ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى اللغة العربية و آدابها (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=111)
-   -   محمود سامي البارودي مصر بين الحنين والوجع (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=245637)

ابوالوليد المسلم 13-11-2020 04:19 AM

محمود سامي البارودي مصر بين الحنين والوجع
 
محمود سامي البارودي

مصر بين الحنين والوجع (1)

د. إيمان بقاعي


نفي الثَّائر إلى سَرَنْديب سبعة عشر عامًا وقتَ أُغلقَت أبواب الوطن في وجهه ظلمًا فصرخ: "لم أقترف ذنبًا". تساءل عما إذا كان الدِّفاع عن الوطن ذنبًا يُعاقَب المرء عليه وما أجيب إلا بالإبعاد وما اقتنع. فالقضية الّتي آمن بها وعمل مِن أجلها قضية دفاع عن وطن تدخل فيه الأجنبي بشكل سافر:
راجعْتُ فِهْرِسَ آثاري فما لَمَحَتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بصيرتي فيه ما يُزري بأَعمالي[1] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



ولما كانت القضية قضية ظلم، فإن شاعرنا يتألم غاية الألم، فتمضي الأيام والشّهور والسّنوات، وتتدهور صحته، ويكاد الشّوق والشّعور بالاضطهاد يقضي عليه.

تتالت عليه المصائب وكان أكبرها الضّعف النّاتج عن الشّيخوخة، فيخف نظره وسمعه وتوهن أعصابه، فيتوجع منه القلب والجسد معًا:
كيفَ لا أنْدُبُ الشّباب وقد أص https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بحْتُ كهْلاً في مِحْنةٍ واغترابِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أخلَقَ الشّيبُ جِدَّتي وكَسَاني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
خِلْعَةً منه رَثَّةَ الجِلبابِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ولَوى شَعْرَ حاجِبَيَّ على عيْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
نيَّ حتّى أطلَّ كالهُدَّابِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لا أرى الشَّيءَ حينَ يسنَحُ إِلا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كخيالٍ كأَنَّني في ضبابِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وإذا ما دُعيتُ حِرْتُ كأنِّي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أسمعُ الصَّوتَ مِن وراءِ حجابِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

كلَّما رُمْتُ نهضةً أقعدَتْني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَنْيَةٌ لا تُقِلُّها أَعْصابي[2] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




تلك الصّورة النّاطقة المتحركة لكهل يعاني مِن تراجع قوة الجسد عضوًا فعضوًا يدعمها بصورة أخرى يصور فيها نفسه يشبه فرخ طير صغير ضعيف لا حول له ولا قوة:
أُزَيْغِبَ الرَّأسِ لم يَبْدُ الشَّكيرُ به[3] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولم يصُنْ نفسَهُ مِن كيدِ مُغتالِ[4] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



الفرخ الّذي كان نسرًا هدّته الأيام وطحنته المحنة وأوجعه الاغتراب، فما عاد يقدر على حمل قلمه هو الّذي طالما كتب بغزارة وحارب ببسالة أيام الشّباب:
ولا تكادُ يدي تُجري شبا قلَمي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وكانَ طوعَ بناني كلُّ عَسَّالِ[5] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



أما وقد اجتاحته الشّيخوخة وحُكم عليه بالنّفي، فهو يصف حاله بعيدًا مُضَّطَهدًا مظلومًا ومتشوقًا:
لكلِّ دمعٍ مِنْ مُقلة سببُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وكيف يملِكُ دمعَ العينِ مُكتئِبُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لولا مكابدةُ الأشواقِ ما دَمِعَتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عينٌ ولا باتَ قلبٌ في الحشا يجِبُ[6] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



لكنه - رغم الأسباب القوية - يحاول أن يتمالك نفسه فلا تُرى دموعُه جارية وهو الّذي كان له تاريخ مِن الشَّجاعة والبأس والقوة:
أستنجدُ الزَّفَرات وهي لوافحٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وأُسَفِّهُ العَبَراتِ وهي بَوادي[7] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




يتبع
https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


ابوالوليد المسلم 13-11-2020 04:19 AM

رد: محمود سامي البارودي مصر بين الحنين والوجع
 
يحاول أن يتمالك:
أَكُفُّ غَرْبَ دموعي وهي جاريةُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
خوفَ الرَّقيبِ وقلبي جِدُّ مُلتاعِ[8] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



وعندما يحل الظَّلام وتغفو عين الرقيب، يخلد إلى البكاء المصحوب بالوجع:
أبِيتُ أَرْعى الدُّجى بعينٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
غذاؤُها مَدْمَعٌ وسُهْدُ[9] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



وهو في سَرَنْديب حزين ساهر أرق:
أَبيتُ حَزينًا في "سَرَنْديب" ساهرًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
طوالَ اللَّيالي والخَلِيّون هُجَّدُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أحاولُ ما لا أستطيعُ طِلابَهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كذا النّفسُ تهوى غيرَ ما تملكُ اليدُ[10] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



هو في سَرَنْديب غريبٌ، بائسٌ، ساهرٌ، أرِقٌ:
أظلُّ فيها غريبَ الدَّارِ مبتئسًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
نابي المضاجع مِنْ هَمٍّ وأوْجاعِ[11] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



هو في سَرَنْديب يعاني كل ما يمكن للمرء أن يعاني:
شوقٌ ونأيٌ وتبريحٌ ومعتبةٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يا لَلْحَميَّةِ مِن غَدري وإِهمالي[12] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



وهو في سَرَنْديب يعاني مِن كل ما يجلب إلى الإنسان الوجع:
عناءٌ ويأسٌ واشتياقٌ وغربةٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أَلا شَدَّ ما ألقاهُ في الدَّهرِ مِن غُبْنِ[13] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



إن الغربة في سَرَنْديب غربتان: بُعد عن وطن وبُعد عن خل وصديق ورفيق يخفف وحدته ومعاناته:
لا في "سَرَنْديب" خِلٌّ أسْتعينُ به https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
على الهمومِ إذا هاجَتْ ولا راعي[14] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



فالصَّديق حاجة ملحة، فهو وطنٌ حين لا يكون الوطن موجودًا، فماذا لو لم يكونا موجودين معًا؟
لا في "سَرَنْديبَ" لي خِلٌّ ألوذُ به https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولا أنيسٌ سوى همِّي وإطراقي[15] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



يصرخ وهو يعرف أهمية ما يفتقد إليه مِن هذا اللَّوذ وهذا اللّجوء وهذه الاستعانة وهذا البوح الّذي يحتاج إلى أن يبوحه فلا يجد شيئًا مما يطلب، فيعتكف ويعود إلى ذاته منهزمًا وقد زادت مواجعه، فيتحدث إلى أوراقه ويبكي ليلاً: يبكي دمعًا وحبرًا:
لا في "سَرَنْديبَ" لي إلفٌ أُجاذِبُه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فضْلَ الحديثِ ولا خِلُّ فيرعَى لي[16] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



إنه يعيش القحل والغربة في أبهى مشاهدهما ويعيش الوجع في أدق تفاصيله؛ فالإبعاد جرح والظُّلم جرح والغربة جرح والشّيخوخة جرح، والوطن هو: الجرح الأكبر.

إن الملاحظ في صورة الوطن عند شاعرنا أنها صورة مشرقة رغم كلِّ الآلام الّتي يعانيها، إذ لم تستطع كل هذه الجروح أن تلون الصُّورة بالدَّم القاني المتدفق من الجرح المفتوح، بل ظلت صورة مشمسة متفائلة، فالوطن عند شاعرنا هو وطن الذَّاكرة التي تفجرت بالبعد والغربة.

الوطن، عنده مرتبط بصورة الشّباب التي يتشوق فيها إليه وقت يرثي صديقيه الشيخ حسينًا المَرصفي وعبد الله باشا فكري:
أين أيامَ لذتي وشبابي؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أتُراها تعودُ بعد الذَّهابِ؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ذاكَ عهدٌ مضى وأبعدُ شيءٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أن يَرُدَّ الزّمانُ عهدَ التّصابي[17]
يتبع
https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


ابوالوليد المسلم 13-11-2020 04:20 AM

رد: محمود سامي البارودي مصر بين الحنين والوجع
 
محمود سامي البارودي

مصر بين الحنين والوجع (1)

د. إيمان بقاعي




الوطن مرتبط بأيام القوة والفتوة أيضًا:
بلادٌ بها حلَّ الشّبابُ تمائمي[18] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وناطَ نجادُ المَشْرِفِيِّ بعاتقي[19]



فالوطن هو أرض الطّفولة وأرض النّشأة الأولى الّتي لا تلبث أن تسلِّم المرء إلى النَّشأة الثّانية أو نشأة الشّباب وقتَ كان شباب شاعرنا مليئًا بالبطولات والحروب المشرِّفة:
ما إنْ خلعْتُ بها سُيُورَ تَمائمي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
حتَّى لَبِسْتُ بها حَمَائلَ مِخْذَمي[20] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



ويعود ليحدد معنى الوطن، فهو يعني - إلى جانب المراحل الّتي نشأ فيها وشب - كل ما يرتبط به من شجاعة وفروسية وحياة أسرية وعلمية:
هو مَرْمَى نَبْلي ومَلْعَبُ خَيلي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَحِمَى أُسْرَتي ومركزُ بَنْدي[21] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



هو يعني الجيرة والقوم والآداب والأعراق:
مَرعى جِيادي ومَأوى جِيرتي وحِمى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قَوْمي ومَنْبِتُ آدابي وأَعْراقي[22] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



ويؤكد البارودي على كرم الأهل المتروكين جبرًا في الوطن إذ يؤكد على روابطه القوية بهم:
وكيفَ أنْسى دِيارًا قد تركْتُ بها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أهلاً كرامًا لهم وُدِّي وإِشْفَافي[23] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



لا ينسى:
تركْتُ بها أهلاً كرامًا وجيرةً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لهم جيرةٌ تعتادُني كلَّ شارقِ[24] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



إنه، يفتقد في الوطن: الإلفة الّتي يشكل مجموع ما ذكره منها طمأنينة لقلبه وسعادة، انظر إلى كلمات النَّعيم في حديثه عنه:
منازل ُكلَّما لاحَتْ مَخَايلُها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
في صفحةِ الفكرِ منِّي هاجَني الطَّرَبُ[25] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



فالوطن - رغم بعده القسري عنه - كلما ذكر، أثار الطّرب في نفسه وكان ذكره هو الدَّواء من الوجع:
خليليَّ هذا الشَّوقُ لا شكَّ قاتِلي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فميلا إلى "المقياس"[26] إنْ خِفْتُما فقْدي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ففي ذلكَ الوادي الّذي أنبَتَ الهَوى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
شِفائي مِن سُقمي وبُرئيَ مِن وَجْدي[27] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



وانظر إلى كلماته المشرقة عن الوطن - الذاكرة:
ديارٌ يعيشُ المرءُ فيها منعَّمًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وأطيبُ أرضِ اللهِ حيثُ يُعاشُ[28] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



الوطن يرتبط بالسَّعادة الّتي هي عكس حاله في غربته في سرنديبَ؛ لذا يستدعيه فنتخيله باسمًا وهو يكتب عنه مستنبطاً صفاته:
لبَّيْكَ يا داعيَ الأشواقِ مِنْ داعي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أسمعْتَ قلبي وإِنْ أخطأْتَ أَسْمَاعي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

مُرْني بما شئتَ أَبلُغْ كلَّ ما وصلَتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يدي إليه فإني سامعٌ واعي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

منازلُ كنْتُ منْها في بُلْهَنِيَةٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مُمَتَّعًا بين غِلماني وأَتْبَاعي[29] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



وقد صار إلى ما لم يكن إليه فيه، فما مِن أتباع في هذه الغربة ولا مِن غلمان ولا مِن أهل ولا مِن جيرة ولا مِن هوى.

إنها الغربة الّتي يحاول شاعرنا بنفس إيجابية - رغم كل الضُّغوط - أن يجد له منها منفذًا ما يخترق فيه جدارها المرتفع عاليًا في وجهه مانعًا إياه مِن نسمات الهواء الآتية مِن مزيج مشاعره الطّيبة الّتي يحافظ عليها فيسوِّرها ويبقيها في الذَّاكرة وطناً.


[1] - الديوان، ص453.

[2] - الديوان، ص68، ونى في الأمر ونيًا: ضعف وفتر، والونية: اسم مرة منه.





[3] - أزيغب: صفة ل"فرخ الطير" تصغير الأزغب هو ماله زغب من الطير والزغب صغار الشّعر والريش وأول ما يبدو منها. والشكير: صغار الريش النابتة بين كباره.




[4] - الديوان، ص451.




[5] - الديوان، ص453* شباة القلم: إبرته وسنه* العسال: الرمح اللون المهتز.



[6] - الديوان، ص72* وجبَ القلب وجيبًا: اضطربَ.



[7] - الديوان، ص154.



[8] - الديوان، ص342.



[9] - الديوان، ص167.



[10] - الديوان، ص171.



[11] - الديوان، ص341.



[12] - الديوان، ص452.



[13] - الديوان، ص625.



[14] - الديوان، ص341.



[15] - الديوان، ص370.



[16] - الديوان، ص449.



[17] - الديوان، ص66.



[18] - التمائم: ج مخيمة وهي عوذة تغلق على الإنسان في طفولته لتدفع عنه العين. وحل التمائم كناية عن مجاوزة الإنسان طوار الطفولة.



[19] - الديوان، ص390.



[20] - الديوان، ص586.



[21] - الديوان، ص169* النبل: السهام العربية* الحِمى: المكان المحمي الّذي لا يقرب ولا يُجترأ عليه* البند: فارسية تعني: العلَم الكبير.



[22] - الديوان، ص371.



[23] - الديوان، ص372.



[24] - نفسه، 390.



[25] - الديوان: ص73.



[26] - يقصد روضة المقياس في مصر حيث نشأ وله فيها قصائد كثيرة.



[27] - الديوان، ص165.



[28] - الديوان، ص293



[29]- الديوان، ص 393 - 340.



ابوالوليد المسلم 13-11-2020 04:22 AM

رد: محمود سامي البارودي مصر بين الحنين والوجع
 
محمود سامي البارودي

مصر بين الحنين والوجع (2)

د. إيمان بقاعي





إنه - بشجاعة المحارب القديم - يقاتل في سبيل استحضار أجمل الصُّور للوطن الممنوع:



إذا تلفَّتُ لم أبْصِرْ سوى صُوَرٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

في الذِّهْنِ يرسمُها نَقَّاشُ آمالي[1] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif








ونقَّاش الآمال يرسم بألوان فيها مِن وهج الحياة ما فيها، فيستبعد اللَّون الأسود وكلَّ الألوان القاتمة، غامسًا ريشته بالأصفر - رمز الشمس - وبالأحمر رمز الحياة.



غريب شاعرنا الّذي عصفت به المحن فبكى بعزَّة وحده.



خاف عين الرقيب، فانتظر اللَّيل ليبكي كما فعل أبو فراس الحمداني وقت انتظر الليل إذ أضواه ليبسط يد الهوى، بينما علا شدوُ البارودي نهارًا يبث لواعج الشَّوق إلى الوطن - الذاكرة الّذي اقتُلع منه ظلمًا.



مصر الوطن الممنوع ينادي مِن سَرَنْديب بصوت لم تثقله هموم الشيخوخة، فيشدو الفرخ الصَّغير الضعيف كما لو كان نسرًا:



طالَ شَوْقي إلى الدِّيارِ ولكن https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أينَ مِن (مصرَ) مَنْ أقامَ (بِكَنْدي) https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




حبَّذا النّيلُ حين يجري فيُبدي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

روْنَقَ السَّيْفِ واهتزازَ الفَرَنْدِ[2] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif










فهذا اللَّيل عنده يذكره بالسَّيف وبأيام القوة؛ لذا يتشوق إلى أن ينهل منه وكأنه يريد أن ينهل مِن دواء يزيل عنه الشَّيخوخة ويعيد إليه الشّباب:



فهل نَهْلةٌ مِن جدولِ النِّيلِ تَرْتَوي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

بها كبِدٌ ظمآنةٌ ومُشاشُ[3] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif








إنه يفتش عن نهلة، عن نسمة تأتي مِن موطن الشّباب (روضة النّيل) أو (روضة المقياس):



يا (روضةَ النِّيل) لا مَسَّتْكِ بائِقَةٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ولا عَدَتْكِ سماءٌ ذاتُ أغْدَاقِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




يا حبَّذا نَسَمٌ مِن جوِّها عَبِقٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يسري على جدولٍ بالماءِ دفَّاقِ[4] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif








كذلك يحاول التقاط نسمات آتية من ذلك الوطن، نسمات تشعل في نفسه جذوة الأمل:



إذا خطَرَتْ مِنْ نحْوِ حُلْوانَ نَسْمَةٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

نَزَتْ بين قلبي شعلةٌ تتوقَّدُ[5] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif








ونتوقف مع النّظرة الإيجابية والرّوح غير الانهزامية الّتي - رغم المصاعب الجمة الّتي تحيط بها - فإنها لا تزال مرفوعة الرَّأس تقاوم كل سلبيات الواقع وتفتش بين الضّلوع وفي حنايا النَّفس والذَّاكرة عما ينعش المريض لا عمَّا يطلق عليه رصاصة الرَّحمة.



استخدم البارودي عبارة: (نقَّاش الآمال) الّذي يجيد رسم الصور،ريثما يحدث شيء مجهول لكن جميل. استخدم شاعرنا هذه العبارة واصفًا مشاعره الإيجابية الّتي تأبى الخضوع للذّل. مِن هنا، راح هذا النَّقَّاش يرسم اللَّوحة تلو الأخرى:



ولا وربِّكَ ما وَجْدِي بِمُنْدَرِسٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

على البِعادِ ولا صَبري بِمِطواعِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




لكنَّني مالكٌ حَزمي ومنتظرٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أَمْرًا مِن اللهِ يشفي برحَ أَوْجاعي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




فإنْ يَكُنْ ساءَني دهْري وغادرَنِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

رهنَ الأَسى بين جَدْبٍ بعدَ إمْراعِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




فإنَّ في مصرَ إخوانًا يسُرُّهُمُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

قُربي ويعجبُهُم نظْمِي وإِبداعي[6] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif











ابوالوليد المسلم 13-11-2020 04:23 AM

رد: محمود سامي البارودي مصر بين الحنين والوجع
 
يرسم نقَّاش الأمل صورة مستقبل مشرقٍ رغم الوجعِ، ولعلّ لإيمان الشّاعر الكبيرِ بالله علاقة بهذه النظرة الإيجابية:



عليَّ شَيْمُ الغوادي كلما برَقَتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وما عليَّ إذا ضنَّتْ بِرقراقِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




فلا يَعِبني حسودٌ أنْ جرى قَدَرٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فليس لي غيرُ ما يقضيه خلاّقي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




أسلمتُ نفسي لمولى لا يخيبُ له https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

راجٍ على الدّهرِ والمولى هو الواقي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




وهوَّنَ الخطبَ عندي أنني رجلٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لاقٍ مِن الدّهرِ ما كُلُّ امرئٍ لاقي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




يا قلبُ صبرًا جميلاً إنَّهُ قدَرٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يجري على المرءِ مِنْ أسْرٍ وإِطلاقِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




لا بدَّ للضّيقِ بعد اليأسِ مِن فرَجٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وكلُّ داجيةٍ يومًا لإشراقِ[7] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif










ويبرز أكثر عامل الإيمان بالله تعالى المخلّص العالم بالمظلومين والمقهورين، ويبرز أكثر عامل الإيمان بالقدر الّذي لا بد أن ينقذ هؤلاء:



فإنْ تكُنِ الأيامُ ساءَتْ صُروفُها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فإنِّي بفضلِ اللهِ أولُ واثقِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




فقدْ يستقيمُ الأمرُ بعد اعوجاجِهِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ويرجعُ للأوطانِ كلُّ مُفارقِ[8] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif








إن الإيمان بقدرة الله تعالى يشد من عزم شاعرنا ويقويه فيقوي فيه حلم العودة إلى الوطن المُغادَرِ.



لم يتذلل، لم يحن رأسه، لم يقل إنه مخطئ في تصرفه وإن العقاب الّذي أُنزل به كان عقابًا محقًّا، بل ظل حتى اللَّحظة الأخيرة يصرخ أنه مظلوم وأنه لا يستحق العقاب وأنه لا يريد العودة ذليلاً ولا يريد استجداء هذه العودة مِن البشر، فهو مدعوم بقدرة إلهية كبيرة تعرف متى ينجلي الحق.



لم يستجد شاعرنا العودة، بل ظل يقف موقفه واثقًا قويًّا معتزًّا. لقد وقف وبيده سلاح هو الإيمان بالله تعالى وبقدرته على انتشال المظلومين وهو واحد منهم:



وإنِّي، وإنْ طالَ المطالُ لَواثقٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

برحمةِ ربي فهو ذو الطُّولِ والمَنِّ[9] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif








إن هذه الثقة كانت في محلها، فالشّاعر المرفوع الرأس يأبى الذّلّ والاستكانة والعودة العادية.



لقد غادر بطلاً ويجب أن يعود بطلاً، وهذا ما حدث. إن شاعرنا يؤمن أنَّ كلَّ حبٍّ تبادلٌ، ويؤمن بأنه إذ يرى الوطن في أبهى حلله، يتوقع أن تكون له صورة عنده تماثل صورته، فهو يتوقع أن تكون صورته عند الوطن صورة مشرقة؛ ولمَ لا؟ وهو الّذي قاتل في سبيله وحارب وكتب؟ وهو الّذي حماه بدماء جدوده الشّراكسة وآبائه؟ وهو الّذي نشأ فيه ونما مع علائل النَّسيم فكبر بالحب فيه لا بالقهر.



وثق شاعرنا بقدرة الله تعالى على إعادته إلى الوطن، ووثق بأن الوطن كان في غيبته مثله: موجوعًا، وأنه ينتظره. عاد شاعرنا بطلاً كما غادر بطلاً، فغنى أغنية العودة الجذلى بقصيدة هي من فخرياته وعيون شعره. وفيها - مع الفخر - وفاء لمصر وتعلق بها وثناء عليها وتغنّ بمحاسنها. فبعد عودته من منفاه في سبتمبر سنة 1899، استقبله الناس بحفاوةٍ، و عادت داره منتدى الأدباء والشّعراء وأهل العم. وفي إحدى ندواته سأله الأديب الشّابّ (مصطفى صادق الرّافعي) شيئًا من شعره، فقال: "إن عنترة بن شدّاد العبسي يقول:



هل غادرَ الشّعراءُ مِن متردَّمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أم هلْ عرفتَ الدّارَ بعدَ توهُّمِ؟
يتبعhttps://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ابوالوليد المسلم 13-11-2020 04:25 AM

رد: محمود سامي البارودي مصر بين الحنين والوجع
 
محمود سامي البارودي

مصر بين الحنين والوجع (2)

د. إيمان بقاعي



وقد نقضتُ هذه القصيدة بقولي:
كم غادرَ الشّعراءُ مِن متردَّمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولَرُبَّ تالٍ بزَّ شأوَ مقدَّمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

في كلِّ عصرٍ عبقريٍّ لا يني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يفري الفَرِيَّ بكلِّ قولٍ مُحكَمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وكفاكَ بي رجلاً إذا اعتُقِلَ النُّهى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بالصّمتِ أو رعَفَ السِّنانُ بعَنْدَمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أحييتُ أنفاسَ القريضِ بمنطقي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وصرعتُ فرسانَ العَجاجِ بِلهذَمي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وفرعْتُ ناصيةَ العُلا بفضائلٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
هُنَّ الكواكبُ في النّهارِ المُظلِمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

سلْ مِصْرَ عنِّي إن جهِلْتَ مَكانتي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تُخْبرْكَ عن شرفٍ وعزٍّ أقدَمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

بَلِهٌ نشأتُ مع النَّباتِ بأرضِها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولثمْتُ ثغرَ غديرِهِ المتبسِّمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فنسيمُها روحي ومعدِنُ تُربِها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
جسمي وكوثَرُ نِيلِها مَحْيا دَمي[10] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




غنى شاعرنا أغنية العودة الجذلى، فوجد مصر في انتظاره.
لم لا؟
أو ليست مصر البلد الّذي لم يجد له بلدًا سواها؟

أو ليست مصر هي موطن أجداده الّذين استقبلتهم من شمال القوقازِ برحابة "حين جاؤوها مهاجرين، فرفعتهم إلى مكان السّيادة، فمنحوها حياتهم وقدموها فداء في الدافع عنها ولف جدثهم ثراها"[11]، فكان بين جذوره وبينها ذلك التبادل السَّخي؟

وجد شاعرنا مصر - الّتي ما غادرت لحظة قلبه - تنتظره تمامًا كما كان ينتظر بشوق العودة إليها هي الّتي تمثل دار العزة والكرامة التي ترتبط به ويرتبط بها بعلائق الحب الوثيقة:
وأحقُّ دارٍ بالكرامةِ منزلٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
للقلبِ فيه علاقةٌ لم تَصْرَمِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

هيَ جنَّةُ الحُسنِ الّتي زهراتُها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
حُورُ المها وهزارُ أيكتِها فمي[12] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



غنى شاعرنا أغنية العودة الجذلى الملأى بالكرامة والعزة والبطولة، وراح - وقد انقشعت عن عينيه غيوم الغربة الّتي كادت تودي ببصره قبل العودة - ينظر إلى معالم الوطن تقترب منه ويقترب منها، فيرى فيه سحرًا خلابًا يوازي - إن لم يفق، سحر بابل قديمًا:
أبابلُ رأيَ العينِ أم هذهِ مِصْرُ؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فإني أرى فيها عيونًا هي السِّحُر https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

نَوَاعِسُ أَيْقَظْنَ الْهَوَى بِلَوَاحِظٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تَدِينُ لَهَا بِالْفَتْكَة ِ الْبِيضُ وَالسُّمْرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


يتبع




ابوالوليد المسلم 13-11-2020 04:26 AM

رد: محمود سامي البارودي مصر بين الحنين والوجع
 
فليسَ لعقلٍ دونَ سُلطانِها حِمًى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولا لفؤادٍ دونَ غِشيانِها سِترُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فَإِنْ يَكُ مُوسى أَبْطَلَ السِّحْرَ مَرَّة ً https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فذلِكَ عصرُ المعجِزاتِ، وذا عصرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فَأَيُّ فُؤادٍ لاَ يَذُوبُ صَبَابَة https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَمُزْنَة ٍ عَيْنٍ لاَ يَصُوبُ لَهَا قَطْرُ؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

بِنفسي وإن عَزَّتْ عليَّ ربيبةٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مِنَ العينِ فى أجفانِ مُقلتِها فَترُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فَتَاة ٌ يَرِفُّ الْبَدْرُ تَحْتَ قِناعِها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَيَخْطِرُ في أَبْرَادِهَا الْغُصُنُ النَّضْرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

تُرِيكَ جُمانَ الْقَطْرِ في أُقْحُوَانَة ٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مُفَلَّجَة ِ الأَطْرَافِ، قِيلَ لَهَا ثَغْرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

تَدِينُ لِعَيْنَيْهَا سَوَاحِرُ بَابِلٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وتسكرُ من صَهباءِ ريقتها الخَمرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فيا ربَّة َ الخِدرِ الّذي حالَ دونَهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ضَراغِمُ حربٍ، غابَها الأَسَلُ السُّمرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أَمَا مِنْ وِصَالٍ أَسْتَعِيدُ بِأُنْسِهِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
نَضَارَة َ عَيْشٍ كَانَ أَفْسَدَهُ الْهَجْرُ؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

رضيتُ مِنَ الدُّنيا بِحبِّكَ عالمًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بِأنَّ جُنُونِي في هَوَاكِ هُوَ الْفَخْرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فلا تَحسبي شوقي فُكاهة َ مازحٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فما هُوَ إلاَّ الجمرُ، أو دونهُ الجمرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

هوًى كضميرِ الزّندِ لو أنَّ مَدمعي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
تَأَخَّرَ عَنْ سُقْيَاهُ لاَحْتَرَقَ الصَّدْرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يتبع

ابوالوليد المسلم 13-11-2020 04:26 AM

رد: محمود سامي البارودي مصر بين الحنين والوجع
 
إِذَا مَا أَتَيْتُ الْحَيَّ فَارَتْ بِغَيْظِها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
قُلُوبُ رِجَالٍ حَشْوُ آماقِها الْغَدْرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

يَظُنُّونَ بِي شَرًّا، وَلَسْتُ بِأَهْلِهِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وظَنُّ الفتى مِن غيرِ بيِّنة ٍ وِزرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وماذا عليهِم إن ترنَّمَ شاعِرٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بِقَافِيَة ٍ لاَ عَيْبَ فِيها، وَلاَ نُكْرُ؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أفي الحقِّ أن تبكِي الحمائمُ شَجوَها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ويُبلى فلا يبكِي على نَفسهِ حُرُّ ؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وأَيُّ نَكيرٍ في هوًى شبَّ وقدُهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

بِقَلْبِ أَخِي شَوْقٍ فَبَاحَ بِهِ الشِّعْرُ؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فَلا يَبْتَدِرْنِي بِالْمَلاَمَة ِ عَاذِلٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فإنَّ الهوى فيهِ لمُعتذرٍ عُذرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

إذا لم يَكن لِلحُبِّ فضلٌ على النُّهى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لما ذَلَّ حيٌّ لَلهوى ولَهُ قَدرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَكَيْفَ أَسُومُ الْقَلْبَ صَبْرًا عَلَى الْهوى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَلَمْ يَبْقَ لِي فِي الْحُبِّ قلْبٌ وَلا صَبْرُ؟ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لِيهنَ الهوى أنِّي خضَعتُ لِحُكمهِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَإِنْ كَانَ لِي فِي غَيْرِهِ النَّهْيُ والأَمْرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وإنِّي امرؤٌ تأبى لي الضَّيمَ صولة ٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مَوَاقِعُهَا فِي كُلِّ مُعْتَرَكٍ حُمْرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أَبِيٌّ عَلَى الْحِدْثَانِ لاَ يَسْتَفِزُّنِي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
عَظيمٌ ولا يأوي إلى ساحتي ذعرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

إذا صُلتُ صالَ الموتُ مِن وكراته https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإن قُلتُ أرّخى مِن أعنَّتهِ الشِعرُ[13] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



... كانت مصر وكان الوطن.


[1] الديوان، ص450. نقّاشُ: صيغة مبالغة من نقشَ الشّيءَ، أي: لوّنه وزخرفه. والشّاعر في هذا البيت يُكْثِرُ من التّلفّتِ بوجهه يمنة ويسرة، ويدور ببصره فيما حواليه فوق ذلك المرتبأ العالي، فلا يرى غير صور ذهنه لما كان يرتقبه ويرجوه ويأمله ويتمناه من انفراج أزمته وزوال شدّته؛ أو هي صور ما كان يتوق إليه من آمال واسعة لم يتحقق له منها شيءٌ.

[2] الديوان، ص169* كندي: اسم مدينة صغيرة في وسط جزيرة سيلان (سرنديب) التي كان الشّاعر منفيًا بها* الفرند: السيف وجوهره ووشيه.

[3] الديوان، ص 292* نهلة: اسم مرة من النّهلِ،وهو أول الشرب* المشاش: رؤوس العظام اللينة، الواحدة: مشاشة. والمشاش أيضًا: النفس.

[4] الديوان، ص371* البائقة: الدَاهية والبلية والشّر* الأغداق: ج: غدق، وهو الماء الكثير أو المطر الكثير العامّ.

[5] الديوان، ص171.

[6] الديوان، ص342.

[7] الديوان، ص373.

[8] الديوان، ص391.

[9] الديوان، ص635.

[10] الديوان، ص586.

[11] علي محمد الحديدي، ع.س، 38.

[12] نفسه، ص586.

[13] الديوان، ص 270 - 273.







الساعة الآن : 05:03 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 74.58 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 74.19 كيلو بايت... تم توفير 0.39 كيلو بايت...بمعدل (0.52%)]