ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=41)
-   -   الفضيل بن عياض (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=281527)

ابوالوليد المسلم 01-09-2022 03:33 PM

الفضيل بن عياض
 


الفضيل بن عياض (1)








كتبه/ مصطفى حلمي


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلن نحاول التَّعَرُّض لمدى صحة الرواية التاريخية التي تتردد في أغلب المصادر عن سابق حياة الفضيل بن عياض، حيث كان شاطرًا يقطع الطريق، ولكننا نميل إلى القول بأنها تحمل في طياتها حبكة فنية، يحتمل معها تعمد الوضع بواسطة الصوفية، لا سيما وهي تصوره وهو ينصت لقارئ يقرأ: "ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق"، وقد أوى إلى مكان يبيت فيه فوجد أناسًا يتكلمون عنه، وأنهم يخشون أن يقطع الطريق عليهم، وبعد أن ينصت إليهم وهم يعبِّرون عن خوفهم منه، يستيقظ من غفلته على أصواتهم وهم يتشاورون فيمَ يفعلون لاتقاء شروره! وهنا يعلن توبته: "اللهم إني قد تبت إليك، وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام".

وربما وَجَدتْ هذه القصة آذانًا صاغية؛ لأنها تتفق في السياق مع ما اشتهر به الفضيل من شدة خوفه وبكائه كلما أنصت إلى آيات الله تتلى عليه.

والذي يعنينا -مع افتراض صحة هذه الواقعة- هو دراسة مذهبه في الزهد؛ لأنه احتل مكانًا بارزًا بين الشيوخ السلفيين، إذ يصفه ابن تيمية بأنه (سيد المسلمين في وقته)، ووصفه ابن حجر العسقلاني بأنه الزاهد الخراساني، فنشأته إذًا كانت بخراسان.

وذكر ابن كثير بأنه قَدِم الكوفة وهو كبير، فهل مال إلى الطابع الخراساني أم غلبت عليه سمة الكوفيين؟ سينجلي الأمر أثناء بحثنا.

سمع الفضيل الحديث بالكوفة بعد أن انتقل إليها من مسقط رأسه خراسان، وتدل الأقوال الكثيرة التي أوردها ابن حجر العسقلاني أن رجال الحديث عدوه مِن الثِّقَات، واتفقوا على أنه كان فاضلًا عابدًا ورعًا، كما نقل لنا نصًّا على لسان عبد الله بن المبارك يصفه فيه بأنه أورع الناس، وأنه ما بقي على ظهر الأرض أفضل عنده من الفضيل عياض.

وكون الزاهد الكبير من رجال الحديث يدلنا على تمسكه بالسنة، ونهيه بشدة عن الأخذ من أصحاب البدع أو الاختلاط بهم؛ قال الفضيل: "صاحب بدعة لا تأمنه على دينك، ولا تشاوره في أمرك، ولا تجلس إليه؛ فإنه مَن جلس إلى صاحب بدعة أورثه الله العمى"، وهو يقصد بأهل البدع: الطوائف المخالفة للسنة، ومنهم: المرجئة الذين قالوا: أن الإيمان إقرار بلا عمل، فيعتبر ذلك منهم مخالفة للنصوص، حيث ينص الحديث على أن: "الإيمان بضع وسبعون شعبة، أفضلها: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان"، فهو يستند في دفاعه عن الأثر ويتمسك بنص الحديث.

وإذا كان الفضيل قد اتصف (بالورع الدائم والخوف الوافر والبكاء الكثير)، فإن ذلك لا يعدو كونه ارتباطًا بالأئمة السابقين، فإن ظاهرة الخوف واضحة عند الخلفاء الراشدين، وعند أمثال أبي الدرداء، وأويس القرني، والحسن البصري؛ بسبب الخشية من الله، وتذكرهم الدائم للموت، والمنتظر بعده.

فليس الفضيل إذًا بدعًا حين نراه إذا ما خرج في جنازة يعظ ويذكر ويبكي، حتى يصل إلى المقابر "فيجلس مكانه بين الموتى، من الحزن والبكاء حتى يقوم وكأنه رجع من الآخرة!"؛ هذا هو التفسير الأقرب للصحة لشدة حزنه؛ إذ إن المرحلة الزمنية التي عاش فيها، تسبق بكثير عصر ظهور الملامتية في خراسان.

ثم إن الفضيل -كمحدث- كان يرتبط بالزهاد من أهل الحديث أوثق ارتباط؛ كسفيان الثوري الذي روى عنه، وصحبته لكلٍّ مِن سفيان بن عيينة، وعبد الله بن مبارك.


ولا ننسى المصدر الإسلامي الأول، وهو: القرآن العظيم: الذي انعكس أثره عليه بعمق عند بداية اتخاذه طريق التوبة؛ فقد استجاب لوقع الآيات القرآنية في نفسه، وكان متأثرًا بها في أطوار حياته، فلم يتخلَّ عن الخوف والرهبة كلما سمع القرآن يُتَلى عليه، فإذا ما أنصت إلى الآية: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" أصابته الرعدة، وأرقته الخشية من التقصير في أداء حقِّ ربِّه عليه فيقول: "الويل لي إن سألني، والويل لي إن ناقشني، والويل لي إن لم أُلهم حجتي!".

وللحديث بقية إن شاء الله.





ابوالوليد المسلم 14-09-2022 03:14 PM

رد: الفضيل بن عياض
 
الفضيل بن عياض (2)



كتبه/ مصطفى حلمي




الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد كان الفضيل بن عياض رحمه الله "إذا ذكر الله، أو ذكر عنده أو سمع القرآن، ظهر به من الخوف والحزن، وفاضت عيناه، وبكى حتى يرحمه مَن يحضره!"، ولكن الحزن لم يستغرقه كله -كشأن الملامتية في خراسان فيما بعد-؛ لأنه تحدَّث عن المحبة التي تربط العبد بربه، ومن علاماتها: التقرب إليه بالنوافل، وقيام الليل بصفة خاصة؛ فهو يعبِّر عن ذلك بما يرويه، أو يتصور أنه كذلك مِن أنه حديث عن الله؛ يقول الله تعالى فيه: "كذب مَن ادعى محبتي، وإذا أتى الليل نام عني؛ أليس كل حبيب يحب خلوة حبيبه؟! ها أنا مطلع على أحبائي، إذا أجنهم الليل جعلت أبصارهم في قلوبهم ومثلت نفسي بين أعينهم!".

ويلخص نظرية المحبة الإلهية في عبارة موجزة يستحضرها من حديث النبي ?: "أوثق عرى الإيمان: الحب في الله، والبغض في الله"، فيصبح الحب خالصًا لله لا لغرض آخر، وعلى العكس، يكون البغض بسبب المعاصي التي يبغضها الله؛ لا بسبب التنافس على متاع الدنيا.

ولما رسخ في قلبه هذا المبدأ -أي: الحب في الله والبغض في الله-، تجاسر على الوقوف أمام الرشيد آمرًا له بالمعروف، وناهيًا عن المنكر، غير هياب ولا وجل، بل وعظه في صيغة ساخرة، لكنها ذات دلالة عميقة؛ قال له الرشيد: (ما أزهدك! فأجابه الفضيل بقوله: أنت أزهد مني؛ لأني أنا زهدت في الدنيا التي هي أقل من جناح بعوضة، وأنت زهدت في الآخرة!).

وهكذا ينقد الخليفة بكياسة، وبأسلوب صريح، ولكنه لين يحمل في طياته الكثير من المعاني.

وفي مرة أخرى حينما استدعت المصارحة ألا يختفي وراء الأسلوب اللين في المخاطبة، كان شديدًا في حديثه للرشيد، فقال له: (إن الله لم يجعل أحدًا من هؤلاء فوقك في الدنيا؛ فأجهد نفسك ألا يكون أحد منهم فوقك في الآخرة).

ثم ينصحه بالكدح لنفسه، والعمل في طاعة ربه، ويشتد أيضًا في إحدى المرات عليه حتى يبكيه!

وكان القرآن هو المعين الذي يغترف منه الفضيل بن عياض، يقرأه وينظر في آياته، ويستخلص منها الأسس النظرية لحياته الروحية؛ إنه يجد ضرورة الإخلاص في العمل لقوله تعالى: "ليبلوكم أيكم أحسن عملًا"، فيفسرها بأن العمل ينبغي أن يتوافر في كلٍّ من الصواب والإخلاص، فإن فقد إحدى الصفتين لم يقبل، فالخالص هو أن يكون لله، والصواب هو اتفاقه مع السنة.

وحرص الفضيل على متابعة الرسول صلوات الله عليه وصحابته والتابعين عندما أوضح المبادئ الأخلاقية التي يرى التمسك بها، فهي بعد الإيمان وأداء الفرائض (صدق الحديث، وحفظ الأمانة، وترك الخيانة، ووفاء بالعهد، وصلة الرحم، والنصيحة لجميع المسلمين، والرحمة للناس عامة)، ولما سئل عما إذا كان هذا مِن رأيه، أجاب: مِن السابقين أهل الفضل والفقه.

وقد ظل متأثرًا أشد التأثير بالسابقين؛ لأنه أدرك -كما يخبرنا- خير الناس، كلهم أصحاب سنة؛ ولهذا فهو يرى تعظيم شأنهم، وأن البلاد تحيا بهم، فهم حزب الله إذ يقول: (إن لله عبادًا تحيا بهم البلاد، وهم أصحاب السنة، وكل منهم يعقل ما يدخل جوفه، ومن كان كذلك كان في حزب الله عز وجل).

ولزاهدنا رأي في الربط بين المعصية والمعاناة في الحياة اليومية، فيذهب إلى أنه عندما يعصي العبد الله، يستطيع أن يرى أثر ذلك في خلق امرأته، وخادمه، وحماره بل فأر بيته أيضًا!

وكأنه قبل موته ألهم بالأحداث التي ستهب على المسلمين بعده، ولن يستطيع التصدي لها -كما فعل مع أهل الإرجاء-؛ إذ ظهر بعد موته القول بخلق القرآن، وكان يتخوف أثناء حياته من موت الرشيد، ويلهم بما سيحدث بعده، فهو يقول: (طوبي لمن مات على الإسلام والسنة)، ثم بكي على زمان تظهر فيه البدعة، فإذا كان ذلك كذلك، فأكثروا من قول ما شاء الله.


وظلت شخصية الفضيل مؤثرة في أصحابه الذين رأوا فيه ارتباط النظر بالتطبيق، فكان عبد الله بن المبارك يقول عنه: (إذا نظرت إلى الفضيل، جدد لي الحزن، ومقتُّ نفسي!).







الساعة الآن : 08:39 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 13.00 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 12.86 كيلو بايت... تم توفير 0.14 كيلو بايت...بمعدل (1.04%)]