الدين لله .. الوطن لله بقلم :د.طارق عبد الحليم
الدين لله .. الوطن لله بقلم :د.طارق عبد الحليم الحمد لله والصّلاة والسّلام على رَسول الله صلى الله عليه وسلم "الدين لله والوطن للجميع" شعار الوفد الذي اطلقه سعد زغلول إبان ثورة 19، هو شِعارُ حقٍ يُراد به باطل. فالدين لله حقاً. والدين، الذي هو الإسلام "إن الدين عند الله الإسلام"، والذي يدين به 90% من الشعب المصريّ، هو دين يغطى كافة مناحى الحياة، ويؤمن بالله سبحانه إلها حاكماً في حياة الناس، لا حاكماً فقط على ضَمائرهم أو في مَساجِدهم. الدين في حياة المسلم، يمثل الخضوع التام والطاعة الكاملة لمنظومة الإسلام الإجتماعية، والإقتصادية والسياسية والتعبدية، لا فرق بينها، وآيات القرآن كلها تشهد بذلك سواءاً نصاً أو سياقاُ، ولننظر في آيات البقرة: "شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْءَانُ هُدًۭى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍۢ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍۢ فَعِدَّةٌۭ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا۟ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا۟ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿185﴾" آياتٌ تتحدث عن فريضة الصيام، فريضة تعبدية تتميز بخصوصية العلاقة فيها بين الله سبحانه وبين العبد، حيث جاء في الحديث القدسيّ "إلا الصيام فإنه لي وأنا اجزى به". ثم ينتقل القرآن لتأكيد وتوطيد هذه الخصوصية فقال تعالى "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا۟ لِى وَلْيُؤْمِنُوا۟ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴿186﴾" ثم يتحول القرآن للحديث عن خصوصية إجتماعية تتعلق بهذه الفريضة التعبدية، ويرسم للزوجين طريق العلاقة الزوجية الجنسية خلال هذا الشهر المبارك، فقال تعالى: "أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌۭ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌۭ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَٱلْـَٔـٰنَ بَـٰشِرُوهُنَّ وَٱبْتَغُوا۟ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا۟ وَٱشْرَبُوا۟ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلْأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلْأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا۟ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَـٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَـٰكِفُونَ فِى ٱلْمَسَـٰجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَـٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴿187). ثم، يتحول القرآن إلى الحديث عن ظاهرة سياسية/إجتماعية، ليعالج أسّ الفساد ومنبعه، وهى ظاهرة الزواج بين المال والسلطة، وقضية رشوة الحكام، وسرقىة المال العام، فقال تعالى: ""وَلَا تَأْكُلُوٓا۟ أَمْوَٰلَكُم بَيْنَكُم بِٱلْبَـٰطِلِ وَتُدْلُوا۟ بِهَآ إِلَى ٱلْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا۟ فَرِيقًۭا مِّنْ أَمْوَٰلِ ٱلنَّاسِ بِٱلْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿188﴾". وهذا غيضٌ من فيض الطريقة القرآنية في المزج السياقيّ بين التعبديّ والحياتيّ، تحت مسمى واحدٍ، هو "الدين". وأما نصّاً، فقد فاضت الآيات القرآنية بنصوص تؤكد على أنّ الله سبحانه هو الحاكم الأوحد في حياة البشر، فكما خلقهم يأمرهم " أَلَا لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلْأَمْرُ" الأعراف 54. وقال تعالى "إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ يَقُصُّ ٱلْحَقَّ ۖ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْفَـٰصِلِينَ" الأنعام 57، وقال " وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَنۢ بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ" المائدة 49، وقال " أَفَحُكْمَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْمًۭا لِّقَوْمٍۢ يُوقِنُون" المائدة 50، وقال " فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا۟ فِىٓ أَنفُسِهِمْ حَرَجًۭا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا۟ تَسْلِيمًۭ" النساء 65، وقال تعالى " وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ" المائدة 44. وكلها تنسب الحكم لله وحده، بمعنى الفصل في شؤون النّاس وحياتهم، وهي غير ما وَرَد من استعمال كلمة الحكم بمعنى القضاء والسُلطة الإلهية في باب الإرادة الكونية، والفصل بين الناس يوم القيامة، كما في قوله تعالى "ثُمَّ رُدُّوٓا۟ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلَىٰهُمُ ٱلْحَقِّ ۚ أَلَا لَهُ ٱلْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ ٱلْحَـٰسِبِينَ" الأنعام 62. إذن، فإن هذا الشعار هو شِعارُ إبتسَارٍ لا شِعارُ إقرار. هو شعارٌ يبتسر معنى الدين، ويختزِله في ما هو تعبديّ، دون حجة من الله ورسوله، بل من باب " أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَـٰبِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍۢ ۚ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْىٌۭ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰٓ أَشَدِّ ٱلْعَذَابِ" البقرة 85، وليس شعارَ إقرارٍ بالعبودية لله وحده والتي تعنى الخُضوع والتذلل له، وطاعة أمره ونهيه. الشعارُ الصحيح إذن، الذي يجب أن يرفعه المسلم، كلً مسلم، أنّ "الدين لله، والوطن لله". * الجمعة 12 أغسطس 2011 http://www.almaqreze.net/ar/themes/G...ges/bullet.gif في 08/12/20112 |
الساعة الآن : 01:27 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour