ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى النحو وأصوله (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=122)
-   -   دلالة الفعل (كاد) في الجملة العربية (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=260331)

ابوالوليد المسلم 12-06-2021 03:35 AM

دلالة الفعل (كاد) في الجملة العربية
 
دلالة الفعل (كاد) في الجملة العربية
د. أحمد عيد عبدالفتاح حسن





اشتهر القول بأن (كاد) إثباتها نفيٌ للخبر، ونفيها إثباتٌ له، فإذا قيل: (كاد عليٌّ يقع) فمعناه: أنه لم يقع، وإذا قيل: (لم يكَد عليٌّ يقع)، فمعناه: أنه وقع، وقد اشتهر ذلك بين المعربين حتى جعَله لغزًا أبو العلاء المعرِّي، فقال: [من الطويل]

أنَحْويَّ هذا العصرِ ما هي لفظةٌ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
جرَت في لسانَيْ جُرهُمٍ وثمودِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

إذا استُعمِلَت في صورةِ الجحدِ أثبَتَت https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وإن أثبَتَت قامت مقامَ جُحودِ[1] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif




واللفظة المرادة في البيتين هي (كاد)، والمراد بـ(لسانَي جُرهمٍ وثَمود) اللغة العربية.

قال ابن مالك: "ومَن زعم هذا فليس بمُصيب، بل حُكْم (كاد) حكمُ سائر الأفعال، وأن معناها منفيٌّ إذا صحبها حرفُ نفي، وثابتٌ إذا لم يصحَبْها"[2]، وقال ابن هشام: "والصواب أن حكمها حكمُ سائر الأفعال في أن نفيَها نفيٌ، وإثباتها إثباتٌ"[3]، ودونك البيان:
أولًا - في الإثبات:
استعمال (كاد) في الإثبات يدل على مقارَبة وقوع الفعل في الحال، ويدل على أنه لم يقع بعد؛ لأنك إذا قلت: كاد عليٌّ يقوم، فمعناه: قارب عليٌّ القيام، ولكنه لم يقم، فمقاربة القيام ثابتة، والقيام نفسُه منتفٍ، أو قلت: كاد خالدٌ يموت، فمعناه: قارب خالدٌ الموت، ولكنه لم يمُت، فمقاربة الموت ثابتة، والموت نفسه منتفٍ.

وإذا قال قائل: (كاد زيدٌ يبكي) فمعناه: قارب زيدٌ البكاءَ، ولكنَّهُ لم يَبْكِ، فمقاربة البكاء ثابتة، والبكاء نفسه منتفٍ.

وإذا قال آخر: (كاد الصَّبِيُّ يقع) فمعناه: قارب الصَّبِيُّ الوقوع، ولكنَّهُ لم يَقع، فمقاربة الوقوع ثابتة، والوقوع نفسه منتف.

ومن شواهد ذلك في الذِّكر الحكيم قولُ الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ﴾ [الحج: 72]، والمعنى: قارب الكفارُ البَطْشَ بالذين يتلون عليهم آياتنا، ولكنَّهم لم يَبطِشوا، وقولُه جل جلاله: ﴿ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ﴾ [النور: 35]، والمعنى: قارب الزيتُ الإضاءة، ولكنَّهُ لم يُضِئ، وقوله عز وجل: ﴿ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ﴾ [النور: 43]، والمعنى: قارب سنا برقه الذَّهابَ بالأبصار، ولكنه لم يذهَب بها، ومن كلام العرب: كاد النعام يَطير، فمعناه: قارب النعام الطيران، ولكنه لم يَطِر، فمقاربة الطيران ثابتة، والطيران نفسه منتف.

ثانيًا - في النفي:
استعمال (كاد) في النفي يدل على أمرين:
أحدهما - وهو الأصل -: الدلالة على نفي مقاربة الفعل، ويقتضي ذلك نفْيَ وقوع الفعل بطريق الأولى.
فإذا قال قائل: لم يكَد خالدٌ يموت، فمعناه: لم يُقارب خالدٌ الموت، فمقاربة الموتِ مَنفيَّة، ويَلزم من نفي مقاربة الموت نفيُ وقوعه بزيادة مبالغة؛ فقولك: لم يكد خالدٌ يموت، أبلغُ في إثبات الحياة من قولك: لم يَمُت خالد.

