القابض الباسط جل جلاله
القابض الباسط جل جلاله د. شريف فوزي سلطان عن أنس رضي الله عنه قال: قال الناس: غلا السعر يا رسول الله، فسعِّر لنا، فقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دمٍ أو مال"[1]. وقال تعالى: ï´؟ اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ï´¾ [العنكبوت: 62]. أي: إنه تعالى يوسِّع على من يشاء، ويضيِّق على من يشاء وَفق علمه ومشيئته وحكمته. وقال تعالى: ï´؟ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ï´¾ [الروم: 37]. أحيانًا نقول: فلان ذكي، وفلان صاحب تجارب، وفلان لديه خبرات قوية، وفلان مخطط جيد، ونحو ذلك، وفي الحقيقة أن الله يقبض ويبسط، ويسلب ويرزق، ويعطي ويمنع، فإذا أراد أن يرزقك ألهمَك الوسائل والأساليب والقدرات والطاقات والخبرات، وإذا أراد أن يمنعك حجب عنك ذلك كلَّه. وقال تعالى:ï´؟ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ ï´¾ [البقرة: 245]. فالقبض: التضييق، والبسط: التوسيع، فالله تعالى بيده التضييق والتوسيع، ويعم ذلك كل شيء، الرزق والعلم والعمر والصدر، وكل ما يتعلق بالدنيا والآخرة. معنى الاسم في حق الله تعالى: (القابض): جل جلاله: هو الذي يطوي بره ومعروفه عمن يريد، ويضيِّق ويُقتِّر أو يحرم فيفقر. (الباسط): جل جلاله: هو الناشر فضله على عباده، يرزق ويوسِّع، ويجود، ويُفضِّل ويمكِّن ويُخوِّل، ويعطي أكثر مما يحتاج الناس إليه[2]. فسبحانه "يسلب تارة ويعطي تارة، أو يسلب قومًا ويعطي قومًا"[3]. (القابض) جل جلاله: هو الذي إذا منع لا يستطيع أحد من الخلق الوصول إلى ما منع. (الباسط) جل جلاله: هو الذي إذا أعطى لا يستطيع أحدٌ من الخلق أن يحجب ذلك، فإذا أَغلق بابًا لم يقو أحدٌ على فتحه، وإذا فتح بابًا لم يقو أحد على غلقه، إذا بسط فلا قابض، وإذا قبض فلا باسط. ï´؟ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ï´¾ [فاطر: 2]. (القابض) جل جلاله: هو الذي يقبض القلوب ويُضيِّق الصدور، حتى تصير حرجًا كأنما تصَّعد في السماء؛ كما قال تعالى: ï´؟ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ï´¾ [الأنعام: 125]. (والباسط) جل جلاله: هو الذي يملأ القلوب بالفرح والانشراح والبهجة، ويُفيض عليها من ألوان برِّه ولُطفه؛ كما قال تعالى: ï´؟ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ï´¾ [الزمر: 22]، وقوله تعالى: ï´؟ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ï´¾ [الشرح: 1]. فأحيانًا نشعر بالضيق والانقباض والوحشة، وأحيانًا نشعر بالسعادة والطمأنينة والسرور وكأننا في الجنة، إنه القبض والبسط، وإنه القابض الباسط جل جلاله. (القابض الباسط) جل جلاله: هو الذي يقبض العلم عمن يشاء ويبسطه لمن يشاء؛ كما قال تعالى: ï´؟ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ï´¾ [البقرة: 247]. وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينزع العلم انتزاعًا من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبق عالِمًا اتخذ الناس رؤوسًا جُهالًا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلُّوا وأضلوا"[4]. وجوب اقتران الاسمين: هذه الأسماء الكريمة من الأسماء المتقابلة التي لا يجوز أن يُفرد أحدهما عن قرينة، ولا أن يُثنَى على الله بواحد منها إلا مقرونًا بمقابِلِه، فلا يجوز أن يُفرد القابض عن الباسط، ولا الخافض عن الرافع؛ لأن الكمال المطلق إنما يحصُل بمجموع الوصفين.." [5]. فإذا قلت: القابض فقط فقد وصفت الله بالمنع والبخل، حاشاه سبحانه، وإذا قلت: باسط فقط، فقد وصفته سبحانه بالإسراف، حاشاه سبحانه، ولكن إذا قلت القابض الباسط، فقد وصفته تعالى بالقدرة والحكمة، فسبحانه وتعالى قال وهو أصدق القائلين: ï´؟ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ï´¾ [البقرة: 245]. كيف نعبد الله باسمَيْه: القابض الباسط؟ 1- أن تؤمن بأن لله تعالى الحكمة البالغة في القبض والبسط: فسبحانه وتعالى يقبض لحكمة، فلربما أفسدك الغنى وأطغاك، ويبسط لحكمة، فلربما الفقر أفسدك وأساء ظنك بربك. فعطاؤه ومنعه تابع لعلمه بعباده، وما يُصلحهم وما يُفسدهم، ولذلك كثيرًا ما يقرن القبض والبسط بالعلم الخبرة؛ قال تعالى: ï´؟ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ï´¾ [الشورى: 12]. وقال تعالى: ï´؟ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ï´¾ [الشورى: 27]. ولا يعني بسطه سبحانه على أحد مِن خلقه في شيء من الدنيا، رضاه عن المبسوط له، كما لا يعني أيضًا قبضه سبحانه عن أحد من خلقه في شيء من الدنيا، سخطه عليه ومَقته له، كلَّا، بل قد يدل ذلك على العكس؛ إذ إن الله عز وجل يضيِّق على بعض أوليائه رحمةً بهم ولطفًا، ويوسِّع ويبسط على بعض أعدائه إملاءَ لهم واستدراجًا؛ كما في قوله تعالى: ï´؟ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ï´¾ [الفجر: 15 - 17]. وقوله تعالى: ï´؟ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ ï´¾ [المؤمنون: 55، 56]. ومن ذلك ما ينعمه سبحانه على الكفار والعصاة من هذه الدنيا استدراجًا؛ قال سبحانه: ï´؟ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ï´¾ [الأنعام: 44][6]. 2- أن نرضى بما قسم الله لنا: من رزق وغيره، سواء كان قبضًا أو بسطًا؛ لأنه سبحانه الحكيم العليم بخلقه وما يُصلح لهم، فله الحمد على كل أفعاله، وله الحمد في خلقه وأمره. يتبع |
رد: القابض الباسط جل جلاله
|
الساعة الآن : 06:51 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour