مسلك الصفوة وسبيل البررة
مسلك الصفوة وسبيل البررة إنَّهم يمشون على هذه الأرض مِشية المؤمن الذي تعلوه السكينة، ويزِينُه الوقار، لا يتكبَّر، ولا يتجبَّر، ولا يريد عُلوًا في الأرض ولا فسادًا، وإذا بسط إليهم الجاهلون ألسنتهم بالسوء –أي: عباد الرحمن-؛ لم يقابلوا ذلك بمثله، بل بالعفو والصفح والمغفرة، والإغضاء عن الزلات، والتجاوز عن الهفوات، فهم كما قال الحسن البصري -رحمه الله-: "حلماء لا يجهلون، وإن جُهِل عليهم؛ لم يجهلوا"، هذا نهارهم فكيف ليلهم؟! إنَّه خير ليل، إنَّه ليل أبيض مضيء بأنوار الطاعة التي يزدلفون بها إلى مولاهم، {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان: 64]، صفُّوا أقدامهم، وأجروا دموعهم، واتصل نشيجهم، يحذرون الآخرة، ويرجون رحمة ربهم، ضارعين إليه {رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: 65]، أي: لأنه كان هلاكا دائمًا وخسرانًا ملازمًا {إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان: 66]. وفي هذا من المدح لهم والثناء عليهم ما لا يخفى؛ ذلك أنهَّم مع حسن معاملتهم للخلق، وشدة اجتهادهم في عبادة الخالق وحده لا شريك يخافون أن ينزل بهم عذابه، فيبتهلون إليه أن يصرفه عن ساحتهم، غير آبهين ولا ملتفتين إلى جميل أعمالهم وعظيم رصيدهم منها. وأما في إنفاقهم على أنفسهم وأهليهم؛ فلقد سلكوا فيه أعدل السُّبل، ونهجوا فيه أقوم الطرق، فكان وسطًا عدلًا، لا تبذير فيه ولا تقتير، فلم يكونوا مبذرين كأولئك الذين يولعون بمظاهر البذخ في المطاعم، والمشارب، والملابس، والمراكب، والأثاث، وفي الموائد، والأفراح، ولم يكونوا كذلك مقتِّرين شأن أولئك الذين يقبضون أيديهم عن واجب النفقات، ويشحِّون بالمعروف، ويبخلون بما آتاهم الله من فضله؛ لأنَّ من شأن الإسراف استنفاد المال في غير مواضعه، فينقطع الإنفاق، وتذبُل زهرته، ولأنَّ من شأن الإقتار إمساك المال، فيُحْرَم مستحقه. ولقد كان من صفات عباد الرحمن التخلِّي عن المفاسد، والتجافي عن الشرور التي كانت ملازمة لقومهم من المشركين، غالبةً عليهم، فتنزَّهوا عن الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله قتلها، وعن الزنا، جاء ذلك في قوله سبحانه: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان: 68]. إنَّه إخلاص الدين لله، وصرف جميع أنواع العبادة له وحده، فلا يدعون في الشدائد إلَّا إياه، ولا يسألون العون ولا يرجون الغوث ولا يطلبون المدد إلَّا من الله، ولا يعتمدون في كلِّ شأن من شؤونهم إلَّا عليه سبحانه، ولا يخافون أحدًا سواه، وذلك هو التوحيد الخالص الإيمان الكامل الذي رفع الله به أقوامًا، منهم: بلال الحبشي وصهيب الرومي، وخفض به أقوامًا نبذوه، واتخذوه وراءهم ظِهريًا، كأبي جهل، وأبي لهب، وغيرهما من أئمة الكفر وأولياء الشيطان الذي حقَّ عليهم وعيد الله لهم بقوله: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [المائدة: 72]. وكما تنزَّهوا عن الشرك؛ فقد تنزَّهوا عن الفساد في الأرض الذي يتجلَّى في استباحة الدماء المحرمة، وقتل الأنفس المعصومة، وعن العدوان على المجتمع بانتهاك الأعراض المتمثل في أقذر وأفحش صوره في جريمة الزنا، وإنَّ من تلوَّث بأرجاس الشرك، أو استباح قتل النفس التي حرَّم الله قتلها، أو اقترف فاحشة الزنا؛ فسوف يلقى جزاء إثمه وما اقترف من ذنب عذابًا مهينًا مضاعفًا في نار جهنم يوم القيامة، إلَّا إن تقدَّمت منه توبة نصوحٌ في الدنيا، فأقلع عن ذنبه، وندم على ما فَرَط منه، وعقد العزم على أن لا يعود إليه، وأدَّى المظالم، وأعاد الحقوق إلى أهلها، وزكَّى نفسه بالصالحات؛ فإنَّ الله يقبل توبته، ويعفو ويتجاوز عن عقابه، بل ويتفضَّل بثوابه رحمة منه وإحسانًا وجودًا، كما قال عزَّ اسمه : {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الفرقان: 70]. فاتقوا الله واعملوا على الاقتداء بالصفوة، والتأسي بالأخيار، وسلوك مسالكهم، واقتفاء آثارهم، والتخلُّق بأخلاقهم، فإنَّهم كانوا على هدى وطريق مستقيم، {فَبَشِّرْ عِبِادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [الزمر: 18]. وأكثروا من التأمُّل في هذه الصفات الكريمة والسجايا العظيمة ومن دوام الحرص على التحلِّي بها والتخلِّي عمَّا يضادها؛ ففي ذلك الفلاح والفوز والسعادة والنجاح التي عبَّر عنها قوله سبحانه: {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان: 76]. خطبة مفرغة للشيخ: أسامة الخياط -حفظه الله- (بتصرف) |
رد: مسلك الصفوة وسبيل البررة
موضوع رائع سلمت يداك على الطرح المميز يعطيك ربي الف عافيه ولا يحرمنا من ابداعك وتميزك بنتظـــــــــــــــار جديدك يشرفني اكون اول من رد على موضوعك
|
رد: مسلك الصفوة وسبيل البررة
بارك الله فيك وفي شيخنا الكريم ووفقنا واياك لما يحبه ويرضاه |
رد: مسلك الصفوة وسبيل البررة
|
رد: مسلك الصفوة وسبيل البررة
اقتباس:
شكرا لمرورك وردك الطيب وجزاك ربي الجنة |
رد: مسلك الصفوة وسبيل البررة
اقتباس:
ورفع الله قدرك في عليين وجمعنا إخوانا على سرر متقابلين |
رد: مسلك الصفوة وسبيل البررة
اقتباس:
وأسأل الله ألا يرد لك دعوة وأن يرزقك الفردوس الأعلى من الجنة |
رد: مسلك الصفوة وسبيل البررة
بارك الله فيك وشكر لك هذا الجهد وتلك الإضافة المتميزة دمت بحفظ الباري ورعايته وتوفيقه اللهم الهمني رشدي وقني شر نفسي |
رد: مسلك الصفوة وسبيل البررة
اقتباس:
شكرا لمرورك وطيب ردك ولك مثل دعواتك وأكثر دمت في رضى الرحمن |
الساعة الآن : 03:02 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour