ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   الملتقى العلمي والثقافي (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=54)
-   -   بين معرفة الاقتصاد واقتصاد المعرفة (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=217733)

ابوالوليد المسلم 25-11-2019 08:20 PM

بين معرفة الاقتصاد واقتصاد المعرفة
 
بين معرفة الاقتصاد واقتصاد المعرفة


عمار بن ثابت




في ظلِّ التغيُّرات الجديدة التي شهِدَها العالم في شتَّى المجالات، وما أحدثتْه ثورة التكنولوجيا والمعلومات من تطوُّر سريع وواسع النِّطاق، أصبحتْ فيه القُدرة على الإنتاج والتقدُّم تعتمد على القُدرة على الإبداع والابتِكار، وتحويل المعلومات إلى معرفة، ثم تحويل هذه المعرِفة إلى مُنتج متميِّز، حتى أصبح يُطلَق على هذا العصر عصرُ المعرفة.

هذا الدَّور الذي أصبحتْ تلعبه المعرفةُ في توليد الثروة وزيادتها وتراكمها مِن خلال الإسهام في تحسينِ الأداء، ورفْع الإنتاجية، وتخفيض كلفة الإنتاج، أدَّى إلى ظهور اقتصاد جديد هو اقتصاد المعرفة، الذي أخَذ يتطوَّر بسرعة وعلى نِطاق واسع، وبدأتْ خصائصه تتجذَّر، ومبادِئه تتوسَّع في مواجهة الاقتصاد التقليدي.

وأصبحتِ المعرفة في هذا الاقتصاد الصاعِد، المحرِّك الأساسي للمنافَسة الاقتصادية والنجاح، حيث أضافتْ قِيمًا هائلة للمنتجات الاقتصادية مِن خلال زيادة الإنتاجية، والطلب على التقنيات الجديدة والأفكار الجديدة - التي تأتي على شكلِ اختِراعات جديدة، وأيضًا مِن خلال طلب جديد على المعرفة الموجودة - وقدِ واكبتْ هذه المنتجات فعليًّا التغيُّراتِ الثوريةَ في كلِّ الأسواق والقِطاعات.

ومنه فإنَّ اقتِصاد المعرفة هو ذلك الاقتصاد المعتمِد على المعرفة التي تُشكِّل الجزءَ الأعظم مِن القيمة المضافة، مُستخدمًا العقل البشَريَّ بتوظيف وسائل البحْث والتطوير، والموارد الاقتصادية المتاحة، والكوادر المؤهَّلة والقادرة على استيعاب جميعِ المتغيرات في جميعِ النواحي.

فبعدما كانتِ الأرْض هي الموردَ الأساسي في عصْر الاقتِصاد الزِّراعي، وكان الحديد والفحم المورد الأساسي في عصر الاقتصاد الصناعي، فإنَّ المعرفة هي أساسُ الاقتصاد المعرفي، وهو ما أكَّده بيتر دريكر drucker على أنَّ المعرفة أصبحتْ مَوْرِدًا أساسيًّا مِن موارد الإنتاج، وهو ما يَعني التحوُّل في مركزِ الثِّقل مِن المواد الأوليَّة والمعدَّات الرأسمالية إلى التركيز على المعلومات والمعرِفة والبحث، حتى انتقلْنا مِن ضرورة معرفةِ الاقتصاد إلى اقتصاد المعرفة المبنيِّ أساسًا على التطوُّر التكنولوجي والمعلوماتي، الذي يَزيد من مخاطرِ النمو، فَفُرص التجديد والابتكار أصبحتْ أكبرَ بكثير، فمن الواضح أنَّ هناك اختلافًا بين السِّلع المادية والمعرفة، حيث إنَّ السلعة لها قِيمة استعمال وقِيمة تبادل، ومِن الممكن الفصْلُ بين القيمتين، وأنَّ المعرفة لا قِيمةَ اقتصادية لها (قيمة تبادُل) إلا عند استعمالها، فلقدِ ازداد المكون المعرفي في المنتج إلى حدٍّ كبير، سواء كان سلعيًّا أم خدميًّا.

لذلك فإنَّ المعرفة ذات التكلفة العالية قد لا تُساوي شيئًا ما لم توضعْ في الاستعمال، وهذا ما يَدْفعُنا إلى ضرورةِ التمييز بين السِّلع المادية والمعرفية، فمِن خصائص المنتج المعلوماتي أنَّه غير ملموس:
المعلومات ليس لها وزن، لا تلمس ولكن يشعُر بها.

أنَّه قابل للاستنساخ (Copyable): يُمكِن استنساخها لمرَّاتٍ عديدة، وفي الأغلبِ بدون تكلفة.

أنَّه غير قابل للاستهلاك (No consumable): عندما تستنسخ أو تستخدم المعلومات، فهي تفقِد بالرغم من أنَّ قِيمتها قد تتغيَّر.

أنَّه قابلٌ للنقل (Transportable): المعلومات يمكن أن تتحرَّك وتنتقل بدون تكلفة في الغالِب.

أنَّه قابلٌ للمعالَجَة (Manipulable): معالجة المعلومات بسهولةٍ أكبرَ بكثير مِن معالجة الأشياء المادية، وهذا يفسِّر لماذا وجدتْ بوينغ (Boeing) مزايا في استخدام (CAD) في تصميمِ الطائرات بدلاً مِن بناء نماذج مادية.

ومِن خلال ما سبَق يمكن تحديدُ أبرز خصائص اقتصاد المعرِفة في الآتي:
1- في الاقتصاد الجديد العامِل الرَّئيسي في الإنتاج هو المعرِفة بعد أن كانتِ الأرضُ في الاقتصاد الزراعي، ورأس المال في الاقتصاد الصناعي.

2- أنَّه اقتصاد لا يُعاني مِن الندرة بالمعنى التحليلي القديم، بل هو اقتصادُ الوفْرة في الموارد التي يمكن استمرارُ زيادتها عبرَ الاستخدام المتزايد للمعرِفة والمعلومات.

3- يُسمَح فيه باستخدام التقانة الملائِمة بخلق أسواق ومنشآت افتراضية تلغي قيودَ الزمان والمكان مِن خلال التجارة الإلكترونية.

4- يصعُب في اقتصاد المعرفة تطبيقُ القوانين والقيود والضرائب على أساس قومي بحْت.

5- أنَّ مِفتاحَ القِيمة في اقتصاد المعرفة هو مدَى تنافسية رأس المال البشري، ولا يُمكِن نقْل ملكية المعرِفة من طرَف لآخَر عكَس عناصر الإنتاج.

6- التركيز على اللا ملموس كالأفكار والعلامات التجارية، بدلاً مِن الآلات والمخزونات والأصول الماليَّة.

يُمكن حصرُ بعض أوجه الاختلاف بيْن الاقتصاد المعرفي والاقتصاد التقليدي، فيما يلي:
بخِلاف معظَم المصادر التي تنضب بالاستخدام، فإنَّه يمكن تقاسُم المعلومات والمعرِفة، وبالإمكان أن تنموَ عند الاستعمال فهو اقتصادُ الوفرة.

لقدْ تلاشتْ أهمية الموقع الجغرافي، فباستخدام التكنولوجيا المناسِبة والوسائل المناسبة يُمكن إنشاء الأسواق الافتراضية والمنظَّمات الافتراضية التي تُوفِّر السُّرعة في الإنجاز على مدار الساعة، وفي أيِّ مكان في العالَم.

مِن الصعْب تطبيقُ القوانين والحواجز والضرائب على المستوى الوطني، فالمعرفة "ترشح" حيث الطلب الأعلى، وحيث الحواجز تكون أدْنى.

أنَّ المنتجاتِ والخِدمات المبنيةَ على المعرفة تحقِّق أسعارًا أعلى من أسعار المنتجات المشابهة التي تفتقر إلى الكثافةِ المعرفيَّة.

أنَّ التسعير وقِيمة المنتجات أو الخِدمات تعتمد بشدَّة على السِّياق، وهكذا فإنَّ المعرفة ذاتها لها قيمةٌ مُغايرة بالنِّسبة إلى أناسٍ مختلفين في أوقاتٍ مختلفة.

عندما تكون المعرِفة ضمنَ إطار أنظِمة أو عمليات، فإنَّها تمتلك قيمةً جوهريَّة أعْلى من المعرِفة غير المنظمة التي تكون في رُؤوس الناس.

أنَّ رأس المال البشري هو أهمُّ مكوِّنات القِيمة في المؤسَّسات المبنيَّة على المعرفة، وما يميِّز هذا الاقتصاد الجديد هو الطلبُ على اليد العامِلة ذات الكفاءة والمتخصِّصة في المعرفة.

وهذه الخواص للمعرِفة، والتي تُغاير تمامًا خواصَّ الاقتِصاد المادي تستدعي أفكارًا جديدة ومداخلَ جديدة مِن قِبل صنَّاع السياسات، ومِن قِبل كبار المُديرين التنفيذيِّين وعمَّال المعرفة على حدٍّ سواء، وهو ما يَستدعي وجودَ قيادة ذات كفاءة وخوْض المجازَفة في مواجهة الاتِّجاهات السائِدة البطيئة النمو، وضد ممارسات المؤسَّسات القائِمة.

لا يُمكن نقْل ملكيَّة المعرِفة مِن طرف إلى طرف آخر.

مِن المعلوم نظريًّا أن اقتصاديات الأشياء الماديَّة تختلف تمامًا عن اقتصادِ المعلومات، فيتَّصف اقتصاد المعرفة بأنَّه اقتصاد وفْرة أكثرَ مِن كونه نُدرة؛ ولأنَّ الموارد يمكن أن تنضبَ مِن جرَّاء الاستخدام والاستهلاك بينما تزداد المعرفةُ بالتعلُّم والممارسة والاستخدام، وكذلك فإنَّها تنتشر بالمشاركة.

مِن الصعوبة تطبيقُ القوانين والقيود والضرائب على أساس قوْمي بحْت في اقتصاد المعرفة، على عكس الاقتصاد التقليدي؛ حيث إنَّ المعرفة متاحةٌ للجميع في جميع أنحاء العالَم، وأنها أصبحتْ تشكِّل عنصرَ الإنتاج الأساسي، وبالتالي فإنَّ هذا يعني هيمنةَ الاقتصاد العالمي على الاقتصاد القومي أو الوطني.

ونظرًا لما شهِده العالَم في الرُّبُع الأخير من القرْن العشرين من جملة مِن التحَوُّلات، واتِّجاه سريع نحوَ تحرير التجارة، ولجوء مكثَّف إلى التكتُّلات الإقليميَّة، وبروز لدور الشَّرِكات المتعدِّدة الجنسيات، ويُعدُّ التطوُّر التكنولوجي جوهرَ هذه التحوُّلات، وأهم مميِّز للاقتصاد العالَمي المعاصر.


واستجابة لكلِّ هذه التحوُّلات دخَل العالَم مرحلةً جديدة من التطوُّر، الأمر الذي جعَل الدول تقَع تحتَ هاجس التنافُس سيَّما أنَّ المصادر التقليديَّة للمنافسة لم تعُدْ بالأهمية ذاتها، وهو ما جعَل الاهتمامَ يتَّجه نحوَ مصادر جديدة للمنافسة لا ترتبط بكثافةِ رأس المال فحسبُ، بل بامتلاك المعارِف والمعلومات والتكنولوجيات والمهارات والتحكُّم بالتقنية الحديثة، والاحتكام إلى أساليبَ متطوِّرة ترتكز على الإبداع والابتكار والتجديد والمبادَرة.



الساعة الآن : 11:06 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 12.62 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 12.53 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.74%)]