محمود سامي البارودي مصر بين الحنين والوجع
محمود سامي البارودي مصر بين الحنين والوجع (1) د. إيمان بقاعي نفي الثَّائر إلى سَرَنْديب سبعة عشر عامًا وقتَ أُغلقَت أبواب الوطن في وجهه ظلمًا فصرخ: "لم أقترف ذنبًا". تساءل عما إذا كان الدِّفاع عن الوطن ذنبًا يُعاقَب المرء عليه وما أجيب إلا بالإبعاد وما اقتنع. فالقضية الّتي آمن بها وعمل مِن أجلها قضية دفاع عن وطن تدخل فيه الأجنبي بشكل سافر: راجعْتُ فِهْرِسَ آثاري فما لَمَحَتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بصيرتي فيه ما يُزري بأَعمالي[1] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولما كانت القضية قضية ظلم، فإن شاعرنا يتألم غاية الألم، فتمضي الأيام والشّهور والسّنوات، وتتدهور صحته، ويكاد الشّوق والشّعور بالاضطهاد يقضي عليه. تتالت عليه المصائب وكان أكبرها الضّعف النّاتج عن الشّيخوخة، فيخف نظره وسمعه وتوهن أعصابه، فيتوجع منه القلب والجسد معًا: كيفَ لا أنْدُبُ الشّباب وقد أص https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بحْتُ كهْلاً في مِحْنةٍ واغترابِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أخلَقَ الشّيبُ جِدَّتي وكَسَاني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif خِلْعَةً منه رَثَّةَ الجِلبابِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولَوى شَعْرَ حاجِبَيَّ على عيْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif نيَّ حتّى أطلَّ كالهُدَّابِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لا أرى الشَّيءَ حينَ يسنَحُ إِلا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif كخيالٍ كأَنَّني في ضبابِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وإذا ما دُعيتُ حِرْتُ كأنِّي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أسمعُ الصَّوتَ مِن وراءِ حجابِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif كلَّما رُمْتُ نهضةً أقعدَتْني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وَنْيَةٌ لا تُقِلُّها أَعْصابي[2] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تلك الصّورة النّاطقة المتحركة لكهل يعاني مِن تراجع قوة الجسد عضوًا فعضوًا يدعمها بصورة أخرى يصور فيها نفسه يشبه فرخ طير صغير ضعيف لا حول له ولا قوة: أُزَيْغِبَ الرَّأسِ لم يَبْدُ الشَّكيرُ به[3] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولم يصُنْ نفسَهُ مِن كيدِ مُغتالِ[4] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif الفرخ الّذي كان نسرًا هدّته الأيام وطحنته المحنة وأوجعه الاغتراب، فما عاد يقدر على حمل قلمه هو الّذي طالما كتب بغزارة وحارب ببسالة أيام الشّباب: ولا تكادُ يدي تُجري شبا قلَمي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وكانَ طوعَ بناني كلُّ عَسَّالِ[5] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أما وقد اجتاحته الشّيخوخة وحُكم عليه بالنّفي، فهو يصف حاله بعيدًا مُضَّطَهدًا مظلومًا ومتشوقًا: لكلِّ دمعٍ مِنْ مُقلة سببُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وكيف يملِكُ دمعَ العينِ مُكتئِبُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لولا مكابدةُ الأشواقِ ما دَمِعَتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif عينٌ ولا باتَ قلبٌ في الحشا يجِبُ[6] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لكنه - رغم الأسباب القوية - يحاول أن يتمالك نفسه فلا تُرى دموعُه جارية وهو الّذي كان له تاريخ مِن الشَّجاعة والبأس والقوة: أستنجدُ الزَّفَرات وهي لوافحٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأُسَفِّهُ العَبَراتِ وهي بَوادي[7] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يتبعhttps://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif |
رد: محمود سامي البارودي مصر بين الحنين والوجع
يحاول أن يتمالك: أَكُفُّ غَرْبَ دموعي وهي جاريةُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif خوفَ الرَّقيبِ وقلبي جِدُّ مُلتاعِ[8] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وعندما يحل الظَّلام وتغفو عين الرقيب، يخلد إلى البكاء المصحوب بالوجع: أبِيتُ أَرْعى الدُّجى بعينٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif غذاؤُها مَدْمَعٌ وسُهْدُ[9] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وهو في سَرَنْديب حزين ساهر أرق: أَبيتُ حَزينًا في "سَرَنْديب" ساهرًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif طوالَ اللَّيالي والخَلِيّون هُجَّدُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أحاولُ ما لا أستطيعُ طِلابَهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif كذا النّفسُ تهوى غيرَ ما تملكُ اليدُ[10] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif هو في سَرَنْديب غريبٌ، بائسٌ، ساهرٌ، أرِقٌ: أظلُّ فيها غريبَ الدَّارِ مبتئسًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif نابي المضاجع مِنْ هَمٍّ وأوْجاعِ[11] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif هو في سَرَنْديب يعاني كل ما يمكن للمرء أن يعاني: شوقٌ ونأيٌ وتبريحٌ ومعتبةٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يا لَلْحَميَّةِ مِن غَدري وإِهمالي[12] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وهو في سَرَنْديب يعاني مِن كل ما يجلب إلى الإنسان الوجع: عناءٌ ويأسٌ واشتياقٌ وغربةٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أَلا شَدَّ ما ألقاهُ في الدَّهرِ مِن غُبْنِ[13] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إن الغربة في سَرَنْديب غربتان: بُعد عن وطن وبُعد عن خل وصديق ورفيق يخفف وحدته ومعاناته: لا في "سَرَنْديب" خِلٌّ أسْتعينُ به https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif على الهمومِ إذا هاجَتْ ولا راعي[14] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فالصَّديق حاجة ملحة، فهو وطنٌ حين لا يكون الوطن موجودًا، فماذا لو لم يكونا موجودين معًا؟ لا في "سَرَنْديبَ" لي خِلٌّ ألوذُ به https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولا أنيسٌ سوى همِّي وإطراقي[15] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يصرخ وهو يعرف أهمية ما يفتقد إليه مِن هذا اللَّوذ وهذا اللّجوء وهذه الاستعانة وهذا البوح الّذي يحتاج إلى أن يبوحه فلا يجد شيئًا مما يطلب، فيعتكف ويعود إلى ذاته منهزمًا وقد زادت مواجعه، فيتحدث إلى أوراقه ويبكي ليلاً: يبكي دمعًا وحبرًا: لا في "سَرَنْديبَ" لي إلفٌ أُجاذِبُه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فضْلَ الحديثِ ولا خِلُّ فيرعَى لي[16] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إنه يعيش القحل والغربة في أبهى مشاهدهما ويعيش الوجع في أدق تفاصيله؛ فالإبعاد جرح والظُّلم جرح والغربة جرح والشّيخوخة جرح، والوطن هو: الجرح الأكبر. إن الملاحظ في صورة الوطن عند شاعرنا أنها صورة مشرقة رغم كلِّ الآلام الّتي يعانيها، إذ لم تستطع كل هذه الجروح أن تلون الصُّورة بالدَّم القاني المتدفق من الجرح المفتوح، بل ظلت صورة مشمسة متفائلة، فالوطن عند شاعرنا هو وطن الذَّاكرة التي تفجرت بالبعد والغربة. الوطن، عنده مرتبط بصورة الشّباب التي يتشوق فيها إليه وقت يرثي صديقيه الشيخ حسينًا المَرصفي وعبد الله باشا فكري: أين أيامَ لذتي وشبابي؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أتُراها تعودُ بعد الذَّهابِ؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ذاكَ عهدٌ مضى وأبعدُ شيءٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أن يَرُدَّ الزّمانُ عهدَ التّصابي[17] يتبعhttps://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif |
رد: محمود سامي البارودي مصر بين الحنين والوجع
