ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   من بوح قلمي (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=72)
-   -   يتعثره الوجد والرجاء.. (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=256922)

ابوالوليد المسلم 13-04-2021 02:06 AM

يتعثره الوجد والرجاء..
 
يتعثره الوجد والرجاء..


أم وفاء خناثة قوادري







ها هي بكة تتأهَّب لاستقبال الحجيج، مِمن لبُّوا نداء خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام!

دروبها تستحث شوقهم لموافاة طُهرها، واستشراف قداستها التي طالما لوَّثتها حجارة صماء، أعمت وأقفلت قلوبًا بدنَسها، قلوبَ كبراء وسادة، هم أولاء يَنفثون من أفواههم السم الزعاف، في كل المسالك والدُّروب، يُحذِّرون وينفِّرون من رجل يتلو قرآنًا له تأثير السحر على القلوب، يسلب إرادة سامعيه، ويسرق عقولهم، فيَنقلبون له أتباعًا!

إنَّهم يستنفرون جموعهم ضد من رد أصنامهم، وسفَّه أحلامهم، ينهون عن قرآنه وينأون، مرهِّبين منفِّرين، محذِّرين متوعِّدين.

ومَن ذاك القادم من بعيد يتعثَّره الوجد والرجاء بين أفواج حجيج أرض اليمن السعيد؟!

إنه الطفيل بن عمرو، رئيس دَوسٍ وشاعرها اللبيب، هاله ما سمع من أحاديث القوم، فاحتار كيف يواجه هذا الخطب والأمر الجلل؟ ثم اهتدى فزعًا إلى حشو أذنيه كرسفًا[1]؛ علَّه بذلك يقطع الطريق عن السحر وتأثيره، ثم يقصد الكعبة مطمئنًّا ساكنًا.

ويتلألأ النور ويصدح الحق عاليًا، فيَقف الطُّفيل قريبًا من رسول الهدى، ويُلامس الإيمان شغاف قلبه، وتستجيب الجوارح، ويتهلَّل الوجه بالبشرى.

ينقلب الرسول راجعًا إلى بيته، وتأبى روح الرجل ووجدانه إلا الترقي والتسامي عن الباطل والظلمات.

ويغشى هذه الفطرة ما يشبه التيقظ المفاجئ، فيَرمي ما بأذنيه من كرسفٍ، ويَستحثُّ الخطو خلف الرسول الكريم.

يستقبله النبي في بيته كأحسن ما يستقبل الشريفُ الشريفَ، يُسمعه القرآن، ويعرض عليه الإسلام، ويُعلن الطفيل إسلامه.

يا ألله! ما أعظم كلمة التوحيد! لقد غسلت قلب هذا الرجل فما بقي من درنه شيء، أشرقت بأنوارها على نفسه فارتقت روحه إلى عالم الطهر والصفاء.

ويعود الطفيل ربانيًّا، حاملاً إلى قومه رسالة الخير والهدى، يدعو إلى الحق بنبْل وكرَمٍ غير هياب ولا وَجِلٍ، ويأبى عليه قومه ذلك، ويُقابلون دعوته بالهجر والقطيعة، ويشتد عليه الأمر، فما تزيده المحنة إلا صلابة وثباتًا، فيصبر ويحتسب الأجر عند الله.

وما كان الله ليضيع أجر من أحسن عملاً؛ فها هو الطفيل بن عمرو يوفَّى الجزاء الأوفى، ويتفضَّل عليه ربه بالمزيد؛ لتُعلنَ دَوس إسلامها، وعن بكرة أبيها، وتأتي وفودها النبي بالمدينة مُبايعةً.

ثم يَختم الله للطفيل بالحسنى، فيَختاره للشهادة في معركة اليمامة سنة 11 للهجرة، وتعرج روحه الطاهرة إلى بارئها، ويرقى ذكره ليُطاول عنان السماء.


[1] الكرسف: القطن.







الساعة الآن : 02:05 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 7.51 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 7.42 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (1.25%)]