حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
|
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (3) منهج الإسلام في التعامل مع الأمراض النفسية: إن منهج الإسلام في التعامل مع المرض النفسي ينبع من حقيقة هذا الدين الذي نُزّل من لدن خالق الإنسان، والذي يعالج الإنسان من جميع النواحي، فهذا الدين دستور قائم على عقيدة وشريعة، لأنه يعطي للإنسان التصور الصحيح عن الحياة والكون والإنسان، على أسس علمية رصينة، من حيث وحدانية الله تعالى في ألوهيته وربوبيته، وكذلك هو منهج تشريعي ينظم حياة الناس في الأحوال المختلفة، فهو يرسم علاقة الإنسان مع نفسه ومجتمعه في الأخلاق والآداب والمعاملات وجميع الحقوق والواجبات، كما يحدد علاقته مع ربه في اتباع كتابه وسنة نبيه ﷺ. وبهذا فإن الطب النفسي يدخل ضمن هذا المنهج الرباني الشامل، الذي يعالج كل ما يتعلق بالإنسان من حالات وظروف. منطلق المنهج الإسلامي: إن المنهج الإسلامي في تعامله مع الأشياء ينبع من كتاب الله تعالى وسنة نبيه ﷺ، ولا يمكن تحديد جميع نقاط الانطلاق لهذا المنهج، لأن الله تعالى يرشد عباده في كل قضية إلى اتباع السبيل المناسب لاحتوائها والتغلب على أضرارها والاستفادة من منافعها، ولكن هناك خطوط عريضة تتكرر كثيرًا في التوجيهات الربانية والأحاديث النبوية لتكون أساسًا للانطلاقة في الحياة والتعامل مع الأحداث والنوازل، وهي بمثابة محطات تقوية وتشحين للمسلم في مسيرة الحياة، ومن هذه الخطوط ما يلي: أ – معرفة الإنسان لذاته: من خلال التدبر والتفكر في كينونة ذاته وطبيعتها الممتزجة والمؤلفة من مادة وروح، والآيات التي أودعها الله فيه من خلايا وأعضاء وأجهزة، فضلاً عن المشاعر والأشواق التي تتوزع في النفس، لأن هذا يولد في نفس الإنسان شعورًا بعجزه أمام هذا الخَلق المعقد، وأمام عظمة الخالق سبحانه وتعالى، مما يدفع به للاستسلام والتحاكم إلى تشريع هذا الخالق ودستوره في الحياة. يقول الله تعالى:{وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ. وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}(1) ب – حسن التصور عن الله سبحانه وتعالى: يمكن تحديد هذا المحور من خلال النقاط التالية: -أنه الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، واحد في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، وأنه لا ند له ولا شريك له في الملك، وأنه يحيي ويميت، ويعطي ويمنع، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، قال الله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ. اللَّـهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد. وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}(2) -حسن الظن بالله تعالى ورحمته بعباده، وأنه تعالى أقرب من عباده من حبل الوريد، وأنه أرحم بهم من الناس أجمعين، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي: «إن الله يقول: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني»(3) يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «قدم على النبي ﷺ سبي فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسقي إذا وجدت صبيًا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته فقال لنا النبي ﷺ: أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ قلنا لا وهي تقدر على أن لا تطرحه فقال لله أرحم بعباده من هذه بولدها»(4) -الخوف منه سبحانه وتعالى، مقابل حسن الظن به، لاسيما إذا تُركت الفروض والواجبات، وارتُكبت الكبائر؛ لأن الله تعالى ينزل رحمته على عباده المؤمنين القائمين على أوامره وطاعته، وهو بالوقت نفسه شديد العقاب للمعاندين والعصاة، كما في قوله تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ}(5) فلا بد من التوازن بين الرجاء في رحمته والخوف من عذابه، وهي من صفات المؤمنين الصادقين لقوله تعالى: {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}(6). -الاستشعار بعظمة الله تعالى وأن بيده ملكوت كل شيء، وأنه اللطيف الخبير، لا تخفى عليه خافية في الأرض والسماء، لقوله: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}(7) وقوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(8) وكثيرة هي الآيات التي تلفت انتباه الإنسان إلى عظمة خالقه وبارئه من خلال ما خلق وبرأ. -أن المآل الأخير إلى الله، وأنه لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه، وأن الناس إليه يحشرون، ليجزي من كان على بينة ويحق الحق على الكافرين. ---------------------------- (1) الذاريات [20-21]. (2) سورة الإخلاص (3) أخرجه مسلم (ص1169، رقم 2675) كتاب الذكر والدعاء، والترمذي (ص 544، رقم 2388) كتاب الزهد، باب ما جاء في حسن الظن. (4) أخرجه البخاري (ص1050، رقم 5999) كتاب الأدب، باب من ترك صبية غيره حتى تلعب به أو قبَّلها أو مازحها. (5) الحجر [49-50]. (6) السجدة [16]. (7)الأنعام [59]. (8) المجادلة [7]. |
افضل شركة نقل عفش بالرياض
ارخص شركه نقل أثاث بجازان
الأثمان من الأشياء التي يقوم القلة في التفكير بها خلال عملية نقل الأثاث وقد كان سببا للكثير الإزعاج من كثر التفكير في تلك التكلفة، إلا أن عميلنا العزيز ليس هناك داعي هذه اللحظة لكل ذلك الإرتباك. فتوفر لك شركتنا مؤسسة نقل أثاث بجازان افضل العروض وأرخص واقل الأثمان بين جميع مؤسسات نقل العفش . فتعد أسعار شركتنا أسعار فريدة بشكل كبيرً ولم تراها من قبل، فالكثير ايضاً يبحث عن افضل مؤسسات النقل وتكون أثمانها غير مبالغ فيها فالجميع يبحث إلى الإدخار ايضاً عقب عملية نقل الأثاث والأثاث المرهقة. كل ذلك توفره لك شركتنا فلا وجود للقلق فيما يتعلق كل تلك الموضوعات، فنحن نعدك بأقل الأثمان التي لن تراها من قبل وسوف تدهشك كثرة العروض التي سوف تناسبك. فمن اهم مقاصد مؤسسة نقل أثاث بجازان الحرص علي تقديم أمثل وافضل الخدمات بأدنى سعر ممكنة وجودة وحرص بالعمل، أما فيما يتعلق الاتفاق عن الأثمان فهذا الشأن يكون مع المندوب المخصص بالمؤسسة لأجراء جميع الاتفاقات والتعاملات المالية والقيام بعملية جرد جميع قطع العفش والعفش التي سوف يتم نقلها. وبعد فترة الاتفاق يتم إمضاء العقود مع المؤسسة بالأثمان المتفق عليها ووضع جميع البنود التي تكفل مختلَف الاطمئنان للزبون، فلا تحتار عميلنا العزيز بالاتصال والتواصل معنا بأي توقيت فنحن على أتم التأهب لنقل جميع العفش والعفش من وإلى أي موضع بجازان.شركة نقل عفش شركة نقل عفش من الرياض الى قطر شركة نقل اثاث من الرياض الى قطر شركة نقل عفش بحائل |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
|
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (5) الموقف من الأمراض: أولاً: الموقف الإيجابي ويتمثل في: -الرضى بأمر الله تعالى وقدره، مع اليقين بأن المرض من الله تعالى، يصيبه من يشاء من عباده، وهو نوع من الاختبار لهم فينظر هل يصبرون؟ {وَلَنَبْلُوَنَّ كُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}(1) -عدم التحسر والتأسف على قضاء الله تعالى، لأن الإنسان لا يعرف مكامن الخير والشر، فهي خافية عليه، فربما أريد له بهذا المرض العفو والمغفرة والجنة وهو لا يدري، يقول تبارك وتعالى: {وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}(2) -التداوي بالطرق المشروعة والابتعاد عن المحرم منها، كالذهاب إلى السحرة والمشعوذين، أو التداوي بالخمر وغيره من المحرمات. -أن يتعبد الله تعالى بالعبادات أثناء المرض مثل: قوة المحاسبة لنفسه، والتفكر في ملكوت الله، وفي أسمائه وصفاته، وكثرة الذكر والاسترجاع، واستغلال الوقت بما يفيد، والدعاء. -أن يعتقد أن الشافي هو الله سبحانه وتعالى وسائر الأشياء ما هي إلا أسباب إن أذن الله تعالى تحقق الشفاء وإن لم يأن فلحكمة يعلمها، فيورثه هذا قوة التوكل على الله. آثار هذا الموقف: 1– تكفير السيئات ودخول الجنة: لقوله عليه الصلاة والسلام: «ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها»(3) 2– رفعة الدرجات: لقوله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}(4) 4– عبودية الله في السراء والضراء: وهي غاية وجود الإنسان في الأرض، وقد أشار رسول الله ﷺ إلى هذه العبودية بقوله: «عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له»(5) 5– تذكير بنعمة الله على العبد: حيث أن الابتلاء نعمة من الله تعالى وفضل منه، وأن أشد الناس بلاء هم أقربهم إليه سبحانه وتعالى، كما أخبر بذلك رسول الله ﷺ ، حين سئل أي الناس أشد بلاء؟ قال: «الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه»(6) 6– الرضى والطمأنينة: لأن المريض حين يدرك أن المرض من الله تعالى تطمئن نفسه ويهدأ باله، ويسلم أمره إليه، وبذلك لا يدع مجالاً لوساوس الشيطان أن تلج قلبه أو تخترق إيمانه وعقيدته. والله تعالى يقول: {وَلَنَبْلُوَنَّ كُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}(7) 7– التعامل الإيجابي في الحياة: إن الرضى لأمر الله تعالى والاستسلام لقدره يجعل الإنسان متفائلاً في الحياة ويسعى فيها من غير كسل أو عجز، بل إنه يساهم في بناء المجتمع وحمايته حسب الطاقة الموجودة لديه، والإمكانية التي تساعده على ذلك، الأمر الذي يجعله عنصرًا إيجابيًا وفاعلاً في الحياة. 8– المحاسبة والرجوع عن السلبيات: إن المرض وجميع الابتلاءات تجعل الإنسان يراجع صفحات حياته الماضية، ويحاسب نفسه على ما اقترف فيها من أخطاء وسيئات، ويبدلها بالأعمال الصالحة وفعل الخيرات. وذلك بالاجتهاد في الطاعات وتقديم القربات بين يدي الله تعالى، وإيصال الحقوق إلى أصحابها، والإصلاح بين الناس وغيرها. ----------------------------------- (1) البقرة [155-157]. (2) البقرة [216] (3)أخرجه البخاري (ص1003، رقم 5667) كتاب المرضى، باب رخص للمريض أن يقولإني وجع. ومسلم (ص1126، رقم 2571) كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من المرض. (4) الزمر [10] (5)أخرجه مسلم (ص 1295، رقم 999) كتاب الزهد، باب المؤمن أمره كله خير. (6)أخرجه الترمذي (ص547، رقم 2398) كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء. وابن ماجه (ص580، رقم 4023) كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء. وأحمد (1/172، رقم 1481). وهو حديث صحيح صححه الترمذي وغيره. (7) البقرة [155-157]. |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (6) الموقف السلبي من الأمراض ثانيًا: الموقف السلبي ويتمثل في:1 – التحسر على الماضي: وذلك بالجزع والتضجر من مرضه وبلائه، وعدم الصبر عليه، والإكثار من الشكوى والنجوى للناس من غير أن يحيل الأمر إلى الله تعالى. 2 – لوم النفس: من خلال التأسف على أمور مقدرة عليه كأن يقول لو أني فعلت كذا ما صار كذا، فيعيش طول مرضه ومعظم أوقاته في حالة التأنيب النفسي، وهذا يولد قلقًا واضطرابًا نفسيًا ربما يحدث خللاً في تصرفاته وسلوكه مع الناس. 3 – التعلق بالمخلوقين: من المشعوذين والسحرة ليجدوا لمرضه علاجًا أو دواء، دون أن يلجأ إلى الله تعالى، وهذا خدش في العقيدة والإيمان، لأن المشعوذين لا يملكون من أمرهم شيئًا فكيف بهم أن يشفى الناس على أيديهم وهم الذين يتعاملون بالكفر والشرك مع شياطين الجن، وقد نهى رسول الله ﷺ الذهاب إليهم قائلاً: «من أتى عرّافًا فسأله عن شيء لم تُقبل له صلاة أربعين ليلة»(1). آثار هذا الموقف: 1– إن قدر الله تعالى واقع لا محال، وأن الجزع والتضجر لا يغير من الأمر شيئًا. 2– إن السخط لقدر الله وأمره، دليل على ضعف الإيمان بالله تعالى، وألوهيته وربوبيته. 3– إن الله تعالى يسخط من عباده المتضجرين من قدره، لقوله ﷺ: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط»(2) 4– إن الحسرة والسخط والندامة ينتج عنها أمراض نفسية خطيرة، مثل الاكتئاب والقلق وعدم الإنتاج، وغيرها. مما يهيئ الجسم لاستقبال أمراض عضوية أخرى. 5– التعامل السلبي في الحياة، سواء في الأمور الدينية من تقصير في أداء الواجبات والفروض، أو في الأمور الدنيوية من إساءة الخلق والحسد والحقد مع المجتمع من حوله. ---------------------- (1)أخرجه مسلم (ص 990، رقم 2230) كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان. وأحمد (2/429، رقم 9532). (2) أخرجه الترمذي (ص546، رقم 2396) كتاب الزهد، باب الصبر على البلاء. وابن ماجه (ص582، رقم 4031) كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء. وهو حديث صحيح. |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (7) وسائل التعامل مع المرض: وهناك بعض الوسائل يمكن استخدامها لتخفيف وطأة المرض والشفاء منه، وهي:1 – معرفة طبيعة الحياة الدنيا، وأنها دار ابتلاء واختبار، وأنها معبر للآخرة، وأن الاستقرار الحقيقي في الآخرة. 2 – معرفة الإنسان لنفسه، كما سبق الإشارة إليها، من خلال التفكر والتدبر في حقيقة الوجود الإنساني في الأرض ومعرفة المهام المكلف بها. 3 – اليقين بحسن الجزاء، لقوله تعالى: {فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}(1) 4 – الإيمان بقرب الفرج والشفاء، لقوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}(2) وفي قصة يعقوب عليه السلام الدروس والعبر في الأمل بقرب الفرج وزوال الهم، حين انتظر السنين على غياب ولده يوسف عليه السلام، وهو على يقين بأن الله تعالى سيبدل همه وحزنه فرحًا وفرجًا، وقد حقق الله له هذا الآمل فالتقى بيوسف عليه السلام على أحسن حال وأفضل مقام. 5 – استغلال الحياة بالإنتاج والعمل والطاعة وكل ما هو مفيد، وعدم ضياع الوقت بالتأسف والتحسر وجميع سفاسف الأمور، يقول عليه الصلاة والسلام: «احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان»(3) ------------------------------------------ (1) هود [49]. (2) الشرح [5-6]. (3)أخرجه مسلم (ص1161، رقم 6774) كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله وتفويض المقادير إلى الله. وابن ماجه (ص13، رقم 79) المقدمة. |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
|
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (9) تعريف مختصر للقسم الأول: البناء القسم الأول: البنـاء والـمراد بهذا القسم: أن يذكر أسس البناء للشخصية السوية جسميًا ونفسيًا وسلوكيًا وعلميًا، فتستثمر حياتها وفق منهج الله سبحانه وتعالى، مستفيدة مما منحها سبحانه من قدرات ومواهب، وصفات وسمات، ومما حولها من معطيات، فتعمر الكون، وتحقق الحكمة التي من أجلها خلق الإنسان، فتسعد في الدنيا والآخرة، وتستطيع تذليل ما يمر بها من عقبات، وتعالج ما يعترضها من مشكلات. وقد اخترت مجموعة من هذه الأسس التي اعتبرها المنطلق الحق للشخصية السوية. |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
|
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (11) أهمية العلم وفضله: تعددت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة حول العلم وفرضيته وأهميته في حياة الناس والأمم، سواء كان العلم الشرعي أو العلم التجريبي المدعّم بالإيمان بالله تعالى وتوحيده، لأنه في النهاية يوصل الإنسان إلى حقيقة وجوده وحقيقة الكون والحياة، ويقرب صاحبه من الله تعالى ويبعده عن مخالفة أمره، يقول تبارك وتعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}(1). ولفضل هذا العلم وأهميته كانت أولى الآيات التي نزلت على رسول الله ﷺ تحض على العلم وتحث عليه، لأن هذه الرسالة الجديدة والتي كانت خاتمة الرسالات لا بد أن ترتكز على دعامة العلم وركنه الشديد؛ لأنه السبيل الصحيح للإيمان بالله تعالى، يقول تبارك وتعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}(2). وكأن الله تعالى أراد – أيضًا – أن يخبر هذه الأمة أن العصور القادمة ستشهد تطورات علمية وتحولات فكرية واسعة، فعليكم بالعلم والإيمان حتى تتمكنوا من مواكبة تلك العصور ومواجهة التحديات الجديدة بقوة وثبات. ثم جاءت الآيات تترى في فضل العلم وأهله وعلو مكانتهم وشأنهم عند الله تعالى وعند الناس، يقول تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّـهُ لَكُمْ ۖ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}(3). كما جعل الله تعالى أهل العلم مرجعية الناس وملاذهم حين تلتبس عليهم الأمور أو تحل بهم الأزمات أو تكاد نار الخلاف تنشب بينهم، فيقول جل وعلا: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}(4). لأن أهل العلم عندهم من العلوم الشرعية من الكتاب والسنة، ومن أخبار الأمم وقصصهم ومن حِكَم العقلاء والمصلحين وتجاربهم، ما تجعلهم أكثر صوابًا وقربًا من الحق والعدل، بخلاف الذين يجهلون ذلك كله ثم يخوضون في الأحداث فما يزيدونها إلا نارًا وفتنة وخرابًا، وهو ما أشار إليه النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رؤوسا جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا»(5). كما أشار عليه الصلاة والسلام إلى فضل أهل العلم ومكانتهم وأنهم ورثة الأنبياء فقال: «وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا إنما ورَّثوا العلم، فمن أخذ به فقد أخذ بحظ وافر»(6). ------------------------ (1) فاطر [ 28]. (2) العلق [1-5]. (3) المجادلة [11]. (4) النحل [43]. (5) أخرجه البخاري (ص22، رقم 100) كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم. ومسلم (ص1264، رقم 6796) كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه. (6) أخرجه الترمذي (ص608، رقم 2682) كتاب العلم، باب ما جاء في فضل العبادة. |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (12) حاجة الإنسان إلى العلم الشرعي 1 – معرفة الله تعالى والإيمان به وتوحيده وعبادته وحده لا شريك له، وترك ما سواه من الآلهة، سواء المصنوعة من الأحجار والأشجار، أو من النظريات والمذاهب والأفكار.2 – تحرير العقل من الأساطير والخرافات، لأن مثل هذه الأمور لا يجد لها مكانًا في المجتمعات المتعلمة للعلوم الشرعية الصحيحة، بل إنها تزداد وتتكاثر في المجتمعات المتخلفة والجاهلة التي لا تقيم للعلم وزنًا ومكانة. 3 – يحتاج الإنسان إلى العلم الشرعي لمعرفة أحكام دينه، من الحلال والحرام، من خلال كتاب الله تعالى وسنة نبيه ﷺ، فعليه أن يكون على دراية كافية باللغة العربية حتى يفهم الخطاب الإلهي في القرآن والهدي النبوي من السنة المطهرة. 4 – العلم ضرورة لبلوغ المعالي وتحقيق الأهداف في الحياة، فلا يمكن أن يصل الإنسان إلى غايته المنشودة من غير أن يركب سفينة العلم ويجلس مع أهل العلم ويأخذ منهم العلوم والفنون والأخبار، لأنها تكوّن له زادًا وعتادًا لمواجهة التحديات التي تقف دون تحقيق الأهداف والغايات. 5 – العلم ضرورة عصرية لمواجهة التحديات التي تواجه الأمة وتهدد مصالحها وثرواتها وخيراتها، فإذا تسلحت الأمة بالعلم وسخّرت إمكاناتها وطاقاتها من أجل تعليم أبنائها، فإنها بذلك تؤسس قواعد متينة وتبني حصونًا منيعة أمام أطماع الأعداء وسياساتهم اتجاه هذه الأمة وبلادها. 6 – بالعلم الشرعي والعمل به يمكن نشر رسالة الإسلام بين شعوب العالم بجميع أطيافهم وأعراقهم ولغاتهم وعاداتهم، فلا يمكن نشر هذا الدين من قبل أناس لا يعرفون شيئًا عن حقيقة التوحيد والعبودية لله وحده، ولا يعرفون عن القرآن أو السنة أو السيرة النبوية وسيرة الصحابة إلا النزر اليسير، ولكن بالعلم يمكن أن يهدي الله تعالى الناس إلى هذا الدين، لأن العلم يخاطب العقل والفطرة، وهما المحركان الأساسيان للتحوّل الفكري والعقدي عند الإنسان. 7 – بالعلم الشرعي الصحيح يمكن الوقوف في وجه التيارات الفكرية المعادية، سواء القادمة من الخارج عبر المستشرقين أو من الداخل عبر أزلامهم، وقد أثبت أهل العلم من هذه الأمة هذه الحقيقة حين دحضوا افتراءات المستشرقين وأباطيلهم حول مصادر التشريع الإسلامي وغيرها. |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (13) علاقة العلم بالعمل إن العلم الشرعي والعمل بمقتضاه أمران لا ينفصمان عن بعضهما، فالعلم الشرعي المجرد عن العمل به يتحوّل إلى عبء على صاحبه وحساب شديد في الآخرة، كما أنه يصنع نفورًا لدى الناس، إذا رأوا أن عمل هذا العالم الشرعي يخالف أقواله وما يدعوا إليه، وقد ورد عن الزهري رضي الله عنه قوله: «لا يرضين الناس قول عالم لا يعمل ولا عامل لا يعلم»(1). ومن أجل ذلك كان العمل ملازمًا وواجبًا للعلم الشرعي، لأنه الصورة العملية له على الواقع، وقد كان عليه الصلاة والسلام قدوة عملية للإسلام الذي جاء به، كما أخبرت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بقولها: «كان خلقه القرآن»، وقد وصفه الله تعالى في محكم التنزيل: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ}(2). وقد أمر الله تعالى عباده باتخاذ الرسول ﷺ قدوة وأسوة لأنه يجسّد هذا الدين وتعاليمه على أرض الواقع فقال: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ}(3). فالعلم الشرعي يفرض على صاحبه الالتزام به وترجمته في سلوكه ومعاملته وأخلاقه وجميع شؤون حياته، فإذا فرّق العالم الشرعي بين علمه في الحلال والحرام والدعوة إلى الله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبين عمله الذي يخالف كل ذلك فإن الله تعالى توعّد على ذلك الوعيد الشديد، وقد كثرت النصوص الشرعية في هؤلاء. يقول تبارك وتعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}(4)، ويقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}(5). ويقول عليه الصلاة والسلام في حال الذين كانوا يأمرون بالمعروف ولا يأتونه وينهون عن المنكر ويأتونه: «يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى، فيجتمع إليه أهل النار، فيقولون: يا فلان ما لك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه»(6). وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: «يا حملة العلم اعملوا به فإنما العالم من عمل، وسيكون قوم يحملون العلم يباهي بعضهم بعضًا حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره أولئك لا تصعد أعمالهم إلى السماء»(7). كما ورد عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قوله: «إني لأحسب العبد ينسى العلم كان يعلمه بالخطيئة يعملها»(8). ويقول الإمام ابن الجوزي رحمه الله: «لقيت مشايخ يتفاوتون في مقاديرهم في العلم، وكان أنفعهم لي في صحبته العامل منهم بعلمه وإن كان غيره أعلم منه»(9). ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــــــ (1) اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي، ص25 (2) [القلم: 4] (3) [الأحزاب: 21] (4) [البقرة: 44] (5) [الصف: 2-3] (6) أخرجه البخاري (ص1223، رقم 7097) (7) اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي، ص22 (8) المرجع السابق، ص37 (9) صيد الخاطر لابن الجوزي ص173 |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (14) أحوال السلف في طلب العلم بما أن العلم من مقتضيات فهم الدين وبه يتقرب الإنسان إلى الله تعالى، حتى يصبح أكثر إيمانًا بالله وأكبر خشية منه جل وعلا، لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}(1)، فإن أهل العلم من السلف قضوا أعمارهم وأزمانهم في طلب العلم الشرعي وفهمه وتوثيقه ومن ثم نشره، وسافروا شرقًا وغربًا، وتنقلوا بين الأمصار من أجل طلب العلم، وقد ذكر القرآن الكريم قصة موسى عليه السلام حين رافق الخضر، وما لقي في رحلته من التعب والنصب من أجل أن يتعلم منه بعض العلوم قال تعالى: {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا}(2). كما أن كثيرًا من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم ضربوا أمثالاً رائعة في رحلاتهم الطويلة والشاقة من أجل العلم الشرعي، لا سيما أهل الحديث الذين سخّروا كل إمكاناتهم من أجل أن تصل السنة النبوية إلى الأمة من بعدهم نقية من الشوائب والزيادات، فقد سافر أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه من المدينة المنورة إلى مصر ليتأكد من صحة حديث يحفظه عن رسول الله ﷺ، يقول عطاء بن أبي رباح: خرج أبو أيوب الأنصاري إلى عقبة بن عامر، يسأله عن حديث سمعه من رسول الله ﷺ ولم يبق أحد سمعه من رسول الله ﷺ غيره وغير عقبة، فلما قدم إلى منزل مسلمة بن مخلد الأنصاري - وهو أمير مصر - فأخبره فعجل عليه، فخرج إليه فعانقه، ثم قال له: ما جاء بك يا أبا أيوب؟ فقال: حديث سمعته من رسول الله ﷺ لم يبق أحد سمعه من رسول الله ﷺ غيري وغير عقبة، فابعث من يدلني على منزله، قال: فبعث معه من يدله على منزل عقبة، فأخبر عقبة، فعجل فخرج إليه فعانقه، فقال: ما جاء بك يا أبا أيوب؟ فقال: حديث سمعته من رسول الله ﷺ لم يبق أحد سمعه من رسول الله ﷺ غيري وغيرك في ستر المؤمن، قال عقبة: نعم سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من ستر مؤمنًا في الدنيا على خزية، ستره الله يوم القيامة» فقال له أبو أيوب صدقت. ثم انصرف أبو أيوب إلى راحلته، فركبها راجعًا إلى المدينة، فما أدركته جائزة مسلمة بن مخلد إلا بعريش مصر(3). وكان علي بن المديني من العراق يرحل إلى سفيان بن عيينة بمكة، للمذاكرة في الحديث(4). وقال سعيد بن المسيب رضي الله عنه وهو من كبار التابعين: إني كنت لأسافر مسيرة الأيام والليالي في الحديث الواحد(5). وقال أحمد بن حنبل رحمه الله: لم يكن في زمان ابن المبارك أطلب للعلم منه، رحل إلى اليمن وإلى مصر وإلى الشام والبصرة، والكوفة، وكان من رواة العلم وأهل ذلك، كتب عن الصغار والكبار(6). وإن كتب السير والتراجم حافلة بأخبار علماء السلف وطلبهم للعلم، والظروف القاسية التي كانوا يمرون بها عبر رحلاتهم وأسفارهم، ولعل كتاب «الرحلة في طلب الحديث» للإمام أبي بكر الخطيب يعبّر عن شيء من تلك الأسفار، حيث يورد قصصًا وتحفًا نادرة عن الرحلات من أجل طلب العلم لا سيما أهل الحديث. ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــ (1) [ فاطر: 28] (2) [الكهف: 62] (3) معرفة علوم الحديث، للحاكم، ص117 (4) الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي ص 23 (5) معرفة علوم الحديث، للحاكم، ص118 (6) الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي ص 91 |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (15) وسائل معينة لتحصيل العلم الشرعي إن الوسائل والطرق التي يحصل الإنسان من خلالها على العلم الشرعي كثيرة ومتنوعة، ويمكن الإشارة إلى بعضها: 1- الإخلاص لله وابتغاء وجهه تعالى في رحلة طلب العلم، حتى يؤتي ثماره وآثاره الإيجابية على النفس والمجتمع، يقول عليه الصلاة والسلام: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرء ما نوى»(1). فإذا خلا العلم من النية الصادقة أو الإخلاص في طلب العلم تحوّل إلى آفة على صاحبه ومجتمعه، بل إن ما بذله من أجل هذا العلم يذهب هباء منثورًا، لأنه كان من أجل مآرب دنيوية بحتة، كالشهرة أو المنصب أو المال أو غيرها. 2- الدعاء والتضرع إلى الله تعالى طلبًا الحصول على العلم الشرعي، لأنه من أوتيه وعمل به فقد نال خيرًا كثيرًا، وقد أمر الله تعالى رسوله بهذا الدعاء في قوله: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}(2)، ويقول عليه الصلاة والسلام: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين»(3). 3- تقوى الله تعالى ومراقبته في السرّ والعلن، في الالتزام بأمر الله وطاعته، والانتهاء عن نواهيه ومعاصيه، يقول تبارك وتعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(4). ويقول الإمام الشافعي في أثر المعصية على التحصيل العلمي: شكوت إلى وكيع سوء حفظي *** وأخبرني بأن العلم نور فأرشدني إلى ترك المعاصي *** ونور الله لا يُهدى لعاص 4- القراءة والمطالعة في الكتب الشرعية والاعتكاف عليها في التخصصات المختلفة، في العقيدة والتفسير والحديث والفقه واللغة والسيرة وغيرها، لأنها الأساس في البناء العلمي عند الإنسان، ويمكن بعد ذلك التخصص في أحد هذه العلوم والبحث في أغواره وكشف أسراره والاجتهاد فيه. 5- التتلمذ على أهل العلم كل في تخصصه، والتواصل معهم مباشرة أو عبر وسائل الاتصال الأخرى، وحضور دروسهم العلمية وندواتهم ولقاءاتهم، لا سيما إذا وجد لقاء دوري معهم في دراسة كتاب شرعي أو مناقشة مسائل علمية، وكذلك الاستفادة من تجاربهم وخبراتهم الطويلة في التحصيل العلمي. عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: خرج رسول الله ﷺ ونحن في الصفة، فقال: «أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كَوْمَاويْن في غير إثم ولا قطع رحم»؟ فقلنا: يا رسول الله! نحب ذلك. قال: «أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل»(5). 6- الصبر في رحلة طلب العلم، وتحمّل المشقات المترتبة فيها، من تعب وسهر وسفر وإنفاق وبعد عن الأهل، والحرمان من بعض الملذات والطيبات، وهي سنّة كونية لمن يريد بلوغ المعالي وتحقيق الأهداف المنشودة، وكما قال الشاعر: لا تحسبن المجد تمرًا أنت آكله *** لن تبلغ المجد حتى تَلْعَقَ الصَّبِرا 7- ترجمة العلم الشرعي إلى واقع عملي، والاقتداء بالرسول ﷺ في هذا المجال، فإنه عليه الصلاة والسلام كان خلقه القرآن، وحياته العملية كانت تطبيقًا حقيقيًا لما جاء به من عند الله، حتى وصفه الله تعالى بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ}(6). 9- محاولة الكتابة في الموضوعات العلمية الشرعية في التخصصات المختلفة، لأنها تدفع صاحبها للبحث في بطون الكتب والمصادر الأساسية حتى يأخذ الموضوع حقه من جميع الجوانب المتعلقة به، وهذه وسيلة عملية من وسائل التحصيل العلمي عند الإنسان ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــ (1) أخرجه البخاري (ص1، رقم 1) كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي. (2) [طه: 114] (3) أخرجه البخاري (ص17، رقم 71) (4) [البقرة: 282] (5) أخرجه مسلم (ص324-325، رقم 1873) (6) [القلم: 4] |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (16) ثمرات العلم الشرعي وآثاره (1-2) للعلم الشرعي ثمرات يانعة وآثار إيجابية على حياة الإنسان ومجتمعه، ومن أهم تلك الثمرات: 1- أن العلم يزيد من إيمان صاحبه، ويوصله إلى حقيقة التوحيد والربوبية، ويمنعه من الوقوع في الشرك الذي هو أكبر المعاصي، يقول تبارك وتعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة ُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيز}(1)، حيث استشهد الله تعالى الملائكة والعلماء على توحيده. ويقول تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}(2)، ويقول: {لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا}(3)، وهذه إشارات واضحة على أثر العلم في تقوية الإيمان بالله تعالى في نفس صاحبه وبالتالي على جوارحه وأفعاله. 2-إن العلم الشرعي يمنح صاحبه تقوى الله تعالى وخشيته في السر والعلن، لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}(4)، وقوله تعالى: {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا ۚ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا}(5). 3- العلم الشرعي والعمل به يرفع من درجات صاحبه عند الله تعالى كما أخبر جل وعلا: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}(6). 4-الفوز بالجنة والنجاة من النار، يقول عليه الصلاة والسلام: «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله به طريقًا إلى الجنة«(7). 5- الأجر العظيم المترتب على طلب العلم يماثل أجر الخروج في سبيل الله، لقوله ﷺ: «من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع»(8)، وقوله عليه الصلاة والسلام: «من دخل مسجدنا هذا ليتعلم خيراً أو يعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله»(9). 6- دوام الأجر لطالب العلم في الحياة وبعد الممات، لقوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}(10)، والحكمة هي العلم النافع. ويقول عليه الصلاة والسلام: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»(11). 7- إن العلم الشرعي سبب لدعاء الملائكة لصاحبه، لقوله ﷺ: «وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضًا لطالب العلم، وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض حتى الحيتان في الماء»(12). 8- العلم الشرعي والعمل به يكسب صاحبه المنازل الرفيعة والسمعة الطيبة بين الناس، وقصة يوسف عليه السلام خير شاهد على ذلك، إذ جعله الله تعالى على خزائن الأرض بعد محنة الجب وظلمة السجن، لأنه كان عالمًا عاملاً بعلمه يقول الله تعالى على لسانه حين طلب من ملك مصر: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}(13)، وجعله الملك على خزائن مصر، وأصبح ذا شأن عظيم ومكانة عالية بين الناس جميعًا. يقول الإمام الشافعي رحمه الله: «من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم»(14). 9- إن العلم الشرعي والعمل به، يمنح صاحبه صفات القيادة والريادة، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك من خلال قصة طالوت الذي أتاه الله تعالى العلم وقوة في الجسم، فتسلم قيادة الجيش، رغم قلة المال والمتاع عنده، يقول تبارك وتعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ۚ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(15). ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــــــ (1) [آل عمران: 18](2) [سبأ: 6](3) [المدثر: 31](4) [فاطر: 28](5) [الإسراء: 107](6) [المجادلة: 11](7) أخرجه الترمذي (609، رقم 268) (8) أخرجه الترمذي (ص601، رقم 2647) (9) أخرجه أحمد (2/350، رقم 8587).(10) [البقرة: 269](11) أخرجه مسلم (ص716، رقم 4223) (12) أخرجه الترمذي (ص609، رقم 2682) (13) [ يوسف: 55](14) المجموع للنووي 1/ 40](15) [البقرة: 247] |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (17) ثمرات العلم الشرعي وآثاره (2-2) 10- العلم الشرعي والعمل به يقضي على الجهل في المجتمع، ويزيل من الأذهان الخرافة والأسطورة، لأن هذا العلم لا يقبل إلا ما هو ثابت وفق الضوابط المحكمة التي وضعها العلماء لأخذ أية معلومة أو رفضها. 11- الذكر الحسن بين الناس، فلا يموت عالم عامل بعلمه إلا ويترحم عليه الناس جميعًا، ويأخذون بعلمه بعد مماته، ويستشهدون بكلامه وأفعاله، ولعل من الوفاء الإشارة إلى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى، الذي أصبح مضرب المثل في العلم والعمل، حتى بعد مماته، فلا يخلو الكلام في مسألة شرعية أو البحث عن حكم شرعي إلا ويُستشهد بكلام الشيخ رحمه الله، الأمر الذي يزيد من حسناته وأجره من كثرة دعاء الناس له. 12- الراحة النفسية للعالم الذي عرف الله تعالى، وعرف شرعه، وعرف حقيقة الحياة والكون والإنسان، وأن مآل هذا الكون كله إلى الله تعالى، وأن الحياة الدنيا إنما هي معبر للوصول إلى الدار الأبدية، وأن كل ما يجده الإنسان في هذه الحياة إنما هو اختبار وابتلاء، حيث يجزى عليه الإنسان في تلك الدار الأبدية، وهذا الإيمان والعلم يشرح صدر العالم ويهدأ من روعه في الشدائد والمصائب، فلا تتمكن من نفسه الوساوس ولا الهمزات، ويعيش عمره في العلم ومن أجل العلم، وهي سعادة لا يشعر بها إلا أصحابها. 13- إن العلم الشرعي يمنع الإنسان من الوقوع في دوامة الأهواء والشهوات التي تقود النفس إلى الهاوية، أثناء الفتن والأزمات، يقول تبارك وتعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَه ُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}(1)، حيث يصور الله تعالى حال المنافقين حين حدوث الأمن للمسلمين وحصول الخير لهم، أو حين يتمكن الرعب والخوف من نفوسهم، سارعوا إلى إفشاء ذلك بين الناس ونشره من غير علم أو دليل، ولو ردّ هؤلاء ما جاءهم إلى الرسول ﷺ وإلى أهل العلم وذوي الألباب لكان خيرًا لهم في الحالتين. 14- العلم الشرعي يحث صاحبه الإكثار من الطاعة والاجتهاد في العبادات، كأداء الفرائض على أفضل وجه، وتلاوة القرآن والتدبر في آياته، وقيام الليل والتضرع بين يدي الله تعالى وبث شكواه إليه، والمواظبة على قراءة الأذكار اليومية، وغيرها من الأعمال الصالحة. 15- إن العلم الشرعي الصحيح يقود إلى التوازن والاعتدال في كل شيء ويمنع دخول الغلو والتطرف إلى المجتمع، كما يبعد عنه التميع في تفسير النصوص وفي أداء الفرائض والعبادات، أو التهاون في المحظورات والمحرمات، بل إن هذا العلم يهدي المجتمع إلى الوسطية التي تميّز هذه الأمة عن غيرها، قال تعالى: {وكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}(2). 16- العلم الشرعي يحمي المجتمع من الوقوع في كبائر الإثم وما ينتج عنها من المفاسد والدمار على الأخلاق وعلى الناس في الميادين المختلفة، فالعلم الشرعي يحذر الناس من وبال المعاصي كالربا والزنا والخمور والمخدرات والسرقة وغيرها من الكبائر، لأنها جميعًا تفتك بالمجتمع وتفرّق أبناءه وتحلّ فيهم العداوات والأحقاد والضغائن. 17- العلم الشرعي يسهم في استقرار المجتمعات والأمم، لأنه يستند إلى الإيمان بالله تعالى والالتزام بشرعه الذي يعطي كل ذي حق حقه، ويمنع الظلم والاعتداء بين الناس، فيسود الأمن والاستقامة، وتقل الجريمة والانحراف، ويعيش الناس مطمئنين على أموالهم وأنفسهم ومصالحهم. 18- إن العلم الشرعي يحل كثيرًا من مشكلات الناس، لأن أهل العلم الشرعي – إضافة إلى علمهم – هم أهل الحكمة والاستقامة والخبرة، فلا يجاملون أحدًا على حساب حقوق الآخرين، لذا أمر الله تعالى عباده الرجوع إليهم لحلّ مشكلاتهم وفضّ نزاعاتهم بقوله: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}(3). ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــ (1) [النساء: 83](2) [البقرة: 143](3) [النحل: 43] |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (18) العلم الشرعي والبناء النفسي وبعد: فالعلم – مع هذا كله بفضائله وآثاره – له أهميته العظمى في البناء للنفس السوية، ومعالجة ما يطرأ عليها من تغيرات ويتجلى هذا البناء – إضافة إلى ما ذكر سابقًا- : 1- يبني معرفة الإنسان تجاه ربه، فيزداد تعظيمًا وخشية له. 2- يبني معرفة الإنسان تجاه الكون واتجاه الأشياء، فتزداد عبوديته لله سبحانه. 3- يبني ثقة الإنسان بربه، فتزداد قوة وتماسكًا وشجاعة. 4- يبني حسن الظن بالله سبحانه، فيزداد تفاؤلاً نحو المستقبل، فيتجه للنماء والإنتاج. 5- يبني حسن التوازن في النظر إلى الأشياء، فلا يغلو بشيء على حساب شيء آخر، ولا يميّع الأمور ويتساهل في الأحكام. 6- يعرف الأحكام الشرعية، فلا يزلّ نحو الخرافة والشعوذة التي ترديه المهالك. 7- يعرف حسن الاقتداء، فيورثه الاعتدال في السلوك والأخلاق، فيعامل ربه بالإحسان، وخَلقَه بالإحسان. 8- يعلم الإنسان الطريق الصحيح للتعامل مع الأزمات الشخصية، كالأمراض أو المصائب، ومع الأزمات العامة، فلا يضل ولا يُضل. هكذا يبني العلم الشخصية السوية ويعالج ما يعترضها من العقبات. ومن هنا كان من الغبن الفاحش أن يترك المسلم سبيل التعلم والتفقه ويتجه إلى أشياء جانبية، فحري لبناء أنفسنا ومعالجة أوضاعنا أن نتجه إلى العلم الشرعي ونعتزّ به، ونعظّمه في نفوسنا وتعتز به. وأخيرًا: فإن العلم الشرعي، يشكل لبنة أساسية لبناء المجتمع الإسلامي السليم، القائم على الحب والوئام، والعدالة والمساواة، والأمن والاستقرار، لأنه يبصّر هذا المجتمع بتوحيد الله تعالى ووجوب عبوديته وحده دون سواه، كما أنه يعرّفهم بالحقوق والواجبات في المجتمع الذي ينتمي إليه، فلا يتجاوز حدوده المرسومة له، كما لا يتعدى على حقوق الآخرين. كما أن هذا العلم يحذّر الناس من وبال المعاصي والمنكرات التي تهوي بالنفس إلى الهاوية وتعرضها للآفات والوساوس في الدنيا، ومن ثم خسرانها الأكبر في الآخرة. وفي الحالتين فإن العلم الشرعي يحقق السعادة النفسية داخل الإنسان كما يحقق العدالة الاجتماعية في مجتمعه، وهي الصورة المثلى للسعادة الحقيقية التي يسعى الإنسان بشتى الوسائل لتحقيقها في هذه الحياة. |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (19) الاستقامة - مفهوم الاستقامة روى مسلم في صحيحه بسنده عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت: يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا بعدك وفي حديث أبي أسامة غيرك قال: «قل آمنت بالله فاستقم«(1). مفهوم الاستقامة: الاستقامة في اللغة: استقامَ الشيء: اعتدل واستوى(2). وفي الاصطلاح: يمكن تعريف مفهوم الاستقامة في الاصطلاح من عدة وجوه، منها: 1- سلوك الصراط المستقيم. 2- لزوم الشريعة في التوحيد والعبادة والأخلاق. 3-لزوم أوامر الله واجتناب نواهيه ومعرفة أثر ذلك. 4- السير على هدي النبي ﷺ وخلفائه الراشدين رضي الله عنهم، لقوله: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبدًا حبشيًّا، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وإن كل بدعة ضلالة«(3). ومنطلق هذا البحث هو التوجيه النبوي في قوله ﷺ: «قل آمنت بالله ثم استقم«(4). ويؤيده قوله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (5) .وقوله جل ذكره: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}(6). وقوله تبارك وتعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}(7). ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــ (1) أخرجه مسلم (ص39، رقم 159)(2) المعجم الوسيط 2/ 768 مادة (قَوَمَ)(3) أخرجه أبو داود (ص151، رقم 4607)(4) سبق تخريجه(5) [هود: 112](6) [فصلت: 30](7) [الفاتحة: 6] |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (20) مجالات الاستقامة الاستقامة مفهوم عام تدل على التمسك بهذا الدين عقديًا وعمليًا، لذا فإن هذا المفهوم يدخل في جميع أصول الإسلام وفروعه، ومن أهم المجالات التي تقتضي الاستقامة فيها ما يلي: أولاً: الاستقامة في العقيدة: وهي التصور الصحيح عن الله سبحانه وتعالى وعلاقته بمخلوقاته وكونه، وذلك بالإيمان المطلق بالله تعالى وتوحيده في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، والإيمان بسائر أركان الإيمان، وهو الإيمان بملائكة الله وكتبه رسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، التي جاء ذكرها في كتاب الله تعالى وسنة نبيه ﷺ، يقول تبارك وتعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُون َ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}(1). ويقول عليه الصلاة والسلام في حديث جبريل عليه السلام: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره« (2) فإن اعتقد الإنسان بهذه الأركان اعتقادًا صحيحًا، وتمثلت آثارها في جميع مناحي الحياة، فإنه قد حصل على الاستقامة العقدية إن شاء الله تعالى، أما إذا اختلطت مع إيمانه بتلك الأركان تصورات أخرى، وظن في غير الله تعالى النفع والضر، أو قدّم وسائط من البشر أو الشجر أو الكواكب لتقربه إلى الله تعالى، أو يخبره عن الغيب، فإنه يسير في ظلمات الضلال، ويدخل في قضية الشرك والندية مع الله تعالى، وبذلك فإن الاستقامة بعيدة عن واقعه العقدي. ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــ (1) [البقرة: 285](2) [مسند أحمد: 1/106] |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (21) ثانيًا: الاستقامة في العبادة إذا استقام الإنسان عقديًا، وصار لديه يقينًا بأركان الإيمان الستة، فإن هذه الاستقامة وهذا اليقين الصحيح يؤثر على سلوكه العملي، وينعكس على واقعه، في عباداته وعلاقاته مع الناس، فالاستقامة في العقيدة هي التصور الصحيح والاستقامة في العبادة هي ترجمة هذا التصور إلى واقع ملموس، من خلال وظيفة الإنسان التي كلفه الله بها في الأرض وهي استخلافه وعبادته، لقوله جل ذكره: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(1)، وأجلى صور الاستقامة في العبادة هي أداء أركان الإسلام من صلاة وصيام وزكاة وحج، لأنها تعدّ سنام العبادات جميعها، وهي الثمرة الأولى لاستقامة العقيدة، لأن من أهم مقتضيات استقامة العقيدة أن هذا الإله الذي خلق كل شيء فأحسن خلقه، وبعث مع كل مخلوق رزقه، وبيده مقاليد أمور الكون، وإليه معادها، إن هذا الإله هو الوحيد الذي يستحق العبودية، ويستحق أن توجه إليه الأعمال، فثمَّة علاقة وطيدة بين استقامتي العقيدة والعبادة، يقول تبارك وتعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(2). ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــ (1) [الذاريات: 56](2) [الأنعام: 162] |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (22) ثالثًا: الاستقامة في التشريع أما الاستقامة في التشريع فتعني التحاكم إلى منهج الله تعالى في جميع العلاقات والمعاملات، ابتداء من علاقة الإنسان مع أسرته في بيته وانتهاء بعلاقته مع القضايا المصيرية الكبرى، وإن الحياد عن هذا المنهج والتحاكم إلى غيره يعدّ خرقًا عقديًا خطيرًا يجلب غضب الله تعالى وسخطه على الناس، لأن التحاكم إلى غير منهج الله تعالى يدل على وجود منهج وقانون أفضل وأصلح منه، وإن الاعتقاد بهذا يعد كفرًا واضحًا، لذا جاء التحذير الإلهي للأمة من مغبة اللجوء إلى تشريع آخر، أو التحاكم إلى قوانين بشرية ظالمة، وأنه لا سبيل لهم ولا اختيار إلا التحاكم إلى كتاب الله وسنة نبيه ﷺ، يقول تبارك وتعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}(1). ويقول أيضًا: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا}(2) ففي ظل هذا التشريع الرباني تتحقق العدالة والمساواة بأجلى صورها، لأن الناس سواسية أمام حكم الله، فلا يستثني هذا الحكم أحدًا مهما بلغ من الجاه والمكانة والنسب بين قومه، فيجلس في الخصومات الغني مع الفقير، والسيد مع عبده، والأمير مع مأموره، والتاريخ الإسلامي حافل بأحداث وصور رائعة تعبر عن قوة هذا التشريع الرباني وقوة قضاته وكيف أن أكابر الناس وساداتهم كانوا يرضخون ويضعفون أمام حكمه وقضائه. ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــ (1) [النساء: 65](2) [الأحزاب: 36] |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (23) رابعًا: الاستقامة في الأخلاق إن الاستقامة الخُلقية تعني تلك الخوالج والمشاعر الوجدانية الطيبة التي تدغدغ النفس الإنسانية، وتزكيها وتملؤها بكل معاني الخير من حب وإيثار وعفة وتعاون وإحسان وغيرها، ثم تتحول تلك الوجدانيات إلى ترجمة واقعية يعبّر عنها سلوك الإنسان مع ربه ومع نفسه ومع الناس من حوله. وعلى نقيض الاستقامة الخلقية يوجد الانحراف الخُلقي، الذي هو نتاج الوسوسة الشيطانية التي تغذي النفس الإنسانية بالخبائث والشرور، فتتحول هذه النفس إلى مرتع خصب للمعاصي والمنكرات التي تترجم إلى واقع عملي تتجسد في سلوك الإنسان وحركة جوارحه. من أجل ذلك كان من أهم المبادئ التي جاء الرسول ﷺ لإرسائها في الأرض هو تثبيت دعائم الأخلاق في واقع الناس، حيث يقول: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»(1)، كما جاء الثناء الإلهي لرسوله عليه الصلاة والسلام في الآية الكريمة {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ}(2). وهذا يدل على أن الاستقامة الخُلقية لها شأن عظيم في حياة الناس، وأنها مقياس أساس لمعرفة حضارة أية أمة أو انحطاطها، وهو ما عبّر عنه الشاعر بقوله: وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا وإن من أهم العوامل التي تمرن النفس على اكتساب الاستقامة الخلقية، هي العبادات التي تمثل حبل التواصل مع الخالق جلّ وعلا، فالصلوات الخمس التي يقف الإنسان فيها بين يدي الله تعالى، ويبدأ بالتحميد والثناء، والاستعانة به في الحياة، ومن ثم الدعاء بالاستقامة العامة في الدنيا والآخرة، استقامة في العقيدة واستقامة في العبادة والأخلاق بقوله {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}(3)، فضلاً عن الأذكار الأخرى من تسبيح وتكبير وتعظيم، وكذلك العبادات التي تزكي النفوس وتقوّم الجوارح على صنوف الخير، كالصيام والزكاة والحج، والإنفاق في سبيل الله وغيرها، كلها تعين المسلم على تأسيس الدعامات الخلقية لديه. لذا جاء في شأن الصلاة: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}(4)، وجاء في شأن الزكاة: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(5)، وجاء في شأن الصيام: «وإذا كان يوم صوم يوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم»(6)، وجاء في شأن الحج: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}(7)، وغيرها من النصوص كثير. ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــ (1) أخرجه مالك في الموطأ (2/904، رقم 1609)(2) [القلم: 4](3) [الفاتحة: 6](4) [العنكبوت: 45](5) [التوبة: 103](6) أخرجه البخاري (ص306، رقم 1904)(7) [البقرة: 197] |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
|
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (25) سادسًا: الاستقامة في الدعوة إلى الله الاستقامة ضرورة دعوية، يتوقف عليها نجاح الدعوة وفشلها، فإن أي انحراف أو خروج عن مسار الاستقامة بالنسبة للدعاة والمؤسسات الدعوية، يحدث خللاً وزعزعة في المسيرة الدعوية وحال المدعوين، لأن غالب الناس يظنون في دعاتهم ومصلحيهم الخير والاستقامة، ويعدّونهم القدوة العملية لهم في الحياة، فإذا أحسوا خلاف ذلك، ووجدوا تناقض الأعمال مع الأقوال عندهم، فإن تلك الصورة الحسنة والقدوة المثلى ستنقلب إلى عكسها، وإن قنوات الاستقبال عند المدعويين ستتجه إلى مصادر أخرى، وعندها تكون الطامة والوبال على الطرفين، الدعاة والمدعويين. من أجل ذلك أمر الله تعالى دعاة دينه وأتباعه باتخاذ أسلم الوسائل وأحكمها والتحدث إلى الناس بأجمل العبارات وألطفها، وتطبيق ذلك على أنفسهم قبل إلزام الآخرين بها، يقول الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}(1). وبالمقابل حذّرهم من الزلل في دروب الغواية والهوى، في التعاطي مع مبادئ هذا الدين التي يدعون الناس إليها، من مخالفة العمل للقول أو الدعوة إلى أشياء تناقضها أفعالهم وسلوكياتهم اليومية، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}(2). وبناء على هذا، فالاستقامة في الدعوة تعني استقامة الداعية على منهج الله في سلوكه الخاص، وفي منهاج دعوته وطريقته فيها. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) [فصلت: 33](2) [الصف: 2-3] |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (26) آثار الاستقامة (1-2) للاستقامة آثار عظيمة ونتائج جمة، يلمسها الإنسان المستقيم قبل أي شخص، ويعيش عمره كله في ظلال معانيها السامية التي تجاوزه لتشمل المجتمع والأمة بأسرها، ومن أهم تلك النتائج والآثار ما يلي: 1- الاطمئنان القلبي: إذا استقام الإنسان مع الله تعالى وسار على دينه ونهجه في الأوامر والنواهي، فإنه يكسب سعادة روحية واطمئنانًا نفسيًا في جميع الأوقات، لإحساسه بأنه في ميدان العمل وأداء المهمة التي أوكلها الله إليه، فهو يسير بنور الله تعالى لا يخشى الظلمات التي قد تعتريه في الطريق، ولا يخشى وساوس الشيطان وهمزاته بتخويفه من الفقر أو المرض أو المخاطر الأخرى التي يُبتلى بها الإنسان، يقول تبارك وتعالى: {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىظ° نُورٍ مِّن رَّبِّهِ غڑ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ غڑ أُولَظ°ئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}(1).{هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ}(2). بل يشعر الإنسان حينها أن رحمة الله قريبة منه تلقي في روعه السكينة والرضى، في الشدة والرخاء، يقول عليه الصلاة والسلام: «عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له« (3) 2- تحقيق عبودية الله في الأرض: ومن أعظم آثار الاستقامة أن الله تعالى يحفظ هذا الدين لأهله إلى يوم القيامة {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(4)، كما يسهل عليهم أداء فرائضه وإقامة أحكامه وتشريعاته، ودعوة الناس إليه، وبذلك يتحقق مبدأ العبودية لله تعالى في أرضه، يقول تبارك وتعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىظ° لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا غڑ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا غڑ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَظ°لِكَ فَأُولَظ°ئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}(5). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ (1) [الزمر: 22](2) [الفتح: 4](3) أخرجه مسلم (ص1295، رقم 2999)(4) [الحجر: 9](5) [النور: 55] |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
|
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (28) الاستقامة والمرض النفسي من فضل الله تعالى أن أهم ما يشرح صدر المؤمن، ويضفي عليه السكينة – كما سبق – استقامته الحقة على شرع الله تعالى، واتباعه لهدي نبيه ﷺ، فهذا من أهم العناصر للطمأنينة والسكينة، وعدم القلق والاضطراب والشكوك والأوهام. وحتى تؤتي الاستقامة أكلها مع شرائح المجتمع عامة والمريض النفسي خاصة، لا بد من بعض الإجراءات أو اتباع بعض التوجيهات، للتغلب على الأمراض النفسية وتخفيف وطأتها على الإنسان المريض، ومن تلك التوجيهات – وهي جزئيات الاستقامة – لكن ينص عليها بخصوصها: 1- الثقة بالله تعالى: وذلك باللجوء إليه وحده بالدعاء وتقديم الطاعات بين يديه، والثقة المطلقة أنه هو الشافي الأول والأخير، وأنه الذي بيده مقاليد الأمور، فلا يتحرك ساكن، ولا يسكن متحرك إلا بأمره، والكون كله بقضبته، وأنه على كل شيء قدير، ثم أنه هو الذي ابتلى عبده بالمرض وهو الذي يشفيه، لقوله تبارك وتعالى: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}(1). والله تعالى عند حسن ظن عبده به، فلا يسيء العبد الظن بربه فيتعب ويشفى، ومن ثم يطول المرض أو ربما لا يبرأ منه أبدًا. 2-التفاؤل وتقوية الإرادة: إن المرض ابتلاء من الله تعالى، وهو حالة ضعف يصيب الإنسان، وبالتالي فإن هذه الحالة تحتاج إلى الصبر وقوة في الإرادة، والابتعاد عن كل ما يحدث اليأس أو القنوط من رحمة الله تعالى بالشفاء، فإن الصبر على المرض يعدّ نصف العلاج، وإن الصابرين والمتفائلين لديهم قابلية الشفاء أكثر من غيرهم، يقول تبارك وتعالى: {وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}(2). 3- التداوي: ولا بد للمريض النفسي وغير النفسي، أن يأخذ بالعلاج ويتناول الدواء الذي يصفه الطبيب المختص إلى جانب قراءة القرآن والدعاء، ما دام هذا الدواء مباحًا وغير محرم، ويعدّ هذا من باب الأخذ بالأسباب، ولكي يتحقق مفهوم التوكل بالمعنى الصحيح، ثم إن النبي ﷺ يقول بصريح العبارة: «يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو قال دواء إلا داء واحدا قالوا يا رسول الله وما هو قال الهرم«(3). ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ (1) [الشعراء: 80](2) [يوسف: 87](3) أخرجه الترمذي (ص 469-470، رقم 2038) |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
|
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
|
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (31) مدار قبول الأعمال على الإخلاص إذا كان المقصد والدافع إلى أي قول أو عمل أو اتخاذ أي نمط من الحركة في الحياة يبتغي به صاحبه وجه الله تعالى فإن ذلك يحقق معنى الإخلاص ويعدّ صاحبه من المخلصين لله تعالى، وهو الأمر الذي أشار إليه الله تعالى في كتابه المبين في مواطن كثيرة، منها: قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}(1) وقوله: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ}(2) وقوله: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(3). وقوله جل ذكره: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا . إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَظ°ئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ غ– وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا}(4). وكذلك فإن رسول الله ï·؛ كان يعلّم الصحابة حقيقة الإخلاص والعمل لله تعالى في كثير من المواقف والأحداث، ليتجنبوا الاغترار بالشكل والصورة التي لا تعبر عن حقيقة الشيء وكنهه، وأولى هذه التوجيهات يتمثل في الحديث المشهور بين المسلمين: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرء ما نوى«(5). وفي هذا الحديث القول الفصل بين ما يكون لله وما يكون لغيره. ويقول عليه الصلاة والسلام: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم«(6). عن أبي موسى قال: جاء رجل إلى النبي ï·؛ فقال: الرجل يقاتل حمية ويقاتل شجاعة ويقاتل رياء فأي ذلك في سبيل الله ؟ قال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله«(7). * * * ثم إنه عليه الصلاة والسلام علّق الإخلاص لله وحده دون سواه وجعله من معالم الإيمان وتمامه، لأنه يعبّر عن اليقين المطلق بالله سبحانه وتعالى وأنه المعبود الذي يستحق أن توجه إليه الأعمال والأقوال، من أمر ونهي، وحب وبغض، يقول عليه الصلاة والسلام: «من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان«(8). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ (1) [البينة: 5](2) [الزمر: 2](3) [الأنعام: 162](4) [النساء: 145-146](5) سبق تخريجه(6) أخرجه مسلم (ص1124، رقم 6542) (7) أخرجه البخاري (ص1285، رقم 7458)(8) أخرجه أبو داود (ص661، رقم 4681) |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (32) منطلق البحث في هذه الشعيرة (الإخلاص) وأما منطلق هذا البحث فهو الحديث الطويل الذي يتحدث فيه النبي ï·؛ عن أهمية الإخلاص في الأعمال والأقوال في الحياة الدنيا، فضلاً عن جزائه الأوفى عند الله تعالى يوم تقوم الأشهاد، وهو حديث الرهط الثلاثة الذين آواهم الغار: قال عَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا سَمِعْتُ رَسُولَ الله ï·؛ يَقُول:ُ «انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى أَوَوْا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنْ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ الْغَارَ فَقَالُوا إِنَّهُ لَا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا الله بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَكُنْتُ لَا أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلًا وَلَا مَالًا فَنَأَى بِي فِي طَلَبِ شَيْءٍ يَوْمًا فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلًا أَوْ مَالًا فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدَيَّ أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ فَاسْتَيْقَظَا فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ فَانْفَرَجَتْ شَيْئًا لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ قَالَ النَّبِيُّ ï·؛ وَقَالَ الْآخَرُ اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنْ السِّنِينَ فَجَاءَتْنِي فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا فَفَعَلَتْ حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا قَالَتْ لَا أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ فَتَحَرَّجْتُ مِنْ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَانْفَرَجَتْ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا قَالَ النَّبِيُّ ï·؛ وَقَالَ الثَّالِثُ اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الْأَمْوَالُ فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ يَا عَبْدَ الله أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي فَقُلْتُ لَهُ كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ فَقَالَ يَا عَبْدَ الله لَا تَسْتَهْزِئُ بِي فَقُلْتُ إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَانْفَرَجَتْ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا يَمْشُونَ«(1). في هذا الحديث بيان وتذكير للأمة عن أصل العلاقة التي تربط العبد بربه وخالقه، وأنها تدخل في كثير من الأحيان في عملية المد والجزر، بين قوة في الإيمان وضعف فيه، بين الصفاء الذي يسدل على النفس السكينة والهدوء وبين الغبش الذي يغيم النفس فيجعلها مرتعًا للوساوس والاضطرابات، إن هذا الأصل يبقى حقيقة في نفس الإنسان ما دامت العلاقة قائمة بينه وبين ربه، وإن غشيها فتور أو ضعف، وهذا الأصل هو الإقرار بتوحيد الله تعالى وأنه لا معبود سواه، وأنه الفرد الأحد الذي بيده ملكوت كل شيء، وأنه الصمد الذي لا يُقصد في الكون سواه. حتى المشركين في الجاهليات الأولى قبل الإسلام، كان عندهم هذا الاعتقاد في النوازل والمخاطر التي تحدق بهم، وكانت دعواتهم إلى الله وحده من غير وسيط أو صنم، لكنهم سرعان ما كان الشيطان يغشيهم وينسيهم تلك الصعاب بعد نزوحها، فيرجعون إلى أصنامهم وأحجارهم، قال الله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}(2). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أخرجه البخاري (ص362، رقم 2272)(2) [العنكبوت: 65] |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
|
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
|
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (35) الأعمال الصالحة النابعة من الإخلاص (الأعمال اللسانية) ومن هذه الأعمال الصالحة النابعة من الإخلاص ما يلي: 2- الأعمال اللسانية (القول): وهي كل ذكر لله تعالى، في أي موقف كان، فلا ينحصر العمل اللساني في الصلاة فحسب، بل هناك مواطن ومواقف يجب على الإنسان ألا يغفل أو يتهاون فيها عن العمل اللساني، ومن ذلك: - قراءة القرآن: وقراءة القرآن من أهم الأعمال اللسانية الواجب على الإنسان فعلها، لقوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}(1). وقوله تبارك وتعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَـٰذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ ۖ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ}(2). ويقول عليه الصلاة والسلام: «من استمع إلى آية من كتاب الله تعالى كتب له حسنة مضاعفة ومن تلاها كانت له نورا يوم القيامة»(3). ويقول أيضًا: «اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه»(4). - ذكر الله جل وعلا: وهو من الأعمال اللسانية الذي يشمل كل العبادات القولية، من قراءة القرآن والاستغفار والدعاء وغيرها، وقد أمر الله تعالى بهذه العبادة القولية، وأثنى على أصحابها، وبيّن أهميتها، يقول جل وعلا: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّـهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّـهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}(5). ويقول عليه الصلاة والسلام: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربَّه مثل الحيّ والميّت»(6). - الدعاء: وهو من الأعمال اللسانية التي تعين الإنسان على مخاطبة ربه جل وعلا، وطلبه العفو منه والغفران والرضى والجنة، وباللسان يرفع الإنسان إلى خالقه حوائجه ويبث إليه شكاويه ومعاناته، يقول الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(7). - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وباللسان يؤمر بالمعروف ويُنهى عن المنكر، وقد ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام هذه الأداة في مسألة الحسبة بقوله: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان»(8). - الدعوة إلى الله تعالى بالنصيحة والحكمة: واللسان أداة مهم في دعوة الناس إلى دين الله تعالى وهدايتهم، فإذا أخلص المسلم في هذه الدعوة، وأحسن استخدام هذه الأداة كما كان عليه الصلاة والسلام يستعملها مع صحابته، فإن الله تعالى سيبارك في مسعاه وإنه سيرى ثمار دعوته يانعة ونافعة، يقول الله تعالى: { ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(9) وهذه الدعوة كانت باللسان، ويقول أيضًا في قصة موسى عليه السلام مع فرعون: {اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ. فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ}(10) أي تحدثا معه بأسلوب لطيف ولين لعله يرجع عما هو عليه من الكفر والضلال، لأن الإنسان إذا أحسن في الكلام مع خصمه وأجزل في البيان، وتأدب معه أثناء الخطاب، فإنه يملك قلبه، ويستولي على مشاعره وأحاسيسه، فإنه ويكسبه دون شك، إلا من خُتم على قلبه وسمعه، وهو الأمر الذي عبر عنه الله تعالى بقوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ. تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّـهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}(11). وبالمقابل فإن استخدام اللسان بغير هذا النمط بالقسوة أو الشدة أو الإساءة وغيرها، فإن المخاطَب سيزيد في عصيانه وتمرده، ويشتد في عدائه ومعاندته، وهو ما عبر عنه الله تعالى إتمامًا للآية السابقة: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ}(12). وهنا لفتة مهمة للدعاة والمربين والمصلحين لا بد من الانتباه إليها، لمدى أهميتها وضرورتها في المسيرة الدعوية وهداية الناس، والقدوة في ذلك الرسول الهادي عليه الصلاة والسلام، فقد كان أحسن الناس بيانًا، وألطفهم قولاً، وأقلهم كلامًا، حتى إن الأعرابي الذي يأتيه من البادية بجفائه وقسوته، ما يلبث لحظات إلا وقد تغيرت حاله وتحسنت أخلاقه وأطباعه، ومعلوم قصة الأعرابي الذي بال في المسجد وكاد الصحابة أن ينالوا منه، ولكن النبي ﷺ بحسن خلقه ولطف كلامه، جعل هذا الأعرابي يلين إليه وإلى دعوته، حتى قال: «اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا»(13). - التدريس: والتدريس رسالة عظيمة وأمانة كبيرة في أعناق المدرسين والمعلمين، أمام الناس الدنيا، وأمام الله تعالى في الآخرة، وهذه الرسالة بحاجة إلى إتقان وإخلاص لتوصيلها إلى الطلبة، وهي كسائر العبادات، يُجازى الذي يؤديها على وجهها المطلوب، ويُعاقب المتكاسل والمتهاون فيها، وليس من الضروري أن يكون التدريس بمادة شرعية أو دينية، بل تشمل جميع المواد العلمية والدينية. ولا بد أن يكون المدرس على قدر من الوعي في استخدام أداة اللسان لإيصال المعلومة إلى أذهان المستمعين من الطلبة باختيار أفضل الأساليب وأحسن الكلام. وعلى مدرسي المواد العلمية ألا يألوا من جهودهم في المزج بين المادة العلمية والأخلاق، لأنهما متلازمان، لا تصلح الحياة بواحدة منها دون الأخرى. ------------------------------------------- (1) المزمل [4]. (2) النمل [91-92]. (3) أخرجه أحمد (2/ 342، رقم 8475). (4) أخرجه مسلم (ص325، رقم 804) كتاب صلاة المسافرين، باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة. (5) الرعد [28]. (6) أخرجه البخاري (ص1112، رقم 6407) كتاب الدعوات، باب فضل ذكر الله تعالى. (7) البقرة [186]. (8) أخرجه مسلم (ص42، رقم 47) كتاب الإيمان، باب الحث على إكرام الجار. (9) النحل [125]. (10) طه [43-44]. (11) إبراهيم [24-25]. (12) إبراهيم [26]. (13) أخرجه البخاري (ص1051، 6010) كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم. |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
|
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (37) ومن هذه الأعمال الصالحة النابعة من الإخلاص ما يلي: 4- الأعمال المالية: الزكاة: والزكاة من أهم الأعمال المالية التي تدخل في دائرة العمل الصالح، فإذا أخلص الإنسان في إخراج مال الزكاة، فإنه يحصل على مكسبين عظيمين، وهما: امتثال أمر الله تعالى، والآخر تزكية النفس من حب الدنيا والتفريج عن الشرائح الفقيرة في المجتمع، يقول الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا}(1). وهناك أبواب أخرى لإخراج المال عبرها وإيصالها إلى مستحقيها، وهي الصدقات الطوعية التي حث الله تعالى عباده عليها في آيات كثيرة وبين الجزاء المترتب عليها، وكذلك الأحاديث النبوية، يقول الله تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}(2). ويقول تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ غ— وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(3). ويقول عليه الصلاة والسلام: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقًا خلفًا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكًا تلفا» (4). ---------------------------- (1) التوبة [103]. (2) البقرة [274]. (3) البقرة [254]. (4) أخرجه البخاري (ص233، رقم 1442) كتاب الزكاة. |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
|
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (39) آثار الإخلاص (1-3) آثار الإخلاص: إذا أخلص الإنسان في أعماله القلبية واللسانية والمالية وفي كل حركاته وسكناته، فإن الله تعالى سيجازيه على ذلك في الدنيا والآخرة، بالثمرات اليانعة والنتائج الإيجابية كما يلي: 1 – الإخلاص يجرد النفس من العوالق الدنيوية: الإخلاص يرفع نفس الإنسان ويسمو بها إلى المعالي، ويطهرها من العوالق والأدران الدنيوية الزائلة، فيحل فيها حب الله تعالى، وحب رسوله ï·؛، ويحل التجرد لله وحده، فيسعى بكل ما أوتي من جهد وقوة أن ينال رضا الله تعالى، وذلك بتقديم الأعمال الصالحة خالصة له جلّ وعلا. والمتأمل في حال المصلي والمزكي والمتصدق والصائم والمجاهد في سبيل الله تعالى، سيجد أن الذي يدفعه إلى هذا العمل هو استجابته لأمر الله تعالى، إلا ما رحم الله، وهناك بعض العبادات التي قد يخفيها الإنسان عن الآخرين، وتبقى بينه وبين الله تعالى فحسب، فلا يشوبها رياء ولا مجاملة ولا خداع، مثل الصيام الذي لا يفيد صاحبه الرياء، ولا يحس من حوله إن أفطر، ومن أجل ذلك جاء الجزاء الإلهي للصائم، بقوله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: «الصوم لي وأنا أجز به» دليل على أن الصائم مخلص في صيامه لله تعالى وليس فيه حظ أو جزاء دنيوي. وكذلك الحال بالنسبة للذي يبيع روحه في سبيل الله استجابة لداعي الجهاد، فيترك الدنيا بزخرفها وبهارجها، ويترك القصر المشيد، والمركب الفاره، والعيش الرغيد، ويترك الأهل والولد، امتثالاً لأمر الله، ونصرة للمسلمين، رغم طول المسافة ومشقة الطريق، وما يدفعه إلى ذلك إلا إخلاصه لله تعالى، ومن أجل ذلك يكتب الله تعالى له الأجر العظيم في الآخرة، والعزة والنصر في الآخرة، وإن قُتِل فيكون شهيدًا، ويُغسل من الذنوب، ويدخل الجنة بغير حساب، ويحشر مع الأنبياء والرسل، يقول الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا غڑ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}(1). ذلك دلالة على أن النفس قد تحررت من أصفاد الدنيا وزخرفها، وانطلقت نحو الله تعالى، وقد وضعت الدنيا في يديها وتحت إرادتها، وليس العكس كما هي حال الكثيرين الذين ملكت نفوسهم الدنيا واستولت عليها من كل جانب. 2 – النجاة لما يتعرض له من المصائب: ومن أثر الإخلاص لله تعالى في الأعمال، أنه يحفظ صاحبه من المصائب ويقيه شر الإنس والجن، ويدفع عنه ذلّ الأعداء وظلمهم، وحديث الرهط الثلاثة شاهد على هذا الأمر، وكيف أن الصخرة انفرجت عنهم كاملة عندما كان لديهم رصيدًا من الإخلاص لله تعالى. ليس هذا فحسب؛ بل إن الإخلاص لله تعالى يبعد عن صاحبه المصائب النفسية وآفاتها، لأنه يَحُول دون وصول الشيطان إلى النفس، ما دام صادقًا في قوله وعمله وسلوكه مع ربه ومع الناس من حوله. فالصلوات الخمس المفروضة في أوقات متفرقة في الليل والنهار، وصيام شهر رمضان، والزكاة والحج، والنوافل الأخرى من صلاة وصيام وصدقات، وذكر، ودعوة وإحسان، كلها تدخل في العمل الذي يقي الإنسان من الشرور والمخاطر في الدنيا، ومن أجل سلامة المؤمن في دينه وعلاقته مع ربه، ومن أجل سلامة جسمه وماله وأهله، حثّ الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام على بعض الأذكار والدعوات، في ليله ونهاره، كقراءة آية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتان، في كل صباح ومساء ثلاث مرات، وكذلك بعض الدعوات يقول عليه الصلاة والسلام: «من قال بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات لم تصبه فجأة بلاء حتى يصبح ومن قالها حين يصبح ثلاث مرات لم تصبه فجأة بلاء حتى يمسي»(2). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي ï·؛ يعوّذ الحسن والحسين ويقول: «إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة» (3). وغيرها من الأوراد والأذكار التي حث النبي ï·؛ المسلمين عليها، لتكون وقاية وحماية لهم في حياتهم وشؤونهم المختلفة. ------------------------------- (1) آل عمران [169-170]. (2) أخرجه أبو داود (ص716، رقم 5088) كتاب الأدب، باب ما يقول: إذا أصبح. والترمذي (ص773، رقم 3388) كتاب الدعوات. وكذلك أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه. (3) أخرجه البخاري (ص565، رقم 3371) كتاب الأنبياء، باب (10). |
الساعة الآن : 03:00 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2023, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour