منافع الصيام
منافع الصيام الدكتور محمد ولد سيدي عبدالقادر الصيام فريضةٌ عظيمة، وركنٌ من أركان الإسلام؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ: شهادةِ أن لا إله إلا الله وأنَّ محمَّدا رسولُ الله، وإقامِ الصلاة، وإيتاءِ الزكاة، وحجِّ البيت، وصومِ رمضان)). وقد فرَضَه الله علينا كما فرضه على مَن قبلَنا؛ فقال – تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 183-185]. والصيام من العبادات التي قد تَشُقُّ على النفس؛ لما فيه من ترْك ملاذِّ النفس: من طعام وشهوة وانتصار للنفس، وقد فرضه الله بصيغة الكَتْبِ التي هي من آكد صيغ الفرض، والتي كثيرًا يُفرض بها ما فيه مشقةٌ على النفس، كالقتال والقَصَاص؛ قال - تعالى -: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]، فهَوَّنه بما جعل فيه من الخيريَّة وأوكَلَ علم ذلك إليه؛ وقال – تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 178-179]، وهوَّنَ ذلك بقوله: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}، فبيَّن حكْمتَه، وما جعل فيه من حقْنِ الدماء، ولما فرض الصيامَ بصيغة الكَتْب وهوَّن أمرَه بمهونات كثيرة منها: 1- أنه كتبه على مَن قبلنا، فلسْنَا فيه بِدَعًا من الأمم فقال: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183]، والأمر إذا عَمَّ هَانَ على النفس. 2- أنه جعله سبيلاً لتحصيل التقوى؛ فقال: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]، ومَن حصَّل التقوى حصَّل الخيرَ كلَّه؛ فالتقوى: هي وصيَّة الله للأوَّلين والآخرين؛ قال – تعالى -:{وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: 131]، وهي التي لا يتقبَّل الله إلاَّ من أهلها؛ قال – تعالى -: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]. ولهم أُعدَّتِ الجنة وما فيها: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} [الطور: 17]، {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} [القمر: 54]. 3- أنه جعله أيَّامًا معدودات؛ فقال: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 184]، وهي المفسَّرة بشهر رمضان، فهو شهرٌ واحدٌ من سنة كاملة لم يَكتبِ الله عليك غيرَه، وما كان معدودًا محصورًا يهون على النفس؛ ألاَ ترى أنَّك لو قلتَ لمن تعاقبُه سأُجنِّبُك شهرًا كان أهونَ على النفس من وعيد مطلق؛ فإن المحدَّد أهونُ على النفس من المطلق. 4- أنه أسقطه عن المريض حتى يبرأَ، وعن المسافر حتى يؤوب: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضَّا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]. 5- أنه جعل له بدلاً على مَن شقَّ عليه مشقةً لا يترقَّب زوالَها؛ كالمريض مرضًا مُزمنًا لا يُرجى بُرْؤُه، والشيخ الهَرِم؛ فقال: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]، على مَن يرى أنَّ الآية محكمةٌ في ذلك، وهناك مَن يرى أنها منسوخةٌ، وأن ذلك كان للتخيير قبل أن يُلزَمَ الناسُ بشهر رمضان. 6- أنه جعل فيه الخيريةَ المطلقة فقال: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 184]. 7- أنه خصَّ بفرضه شهرًا عظيمًا، شَرَّفَه من بين الشهور بهذه العبادة، واختاره بأنْ جعله ظرفًا لنزول أشرف كتاب على أشرف رسول لخير أمة؛ فقال: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]. وشهرٌ هذه منزلتُه حُقَّ له أنْ يُخَصَّ، وأنْ يهونَ على النفس ما خُصَّ به لعظيم مكانته. 8- التأكيدُ على سقوطه عن المريض حتى يبرأَ، والمسافر حتى يؤوب؛ حيثُ جاء ذلك مكرَّرًا في هذا النص على إيجازه: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185]. 9- بيان أنَّ هذا التكليف، وذلك التخفيف إنما هو لإرادةِ اليُسْر لنا، وتحقيق الهداية التي بها سعادتُنا، وذكر الله الذي به اطمئنانُنا؛ فقال: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185]. 10- أنَّه سبيلٌ لتحقيق شكر الله على ما أنعم به علينا من إنزال القرآن وإكمال الدين: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185]. 11- أنه هوَّنه بما جَعَل فيه من المنافع الدنيويَّة والأخرويَّة. فمن المنافع الأخروية للصيام: 1-تحقيقُ التقوى التي لا يَعلمْ ثوابَ أصحابها إلاَّ الله وحده، فهم الذين يَتقبَّل الله منهم؛ {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]، وهم الموعودون بالجَنَّة وما فيها من نعيم لا يعلم كُنْهَه إلاَّ الله: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [القلم: 34]، والتي قال الله عنها: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف: 71]، وقال عنها رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ في الجنة ما لا عينٌ رأتْ، ولا أُذُنٌ سمعتْ، ولا خطرَ على قلبِ بشر)). فمن حقَّق التقوى نال الخيرَ كلَّه في الدنيا والآخرة، والصوم من أهمِّ وسائلِ تحقيق التقوى؛ ولهذا قال – تعالى - في تعليل الأمر به: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]. 2- محوُ الذنوب والآثام؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن صام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه))، ومَن غُفِرت ذنوبُه ومُحيَتْ آثامُه، عَظُم أجرُه عند ربه ودخل جنَّةَ ربِّه بلا عقابٍ؛ لمحو آثامه وغفران سيئاته. 3- الثوابُ الجزيل الذي لا يَعلم قدرَه إلاَّ الله - سبحانه وتعالى - ففي الحديث القدسي: ((كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلاَّ الصومَ، فإنَّه لي وأنا أَجزِي به، تَرَك طعامَه وشرابَه وشهوتَه من أجلي)). 4- دخولُ الجنة من بابٍ خاصٍّ بالصائمين لا يدخلُ منه غيرُهم؛ ففي الصحيحين من حديث سهلِ بنِ سعدٍ - رضي الله عنه - عن النَّبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((إنَّ في الجنة بابًا يُقال له: الرَّيَّان، يدخلُ منه الصائمون يومَ القيامة، لا يدخل منه أحدٌ غيرُهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحدٌ غيرُهم؛ فإذا دخلوا أُغلقَ لم يدخل منه أحد))؛ متفق عليه. 5- الصيام سبب للمباعدة من النار؛ ففي الصحيحين من حديث أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ -رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما مِن عبدٍ يصوم يومًا في سبيل الله إلاَّ باعد اللهُ بذلك اليوم وجهَه عن النار سبعين خريفًا))؛ متفق عليه. 6- وفي رمضان تُفتح أبوابُ الجنة، وتُغلَّقُ أبوابُ النار، وتُصفَّدُ الشياطين؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذا جاء رمضانُ فُتِّحتْ أبوابُ الجنة، وغُلِّقتْ أبوابُ النار، وصُفِّدتِ الشياطين))؛ متفق عليه. 7- الفرح بلقاء الله وثواب الصوم؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((للصائم فرحتان يفرحُهما: إذا أفطر فَرِح بفطره، وإذا لَقِي ربَّه فَرِح بصومه))؛ متفق عليه. ولا يَفرَحُ بصومه حينئذ إلا لفَرَحه بعظيم ما أعدَّ الله له من الجزاء العظيم. وأمَّا المنافع الدنيويَّة للصيام فهي: منافع عظيمة ذاتُ محاورَ متعددة منها: الصحيُّ، والنفسيُّ، والاجتماعيُّ، والعسكريُّ. أولاً: المنافع الصحية: للصيام فوائدٌ صحية: علاجية، ووقائية، ومن تلك الفوائد العظيمة التي أثبتَتْها الدراساتُ العلمية: 1- أن الصيام من أهمِّ سُبُل الوقاية من أمراض السُّمْنة، وأخطارها المترتبة عليها: كالسكر وضغط الدم وبعض أنواع العقم. 2- الصيام يَقِي الجسم من كثير من الزيادات الضارة مثل: الحَصْوة، والرواسب الكلسية، والزوائد اللحميَّة، والأكياس الدُّهنِيَّة، والأورام في بداية تكونها. 3- الصيامُ وقايةٌ - بإذن الله - من مرض النقرس الذي تُسبِّبُه زيادة التغذية والإكثار من اللحوم. 4- الصيام وقاية – بإذن الله - من تصلُّب الشرايين وانسدادها؛ لأنَّ الصومَ يُنقصُ مستوى الدُّهون في الجسم، مما يُنقص مستوى مادة الكولسترول، وهي المادة التي تترسَّب بزيادة معدلاتها؛ لتكوِّنَ انسدادَ الشرايين وتصلُّبَها، كما تُسبِّب تجلُّطَ الدم في شرايين القلب والمخ. 5- الصيام يقي الجسم - بإذن الله - من تَكوُّنِ حَصَيَات الكُلَى؛ إذ يرفع الصيام معدَّلَ الصوديوم في الدم؛ فيمنعُ تبلور أملاح الكالسيوم المسببة للحصى. 6- الصيام يقوِّي جهازَ المناعة، فيقي الجسم - بإذن الله - من أمراض كثيرة؛ ففي الصيام: أ) يتحسَّن المؤشر الوظيفيُّ للخلايا اللمفاوية عشرة أضعاف ما كانت عليه. ب) وفي الصيام تزدادُ نسبةُ الخلايا المسؤولة عن المناعة. ج) وفي الصيام ترتفعُ نسبةُ الأجسام المضادَّة للأمراض في الجسم؛ فتنشطُ الرُّدودُ المناعية الدفاعية. 7- الصيام يُحسِّنُ مستوى الخصوبة لدى الرجال والنساء؛ فيرتفعُ معدَّلُ احتمالات الإنجاب، وقد قامتْ (جامعة الملك عبدالعزيز بِجَدَّة) بدراسة علميَّة أكَّدتْ ذلك، وأثبتَتْ أنَّ أكثرَ حالات الحمل في المملكة بعد شهر رمضان. 8- الصيام يُخلِّص الجسمَ، ويقيه من أمراض السُّموم المتراكمة في خلاياه، وبين أنسجته من جرَّاء تناول الأطعمة، كما يُخلِّصُه من بقايا سموم الأدوية. 9- الصيام يُمكِّن الجهازَ الهضميَّ من استراحة فسيولوجية؛ مما يساعده على استعادة وتحسين أدائه. 10- الصوم يُفتِّح الذِّهنَ ويقوِّي الإدراك. 11- الصيام يُحسِّن أداءَ (البنكرياس)؛ فقد ثبت علميًّا أن (البنكرياس) يتحسَّن أداؤه بمجرَّد عكس العادة الغذائية. 12- الصيام يُهذِّبُ الغريزةَ الجنسية: ((يا معشرَ الشبابِ، مَن استطاع منكم الباءَةَ فلْيتزَوَّجْ؛ فإنَّه أغضُّ للبصر، وأحصنُ للفرج، ومَن لم يستطعْ فعليه بالصوم؛ فإنَّه له وجاءٌ))، ومن ثَمَّ فإنه يُبعد الصائمَ عن الممارسات الجنسيَّة الخاطئة، وما يترتَّب عليها من أمراض جسديَّة ونفسيَّة، حتى إن عقلاءَ الغرب أصبحوا يُنادُون به؛ للحد من جحيم الشهوة الجنسية، وما جرَّتْه على مجتمعاتهم من أمراض جسديَّةٍ ونفسيَّة واجتماعية. 13- للصيام أثرٌ في شفاء كثير من الأمراض - بإذن الله - فهو يفيدُ في علاج الأمراض الآتية: أ- الأمراض الناتجة عن السُّمْنَة: كمرض تصلُّب الشَّرايين، وضغطِ الدم، وبعض أمراض السكر. ب- بعضُ أمراض الدورة الدمويَّة؛ مثل: مرض (الريتود). ج- الصيام يُساعد على شفاء مرض المفاصل (الروماتيود). د- الصيام يُفيد في علاج قُرحة المعِدَة، وبعض حالات السكر. ثانيًا: المنافع النفسية: (الصيام والصحة النفسية): للصيام أثرٌ عظيم على الصحة النفسيَّة؛ فهو أهمُّ عوامل الاستقرار النفسيِّ، ويتجلَّى ذلك فيما يلي: 1- أن الصيام سبيلٌ لتحقيق التقوى التي وعد الله أهلَها بالسعادة في الدارين؛ قال – تعالى -: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2-3]، والمخرج الموعود به هنا عامٌّ في كلِّ ما يُهمُّه ويُؤرِّق مضجعَه، وضَمِن له الرزقَ فقال: {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبْ}، ومَن كُفِي رزقُه وهمُّه فلا تَسَلْ عن عظيم سعادِته، وهل يُقلِقُنا في الدنيا إلا همومُ الرزق والحياة ومتاعبها؟! وكلُّ ذلك ضمَّنه الله لمن حقَّق التقوى. وقال – تعالى -: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: 4]، وهذا وعدٌ آخرُ بتيسير الأمور كلِّها، أمورِ الدنيا والآخرة، وهو وعدٌ لمن اتَّقى الله بأن يُيَسِّرَ له أمرَه كلَّه، أمرَ عبادته وعلاقته بربه؛ فيَهَبُه حلاوةَ الإيمان، ولذَّةَ العبادة، وأمورَ دنياه كلِّها، أمرَ رزقِه، وعمله، وشؤون خاصَّته وعامَّته. وقال – تعالى -: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق: 5]، وهذا وعدٌ آخرُ له أثرُه في النفس، واستقرارها وسعادتها، فكم من ذنوبٍ أقلقتْ صاحبَها وحرَمَتْه لذَّةَ الحياة وسعادتها والأُنْس فيها، وحجبَتْ عنه التوفيقَ والتسديد! فتراه مُشتَّتَ الخاطر، عكرَ المزاج، قد أقلقتْه سيئاته وأقضَّتْ مضجعَه، وهذا وعد من الله لمن اتَّقاه بأنَّه يُكفِّر عنه سيِّئاته، وليس الوعد بالتكفير فحسب، بل يُعْظِم له أجرَه، ويُبدِّلُ سيئاتِه حسنات، إنْ أحسن التوبةَ والرجوع إلى الله بصدق واتَّقى الله؛ {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 70]، ومَن جعل الله له مِن كلِّ ضيق مخرجًا، ومن كلِّ همٍّ فرجًا، ويسَّر له أمرَه كلَّه، ورزَقَه من حيثُ لا يحتسب، ووفَّقه لحسن عبادته والأنس بمناجاته، فلا تَسَلْ عن سعادته وعظيم استقرار نفسِه؛ يؤكِّد ذلك ما قاله أحد العُبَّاد: "لو عَلِم الملوك ما نحن فيه - يَعنِي من السعادة - لجالدونا عليه بالسيوف". 2- الصيام سبيلٌ لتخليص النفس من ثوران الشهوة ووسوستِها، وما يَتْبَعُ ذلك من نظرٍ يورثُ تعلُّقًا محرَّمًا - وربما يكون ذلك التعلُّقُ بما لا مطمعَ في إدراكه، فيعود ذلك على المرء بالحسرة التي لا تُفارقُه - أو فعلٍ محرَّم يُورثُه الحسرةَ والندامة، وربما الأمراضِ التي تُورثُه الشقاءَ الدنيويَّ قبل العذاب الأخروي؛ ولهذا قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا معشرَ الشباب من استطاع منكم الباءَةَ فلْيتزوجْ؛ فإنه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج، ومَن لم يستطعْ فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)). 3- الصيام يقي الجسدَ - بإذن الله - من كثير من الأمراض، ويشفي من كثير منها - كما تقدَّم في المحور الصحي - مما يعود على النفس بالراحة والسعادة الصحية، وقديمًا قيل: "العقل السليم في الجسم السليم"، وقيل: "الصحة تاجٌ على رؤوس الأصحاء، لا يراه إلا المرضى". 4- في الصيام حسنُ العَلاقة بالله والشُّعورُ بقربه ومعيَّته؛ فهو سبيل إلى تحقيق درجة الإحسان التي هي أعلى مراتب الإيمان؛ قال - تعالى - في الحديث القدسي: ((كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلاَّ الصومُ فإنه لي وأنا أجزي به، تَرَك طعامَه وشرابَه وشهوتَه من أجلي))، فالصائم يُمكِنه أن يتوارَى عن عيون الناس ويأكلَ ويشربَ ويأتيَ شهوتَه، ولكنه لا يفعلُ؛ لعلمه باطِّلاع الله عليه، وتلك مرتبةُ الإحسان التي عرَّفها النَّبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقوله: ((أنْ تعبدَ اللهَ كأنَّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)). والشعور بمعيَّة الله والأنْسُ به أعلى مقامات سعادة النفس وطمأنينتها، فلا تحزنْ لنُزول مُصابٍ؛ لعلمها بأنَّ الله مطَّلعٌ عليه، وما قدَّره إلاَّ لخير يِريدُه بها: ((عجبًا لأمر المؤمن؛ إنَّ أمرَه كلَّه له خيرٌ، وليس ذلك إلا للمؤمن، إنْ أصابتُه سرَّاءُ شَكَر فكان خيرًا له، وإن أصابتْه ضرَّاءُ صَبَر فكان خيرًا له)). 5- الصوم يهذِّب النفسَ ويكسر سورتَها؛ مما يعود عليها بالهدوء والسكينة، والراحة والطمأنينة؛ يقول أبو حامد الغزالي - رحمه الله -: "الصيامُ زكاةٌ للنفس، ورياضةٌ للجسم؛ فهو للإنسان وقايةٌ، وللجماعة صيانةٌ، وفي جوع الجسم صفاءُ القلب، وإنقاذُ البصيرة؛ لأن الشِّبع يُورث البلادة، ويعمي القلب، ويكثر الشجار؛ فيبلد الذهن، وقد اتَّخذته كثير من الفرق سبيلاً لتهذيب النفس، ولكنَّها ربما غالتْ في ذلك حتى ظلمتِ الجسد، وللجسد حقٌّ كما للنفس حق، ولكنَّ دينَنا دينُ الوسطيَّة، لَزِم الاعتدالَ في ذلك، وأعطى كلَّ ذي حقٍّ حقه". وللموضوع تتمة https://dl.dropbox.com/u/63580683/a874.gif |
الساعة الآن : 10:00 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour