ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=81)
-   -   خطبة: فضل بناء المساجد (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=256892)

ابوالوليد المسلم 12-04-2021 10:50 PM

خطبة: فضل بناء المساجد
 
خطبة: فضل بناء المساجد



د. أمين بن عبدالله الشقاوي



الخطبة الأولى
أيُّها المسلمون، لقد وردَتْ نصوصٌ كثيرةٌ من الكتاب والسنة تُبيِّن فضل المساجد وبنائها، ورعايتها؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ [التوبة: 18].

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلـم قال: ((مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ، بَنَى اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ مِثْلَهُ)).

وروى البزار في مسنده من حديث أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلـم قال: ((سَبْعٌ يَجْرِي لِلْعَبْدِ أَجْرُهُنَّ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا، أَوْ أَجْرَى نَهْرًا، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا، أَوْ غَرَسَ نَخْلًا، أَوْ بَنَى مَسْجِدًا، أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا، أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ)).

والمساجد يجب أن تُنظَّف، وتُطيَّب، وتُجنَّب الأقذار، والروائح الكريهة؛ روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلـم بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ».

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ امرَأَةً سَودَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ المَسجِدَ، فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلـم، فَسَأَلَ عَنهَا؟ فَقَالُوا: مَاتَتْ، فَقَالَ: ((أَفَلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي؟))قَالَ: فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا، فَقَالَ:((دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهَا))، فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ:((إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّ اللَّهَ عز وجل يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلاتِي عَلَيْهِمْ))، وفي رواية: «كَانَتْ تَلْتَقِطُ الْخِرَقَ وَالْعِيدَانَ مِنَ الْمَسْجِدِ».

وفي الصحيحين من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلـم قال: ((مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ، وَالثُّومَ، وَالْكُرَّاثَ، فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا؛ فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ)). ويلحق بهذا الأطعمة ذات الروائح الكريهة، وأعظم من ذلك وأولى بالنهي التدخين، أو ما يُسمَّى بالشيشة.

وقد ورد النهي أيضًا عن نشد الضالَّة، والبيع والشراء في المسجد؛ روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلـم قال: ((مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ، فَلْيَقُلْ: لا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا)).

وروى الترمذي في سُنَنِه من حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلـم قال: ((إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ، أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقُولُوا: لا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ)).

ويلحق بذلك سؤال الناس أموالهم في المساجد، وإشغالهم عن التسبيح والتكبير، والتهليل، والذكر عمومًا بحجَّة الفقر والحاجة.

أيها المسلمون، وردَتْ كذلك أحاديثُ كثيرةٌ بالنهي عن زخرفة المساجد، والمبالغة في صرف الأموال في ذلك؛ روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلـم قال: ((لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي المَسَاجِدِ)).

وروى أبو داود في سننه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلـم: ((مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ))، وقال ابن عباس: لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتِ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى.

وروى سعيد بن منصور في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلـم: ((إِذَا زَخْرَفْتُمْ مَسَاجِدَكُمْ، وَحَلَّيْتُمْ مَصَاحِفَكُمْ، فَالدَّمَارُ عَلَيْكُمْ)).

وكان مسجده عليه الصلاة والسلام متواضعًا، لم يكن به شيء من الزخارف والزينة؛ فروى البخاري في صحيحه من حديث نافع: أَنَّ عَبدَاللَّهِ أَخبَرَهُ أَنَّ المَسْجِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلـم مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ، وَسَقْفُهُ الجَرِيدُ، وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ، فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيْئًا.

وفي صحيح البخاري: أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ بِبِنَاءِ المَسْجِدِ، وَقَالَ: أَكِنَّالنَّاسَ مِنَ المَطَرِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أَوْ تُصَفِّرَ فَتَفْتِنَ النَّاسَ، وَقَالَ أَنَسٌ: يَتَبَاهَوْنَ بِهَا، ثُمَّ لا يَعْمُرُونَهَا إِلا قَلِيلًا.

أيها المسلمون، عمارة المساجد ليست مقتصرةً على بنائها فقط؛ بل تكون بالصلاة والذكر، والدعاء، والاستغفار، وحلقات العلم؛ قال تعالى: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾[النور:36-37].

وروى مسلم في صحيحه من حديث عقبة بن عامر قال: خَرَجَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلـم وَنَحْنُ فِي الصُّفَّةِ، فَقَالَ:((أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ، فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِفِي غَيْرِ إِثْمٍ وَلا قَطْعِ رَحِمٍ؟))،فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نُحِبُّ ذَلِكَ، قَالَ: ((أَفَلا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَيَعْلَمُ أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل، خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَثَلاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الإبِلِ)).

وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلـم قال: ((مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ)).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

الخطبة الثانية
أيُّها المسلمون، مكانة المسجد في الإسلام عظيمة؛ ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلـم لما وصل إلى المدينة كان أول عمل عمله بناء المسجد، وهو ساحة العبادة، ومدرسة العلم، ومنطلق الجيوش؛ لمقارعة الأعداء، ويجتمع الناس في المساجد كل يوم خمس مرات، الغني والفقير، والأمير والمأمور، والصغير والكبير، جنبًا إلى جنب، فيشعرون بالمواساة والمحبة والمودَّة، ويتفقَّد بعضُهم بعضًا، وفي نهاية الأسبوع يكون لخطبة الجمعة الأثرُ البالغُ في نفوسهم.

وفي المساجد تُعْقَدُ حلقات العِلمِ التي خَرَّجَت الآلاف من العلماء، وطلبة العلم من شتى البقاع، وكذلك حلقات تحفيظ القرآن الكريم، والدروس والمحاضرات، والكلمات، ونحوها.

وقد بيَّنَ سبحانه أن من أعظم الجرائم صدَّ الناس عن بيوت الله، والسعي في خرابها، وأن الجزاء في ذلك خزي في الدنيا، وعذاب عظيم في الآخرة؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [البقرة: 114].

والمساجدُ أحبُّ البقاع إلى الله؛ روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلـم قال: ((أَحَبُّ الْبِلادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا)).

قال النووي رحمه الله: "أحبُّ البلاد إلى الله مساجدها؛ لأنها بيوت خُصَّتْ بالذِّكْر، وبقع أُسِّسَتْ للتقوى والعمل الصالح، فالمساجد مواضع نزول رحمة الله وفضله، والأسواق على الضدِّ منها".

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلـم قال: ((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ))، وذكر منهم: ((وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَسْجِدِ)).

والمساجد بيوت الله، مَنْ دخَلَها، فقد حلَّ ضيفًا على ربِّه، فلا قلب أطيب، ولا نفس أسعد من رجل حلَّ ضيفًا على ربِّه، وفي بيته، وتحت رعايته؛ روى أبو نعيم في حلية الأولياء من حديث أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلـم قال: ((الْمَسْجِدُ بَيْتُ كُلِّ تَقِيٍّ، وَتَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ كَانَ الْمَسْجِدُ بَيْتَهُ بِالرَّوْحِ وَالرَّحْمَةِ، وَالْجَوَازِ عَلَى الصِّرَاطِ، إِلَى رِضْوَانِ اللَّهِ إِلَى الجَنَّةِ)).


وهذه الضيافة تكون في الدنيا بما يحصل في قلوبهم من الاطمئنان والسعادة، والراحة، وفي الآخرة بما أَعَدَّ لهم من الكرامة في الجنة؛ روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلـم قال: ((مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ، أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ)).

اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين.




الساعة الآن : 03:24 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 15.18 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 15.09 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.62%)]