أثر اتساع النطاق العمراني بمكة المكرمة في فتوى قصر المكي للصلاة بمنى (1)
|
رد: أثر اتساع النطاق العمراني بمكة المكرمة في فتوى قصر المكي للصلاة بمنى (1)
أثر اتساع النطاق العمراني بمكة المكرمة في فتوى قصر المكي للصلاة بمنى (1) د. عبد الله بن حمد الغطيمل الوقفة الرابعة: مفهوم السفر عند شيخ الإسلام ابن تيمية: ذكرنا في وقفة سابقة أن شيخ الإسلام ابن تيمية لم يحدد للسفر الذي يترخص فيه حداً بل ترك ذلك للعرف فقال: "كل اسم ليس له حد في الله ولا في الشرع فالمرجع فيه إلى العرف فما كان سفراً في عرف الناس فهو السفر الذي علق به الشارع الحكم"(32). وظاهر من نصوصه أنه قد ضبط السفر بما يتفق العقلاء على تسميته سفراً فما دخل في هذا الضابط سمي مسافراً وما خرج لم يصح أن يطلق عليه اسم المسافر ومن ثم لم يجز له أن يترخص برخص السفر، فمن نصوصه في ذلك: أ – قوله: ولكن لا بد أن يكون ذلك مما يعد في العرف سفراً مثل أن يتزود له ويبرز للصحراء(33). ب – قوله: "والمسافر لا بد أن يسفر أي يخرج إلى الصحراء، فإن لفظ السفر يدل على ذلك، يقال: سفرت المرأة عن وجهها إذا كشفته، فإذا لم يبرز إلى الصحراء التي ينكشف فيها من بين المساكن لا يكون مسافراً"(34). قوله: "فعلم أنه لا بد أن يقصد بقعة يسافر من مكان إلى مكان، فإذا كان ما بين المكانين صحراء لا مساكن فيها يحمل فيها الزاد والمزاد فهو مسافر وإن وجد الزاد والمزاد بالمكان الذي يقصده"(35). د – قوله: "وعلى هذا فالمسافر لم يكن مسافراً لقطعه مسافة محدودة، ولا لقطعه أياماً محدودة، بل كان مسافراً لجنس العمل الذي هو سفر، وقد يكون مسافراً من مسافة قريبة، ولا يكون مسافراً من أبعد منها، مثل: أن يركب فرساً سابقاً ويسير مسافة بريد ثم يرجع من ساعته إلى بلده، فهذا ليس مسافراً، وإن قطع هذه المسافة في يوم وليلة ويحتاج في ذلك إلى حمل زاد ومزاد كان مسافراً كما كان سفر أهل مكة إلى عرفة، ولو ركب رجل فرساً سابقاً إلى عرفة ثم رجع من يومه إلى مكة لم يكن مسافراً"(36). هـ - قوله: "والرجل قد يخرج من القرية إلى صحراء لحطب يأتي به فيغيب اليومين والثلاثة فيكون مسافراً، وإن كانت المسافة أقل من ميل" بخلاف من يذهب ويرجع من يومه، فإنه لا يكون في ذلك مسافراً، فإن الأول يأخذ الزاد والمزاد بخلاف الثاني، فالمسافة القريبة في المدة الطويلة تكون سفراً، والمسافة البعيدة في المدة القليلة لا تكون سفراً. فالسفر يكون بالعمل الذي سمي سفراً لأجله، والعمل لا يكون إلا في زمان، فإذا طال العمل وزمانه فاحتاج إلى ما يحتاج إليه المسافر من الزاد والمزاد سمي مسافراً وإن لم تكن المسافة بعيدة، وإذا قصر العمل والزمان بحيث لا يحتاج إلى زاد ومزاد لم يسم سفراً وإن بعدت المسافة، فالأصل هو العمل الذي يسمى سفراً، ولا يكون العمل إلا في زمان، فيعتبر العمل الذي هو سفر، ولا يكون ذلك إلا في مكان يسفر عن الأماكن، وهذا مما يعرفه الناس بعاداتهم ليس له حد في الشرع ولا اللغة، بل ما سموه سفراً فهو سفر"(37). وحاصل ما تقدم من النصوص أن شيخ الإسلام قد ضبط السفر المبيح للترخص: (بأن يعمل الإنسان عملاً يطول زمانه، يخرج فيه عن البنيان إلى الصحراء، ويحتاج فيه إلى الزاد والمزاد). بناءً عليه: فإن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لا يجعل من ينتقل داخل مصره أو مدينته أو بلده، من محلة إلى محلة، لا يجعله مسافراً لتخلف بعض العناصر وهي البروز من البنيان إلى الصحراء، وكونه لا يحتاج إلى الزاد والمزاد فمن نصوصه في ذلك: أ – قوله: لكن لا بد أن يكون ذلك مما يعد في العرف سفراً، مثل أن يتزود له، ويبرز للصحراء، فأما إذا كان في مثل دمشق، وهو ينتقل من قراها الشجرية من قرية إلى قرية كما ينتقل من الصالحية إلى دمشق، فهذا ليس بمسافر. والمنتقل من المدينة من ناحية إلى ناحية ليس بمسافر ولا يقصر الصلاة"(38). ب – قوله: "وهذا بخلاف خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى قباء كل سبت راكباً وماشياً(39)، وخروجه إلى اصلاة على الشهداء، فإنه قبل أن يموت بقليل صلى عليهم(40)، بخلاف ذهابه إلى البقيع(41)، وبخلاف قصد أهل العوالي المدينة ليجمعوا بها(42)، فإن هذا كله ليس بسفر فإن اسم المدينة متناول لهذا كله، وإنما الناس قسمان الأعراب وأهل المدينة، ولأن الواحد منهم يذهب ويرجع إلى أهله في يومه من غير أن يتأهب لذلك أهبة السفر فلا يحمل زاداً ولا مزاداً لا في طريقه ولا في المنزل الذي يصل إليه، ولهذا لا يسمى من ذهب إلى ربض مدينته مسافراً"(43). (1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 24/44. (2) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 5/361، وفي المسألة أقوال أخرى فراجعها إن شئت في المرجع نفسه وراجع أضواء البيان للشنقيطي 1/302-303. (3) رواه مسلم 1/478 كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب [1] واللفظ له، ورواه أبو داود 2/7 كتاب الصلاة باب (270)، والترمذي 2/243 كتاب تفسير القرآن باب [5]. (4) قال ابن حجر في فتح الباري 5/268، وهي من المواضع التي انتشر فيها الخلاف جداً، فحكى ابن المنذر فيها نحواً من عشرين قولاً فأقل ما قيل في ذلك يوم وليلة. (5) الهداية وشرحها فتح القدير 2/27-28، المبسوط 1/235، تبيين الحقائق 1/209، مجموع الأنهر شرح ملتقى الأبحر 1/161، الدر المختار وحاشية رد المحتار عليه 2/122 وما بعدها. (6) مختصر خليل مع الشرح الكبير للدردير 1/358-359، جواهر الإكليل 1/88، الكافي في فقه أهل المدينة 1/208، بداية المجتهد 1/144. (7) المجموع 4/190-191، وراجع الأم 1/162، نهاية المحتاج وحاشية الشراملسي عليه 2/257 وما بعدها، روضة الطالبين 1/358. (8) المجموع 4/191، روضة الطالبين 1/385. (9) فتكون مسافة القصر ثمانية وأربعين ميلاً هاشمياً وهو ما ذهب إليه الشافعية، وانظر النص في المنتهى وشرحه 1/275، وراجع المغني 3/105-106، الإقناع وشرحه كشاف القناع 1/594-595. (10)وقد قمت بقياس المسافة من مكة إلى منى باعتبار أن مكة في زمن الفقهاء كانت المنطقة المحيطة بالمسجد الحرام فقط وغاية ما وصل إليه النطاق العمراني حتى عام 1318هـ هو مقابر المعلاة شرقاً فقمت بالقياس في طريقين: الطريق الأول: شرق المسجد الحرام وذلك ابتداءً من الساحة الشرقية الواقعة تحت جبل الصفا وأبي قبيس، فبدأت بالقياس من خارج الساحة من جوار نفق شعب علي الواقع بجوار مكتبة مكة القائمة حالياً، فكانت المسافة على النحو التالي: من نهاية الساحة إلى جسر الحجون [1.100م]. من جسر الحجون إلى نهاية مقابر المعلاة [200م]. من نهاية مقابر المعلاة إلى جمرة العقبة بمنى مروراً بأمانة العاصمة ثم قصر السقاف ثم إمارة مكة على اليسار ثم مستشفى الملك فيصل بالششة [5.100م] فيكون مجمل المسافة عبر هذا الطريق من الحرم إلى جمرة العقبة [6.400م] وكان هذا الطريق هو الطريق الوحيد الموصل بين الحرم ومنى حتى أواخر القرن الرابع عشر الهجري أي قبل عشرين عاماً من وقتنا هذا وبالتحديد عام 1396هـ، وما بعدها حيث شُقت الطرقات والأنفاق لتصل بين مكة ومنى ومن هذه الطرق. الطريق الثاني: جنوب المسجد الحرام وذلك ابتداء من نهاية الساحة الجنوبية أمام باب الملك عبد العزيز وابتداء من مستشفى جياد مروراً بأنفاق السد ثم محبس الجن إلى أول أعلام بداية منى على هذا الطريق فبلغت المسافة [4800م] ويسمى هذا الطريق حالياً بطريق الملك عبد العزيز. ويظهر قرب المسافة من كلا الطريقين: وهي لا تمثل سوى نصف عشر المسافة التي حددها فقهاء المذاهب الأربعة للترخص وهي تزيد عن ثمانين كيلو متراً بالمقاييس المعاصرة. (11) الأم 1/163. (12) يقصد حديث