ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   الملتقى الاسلامي العام (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=3)
-   -   احترام الكبير في الإسلام (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=196369)

ابوالوليد المسلم 13-03-2019 09:35 PM

احترام الكبير في الإسلام
 
احترام الكبير في الإسلام
حسان أحمد العماري



الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كل شيءٍ قائم به وكل شيءٍ خاضع له، غنى كل فقير، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف من تكلم سمع نطقه ومن سكت علم سره، ومن عاش فعليه رزقه ومن مات فإليه منقلبه كل ملك غيره مملوك، وكل قويٍ غيره ضعيف، وكل غنيٍ غيره فقير...
يا ربي حمداً ليس غيرُكَ يحمدُ *** يا من له كل الخلائقِ تصمدُ
أبواب كل الملوكِ قد أوصدت *** ورأيتُ بابك واسعاً لا يوصدُ
وأشهد أنَّ نبيَّنا محمّدًا عبد الله ورسولُه، أحسن النّاس خُلُقًا وأكرمُهم خَلْقا، وأشرفهم نسباً وأعظمهم جودا صلّى الله وسلّم وبارك عليه، وعلى آله الأخيارِ وأصحابه الأبرار والتابعين ومن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدّين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا أما بعد:-
عباد الله: - لقد خلق الله الإنسان وجعل حياته تمر بثلاثة مراحل: مَرْحَلَةِ الضَّعْفِ وَهِيَ مَرْحَلَةُ الطُّفُولَةِ وَالصِّغَرِ، وَفِيهَا يَبْدُو الإِنْسَانُ مُحْتَاجًا إِلَى الرِّعَايَةِ وَالعِنَايَةِ، وَيَبْذُلُ وَالِدَاهُ جُهُودًا كَبِيرَةً فِي مُسَاعَدَتِهِ وَالحِفَاظِ عَلَيْهِ، ثُمَّ مَرْحَلَةِ الشَّبَابِ وَهِيَ مَرْحَلَةُ القُوَّةِ وَالنَّشَاطِ وَالهِمَّةِ وَالعَمَلِ الكَادِحِ وَالإنتاج، وَفِي هَذِهِ المَرْحَلَةِ يُعَدُّ الإِنْسَانُ سَاعِدَ الحَيَاةِ القَوِيَّ وَالمَسْؤُولَ عَنْ تَقَدُّمِهَا أَوْ تَأَخُّرِهَا، إِلَى أَنْ يَصِلَ إِلَى مَرْحَلَةِ الضَّعْفِ وَالشَّيْخُوخَةِ، وَفِي هَذِهِ المَرْحَلَةِ تَتَرَاجَعُ قُوَّةُ الإِنْسَانِ، وَيَنْحَسِرُ عَطَاؤُهُ وَنَشَاطُهُ، وَتَتَوَقَّفُ الكَثِيرُ مِنْ أَعْمَالِهِ وَحَرَكَاتِهِ حَتَّى يَعُودَ مُحْتَاجًا مَرَّةً أُخْرَى إِلَى المُسَاعَدَةِ وَالعَوْنِ، وَالعَطْفِ وَالرَّحْمَةِ، وَقَدْ وَصَفَ اللهُ - تعالى- هَذِهِ المَرَاحِلَ الثَّلاثَ، فقال - سبحانه-: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) (الروم: ٥٤) يقف الإنسان عند آخر هذه الحياة فينظر إليها وكأنها نسج من الخيال أو ضرب من الأحلام، يقف في آخر سني عمره وقد ضعف بدنه ورق عظمه فأصبحت آلامه متعددة ضعف البدن، وثقل السمع، وتهاوت القوى، وتجعد الجلد وابيض الشعر، يمشي بثلاث بدل اثنتين... هكذا يكون حال الإنسان إذا تقدم به العمر وهذه المرحلة من مراحل السن هي سنة الله في خلقه ولم يسلم منها حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ألم تسمعوا عن زكريا - عليه السلام - الذي نادى ربه: (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) (مريم: ٤) ولذلك فإن من عظمة الإسلام أنه كما أهتم بالإنسان صغيراً ووجه الأسرة والمجتمع إلى رعايته والاهتمام به، فإنه كذلك أمر بحسن رعاية واحترام الكبير في الإسلام مهما كان، أباً أو أماً قريباً أم بعيداً جاراً أم صديقاً أخاً أو عماً أو خالاً، معروفاً أم غريباً.. فقال - تعالى-عن الوالدين: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء23/ 24] وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس منَّا من لم يوقِّر كبيرَنا، ويرحَم صغيرَنا)) [رواه أحمد (1/257) وصححه ابن حبان (458)].
عباد الله: - لقد جعل الإسلام احترام الكبير نوع من أنواع إجلال الله وتعظيمه فقال - عليه الصلاة والسلام - ((إنَّ مِن إجلالِ الله إكرامَ ذي الشَّيبةِ من المسلمين، وحامِلِ القرآن غيرِ الغالي فيه والجافي عنه، وذي السلطانِ المقسِط)) [الألباني"صحيح الترغيب" (98)]
وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا تحدث إليه اثنان بدأ بالأكبر سناً ويقول ((كبِّر كبِّر)) [البخاري(3173)] يبدأ الأكبرُ قبلَ أن يبدأَ الأصغر، هكذا أمر الإسلام وفي الصلاة وجه - صلى الله عليه وسلم - ليتقدم بعد الإمام البالغون وكبار السن عن أبي مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)) (مسلم /432) كل ذلك تقديراً وإكراماً لهم فإذا أقيمت الصلاة في المسجد وقام الناس لتسوية الصفوف فإن كبار السن أحق بالصفوف الأولى أما إذا جاء أحدهم متأخراً فلا يجوز له أن يسحب أحد من الصلاة ولو كان صغيراً حتى لا يشغله عن صلاته ومراعاة لشعوره وحقه في السبق... بل من رعاية الإسلام للكبار أنه رخص لهم في كثير من العبادات والطاعات في القيام والصيام والحج والجهاد رحمةً ورأفةً بهم فقد أمضوا سنوات عمرهم في هذه الطاعات فلما كبر سنهم ورق عظمهم وخارت قواهم راع الإسلام هذه الحال ووجه إلى التخفيف والتيسير وتكليف العبد بعد الفرائض ما يطيق من العبادات فهذا رجل كبير السن كما في حديث عبد الله بن بسر يأتي للنبي - صلى الله عليه وسلم - فيقول: يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيء أتشبث به وفي رواية (ولا تكثر.. ). فقال - عليه الصلاة والسلام -: (( لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله تعالى)). [رواه الترمذي (3372)، وصحح الشيخ عبد القادر الأرناؤوط إسناده في جامع الأصول(2561)]..
بل جعل الإسلام للشيب الذي يظهر على رأس المسلم ولحيته قيمةً عظيمةً وأجراً كبيراً، قال - صلى الله عليه وسلم -: (( ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كتب الله له بها حسنة وحط عنه بها خطيئة )) [أخرجه الدارمي وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 5760].
عباد الله: - فإذا كانت توجيهات هذا الدين نحو الكبار واحترامهم بهذا السمو، فأين هذه القيمة العظيمة في حياتنا، وأين حقوقهم في مجتمعاتنا وفي سلوكنا وتعاملاتنا..؟ فكم من أبوين كبيرين عقهما وهجرهما وأساء معاملتهما أبنائهما، وكم من شيخ أو إنسانٍ كبير تطاول عليه الصغار والشباب وسخروا من كلامه، ورأيه وتقدموا عليهم في المجالس والطعام والشراب، وكم نرى شبابًا تستطيلُ ألسنتهم على الكبار، ونرى شبابًا لا يعرِف للكبير أيَّ قدرٍ ولا أيَّ مكانة، قد يلمِزه بجهله، وقد يلمزه بضَعف رأيه، وقد يلمزه بقِلّة علمه، وقد يلمِزه بعدَم نظافةِ ملبَسه،...
كلُّ هذه الأمور وغيرها لا يجب أن تحمِلك على إهانةِ الكبير، بل قدِّر الكبير وعظِّمه، وأظهر لأولادك عندما يزورون معك رحِمًا أنّك تقدِّم الأكبرَ فالأكبر، فهذا من أجلالك لله ولن يخيب الله رجاءك يوم أن تأتيك هذه المرحلة من عمرك فتحتاج إلى من يساعدك ويعاملك المعاملة الحسنة وأعلم أن الجزاء من جنس العمل وكما تدين تدان...
بل لم تقتصر قيمة احترام الكبير ورعايته على المسلم بل شملت غير المسلم طالما أنه يعيش بين المسلمين.. فها هي كتب التاريخ تسطر بأحرف ساطعة، موقف عمر - رضي الله عنه - مع ذلك الشيخ اليهودي الكبير فيذكر أبو يوسف في كتابة (الخراج) "أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مر بباب قوم وعليه سائل يسأل شيخ كبير ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه فقال: من أي أهل الكتب أنت؟ قال يهودي، قال: فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الحاجة، والسن، قال: فأخذ عمر - رضي الله عنه - بيده فذهب به إلى بيته فأعطاه بعض ما عنده، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وأمثاله، والله ما أنصفناه إذا أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم (إنما الصدقات للفقراء والمساكين..) سورة التوبة 60) وهذا من المساكين من أهل الكتاب، ووضع عنه الجزية وعن أمثاله ومن هم في سنه في جميع البلاد الإسلامية..
وهذا خالد بن الوليد عندما صالح أهل الحيرة وجاء في صلحه معهم أنه قال: " وجعلت لهم أيّما شيخ ضعف عن العمل أو أصابته آفة من الآفات أو كان غنيًا فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه طرحت جزيته وعيل من بيت مال المسلمين" .
أين منظمات حقوق الإنسان اليوم عن مثل هذه الأحكام وهذه التشريعات؟! ولماذا لا نعود لقيمنا وأخلاقنا ونعلمها لأبنائنا وننشرها للعالم كله ففيها السعادة والراحة والحب والتآلف والتراحم.. فَاتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا عَلَى هَذَا الأَدَبِ فِي مُعَامَلَةِ الكَبِيرِ، عَوِّدُوا ذَلِكَ أَنْفُسَكُمْ، وَرَبُّوا عَلَيْهِ أَبْنَاءَكُمْ، وَدَاوِمُوا عَلَيْهِ تَطْبِيقًا لشريعتكم تَفُوزُوا بِرِضَا رَبِّكُمْ... قلت قولي هَذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
عباد الله: - إن قيمة احترام الكبير من القيم الإسلامية العظيمة التي يتقرب المسلم بها إلى الله - عز وجل -، وهي ليست مجرد تقاليد صارمة، أو أعراف أو عادات، بل سلوكيات راقية نؤديها عن طيب خاطر، ورضاء نفس، والتماس أجر، وابتغاء ثواب.. فحق الكبير التقدير والاحترام وتقديمه في الأكل والشرب وفي الشارع والسوق وفي وسائل المواصلات وعند الحديث لا تقاطعه حتى ينتهي وفي المجلس ينبغي أن يجلس في المكان اللائق به وإذا رأيته عليك أن تبدأ بالسلام عليه وأن تظهر له الفرح والسرور وعليك مخاطبته بأفضل وأحب الأسماء إلى النفس وإذا أخطأ الكبير وجب عليك تقديم النصح بأسلوب مهذب وراق حتى وإن لم يقتنع فقد قمت بدورك وواجبك.
عباد الله: - لنقم جميعاً بحق كبارنا علينا ليرضى عنا ربنا، لنقم بحق كبارنا ليقوم بحقنا أبناؤنا، ولنرد الجميل فقد عطفوا علينا ونحن صغاراً، لنرسم بترابطنا وتراحمنا لوحة مشرقة في ليل حالك السواد تمزقت فيه أواصر المحبة والشفقة والمودة بين أفراد الأسرة الواحدة بين كبارها وصغارها في كثير من المجتمعات.. نسأل الله أن يرزقنا حب القيام على خدمة ورعاية الكبار....ألا وصلوا وسلِّموا على من أُمرتم بالصلاة عليه، إمام المتقين وقائد الغُرِّ المُحجلين، وعلى آلهِ وصحابته أجمعين، وارض اللهُمَّ عن الخلفاءِ الراشدين أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعنا معهم بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين.
والحمد لله رب العالمين


الساعة الآن : 07:49 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 13.26 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 13.16 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.71%)]