وقولك: (لم يكد عليٌّ يبكي) معناه: لم يُقارِب عليٌّ البكاءَ، فمقاربة البكاء منتفيَة، والبكاءُ نفسُه منتفٍ انتفاءً أبعدَ من انتفائه عند ثبوت المقاربة؛ ولهذا قيل في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ﴾ [النور: 40]: إنَّ معناه: لم يرَها، ولم يُقارب أن يراها، وهو أبلغُ في انتفاء الرؤية من أن يُقال: لم يرَها؛ لأنَّ من لم ير قد قارب الرؤية، بخِلاف من لم يرَ ولم يُقارب، وفي قوله جل جلاله: ﴿ يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ ﴾ [إبراهيم: 17]: إنَّ معناه: لا يُسيغه، ولا يقارب إساغتَه، وهو أبلغُ في انتفاء الإساغة من أن يقال: ولا يسيغه؛ لأن مَن لم يُسِغ قد قارب الإساغة، بخلاف مَن لم يُسغ ولم يقارب[4].

ومن أجل هذا كان قول ذي الرُّمة: [من الطويل]
إذا غيَّر النأيُ المُحبِّين لم يكَدْ ♦♦♦ رَسيسُ الهوى مِن حبِّ ميَّةَ يَبرَحُ[5]


صحيحًا بليغًا؛ لأن معناه إذا تغيَّر حبُّ كل محبٍّ لم يُقارب حبي التغيُّر، وإذا لم يُقاربه فهو بعيدٌ منه، فهذا أبلغُ من أن يقول: لم يبرَح؛ لأنه قد يكون غيرَ بارحٍ، وهو قريبٌ من البَراح، بخلاف المخبَرِ عنه بنفيِ مقاربةِ البراح.

ولهذا البيت قصةٌ طريفةٌ ذكَرها الإمام عبدالقاهر الجرجاني؛ وذلك أن عَنبَسة العنسيَّ الشاعر قال: قَدِم ذو الرُّمةِ الكوفةَ، فوقف يُنشِد الناس بالكُناسة قصيدتَه الحائية التي منها: [من الطويل]
هي البُرءُ والأسقامُ والهمُّ والمُنى https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وموتُ الهوى في القلبِ منِّي المبرِّحُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وكان الهَوى بالنَّأيِ يُمحى فيَمَّحي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وحبُّكِ عِندي يَستجِدُّ ويَربحُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

إذا غيَّر النأيُ المحبِّين لم يكَدْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
رَسيسُ الهوى مِن حبِّ ميَّةَ يَبرَحُ[6] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


قال: فلما انتهى إلى هذا البيت، ناداه ابن شُبرُمة: يا غَيلانُ، أراه قد بَرِح، فشنق ناقته، وجعل يتأخَّر بها ويتفكر، ثم قال:
إذا غيَّر النأيُ المحبِّين لم أجِدْ ♦♦♦ رَسيسَ الهوى مِن حبِّ ميَّةَ يَبرَحُ

قال: فلما انصرفتُ حدَّثت أبي، فقال: أخطأ ابنُ شبرمة حين أنكر على ذي الرُّمَّة، وأخطأ ذو الرُّمَّة حين غَيَّرَ شعره لقول ابنُ شُبْرُمَة؛ إنَّما هذا كقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ﴾ [النور: 40]، وإنما لم يرَها، ولم يكَد[7].

قال الإمام عبدالقاهر: "توهَّم ابن شبرمة أنه إذا قال: "لم يكَد رسيسُ الهوى من حبِّ مية يبرَح"؛ فقد زعَم أن الهوى قد برح، ووقَع لذي الرُّمة مثلُ هذا الظن، وليس الأمر كالذي ظنَّاه؛ فإنَّ الذي يقتضيه اللفظُ إذا قيل: "لم يكد يفعَل، وما كاد يفعل" أن يكون المراد أنَّ الفعلَ لم يكن من أصلِه، ولا قارَب أن يكون، ولا ظُنَّ أنَّه يكون.

- فالمعنى إذًا في بيت ذي الرُّمة، على أنَّ الهوى مِن رسوخه في القلب وثبوته فيه وغلَبتِه على طِباعه، بحيث لا يُتَوَهَّم عليه البراح، وأنَّ ذلك لا يقارب أن يكون، فضلًا عن أن يكون"[8].

وأما قوله عز وجل: ﴿ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [البقرة: 71]، فإخبارٌ عن حالهم أوَّلَ الأمر، وهو كلامٌ تضمَّن كلامين، مضمون كلِّ واحدٍ منهما في وقتٍ غير وقت الآخَر، والتقدير: فذبحوها بعد أن كانوا أوَّلًا بُعَداء من ذبحِها غيرَ مُقاربين له؛ بدليل ما تُلِيَ علينا من تَعنُّتهم، وتَكَرُّر سؤالهم[9].

قال الإمام ابنُ القيم: "والصحيح أنَّها فِعل يقتضي المقاربة، ولها حكمُ سائر الأفعال، ونفيُ الخبر لم يُستفَد من لفظها ووضعها؛ فإنَّها لم توضع لنفيه، وإنَّما استُفيدَ من لوازم معناها، فإنَّها إذا اقتضت مقاربة الفعل لم يكن واقعًا فيكون منفيًّا باللزوم، وأما إذا استعملت منفية فإن كانت في كلام واحد فهي لنفي المقاربة، كما إذا قلت: "لا يكاد البطَّال يُفلح"، و"لا يكاد البخيل يَسُود"، و"لا يكاد الجبان يَفرح"، ونحوَ ذلك، وإن كانت في كلامين اقتضَت وقوع الفعل بعد أن لم يكن مقاربًا"[10].


والأمر الآخر: قد يكون نفيُ (كاد) إعلامًا ببُطء وقوع الخبر وعسره، والثبوت حاصلًا؛ كقوله جل جلاله: ﴿ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ﴾ [النساء: 78]، أي: يفقهون ببطء وعسر، ونحو: وَلَدَت هندُ ولم تكَد تَلِد، والمراد: ولدَت هندُ ببطء وعسر.

قال ابن مالك: "وقد يقول القائل: لم يكَد زيدٌ يفعل، ويكون مراده أنه فعل بعسرٍ لا بسهولة، وهو خلاف الظاهر الذي وُضع له اللفظ أولًا، ولإمكان هذا رجَع ذو الرُّمة في قوله:
إذا غيَّر النأيُ المحبِّين لم يكَدْ ♦♦♦ رَسيسُ الهوى مِن حبِّ ميَّةَ يَبرَحُ

إلى أن جعل بدل (يكَد): (أجِد)، وإن كان في (يكد) من المبالغة والجزالة ما ليس في (أجد)"[11].

وقد نظَم ابن مالك في الكافية الشافية معنى (كاد) في الإثبات والنفي في قوله:
وبثُبوت كادَ يُنفَى الخبَرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وحين يُنفى كاد ذاك أجدَرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فكِدتَ تَصْبو مُنتفٍ فيه الصَّبا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولم يكَدْ يَصبو كمِثْل إن صَبا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وغيرُ ذا على كلامَين يَرِدْ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
كوَلَدَت هندٌ ولم تكَدْ تَلِدْ[12] https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


﴿ رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾ [الكهف: 10]


[1] ينظر: شرح الكافية الشافية 1/ 467، ومغني اللبيب 6/ 583، وهمع الهوامع 1/ 482، وشرح الأشموني مع حاشية الصبان 1/ 268، 269.

[2] شرح الكافية الشافية 1/ 467، وينظر: شرح الأشموني مع حاشية الصبان 1/ 268، 269.

[3] مغني اللبيب 6/ 583.

[4] شرح التسهيل 1/ 399.

[5] البيت في ديوان الشاعر ص 414.

[6] ديوان الشاعر ص 414.

[7] ينظر: دلائل الإعجاز ص 274، 275.

[8] السابق ص 275، 276.

[9] ينظر: شرح الكافية الشافية 1/ 469، ومغني اللبيب 6/ 584، وشرح الأشموني 1/ 269.

[10] اجتماع الجيوش الإسلامية على حرب المعطلة والجهمية ص 37.

[11] شرح التسهيل 1/ 399، 400.

[12] شرح الكافية الشافية 1/ 207.





الساعة الآن : 02:46 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 17.89 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.79 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.52%)]