الحيض والعلاقة بين الزوجين
الحيض والعلاقة بين الزوجين فاطمة عبد الرؤوف شاء المولى - عز وجل - أن تعايش المرأة أياما مختلفة بصورة دورية تتغير فيها الهرمونات، وينعكس ذلك على جسدها ومشاعرها بطريقة فريدة، أعني أيام الحيض، وفي الحديث: "إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم"(1). وترتبت على هذه الأيام أحكام تكليفية معينة تبدأ بالامتناع عن الصلاة والصيام: "أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم"(2) مع منحها الحق في ممارسة الذِّكر وباقي العبادات كالوقوف بعرفة وغير ذلك فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يهدئ من روع عائشة والنساء من بعدها عندما وجدها تبكي لأنها حاضت في أيام الحج، فقال لها: "افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري"(3) وتنتهي بالغسل على هيئة مخصوصة للتخلص من الأذى وأثر الدم. والمرأة الحائض في التصور الإسلامي طاهرة العين، فقد حدثت عائشة - رضي الله عنها - "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتكئ في حجري وأنا حائض ثم يقرأ القرآن"(4). فالأذى لا يتعدى موضعا معينا من جسدها، يقول الخطابي: "الأذى المكروه الذي ليس بشديد كما قال - تعالى -: (لن يضروكم إلا أذى) فالمعنى أن المحيض أذى يعتزل من المرأة موضعه ولا يتعدى ذلك إلى بقية بدنها"(5). وهذا التصور مخالف للنظرة اليهودية للمرأة الحائض باعتبارها نجاسة حتى وصل بهم الأمر لإخراجها من البيت نهائيا في هذه الأيام. سؤال هام والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف تنعكس هذه الأيام على العلاقة بين الزوجين؟ وما هي المسارات المحتملة لأثر هذه الفترة - التي لا دخل للزوجة فيها - على متانة البنيان الداخلي للعلاقة الزوجية؟ والدافع الذي يقع خلف هذه الأسئلة ملاحظة الكثير من المهتمين بالشأن الاجتماعي والزواجي أن الكثير من الخلافات تنشب بين الزوجين أثناء فترة الحيض والنفاس، ولعل هناك سببا نفسيا وآخر جسديا وراء هذه الخلافات، فالسبب النفسي هو أن الكثير من النساء تعتريهن مشاعر سلبية خلال هذه الفترة أو قبلها بقليل (تعاني ملايين النساء في العالم من الأعراض النفسية المصاحبة للدورة الشهرية، وتلك الأعراض فهمها معقد جدا، ولقد أثبتت بعض الدراسات أن حوالي الثمانين بالمائة من نساء العالم في سن البلوغ والإنجاب قد جربن بعض هذه الأعراض، وفي معظم الحالات تكون تلك الأعراض خفيفة الحدة أو متوسطة ولكن في بعض الأحيان تكون تلك الأعراض شديدة ومعيقة لنشاطهن)(6). هذا الضغط النفسي بحاجة لزوج متفهم حنون يدعم امرأته في أيامها هذه، ويتمثل خلق النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يدعم زوجاته ويخصهن بمزيد من اللطف والتدليل، فعن أم سلمة - رضي الله عنها - أنها قالت: "بينا أنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - مضجعة في خميصة إذ حضت فانسللت فأخذت ثياب حيضتي قال: أنفست؟ قلت: نعم فدعاني فاضجعت معه في الخميلة"(7). فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يتفقدها ويدعوها لتكون قربه، ولاشك أن لذلك أثره على مشاعرها النفسية. والرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو معتكف كان يخرج رأسه لعائشة - رضي الله عنها - لتغسله وهي حائض، فالحيض لا يمنع من الاقتراب النفسي من خلال يوميات الحياة العادية، فأين هذا من بعض الأزواج ممن يضيق بزوجته ويفتعل معها المشاجرات لأنه لا حاجة له بها في هذا الوقت، ثم يتلطف بها عند طهرها لحاجته إليها؟ ومن هنا نفهم بعض الحِكَم المتعلقة بالنهي عن الطلاق أثناء فترة الحيض، فالمرأة تكون متوترة، والرجل مضغوط، والرفق والرحمة والحلم والصبر هي الأدوات الممكنة للعبور النفسي خلال هذه الأيام. مباشرة الحائض لأن الإسلام دين واقعي يتفهم تماما حاجات النفس البشرية لم يترك مشكلة ما قد تعترض الإنسان إلا أنار له ومضات على طريقها، خاصة ما يتعلق منها بحاجاته النفسية والاجتماعية. والحقيقة التي لا تقبل الشك أن هناك علاقة جدلية بين النفس والجسد خاصة فيما يتعلق بالعلاقة الزوجية، فما هو الحل الإسلامي لهذه الإشكالية؟ أي: كيف يكون الزوجان متقاربين نفسيا أثناء فترة الحيض؟ وقد تم تحريم العلاقة الزوجية (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)(8). هذه الآية السابقة تحرم العلاقة الجنسية الكاملة، أما مباشرة الحائض فيما دون ذلك فأمر مباح، فعن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: "كانت إحدانا إذا كانت حائضا فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يباشرها أمرها أن تتزر في فور حيضتها ثم يباشرها. قالت: وأيكم يملك إربه كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يملك إربه"(9) فمباشرة الحائض أمر مباح شريطة أن يتحكم الإنسان في نفسه، وهو أمر مرتبط باليقظة ومراقبة الله - عز وجل -، وعلى المرأة أن تكون مستعدة لهذا الأمر، فليس معنى أنها حائض أن تهمل مظهرها وزينتها، فكثير من العلماء استحبوا الوضوء للحائض من أجل النظافة وليس العبادة، ولو تأملنا في حديث السيدة عائشة والسيدة أم سلمة وغيرهما من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن جميعا نجد النظام الدقيق، فلكل حال لباسها المناسب وسرعة الاستجابة لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو الأمر الذي يحتاج إعدادا سابقا، كما نلاحظ مدى اهتمامهن به صلى الله عليه سلم ومدى حرصهن على عدم إزعاجه وقت نومه والتلطف به - صلى الله عليه وسلم - كغسل رأسه وتمشيطه وتجهيز ماء الغسل له. هكذا كان بيت النبي صلى الله عليه سلم منارة لكافة المسلمين، من سار على هداه توازن جسده ونفسه واستقرت حياته وفاز بالسعادة في الدارين. ______________ بتصرف يسير (1) رواه البخاري. (2) رواه البخاري. (3) رواه البخاري. (4) رواه البخاري. (5) نقلا عن فتح الباري المجلد الثاني ص210. (6) الصحة النفسية للمرأة العربية دكتورة منى الصواف وقتيبة الجلبي ص149. (7) رواه البخاري. (8) البقرة: 222. (9) رواه البخاري. |
الساعة الآن : 06:17 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour