ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   فتاوى وأحكام منوعة (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=109)
-   -   حديث: إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في آنيتهم؟ (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=280571)

ابوالوليد المسلم 16-08-2022 08:38 PM

حديث: إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في آنيتهم؟
 
حديث: إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في آنيتهم؟
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك

عن أبي ثعلبة الخشبي - رضي الله عنه - قال: أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله، إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في آنيتهم؟ وفي أرض صيد، أصيد بقوسي وبكلبي الذي ليس بمعلم وبكلبي المعلم، فما يصلح لي؟ قال: "أما ما ذكرت من آنية أهل الكتاب، فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، فإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها، وما صدت بقوسك فذكرت اسم الله عليه فكل، وما صدت بكلبك المعلم، فذكرت اسم الله عليه فكل، وما صدت بكلبك غير المعلم، فأدركت ذكاته، فكُلْ".

الأصل في إباحة الصيد الكتاب والسنة والإجماع؛ قال الله تعالى: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ﴾ [المائدة: 96]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ﴾ [المائدة: 2]، وقال تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [المائدة: 4]، "مكلبين"؛ أي: مؤدبين، قال ابن عباس: إن أكل الكلب فقد أفسده إنما أمسك على نفسه، والله يقول: ﴿ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ ﴾ [المائدة: 4] فتضرب وتعلم حتى تترك، وقال عطاء: إن شرب الدم ولم يأكل فكُلْ، وفسَّر مجاهد الجوارح بالكلاب والطيور، وهو قول الجمهور.

قوله: (إنا بأرض قوم أهل كتاب).

قال الحافظ: يعني بالشام، وكان جماعة من قبائل العرب قد سكنوا الشام وتنصَّروا؛ منهم آل غسان وتنوخ وبهز، وبطون من قضاعة منهم بنو خشين آل أبي ثعلبة.

قوله: (أفنأكل في آنيتهم؟).

قال الحافظ: وقد وقع الجواب عنه، فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها، فتمسك بهذا الأمر من رأى أن استعمال آنية أهل الكتاب تتوقف على الغسل لكثرة استعمالهم النجاسة، ومنهم من يتدين بملابستها، قال: وقال النووي: المراد بالآنية في حديث أبي ثعلبة آنية من يطبخ فيها لحم الخنزير، ويشرب فيها الخمر؛ كما وقع التصريح به في رواية أبي داود: إنا نجاور أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير، ويشربون في آنيتهم الخمر، وأما الفقهاء، فمرادهم مطلق آنية الكفار التي ليست مستعملة في النجاسة، فإنه يجوز استعمالها ولو لم تغسل عندهم، وإن كان الأَولى الغسل للخروج من الخلاف لا لثبوت الكراهة في ذلك، ويحتمل أن يكون استعمالها بلا غسل مكروهًا بناءً على الجواب الأول وهو الظاهر من الحديث؛ انتهى.

وعند الترمذي من طريق أخرى عن أبي ثعلبة سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن قدور المجوس، فقال: "انقوها غسلًا واطبخوا فيها"، وأخرج أبو داود عن جابر كنا نغزو مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنصيب من آنية المشركين، فنستمتع بها فلا يعيب ذلك علينا، وفي رواية البزار: فنغسلها ونأكل فيها.

قوله: (وفي أرض صيد، أصيد بقوسي وبكلبي)، وقع الجواب عنه: (وما صدت بقوسك فذكرت اسم الله فكُلْ).

قال الحافظ: تمسك به من أوجب التسمية على الصيد وعلى الذبيحة وجماهير العلماء إلى الجواز لمن تركها ساهيًا لا عمدًا[1].

قوله: (وبكلبي الذي ليس بمعلم وبكلبي المعلم، فما يصلح لي؟)، وقع الجواب عنه: (وما صدت بكلبك المعلم، فذكرت اسم الله عليه فكُلْ، وما صدت بكلبك غير المعلم، فأدركت ذكاته فكل).

ففيه حل ما صيد بالكلب ولو لم يذك، وتحريم ما صيد بغير المعلم إذا لم يذك، وقال ابن عباس: في قوله تعالى: ﴿ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ ﴾ [المائدة: 3]، قال: فما أدركته من هذا يتحرك له ذنب أو تطرف له عين، فاذبح واذكر اسم الله عليه، فهو حلال، ولأبي داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أعرابيًّا يقال له: أبو ثعلبة، قال: يا رسول الله، إن لي كلابًا مكلبة الحديث، وفيه فأفتني في قوسي، قال: كل ما ردت عليك قوسك ذكيًّا وغير ذكي، قال: وأن تغيب عني قال، وإن تغيب عنك مالم يصل أو تجد فيه أثرًا غير سهمك[2].

قال ابن دقيق العيد: ولم يتعرَّض في الحديث للتعليم المشترك والفقهاء، تكلموا فيه وجعلوا المعلم من ينزجر بالانفجار، وينبعث بالإشلاء، ولهم نظر في غير ذلك من الصفات، والقاعدة أن ما رتب عليه الشرع حكمًا لم يحد فيه حدًّا يرجع فيه إلى العرف[3].

قال الحافظ: وفي الحديث من الفوائد جمع المسائل وإيرادها دَفعة واحدة، وتفصيل الجواب عنها واحدة واحدة بلفظ أما، وأما[4]؛ انتهى.

قال البخاري: وقال الحسن وإبراهيم: إذا ضرب صيدًا فبان منه يدٌ أو رجل، لا تأكل الذي بان وكل سائره، وقال إبراهيم: إذا ضربت عنقه، أو وسطه فكله[5].

قال ابن بطال: أجمعوا على أن السهم إذا أصاب الصيد فجرَحه، جاز أكله، ولو لم يدر هل مات بالجرح أو من سقوطه في الهواء، أو من وقوعه على الأرض، وأجمعوا على أنه لو وقع على جبل مثلًا، فتردى منه فمات لا يؤكل، وأن السهم إذا لم ينفذ مقاتله، لا يؤكل ألا إذا أدركت ذكاته، وقال ابن التين: إذا قطع من الصيد ما لا يتوهم حياته بعده، فكأنه أنفذه بتلك الضربة فقامت مقام التذكية، وهذا مشهور مذهب مالك وغيره[6].

وقال في الاختيارات: والصيد لحاجة جائز، وأما الصيد الذي ليس فيه إلا اللهو واللعب، فمكروه وإن كان فيه ظلم للناس بالعدوان على زرعهم وأموالهم فحرامٌ، والتحقيق أن المرجع في تعليم الفهد إلى أهل الخبرة، فإن قالوا: إنه من جنس تعليم الصقر بالأكل ألحق به، وإن قالوا: إنه يعلم بترك الأكل كالكلب ألحق به، وإذا أكل بعد تعلُّمه، لم يحرم ما تقدم من صيده، ولم يبح ما أكل منه[7].

[1] فتح الباري: (9/ 606).

[2] فتح الباري: (9/ 599).

[3] إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام: (1/ 477).

[4] فتح الباري: (9 /607).

[5] صحيح البخاري: (7/ 111).

[6] فتح الباري: (9/ 605).

[7] الاختيارات الفقهية: (1/ 619).






الساعة الآن : 08:57 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 8.79 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 8.69 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (1.07%)]