ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الحج والعمرة (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=75)
-   -   أيها الحاج (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=278191)

ابوالوليد المسلم 25-06-2022 01:12 PM

أيها الحاج
 
أيها الحاج



أيُّها الحاجُّ القادم إلى بيت الله الحرام، المرتحل من خلف السُّهُوبِ والجبال والأنهار، القادم من وراء الصحراء الشاسعة، والأصقاع النائية، والبُلدان البعيدة- أَعْطِ نفسك أوَيْقاتًا من الأمل الهادئ، والتفكير الدقيق، والنظر الصادق، تغوص فيها على ما تقوم به من شعائر ومناسك.

وفي البداية لا بد لك من صدق النية، وإخلاص القلب، وصحة العمل والتوجُّه المنيب إلى الله عز وجل، عسى أن تُكتَب في أولئك الذين يَحُفُّهم الرِّضوان، وتشملهم الرحمة، وتباركهم بُشْريات القَبول والإجابة، ولا يَغِبْ عنك ما الذي يدِّخره الله تعالى من أجر عظيم لك ولإخوانك الحُجَّاج ما صلحت النية، وصحَّ العمل، واستقام المنهج.

إنك حين تخرج إلى بيت الله الحرام، سيكون لك بكل خطوة حَسَنةٌ تُكتَب، وسيئةٌ تُمحَى، وأما ركعتاك بعد الطواف فهما كعتق رقبةٍ من بني إسماعيل عليه السلام، وأما سعيُك بين الصَّفا والمروة فهو كعتقِ سبعينَ رقبةً، وأما وقوفُكَ عشيةَ عرفة فإن الله عز وجل يهبط إلى سماء الدنيا فيُباهي بهم الملائكة، يقول: عبادي جاؤوني شُعْثًا من كل فَجٍّ عميقٍ يرجون رحمتي، فلو كانت ذنوبهم عدد الرمل، أو كقَطْر المطر، أو كزَبَدِ البحر لغفرتُها، أفيضوا عبادي مغفورًا لكم ولمن شفعتم له.

وأما رميُك الجِمار فلك بكل حَصاةٍ رميتَها تكفيرُ كبيرةٍ من الموبِقات، وأما نحْرُك فمَذْخُور لك عند ربك، وأما حِلاقُكَ رأسَكَ فلك بكل شعرة حلقتها حسنةٌ، ويُمحى عنك بها خطيئةٌ، وأما طوافُكَ بالبيت بعد ذلك فإنك تطوف ولا ذنب لك، يأتي مَلَكٌ يضع يديه بين كتفيك فيقول: اعمل فيما تستقبل فقد غُفِر لك ما مضى.

وقلْ مثل ذلك عن صلاتك وتلبيتك، وشربك من زمزم، وتقبيلك الحَجَرَ الأسودَ، ووقوفك بالمُلْتَزَم، وذكرك وتلاوتك وتسبيحك واستغفارك، وصدقتك وعطائك، والجهد الذي تبذل، والمشقة التي تحتمل، والدعاء الذي ترفع وتضرع، والنجوى التي تدعو بها وتُخبِت وتُنيب.

أيُّها الحاجُّ! لا يغِبْ عنك ذلك، ولا يَغِب عنك بعد إذ تكتمل حجتُك، أنك تبدأ في حياتك صفحةً جديدةً، فحَذارِ أن تشوبها المعاصي والآثام، فالأجَلُ طارقٌ بابَ كلِّ إنسان، ولا يدري أحدنا متى سيطرق بابه، وَلْتَعُدْ أيُّها الحاجُّ إلى بلدك وأنت أكثرُ صفاءً وصدقًا واستجابة للطاعات، وقربًا من الخير، ونَأْيًا عن الشر.

لا يَغِبْ عنك أن المسلم الذي يحيا في مناخ الحج الطاهر العاطر، ويُصْقَل فيه صقلًا عظيمًا، ويُقوَّم فيه تقويمًا كريمًا، في ظلال الأوامر والنواهي، وفي أفياء الشعائر العظيمة المباركة، ينبغي أن يصبح أقدرَ على أخذ مكانه في الصفِّ المسلم، يخدم أمته، ويحمي ذِمارَه، ويجاهد بصدق ومَضاء، وينشر كلمة الله في الأرض ويعليها، ويحارب كلمة الباطل ويتصدى لها، ويسقي شجرة الإيمان، ويجتثُّ شجرةَ الشيطان، ليكون بذلك جنديَّ صِدْقٍ من جنود الرسالة الخالدة، أولئك الجُنْد الأطهار الأبرار الذين يُشكِّلون خير الأمم: ﴿ {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} ﴾ [آل عمران: 110] أولئك الجند الذي سيظلون متمسِّكين بالإسلام، عاضِّين عليه بالنواجذ، عاملين لإعلاء كلمته، يمنحون جميع ولائهم له وحده، مهما فسد الزمان، وتبدَّلت الدنيا، وغُيِّر الناس، مصدِّقين بموقفهم هذا قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (( «لا تزالُ طائفةٌ من أُمَّتي ظاهرينَ على الحَقِّ لا يَضُرُّهم مَنْ خَذَلهم ولا مَنْ خالفَهم حتى يأتيَ اللهُ بأمْرِهِ وهم ظاهِرونَ» )).

وَلْتَكُنْ على يقين راسخ لا حدَّ له، أن الإسلام سينتصر بإذن الله في يومٍ لا ريبَ فيه، سينتصر في يومٍ قادمٍ، يصنعه الله عز وجل بأيدي المؤمنين المجاهدين، فسارع وكنْ منهم، وبادر إلى الإيمان والجهاد، فموكب المؤمنين المجاهدين أكرمُ المواكب وأطهرُها، وأحبُّها إلى الله عز وجل، فأكْرِمْ نفسَك، وأعْلِ منزلتها بالانتساب إليه.

وإنَّ دينك العظيم منتصرٌ ذاتَ يومٍ اللهُ أعلمُ بموعده، منتصرٌ نصرًا عظيمًا، سوف يُمكِّن الله به للحق، ويبدل به الخوفَ أمْنًا، والضعفَ قوةً، والتفرقةَ وحدةً، والجُبْنَ بُطُولةً، فانتسب إلى موكب الإيمان والجهاد، وابذل جهدك كلَّه في سبيل انتصار الإسلام وغلبته، وإعلاء رايته ومجده.

ولا يَغِبْ عنك أيُّها الحاجُّ الكريم، أن الله عز وجل أكْرَمُ من أن يرُدَّ حُجَّاجَ بيته إذا دعَوه، وأن يُعْرِض عنهم إذا أقبلوا عليه، فهو الجواد العظيم الذي لا ساحلَ لجوده وكرمه، ولا نفاد لخزائنه جل شأنه، لا يَغِبْ عنك ذلك، ولا يَغِبْ عنك أن تكون الأكُفُّ الضارعةُ صورةً صادقةً أمينةً لقلوبٍ أيقنَتْ بالإجابة، ونفوسٍ أخذت بالأسباب، وجانبت التواكل، واستغرقت كل طاقاتها وإمكاناتها في خدمة دينها العظيم والولاء له وحده، وامتلكتها الحرقة الصادقة، وتجافَتْ عن المضاجع، وهَزِئَتْ بالراحة، واستعلت على طلب العافية أيًّا كانت، وإيثار السلامة ولو على حساب الحق، وثبتت على الدَّرْب، وأصرَّت على مواصلة السُّرى مهما تكن الصِّعاب، وعزمت على الاستمرار في خدمة دين الله والولاء التام له وحده، حتى يكون له الظهور، أو تنفرد منها السوالف، وأعلنت ذلك دون مواربة ولا دوران، ولا محاورة ولا مناورة، وارتفعت على نوازع الطمع والجشع، والمال والمنصب، والمغنم والجاه، وحب الإخلاد والقعود، واستعصت أن تقع صريعةَ الخوف والهلع، والرعب والجزع، والتحديات الكبيرة، والعقبات المرة الكَؤُود، وقررت أن تحيا للإسلام، دينًا ودولة، ومنهاج حياة وطريق سعادة كريمة في الدنيا والآخرة، بذلك تؤمن، ومن أجله تعمل، وعليه تموت.
_____________________________________________
الكاتب: د. حيدر الغدير










ابوالوليد المسلم 27-06-2022 11:20 AM

رد: أيها الحاج
 
أيها الحاج (2)



أيها الأخ المسلم الذي أكرَمه الله تعالى بالحج، حيث تكون، ومن أي مكان قدمت، وأيًّا كان عملك وبلدك، تذكر - وأنت الآن تستعد لمغادرة الأرض المقدسة مصحوبًا بالسلامة والعافية والقبول - أن أمَّتَك وبلادك تواجه تحدياتٍ كبيرة، وتحيط بها مصاعبُ شتى، وتتداعى عليها الأمم كما تتداعى الأكَلَةُ إلى قَصْعَتِها، وتذكر أن ذلك يضاعف من مسؤوليتك، ويزيد من حجم التكاليف التي عليك، تذكر ذلك جيدًا، وحاول النهوض بمسؤولياتك هذه، وتكاليفك هذه دون أن يقعُدَ بك خوف من كثرة الأعداء، وضخامة التحديات، وفشوِّ الجراحات.

تذكر ذلك، وتذكر أن لك قدرة عجيبةً على النهوض بإذن الله من بين الرُّكام المحدِقِ بك، والمصائب التي تواجهك، والشرور التي تُحيط بك من كل جانب، وقدرتك هذه قدرة ذاتية مكنونة، مستقرة في أعماقك، وهي بعض هدايا الإسلام لك، وعطايا الإيمان لك، وهي السر الحقيقي الكبير الذي يعلِّل نهوضك بعد كَبْوَة، وانتفاضك بعد كل هزيمة، وجهادك بعد كل كارثة.

لذلك لم يفقِدْ أهل البصيرة والذكاء إيمانهم بمقدرتك، حتى في أشد الأوقات التي احْلَوْلَكَ فيها الظلام، وكثُرتْ فيها الجراحات، وظن أهل السوء أن أمرك قد انتهى وباد، ذلك أنهم عَرَفُوك بما وَعَوا من تاريخك، وما أحاطوا به من طبيعة بنائك المدهِشِ، وتركيبك العملاق، وما حفِظوه من جهادك المؤمن الدؤوب عبر أجيال وأجيال، وخلال دهور وأحقاب، وإنك في هذا لَبرهان لا يرد على أصالتك واستعلائك، وعلى أصالة الدين الذي تنتسِب إليه، واستعلاء الإيمان الذي تشمَخ به.

أيها المسلم حيث أنت، تذكر ذلك كله، وكن على مستوى ذكراك هذه؛ يكن لك الفوز المبين، والانتصار الباهر، في دينك ودنياك، ويكن لأمتك المجد والشرف والنصر والغلبة، وتذكر أنك أعجوبة الدنيا بما صنعت من أمجاد وبطولات، ووثبة الظَّفَر بما اقتحمت من منيع الحصون والبلدان، وأغرودة الأكوان بما بنيت للبشرية من عدل وحقٍّ، ومساواة ورحمة، وأنشودة الطهر الفاضل، والفضيلة الطاهرة، والخير المستعلي، والنفع الأبيِّ، بما كان منك يوم أن كانت لك السيادة من مواقفَ نبيلة متوضئة طهورٍ، أملاها عليك انتماؤك للإسلام، وأمته الكريمة الماجدة المعطاء، خيرُ أمة أُخرجت للناس، منذ كانت أرضٌ، وكانت أمم، وكان ناس.

لقد كانت لك مواقف، ارتفعت فيها إلى الأفق الذي يليق بالمؤمن أن يكون عليه، فنأيْتَ عن الشح والأثَرَةِ، والظلم والجبن، والبغيِ والعدوان، وكل ما يسوء وينحطُّ، ويُسِفُّ ويهون، واستشرفت آفاق الجود والعطاء، والبر والرحمة، والعدالة والمساواة، والشجاعة والصدق، وكل ما يطيب ويحلو، وما يطهُر ويسمو، وما يشرُف ويزكو، وما يعبَق ويعلو، مما هو بك لائق، وأنت به جدير.

ليس معنى هذا أنك لم تكبَّ قط، ولم تسقط قط، لكنك كنت تنهض دائمًا، لتثبت أصالتك وشرف انتمائك للإسلام، وجدية اتباعك للقرآن الكريم، في أيام الشدة كما أثبتها أيام العز والظَّفَرِ.

ومرةً كانت كبوتك كبيرة، وكان سقوطك مفزعًا؛ حتى لقد دب اليأس في القلوب، والحزن في النفوس، واستبد بالناس قلقٌ وشكٌّ، وريبة وتوجس، وحيرة وشَجَنٌ، وألم ممضٌّ مستبد مقيم، وتوارى كثير من الشرفاء هنا وهناك حتى لا يسمعوا مقالة السوء التي أخذ يذيعها عنك حاسدوك ومبغضوك، وكارهوك وشانؤوك، وأعداؤك اللئام الذين يفرحون إن وقعت، ويُساؤون إن وثبت، لكنك خيبت ظنون السوء، وكذَّبت أقاويل الحاسدين حين قمت مفاجئًا عن وثبة مظفرة، مبادرًا عن انتفاضة كريمة، وأفقت عن نبأة وضيئة زهراءَ بعد إذ غرَقتَ في الصمت، فتجاوزت الكبوة التي كانت، ونجوت من السَّقْطَة التي حلَّت، ونهضت من بين الحُطام والرُّكام، والدمار والخراب، والمأساة الفاغرةِ أشداقَها، لتصوغ فجرًا جديدًا لك، خصيبًا مزدهرًا، ثريًّا معطاء، نبيلًا كالعهد بك، ساميًا كخلائقك، طاهرًا كصفاتك وفضائلك، مشرقًا ثريًّا، وضاءً متألقًا، تبدأ به عهدًا جديدًا من مسيرتك الخيِّرة المباركة، في هداية الناس، وقيادة الضائعين، وإخراج الحائرين من التِّيه، وتبني الدعوة للإيمان، وإرشاد الناس جميعًا لهديِ الإسلام العظيم.

فتلك مهمتك الأصلية الكبرى التي انتُدبتَ لها بحكم أنك مسلم، يهتدي بالقرآن الكريم، ويستضيء بنوره الرباني المتألق، وينتسب إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

أيها المسلم الذي أكرمه الله تعالى بالحج، تذكر هذا كله، وحاول أن ترتفع إلى هذه الآفاق الشمَّاء، وأقدِمْ ولا تُحْجِمْ، وليكن منقلبُك إلى أهلك وذويك وأنت مستشعر هذه المعانيَ الكبار، عازم على الوفاء بمسؤولياتها الجِسام.
_________________________________________________
الكاتب: د. حيدر الغدير










ابوالوليد المسلم 03-07-2022 09:45 PM

رد: أيها الحاج
 
أيها الحاج (3)
الكاتب: د. حيدر الغدير





أيها الأخ الحاج الذي أكرمه الله تعالى بالحج وسهَّله عليه، تذكَّر وأنت الآن تستعد للأوبة إلى بلدك، بعد إذ أدَّيتَ هذه الطاعةَ العظيمة - أن مسؤوليتك التي يحتِّمُها عليك انتماؤك للإسلام، ويجدد عهدك بها هذا الحجُ الذي منه فَرَغْتَ - كبيرة حقًّا، بالغة الخطورة، فأنت مدعوٌّ بهذه المسؤولية الشريفة، إلى إثبات صدق ولائك للإسلام، وجدية انتمائك إليه، وحسن وعيك للأبعاد الكبيرة للحج المبرورِ الذي نرجو أن تكون قد رُزقته في طاعتك هذه.

إنك - من حيث أنت مسلم - كنز من الفضائل والمكرُمات، والاستعدادات الكبيرة، والمطامح الضخمة، والآمال العِراض، لذلك ما فقد العقلاء أصحاب البصيرة النافذة ثقتهم بك قط، مهما بدا على سطحك الخارجي أنك قد سؤْتَ وضعُفتَ وأخلدتَ إلى التراب، وطاب لك العيش الكليل الكئيب، وحياة الدون والهوان والعجز، ذلك أنهم على يقين كبير أن دفقةً واحدةً فقط من عطايا الإيمان كفيلة أن تطهرك من الشوائب والران، والإخلاد والقعود، والكسل والذلة، وترفعك إلى آفاق المسؤولية المشرفة الكبيرة، مسؤولية الهداية والقِوامة، والوصاية والإرشاد، والإبلاغ المستمر الذي لا يتوقف بحال.

والمسلم - من حيث هو مسلم - يدين بهذا الهديِ الرباني، راضيًا بالله تعالى ربًّا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولًا، وبالإسلام دينًا، واعيًا حقيقة هذا الرضا وأبعاده وتكاليفه، مستعدًا للوفاء بلوازمه ونتائجه، هو خير ما في الحياة، وأجمل ما في الحياة، وأصدق ما في الحياة، هو في ضمير الأكوان حبٌّ ورجاء، وفي قلوب الناس أمل وسناء، وفي أفئدة الحيارى والتائهين منارة للهداية والإنقاذ، ومرفأ أمين صادق، وحادٍ لا يكذب، وهادٍ لا يضل، وقائد لا يخون، وواحة مخضلَّة خضراء، ناضرة عاطرة، يستظل بها من أضناهم السهاد في ليل الجاهلية، وفتك بهم السُّرَى الموصول في هجير الصحراء؛ صحراء الشكِّ والرِّيبة، والفساد والانحراف، والتِّيه الذي ينتهي إلى تيهٍ، والضياع الذي يفضي إلى ضياع، والقلق والظنون، صحراء الشرود عن منهج الله عز وجل، والخبْطِ الأحمق الأرعن وراء مناهج الطاغوت التي لا تنبت إلا الشوك والقتاد، والشَّجو والأحزان، والصَّاب والعَلْقَم، والحنظل المرَّ الكريهَ، وشقاء الإنسان في دينه ودنياه على السواء.

والمسلم - من حيث هو مسلم - يعي حقيقة إسلامه، وينهض بصدق للوفاء بلوازم هذا الوعي، هو من قبلُ ومن بعدُ، وفي قديم وحديث ومستقبل، وفي كل العصور والأمكنة والظروف - بقيةُ الخير في العالم ما كان عالمٌ، وهو في عصرنا اليوم، العاتي المتمرد، الجافي الخؤون، الذي فشت فيه المادة حتى عُبدت من دون الله تعالى في كثير من البلدان، وانتشر فيه دمار الإنسان حتى صار جزءًا لازمًا من عطاياه النَّكِدة الوخيمة - هو في هذا العصر مَوْئِلُ النور، وبارقة الأمل، وبشرى الإنقاذ.

حذارِ حذارِ أن تنسى أيها المسلم دورك، وحذارِ أن تجاريَ عصرك، ما حسُن منه وما ساء، بل احتفظ بشخصيتك، واشمَخ بإيمانك، واستعلِ بقرآنك، وارتفع وافخر بدورك وريادتك، وقيادتك الآخرين، وسِرْ في دربك المبارك هاديًا للخير، داعيًا للفضيلة، مبشرًا بالنور، محذرًا من الضلال.

كم وقف الغزاة على بابك! وكم اقتحم العادون دارك! وكم فتك بك الأفَّاكون والطغاة! وكم اجتاحت بلادك جيوشُ الظالمين! لكنك لم تلبَثْ أن قهرتُهم، وطهَّرت أرضك من رجسهم، وسموتَ وعلوت، وطهُرتَ وزكوتَ، فإذا بالغزاة والطغاة والعادين والأفَّاكين والظَّلَمة خبرٌ من الأخبار، ورواية في كتب التاريخ، وإلا فأين الصليبيون والتتار؟ وأين جيوش ما سمي بالاستعمار؟ ولم يكن فيه إلا الخراب والدمار.

لقد كنت - أيها المسلم - تنتصر في هذه المواقع كلها؛ لأنك كنت تعود إلى مَعين قوتك الذي لا ينضُبُ، ومصدر طاقتك التي لا تتوقف، وهو دينك وقرآنك، فاستمسك به، واحرص عليه، واهتدِ بنوره، وتشبَّث بعُروته، واعمَل بمقتضى توجيهه؛ يكن لك الفوز من جديد، والظفر من جديد، والغلبة والظهور، والنصر المؤزر الكبير.

تذكر ذلك أيها المسلم الذي أكرمه الله تعالى بالحج، تذكر ذلك وأنت تؤوب إلى وطنك، وكن على المستوى الذي يوجبه عليك إسلامك، والذي يجدد الحج تذكيرك به.

إن أمتك المسلمة اليوم تواجه تحدياتٍ مسعورةً منهومة، تحيط بها من كل مكان، وإن البشرية اليوم تتردَّى في مستنقع الضياع والجهالات والتفاهات، وإن الحضارة اليوم أفلست وانحطت وباتت في الاحتضار، والأمل ينعقد عليك وحدك أيها المسلم، فأنت المهتدي الوحيد والآخرون ضائعون، فعُدْ إلى إسلامك، وابنِ عليه مجتمعك ودولتك، تنقذ نفسك وتنقذ أُمتك، ثم انطلِق بعد ذلك لإنقاذ البشرية التائهة والحضارة البائسة من المصير الرهيب.



ابوالوليد المسلم 03-07-2022 10:18 PM

رد: أيها الحاج
 
يا أيها الحجيج (4)






الكاتب: د. حيدر الغدير
يا أيها الحجيج، يا إخوة الإسلام، بارك الله فيكم، وقَبِل مسعاكم.
إن كثيرين يزعمون أن العلم وحده سبيل النهوض، وأنه لا حاجة للأخلاق قط، لكننا شاهدنا التجربة المُرَّة، تقرر عكس ذلك بالضبط، وذلك حين رأينا بعيوننا كيف صار العلم ومنجزاته عند كثير من دول الأرض سببًا للدمار حين انفصل عن كل توجيه خلقي، وتهذيب روحي، فإذا بنا نجد في بعض بُلدان العالم التي أحرزت تقدمًا علميًّا ممتازًا، عصاباتٍ للفتك والإجرام تتكون أحيانًا من أعلى الطبقات الاجتماعية، التي نالت أكبر حظ من المعرفة، وإذا بهذه العصابات الإجرامية فيها العالِمُ المخترع، والمهندسُ الذكي، والقانونيُّ الضليع، والأديبُ المشهور، والصيدليُّ النابه، وفيها كذلك أحيانًا رجلُ الأمن الذي مهمته الأولى محاربة الإجرام.

ذلك أكَّد بشكل حاسم أن الحضارة بلا خُلُق دمارٌ مؤكد، ورعب حقيقي، وأسقط دعوى القائلين بأن العلم وحده سبيل النهوض، وأبرز حاجة العصر للخُلُق المكين، والعفة والأمانة، والصدق والاستقامة، والتعاون والإيثار، والمودة والحنان.

وهذه الحاجة هي بعض هدايا إسلامكم العظيم للبشرية، فهل تقدمون هذه الهدايا إلى عصرنا اليوم الذي تشتد حاجته إليها يومًا بعد يوم، وتزداد بازدياد متاعبه ومشكلاته؟ إنها مسؤوليتكم تقع عليكم بحكم انتمائكم لهذا الدين الكريم، فهل أنتم لها واعون؟ وهل أنتم بها ملتزمون؟

يا إخوة الإسلام من الحجيج وغير الحجيج.
أنتم مدعوُّون للإنقاذ، إنقاذ أنفسكم أولًا، وإنقاذ أمتكم بعد ذلك، وإنقاذ الحضارة التي باتت في الاحتضار، أنتم المدعوون لهذا الإنقاذ، وأنتم وحدكم القادرون عليه؛ لأنكم تملكون وسائله وأدواته؛ وهي أن تطبقوا الإسلام في دياركم، وتحملوه إلى الآخرين، فذلكم هو الحل الوحيد.

وإن لكم فيه سابقة ممتازة، فالإسلام حقق التجربة الفذة الرائعة في التاريخ حين تعايشت في ظلِّه الطَّهورِ المللُ والنِّحَلُ، والأجناسُ والأقوام، واللغاتُ والألوان، والأزياءُ والأمزجة، دون أي صراع طبقي، أو حقد اجتماعي، فليست هناك عداوة وأحقاد، ولا مستغِلُّون ولا مستغَلُّون، بل ينعَم الجميع بنعمة الأمن والعافية، والمساواة والعدالة.

ذلك أن الإسلام العظيم منح الجميع عطاياه المباركة؛ هذه التي أنعم بها حتى غير المسلمين، وسعدت بها الأقلياتُ التي ظلت تعيش في المجتمع الإسلامي، مع إصرارها على البقاء على أديانها الخاصة، إن ذلك أمرٌ عظيم جدًّا حقَّقه أسلافكم من قبلُ، وإن بوسعكم اليوم أن تحققوه يا إخوة الإسلام، فهل أنتم فاعلون؟!

يا إخوة الإسلام، لقد سقط إلى الأبد ذلك التوزيعُ الآثم الذي صنعته حضارة الرومان قديمًا، حين وزعت الناس إلى سادة وعبيد، رومان وبرابرة، سقط هذا التوزيع إلى الأبد؛ لأن حب المساواة جزء من فطرة الناس، سقط ذلك كله، وسقط كذلك ما كان يزعمه الغرب من أنه وحده أستاذ العالم في كل شيء بدعوى أن الرجل الأبيض وحده الذكي، وحده المتفوق، بينما الآخرون أغبياء ومتخلفون، لذلك أباح لنفسه أن يتصرف بالآخرين كما يريد، ويعدو عليهم كما يشاء، ويسلُب خيراتهم كما يحلو له، ويقتل منهم مَنْ يَوَدُّ كما يطيب لخاطره، سقط هذا الزعم، وسقطت دعاوى الرجل الأبيض؛ لأنها وهمٌ ليس له سندٌ من الحقيقة.


وكما سقط التوزيع الروماني القديم للناس، وكما سقطت مزاعم الرجل الأبيض في الغرب، سقطت أيضًا مزاعم الملاحدة، أولئك الذين جعلوا نشاط البشر كله، خلال أحقاب التاريخ كلها، هو البحث عن الطعام فقط، وسدُّ جوعة الجسد فقط، وجعلوا الصراع بين الناس في الأرض كل الأرض، خلال أحقاب الزمن كله، صراعًا بين بطون خاوية جائعة، تحقد وتتمرد على بطون ممتلئة.

سقطت مزاعم هؤلاء جميعًا سقوطًا ذريعًا - يا إخوة الإسلام - لأنها تخالف بَداهة العقل، وشواهد التجربة، ولأنها حين أقامت مجتمعات لها تزعم أنها مجتمعات السعادة البشرية، كان فيها ظلمٌ كبير، وحقد مدمرٌ، وإذلال لا مثيل له، فليس ثمة عدالة، وليس ثمة كرامة، وليس ثمة حتى شَبَع، فكان مجتمعها الذي بَنَتْهُ أكبر دليل على ما زعمت وزوَّرت وخدعت.

يا أيها الحجيج، يا إخوة الإسلام، إن بوسعكم وحدكم وقد سقطت هذه المزاعم جميعًا رومانية وغربية، وإلحادية وشيوعية أن تقدموا البديل العظيم وهو الإسلام الذي لا يمايز بين الأفراد، ولا بين الجماعات، إلا من خلال معيار واحد هو التقوى فقط، وبذلك يحقق الإسلام تكافؤ الفرص حين لا يضع حواجز مسبقة ظالمة، فهل أنتم فاعلون؟





ابوالوليد المسلم 03-07-2022 10:20 PM

رد: أيها الحاج
 
يا أيها الحجيج (5)

الكاتب: د. حيدر الغدير

أيها الإخوة الحجيج الذين أكرمهم الله تعالى بالحج، وطفِقوا إلى بلدانهم يؤوبون.

هذه كلمات لكم فاسمعوها، بارك الله فيكم، وتقبل طاعاتكم، وسدَّد خطاكم، أنتم أيها الإخوة المؤمنون أيًّا كانت أرضكم وبلادكم، ولغتكم ولونكم، وجنسكم وقبيلكم - مجتمعُ النشاطِ الفاضل في هذا العالم، ومَوئلُ الهدايةِ والخِصب، والجودِ الثريِّ، والخيرِ والعطاء والتضحيةِ والإيثار، في الأمة المسلمة الخالدة التي تتحفزُ اليوم للوثوب والقيام، وتستعدُّ للانتفاضِ واليقظة.

أنتم دليلُ الحياة الصاعدة فيها، والعزيمةِ المتدفقة في أعماقها، والمؤشِّر الذي قلما يخطئ على سلامة وجهتها، ونقاءِ وجدانها، وأصالةِ مَعدِنها، وقوةِ بنيانها، وشموخِ أهدافها ونصاعة غاياتها، ونظافةِ وسائلها لبلوغ ما تريد، وشرفِ أساليبها للحصول على ما تؤمِّل ما بقيتم على ولائكم لإسلامكم، وحسنِ وعيكم لحقائقه، وصادقِ عزمكم للوفاء بمسؤولياتِ الانتماء إليه.

أنتم إشراقةُ الصباحِ الوضيئة، وبسمةُ الزهر الطيبة، وإطلالةُ القمرِ الساجية، وزهرةُ الحدائقِ اليانعة، والأريجُ الحلوُ العاطر، والبستانُ المخضوضرُ الناضر، والألقُ السَّنيُّ الطاهر، والكلمةُ الصادقةُ الحنون، والجوهرُ النفيسُ المكنون، والغيثُ السكوبُ الهتون، والسنا البهيجُ الودود، والهدْيُ الكريمُ المحمود، ما بقيتم على ولائكم للإسلام، وحسنِ وعيكم لحقائقه، وصادقِ عزمكم للوفاء بمسؤولياتِ الانتماء إليه.

أنتم الربيعُ يأتي بعدَ الشتاءِ العاصف القاسي، والخصبُ يوافي بعد الجديب المُمْحِل من الأيام، والدفءُ يُطِلُّ بعد الصقيع، والنهارُ يطلُع بعد الليل، والشمسُ تسطَع بعد الزمهرير، والنماءُ يتدفق بعد الجفاف، والخضرةُ تَفِدُ بعد اليُبوسة، والسحابُ يسقي الأرض العَطْشَى، والمُزْنُ يسقي الحقول التي صوَّحَت، والفراتُ يتدفق في البساتين التي جفَّت، ما بقيتم على ولائكم لإسلامكم، وحسنِ وعيكم لحقائقه، وصادقِ عزمكم للوفاء بمسؤولياتِ الانتماء إليه.

أنتم شموسُ الهدايةِ والإصلاح، ومصابيحُ الإرشادِ والإيمان، ومشاعل النور والخير، وكواكبُ الحق يسطعُ ويتلألأ، وأقمارُ الصدقِ والشرف والفضيلة، والمنارةُ التي تَهْدي الحائرين، والواحةُ التي تحنو على المتعَبين، والشاطئُ الأمين يستقبلُ التائهين، الخابطين في لججِ الأهواء والشهوات، التابعين لكل ناعقٍ ومزوِّرٍ ودَعِيٍّ.

أنتم اللواء الكريم الشريف الذي يمنح عطاياه الخيِّرة، وبركاته السابغة لكل مَنْ يأوي إلى مظلته، ويَفِيءُ إلى رحابه، ويلوذُ بأكنافه، ما بقيتم على ولائكم لإسلامكم، وحسن وعيكم لحقائقه، وصادق عزمكم للوفاء بمسؤولياتِ الانتماء إليه.

أنتم الأملُ الجيَّاشُ الدافق، والعهدُ الوثيق الصادق، والرجاءُ الحار الحبيب، والأمنيةُ الغالية الأثيرة، وبارقةُ النورِ حيث تدلَهِمُّ الظلمات، وومضة الهداية حيث تفشو الضلالات، وإشراقةُ العزةِ حيث تَكْثُرُ الكُلوم والجِراحات، وأنتم انتفاضةُ القوةِ حيث يشتد بطش الأعداء، والحصنُ القويُّ حين يَعْظُمُ بغيُهم وغدرُهم، وبسمةُ العزاءِ حين يكونُ المصابُ موجِعًا محزنًا، شديدَ الضراوةِ والعنفِ والإيذاء، أنتم كذلك ما بقيتم على ولائكم لإسلامكم، وحسنِ وعيكم لحقائقه، وصادقِ عزمكم للوفاء بمسؤولياتِ الانتماء إليه.


أنتم اليدُ الحانية تشدُّ على أذرعِ المنكوبين والمستضعفين، والكلمةُ المواسية لمن أوجعهم البغيُ والعدوان، والفجرُ الوردي البهيج لمن ثقُلتْ عليهم ليالي الجاهلية، وتطلَّعوا إلى يومِ الخلاص والنجاة من شرورِها المستفحلة، وآثارِها التي تفتكُ بالإنسان حيثُ بسطت نفوذَها الضالَّ المبطل.

أنتم كلمةُ الصدقِ تُقال في كل مكان، ودعوةُ النور يُهْتَفُ بها كلَّ آن، وقولةُ الحق يُصْدَعُ بها أمامَ الجبابرةِ والطغاة، وسَدَنَةِ الضلالِ والفساد الذين يعاندون الهدى ويحاربونه، بُعْدًا عن دينِ الله، ونأيًا عن منهجه القويم، وبطشًا بالإيمان وأهله، وعلوًّا في الأرضِ بغير الحق، وحكمًا بغيرِ ما أنزل الله.

أنتم كذلك - أيها الإخوة الحجيج - ما بقيتم على ولائِكم لإسلامكم، وحسنِ وعيكم لحقائقه، وصادقِ عزمكم للوفاء بمسؤولياتِ الانتماء إليه.

أيها الإخوة الحجيج، باركَ الله عليكم ورعاكم، وقَبِلَ سعيكم وجزاكم خيرَ الجزاء، وجعلَ حجَّكم مبرورًا، وذنبكم مغفورًا، وسعيكم مشكورًا.

إنه لم يكنْ عصرٌ من العصور أحوجَ إلى الهدايةِ من عصرنا هذا، الذي عبثت به الضلالات عَبَثًا شديدًا، وأوردته مواردَ التَّهْلُكَةِ والدمار، ولن يستطيعَ هدايتَه أحدٌ سوى أمةِ الإسلام، فكونوا في هذه الأمة طلائعَ زحفِها الميمونِ في مسيرةِ الهدايةِ والنورِ والإرشاد، وروَّادَ طريقِها الصعب من أجل هذا الأملِ الكبير.





ابوالوليد المسلم 03-07-2022 10:22 PM

رد: أيها الحاج
 
يا أيها الحجيج (6)

الكاتب: د. حيدر الغدير



أيها الإخوة الحجيج الذين أكرمَهم الله تعالى بالحج هذا العام، وطفقوا إلى بلادهم يرجعون!

هنيئًا لكم ما سارعتم إليه من طاعة، وما احتملتُم من أجلها من جهدٍ ومشقة، وباركَ الله لكم في حجكم، وأعادكم إلى بلادكم سالمين غانمين مأجورين، وهيَّأ لكم السبيلَ لتعيشوا بعد حَجِّكم المبارك على الهدْيِ والاستقامة، وكلِّ ما يرضي الله جل شأنه، وأبعدكم عن كل ما يسبب غضبه وسخطه، وجعلكم من سعداء الدنيا والآخرة، هذه كلماتُ تحيةٍ وتذكير، ووداعٍ ووفاء، أملاهم الحب والأخوَّة، والشعور بالمسؤولية الإسلامية المشتركة.

يا إخوة الإسلام، إنكم - بحكم إسلامكم الذي تنتمون إليه، وبهذا الحج المبارك الذي جدد هذا الانتماء والولاء - مطالَبون بإحداث تغيير عميق في حياتكم كأفراد، وفي حياة أمتكم كجماعة؛ ذلك لأنكم مسلمون رضوا بالله تعالى ربًّا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا وسولًا، وبالإسلام دينًا، ليس لكم أن تمنحوا ولاءكم إلا لإسلامكم فحسب، فعضوا عليه بالنواجذ، واحرصوا عليه أشد الحرص، واحذَروا كل مبدأ دخيل، أو فكرة معادية، أو مذهب زائغ، واحذروا كل الدعوات التي تحاول أن تفصلكم عن دينكم مهما تظاهرت بالخير، وأخفت حقيقتها المدمرة، وزعمت أنها تريد الإصلاح، وأكَّدت أنها لا تريد بالدين سوءًا، فلا تمنحوا ولاءكم إلا لمن تبِعَ دينكم، وارتضاه حقًّا وصدقًا، وقولًا وعملًا، وأعلِنوها صريحةً قويةً مجلجِلَة: نحن - المسلمين - لا نقبل إلَّا شرع الله، وحكم الإسلام، عبادتنا لله وحده، وقدوتنا رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم وحده، والقرآن الكريم إمامنا ودستورنا.

وإنكم عندما تفعلون ذلك تنقذون أنفسكم في دينكم ودنياكم، وتنقذون أمتكم بعد ذلك، وهذا هو أعظم التغيير المرجوِّ، والتطوير المطلوب، الذي سيمتد نطاق نوره وخيره وبركاته حتى يشمل الدنيا كلها بإذن الله، وحين تفعلون ذلك، وأنتم القادرون على إقامة مجتمع الحق والعدل، والبر والمرحمة، والنور والمساواة، والفضائل والمكرُمات، وإن بوسعكم إقامته، كما أقامه أسلافكم من قبل، نموذجًا أعلى للبشرية كيف ينبغي أن تكون، وتطبيقًا عمليًّا لما يعود الإيمان به على الناس من خيرات عظيمة، حين يُخلِص الناس له المحبة والوفاء والولاء.

وأنتم المطالبون بإقامة هذا المجتمع، إعذارًا إلى الله عز وجل، وأداءً للأمانة، ووفاءً بحق هذا الدين العظيم، ورحمةً بالناس الذين آذتهم القوانين الجائرة، والمبادئ المستوردة، والأفكار الظالمة، وفتكتْ بهم الجاهلية بشتى أشكالها وانتماءاتها، وإنكم لَمطالبون بإقامة هذا المجتمع أيضًا؛ إبراءً لذمتكم، وإنقاذًا لأنفسكم من تَبِعَةِ التقصير، وإسعادًا لأنفسكم كأفراد، ولأمتكم كجماعة، وللإنسانية كلها، وإنكم وحدَكم المهيؤون لذلك بحكم انتمائكم للإسلام الخالد، وإيمانكم بالقرآن العظيم، وانتسابكم لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، ما بقيتم على حسن ولائكم لإسلامكم، وحُسن وعيكم لحقائق هذا الولاء، وصادق عزمكم على الوفاء بمستلزماته ونتائجه.

يا إخوة الإسلام، أنتم اليوم مدعوُّون لإنقاذ الإنسان المعاصر من مآسيه التي يكابدها، وأحزانه التي يعانيها، وهمومه التي تفتك به، ومتاعبه التي تؤسيه، والقلق الذي يمزقه، والحيرة التي تسحقه، والتيه الذي يخبِط فيه، لقد شقيَ طويلًا طويلًا، أشقتْه الجاهليات الجديدة التي تنأى عن الهدى، وتصدُّ عن الحق، وتبتعد عن منهج الله عز وجل، وتتعبد للمادة وزيادة الإنتاج وغير ذلك من الأصنام المعنوية الجديدة.

هذه الجاهليات الجديدة أشقَتْهُ، ومزَّقت حياته، ودمَّرت إنسانيته، وانتزعت منه خصائصه النفسية التي يصبح بدونها حيوانًا أعجمَ، أحرقت أعصابه، وآدت مَنْكِبيه، ولعله لم يشقَ إنسان قط خلال التاريخ كله، كما شقي الإنسان المعاصر، مما يجعل الحاجة إلى إنقاذه أمسَّ وأعظم، وإن ذلك بوسعكم - يا إخوة الإسلام - وإنكم عليه لقادرون، وإنه ليس بمقدور سواكم أن يؤدي هذا الدور المرتقب الكبير، فهو عليكم مقصور، وفي إمكانكم وحدكم محصور، ما بقيتم على حسن ولائكم لإسلامكم، وحسن وعيكم لحقائق هذا الولاء، وصادق عزمكم على الوفاء بمستلزماته ونتائجه.

إنَّ هذا العصرَ ليلٌ فأَنِرْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أيها المسلمُ ليلَ الحائرين https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وسَفينُ الحقِّ في لُجِّ الهوى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لا يرى غيرُكَ ربَّانَ السفين https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


هكذا هتف إقبال رحمه الله شاعر الإسلام الكبير، وهو من أكثر الناس معرفةً بطبيعة العصر، والمتاعب التي تواجه الحضارة، وهو من أكثر الناس وعيًا بحقيقة المسلم ودوره ومهمته، وقيادته وريادته، فكان هتافه هذا، هتاف الخبير الذكي المدرك أن الإنقاذ بيد المسلم، وبيد المسلم وحده.





ابوالوليد المسلم 03-07-2022 10:23 PM

رد: أيها الحاج
 
يا أيها الحجيج (7)

الكاتب: د. حيدر الغدير





يا أيها الحجيجُ الذين أكْرَمَهم الله تعالى بالحج هذا العام، وطفِقوا إلى بلادهم يعودون، تقبَّل الله منكم حجكم، واستجاب دعاءكم، وجعل حجكم مبرورًا، وسعيكم مشكورًا، وذنبكم مغفورًا، وأعادكم سالمين غانمين، وحماكم من السوء، وعصمكم من الآثام.

يا أيها الحجيج، يا إخوة الإسلام في كل مكان من المحيط إلى المحيط، من سواحل المغرب إلى مشارف الصين، يا إخوة الإسلام؛ من سُمْرٍ وبِيض، سُودٍ وصُفْر، مسافرين ومقيمين، مهاجرين ومغتربين!

أنتم اليوم بشائرُ فجْرٍ سيطلع، وإقبالٌ بعدَ إدبار، وامتدادٌ بعد انحسار، ونورٌ بعد ظلمة، وخيرٌ بعد شرٍّ، ونصْرٌ بعد هزيمة، وأنتم اليوم بوادرُ وثبةٍ كريمةٍ مشرَّفة، وطوالعُ زحفٍ إسلامي ميمون، ينقذ الأمة المسلمة مما تعاني وتكابد، ويقود خطاها للظفر والعلو والغلبة، ويجعل الإسلام فيها الحكم، والقرآن فيها الدستور.

يا إخوة الإسلام، أنتم اليوم تقاومون التحديات، وتغالبون الصعاب، وتفكرون وتدبرون، تخططون وتناقشون، وإن فيكم طلائع من طلائع الخير، هم على حظٍّ من الوعي كبير، وقَدْرٍ من الفهمِ طيِّب، وإحساسٍ جدي بالمسؤولية.

وإن الإخلاصَ ماثلٌ فيما يعملون، والصدقَ فيهم حقيقيٌّ وجاد، والنيةَ طيبةٌ زكية، هكذا تراهم، وهكذا تلمس شخصياتهم المؤمنة التي ينعقد عليها أملٌ كبيرٌ.

يا إخوة الإسلام، إن شمسكم الخيِّرة تكاد تشرق على الأكوان، وإن ربيعكم الخصيب المِمْراح أوشك أن يطل على هذه المعمورة، ها هي ذي البشائر يقترب موكبها البهيج، وها هو ذا النور تدب رويدًا رويدًا خيوطُه الذهبية الحبيبة، وها هو ذا الشجر يورق بعد عُرْي، والأغصان تزهر بعد مَوات، والزهرات الحسان ينحسر الصقيع عنها، وظل الغفلة يرحل، وغيهب الجهالة يتقشَّع، وليل الأحزان يتصرم، ذلك أن في المسلمين اليوم بداية صحوة إيمانية كريمة.

ما أحلاها من بشرى وضيئة! ما أجملها من رواية حبيبة أثيرة، تصافح الأذن!

إن في المسلمين لَصحوة.. ها هم يُحْيون البدايات الحقيقة الصعبة التي لا بد أن يواجهها الروَّاد، وها هم يضعون أرجلهم على أوائل الطريق، ويا للروعة والبشر!.. يا لسعادة المسلمين!

إنَّ دماءَ الشهداء لم تضِعْ، وإن تضحيات الأبطال لم تذهب هدرًا، وإن ثبات الرجال الكِرام الأوفياء الذين ابتُلوا بسبب إصرارهم على الحق، ونأيهم عن الباطل، وإبائهم أن يتحوَّلوا إلى مُهرِّجين في مواكب الطغاة لم يذهب أدراج الرياح، وإن أصوات الدعاة الصادقين لم تتبدَّد ولم تمت، بل ضربت عميقًا عميقًا في وجدان الأمة، وها هي ذي براعمها وقد نبتت، وإنها سوف تنمو بإذن الله وتزدهر، ويشتد ساقها، وتقوى وتعلو، ترعاها عناية السماء، وتسهر عليها عيون المؤمنين، وتباركها دعواتُ الصالحين، وتحميها سواعدُ الأوفياء لدينهم العظيم.

وإن اليوم الذي سوف تؤتي أُكُلها فيه قادم بإذن الله، قادم لا ريب في قدومه، فالبداية الصحيحة قد اهتدى إليها المسلمون، وها هي طلائعهم تلتزمها بوعيٍ وذكاء، وحماسةٍ وإصرارٍ، وصدقٍ وإخلاصٍ، وعزائمَ كالصخرِ راسيةٍ شمَّاء.


يا إخوة الإسلام، كثيرةٌ هي الهجمات التي اقتحمت ديار المسلمين، وكثيرةٌ هي النكبات التي ألمَّت بهم، وكثيرةٌ هي الرزايا التي فتكت بهم، غزوًا عسكريًّا، واستعمارًا اقتصاديًّا، واحتلالًا موبوءًا، وحربًا فكرية، بل وإبادة وتصفية جسدية، بهدف القضاء التام عليهم، ومحو اسمهم من سفر الوجود، محوًا ماديًّا ومعنويًّا على السواء، لكن ذلك كله، على الرغم من عتوِّه وفتكه، وبطشه وإيذائه، وحقده الدفين، ومبالغته في العداوة وصنوف الدمار، آبَ بالخيبة والخذلان، وعاد بالخسارة والاندحار، وبطل كيده وسحره ومكره، وظل هذا الدين العظيم راسيًا ثابتًا، وبقي القرآن الكريم خالدًا محفوظًا، ونجت أمتنا وعاشت لغتنا، وانطلقت بعض موجاتنا الإسلامية في أشد الظروف صعوبة، لتكتسب مواقع جديدة للراية القرآنية لم تكن قد كسبتها من قبل.

يا أيها الحجيج العائدون، كونوا من الساعين لمجد الإسلام، المكافحين لتعلو رايتُه، وكونوا مع المجاهدين من أجل هذا الدين لا مع القاعدين، وأبرئوا ساحتكم أمام الله عز وجل من التقصير، اجعلوا ولاءكم للإسلام وحده، وطالبوا بتطبيقه، واجعلوا إمامكم القرآن، وطالبوا به دستورًا لحياتكم في كل ميادينها، واستفرغوا جهودكم من أجل استئناف حياة إسلامية خالصة، حتى تعلو كلمة الله وحدها في كل ديار المسلمين، وترفرف راية الإيمان خفَّاقة عالية، ويذهب بدون عودة ليل الجاهلية الكريه المشؤوم.





ابوالوليد المسلم 03-07-2022 10:25 PM

رد: أيها الحاج
 
يا أيها الحجيج (8)

الكاتب: د. حيدر الغدير


يا أيها الحجيج الذين أكرمَهم الله تعالى بالحج هذا العام، وطفِقوا إلى بلادهم يعودون، تقبل الله تعالى منكم، واستجاب لكم، وجعل حجكم مبرورًا، وسعيكم مشكورًا، وذنبكم مغفورًا، وأعادكم سالمين غانمين.

يا أيها الحجيج، يا إخوة الإسلام الأحبة حيث أنتم في الوطن الإسلامي الكبير، سدَّد الله خطاكم، وبارَك مسعاكم، وجعلكم جنودَ صدقٍ لدعوة الحق والهداية والإنقاذ، حذارِ أن تسمعوا دعاة السوء الذين يريدون أن يُفرِّقوكم إلى أقسامٍ شتَّى، ومِزَق متعادية، من خلال اعتمادهم على أوثان عَفنة سبَق للإسلام أن دمَّرها، وقضى عليها من عصبيات جاهلية متخلِّفة؛ كالجنس والقوم، والأرض والوطن، والعشيرة والقبيلة، واللغة واللون، وما إلى ذلك، فالأمة المسلمة أمةٌ واحدةٌ، جنسيتُها عقيدتُها فقط، وهُوِيَّتُها إيمانُها فقط.

وأعداؤها اليوم يحاولون تقسيمها إلى أقسام وفصائل، وشعوب وأعراق، وأجناس وألوان، وطبقات متعادية متناحرة يضطرم فيها الصراع المدمِّر، والحقد المجنون، فيعدو بعضُها على بعض، وتقتتل بشراسة ووحشية، فتتآكل من الداخل بسبب ذلك، وينخُر فيها السُّوس، ويفتك بها الخراب الذاتي، فإذا بها آخر المطاف صدئة مهترئة كورقة صفراء في مهبِّ الريح، ذلكم بعض ما يهدف إليه أعداء الإسلام من محاولة تقسيم الأمة المسلمة، فاحذروا- يا إخوةَ الإسلام- سماعَ أقوالهم، فإنها السمُّ الزُّعاف، وإن الانقياد لها إضاعةٌ للدين والدنيا على السواء، وعودة إلى الجاهلية من جديد.

يا أيها الحجيج، يا إخوة الإسلام، إن دينكم عدوٌّ للعصبيات والقوميات، وأمتكم لا تتحدد بالأرض والجنس، واللون واللغة، والصُّقْع والإقليم، والسَّحْنة والشكل، والزي والعادات، إنما يحددها فقط أنها مؤمنة مسلمة، رضيَتْ بالله تعالى ربًّا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولًا، وبالإسلام دينًا، فالشهادة وهي الركن الأول من هذا الدين، وهي مدخله وخلاصته تُقرِّر هذه الحقيقة، والصلاة تقررها كذلك، وقُلْ مثلَ ذلك عن الزكاة والصيام، أما الركن الخامس وهو الحج فلعله أكثرُها وضوحًا في تقرير هذه الحقيقة الكبرى، ونظرة واحدة فقط إلى الحجَّاج يطوفون حول البيت العتيق، ويسعون بين الصفا والمروة، ويقفون على صعيد عرفات، ويرجمون الشيطان في مِنى، كافية لظهور هذه الحقيقة بشكلٍ جليٍّ سافر ليس فيه أي غبش أو قَتام.

إنها صورة الأمة الواحدة التي ليس لها حدود؛ لأنها أكبرُ من كل حدود، والتي لا تنتمي لقوم؛ لأنها فوق الأقوام، والتي لا يحتويها زمان؛ لأنها باقية خالدة، إنها الأمة الواحدة التي التزمت رسالة آخر الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، وانخلعت عن كل ما يناقض هذا الالتزام، إنها الأمة القيِّمة الراشدة، المباركة الطهور، أمة القرآن الخالد المحفوظ.

يا أيها الحجيج، يا إخوة الإسلام، يا من أعلنتم بإباءٍ واعتزازٍ وشموخٍ إيمانكم، واستمسكتم بدينكم، واستضأتم بقرآنكم، وقررتم أن تنهضوا بعبء الدعوة إلى الله عز وجل، في هذا العصر الذي فَشَتْ فيه الجاهلياتُ بأشكال جديدة، وصور شتى، ومضيتم في دَرْبِكم المبارك الهادي بثقةٍ وثباتٍ، وفضلتم الصعب على السهل، واخترتم التعب والنَّصَب، والسهر والبذل والعطاء، مؤثرين بذلك كله الباقية على الفانية طالبين رضوان الله تعالى ومثوبته وجنَّته! إن عصرًا من عصور التاريخ لم يكن بحاجة إلى دُعاة الحق كحاجة عصرنا اليوم، فهيَّا- يا إخوةَ الإسلام- إلى إسعاده بالإسلام، وهدايته بالقرآن، وإنقاذه بالإيمان.

ها هو العصر الحديث يُقدِّم صناعات رائعة، ومبتكرات عجيبة، ومنجزات تبعث على الدهشة والإعجاب حقًّا.


ها هو يرتاد النجوم والقمر، ويجوب الأرض، ويصعد الجبال، ويغوص في البحار والمحيطات، ويحوِّل الصحراء إلى أرض خضراء.

ها هو يبني ناطحات السحاب، ويستخرج كنوز الأرض، ويصنع الآلات العجيبة الدقيقة، لكنه- وقد خلا وجدانه من الهدى، وتَصَوَّح بستانُه من الإيمان، وأجدبت نفسُه من الفضائل، وأقفرت روحُه من النور الذي يسعدها- طفق يستعمل ما أنجز في الأذى والفساد والدمار، ومضى يوظِّف ما ابتكر للشرِّ لا للخير، والتقاتُل لا للتعاون، والكذب لا للصدق، فإذا بالذي أبدعه عقلُه وكَدْحُه وكدُّه ينقلب عبئًا عليه، ويصبح وبالًا على منكبيه يزيد من متاعبه وهمومه.

إنكم بوسعكم وحدكم - يا إخوةَ الإسلام - أن تُصحِّحُوا مسيرته، وتقوِّموا طريقته، وتُجنِّبوه العثار، وتقدموا المعادلة التي يستطيع أن يحيا بها في سعادة، ويوظِّف بها المنجزات للخير والفضيلة، جامعًا بين العلم والإيمان في مسيرة هادية مباركة، والنفع الديني والدنيوي، فهل أنتم فاعلون؟!





الساعة الآن : 08:18 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 46.72 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 46.33 كيلو بايت... تم توفير 0.39 كيلو بايت...بمعدل (0.83%)]