يعلى بن أمية المتقدم. (13) المغني 3/108-109. (14) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 24/38. (15) المرجع نفسه 24/34. (16) المرجع نفسه 24/35، وراجع 24/13. (17) المرجع نفسه 24/39-40، وراجع مثله 24/12-13، 24/135. (18) المرجع نفسه 24/40، وراجع 24/133. (19) أضواء البيان 1/325. (20) حاشية الدسوقي 1/361. (21)مختصر خليل وشرحه للدردير 1/361، وراجع ما قاله الدسوقي في حاشيته عند قوله: "والمعتمد أنه كالمكي، فقد ذكر من قال به، وذكر القول المقابل له 1/361، وراجع الموطأ للإمام مالك 1/403. (22) أي العلامة سيدي محمد الحطاب. (23) أي انتهى منقولاً من العلامة سيدي محمد البناني محشي الشيخ عبد الباقي. (24) حاشية الدسوقي 1/361. (25) الشرح الكبير للدردير 1/361. (26) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 24/46. (27) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 24/12. (28) أضواء البيان 1/325، وراجع فتح الباري فقد نسب ذلك إلى المالكية وفيه نظر ظاهر 5/264. (29)راجع مختصر خليل وشرحه للدردير 1/361، وتأمل قول الإمام مالك: "يصلي أهل مكة بعرفة ومنى ما أقاموا بها ركعتين ركعتين" يقصرون الصلاة، حتى يرجعوا إلى مكة، قال: وأمير الحاج أيضاً إذا كان من أهل مكة قصر الصلاة بعرفة وأيام منى، وإن كان أحد ساكناً بمنى مقيماً بها فإن ذلك يتم الصلاة بمنى، وإن كان أحد ساكناً بعرفة، مقيماً بها، فإن ذلك يتم الصلاة بها أيضاً" الموطأ 1/403. (30)فقد روى أبو داود عن عمران بن حسين قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدت معه الفتح فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلى ركعتين ويقول: "يا أهل البلد، صلوا أربعاً فإنا قوم سفر" سنن أبي داود 2/23-24 كتاب الصلاة باب [279]. قال المنذري: "وفي إسناده علي بن زيد جدعان، وقد تكلم فيه جماعة من الأئمة وقال بعضهم، هو حيث لا تقوم به حجة لكثرة اضطراب" مختصر سنن أبي داود 2/61، وراجع فتح الباري 5/265. وقد روى هذا القول عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد روى سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قدم مكة صلى بهم ركعتين ثم انصرف فقال: يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر أخرجه مالك في الموطأ 1/402-403 كتاب الحج باب [66]. (31) راجع في هذه الأدلة مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 24/42-45. (32) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 24/40، 47، وراجع ص 15. (33) المرجع السابق 24/15. (34) المرجع السابق 24/120. (35) المرجع السابق 24/122. (36) المرجع السابق 24/119. (37) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 24/135. (38) المرجع السابق 24/15. (39) رواه البخاري 2/57 كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة باب [3] ورواه مسلم 2/1016 كتاب الحج باب [97]. (40)رواه البخاري 2/94 كتاب الجنائز باب [73]، ومسلم 4/1795 كتاب الفضائل باب [9]، وأبو داود 3/551 كتاب الجنائز باب [75] ولم يرد أنه صلى عليهم قبل موته بل الوارد أنه استغفر لأهل البقيع قبل موته بقليل راجع مسند الإمام أحمد 3/489. (41)ومن ذلك حينما خرج صلى الله عليه وسلم يستغفر لأهل البقيع حينما أمر بذلك رواه الإمام أحمد 3/489 من طريق أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. (42) رواه أبو داود 1/639-640 كتاب الصلاة باب [212]. (43)مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 24/118، وراجع مثله في 24/15، 49، 50، 116، 120، والمراد: ربض المدينة سورها. انظر القاموس المحيط مادة (ر ب ض). |
الساعة الآن : 08:58 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour