ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=91)
-   -   الأربعون الملائكية (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=235375)

ابوالوليد المسلم 29-06-2020 03:21 AM

الأربعون الملائكية
 
الأربعون الملائكية (1 /4)





























أ. محمد خير رمضان يوسف






بسم الله الرحمن الرحيم







مقدِّمة



الحمدُ للهِ ربِّ الملائكةِ والروح، والصلاةُ والسلامُ على خاتمِ الرسلِ الذي نزلَ عليه جبريلُ بالوحي، وعلى آلهِ الطيبين، وأصحابهِ المكرَمين، وبعد:



فهذه أربعونَ حديثًا مما وردَ فيه لفظُ الملَك، أو الملائكة، أو أسماءُ بعضهم، عليهم السلام، جمعتها حبًّا بهذا الجنسِ من عبادِ الله الذين لا يعصونه، الوسائطُ بين الله ورسلهِ في تبليغِ الوحي، الكرامُ البرَرة، الأجسامُ اللطيفة، التي خلقها اللهُ من النور، فعليهم سلامٌ من اللهِ كما يستحقُّونه.







فليستِ هذه الأربعونَ فيما وردَ من أحاديثَ في شأنِ الملائكةِ وحده، بل في هذا وغيره.



ولم أورد الأحاديثَ الطويلةَ فيها، ولا ما يخصُّ موضوعًا معيَّنًا، ولكنْ اخترتُ ونوَّعت.



واقتصرتُ منها على ما ورد في الصحيحين، ووثَّقت، وعلَّقتُ عند اللزوم.



ومن الله تعالَى الأجرُ والقبول. والحمدُ له وحده.







محمد خير يوسف



11 محرم 1437 هـ







(1)



خَلقُ الملائكة



عن عائشةَ قالت: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم:



"خُلِقَتِ الملائكةُ من نور، وخُلِقَ الجانُّ من مارجٍ من نار، وخُلِقَ آدمُ مما وُصِفَ لكم".



صحيح مسلم (2996).







(2)



جبريلُ عليه السلام



حدَّث الشيبانيُّ قال:



سألتُ زِرَّ بنَ حُبَيْشٍ عن قولِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ:﴿ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ﴾ [سورة النجم: 9] قال: أخبرني ابنُ مسعودٍ أنَّ النبيَّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ رأَى جبريلَ لهُ ستُّمائةِ جَناح.



صحيح البخاري (4576)، صحيح مسلم (174). واللفظُ للأخير.







(3)



حدث في ليلة الإسراء







عن أبي هريرةَ رضيَ الله عنه:



أن رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُتيَ ليلةَ أُسرِيَ بهِ بإيلياءَ بقَدحَينِ مِن خمرٍ ولبنٍ، فنظرَ إليهما، ثم أخذَ اللبنَ، فقال جبريل: الحمدُ للهِ الذي هداكَ للفطرة، ولو أخذتَ الخمرَ غوَتْ أمَّتُك.



صحيح البخاري (5254)، صحيح مسلم (168)، واللفظُ للأول.







إيلياء: بيتُ المقدس.



والمرادُ بالفطرةِ هنا: الإسلامُ والاستقامة.



قال الإمامُ النوويُّ رحمَهُ الله: وقوله: "الحمدُ لله" فيه استحبابُ حمدِ اللهِ عند تجدُّدِ النِّعَم، وحصولِ ما كان الإنسانُ يتوقَّعُ حصولَه، واندفاعِ ما كان يخافُ وقوعه[1].







(4)



ثلاثة من الملائكة



عن سَمُرَةَ قال: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:



"رأيتُ الليلةَ رجلينِ أتيَاني، قالا: الذي يُوقِدُ النارَ مالكٌ خازنُ النار، وأنا جبريل، وهذا ميكائيل".



صحيح البخاري (3064).







الحديثُ جاءَ هنا مختصرًا، ويردُ مطوَّلاً أيضًا في آخرِ كتابِ الجنائز من الصحيح.







(5)



صفوف الملائكة



عن جابر بنِ سَمُرَة، أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال:



"ألَا تَصُفُّون كما تَصُفُّ الملائكةُ عند ربِّها"؟



فقلنا: يا رسولَ الله، وكيف تَصُفُّ الملائكةُ عند ربِّها؟



قال: "يُتِمُّون الصفوفَ الأُوَل، ويَتراصُّون في الصفّ".



جزء من حديثٍ رواهُ مسلم في صحيحه (430).







(6)



الجودُ بالخير



عن ابنِ عبّاسٍ رضيَ الله عنهما قال:



كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أجودَ الناسِ بالخير، وكان أجودَ ما يكونُ في رمضان، حينَ يَلقاهُ جبريل، وكان جبريلُ عليهِ السلامُ يَلقاهُ كلَّ ليلةٍ في رمضانَ حتى يَنسَلِخ، يَعرِضُ عليهِ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ القرآنَ، فإذا لَقِيَهُ جبريلُ عليهِ السلامُ كانَ أجودَ بالخيرِ من الريحِ المرسَلة!







صحيح البخاري (1803)، صحيح مسلم (2308)، واللفظُ للأول.








قال الإمامُ النووي: وفي هذا الحديثِ فوائد، منها: بيانُ عظمِ جودهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، ومنها استحبابُ إكثارِ الجودِ في رمضان، ومنها زيادةُ الجودِ والخيرِ عند ملاقاةِ الصالحين وعقبَ فراقهم للتأثرِ بلقائهم، ومنها استحبابُ مدارسةِ القرآن[2].







(7)



الوحي



عن عائشةَ رضيَ الله عنها:



أنَّ الحارثَ بنَ هشامٍ سألَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: كيف يأتيكَ الوحيُ؟



فقال: "أحيانًا يأتيني في مثلِ صَلصَلةِ الجرَس، وهو أشدُّهُ عليَّ، ثم يَفصِمُ عني وقد وَعَيتُه، وأحيانًا مَلَكٌ في مثلِ صورةِ الرجل، فأعِي ما يقول".



صحيح البخاري (2)، صحيح مسلم (2333)، واللفظُ له.







الصلصلة: صوتُ وقوعِ الحديدِ بعضهِ على بعض، ثم أُطلِقَ على كلِّ صوتٍ له طنين.



يَفصمُ عني: يُقلعُ ويَنجلي ما يتغشّاني منه[3].







(8)



أهل الذكر والملائكة



عن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم:



"إنَّ للهِ ملائكةً يَطوفون في الطُّرقِ يلتمسون أهلَ الذِّكر، فإذا وجدوا قومًا يَذكرون اللهَ تنادَوا: هلُمُّوا إلى حاجتِكم".



قال: "فيَحُفُّونهم بأجنحتِهم إلى السَّماءِ الدُّنيا".



قال: "فيسألُهم ربُّهم، وهو أعلمُ منهم: ما يقولُ عبادي؟".



قال: "تقول: يُسبِّحونكَ ويُكبِّرونكَ ويَحمَدونكَ ويُمجِّدونك".



قال: "فيقول: هل رأَوني؟".



قال: "فيقولون: لا واللهِ ما رأَوك".



قال: "فيقول: وكيف لو رأَوني؟".



قال: "يقولون: لو رأَوك كانوا أشدَّ لكَ عبادة، وأشدَّ لكَ تمجيدًا، وأكثرَ لكَ تسبيحًا".



قال: "يقول: فما يَسألونني؟".



قال: "يسألونكَ الجنَّة".



قال: "يقول: وهل رأَوها؟".



قال: "يقولون: لا واللهِ يا ربِّ ما رأَوها".



قال: "يقول: فكيف لو أنَّهم رأَوها؟".



قال: "يقولون: لو أنَّهم رأَوها كانوا أشدَّ عليها حرصًا، وأشدَّ لها طلبًا، وأعظمَ فيها رغبة".



"قال: فممَّ يتعوَّذون؟".



قال: "يقولون: من النَّار".



قال: "يقول: وهل رأَوها؟".



قال: "يقولون: لا واللهِ يا ربِّ ما رأَوها".



قال: "يقول: فكيف لو رأَوها؟".



قال: "يقولون: لو رأَوها كانوا أشدَّ منها فرارًا، وأشدَّ لها مخافة".



قال: "فيقول: فأُشهِدُكم أنِّي قد غفرتُ لهم".



قال: "يقولُ ملَكٌ من الملائكة: فيهم فلانٌ ليسَ منهم، إنَّما جاءَ لحاجة".



"قال: هم الجُلساءُ لا يشقَى بهم جليسُهم".



صحيح البخاري (6045).







قال الحافظُ ابنُ حجر ما ملخصه:



في الحديثِ فضلُ مجالسِ الذكرِ والذاكرين، وفضلُ الاجتماعِ علي ذلك، وأن جليسَهم يندرجُ معهم في جميعِ ما يتفضَّلُ الله تعالى به عليهم إكرامًا لهم، ولو لم يشاركهم في أصلِ الذكر.







وفيه محبَّةُ الملائكةِ بني آدمَ واعتناؤهم بهم.



وفيه أن السؤالَ قد يصدرُ من السائلِ وهو أعلمُ بالمسؤولِ عنه من المسؤول؛ لإظهارِ العنايةِ بالمسؤولِ عنه، والتنويهِ بقدره، والإعلانِ بشرفِ منزلته.







وقيل: إنه يؤخَذُ من هذا الحديثِ أن الذكرَ الحاصلَ من بني آدمَ أعلَى وأشرفُ من الذكرِ الحاصلِ من الملائكة؛ لحصولِ ذكرِ الآدميين مع كثرةِ الشواغل، ووجودِ الصوارف، وصدورهِ في عالمِ الغيب، بخلافِ الملائكةِ في ذلكَ كلِّه.







وفيه جوازُ القسمِ في الأمرِ المحقَّقِ تأكيدًا له وتنويهًا به.







وفيه أن الذي اشتملتْ عليه الجنةُ من أنواعِ الخيرات، والنارُ من أنواعِ المكروهات، فوق ما وُصِفتا به، وأن الرغبةَ والطلبَ من الله والمبالغةَ في ذلكَ من أسبابِ الحصول[4].







(9)



صلاة الملائكة



عن أبي هريرة، أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال:



"الملائكةُ تصلِّي على أحدِكم ما دامَ في مُصلَّاه، ما لم يُحْدِثْ: اللهمَّ اغفرْ له، اللهمِّ ارحمْه، لا يزال أحدُكم في صلاةٍ ما دامتِ الصلاةُ تحبسُه، لا يمنعهُ أن ينقلبَ إلى أهلِه إلا الصلاة".



صحيح البخاري (628)، صحيح مسلم (649). واللفظُ للأول.







"الملائكةُ تصلِّي على أحدكم" أي: يدعون ويستغفرون لكم.



ما لم يُحدِث: ما لم يُبطِلْ وضوءه[5].







(10)



فضل صلاة الفجر



عن أبي هريرةَ قال: سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ يقول:



"تَفضُلُ صلاةُ الجميعِ صلاةَ أحدِكم وحدَهُ بخمسةٍ وعشرينَ جزءًا، وتجتمعُ ملائكةُ الليلِ وملائكةُ النهارِ في صلاةِ الفجر".



صحيح البخاري (621)، صحيح مسلم (649)، واللفظُ للأول.







فيه بيانُ فضيلة صلاةِ الفجر.









[1] شرح النووي على صحيح مسلم 13 /182.




[2] شرح النووي على صحيح مسلم 15 /69.




[3] فتح الباري 1 /20، شرح النووي على صحيح مسلم 15 /88.




[4] فتح الباري 11 /213.




[5] ينظر عون المعبود 2 /187.




ابوالوليد المسلم 29-06-2020 03:22 AM

رد: الأربعون الملائكية
 
الأربعون الملائكية (2 /4)
أ. محمد خير رمضان يوسف




(11)

سمع الله لمن حمده

عن أبي هريرة، أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:

"إذا قالَ الإمامُ: سمعَ الله لمن حَمَدَه، فقولوا: اللهمَّ ربَّنا لكَ الحمد، فإنهُ مَن وافقَ قولُهُ قولَ الملائكةِ، غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبِه".

صحيح البخاري (3056)، صحيح مسلم (409). ولفظهما سواء.



"غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبه": ظاهرهُ غفرانُ جميعِ الذنوبِ الماضية، وهو محمولٌ عند العلماءِ على الصغائر، قالَهُ الحافظُ [ابنُ حجر].



قال الخطّابي: في هذا دلالةٌ على أن الملائكةَ يقولون مع المصلِّي هذا القول، ويستغفرون، ويحضرون بالدعاءِ والذكر[1].



(12)

تأمين الملائكة

عن أبي هريرة، أن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:

"إذا قالَ الإمامُ: ï´؟ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ï´¾ [سورةُ الفاتحة: 7] فقولوا: آمين، فإنهُ مَن وافقَ قولُهُ قولَ الملائكةِ، غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبِه".

صحيح البخاري (749)، وهو بلفظ آخر عند مسلم (410).



قال الحافظُ ابنُ حجر: والذي يَظهرُ أن المرادَ بهم مَن يَشهدُ تلك الصلاةَ من الملائكة، ممن في الأرضِ أو في السماء.



وقال: ظاهرهُ غفرانُ جميعِ الذنوبِ الماضية، وهو محمولٌ عند العلماءِ على الصغائر[2].



(13)

في الركوع والسجود

عن مطرِّف بن عبدالله بن الشخِّير، أن عائشةَ نبَّأته:

أن رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يقولُ في ركوعهِ وسجوده: "سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ ربُّ الملائكةِ والروح".

صحيح مسلم (487).



"سبُّوحٌ قدُّوس" معناهما مُسَبَّحٌ مُقدَّس، والمسبَّحُ: المبرَّأُ من النقائصِ والشريكِ وكلِّ ما [لا] يَليقُ بالإلهية، والمقدَّس: المطهَّرُ من كلِّ ما لا يليقُ بالخالق.



والروح: قيل: هو ملَكٌ عظيم، وقيل: جبريل...[3].



(14)

الملائكة في يوم الجمعة

عن أبي هريرةَ قال: قالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:

"إذا كان يومُ الجمُعةِ وقفَتِ الملائكةُ على بابِ المسجد، يَكتبونَ الأوَّلَ فالأول، ومَثَلُ المُهَجِّرِ كمَثَلِ الذي يُهدي بدَنَةً، ثم كالذي يُهدي بقرةً، ثم كَبشًا، ثم دَجاجةً، ثم بَيضةً، فإذا خرَجَ الإمامُ طَوَوْا صُحُفَهم، ويَستَمِعونَ الذِّكر".

صحيح البخاري (887)، صحيح مسلم (850) واللفظُ للأول.



المرادُ بطيِّ الصحف: طيُّ صحفِ الفضائلِ المتعلِّقةِ بالمبادرةِ إلى الجمعة، دون غيرها، من سماعِ الخطبة، وإدراكِ الصلاة[4].



(15)

الاجتماعُ على تلاوةِ كتاب الله

عن أبي هريرةَ رضيَ الله عنه قال: قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم:

"ما اجتمعَ قومٌ في بيتٍ من بيوتِ الله، يَتلون كتابَ الله، ويَتدارسونَهُ بينهم، إلّا نَزلتْ عليهم السكينة، وغَشيَتهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكرَهم اللهُ فيمن عنده".

جزءٌ من حديثٍ رواهُ مسلمٌ في صحيحه (2699).



السكينة: الوقار، والطمأنينة.

حفَّتهم الملائكة: أحاطتْ بهم ملائكةُ الرحمة.

ذكرهم الله: أثنَى عليهم، أو أثابهم.

فيمن عنده: من الأنبياءِ وكرامِ الملائكة[5].



(16)

حِلَق الذِّكر

عن الأغرِّ أبي مسلم أنه قال: أشهدُ على أبي هريرةَ وأبي سعيدٍ الخدريّ، أنهما شَهِدا على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ أنه قال:

"لا يَقعدُ قومٌ يَذكرون اللهَ عزَّ وجلَّ إلا حفَّتْهم الملائكة، وغَشيتهم الرحمة، ونزلتْ عليهم السكينة، وذكرَهم اللهُ فيمن عنده".

صحيح مسلم (2700).



الحديثُ السابقُ في تلاوةِ القرآنِ الكريم، وهذا عام، في مطلقِ الذكر.



(17)

الدعاء بظهر الغيب

عن أبي الدرداءِ رضيَ الله عنه، أنه سمعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلمَ يقول:

"مَن دعا لأخيهِ بظهرِ الغيب، قالَ الملَكُ الموكَّلُ به: آمين، ولكَ بمِثْلٍ".

صحيح مسلم (2732).



بظهرِ الغيب: معناه في غيبةِ المدعو له وفي سرِّه؛ لأنه أبلغُ في الإخلاص.



بمثل: أي عديله، سواء.



قال الإمامُ النوويُّ رحمَهُ الله تعالَى: وفي هذا فضلُ الدعاءِ لأخيهِ المسلمِ بظهرِ الغيب، ولو دعا لجماعةٍ من المسلمين حصلتْ هذه الفضيلة، ولو دعا لجملةِ المسلمين فالظاهرُ حصولُها أيضًا. وكان بعضُ السلفِ إذا أرادَ أن يدعوَ لنفسهِ يدعو لأخيهِ المسلمِ بتلكَ الدعوة؛ لأنها تُستجاب، ويَحصلُ له مثلُها[6].



(18)

صياح الديكة

عن أبي هريرةَ رضيَ الله عنه، أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:

"إذاسمِعتُمصِياحَالدِّيَكَةِفاسأَلوا اللهَ مِن فضلِه، فإنها رأَتْ ملَكًا، وإذا سمِعتُمنَهيقَ الحمارِ فتعوَّذوا باللهِ منَ الشيطان، فإنه رأى شيطانًا" .

صحيح البخاري (3127)، صحيح مسلم (2729).



ذكرَ الحافظُ ابنُ حجر أن للديكِ خصيصةً ليست لغيره، من معرفةِ الوقتِ الليلي، فإنه يقسطُ أصواتَهُ فيها تقسيطا لا يكادُ يتفاوت، ويوالي صياحَهُ قبل الفجرِ وبعده، لا يكادُ يخطئ، سواءٌ أطالَ الليلُ أم قصر.



قوله "فإنها رأتْ ملَكًا"، قال عياض: كان السببُ فيه رجاءَ تأمينِ الملائكةِ على دعائه، واستغفارهم له، وشهادتهم له بالإخلاص.



ويؤخذُ منه استحبابُ الدعاءِ عند حضورِ الصالحين...



وأن كلَّ من استفيدَ منه الخيرُ لا ينبغي أن يُسَبّ، ولا أن يُستهانَ به، بل يُكرمُ ويُحسَنُ إليه. "وإذا سمِعتُم نَهيقَ الحمارِ فتعوَّذوا باللهِ منَ الشيطان..": قال عياض: وفائدةُ الأمرِ بالتعوذ، لِمَا يُخشَى من شرِّ الشيطانِ وشرِّ وسوسته، فيُلجأُ إلى الله في دفعِ ذلك[7].



(19)

ساعة وساعة

عن حنظلةَ الأسيديِّ، قال: وكان من كتَّابِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال:

لَقِيَني أبو بكرٍ فقال: كيف أنتَ يا حنظلة؟



قال: قلت: نافقَ حنظلةُ!

قال: سبحان الله! ما تقول؟



قال: قلت: نكونُ عند رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، يذكِّرنا بالنارِ والجنةِ حتى كأنَّا رأيَ عَينٍ، فإذا خرجنا من عند رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، عافَسْنا الأزواجَ والأولادَ والضَّيعات، فنَسِينا كثيرًا.



قال أبو بكر: فواللهِ إنَّا لنَلقَى مثلَ هذا.



فانطلقتُ أنا وأبو بكرٍ حتى دخَلْنا على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قلتُ: نافقَ حنظلةُ يا رسولَ الله!



فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "وما ذاك؟".



قلتُ: يا رسولَ الله، نكونُ عندكَ تُذكِّرُنا بالنارِ والجنةِ حتى كأنَّا رأيُ عَينٍ، فإذا خرَجْنا من عندِكَ عافَسْنا الأزواجَ والأولادَ والضَّيعات، نَسينا كثيرًا.



فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "والذي نفسي بيده، إنْ لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذِّكر، لصافحَتْكم الملائكةُ على فُرُشِكم وفي طرُقِكم، ولكنْ يا حنظلةُ ساعةً وساعة". ثلاثَ مرات.

صحيح مسلم (2750).



على ما تكونون عندي: أي: من صفاءِ القلبِ والخوفِ من الله.



ساعة وساعة: أي: ساعةً كذا، وساعةً كذا، يعني لا يكونُ الرجلُ منافقًا بأنْ يكونَ في وقتٍ على الحضور، وفي وقتٍ على الفتور، ففي ساعةِ الحضورِ تؤدُّون حقوقَ ربِّكم، وفي ساعةِ الفتورِ تقضون حظوظَ أنفسكم [8].



(20)

يوم عرفة

قالت عائشةُ رضيَ الله عنها: إن رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:

"ما مِن يومٍ أكثرَ مِن أن يُعتِقَ اللهُ فيهِ عبدًا مِن النارِ مِن يومِ عرفةَ، وإنَّهُ ليَدنو ثم يُباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أرادَ هؤلاءِ؟".

صحيح مسلم (1348).



فيه بيانُ فضلِ يومِ عرفة.

قال ابنُ عبدالبرِّ رحمَهُ الله: وفي فضلِ يومِ عرفةَ دليلٌ أن للأيامِ بعضها فضلًا على بعض، إلا أن ذلك لا يُدرَكُ إلا بالتوقيف، والذي أدركنا من ذلك بالتوقيفِ الصحيح: فضلُ يومِ الجمعة، ويومِ عاشوراء، ويومِ عرفة، وجاءَ في يومِ الإثنينِ ويومِ الخميسِ ما جاء، وليس شيءٌ من هذا يُدرَكُ بقياس، ولا فيه للنظرِ مدخل[9].




[1] عون المعبود 3/ 60.

[2] فتح الباري 2/ 265.

[3] الديباج على مسلم 2/ 179.

[4] فتح الباري 2/ 367.

[5] ينظر عون المعبود 4/ 230.

[6] شرح النووي على صحيح مسلم 17/ 49.

[7] باختصار من فتح الباري 6/ 353.

[8] تحفة الأحوذي 7/ 126، 184.

[9] التمهيد 6/ 41.



ابوالوليد المسلم 29-06-2020 03:22 AM

رد: الأربعون الملائكية
 
الأربعون الملائكية (3 /4)
أ. محمد خير رمضان يوسف




(21)

تعاقب الملائكة واجتماعهم

عن أبي هريرةَ رضيَ الله عنه قال:

"الملائكةُ يَتعاقَبون، ملائكةٌ بالليل، وملائكةٌ بالنهار، ويَجتَمعون في صلاةِ الفجرِ والعصر، ثم يَعرُجُ إليه الذين باتوا فيكم، فيَسألُهم وهو أعلم، فيقول: كيف تركتُم عبادي؟ فيقولون: ترَكْناهم يُصَلُّون، وأتيناهم يُصَلُّون".



صحيح البخاري (3051)، صحيح مسلم (632)، واللفظ للأول.



معنى "يتعاقبون": تأتي طائفة بعد طائفة.



وأما اجتماعهم في الفجرِ والعصر، فهو من لطفِ الله تعالى بعبادهِ المؤمنين وتكرمةٌ لهم، أن جعلَ اجتماعَ الملائكةِ عندهم ومفارقتهم لهم في أوقاتِ عباداتهم واجتماعهم على طاعةِ ربِّهم، فيكونُ شهادتهم لهم بما شاهدوهُ من الخير[1].



(22)

الوصية بالجار

عن عائشةَ رضيَ الله عنها، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:

"ما زالَ جبريلُ يوصيني بالجارِ حتى ظننتُ أنه سيورِّثه".



صحيح البخاري (5669)، صحيح مسلم (2625)، ولفظهما سواء.



سيورِّثه: أي يأمرُ عن الله بتوريثِ الجارِ من جاره.



ويحصلُ امتثالُ الوصيةِ بالجارِ بإيصالِ ضروبِ الإحسانِ إليه، بحسبِ الطاقة، كالهدية، والسلام، وطلاقةِ الوجهِ عند لقائه، وتفقُّدِ حاله، ومعاونتهِ فيما يحتاجُ إليه، إلى غيرِ ذلك.



وكفُّ أسبابِ الأذَى عنه على اختلافِ أنواعه، حسِّيةً كانت أو معنوية[2].



(23)

حضور المريض أو الميت

عن أمِّ سلمةَ رضيَ الله عنها قالت: قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم:

"إذا حضرتُم المريضَ، أو الميِّتَ، فقولوا خيرًا، فإنَّ الملائكةَ يؤمِّنون على ما تقولون".



قالت: فلمَّا ماتَ أبو سلمةَ أتيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقلت: يا رسولَ الله، إنَّ أبا سلمةَ قد مات.



قال: "قولي: اللهمَّ اغفرْ لي وله، وأعقِبْني منه عُقبَى حسنة".



قالت: فقلتُ، فأعقبني اللهُ مَن هو خيرٌ لي منه: محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.

صحيح مسلم (919).



فيه الندبُ إلى قولِ الخيرِ حينئذ، من الدعاءِ والاستغفارِ له، وطلبِ اللطفِ به، والتخفيفِ عنه، ونحوه. وفيه حضورُ الملائكةِ حينئذٍ وتأمينُهم.



"فإنَّ الملائكةَ يؤمِّنون": أي يقولون "آمين"، على ما تقولون من الدعاء، خيرًا أو شرًّا.



"وأعقِبْني منه عُقبَى حسنة": أي عوِّضني منه عوضًا حسنًا[3].



(24)

الملائكة تتأذَّى..

عن جابر بنِ عبدالله، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:

"مَن أكلَ من هذه البَقلةِ، الثُّومِ، (وقالَ مرَّةً: مَن أَكلَ البصلَ والثُّومَ والكُرَّاثَ)، فلا يَقْرَبَنَّ مسجِدَنا، فإنَّ الملائكةَ تتأذَّى ممَّا يَتأذَّى منهُ بنو آدم".



صحيح البخاري (816)، صحيح مسلم (564)، واللفظُ للأخير.



(25)

السيئة

عن أبي هريرةَ رضي الله عنه، قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم:

"قالتِ الملائكة: ربِّ ذاكَ عبدُكَ يريدُ أن يعملَ سيِّئةً - وهو أبصرُ به - فقال: ارقُبُوهُ، فإِنْ عمِلَها فاكتُبوها لهُ بمثلِها، وإِنْ تركَها فاكتُبوها لهُ حسنة، إِنَّما تركَها من جرَّاي".



صحيح مسلم (129). وهو عند البخاري بلفظ آخر، أوله: "يقولُ الله: إذا أرادَ عبدي أن يعملَ سيئة...". صحيحه (7062).



من جرّاي: من أجلي.

ذكرَ ابنُ حجر رحمَهُ الله، أن تركَ المعصيةِ كفٌّ عن الشرّ، والكفُّ عن الشرِّ خيرٌ.



وأوردَ قولَ الخطّابي: محلُّ كتابةِ الحسنةِ على التَّرك، أن يكونَ التاركُ قد قدرَ على الفعلِ ثم تركه؛ لأن الإنسانَ لا يسمَّى تاركًا إلا مع القدرة. ويدخلُ فيه مَن حالَ بينه وبين حرصهِ على الفعلِ مانع، كأنْ يمشيَ إلى امرأةٍ ليزنيَ بها مثلًا، فيجدَ البابَ مغلقًا، ويتعسَّرَ فتحه[4].



(26)

الملائكة تحضر قراءة أُسيد

عن أُسَيدِ بنِ حُضَير قال:

بينما هو يقرأُ من الليلِ سورةَ البقرة، وفرسُهُ مربوطٌ عنده، إذ جالتِ الفرسُ، فسكتَ فسكتتْ، فقرأ، فجالتِ الفرسُ، فسكتَ وسكتتِ الفرسُ، ثم قرأ فجالتِ الفرسُ، فانصرف، وكان ابنُه يحيَى قريبًا منها، فأشفق أن تصيبَه، فلمّا اجترَّهُ رفع رأسَهُ إلى السماءِ حتى ما يراها، فلمّا أصبحَ حدَّثَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فقال:

"اقرأْ يا ابنَ حُضير، اقرأ يا ابنَ حُضَير".



قال: فأشفقتُ يا رسولَ اللهِ أن تطأَ يحيى، وكان منها قريبًا، فرفعتُ رأسي فانصرفتُ إليه، فرفعتُ رأسي إلى السماءِ، فإذا مثلُ الظُّلَّةِ فيها أمثالُ المصابيح، فخرجتُ حتَّى لا أراها.



قال: "وتدري ما ذاك

قال: لا.



قال: "تلكَ الملائكةُ، دَنَتْ لصوتِك، ولو قرأتَ لأصبحَتْ ينظر الناسُ إليها، لا تتوارَى منهم".

صحيح البخاري (4730)، صحيح مسلم (796). واللفظُ للأول.



فيه منقبةٌ لأُسَيدِ بنِ حُضير، وفضلُ قراءةِ سورةِ البقرةِ في صلاةِ الليل، وفضلُ الخشوعِ في الصلاة، وأن التشاغلَ بشيءٍ من أمورِ الدنيا ولو كان من المباح، قد يفوِّتُ الخيرَ الكثير، فكيف لو كان بغيرِ الأمرِ المباح؟[5].



(27)

محبة المؤمن

عن أبي هريرة، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:

"إذا أحبَّ اللهُ العبدَ نادَى جبريلَ: إنَّ اللهَ يحبُّ فلانًا فأحبِبْه، فيُحِبُّهُ جبريلُ، فيُنادي جبريلُ في أهلِ السماء: إنَّ اللهَ يحبُّ فلانًا فأحِبُّوه، فيُحِبُّهُ أهلُ السماءِ، ثم يُوضَعُ له القَبولُ في الأرضِ".



صحيح البخاري (3037)، صحيح مسلم (5637)، واللفظُ للأول.



قالَ الحافظُ ابنُ حجر رحمَهُ الله: المرادُ بالقبولِ في حديثِ الباب، قبولُ القلوبِ له بالمحبَّة، والميلُ إليه، والرضا عنه.



ويؤخَذُ منه أن محبَّةَ قلوبِ الناسِ علامةُ محبَّةِ الله، ويؤيِّدهُ ما تقدَّمَ في الجنائز "أنتم شهداءُ الله في الأرض".



والمرادُ بمحبَّةِ الله إرادةُ الخيرِ للعبد، وحصولُ الثوابِ له، وبمحبَّةِ الملائكة: استغفارُهم له، وإرادتُهم خيرَ الدارَين له، وميلُ قلوبهم إليه؛ لكونهِ مطيعًا لله، محبًّا له. ومحبَّةُ العبادِ له اعتقادُهم فيه الخيرَ، وإرادتُهم دفعَ الشرِّ عنه ما أمكن[6].



(28)

جبريل في الحرب

عن ابنِ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهما، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال يومَ بدر:

"هذا جبريلُ آخِذٌ برأسِ فرَسِه، عليه أداةُ الحرب".

صحيح البخاري (3773).



قال الشيخُ تقيُّ الدين السبكي: سُئلتُ عن الحكمةِ في قتالِ الملائكةِ مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، مع أن جبريَل قادرٌ على أن يدفعَ الكفارَ بريشةٍ من جناحه، فقلت: وقعَ ذلك لإرادةِ أن يكونَ الفعلُ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ وأصحابه، وتكونَ الملائكةُ مددًا، على عادةِ مددِ الجيوش؛ رعايةً لصورةِ الأسبابِ وسنَّتِها التي أجراها الله في عباده، والله سبحانهُ هو فاعلُ الجميع[7].



(29)

الملائكة تُظلُّ أبا جابر

قالَ جابر بنُ عبدِ اللهِ رضيَ اللهُ عنهما:

لَمَّا قُتِلَ أبي، جعلتُ أكشِفُ الثوبَ عن وجهِه، أبكي ويَنهونني عنه، والنبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لا يَنهاني، فجعلتْ عَمَّتِي فاطمةُ تَبكي، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم:

"تَبكِينَ أو لا تَبكِين، ما زالتِ الملائكةُ تُظِلُّهُ بأجنحتِها حتى رفعتمُوه".



صحيح البخاري (1187).

معناهُ أنه مكرَّمٌ بصنيعِ الملائكة وتزاحمهم عليه لصعودهم بروحه[8].



(30)

أفضل الملائكة

عن معاذ بن رفاعةَ بن رافع الزرقي، عن أبيه، وكان أبوهُ من أهلِ بدر، قال:

جاءَ جبريلُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال:

"ما تعدُّون أهلَ بدرٍ فيكم



قال: "من أفضلِ المسلمين" - أو كلمةً نحوها -.

قال: "وكذلك مَن شهدَ بدرًا من الملائكة".

صحيح البخاري (3771).



وكان الله تعالَ أمدَّ أهلَ بدرٍ ï´؟ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ المَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ï´¾ [سورة آل عمران:125].





[1] شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 133.




[2] ينظر فتح الباري 10/ 442.




[3] شرح النووي على صحيح مسلم 6/ 222، تحفة الأحوذي 4/ 46.




[4] فتح الباري 11/ 326.




[5] فتح الباري 9/ 64.




[6] فتح الباري 10/ 462.




[7] فتح الباري 7/ 313.




[8] فتح الباري 3/ 116.








ابوالوليد المسلم 29-06-2020 03:23 AM

رد: الأربعون الملائكية
 
الأربعون الملائكية (4 /4)
أ. محمد خير رمضان يوسف


(31)


جبريل لم يضع السلاح
عن عائشةَ رضيَ الله عنها:
أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لَمَّا رجعَ يومَ الخندق، ووضعَ السلاحَ واغتَسل، فأتاهُ جبريلُ وقد عصبَ رأسَهُ الغبارُ، فقال: وضعتَ السلاحَ؟ فوَاللهِ ما وضعتُهُ.

فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "فأين
قال: "ها هنا"، وأومأَ إلى بني قريظةَ.
قالت: فخرجَ إليهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم.
صحيح البخاري (2658).


(32)
الوسادة المصوَّرة
عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضيَ الله عنها:
أنها اشترتْ نُمْرُقَةً فيها تَصاوير، فلمَّا رآهَا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قامَ على البابِ فلم يَدخُلْه، فعَرفْتُ في وجههِ الكراهية، فقلت:
يا رسولَ الله، أتوبُ إلى اللهِ وإلى رسولهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، ماذا أذنبتُ؟

فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "ما بالُ هذهِ النُّمْرُقَة

قلت: اشتريتُها لكَ لتَقعُدَ عليها وتَوَسَّدَها.

فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "إنَّ أصحابَ هذهِ الصورِ يومَ القيامةِ يُعَذَّبون، فيُقالُ لهم: أحيُوا ما خَلقتُم".

وقال: "إنَّ البيتَ الذي فيهِ الصورُ لا تَدخُلُهُ الملائكة".
صحيح البخاري (1999)، صحيح مسلم (2107)، واللفظُ للأول.

النمرقة: الوسادة.
"يقالُ لهم أحيوا ما خلقتم": هو أمرُ تعجيز.

ويستفادُ منه: صفةُ تعذيبِ المصوِّر، وهو أن يُكلَّفَ نفخَ الروحِ في الصورةِ التي صوَّرها وهو لا يقدرُ على ذلك، فيستمرُّ تعذيبه[1].

(33)
الكلب والجرس
عن أبي هريرة، أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:
"لا تَصحَبُ الملائكةُ رفقةً فيها كلبٌ ولا جرس".
صحيح مسلم (2113).
يعني الكلبَ لغيرِ الصيدِ والحراسة.

واختُلِفَ في علَّةِ ذلك، فقيل: إنه لما نهَى عن اتِّخاذِ الكلب، عوقِبَ متَّخذهُ بتجنُّبِ الملائكةِ عن صحبته، فحُرِمَ من بركتِهم واستغفارهم وإعانتهم على طاعةِ الله، وقيل: لكونهِ نجسًا وهم المطهَّرون المقدّسون.

وأما الجرس، فقيل: سببُ منافرةِ الملائكةِ له أنه شبيهٌ بالنواقيس، أو لأنه من المعاليقِ المنهَى عنها، وقيل: سببهُ كراهةُ صوتها، وتؤيدهُ روايةُ مزاميرِ الشيطان[2].

(34)
الإشارة بالسلاح

عن أبي هريرةَ قال: قال أبو القاسم صلَّى الله عليه وسلَّم:
"من أشارَ إلى أخيهِ بحديدةٍ، فإنَّ الملائكةَ تَلعَنُه، حتَّى وإنْ كان أخاهُ لأبيهِ وأمِّه".
صحيح مسلم (2616).
فيه تأكيدُ حرمةِ المسلم، والنهيُ الشديدُ عن ترويعهِ وتخويفه، والتعرضِ له بما قد يؤذيه[3].
وإذا استحقَّ الذي يشيرُ بالحديدةِ اللعنَ، فكيف الذي يصيبُ بها؟
وإنما يستحقُّ اللعنَ إذا كانت إشارتهُ تهديدًا، سواء كان جادًّا أم لاعبًا.
وإنما أُوخِذَ اللاعبُ لِمَا أَدخلَهُ على أخيهِ من الروع.
ولا يخفَى أن إثمَ الهازلِ دون إثمِ الجادّ.
وإنما نهَى عن تعاطي السيفِ مسلولًا لِمَا يُخافُ من الغفلةِ عند التناول، فيَسقطُ فيؤذي[4].

(35)
امتناع المرأة لغير عذر
عن أبي هريرةَ رضيَ الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
"إذا دعا الرجلُ امرأتَهُ إلى فراشِهِ فأَبَت، فباتَ غضبانَ عليها، لعنَتْها الملائكةُ حتَّى تُصبح".

صحيح البخاري (3065)، صحيح مسلم (1436)، واللفظ للأول.

قال النوويُّ رحمَهُ الله: هذا دليلٌ على تحريمِ امتناعها من فراشهِ لغيرِ عذرٍ شرعي، وليس الحيض[5].

وقال المهلَّب: هذا الحديثُ يوجبُ أنَّ منعَ الحقوق، في الأبدانِ كانت أو في الأموال، مما يوجبُ سخطَ الله، إلا أن يتغمَّدها بعفوه[6].

(36)
تهديد أبي جهل

عن ابنِ عباس:
قال أبو جهل: لئنْ رأيتُ محمَّدًا يصلِّي عند الكعبةِ لأطأنَّ على عنقه.
فبلغَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: "لو فعلَ لأخذتْهُ الملائكة".
صحيح البخاري (4675).

(37)
المدينة محميَّة
عن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
"علىأنقابِالمدينةِملائكةٌ، لا يَدخلُها الطاعونُ ولا الدجَّال".
صحيح البخاري (6714)، صحيح مسلم (1376).
الأنقاب: جمعُ نَقب، وهو مثلُ الشِّعب، وهو الفرجةُ النافذةُ بين الجبلين،،وقيل: هو الطريقُ في الجبل.
وفي الحديثِ فضيلةُ المدينة، وفضيلةُ سكناها، وحمايتها من الطاعونِ والدجّال[7].

(38)
حرَم المدينة والحدَث فيها
عن أنس رضيَ الله عنه، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:
"المدينةُحَرَمٌمنكذاإلىكذا،لا يُقْطَعُ شَجَرُها، ولا يُحدَثُ فيها حَدَثٌ، مَن أَحدثَ فيها حَدَثًا فعليهِ لعنةُ اللهِ والملائكةِ والناسِ أجمعين".

صحيح البخاري (1768)، صحيح مسلم (1366)، واللفظُ للأول.
قال القاضي عياض: معناه: من أتَى فيها آثمًا، أو آوى من آتاه، وضمَّهُ إليه وحماه.

قوله: "عليه لعنةُ الله" إلى آخره، هذا وعيدٌ شديدٌ لمن ارتكبَ هذا، قال القاضي: واستدلُّوا بهذا على أن ذلك من الكبائر؛ لأن اللعنةَ لا تكونُ إلا في كبيرة، ومعناهُ أن الله تعالى يلعنه، وكذا يلعنهُ الملائكةُ والناسُ أجمعون. وهذا مبالغةٌ في إبعادهِ عن رحمةِ الله تعالى، فإن اللعنَ في اللغةِ هو الطرد[8].

(39)
الدجال بعيد عن مكة والمدينة
عن أنس بنِ مالكٍ رضيَ الله عنه، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال:
"ليسَ من بلدٍ إلا سيَطؤُه الدَّجَّال، إلا مكةَ والمدينةَ، ليس له من نِقابِها نَقبٌ إلا عليه الملائكةُ صافِّين يَحرسونَها، ثم تَرجفُ المدينةُ بأهلِها ثلاثَ رجَفات، فيُخرِجُ اللهُ كلَّ كافرٍ ومنافق".

صحيح البخاري (1782)، صحيح مسلم (2943)، واللفظُ للأول.

(40)
الملائكة يجرُّون جهنَّم
عن عبدالله [بن مسعود] قال: قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
"يؤتَى بجهنَّمَ يومَئذٍ لها سبعونَ ألفَ زِمام، مع كلِّ زِمامٍ سبعونَ ألفَ مَلَكٍ يَجرُّونها".
صحيح مسلم (2842).

"يؤتَى بجهنم" أي: يؤتَى بها من المكانِ الذي خلقها الله تعالَى فيه. ويدلُّ عليه قولهُ تعالَى فيه: ï´؟ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ï´¾ [سورة الفجر: 23].

والزمام: ما يُشَدُّ به[9].


المراجع: [10]

♦ تحفة الأحوذي/ المباركفوري.- بيروت: دار الكتب العلمية [التراث].


♦ التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد/ ابن عبد البر القرطبي؛ تحقيق مصطفى أحمد العلوي وآخرين.- الرباط: وزارة الأوقاف، 1401هـ -... [التراث].

♦ الديباج على مسلم/ جلال الدين السيوطي [التراث].

♦ شرح النووي على صحيح مسلم.- ط2.- بيروت: دار إحياء التراث، 1392 هـ [التراث].

♦ صحيح البخاري/ تحقيق مصطفى ديب البغا.- ط3.- بيروت؛ دمشق: دار ابن كثير: دار اليمامة، 1407 هـ [التراث].

♦ صحيح مسلم.- بيروت: دار ابن حزم، 1416هـ.

♦ عون المعبود شرح سنن أبي داود/ محمد شمس الحق العظيم آبادي.- ط2.- بيروت: دار الكتب العلمية، 1415 هـ [التراث].

♦ فتح الباري: شرح صحيح البخاري/ ابن حجر العسقلاني.- بيروت: دار المعرفة، 1379هـ [التراث].

[1] فتح الباري 10/ 384.
[2] ينظر عون المعبود 7/ 162، تحفة الأحوذي 5/ 292، شرح النووي على صحيح مسلم 14/ 95.
[3] شرح النووي على صحيح مسلم 16/ 170.
[4] فتح الباري 13/ 25.
[5] فتح الباري 9/ 294.
[6] شرح النووي على صحيح مسلم 10/ 7.
[7] شرح النووي على صحيح مسلم 9/ 148، 153.
[8] شرح النووي على صحيح مسلم 9/ 140. ويبدو أن اختيار القاضي هو أن اللعنة هنا بمعنى العذاب الذي يستحقه على ذنبه، والطرد عن الجنة أول الأمر، وليس هي كلعنة الكفار الذين يُبعدون من رحمة الله كل الإبعاد... يراجع الديباج على مسلم 3/ 409.
[9] تحفة الأحوذي 7/ 248.
[10] المراجع التي وضع في آخرها لفظ [التراث] هكذا بين معقوفتين، هي للأقراص المدمجة التي أصدرها مركز التراث للبرمجيات في الأردن.




الساعة الآن : 09:38 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 107.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 107.54 كيلو بايت... تم توفير 0.22 كيلو بايت...بمعدل (0.20%)]