موقف الإسلام من الرسم
أ. صالح بن أحمد الشامي





هل حرم الإِسلام الرسم؟ أم أباحه؟

إن الإِجابة عن هذا السؤال هي محور الموضوع في هذا الفصل، هذا الأمر الذي خاض فيه كل كاتب عن الفن الإِسلامي، باعتباره ركيزة أساسية تُلقى منها الأضواء على قضية الفن بكاملها.




وقبل أن نقف أمام النصوص، نحب أن نعرض أقوال هؤلاء الكتاب والعلماء لنكون على إلمام عام بالجوِّ الذي يحيط بالمسألة:

آراء في بيان موقف الإِسلام:

إن العدد الكبير من الباحثين الذين اهتموا بالفن الإِسلامي - باستثناء الدراسات الأدبية - هم من الغربيين، كما يقول الدكتور إسماعيل فاروفي، ولا شك بأنهم أنجزوا الكثير في هذا الميدان بعد بذل جهود مضنية من البحث، ولا شك أن ما قدموه يُعدُّ مراجع ضرورية في مكتبة الفن الإِسلامي، والاعتراف بالجميل لا يمنع من بيان بعض آرائهم التي كان من ورائها حقدهم أو استشراقيتهم أو سوء فهمهم.




إن غالب هؤلاء متفقون على أن فن الرسم الإِسلامي تنعدم فيه العناصر الشخصية، أو بتعبير آخر: إنه قد ابتعد عن تصوير الأشخاص. ثم ذهبوا في تفسير هذه الظاهرة إلى تفسيرات متعددة:

• "يرى م. س. ديماند: أن السبب هو: تحريم الإِسلام لذلك، وأن قاعدة التحريم الصارمة هذه لم تستطع كسرها إلا طائفة "الشيعة"، الطائفة الأكثر تحررًا، كما يسميهم".




• "ويرى ت. و. أرنولد أن السبب هو تحريم الإِسلام رسم الأشخاص، هذا التحريم الذي جاء بالتأكيد - حسب رأيه - نتيجة تأثير اليهود الذين دخلوا في الإِسلام.




وهذا التحريم - في رأيه - منافٍ للطبيعة البشرية.




ثم يرى بعد ذلك: أن الإِسلاميين حين رسموا الأشخاص، كانت رسومهم تدل على بلادة الفنان المسلم، وعدم التجاوب العاطفي لديه".




• ويرى المستشرق الألماني "فون شاك" أن القرآن ليس فيه ما يحرم التصوير، وأن أحاديث الرسول الشفهية الكثيرة.. لا تمثل وحدها حكمًا قاطعًا؟!! وأن المنع من التصوير لم يحدث أبدًا. ولم يحرم التصوير بصورة حاسمة ومؤكدة، حتى ولا تصوير الشخصيات الإِنسانية نفسها..



ثم يقول:

"ولم يحدث أبدًا أن حرمت قواعد الدين على المسلمين استخدام الصور، وكل ما هنالك أن المؤمنين الطيبين كانوا على حذر منها، ولم يحل ذلك دون استخدامها منذ بدء الإِسلام".




ويتبين من هذه النماذج أن من خلفها باعثًا واضحًا، وهو العمل على الطعن بالإِسلام والمسلمين، يشترك في ذلك الذين ذهبوا إلى التحريم، والذين ذهبوا إلى عدمه. فأما الذين قالوا بتحريم الرسم فهم يرون:

• أن هذا التحريم ناتج عن تأثير اليهود الذين دخلوا في الإِسلام!!




• وأن تحريم الإِسلام للرسم منافٍ للطبيعة البشرية، ولذلك لا على المسلمين إذا خرجوا على أوامر دينهم.؟!




• وأن المسلمين لم يطبقوا أمر التحريم ولكنهم لم يرتقوا إلى فن التصوير الشخصي الذي يعنى بالعواطف.. فرسومهم تدل على بلادة الفنان المسلم.




وأما الذين قالوا بعدم التحريم، فقد ذهبوا إلى نفي أن تكون السنة مصدرًا للتشريع، وطعنوا في أحكامها!!




ذلك موقف الغربيين. فما هو موقف علماء الجمال المسلمين في العصر الحاضر من هذه القضية؟




نترك الجواب للنص الآتي الذي ننقله من كتاب من هذه الكتب.

"ولكننا مع هذا يجب أن نشير إلى أن رجال الشرع قد تدخلوا بالمنع والتحريم لبعض الفنون، وبذلك عطلوا توجيه الإِحساس بالجمال عند المسلمين إلى موضوعات هذه الفنون، بل لقد تعطل إنتاجها تمامًا في بعض البلاد الإِسلامية في المشرق، ونخص منها بالذكر النحت، فقد خيل لرجال الشرع أن صنع تماثيل على هيئة المخلوقات إنما يعد مشاركة للخالق في صنعه ولكن الواقع أن السبب الحقيقي الذي يكمن وراء هذا التحريم هو مخافة رجال الشرع من أن ينتكس المسلمون إلى عبادة الأوثان، فجاء المنع حتى لا ترتبط شواهد هذا الفن من تماثيل بشرية أو حيوانية بذكريات العرب في الجاهلية على أصنامهم، وكأن رجال الشرع يريدون أن يقطعوا الصلة تمامًا بين هذا الماضي الوثني، والحاضر الإِسلامي".




"ولم يمنع هذا التحريم المسلمين في الأندلس من أن يبرعوا في فن النحت فتصدر عنهم وحدات فنية رائعة..".




ويلاحظ على هذا النص أنه،

• ذهب إلى أن التحريم قد عطل الإِحساس بالجمال في هذه الفنون.




• كما عطل إنتاج هذه الفنون.. وبخاصة النحت.




• وأن المسلمين لم يلتزموا بأوامر دينهم..




• وأن التحريم صدر عن "رجال الشرع" فهؤلاء الرجال هم الذين يحللون وهم الذين يحرمون، وكأن الشرع نفسه لا وجود له، ولا مصادر تحفظه؟!




• ورجال الشرع إذ يفعلون ذلك إنما يفعلونه لا بناء على نص وإنما تبعًا لخوفهم من الانتكاس في الجاهلية.




ونتصور ونحن نقرأ هذا النص أننا أمام رجال الكهنوت في الكنيسة حيث يصدر الحكم بالتحليل أو بالتحريم.. الأمر الذي لا يقول به مسلم له أدنى ثقافة!!




وهناك كتاب آخرون عزَّ عليهم أن يحرم الإِسلام التصوير فذهبوا يخرِّجون النصوص ويلتمسون السبيل في تخصيصها أو تقييدها.





إسماعيل فاروقي. مقال بعنوان: التوحيد والفن، في مجلة المسلم المعاصر العدد 23 عام 1400.




الفن العربي في اسبانيا وصقلية. تأليف: فون شاك، ترجمة: د. الطاهر أحمد مكي ط: دار المعارف بمصر ص 6 - 7.




فلسفة الجمال ونشأة الفنون الجميلة. د. محمد علي أبو ريان ص 18 ط دار المعرفة الجامعية 1985. وانظر أيضًا ص 231 فصل: جماليات الفن الإِسلامي. ففيه مغالطات كثيرة.





سنناقش أقوال المستشرقين الواردة في هذه الفقرة في فصل قادم تحت عنوان (ردود على مطاعن).