ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الحج والعمرة (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=75)
-   -   اختلاف العلماء في أي الأيام أفضل: الجمعة، النحر، عرفة، القر؟ (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=279915)

ابوالوليد المسلم 06-08-2022 08:00 PM

اختلاف العلماء في أي الأيام أفضل: الجمعة، النحر، عرفة، القر؟
 
اختلاف العلماء في أي الأيام أفضل: الجمعة، النحر، عرفة، القر؟
عبدالله بن عبده نعمان العواضي

هناك أيام فاضلة في الإسلام جاء على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على تفضيلها على سائر الأيام، وهذه الأيام هي: يوم الجمعة، ويوم عرفة، ويوم النحر، ويوم القَّر.

وقد اختلف العلماء في أيها الأفضل على ما سواه من هذه الأيام الفاضلة.

وسبب الخلاف: مجيء نصوص يبدو في ظاهرها التعارض؛ إما في تفضيل يوم على غيره باستعمال اسم التفضيل، وإما في كثرة النصوص الواردة في فضل ذلك اليوم.

فنذكر هذه الأحاديث التي صحت التي ظاهرها التعارض، ثم نذكر كلام أهل العلم في توجيهها وبيان أفضلها:
أولاً: الأحاديث:
أ- ما جاء في يوم الجمعة:
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خُلق آدم، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أخرج منها)[1].

2- وعن أبي لبابة البدري بن عبد المنذر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (سيد الأيام يوم الجمعة، وأعظمها عنده، وأعظم عند الله من يوم الفطر، ويوم الأضحى، وفيه خمس خلال: خلق الله فيه آدم، وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفى الله آدم، وفيه ساعة لا يسأل العبد فيها شيئا، إلا آتاه الله إياه ما لم يسأل حرامًا، وفيه تقوم الساعة ما من ملك مقرب، ولا سماء، ولا أرض، ولا رياح، ولا جبال، ولا بحر، إلا هن يشفقن من يوم الجمعة)[2].

3- وعن أوس بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة علي) قالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت، يقولون: قد بليت؟ قال: (إن الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)[3].

وجاء بلفظ: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة)[4].

ب- ما جاء في يوم عرفة:
1- عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار، من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟)[5].

2- وعن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة) قال: فقال رجل: يا رسول الله هن أفضل أم عدتهن جهادًا في سبيل الله؟ قال: (هن أفضل من عدتهن جهادًا في سبيل الله، وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء، فيقول: انظروا إلى عبادي شعثًا غبرًا ضاحين[6]، جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتي، ولم يروا عذابي، فلم يُر يوم أكثر عتقًا من النار من يوم عرفة)[7].

ج- ما جاء في يومي النحر والقر:
عن عبد الله بن قُرْطٍ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر)[8].
وجاء بلفظ: (أَفْضَلُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ..)[9].

ثانيًا: اختلاف العلماء في أي الأيام أفضل:
وبناء على ما بدا في ظاهر هذه الأحاديث عن هذه الأيام وما في جاء فيها من فضائل أخرى؛ ذهب العلماء مذاهب شتى في تقديم بعضها على بعض في التفضيل:
المذهب الأول: أفضل الأيام على الإطلاق: يوم الجمعة.
وهو وجه عند الشافعية.

قال السيوطي: " قوله: (خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة) استدل به على أنه أفضل من يوم عرفة، وبه جزم ابن العربي، وهو وجه عندنا"[10].

وممن قال بهذا القول: ابن العربي، وابن هبيرة، وظاهر قول العراقي، وابن الأمير الصنعاني:
قال الشوكاني: " قوله: (خير يوم طلعت فيه الشمس) فيه أن أفضل الأيام يوم الجمعة، وبه جزم ابن العربي". وقال أيضًا عن العراقي: " وصرح بأن حديث أفضلية يوم الجمعة أصح"[11].

وقال ابن هبيرة: " في هذا الحديث من الفقه: أن يوم الجمعة أفضل الأيام"[12].

وقال ابن الأمير الصنعاني: " والحق أن يوم الجمعة أفضل الأيام على الإطلاق كما يفيده حديث أبي لبابة"[13].

وقال أيضًا: " وأما يوم الجمعة فتقدم أنه أفضل الأيام كلها حتى يوم النحر ويوم الفطر"[14].

وقال كذلك: " (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة) تقدم أنه أفضل الأيام على الإطلاق وذكر وجه فضله بقوله: (فيه خلق آدم) "[15].

المذهب الثاني: أفضل الأيام مطلقًا: يوم عرفة:
وهذا قول الجمهور، كما ذكره بعض أهل العلم [16]، والأصح عند الشافعية، وقال به بعض الحنفية، والمالكية، والحنابلةِ، وقال به بعض العلماء الآخرون:
قال النووي: " قال البغوي وغيره: يوم عرفة أفضل أيام السنة. وقال السرخسي في هذا الباب: اختلف في يوم عرفة ويوم الجمعة أيهما أفضل فقال بعضهم: يوم عرفة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل صيامه كفارة سنتين ولم يرد مثله في يوم الجمعة، وقال بعضهم: يوم الجمعة أفضل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة) هذا كلام السرخسي، والمشهور تفضيل يوم عرفة"[17].

وقال زين الدين العراقي: " واختلفوا في أفضل الأيام مطلقًا على وجهين: أصحهما: أنه يوم عرفة"[18].

وقال السيوطي: " قوله: (خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة) استدل به على أنه أفضل من يوم عرفة وبه جزم بن العربي وهو وجه عندنا، والثاني أن يوم عرفة أفضل وهو الأصح"[19].

وقال الزيلعي: " لو قال: امرأته طالق في أفضل الأيام. تطلق يوم عرفة، وقيل: يوم الجمعة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة) والأصح أنها تطلق يوم عرفة، فيحمل حديث يوم الجمعة على أنه أفضل أيام الأسبوع ما لم يكن فيها يوم عرفة توفيقًا بينهما"[20].

وقال الزرقاني: " (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة) استدل به على أنه أفضل من يوم عرفة، والأصح أن يوم عرفة أفضل"[21].

وقال ابن النجار: " أفضل الأيام الجمعة، والليالي: ليلة القدر"[22]. واستظهر هذا القول من الحنابلة: ابن مفلح[23].

وقال الطيبي: " فإن قيل: ما أفضل الأيام؟ قيل: فيه وجهان: أصحهما يوم عرفة، والثاني يوم الجمعة لهذا الحديث. وهذا إذا أطلق، وأما إذا أريد أيام السنة فتعين يوم عرفة، وإذا أريد أيام الأسبوع تعين الجمعة"[24].

وقد ردّ أصحاب هذا القول على القائلين بتفضيل يومي الجمعة والنحر على يوم عرفة بالآتي:
1- ما ورد باسم التفضيل في حق يوم النحر ويوم الجمعة فهو مؤول على معنى البعضية، ومما يدل على ذلك: أنه قد ورد في بعض الروايات بلفظ: (من أفضل):
قال التوربشتي: " ويكون معنى قوله: (أفضل الأيام يوم النحر) أي: من أفضل الأيام؛ كما يقال: فلان أعقل الناس وأعلمهم، أي: من أعقل الناس وأعلمهم، وعلى مثل هذا يؤول قوله صلى الله عليه وسلم: (ما شيء في الميزان أثقل من خلق حسن) ومعلوم أن الإيمان أثقل منه"[25].

وقال الطيبي: " قوله: (أفضل الأيام يوم النحر) أي: من أفضل الأيام. كما يقال: فلان أعقل الناس وأعلمهم أي: من أعقل الناس وأعلمهم"[26].

وقال المباركفوري: " (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة) فيه إشارة إلى أن يوم عرفة أفضل أو مساو؛ لأن زيادة "من" تدل على أن يوم الجمعة من جملة الأفاضل من الأيام، وليس هو أفضل الأيام مطلقاً"[27].

2- ذكر الأعظمية لا يستلزم الأفضلية؛ قال الشوكاني: " ولا يخفى أن حديث الباب ليس فيه إلا أن يوم النحر أعظم، وكونه أعظم وإن كان مستلزمًا لكونه أفضل لكنه ليس كالتصريح بالأفضلية، كما في حديث جابر؛ إذ لا شك أن الدلالة المطابقية أقوى من الالتزامية؛ فإن أمكن الجمع بحمل أعظمية يوم النحر على غير الأفضلية فذاك، وإلا يمكن فدلالة حديث جابر على أفضلية يوم عرفة أقوى من دلالة حديث عبد الله بن قرط على أفضلية يوم النحر"[28].

ولكن يمكن أن يرد على هذا بأنه قد تقدم أن حديث فضل يوم النحر قد ورد بلفظ الأفضلية أيضًا.

3- يحتمل أن يراد بتلك الأيام التي يوم النحر أفضلها: يوم النحر وأيام التشريق، وليس جميع الأيام[29].

المذهب الثالث: أفضل الأيام مطلقًا: يوم النحر:
لأن الحديث جاء بلفظ " أعظم" و" أفضل" مضافين إلى " الأيام" وهذا مفيد للعموم.

قال ابن القيم –عند حديث ابن قرط-: " وفيه -أي: في الحديث- دليل على أن يوم النحر أفضل الأيام"[30].

وقد قال بهذا بعض العلماء؛ قال ابن مفلح: "وقال شيخنا: هو أفضل أيام الأسبوع إجماعًا, وقال: يوم النحر أفضل أيام العام, وكذا ذكر جده صاحب المحرر في صلاة العيد من شرحه منتهى الغاية أن يوم النحر أفضل"[31].

لكن سيأتي أن ابن تيمية يرى التفصيل؛ فخير أيام الأسبوع عنده: الجمعة، وخير أيام العام: النحر.

المذهب الرابع: يوم النحر أفضل مما تقدمه من الأيام، ويوم القر أفضل الأيام بعد النحر:
ف"المراد أن أفضل الأيام يوم النحر من أيام السنة التي تقدمت قبله، ويوم القر أفضل الأيام التي بعد يوم النحر من سنته ما عدا يوم النحر الآتي من سنته لا منه.

والحاصل: أن يوم القر أفضل من أيام العشر غير يوم النحر فلا يلزم أن يكون أفضل من التسع قبله كما يرشد إليه العطف..."[32].

المذهب الخامس: أفضل الأيام يوم عرفة إذا وافق يوم جمعة.
قال حسن بن عمار الحنفي: "وأفضل الأيام يوم عرفة إذا وافق يوم الجمعة، وهو أفضل من سبعين حجة في غير جمعة"[33].

وقد استدل لهذا القول:
بحديث طلحة بن عبيد الله بن كريز: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (أفضلُ الأيام يومُ عرفة وافقَ يوم جُمُعَة وهو أفضل من سبعين حَجَّة في غير يومِ جُمُعة).

لكن هذا الأثر باطل لا أصل له كما قال الألباني[34].

وقال ابن حجر: " وأما ما ذكره رزين في جامعه مرفوعًا: (خير يوم طلعت فيه الشمس يوم عرفة وافق يوم الجمعة، وهو أفضل من سبعين حجة في غيرها)؛ فهو حديث لا أعرف حاله؛ لأنه لم يذكر صحابيه، ولا من أخرجه"[35].

وكذلك قال السخاوي[36].

وقد ذكر ابن القيم وجوهًا تبين مزية موافقة عرفة ليوم جمعة فقال:
"ولهذا كان لوقفة الجمعة يوم عرفة مزية على سائر الأيام من وجوه متعددة.
أحدها: اجتماع اليومين اللذين هما أفضل الأيام.

الثاني: أنه اليوم الذي فيه ساعة محققة الإجابة، وأكثر الأقوال أنها آخر ساعة بعد العصر، وأهل الموقف كلهم إذ ذاك واقفون للدعاء والتضرع.

الثالث: موافقته ليوم وقفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الرابع: أن فيه اجتماع الخلائق من أقطار الأرض للخطبة وصلاة الجمعة، ويوافق ذلك اجتماع أهل عرفة يوم عرفة بعرفة، فيحصل من اجتماع المسلمين في مساجدهم وموقفهم من الدعاء والتضرع ما لا يحصل في يوم سواه.

الخامس: أن يوم الجمعة يوم عيد، ويوم عرفة يوم عيد لأهل عرفة.

السادس: أنه موافق ليوم إكمال الله تعالى دينه لعباده المؤمنين، وإتمام نعمته عليهم وكان ذلك في عرفات يوم جمعة.

السابع: أنه موافق ليوم الجمع الأكبر، والموقف الأعظم يوم القيامة؛ فإن القيامة تقوم يوم الجمعة، فهكذا يتذكر الإنسان بأعظم مواقف الدنيا - وهو يوم عرفة - الموقف الأعظم بين يدي الرب سبحانه في هذا اليوم بعينه، ولا يتنصف حتى يستقر أهل الجنة في منازلهم، وأهل النار في منازلهم.

الثامن: أن الطاعة الواقعة من المسلمين يوم الجمعة وليلة الجمعة، أكثر منها في سائر الأيام.

التاسع: أنه موافق ليوم المزيد في الجنة، وهو اليوم الذي يجمع فيه أهل الجنة في واد أفيح، وينصب لهم منابر من لؤلؤ، ومنابر من ذهب، ومنابر من زبرجد وياقوت على كثبان المسك، فينظرون إلى ربهم تبارك وتعالى، ويتجلى لهم فيرونه عيانًا، ويكون أسرعهم موافاة أعجلهم رواحًا إلى المسجد، وأقربهم منه أقربهم من الإمام، فأهل الجنة مشتاقون إلى يوم المزيد فيها لما ينالون فيه من الكرامة، وهو يوم جمعة، فإذا وافق يوم عرفة كان له زيادة مزية واختصاص وفضل ليس لغيره.

العاشر: أنه يدنو الرب تبارك وتعالى عشية يوم عرفة من أهل الموقف، ثم يباهي بهم الملائكة.

فبهذه الوجوه وغيرها فضلت وقفة يوم الجمعة على غيرها"[37].

المذهب السادس: التفصيل:
وهذا القول يفصل الخيرية حسب الزمن الأسبوعي والسنوي حين تعارضت لديه أدلة الأفضلية، فيرى أهله أن أفضل أيام الأسبوع: يوم الجمعة، وأفضل أيام العام: يوم النحر، وقيل: يوم عرفة.

فذهب ابن تيمية وتبعه تلميذه ابن القيم: إلى أن أفضل أيام الأسبوع: يوم الجمعة وأفضل أيام العام: يوم النحر.
يتبع




ابوالوليد المسلم 06-08-2022 08:01 PM

رد: اختلاف العلماء في أي الأيام أفضل: الجمعة، النحر، عرفة، القر؟
 
فقد سئل ابن تيمية: "أيما أفضل: يوم عرفة، أو الجمعة، أو الفطر أو النحر؟
فأجاب: يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، ويوم النحر أفضل أيام العام"[38].

وقال أيضًا: " أفضل أيام الأسبوع: يوم الجمعة باتفاق العلماء. وأفضل أيام العام هو يوم النحر. وقد قال بعضهم: يوم عرفة، والأول هو الصحيح؛ لأن في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " (أفضل الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر)؛ لأنه يوم الحج الأكبر في مذهب مالك والشافعي وأحمد كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يوم النحر هو يوم الحج الأكبر). وفيه من الأعمال ما لا يعمل في غيره: كالوقوف بمزدلفة، ورمي جمرة العقبة وحدها، والنحر، والحلق، وطواف الإفاضة، فإن فعل هذه فيه أفضل بالسنة، واتفاق العلماء، والله أعلم"[39].

وقال ابن القيم: " وفصل النزاع: أن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، ويوم النحر أفضل أيام العام، فيوم النحر مفضل على الأيام كلها التي فيها الجمعة وغيرها، ويوم الجمعة مفضل على أيام الأسبوع. فإن اجتمعا في يوم تظاهرت الفضيلتان، وإن تباينا فيوم النحر أفضل وأعظم لهذا الحديث"[40].

وقال أيضًا: "والصواب أن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، ويوم عرفة ويوم النحر أفضل أيام العام، وكذلك ليلة القدر، وليلة الجمعة"[41].

وقد ذهب بعض العلماء، وبعض علماء الشافعية إلى أن أفضل أيام الأسبوع: يوم الجمعة، وأفضل أيام العام: يوم عرفة.

قال الطيبي: " وأما إذا أريد أيام السنة فتعين يوم عرفة، وإذا أريد أيام الأسبوع تعين الجمعة"[42].

وقال النووي: " وأصحهما يوم عرفة للحديث المذكور في هذا الباب ويتأول حديث يوم الجمعة على أنه أفضل أيام الأسبوع"[43].

وقال زين الدين العراقي: "وصرح أصحابنا الشافعية بأنه أفضل أيام الأسبوع، وأن يوم عرفة أفضل أيام السنة"[44].

وقال السيوطي: " وفي الحديث دليل لمن قال: إن يوم الجمعة أفضل من يوم عرفة، وعبارة بعضهم: أفضل أيام الأسبوع يوم الجمعة، وأفضل أيام السنة يوم عرفة"[45].

ثمرة الخلاف:
تظهر ثمرة الخلاف في هذه المسألة في الأحكام التي تعلق بأفضل الأيام؛ كالطلاق والنذر:
فمن قال لزوجته: أنت طالق في أفضل الأيام، فإن كان لديه أو لدى مفتيه أنه يوم الجمعة طلقت في يوم الجمعة، وإن كان يوم عرفة طلقت في يوم عرفة، وإن كان يوم النحر طلقت في يوم النحر.

قال النووي: " ولو قال رجل: امرأتي طالق في أفضل الأيام، فلأصحابنا وجهان: أحدهما: تطلق يوم الجمعة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة) كما سبق في صحيح مسلم وأصحهما يوم عرفة؛ للحديث المذكور في هذا الباب"[46].

وقال الزيلعي: " لو قال: امرأته طالق في أفضل الأيام تطلق يوم عرفة، وقيل: يوم الجمعة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة)، والأصح أنها تطلق يوم عرفة"[47].

وقال العيني: "وتظهر فائدة ذلك فيمن نذر الصيام، أو علق عملاً من الأعمال بأفضل الأيام، فلو أفرد يومًا منها تعين يوم عرفة؛ لأنه على الصحيح أفضل أيام العشر"[48].

الترجيح:
وبعد النظر والتتبع فيما قيل في فضل هذه الأيام الأربعة: يوم الجمعة، يوم عرفة، يوم النحر، يوم القر، وتباين أقوال أهل العلم في المفاضلة بينها؛ يتبين لنا الآتي:
1- أن يوم القر ورد فضله تبعًا ليوم النحر لا استقلالاً، ولم يرد له من الفضائل ما ورد للأيام الثلاثة.

2- أن الأيام الثلاثة- يوم الجمعة، يوم عرفة، يوم النحر- ورد فيها الفضل بأسلوب اسم التفضيل-كما في يومي الجمعة والنحر-، أو بأسلوب النكرة في سياق النفي التي تفيد العموم كما في يوم عرفة.

3- أن الوارد في حق يوم الجمعة من الأفضلية باسم التفضيل أكثر من يوم النحر؛ فقد جاء بأنه: (خير يوم طلعت فيه الشمس)، و(أفضل أيامكم يوم الجمعة)، و(سيد الأيام يوم الجمعة، وأعظمها عنده).

4- يتبقى معنا أن نقول بعد هذا: إن أفضل الأيام على الإطلاق هو: يوم الجمعة؛ لأسباب منها ما تقدم، ومنها:
1- أن فضائل يومي عرفة والنحر لا تداني فضائل يوم الجمعة؛ فقد ورد في يوم الجمعة فضائل كثيرة، حتى ألف العلماء والباحثون قديمًا وحديثًا مؤلفات خاصة في فضائل يوم الجمعة، ومن ذلك كتاب السيوطي:" فضائل يوم الجمعة"، وقد قال في أوله: " ذكر ابن القيم في الهدي ليوم الجمعة، خصوصيات تبلغ بضعًا وعشرين. وتتبعتها فتحصلت فبلغت: مائة"[49].

2- أن حديث فضل يوم الجمعة الوارد باسم التفضيل وهو:(خير يوم طلعت فيه الشمس) جاء في صحيح مسلم، والأحاديث الواردة في بقية الأيام جاءت خارج الصحيحين: في السنن والمسانيد والمعاجم.

وقد تعارف العلماء عند التعارض أن ما كان في الصحيحين أو أحدهما يقدم على ما كان خارجهما.

قال ابن بدران: " ويقدم من النصين ما تلقاه العلماء بالقبول، ولم يلحقه إنكار من أحد منهم على ما فيه الإنكار من بعضهم. وهذه القاعدة تقضي بتقديم ما روي في الصحيحين أو أحدهما على ما لم يرو فيهما؛ لتلقي الأمة لهما بالقبول"[50].

وقال الشنقيطي: " ويقدم ما في الصحيحين أو أحدهما على ما ليس فيهما "[51].

والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمئاب.

[1] رواه مسلم (854).

[2] رواه أحمد (15548)، والطبراني في الكبير (4510)، وابن ماجه (1084)، والبيهقي في فضائل الأوقات (250)، وابن أبي شيبة (5516)، والبزار (3738).
قال البزار عَقِبه: " وهذا الكلام لا نعلمه يروى، عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، وإسناده صالح".
وقال البوصيري: " هذا إسناد حسن".
وقال أيضًا: " رواه أبو بكر بن أبي شيبة والحارث، وأبو يعلى والطبراني مختصرا بسند جيد".
وقال المنذري: " رواه أحمد وابن ماجه بلفظ واحد وفي إسنادهما عبد الله بن محمد بن عقيل وهو ممن احتج به أحمد وغيره، ورواه أحمد أيضًا والبزار من طريق عبد الله أيضًا من حديث سعد بن عبادة، وبقية رواته ثقات مشهورون".
وقال الهيثمي: " رواه أحمد والبزار إلا أنه قال فيه: " «سيد الأيام يوم الجمعة» " والطبراني في الكبير وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل وفيه كلام وقد وثق، وبقية رجاله ثقات".
وقال الحافظ العراقي: " إسناده حسن".
ينظر: مصباح الزجاجة (1/ 165)، إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة (2/ 260)، الترغيب والترهيب (1/ 281)، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (2/ 163)، ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (16/ 89).
وقال الأرناؤوط: "إسناده ضعيف؛ عبد الله بن محمد بن عقيل: هو ابن أبي طالب القرشي، مختلف فيه، قال الحافظ في "التلخيص الحبير (2/108): "هو سيئ الحفظ، يصلح حديثه للمتابعات، فأما إذا انفرد فيحسن، وأما إذا خالف فلا يقبل". قلنا: وقد خالف هو رواية نفسه كما سيأتي في التخريج، وبقية رجاله ثقات رجال الصحيح..". ثم قال: " وقوله: "سيد الأيام يوم الجمعة" له شاهد من حديث أبي هريرة عند الحاكم (1/277)، وإسناده حسن". مسند أحمد (24/ 315).
وقد حسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (2279)، وصحيح الترغيب والترهيب (3761)، وصحيح وضعيف سنن ابن ماجة (1084)، وفي مشكاة المصابيح (1363)، لكنه تراجع عن ذلك في السلسلة الضعيفة (3726).

[3] رواه البيهقي في الكبرى (5993)، والطبراني في الأوسط (4780)، والكبير (589)، والدارمي (1613)، والبزار (3485).
قال ابن حجر: "وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم". فتح الباري لابن حجر (11/ 370).

[4] عند أحمد (16162)، والبيهقي في الصغرى (605)، والنسائي في الكبرى (1678)، وأبي داود (1047)، وابن ماجه (1085)، وابن حبان (910)، وابن خزيمة (1733)، والحاكم (1029)، وقال الحاكم: " هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.

[5] رواه مسلم (1348).

[6] ضاحين- بالضاد المعجمة والحاء المهملة-: أي: بارزين للشمس غير مستترين منها. مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (9/ 145).

[7] رواه ابن حبان (3853)، وأبو يعلي (2090).
قال الهيثمي: "رواه أبو يعلى، وفيه محمد بن مروان العقيلي وثقه ابن معين وابن حبان، وفيه بعض كلام، وبقية رجاله رجال الصحيح".
= وقال الأرناؤوط: " حديث صحيح، إسناده قوي لولا عنعنة أبي الزبير، رجاله ثقات رجال الصحيح غير محمد بن مروان العقيلي، فقد روى له ابن ماجه، وهو مختلف فيه".
وقال حسين سليم أسد: رجاله ثقات".
وأما الألباني فقد ضعفه، وقال: " إنما علة الحديث أبو الزبير، فإنه مدلس، وقد عنعنه في جميع الطرق عنه".
ينظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (3/ 253)، صحيح ابن حبان (9/ 164)، مسند أبي يعلى الموصلي (4/ 69)، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (2/ 126)، ضعيف الترغيب والترهيب (1/ 366).

[8] رواه أحمد (19075)، وأبو داود (1765)، وابن خزيمة (2966)، والبيهقي في الكبرى (10239)، والنسائي في الكبرى (4083)، والحاكم (7522) وقال: " هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي. وصححه الألباني والأرناؤوط.

[9] عند البيهقي في الكبرى (10214)، والطبراني في الأوسط (2421)، والبغوي (1958)، وابن حبان (2811)، وإسناده صحيح.

[10] حاشية السيوطي على سنن النسائي (3/ 90).

[11] نيل الأوطار (3/ 286).

[12] الإفصاح عن معاني الصحاح (8/ 41).

[13] التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 497).

[14] المرجع السابق (2/ 585).

[15] المرجع السابق (4/ 126).

[16] ينظر: فيض القدير (2/ 3).

[17] المجموع شرح المهذب (6/ 381).

[18] طرح التثريب في شرح التقريب (3/ 217).

[19] حاشية السيوطي على سنن النسائي (3/ 90).

[20] تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 25).

[21] شرح الزرقاني على الموطأ (1/ 394).

[22] منتهى الإرادات (2/ 40). وينظر: بداية العابد وكفاية الزاهد في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل (ص: 67)، وكشف المخدَّرات (1/ 285).

[23] الفروع وتصحيح الفروع (5/ 129).

[24] شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (4/ 1263).

[25] الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (2/ 619).

[26] شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (6/ 2006)، وينظر: مرقاة المفاتيح شرح= مشكاة المصابيح (5/ 1826).

[27] مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 432).

[28] نيل الأوطار (5/ 154).

[29] الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (2/ 619).

[30] عون المعبود وحاشية ابن القيم (5/ 128).

[31] الفروع وتصحيح الفروع (5/ 129).

[32] التنوير شرح الجامع الصغير (2/ 585).

[33] مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح (ص: 281).

[34] سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (7/ 137).

[35] فتح الباري لابن حجر (8/ 271).

[36] الأجوبة المرضية فيما سئل السخاوي عنه من الأحاديث النبوية (3/ 1127).

[37] زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 60) بتصرف.

[38] الفتاوى الكبرى لابن تيمية (2/ 477).

[39] مجموع الفتاوى (25/ 288).

[40] عون المعبود وحاشية ابن القيم (5/ 128).

[41] زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 60).

[42] شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (4/ 1263).

[43] شرح النووي على مسلم (9/ 117).

[44] طرح التثريب في شرح التقريب (3/ 217).

[45] شرح السيوطي على مسلم (2/ 437).

[46] شرح النووي على مسلم (9/ 117).

[47] تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (2/ 25).

[48] عمدة القاري شرح صحيح البخاري (6/ 291).

[49] كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 1278).

[50] المدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران (ص: 399).

[51] مذكرة في أصول الفقه (ص: 379).







الساعة الآن : 06:06 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 34.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.50 كيلو بايت... تم توفير 0.14 كيلو بايت...بمعدل (0.39%)]