ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   الملتقى الاسلامي العام (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=3)
-   -   تذكير أهل الطاعة بأقسام الشفاعة (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=227662)

ابوالوليد المسلم 27-02-2020 06:19 PM

تذكير أهل الطاعة بأقسام الشفاعة
 
تذكير أهل الطاعة بأقسام الشفاعة


أبو بكر بن محمد بن الحنبلي



الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، ثم أما بعد:‏


فالشفاعات: جمع شفاعة.‏





تعريف الشفاعة لغة: جعل الشيء شفعًا.‏





تعريف الشفاعة اصطلاحًا: التوسط للغير بجلب منفعة، أو دفع مضرة.‏





مناسبة الشفاعة لاشتقاقها ظاهرة؛ لأنك إذا توسطت له، صرت معه شفعًا تشفعه‏‏.‏





مثال توضيحي لتعريف الشفاعة:‏


أ - شفاعة بدفع مضرة: تتمثل في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الموقف أن ‏يُقضى بينهم.‏


ب - شفاعة بجلب منفعة: شفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل الجنة أن يدخلوها.‏





والشفاعة تنقسم إلى قسمين: ‏


أ - شفاعة باطلة.‏


ب - شفاعة صحيحة.‏


أ - فالشفاعة الباطلة: ما يتعلق به المشركون في أصنامهم، حيث يعبدونهم ‏ويزعمون أنهم شفعاء لهم عند الله، كما قال تعالى: ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ﴾ [يونس: 18]، ‏ويقولون: ﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾ [الزمر: 3]، لكن هذه ‏الشفاعة باطلة لا تنفع، كما قال تعالى: ﴿ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ﴾ [المدثر: 48].‏





ب - الشفاعة الصحيحة: وهي ما جمعت شروطًا ثلاثة: ‏


الأول: رضا الله عن الشافع.‏






الثاني: رضاه عن المشفوع له، لكن الشفاعة العظمى في الموقف عامة لجميع الناس؛ ‏من رضي الله عنهم، ومن لم يرضَ عنهم.‏





الثالث: إذنه في الشفاعة.‏


والإذن لا يكون إلا بعد الرضا عن الشافع والمشفوع له، ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ﴾ [النجم: 26]، ولم يقل: عن الشافع، ولا المشفوع له؛ ليكون أشمل.‏





وقال تعالى: ﴿ يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ﴾ [طه: 109].‏





وقال سبحانه: ﴿ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ﴾ [الأنبياء: 28].


فالآية الأولى: تضمنت الشروط الثلاثة.‏


والآية الثانية: تضمنت شرطين.‏


والآية الثالثة: تضمنت شرطًا واحدًا.‏





وأحب هنا أن أنبِّه على خطأ يقع فيه بعض المسلمين، ألا وهو قولهم: "يا محمد، ‏اشفع لي"، والصواب أن تقول: اللهم شفع فيَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم، أو ‏تقول: اللهم ارزقني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، أو تقول: اللهم لا ‏تحرمني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم.‏





فالشفاعة مِلكٌ لله عز وجل، ولو أنك دققت النظر وأمعنته وعقلت بقلبك قوله تعالى ‏في أعظم آية في القرآن: ﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ [البقرة: 255]، وجدت أن ذكره جل وعلا الشفاعة بعد قوله ‏تعالى: ﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ ﴾ [البقرة: 255] يفيد أن هذا الملك الذي هو خاص بالله عز وجل ملك تام السلطان، بمعنى أنه لا أحد يستطيع أن يتصرف، ولا بالشفاعة التي ‏هي خير، إلا بإذن الله، وهذا من تمام ربوبيته وسلطانه عز وجل، وتفيد هذه ‏الجملة أن لله إذنًا، والإذن في الأصل الإعلام، قال الله تعالى: ﴿ وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [التوبة: 3]؛ أي: إعلام من الله ورسوله، فمعنى: ﴿ ِإِذْنِهِ ﴾؛ أي: ‏إعلامه بأنه راضٍ بذلك[1].‏





الشفاعات ثابتة للرسول صلى الله عليه وسلم، وأعظمها:‏


أولاً: الشفاعة العظمى يوم القيامة: وهي خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم ‏لإراحة الناس من عناء الموقف العظيم، والدليل على ذلك: عن أبي هريرة رضي ‏الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوة، فرفع إليه الذراع‏‏، وكانت تعجبه، فنهس منها نهسة[2]، وقال: ((أنا سيد الناس يوم القيامة‏‏، هل تدرون ممَّ ذاك؟ يجمع الله الأوَّلين والآخرين في صعيدٍ واحدٍ، فيبصرهم ‏الناظر، ويسمعهم الداعي، وتدنو منهم الشمس، فيبلغ الناسَ من الغم والكرب ‏ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقول الناس: ألا ترون إلى ما أنتم فيه، إلى ما بلغكم؟ ‏ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: أبوكم آدم، ‏ويأتونه فيقولون: يا آدم، أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه ‏‏، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنة، ألا تشفع لنا إلى ربك؟ ألا ترى ما ‏نحن فيه، وما بلغنا؟ فقال: إن ربي غضب غضبًا لم يغضب قبله مِثله، ولا ‏يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيت، نفسي نفسي نفسي، ‏اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحًا فيقولون: يا نوح، أنت أول ‏الرسل إلى أهل الأرض، وقد سماك الله عبدًا شكورًا، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ‏ترى إلى ما بلغنا؟ ألا تشفع لنا إلى ربك؟ فيقول: إن ربي غضب اليوم غضبًا لم ‏يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه قد كانت لي دعوة دعوت بها على ‏قومي، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون ‏إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم، أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا إلى ‏ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول لهم: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم ‏يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني كنت كذبت ثلاث كذبات، ‏نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى، ‏فيقولون: يا موسى، أنت رسول الله، فضَّلك الله برسالاته وبكلامه على الناس، ‏اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إن ربي قد غضب اليوم ‏غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قد قتلت نفسًا لم أومر ‏بقتلها، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى، فيأتون عيسى‏، فيقولون: يا عيسى، أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم، ورُوح منه، ‏وكلَّمتَ الناس في المهد، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول ‏عيسى: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله‏‏ - ولم يذكر ذنبًا - نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد صلى ‏الله عليه وسلم)).‏





وفي رواية: ((فيأتوني فيقولون: يا محمد، أنت رسول الله، وخاتم الأنبياء، ‏وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن ‏فيه؟ فأنطلق، فآتي تحت العرش، فأقع ساجدًا لربي، ثم يَفْتَحُ الله عليَّ من ‏محامده، وحسن الثناء عليه شيئًا لم يفتحه على أحدٍ قبلي، ثم يُقال: يا محمد، ‏ارفع رأسك، سل تعطَهْ، واشفع تُشفَّع، فأرفع رأسي، فأقول: أمَّتي يا رب، ‏أمتي يا رب، فيقال: يا محمد، أدخِل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب ‏الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب))، ثم قال: ‏‏((والذي نفسي بيده، إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر))[3]، أو: ((كما بين مكة وبصرى[4]))[5].‏





ثانيًا: شفاعته صلى الله عليه وسلم في إخراج بعض من دخل النار من الموحدين، ‏وهذه الشفاعة رد على الخوراج ومن تابعهم من المعتزلة الذين أنكروا خروج أحد ‏من النار بعد دخولها، والدليل على ذلك في الحديث الذي يرويه أبو سعيد وغيره ‏في الشفاعة، وقوله: ((أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان - ‏مثقال حبة من إيمان...)).‏





ثالثًا: شفاعته صلى الله عليه وسلم في أقوام قد تساوت حسناتهم وسيئاتهم، فيشفع ‏فيهم ليدخلوا الجنة، وفي أقوام قد أُمِرَ بهم إلى النار ألا يدخلوها.‏





رابعًا: شفاعته صلى الله عليه وسلم في رفع درجات المؤمنين في الجنة.‏





خامسًا: شفاعته صلى الله عليه وسلم في أقوام يدخلون الجنة بغير حساب، ‏ويستشهد في هذا النوع بحديث عكاشة بن محصن، حين دعا له رسول الله صلى الله ‏عليه وسلم أن يجعله من السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب، كما ‏ثبت في "الصحيحين".‏





سادسًا: الشفاعة في تخفيف العذاب عمن يستحقه؛ كشفاعته في عمه أبي طالب أن ‏يخفف عنه (الذي سيظل في ضحضاح من النار)؛ ولذلك فإن الرسول صلى الله ‏عليه وسلم قال في "الصحيحين" من حديث العباس بن عبدالمطلب: ((ولولا أنا، ‏لكان في الدرك الأسفل من النار)).‏





وليس هذا من أجل شخصية أبي طالب، لكن من أجل ما حصل من دفاعه عن النبي ‏صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه، فإن قيل: قد قال تعالى: ﴿ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ﴾ [المدثر: 48]، قيل له: لا تنفعه في الخروج من النار، كما تنفع ‏عصاة الموحدين الذين يخرجون منها ويدخلون الجنة.‏





سابعًا: شفاعته في أهل الكبائر من أمته ممن دخل النار، فيخرجون منها، وقد ‏تواترت بهذا النوع الأحاديث الكثيرة، وقد خفي علم ذلك عن الخوارج والمعتزلة‏‏، فخالفوا بذلك جهلاً منهم بصحة الأحاديث، وعنادًا ممن علم ذلك واستمر على ‏بدعتهم، وهذه الشفاعة تشاركه فيه الملائكة والنبيون والمؤمنون والصدِّيقون.‏





وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد، من حديث أنس بن مالك رضي ‏الله عنه: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي))؛ وهذا الحديث صحيح، وله طرق ‏وشواهد، وهو مخرج في "ظلال الجنة"، و"المشكاة" (ص5598، 5599)[6].‏





وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.‏





المصدر: مجلة التوحيد، عدد المحرم 1419 هـ، صفحة 38.






[1] استفدت هذا بتصرف من شرح العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ‏شرح العلامة ابن عثيمين (جـ 1 ص169، جـ 2 ص168، 169).




[2] فنهس منها نهسة (بالسين) أي: أخذ بأطراف أسنانه، وفي رواية أبي ‏ذر (بالشين)، وهو قريب من معناه، كما في (الفتح).




[3] هجر: بفتح الهاء والجيم، مدينة عظيمة، وهي قاعدة بلاد البحرين.‏




[4] بصرى: بضم الباء وسكون الصاد: مدينة معروفة بحوران، بينها وبين ‏دمشق نحو ثلاث مراحل.‏





[5] متفق عليه.‏




[6] استفدت ما سلف من كتابي (العقيدة في صفحات) (ص23، 24).‏



ابوالوليد المسلم 20-10-2021 02:31 PM

رد: تذكير أهل الطاعة بأقسام الشفاعة
 
لا اله الا الله




الساعة الآن : 03:53 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 17.11 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 16.97 كيلو بايت... تم توفير 0.14 كيلو بايت...بمعدل (0.79%)]