محمود سامي البارودي مصر بين الحنين والوجع (1) د. إيمان بقاعي الوطن مرتبط بأيام القوة والفتوة أيضًا: بلادٌ بها حلَّ الشّبابُ تمائمي[18] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وناطَ نجادُ المَشْرِفِيِّ بعاتقي[19] فالوطن هو أرض الطّفولة وأرض النّشأة الأولى الّتي لا تلبث أن تسلِّم المرء إلى النَّشأة الثّانية أو نشأة الشّباب وقتَ كان شباب شاعرنا مليئًا بالبطولات والحروب المشرِّفة: ما إنْ خلعْتُ بها سُيُورَ تَمائمي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif حتَّى لَبِسْتُ بها حَمَائلَ مِخْذَمي[20] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ويعود ليحدد معنى الوطن، فهو يعني - إلى جانب المراحل الّتي نشأ فيها وشب - كل ما يرتبط به من شجاعة وفروسية وحياة أسرية وعلمية: هو مَرْمَى نَبْلي ومَلْعَبُ خَيلي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وَحِمَى أُسْرَتي ومركزُ بَنْدي[21] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif هو يعني الجيرة والقوم والآداب والأعراق: مَرعى جِيادي ومَأوى جِيرتي وحِمى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif قَوْمي ومَنْبِتُ آدابي وأَعْراقي[22] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ويؤكد البارودي على كرم الأهل المتروكين جبرًا في الوطن إذ يؤكد على روابطه القوية بهم: وكيفَ أنْسى دِيارًا قد تركْتُ بها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أهلاً كرامًا لهم وُدِّي وإِشْفَافي[23] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لا ينسى: تركْتُ بها أهلاً كرامًا وجيرةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لهم جيرةٌ تعتادُني كلَّ شارقِ[24] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إنه، يفتقد في الوطن: الإلفة الّتي يشكل مجموع ما ذكره منها طمأنينة لقلبه وسعادة، انظر إلى كلمات النَّعيم في حديثه عنه: منازل ُكلَّما لاحَتْ مَخَايلُها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif في صفحةِ الفكرِ منِّي هاجَني الطَّرَبُ[25] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فالوطن - رغم بعده القسري عنه - كلما ذكر، أثار الطّرب في نفسه وكان ذكره هو الدَّواء من الوجع: خليليَّ هذا الشَّوقُ لا شكَّ قاتِلي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فميلا إلى "المقياس"[26] إنْ خِفْتُما فقْدي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ففي ذلكَ الوادي الّذي أنبَتَ الهَوى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif شِفائي مِن سُقمي وبُرئيَ مِن وَجْدي[27] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وانظر إلى كلماته المشرقة عن الوطن - الذاكرة: ديارٌ يعيشُ المرءُ فيها منعَّمًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأطيبُ أرضِ اللهِ حيثُ يُعاشُ[28] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif الوطن يرتبط بالسَّعادة الّتي هي عكس حاله في غربته في سرنديبَ؛ لذا يستدعيه فنتخيله باسمًا وهو يكتب عنه مستنبطاً صفاته: لبَّيْكَ يا داعيَ الأشواقِ مِنْ داعي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أسمعْتَ قلبي وإِنْ أخطأْتَ أَسْمَاعي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif مُرْني بما شئتَ أَبلُغْ كلَّ ما وصلَتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يدي إليه فإني سامعٌ واعي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif منازلُ كنْتُ منْها في بُلْهَنِيَةٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif مُمَتَّعًا بين غِلماني وأَتْبَاعي[29] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وقد صار إلى ما لم يكن إليه فيه، فما مِن أتباع في هذه الغربة ولا مِن غلمان ولا مِن أهل ولا مِن جيرة ولا مِن هوى. إنها الغربة الّتي يحاول شاعرنا بنفس إيجابية - رغم كل الضُّغوط - أن يجد له منها منفذًا ما يخترق فيه جدارها المرتفع عاليًا في وجهه مانعًا إياه مِن نسمات الهواء الآتية مِن مزيج مشاعره الطّيبة الّتي يحافظ عليها فيسوِّرها ويبقيها في الذَّاكرة وطناً. [1] - الديوان، ص453. [2] - الديوان، ص68، ونى في الأمر ونيًا: ضعف وفتر، والونية: اسم مرة منه. [3] - أزيغب: صفة ل"فرخ الطير" تصغير الأزغب هو ماله زغب من الطير والزغب صغار الشّعر والريش وأول ما يبدو منها. والشكير: صغار الريش النابتة بين كباره. [4] - الديوان، ص451. [5] - الديوان، ص453* شباة القلم: إبرته