ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الشباب المسلم (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=94)
-   -   التوازن بين الإغراق في المحليَّة، والجنوح نحو العالمية (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=222087)

ابوالوليد المسلم 13-01-2020 04:04 AM

التوازن بين الإغراق في المحليَّة، والجنوح نحو العالمية
 
التوازن بين الإغراق في المحليَّة، والجنوح نحو العالمية


حسام طالب الله



إنَّه منَ المعلوم ابتداءً أن هذا الدِّين تأسَّسَ بُنيانُه على الوسطيَّة، وسُقيتْ بذْرته في نفوس حامليه الأوائل من سلف هذا الأمة بماء الاعتدال؛ فأثمرت غرسًا سويًّا ضاربًا بِجُذُور الإيمان عميقًا في قلوبهم، معانقًا بعزائِمهم هام السحاب، لا يوقفه ضباب تفريط، ولا يَثْنيه جفاف إفراط، ولا عجب أن يَشْتَدَّ عوده، ويورق ثمره حين يكون غارسه وراعيه سيدُ ولد آدم - عليه الصلاة والسلام - المؤيَّد بِغَيْث الوَحْي المبارك؛ فلا غلوّ جارف، ولا جفاء مجدب، فأثمر رجالاً فتحوا المشارق والمغارب، ونصروا الدِّين، وأقاموا صرْح الدولة.



فلمَّا مضَوا، وتطاوَل العهدُ، وضعفت الصلة بالغَيْث المبارَك - هبَّتْ رياح الشهوات والشبهات، تذهب ببهاء الاستقامة، وتقضي على ثَمَرة التمكين؛ بل وتَزَعْزع الأصلُ الثابت؛ لولا حِفْظ خالقه له بفئة من الأنْقِياء المصلحين، والدعاة العاملين، ينعشون ما ذبل، ويجبرون ما انكسر.

ولكن حين يكون الحقلُ عظيمَ الاتِّساع كحقل الدَّعوة إلى الله، والعمل للدين، فمنَ المُحَال أن تتَّحدَ الرؤى، وتتفق الأساليب، حتى وإن كانت الثمرة المرجوَّة واحدة، ومن ذلك قضيَّة تبنِّي (المحلية) أو (العالمية) كنطاق للعمل، والتعامُل معها بالتوازن الأمثل بين إغراق في المحليَّة، وجنوح نحو العالمية.

فنسمع دعاة المحلية يَتَحَدَّثُون بلسان الحال، إن لم يكنْ بلسان المقال، بِحَصْر الجهود في حيِّز ضيق محصور بحدود وَهْمِيَّة مُصطَنعة، أقامها في الأصل مَن يسوءُه ازدهار الدَّعوة وانتشارها، واتساع رقْعة الإفادة مِن مضامينها، فأراد خنقها وكَبْتها، أو على أقل تقدير حصرها في أضيق الأُطُر، فأجابتْه طائفةٌ - عفوًا لا عمدًا - إلى ما أراد، وهم يهدفون مِن حصر نطاق العمل - في تقديرهم - إلى ترتيب الأولويات، وتركيز الجُهُود وعدم تشتيتها، وإتمام البناء الداخلي، وبلوغ نتائج محسوسة، وعدم إثارة الخصوم وتأجيل المواجَهات.


وعلى الجانب الآخر، نرى مَن يَتَحَدَّثُونَ عن عالمية الدعوة، وأنها جاءتْ كافَّة للناس، لا تحدها حدودٌ، ولا تقيِّدها أُطُر، وأن ذلك من مميزات الرسالة الخاتمة، فلا بدَّ من إقامة الحجة، وإبراء الذمَّة تجاه العالم - كل العالم - لا سيما وقد سهل الاتصال، وتَيَسَّرَ الحوار، وأنْعِم بها مِن مقاصد مِن كلا الفريقين! إن ضُبطَتْ بميزان الوسطية والاعتدال، والعمدة والمعيار في ذلك فعل الداعية الأول، والمعلِّم الإمام - صلى الله عليه وسلم - حين قصد من يليه فعرف بالدِّين، ودعا إلى اليقين بربِّ العالمين، فرَبَّى الأصحاب، وعلم الآل والأحباب، وهو هو مَن أرسل الرسل شرقًا وغربًا، شمالاً وجنوبًا؛ طَلَبًا لإخراج العِباد من عبادة العباد، لعبادة ربِّ العباد، ومِن ضِيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة؛ بل بُعثتِ الجيوشُ، ودُكَّت العُرُوش حين حالتْ دون وصول الحق للناس - كلِّ الناس - وكل ذلك في تكامُل شامل، وتوازُن عادل، روعيتْ فيه الأحوالُ من مكان وزمان ورجال، لا تُخطئه عين المتأمل في سير دعوتِه - صلى الله عليه وسلم - في رسالة واضحة للمتأسِّين به، والمقتدين بنَهْجِه وطريقتِه، حتى لا يُفاجأ المغرقون في المحلية بأن واحتهم النضرة قد غَطَّتْها الرمال؛ لأنَّها كانتْ دائمًا مُحَاطةً بها من كلِّ جانب، وأن جزيرتهم الغنَّاء بالحق والخير قدِ ابْتَلَعَها المحيط الذي يموج بالباطل من حولها، فأمست أثرًا بعد عين، وكذلك حتى لا يلتفت من جمح بهم ركب العالمية؛ ليجدوا أنفسهم قد بذلوا الوسع تجاه العالم؛ فشيدوا فيه مناراتٍ للهدى والنور، ومحيطهم القريب يُحَاصِره ظلام دامس، ويكْتنفه ليل بهيم، قد أقاموا الوشائج المتينة، والصلات الوطيدة مع الآخرين فيما وراء البحار، وعزلوا أنفسهم عمَّن يليهم، يسعون لتوفير التحسينيات والكماليات لبيئات عرفوا عنها كلَّ شيء، ولكنَّهم جهلوا أو تجاهلوا أن بيئتهم تفتقر حتى للضروريات والحاجيات.


والعصمةُ من كلِّ ذلك السَّير على خُطى الأولين، ومن قبلهم إمام الأولين والآخرين، وقدوة الخَلْق أجمعين - عليه أفضل الصلاة، وأزكى التسليم - فالقصدَ القصدَ؛ ننجو، والعدلَ العدلَ؛ نفلح، ونكون كما شاء الله لنا أن نكونَ خير أمة أخرجتْ للناس؛ {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143].




الساعة الآن : 11:57 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 7.38 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 7.29 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (1.27%)]