ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=81)
-   -   الشكاوى الكيدية والدعاوى الباطلة (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=265217)

ابوالوليد المسلم 14-09-2021 07:26 PM

الشكاوى الكيدية والدعاوى الباطلة
 
الشكاوى الكيدية والدعاوى الباطلة


خالد عبدالرحمن الكناني




الحمد لله المبدئ المعيد، الفعَّال لما يريد، أنزل القرآن المجيد فيه وعدٌ ووعيد، وترغيب وتهديد، ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 42]، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمَّدًا عبدُهُ ورسُلُهُ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.







أمَّا بعد عباد الله:



فاتقوا الله تعالى حقَّ التقوى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70، 71].







أيها المسلمون، أُوصيكم ونفسي بتقوى الله وامتثال أوامره، واجتناب ما نهى عنه وزجر، أوصيكم ونفسي بلزوم الجماعة وصفاء القلوب، والفَكاك من العوالق البغيضة التي تورث الإحنَ، وتوقِظ الفتن، وتذهَب بلُبِّ المسلم، وإياكم والاختلاف والفرقة، فإنهما يهلكان الأمم ويأكلان الأخلاق كما تأكل النار الحطبَ.







أيها المسلمون، المؤمن سهل العريكة، جميل المعشر، حسن التعامل، لين الجانب، يبذل الندى ويكف الأذى، صادق في أقواله رحيم في أفعاله، هذه خصال الإسلام، وما ينبغي أن يكون عليه المسلم؛ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ، وَيَدِهِ».








أيها المسلمون، دلَّت النصوص الشرعية على تحريم أذية المسلمين، بأي وجهٍ من الوجوه من قول أو فعل بغير وجه حقٍّ؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 58]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 190]،بل يُبغضهم ويَمقتهم ويُعاقبهم على ذلك.







والاعتداء هو إلحاق الضرر بالآخرين من غير وجه حقٍّ، أو هو تجاوز الحد المقرر في أخذ الحق، وهو نوع من أنواع الظلم المنهي عنه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَا هُنَا»، وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ».








ومما انتشر في هذه الأزمنة المعاصرة الشكاوى الكيدية والدعاوى الباطلة التي ليس لصاحبها في دعواه حقٌّ، وإنما بغرض الإضرار والمكيدة بالمدَّعى عليه، وهذا الصِّنف من الناس على خطر عظيم، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فعَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((وَمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ، لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ عَنْهُ، وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ، أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ))، هكذا حرَّم الشرع الإضرار بالآخرين والاعتداء عليهم، من خلال مخاصمتهم بالباطل والادعاء عليهم بغير حق كذبًا وبهتانًا، وكل ذلك من الظلم والعدوان، ومما يلحق الضرر بالأبرياء واتهامهم مما هم براء منه كيدًا وعدوانًا وباطلًا، وحفظًا للنفوس والأموال والأعراض، ومنعًا للظلم والعدوان وردعًا للمعتدين؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾[النساء: 112].







عباد الله، إن من الصفات الذميمة أن بعض الناس يدَّعي على أخيه المسلم ما ليس من حقه، فيزعُم أنه أخذ ماله أو أرضه، وغير ذلك، وهو يعلم عدم الصدق في ذلك، بل هي تُهَمٌ باطلة قائمة على البغي والعدوان والكيد فقط.







وكان من الواجب على المسلم ألا يفتري على الآخرين بالكذب؛ قال تعالى:﴿ إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾[النحل: 105]، وقال تعالى:﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ﴾[النور: 15].



أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم.











الخطبة الثانية



الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًاعبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، الهادي إلى إحسانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأعوانه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.







أما بعد:



فيا أيها المسلمون، انتهت الجلسة واستمع القاضي للادعاء الباطل والكيدي، وحضر الشهود، وحكم القاضي بما يظهر أمامه؛ لأنه لا يعلم الغيب، ولكن المدَّعي يعلم أنه ظلم، وحاف وافترى وكذب، والله يعلم السر وأخفى؛ فعن أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ جَلَبَةَ خَصْمٍ بِبَابِ حُجْرَتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّهُ يَأْتِينِي الْخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَهُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ، فَأَقْضِي لَهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ، فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ، فَلْيَحْمِلْهَا أَوْ يَذَرْهَا».







أيها المسلمون، في المشهد قد يكون المدعي صاحب ذكاء وجدال، وقد كسب القضية بغيًا وعدوانًا، وأخذ حقَّ أخيه ظلمًا وطغيانًا، فخرج المدَّعى عليه مظلومًا مقهورًا، وخرج المدعي ظالِمًا مغرورًا.







لكن هل انتهت القضية حقًّا، الجواب:



لا لم تنتهِ بعد، سيقف الخصوم يوم القيامة بين يدي علام الغيوب للعدالة وإعطاء الحقوق؛ قال تعالى: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء: 47].








فالبدار البدارَ، مَن كانت عنده مظلمة لأخية أن يتحلل منه في زمن الإمكان في الحياة الدنيا قبل يوم الفصل بين الخلائق؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ، قَبْلَ أَلاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ)).







هذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، وَقَالَ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)).





الساعة الآن : 11:24 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 12.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 12.86 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.72%)]