وسنه* العسال: الرمح اللون المهتز. [6] - الديوان، ص72* وجبَ القلب وجيبًا: اضطربَ. [7] - الديوان، ص154. [8] - الديوان، ص342. [9] - الديوان، ص167. [10] - الديوان، ص171. [11] - الديوان، ص341. [12] - الديوان، ص452. [13] - الديوان، ص625. [14] - الديوان، ص341. [15] - الديوان، ص370. [16] - الديوان، ص449. [17] - الديوان، ص66. [18] - التمائم: ج مخيمة وهي عوذة تغلق على الإنسان في طفولته لتدفع عنه العين. وحل التمائم كناية عن مجاوزة الإنسان طوار الطفولة. [19] - الديوان، ص390. [20] - الديوان، ص586. [21] - الديوان، ص169* النبل: السهام العربية* الحِمى: المكان المحمي الّذي لا يقرب ولا يُجترأ عليه* البند: فارسية تعني: العلَم الكبير. [22] - الديوان، ص371. [23] - الديوان، ص372. [24] - نفسه، 390. [25] - الديوان: ص73. [26] - يقصد روضة المقياس في مصر حيث نشأ وله فيها قصائد كثيرة. [27] - الديوان، ص165. [28] - الديوان، ص293 [29]- الديوان، ص 393 - 340. |
رد: محمود سامي البارودي مصر بين الحنين والوجع
محمود سامي البارودي مصر بين الحنين والوجع (2) د. إيمان بقاعي إنه - بشجاعة المحارب القديم - يقاتل في سبيل استحضار أجمل الصُّور للوطن الممنوع: إذا تلفَّتُ لم أبْصِرْ سوى صُوَرٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif في الذِّهْنِ يرسمُها نَقَّاشُ آمالي[1] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ونقَّاش الآمال يرسم بألوان فيها مِن وهج الحياة ما فيها، فيستبعد اللَّون الأسود وكلَّ الألوان القاتمة، غامسًا ريشته بالأصفر - رمز الشمس - وبالأحمر رمز الحياة. غريب شاعرنا الّذي عصفت به المحن فبكى بعزَّة وحده. خاف عين الرقيب، فانتظر اللَّيل ليبكي كما فعل أبو فراس الحمداني وقت انتظر الليل إذ أضواه ليبسط يد الهوى، بينما علا شدوُ البارودي نهارًا يبث لواعج الشَّوق إلى الوطن - الذاكرة الّذي اقتُلع منه ظلمًا. مصر الوطن الممنوع ينادي مِن سَرَنْديب بصوت لم تثقله هموم الشيخوخة، فيشدو الفرخ الصَّغير الضعيف كما لو كان نسرًا: طالَ شَوْقي إلى الدِّيارِ ولكن https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أينَ مِن (مصرَ) مَنْ أقامَ (بِكَنْدي) https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif حبَّذا النّيلُ حين يجري فيُبدي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif روْنَقَ السَّيْفِ واهتزازَ الفَرَنْدِ[2] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فهذا اللَّيل عنده يذكره بالسَّيف وبأيام القوة؛ لذا يتشوق إلى أن ينهل منه وكأنه يريد أن ينهل مِن دواء يزيل عنه الشَّيخوخة ويعيد إليه الشّباب: فهل نَهْلةٌ مِن جدولِ النِّيلِ تَرْتَوي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بها كبِدٌ ظمآنةٌ ومُشاشُ[3] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إنه يفتش عن نهلة، عن نسمة تأتي مِن موطن الشّباب (روضة النّيل) أو (روضة المقياس): يا (روضةَ النِّيل) لا مَسَّتْكِ بائِقَةٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولا عَدَتْكِ سماءٌ ذاتُ أغْدَاقِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يا حبَّذا نَسَمٌ مِن جوِّها عَبِقٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يسري على جدولٍ بالماءِ دفَّاقِ[4] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif كذلك يحاول التقاط نسمات آتية من ذلك الوطن، نسمات تشعل في نفسه جذوة الأمل: إذا خطَرَتْ مِنْ نحْوِ حُلْوانَ نَسْمَةٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif نَزَتْ بين قلبي شعلةٌ تتوقَّدُ[5] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ونتوقف مع النّظرة الإيجابية والرّوح غير الانهزامية الّتي - رغم المصاعب الجمة الّتي تحيط بها - فإنها لا تزال مرفوعة الرَّأس تقاوم كل سلبيات الواقع وتفتش بين الضّلوع وفي حنايا النَّفس والذَّاكرة عما ينعش المريض لا عمَّا يطلق عليه رصاصة الرَّحمة. استخدم البارودي عبارة: (نقَّاش الآمال) الّذي يجيد رسم الصور،ريثما يحدث شيء مجهول لكن جميل. استخدم شاعرنا هذه العبارة واصفًا مشاعره الإيجابية الّتي تأبى الخضوع للذّل. مِن هنا، راح هذا النَّقَّاش يرسم اللَّوحة تلو الأخرى: ولا وربِّكَ ما وَجْدِي بِمُنْدَرِسٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif على البِعادِ ولا صَبري بِمِطواعِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لكنَّني مالكٌ حَزمي ومنتظرٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أَمْرًا مِن اللهِ يشفي برحَ أَوْجاعي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فإنْ يَكُنْ ساءَني دهْري وغادرَنِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif رهنَ الأَسى بين جَدْبٍ بعدَ إمْراعِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فإنَّ في مصرَ إخوانًا يسُرُّهُمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif قُربي ويعجبُهُم نظْمِي وإِبداعي[6] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif |
رد: محمود سامي البارودي مصر بين الحنين والوجع
يرسم نقَّاش الأمل صورة مستقبل مشرقٍ رغم الوجعِ، ولعلّ لإيمان الشّاعر الكبيرِ بالله علاقة بهذه النظرة الإيجابية: عليَّ شَيْمُ الغوادي كلما برَقَتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وما عليَّ إذا ضنَّتْ بِرقراقِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فلا يَعِبني حسودٌ أنْ جرى قَدَرٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فليس لي غيرُ ما يقضيه خلاّقي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أسلمتُ نفسي لمولى لا يخيبُ له https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif راجٍ على الدّهرِ والمولى هو الواقي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وهوَّنَ الخطبَ عندي أنني رجلٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لاقٍ مِن الدّهرِ ما كُلُّ امرئٍ لاقي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يا قلبُ صبرًا جميلاً إنَّهُ قدَرٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يجري على المرءِ مِنْ أسْرٍ وإِطلاقِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لا بدَّ للضّيقِ بعد اليأسِ مِن فرَجٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وكلُّ داجيةٍ يومًا لإشراقِ[7] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ويبرز أكثر عامل الإيمان بالله تعالى المخلّص العالم بالمظلومين والمقهورين، ويبرز أكثر عامل الإيمان بالقدر الّذي لا بد أن ينقذ هؤلاء: فإنْ تكُنِ الأيامُ ساءَتْ صُروفُها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فإنِّي بفضلِ اللهِ أولُ واثقِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فقدْ يستقيمُ الأمرُ بعد اعوجاجِهِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ويرجعُ للأوطانِ كلُّ مُفارقِ[8] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إن الإيمان بقدرة الله تعالى يشد من عزم شاعرنا ويقويه فيقوي فيه حلم العودة إلى الوطن المُغادَرِ. لم يتذلل، لم يحن رأسه، لم يقل إنه مخطئ في تصرفه وإن العقاب الّذي أُنزل به كان عقابًا محقًّا، بل ظل حتى اللَّحظة الأخيرة يصرخ أنه مظلوم وأنه لا يستحق العقاب وأنه لا يريد العودة ذليلاً ولا يريد استجداء هذه العودة مِن البشر، فهو مدعوم بقدرة إلهية كبيرة تعرف متى ينجلي الحق. لم يستجد شاعرنا العودة، بل ظل يقف موقفه واثقًا قويًّا معتزًّا. لقد وقف وبيده سلاح هو الإيمان بالله تعالى وبقدرته على انتشال المظلومين وهو واحد منهم: وإنِّي، وإنْ طالَ المطالُ لَواثقٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif برحمةِ ربي فهو ذو الطُّولِ والمَنِّ[9] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إن هذه الثقة كانت في محلها، فالشّاعر المرفوع الرأس يأبى الذّلّ والاستكانة والعودة العادية. لقد غادر بطلاً ويجب أن يعود بطلاً، وهذا ما حدث. إن شاعرنا يؤمن أنَّ كلَّ حبٍّ تبادلٌ، ويؤمن بأنه إذ يرى الوطن في أبهى حلله، يتوقع أن تكون له صورة عنده تماثل صورته، فهو يتوقع أن تكون صورته عند الوطن صورة مشرقة؛ ولمَ لا؟ وهو الّذي قاتل في سبيله وحارب وكتب؟ وهو الّذي حماه بدماء جدوده الشّراكسة وآبائه؟ وهو الّذي نشأ فيه ونما مع علائل النَّسيم فكبر بالحب فيه لا بالقهر. وثق شاعرنا بقدرة الله تعالى على إعادته إلى الوطن، ووثق بأن الوطن كان في غيبته مثله: موجوعًا، وأنه ينتظره. عاد شاعرنا بطلاً كما غادر بطلاً، فغنى أغنية العودة الجذلى بقصيدة هي من فخرياته وعيون شعره. وفيها - مع الفخر - وفاء لمصر وتعلق بها وثناء عليها وتغنّ بمحاسنها. فبعد عودته من منفاه في سبتمبر سنة 1899، استقبله الناس بحفاوةٍ، و عادت داره منتدى الأدباء والشّعراء وأهل العم. وفي إحدى ندواته سأله الأديب الشّابّ (مصطفى صادق الرّافعي) شيئًا من شعره، فقال: "إن عنترة بن شدّاد العبسي يقول: هل غادرَ الشّعراءُ مِن متردَّمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أم هلْ عرفتَ الدّارَ بعدَ توهُّمِ؟ يتبعhttps://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif |
رد: محمود سامي البارودي مصر بين الحنين والوجع
محمود سامي البارودي مصر بين الحنين والوجع (2) د. إيمان بقاعي وقد نقضتُ هذه القصيدة بقولي: كم غادرَ الشّعراءُ مِن متردَّمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولَرُبَّ تالٍ بزَّ شأوَ مقدَّمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif في كلِّ عصرٍ عبقريٍّ لا يني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يفري الفَرِيَّ بكلِّ قولٍ مُحكَمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وكفاكَ بي رجلاً إذا اعتُقِلَ النُّهى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بالصّمتِ أو رعَفَ السِّنانُ بعَنْدَمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أحييتُ أنفاسَ القريضِ بمنطقي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وصرعتُ فرسانَ العَجاجِ بِلهذَمي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وفرعْتُ ناصيةَ العُلا بفضائلٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif هُنَّ الكواكبُ في النّهارِ المُظلِمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif سلْ مِصْرَ عنِّي إن جهِلْتَ مَكانتي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تُخْبرْكَ عن شرفٍ وعزٍّ أقدَمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بَلِهٌ نشأتُ مع النَّباتِ بأرضِها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ولثمْتُ ثغرَ غديرِهِ المتبسِّمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فنسيمُها روحي ومعدِنُ تُربِها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif جسمي وكوثَرُ نِيلِها مَحْيا دَمي[10] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif غنى شاعرنا أغنية العودة الجذلى، فوجد مصر في انتظاره. لم لا؟ أو ليست مصر البلد الّذي لم يجد له بلدًا سواها؟ أو ليست مصر هي موطن أجداده الّذين استقبلتهم من شمال القوقازِ برحابة "حين جاؤوها مهاجرين، فرفعتهم إلى مكان السّيادة، فمنحوها حياتهم وقدموها فداء في الدافع عنها ولف جدثهم ثراها"[11]، فكان بين جذوره وبينها ذلك التبادل السَّخي؟ وجد شاعرنا مصر - الّتي ما غادرت لحظة قلبه - تنتظره تمامًا كما كان ينتظر بشوق العودة إليها هي الّتي تمثل دار العزة والكرامة التي ترتبط به ويرتبط بها بعلائق الحب الوثيقة: وأحقُّ دارٍ بالكرامةِ منزلٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif للقلبِ فيه علاقةٌ لم تَصْرَمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif هيَ جنَّةُ الحُسنِ الّتي زهراتُها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif حُورُ المها وهزارُ أيكتِها فمي[12] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif غنى شاعرنا أغنية العودة الجذلى الملأى بالكرامة والعزة والبطولة، وراح - وقد انقشعت عن عينيه غيوم الغربة الّتي كادت تودي ببصره قبل العودة - ينظر إلى معالم الوطن تقترب منه ويقترب منها، فيرى فيه سحرًا خلابًا يوازي - إن لم يفق، سحر بابل قديمًا: أبابلُ رأيَ العينِ أم هذهِ مِصْرُ؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فإني أرى فيها عيونًا هي السِّحُر https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif نَوَاعِسُ أَيْقَظْنَ الْهَوَى بِلَوَاحِظٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif تَدِينُ لَهَا بِالْفَتْكَة ِ الْبِيضُ وَالسُّمْرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يتبع |
رد: محمود سامي البارودي مصر بين الحنين والوجع
إِذَا مَا أَتَيْتُ الْحَيَّ فَارَتْ بِغَيْظِها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif قُلُوبُ رِجَالٍ حَشْوُ آماقِها الْغَدْرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif يَظُنُّونَ بِي شَرًّا، وَلَسْتُ بِأَهْلِهِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وظَنُّ الفتى مِن غيرِ بيِّنة ٍ وِزرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وماذا عليهِم إن ترنَّمَ شاعِرٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بِقَافِيَة ٍ لاَ عَيْبَ فِيها، وَلاَ نُكْرُ؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أفي الحقِّ أن تبكِي الحمائمُ شَجوَها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ويُبلى فلا يبكِي على نَفسهِ حُرُّ ؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وأَيُّ نَكيرٍ في هوًى شبَّ وقدُهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif بِقَلْبِ أَخِي شَوْقٍ فَبَاحَ بِهِ الشِّعْرُ؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فَلا يَبْتَدِرْنِي بِالْمَلاَمَة ِ عَاذِلٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif فإنَّ الهوى فيهِ لمُعتذرٍ عُذرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إذا لم يَكن لِلحُبِّ فضلٌ على النُّهى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لما ذَلَّ حيٌّ لَلهوى ولَهُ قَدرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وَكَيْفَ أَسُومُ الْقَلْبَ صَبْرًا عَلَى الْهوى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وَلَمْ يَبْقَ لِي فِي الْحُبِّ قلْبٌ وَلا صَبْرُ؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif لِيهنَ الهوى أنِّي خضَعتُ لِحُكمهِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وَإِنْ كَانَ لِي فِي غَيْرِهِ النَّهْيُ والأَمْرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وإنِّي امرؤٌ تأبى لي الضَّيمَ صولة ٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif مَوَاقِعُهَا فِي كُلِّ مُعْتَرَكٍ حُمْرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif أَبِيٌّ عَلَى الْحِدْثَانِ لاَ يَسْتَفِزُّنِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif عَظيمٌ ولا يأوي إلى ساحتي ذعرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif إذا صُلتُ صالَ الموتُ مِن وكراته https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif وإن قُلتُ أرّخى مِن أعنَّتهِ الشِعرُ[13] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif ... كانت مصر وكان الوطن. [1] الديوان، ص450. نقّاشُ: صيغة مبالغة من نقشَ الشّيءَ، أي: لوّنه وزخرفه. والشّاعر في هذا البيت يُكْثِرُ من التّلفّتِ بوجهه يمنة ويسرة، ويدور ببصره فيما حواليه فوق ذلك المرتبأ العالي، فلا يرى غير صور ذهنه لما كان يرتقبه ويرجوه ويأمله ويتمناه من انفراج أزمته وزوال شدّته؛ أو هي صور ما كان يتوق إليه من آمال واسعة لم يتحقق له منها شيءٌ. [2] الديوان، ص169* كندي: اسم مدينة صغيرة في وسط جزيرة سيلان (سرنديب) التي كان الشّاعر منفيًا بها* الفرند: السيف وجوهره ووشيه. [3] الديوان، ص 292* نهلة: اسم مرة من النّهلِ،وهو أول الشرب* المشاش: رؤوس العظام اللينة، الواحدة: مشاشة. والمشاش أيضًا: النفس. [4] الديوان، ص371* البائقة: الدَاهية والبلية والشّر* الأغداق: ج: غدق، وهو الماء الكثير أو المطر الكثير العامّ. [5] الديوان، ص171. [6] الديوان، ص342. [7] الديوان، ص373. [8] الديوان، ص391. [9] الديوان، ص635. [10] الديوان، ص586. [11] علي محمد الحديدي، ع.س، 38. [12] نفسه، ص586. [13] الديوان، ص 270 - 273. |
الساعة الآن : 05:03 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour