية التي بنى الله عليها الأسرة. ‏
أما المساجد، فكل أسسها شرعية؛ فاتجاه القبلة في بناء المسجد: (فَوَلِّ وَجْهَكَ ‏شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) [البقرة: 144].
‏والدخول إليها يسبقه الوضوء: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ ‏وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) [المائدة: 6].
بل والدخول إليها ‏بالرجل اليمني والخروج منها باليسرى، والداخل لا يجلس حتى يركع ركعتين، ‏وينادى على الناس للصلاة في أوقات خمس معلومة، وللصلاة هيئة وعدد ركعات ‏معلومة. ‏
ويوم الجمعة ينادى على الناس للصلاة، فيحرم عليهم الاشتغال بالبيع والتجارة ‏‏، وسكوت المصلين عند الخطبة شرعي، والاستماع والإنصات للإمام إذا قرأ في ‏الصلاة فرض لازم لكل المأمومين. ‏
فهذه لمحة لبيان الأسس الفطرية للبيت، والشرعية للمسجد، فإذا جاء الرجل ‏إلى المسجد تعلم طريق الجنة في مرضاة رب العالمين، بأداء الأمانات التي عليه، ‏فيعرف أمانة الزوجة والولد، ويعرف أن الرفق بهم مهمة شرعية جاء بها الشرع ‏الشريف، ويتعلم آداب معاملة الزوجة وآداب تربية الولد، فإذا رجع إلى بيته ‏عمل ذلك وامتثله فأسعد بدخوله البيت كله زوجة وولدًا، عالمًا أنه ينال من الله ‏- سبحانه - الأجر على الرفق بالزوجة، والإحسان إلى الولد، فالزوجة تسعد، والله ‏يأجر، والولد يسعد، والله يأجر، فسبحان الله رزقنا الحسنات ليسعد الخلق. ‏
فإذا سألت الزوجة عن أفعاله وأخلاقه، أخبرها الزوج أن ذلك كله تعلمه في ‏المسجد، فإذا رأت سعادتها في وصايا المسجد أحبت المسجد قبل أن تعرفه، فإذا ‏أرادت أن تدخل المسجد تداركها الشرع بحديث: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله))‏‏. ‏
وبحديث: ((إذا استأذنكم النساء إلى المساجد فلا تمنعوهن)). ‏
فتحضر المسجد وتشهد به الصلوات، وتستمع فيه المواعظ والدروس، وتتعلم فيه ‏أخلاقًا وآدابًا، فيكون من ذلك أن تعلم واجبها نحو زوجها؛ إذا نظر إليها ‏زوجها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا أقسم عليها أبراته، وإذا غاب عنها ‏حفظته في نفسها وماله، بل وعياله، وعلمت أنها إن ماتت وزوجها عنها راض ‏دخلت الجنة، وأنها إن باتت وزوجها عنها غضبان باتت الملائكة تلعنها حتى ‏تصبح. ‏
فبذلك يسعد الزوج مع الزوجة التي تعلمت ذلك وعملت به، ويتربى الولد على بر ‏الوالدين والإحسان والطاعة، والرضا والقناعة، كل ذلك حتى تثاب الزوجة من الله ‏ويُثاب الولد من ربه، فكأن الله يثيب الزوجة إذا أسعدت زوجها، والولد إذا بر ‏بوالديه، ويكافئ الزوج إذا أحسن إلى زوجته، ويثيب الوالدين إذا أحسنا تربية ‏الولد.
وهكذا نرى أن المساجد أسسها شرعية، والأسر أسسها فطرية، فمن نقل الأسس ‏الشرعية من المساجد إلى البيوت أدخل السعادة على البيوت وساكنيها، ثم ينقلب ‏إلى ربه يوم القيامة فيجد ذلك الخير في ميزانه عند الله يوم القيامة فيدخل الجنة، ‏فيسعد في الدارين سعادتين؛ سعادة دنيا بفطرة يشبعها كما أمر الله بشرعه، وفي ‏الآخرة لأنه عمل بشرع الله كما أمره. ‏
فاللهَ اللهَ في البيوت، واللهَ اللهَ في المساجد، عملاً بشرع الله والتزامًا بدينه. ‏

والله من وراء القصد.‏





الساعة الآن : 09:20 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 10.48 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 10.39 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.89%)]