ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الأخت المسلمة (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=45)
-   -   شذرات في فقد الولد (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=256787)

ابوالوليد المسلم 11-04-2021 01:51 AM

شذرات في فقد الولد
 
شذرات في فقد الولد


د. عبدالحكيم الأنيس



عطر إبراهيم






عن أنس بن مالك قال: لما قُبض إبراهيم ابنُ النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تُدرجوه في أكفانه حتى أنظر إليه، فأتاه فانكبَّ عليه وبكى)؛ رواه ابنُ ماجه (1475)، وإسناده ضعيف.



وقال الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول": "الولد من ريحان الله تعالى يشمُّه المؤمن فيلتذُّ به؛ قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّكم لتجهلون ولتجبنون وتبخلون، وإنَّكم لمِن رَيحان الله)، فكأنه صلى الله عليه وسلم أحبَّ أنْ يتزوَّد مِنْ ريحان الله تعالى".

♦ ♦ ♦




مصيبة ابن الرومي:

رُزِق الشاعر ابن الرومي ثلاثة أبناء، وماتوا جميعًا في طفولتهم.



وقال يَرثي ابنَه الأوسط محمدًا، وهو أول ولدٍ يَفقده:

بكاؤكُما يَشفي وإنْ كانَ لا يُجدي فجُودا فقد أودَى نَظيرُكما عِندي



وقال فيها:



وما سرَّني أنْ بعتُه بثوابِه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

ولو أنه التَّخليدُ في جنَّة الخُلدِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



وما بعتُه طوعًا ولكن غُصِبْتُهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وليسَ على ظُلمِ الحَوادِثِ مِنْ مُعدي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif






يقول: لا يُرضيني أن أبيعه بأُجرة ولو كان تخليدًا في الجنة، ولم أَبعْه ولكن غُصِبَ مني ظلمًا، وبذلك ذهب الولدُ وذهب الأجرُ، نسأل الله العافية، ونسأله التوفيق[1].

♦ ♦ ♦




مَنْ مات له ولد اسمُه "أحمد":

نظرتُ فيمَنْ مات له ولد اسمه (أحمد)، فكان منهم:

الخليفة هارون الرشيد العباسي.

أبو يعقوب الخريمي.


إبراهيم بن المهدي.

المحدث محمد بن حسان السمتي البغدادي.

الشاعر دِعْبل الخُزاعي.

الخليفة القائم بأمر الله العباسي.

الوزير محمد بن محمد القمِّي.

الشيخ مجد الدين عبدالصمد بن أحمد بن أبي الجَيش البَغدادي الحنبليُّ.

الوزير بهاء الدين ابن حنا: علي بن محمد بن سليم.

الحافظ محمد بن عبدالرَّحمن السَّخاوي.

الشيخ إسماعيل بن محمد جرَّاح العجلوني

الشيخ محمد أبو الهدى الصيادي.

الشيخ محمد بن أحمد البدوي.

الشيخ المؤرِّخ عبدالرزاق البيطار.

أم الشيخ المؤرِّخ المحقق محمد مطيع الحافظ: بشيرة بنت محمد عيد الصبَّاغ، فقَدت زوجها التاجر محمد واصل الحافظ سنة 1952م، وفقدت ابنها أحمد سنة1958م، توفِّي عن 13 سنة.

الشيخ عبدالرحيم الطحان، وُلدَ ابنه المغرب، ومات في الصباح، وكان أول ولد للشيخ.

الأخ الفاضل محمد الطيب بن أحمد سلامة المستشار القانوني، ومدير دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع.



وقد كتب إليَّ قائلاً:

(وأنا أحمد الله أنْ شرَّفني بأن مات لي ابنٌ اسمه "أحمد"، جعله الله فرطًا لنا وحجَّة لنا لا علينا، وقد صعِدت روحُه إلى بارئها وهو يرتِّل كتاب الله، ويتنقَّل بين سورتي الدخان والقلم، وتحديدًا في آيات وصف المتقين، وكان عمره ستَّ سنوات، ووصل في الحفظ إلى سورة الدخان، رحمه الله، ورزقنا وإياكم الصبرَ والاحتساب، وكان ذلك في رجب 1415هـ).



الأخ الشيخ عمر محمد عبدالغفور، الإمام والخطيب في دائرة الشؤون الإسلامية بدبي.

أما مَنْ يُسمَّى "محمَّدًا" فهناك أكثر من عشرين.

♦ ♦ ♦




أثر موت ولد:

مات للإمام سفيان الثوري ولدٌ اسمه سعيد، فقيل له: ما بلَغ مِن وَجدِك على ابنك؟

فقال: "بلتُ يوم مات دمًا"؛ رواه ابنُ أبي الدنيا في كتابه "العيال" برقم (161) و(175).







[1] وكتب إليَّ الأخ الكريم الشيخ الفاضل عبدالعزيز السيد (من قطر) معلقًا على هذه الفقرة: "نعوذ بالله من سخطه، كلام يقشعر له جلدُ الإنسان، نسأل الله تعالى العافية، اللهم ثبتنا وألهمنا رشْدنا. وهناك مدرِّسة في التحفيظ عندما مات طفلُها، وجاءت نسوة لتعزيتها قالت: ماذا عملتُ له حتى يأخذ طفلي؟! اللهمَّ عفوك وإيمانًا تخالط بشاشته القلوب".




ابوالوليد المسلم 19-05-2021 02:42 AM

رد: شذرات في فقد الولد
 
شذرات في فقد الولد (3)
د. عبدالحكيم الأنيس


ولدي أحمد:
قدومُك جعلني شاكرا.
ومرضُك جعلني ذاكرا.
ورحيلُك جعلني صابرا.
فما أكبرَ فضلك علي!
♦♦♦♦
قرأتُ قولَ الله تعالى مُتفضلًا على مكيٍّ غني: ﴿ وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا ﴾ فبكيتُ "أحمد" إذ باتَ مشهودًا ولم يعد شاهدًا.

♦♦♦♦
أشدُّ الحنينِ إلى غائبٍ ترَكَ من حنانهِ صورةً لا تغيب.

♦♦♦♦
قد يبتليك ربُّك ليجعلَ في قلبِك خشوعًا، وفي نفسِك خضوعًا، وفي عينيك دموعًا...

♦♦♦♦
طائر جريح:
في (25) من رمضان سنة (1433هـ) دخل بيتنا طائرٌ جميلٌ، أنسنا به، وسررنا بدخوله، وسعدنا بوجوده.
كان يمتعُنا بصوته، ويسلينا برفرفة جناحه، ويدخلُ البهجةَ علينا بنظراته...
وذات يوم هبَّتْ ريح عاصفة فنالتْ منه، وشعرنا كأنَّ جناحه قد كُسِرَ، وأنَّ ألمًا سكنَ نفسه، فلم يعد ذلك الطائر البهيج...
وحملناه إلى كل مَنْ رجونا عنده دواء يقضي على الداء، فما وجدَ عندهم ما يشفي العلة، ويصرفُ الألم، ويعيدُ للجناحِ الكسيرِ القوة على التحليق والطيران...
وكانت نظراتُ ذلك الطائر الجميل تحملُ الكثير من معاني الامتنان، والحزن والدموع...
وكنا نشاطرُه المعاني ذاتها...
وأخيرًا تقرَّرَ أنْ تحملَ ذلك الطائرَ طائرةٌ تقطعُ الآفاقَ إلى حيث مظنة الترياق...
وكانت الرحلة بجناحي الأمل والرجاء، مصحوبين بالبسمة والبكاء...
وهناك وبعد خمسة عشر أسبوعًا تزاحمتْ فيها الآمالُ والآلامُ نهضَ الطائرُ من بيننا، وحطَّ على غصنِ شجرة، وبدأ ينظر إلينا مُودِّعًا... وفهمنا مِنْ نظراته الحانية أنه يقول:
أشكركم وأستأذنكم.
لقد شاء اللهُ أنْ يلحقني بجواره وهو خيرٌ لي...
لا تنسوني وأنا لن أنساكم... وسأنتظرُكم على بابِ جنةٍ هي خيرٌ من كل ما في الدنيا مِنْ كنوزٍ ورموزٍ...
وذهب مُحلقًا في السماء...
كان ذلك ليلة الجمعة (12) من رجب سنة (1436هـ)...
♦♦♦♦
قال ابن نباتة: محمد بن محمد بن محمد بن الحسن الجذامي الفارقي المصري، أبو بكر، جمال الدين (المتوفى سنة 768هـ) وقد مات له طفل:
يا راحلًا مِنْ بعد ما أقبلتْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
مخائلٌ للخيرِ مرجوَّه https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لم تكتملْ "حولًا" وأورثتَني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ضعفًا فلا حولَ ولا قوَّه[1] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



♦♦♦♦
وقال الشهاب المنصوري (ت: 887هـ) يرثي ولدَه:
قضى ولدي ولم يمْسَسْهُ سوءٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وفازَ من الكريمِ بما لديهِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فيا فرَحي بما أفضى إليهِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
من الحُسنى ويا حُزني عليهِ[2] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



♦♦♦♦
بنت الأستاذ الشيخ عبدالكريم الدبان رحمه الله.
حدَّثني الأخ السيد صهيب بن الشيخ جمال بن الشيخ عبدالكريم الدَّبان التكريتي قال:
كان لجدي بنتٌ ذات سبع سنين، وكانتْ وردةَ المنزل، جميلةً مبتسمةً دائمًا، وقد أصابها يومًا وهنٌ شديدٌ، وسخونةُ جسدٍ، فحملوها إلى المعالجين، وبعد أيامٍ تدهورتْ صحتُها كثيرًا، وقرَّر المعالجون إجراء عملية جراحية، وعندما بلغَ جدِّي الأمرُ وأنَّ وضعها أصبح خطيرًا تكدَّر وجهُه، وأصبحَ الهمُّ والألمُ مُحيطًا به، وخاف أولادُه عليه من شدة الحزن
حدَّثني والدي الشيخ جمال قال: وما دخلتْ صغيرتنا الجميلة غرفة العمليات إلا قليلًا ولحقتْ بجوار ربها، وقد استجمعتُ قواي لأخبر الوالد، وكنتُ أخشى عليه مِنْ شدة وقع الخبر، ودخلتُ عليه فوجدتُه متوجهًا إلى القبلة، الهمُّ أثقلَ كاهلَه، والحزنُ والتعبُ باديان عليه، فأخبرته أن ابنته الغالية على قلبه تُوفيتْ، وإذا بالهم يزول، والحزن يغادره، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وكأنما لم يؤلمه الخبر، بل حصل العكس، وصرتُ في حيرة مع نفسي...
وبعد مضي أسابيع قلتُ له: لقد كنتُ خشيتُ أنْ أخبرَك بوفاة شقيقتي فيصيبك مكروهٌ؛ لما رأيتُ من اهتمامِك وحُزنك، ولما أعرفُ من حنانك، لكن كأنما لم يؤثر الخبرُ فيك! فتبسَّم وقال: كانتْ عندي فخشيتُ التقصيرَ، وأنْ أُسألَ عنها، فلما انتقلتْ إلى جوارِ الكريم لم أعدْ أخشى عليها شيئًا، وهي تُعينني في آخرتي.

♦♦♦♦
توأم:
كتبَ إليَّ الأخ الدكتور أنس مهدي العران السامرائي:

في عام (1997م) رزقني الله بتوأم: براء وبهاء، وبعد شهرين ونصفٍ تُوفي بهاء، -أسأل الله أنْ يسقيني وأمَّه بيدهِ يوم العطش الأكبر-.
والآن كلما رأيتُ براء –وقد أصبح شابًا والحمدُ لله- أتذكرُ أخاه بهاء الذي كان يشبهه تمامًا.
والحمد لله على نعمهِ التي لا يسعنا شكرُها مهما شكرنا.

[1] ذكرهما السيوطي في الجزء السابع من "تذكرته": "الفلك المشحون".

[2] ذكرهما السيوطي في الجزء السابع من "تذكرته": "الفلك المشحون".


ابوالوليد المسلم 30-07-2021 03:09 AM

رد: شذرات في فقد الولد
 
شذرات في فقد الولد (4)
د. عبدالحكيم الأنيس




إلى غائبٍ أخذَ السرورَ معه:
القلبُ لا يحتملُ غائبين...


يقتضي نظامُ الإقامة أنْ تُلغى إقامةُ مَنْ غادرَ أو تُوفي من المكفولين، وقد تراخى في إلغاء إقامةِ ابنهِ الـمُتوفى فرارًا مِنْ مشاعرِ الحزنِ المصاحبةِ لتلك المعاملة، حتى حاصرَهُ الوقتُ المحددُ، فأقدمَ على ذلك مُضطرًا، وحين تسلَّم إشعارَ إتمام الإلغاء كان يردِّدُ:
إذا ذهبَتْ برؤيتك الليالي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وأُلغيتْ الإقامةُ في دبيِّ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فأنتَ بكلِّ جارحةٍ مقيمٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولستَ تغيبُ يومًا عن حُشَيِّ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




في مدينة الكسوة في الغوطة الغربية من دمشق زُفَّ شابٌّ في الثلاثين مِنْ عمره، وفرح به أهله أيما فرح، وبعد يومٍ واحدٍ مِنْ زواجه تُوفي هو وعروسُهُ اختناقًا في الحمّامِ الذي يعمل بالتدفئة على الغاز...
صُدِمَ والدُه مِنْ هولِ المفاجأة، ووقعِ الفراقِ في أيام الفرح، ولم يحتمل قلبُهُ هذه الصدمة فسَقط مغشيًا عليه، ونُقِلَ وهو في غيبوبةٍ إلى العناية المركزة، ليلحقَ بابنه بعد يومين[1]...رحمهم الله تعالى، وعوَّضهم واسعَ رحمتهِ في دارِ كرامتهِ.


خبر غريب!
قال ابنُ الجوزي في "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" في حوادث سنة (474هـ)[2]:
"وفي يوم الخميس حادي عشر ذي الحجة تُوفي "داود ولد السلطان جلال الدولة" بأصفهان، فلحقَهُ عليه ما زادَ على الـمَعهود، ولم يُسْمعْ بأمثاله، ورام قتلَ نفسهِ دفعات، فمنعَهُ خواصُّه، ومنعَ مِنْ أخذه وغسله، لقلةِ صبرهِ على فراقهِ، إلى أنْ تغيَّرَ، فمكَّنَ مِنْ ذلك، وامتنعَ عن المطعم والمشرب، ونزَعَ أثوابَ الصبر، وأغلقَ أبوابَ السُّلو، وجزَّ الأتراكُ والتركمانُ شعورَهم، وكذلك نساءُ الحشم، والحواشي، والخيول، وأقام أهلُ البلد المأتمَ في المنازل والأسواق، وبقيت الحالُ على هذا سبعةَ أيام، وخرَج السلطانُ بعد شهرٍ إلى الصيد، وكتبَ بخطه رقعةً يقولُ فيها:
"أمّا أنا يا ولدي داود فقد خرجتُ إلى الصيد وأنت غائبٌ عني، وعندي من الاستيحاشِ لفراقك، والانزعاجِ لبُعدك عني، والبكاءِ على أخذك مني، ما أسهرَ ليلي، ونغَّصَ عيشي، وقطَع كبِدي، وضاعفَ كمَدي.
فأخبرْ أنتَ بعدي مالك وحالك[3]، وما غيَّرَ البلى منك، وما فعلَ الدودُ بجسمك، والترابُ بوجهِك وعينِك، وهل عندَك عليَّ مثلُ ما عندي، وهل بلغَ الحزنُ بك ما بلغ بي؟
فواشوقاهُ إليك، وواحسرتاه عليك، وواأسفًا على ما فاتَ منك".


وحُمِلت الرُّقعةُ إلى "نظامِ الـمُلك" فقرأها وبكى بكاء شديدًا، وجمَعَ الوجوهَ والمحتشمين وقصَدَ بهم القبرَ، وقرأ الرُّقعة عليه، وارتجَّ المكانُ بالبُكاء والعويل، وتجدَّدَ الحزنُ في البلد واللطم، وعادت المصيبةُ كأول يوم، وجلس الوزيرُ عميدُ الدولة للعزاء في صحن السلام ثلاثة أيام، أولها يوم السبت لثلاثٍ بقين من ذي الحجة".

وفي هذا مخالفة للسُّنة، عصَمَنا اللهُ بالتمسُّك بها.


[1] وتعازينا الحارة لشقيقه الأستاذ عبدالسّتار الشيخ في هذا المصاب الجلل.

[2] (16 /216 - 217).

[3] كذا.


ابوالوليد المسلم 13-09-2021 04:02 AM

رد: شذرات في فقد الولد
 
شذرات في فقد الولد (5)
د. عبدالحكيم الأنيس



صبر عجيب:
قال القاضي عياض في ترجمة الإمام الجليل العابد الزاهد الورع أبي إسحاق الجبنياني (ت: 369هـ):
"ذكر بنيه - رضي الله عنه -:
كان عنده من الأولاد سبعة: أبو بكر، وأبو الطاهر أحمد، وأبو عبدالله محمد، وأبو الحسن علي، وأبو زيد عبدالرحمن، وأبو محمد عبدالله، وأبو علي.
فأمّا أبو علي، فمات قبل أن يحتلم.

ثم مات عبدُالله -وهو دون الثلاثين- وكان أشدَّ من الشيخ اجتهادًا في العبادة، قتله القرآنُ، كلما مرّ بآيةِ وعدٍ أو وعيدٍ بكى، حتى أذاب الحزنُ فؤاده. فمات.
قال أبو القاسم اللبيدي: فحضرتُ موته والشيخُ يلقنه، حتى مات. فأغمضه. ثم استرجعَ على المصيبة، ودعا له.
ثم قال لوالدة عبدالله - وهي زوجة الشيخ وكانت قريبًا منه في الفضل والعبادة-: احمدي اللهَ، فقد ماتَ على الإسلام، وجُعِلَ في صحيفتك، فإن كان عندكِ طيبٌ فتطيّبي، وتجمَّلي لنِعَمِ الله عز وجلّ. وأخرجَ مئزرًا عنده، تجمَّلَ به، وركعَ. ثم جلسَ للناس، والبشرُ ظاهرٌ عليه.
وتُوفي أبو الحسن أيضًا في حياة أبيه"[1].
♦ ♦ ♦ ♦

التقي السبكي في تشييع ابنه حسين:
قال ابنُ كثير في حوادث سنة (755): "وفي صبيحة يوم الأحد ثالثه [ثالث رمضان] صُلِّي بجامع دمشق بالصحن تحت النَّسر على القاضي جمال الدين حسين ابن قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي ونائبه، وحضر نائبُ السلطنة الأميرُ علاء الدين علي، وقضاةُ البلد، والأعيانُ، والدولةُ، وكثيرٌ من العامة، وكانت جنازته محسودة[2].

وحضرَ والدُهُ قاضي القضاة وهو يتهادى بين رجلين، فظهرَ عليه الحزنُ والكآبة، فصلّى عليه إمامًا، وتأسَّفَ الناسُ عليه لسماحة أخلاقهِ وانجماعهِ على نفسهِ، لا يتعدّى شرُّهُ إلى غيرهِ، وكان يحكمُ جيدًا، نظيفَ العِرْض في ذلك، وكان قد درَّسَ في عدة مدارس، منها الشامية البرّانية والعَذْراوية، وأفتى وتصدَّر، وكانت لديه فضيلةٌ جيدةٌ بالنحو والفقه والفرائض، وغير ذلك.
ودُفِنَ بسفح قاسيون في تربةٍ معروفةٍ لهم -رحمهم الله-"[3].


ابن الجوزي وابنه الأكبر:
قال ابنُ رجب في ترجمة الشيخ أبي الفرج ابن الجوزي (ت:597هـ):
"قال أبو المظفر: وكان له [لأبي الفرج] من الأولاد الذكور ثلاثة، أولهم: أبو بكر عبدالعزيز. وهو أكبرُ أولاده، تفقّه على مذهب أحمد، وسمعَ أبا الوقت، وابنَ ناصر، والأرموي، وجماعةً مِنْ مشايخ والده.
وسافرَ إلى الموصل، ووعظَ، وحصلَ له القبولُ التامُّ، فيُقال: إنَّ بني الشهرزوري حسدوه، فدسُوا إليه مَنْ سقاه السُّم، فمات بالموصل سنة أربع وخمسين [554] في حياة والده"[4].
قلتُ: ولم يذكرْهُ والدُهُ في تاريخه "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" -وهو ينتهي بسنة (574هـ)-، ولا في غيره من الكتب، فيما وقفتُ عليه، وهذا غريب!


أحمد:
ما قرأتُ قولَ الله تعالى: ﴿ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ ونُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ ما نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ومِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى ومِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا... [الحج:5].


وقولَ الله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [غافر: 67] ما قرأتُ هاتين الآيتين إلا وقفتُ عند ﴿ ومِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى... [غافر: 67] ذاكرًا ولدي أحمد (الصغير) -رحمه اللهُ وآنسه-.


[1] ترتيب المدارك (6 /247)، وتتمة الفقرة: "وتوفي عبدالرحمن بعد أبيه، بثلاث سنين، وكان من الفقهاء العباد، يختم في كل ليلةٍ ختمة.

وأما أبو الطاهر فكان من أهل القرآن. وكتب الحديث، ولقي أبا الورد وغيره، وكان أبو بكر وأبو عبدالله من أهل القرآن، ويعلّمانه -رحمهم الله، ورضي عنهم أجمعين-".

[2] تُراها: محشودة؟

[3] البداية والنهاية (16 /375) ط دار ابن كثير.

[4] الذيل على طبقات الحنابلة (2 /512 - 513) ط العثيمين.



الساعة الآن : 01:02 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 38.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.18 كيلو بايت... تم توفير 0.22 كيلو بايت...بمعدل (0.57%)]