ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى القرآن الكريم والتفسير (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=57)
-   -   تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=235072)

ابوالوليد المسلم 24-06-2020 03:30 AM

تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...aa8815fda4.gif

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الفاتحة - (1)
الحلقة (1)


https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...1c949584c5.gif
القرآن الكريم هو معجزة هذا الدين الكبرى، ولهذا اعتنى به علماء الإسلام أيما اعتناء، فقد ألفوا مئات بل الآلاف من الكتب في بيان كل ما يتعلق بهذا الكتاب، وكان مما بينوه: تقسيم القرآن إلى سور وأجزاء وأحزاب، وأول ما نزل وآخر ما نزل، وأطول آية وأقصر آية، بل إنهم عدوا آيات القرآن وكلماته بل لقد عدوا حروفه، ولأن الفاتحة هي أول سور القرآن فقد حازت على اهتمام كبير تفسيراً وبياناً، لكونها شاملة لمقاصد القرآن، ولأن صلاة المسلم لا تقبل ما لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب.
فوائد في التفسير
الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على عهدنا بسورة الفاتحة، فتح الله لنا ولكم أبواب الخير والهدى. آمين.
معنى كلمة سورة
هذه سورة الفاتحة. فما معنى سورة؟ ومن أين اشتق هذا اللفظ: (سورة)؟قالت العلماء: إما أن يكون مشتقاً من سؤر الماء أو الطعام، وهو ما فضل وتبقى من شراب أو طعام، وعليه فالهمزة حذفت للتخفيف، بدل سؤر (سورة).وقالوا: جائز أن تكون مأخوذة من سور البلد، إذ هو يحصن البلد ويحميها، أو من سؤر المنزلة وهو علوها وارتفاعها.والعلماء يتلمسون لمَ قيل فيها: (سورة)، ولهم الحق، ولا مانع، وإن لم يكن هناك كبير فائدة، وإذا عرفنا ما قيل في أول سورة تركنا هذا في كل القرآن الكريم.وقيل: هي مأخوذة من السورة التي هي علو الشأن وارتفاعه، واستشهدوا بقول القائل:ألم ترَ أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذبفقوله: (أعطاك سورة) أي: منزلة عالية، ومكانة رفيعة وشأناً، وهي حقاً السورة ذات شأن، وذات منزلة عالية، ومكان رفيع. كيف لا وهي تحوي كلام رب العالمين؟!وإن قلنا: مأخوذ من السؤر بمعنى: بقية من آيات الكتاب، والقطعة من تلك الآيات العظيمة يقال فيها: سورة، هذا من حيث كلمة (سورة).إذاً السورة: هي القطعة من القرآن، مسورة؛ إذ لها بداية ولها نهاية، ذات شأن ورفعة، ومنزلة عالية.
عدد سور القرآن الكريم
كم عدد السور في القرآن؟ إنها مائة وأربع عشرة سورة، أولها الفاتحة، وآخرها الناس.أرأيت إن سألك يهودي أو نصراني: كم سور كتابكم؟ تقول: ما أدري. لمَ ما تدري؟! ما سمعت أبداً من يقول: عدد سور القرآن كذا؟ لا يحق أن نقول: ما ندري. كتابنا، وما ندري كم سورة فيه؟! ينبغي أن ندري، سواء كنا عواماً أو طلبة علم، فلو سئلنا: كم سورة في القرآن؟ أجبنا: مائة وأربع عشرة سورة، متيقنين بذلك.
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...1c949584c5.gif

أول سورة نزلت في القرآن الكريم
أنت تقول: إني من المسلمين، وعندنا كتاب عظيم، وسوره مائة وأربع عشرة سورة، فلو سألك يهودي: ما هي أول سورة نزلت؟ تقول: سورة العلق اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق:1]، وعندنا علم أنها نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في غار حراء يتحنث الليالي ذوات العدد، حتى فاجأه في ذلك الغار الملك الكريم عليه السلام، في صورة إنسان، والتزمه وقرأ عليه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق:1].

آخر سورة نزلت في القرآن الكريم
ما هي آخر سورة؟منهم من يقول: (إذا جاء نصر الله) سورة بكاملها، وهذا لم يثبت ثبوتاً حقيقياً. ومن الجائز أن تكون هي؛ لأنها تنعي لرسول صلى الله عليه وسلم حياته، وقد فهم هذا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، واسمع: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1] وبعد فتح مكة: وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا [النصر:2] هذا عام الوفود، فقد كان في كل أسبوع تأتي وفود: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:3]، وهذا فيه نعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بوفاة نبيهم صلى الله عليه وسلم.
آخر آية نزلت في القرآن
أما آخر آية فهي قول الله تعالى: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:281] هذه من سورة البقرة، لما نزلت قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ضعوها في مكان كذا..وقوله: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ هذا يوم القيامة ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ أي: ما كسبته بيديها وعملته بجوارحها لا يُظْلَمُونَ .
أطول آية في القرآن الكريم
إذا سئلت عن أطول آية في القرآن، كأن يمتحنك يهودي أو نصراني، فأنت تقول: عندنا كتابنا، واليهود عندهم كتاب فيه ألف سورة في التوراة، يقول لك: ما هي أطول آية؟الجواب: هي آية الدين من سورة البقرة، وهي بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، واسمع طولها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا .. [البقرة:282].إذاً: أطول آية في كتاب الله هي آية الدين، والدين معروف إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ [البقرة:282]، هذا أعطى وهذا أخذ، هذا دائن وهذا مدين، لِم سميت آية الدين؟ لأنها خاصة بالتداين، وطريقة الكتابة، والإشهاد.
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...1c949584c5.gif

فائدة
أقرأ لبعض المؤلفين المعاصرين يكتب في النهاية: وكتبه فلان. فأعجب وأقول: لِم هذه الواو؟ نحن نكتب نقول: كتبه فلان، لما ينهي التأليف يقول: ألفه أو كتبه. هذه الواو لا معنى لها، وإذا بي يأتيني اليوم خطاب، فيقول الكاتب: قاله وكتبه فلان. الحمد لله عرفنا العطف على ماذا؛ قاله وكتبه.الخلاصة أننا تعودنا أن نكتب في نهاية المؤلف: كتبه فلان. فجاء إخوان جدد يقولون: وكتبه فلان، هذه الواو لماذا؟ ما عرفنا لها معنى، فعثرنا اليوم على رسالة جاءت من أحد العلماء من الرياض قال: قاله وكتبه فلان. فتبين أن (كتبه) من الجائز أن يكون ما قاله، فقط نقله أو أملي عليه، لكن إذا قلت: (وكتبه) معناه: قاله وكتبه، خذها فائدة بلا شيء.المهم: يجب أن نفرح بالعلم، على الأقل كفرحنا بالطعام والشراب.
أقصر آية في القرآن الكريم
ما هي أقصر آية في القرآن الكريم؟ أقصر آية تقابل أطول آية.إنها قول الله تعالى من سورة الرحمن: مُدْهَامَّتَانِ [الرحمن:64]، أي: جنتان مدهامتان، فكلمة (مدهامتان) آية من كتاب الله.
أطول سورة وأقصر سورة في القرآن الكريم
ما هي أطول سورة وأقصر سورة؟الحمد لله العجائز يعرفن، أطول سورة في القرآن هي البقرة، فيها جزءان ونصف؛ خمسة أحزاب.أقصر سورة: سورة الكوثر، إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:1-3].
عدد آيات القرآن الكريم
كم آية في القرآن؛ كتاب الله؟ستة آلاف ومائتان وكسر، منهم من يقول: أربع وعشرون .. ست وثلاثون .. إلى أربعين، وهذا مكتوب عندنا في التفسير.كم آي القرآن؟ كم آية فيه؟ ستة آلاف ومائتان وكسر، وهذا الكسر ما بين: (14- 40).المهم: عرفنا أن آي القرآن أو آيات القرآن: ستة آلاف آية ومائتان وزيادة.
معنى كلمة آية
لم قيل في الآية: آية؟ وما معنى آية؟الآية العلامة الدالة على الشيء، كأن تضع أعمدة في الطريق تدل الماشي على الطريق.الآية في القرآن علامة على أي شيء، تدل على ماذا؟ تدل على أنه: لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.ما وجه الدلالة؟ هذه الآية كلمات، من أنزلها، من تكلم بها؟ الله، إذاً: الله موجود، الله عليم، الله حكيم، الله قدير، وقل ما شئت من صفات الكمال.هذه الآية علامة على وجود الله وعلمه وقدرته وإلوهيته، وأنه لا إله إلا هو، علامة واضحة، لو ما كان الله موجود، من أين يأتي كلامه؟! هل هناك غير موجود يتكلم. معقول عندكم وجود كلام بدون متكلم؟ مستحيل هذا، مستحيل أن يوجد كلام بدون متكلم، أليس كذلك؟ فهذا الكلام كلام الله.ومن أين لنا أنه كلام الله؟ الجواب: أنه لم يدعه إنس ولا جن ولا ملك، وقال: هذا كلامي. ولكن الله هو الذي قال: هذا كلامي، فهو دال على وجود الله وعلمه وقدرته وحكمته، وأنه لا إله إلا هو، ودال على أن محمداً رسول الله، لو ما كان رسول الله كيف يوحي إليه كلامه؟! كيف ينزل عليه إياه، لولا أنه رسوله؟! إذاً: فكل آية تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. إذاً: عندنا ستة آلاف ومائتان وأربعون شاهداً.الآية: العلامة الدالة على شيء، مثاله: لو قلت: يا فلان! اذهب إلى فلان وقل له: يعطيك ألف ريال، وإذا سألك وقال لك: ما آية ذلك؟ فقل له: لقاؤك معه في الدكان. فأنت هنا أعطيته آية أو هذه علامة، فهي تسمى آية، وتسمى علامة.إذاً: عرفنا أطول آية، وأقصر آية، وعرفنا معنى الآية، الحمد لله، هذا علم كثير، وخير كثير.
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...1c949584c5.gif

تقسيم القرآن إلى نصفين
ما هو نصف القرآن؟قالت العلماء: من الفاتحة إلى الفاء من وَلْيَتَلَطَّفْ من سورة الكهف هذا نصف القرآن، آية آية وحرفاً حرفاً.لا إله إلا الله، الحمد لله، البقرة، آل عمران، النساء، المائدة .. سلسلة إلى الكهف، لما تقرأ من الكهف حوالي ثمن الحزب أو أكثر تجد وَلْيَتَلَطَّفْ فتفهم أن الفاء هي الفاصل بين النصف الأول والنصف الثاني، هذه ما هي صعبة، فالقرآن ينصف، وفي المصاحف يكتبون نصفه من الفاتحة إلى الكهف، والنصف الثاني يقولون: من الكهف إلى الناس، ومنهم من يجعل الكهف في النصف الأول، ومن مريم إلى الناس النصف الثاني، لكن بالدقة .. بالحساب .. بالكلمة .. نصفه من الفاتحة إلى قول الله تعالى: وَلْيَتَلَطَّفْ أي: إلى الفاء، الطاء من هنا، والفاء من هنا.إذاً لو قيل لك: ما نصف القرآن؟قلت: من البقرة إلى وَلْيَتَلَطَّفْ من سورة الكهف هذا النصف الأعلى، وبقية المصحف هو النصف الأسفل.
تقسيم القرآن إلى أثلاث
أما إذا أردنا تثليث القرآن، أي: قسمته إلى أثلاث، فإن العلماء قد قسموه وعرفوه، فقالوا: الثلث الأول من الفاتحة إلى الآية المائة من سورة التوبة: بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة:1].أما الثلث الثاني فمن الآية المائة من سورة التوبة إلى المائة والواحدة من سورة الشعراء.وأما الثلث الأخر فمن الشعراء إلى الناس، فقسموا القرآن ثلاثة أثلاث.
تقسيم القرآن إلى أرباع
أما الأرباع: الربع الأول، والثاني، والثالث، فكل خمسة عشر حزباً هي ربع، مثلاً من الفاتحة إلى الأعراف ربع، ومن الأعراف إلى الكهف ربع، ومن الكهف إلى يس ربع .. وهكذا، أربعة أرباع.
عدد كلمات القرآن الكريم
أما بالنسبة إلى كلمات القرآن فعدد كلمات القرآن سبع وسبعون ألفاً وأربعمائة وتسع وثلاثون كلمة. عرفتم عناية المسلمين بكتاب الله أو لا؟ عدوا كلماته، بعد أن عدوا آياته، بعد أن عدوا سوره، بعد أن عرفوا أنصافه وأثلاثه، وأجزاءه وأحزابه.
عدد حروف القرآن الكريم
كم حرفاً في القرآن؟ سهر عليه الرجال والنساء وعدوه حرفاً حرفاً حرفاً، وعرفوا عدد الحروف؟ قالوا: عددها ثلاثمائة وثلاثة وعشرون ألف حرف وخمسة عشر حرفاً، والحروف هي: (أ. ب. ت. ث. ج ..).هذه عناية عظيمة أو لا؟! كيف يعدون الحروف! الذي عرفهم بعدد السور، عرفهم بعدد الآيات، عرفهم بعدد الكلمات، عرفهم بعدد الحروف.
بين يدي سورة الفاتحة

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...1c949584c5.gif
سبب تسمية سورة الفاتحة
أولاً: لمَ سميت بالفاتحة؟الجواب: لأن الله افتتح بها كلامه وكتابه، فهي له كالمفتاح، فإذا أردت أن تدخل في القرآن تبدأ بالفاتحة، ومنها تنتقل إلى غيرها، فهي الفاتحة.
أسماء سورة الفاتحة
ثم هذه السورة لها عدة أسماء يجب أيضاً أن تعرف، فمن الأسماء الثابتة لها في السنة: الفاتحة، أم الكتاب، السبع المثاني، أم القرآن.وتسمى أيضاً بالصلاة، إذ لا تصح صلاة بدونها، وفي الحديث الصحيح يقول الله تعالى: ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين: إذا قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ [الفاتحة:2]، قال الله تعالى: حمدني عبدي. وإذا قال: رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، قال: أثنى عليّ عبدي. وإذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، قال: مجدني عبدي. وإذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل )، فسماها الله تعالى بالوحي إلى رسوله بالصلاة.وتسمى بأم القرآن لحديث: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن ) ، وحديث: ( أيما صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ).وتسمى بالسبع المثاني لقول الله تعالى من سورة الحجر: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر:87]، فلِمَ سميت بالسبع المثاني؟ لأنها سبع آيات، وهي تثنى دائماً في الصلاة وتقرأ، فالسبع المثاني هي سبع آيات تثنى في الصلاة، آية بعد آية بعد آية كالذي يثني ويطوي الشيء على نفسه.وتسمى أيضاً بالشافية، ودليل هذا الاسم: أن الذين بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لجباية الزكاة نزلوا على حي من أحياء العرب، والأحياء عبارة عن خيام، واستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم، فباتوا جياعاً، وفجأة إذا بسيد أهل الحي قد لدغته عقرب، فجاءوا يصرخون: هل فيكم من يرقي؟ قالوا: نعم. قالوا: إن سيد الحي قد لدغته عقرب، قالوا: نعم نرقيه بشرط أن تجعلوا لنا قطيعاً من الغنم أربعين شاة؟ قالوا: لا بأس. فجيء به، فأخذ الصحابي رضي الله عنه يقرأ عليه الفاتحة، وينفث من ريقته الطاهرة على مكان اللدغة، فقرأ الفاتحة سبع مرات، فقام الرجل كأنما نشط من عقال، وأخذوا القطيع من الغنم، وأبوا أن يذبحوا ويأكلوا، قالوا: ما ندري أيجوز لنا أو لا يجوز حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسأل؟ وامتنعوا من الأكل وثبتوا، على الجوع.وأخذ علماء الشريعة من هذا أنه لا يحل لمسلم القدوم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه، فهؤلاء ما دروا: أيحل لهم أو لا؟ فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم وكلموه قال للراقي: ( بِمَ رقيته؟ قال: بالفاتحة. قال: وما يدريك أنها رقية؟ فابتسم صلى الله عليه وسلم وقال: خذوا الغنم واضربوا لي معكم بسهم )، أي: أعطونا معكم كبشاً أو نعجة، من باب تطييب خواطرهم، ووالله ما أخذ خروفاً ولا كبشاً.والشاهد عندنا: رقاه بِمَ؟ بسورة الفاتحة، فتسمى الشافية، وتسمى الرقية؛ لأنه رقى بها، وشفى الله بها، فهي الرقية والشافية.وتسمى الكافية، فلو قرأت القرآن من البقرة إلى الناس في صلاة العشاء أو المغرب أو الظهر ولم تقرأ الفاتحة ما يكفي، وصلاتك باطلة، ولو أنك قرأت الفاتحة وآية فقط، يكفيك، وصلاتك صحيحة، إذاً: هي الكافية.والعرب يقولون: كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى.إذاً: عرفنا سورة الفاتحة، كم اسماً لها؟ خمسة بالكتاب والسنة، وزيادة مشتقة ومستنبطة ذكرها أهل العلم.
عدد آيات الفاتحة
سورة الفاتحة كم عدد آيها أو كم عدد آياتها؟ سبع.ما هناك فرق بين الآيات والآي؟ اللفظ مختلف والمعنى واحد، الآي جمع آية، والآيات جمع آية كذلك، فهي سبع آيات.
حكم البسملة في الفاتحة
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...1c949584c5.gif

هل (بسم الله الرحمن الرحيم) آية من الفاتحة أو لا؟اختلف أهل العلم هل (بسم الله الرحمن الرحيم) آية من سورة الفاتحة أو ليست آية؟ مع الإجماع أنها سبع آيات لقول الله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر:87]، فإن عددناها أصبحت ثمان آيات! فما المخرج؟هذا الموضوع كتب فيه العلماء عشرات الصفحات، لكن الخلاصة الذهبية والتي ستدخرونها في صدوركم لا في جيوبكم، هي: أن الفاتحة نزلت مرتين، مرة بمكة ومرة بالمدينة، فنزلت مرة مع (بسم الله الرحمن الرحيم) ومرة بدونها. فمن هنا من قال: هي آية، وقرأها في كل ما قرأ الفاتحة، هو على حق، ومن قال: ليست آية وما قرأها مع الفاتحة لا شيء عليه، وهو على حق، وصلاته صحيحة.يبقى العد، إذا قلنا: بسم الله آية، هيا نعد السبع الآيات:
بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:1-7]، سبع بالبسملة.إذا قلنا: نسقط البسملة، اسمع! الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:1] هذه أولى، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:1-5] خمسة: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:6] سادسة: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] السابعة، سبع آيات، ماذا تقولون؟ هذا علم محرر صحيح، لا تشكوا أبداً، لا نقدم لكم مشكوكاً فيه.فمن هنا: إذا قال الشافعي تلميذ محمد بن إدريس الشافعي: بسم الله الرحمن الرحيم جهراً، وقال المالكي: لا.. لا. لا تلم هذا ولا هذا، هذا يعتقد أن البسملة آية يجب أن يقرأها وإلا فإن صلاته باطلة. وذاك يعتقد أنها ليست بآية، قرأ أو لم يقرأ صلاته صحيحة.ومن ثَم اتحدنا ولم نختلف، واتفقنا ولم نتفرق أبداً، ولاحت أنوار علمنا ومعرفتنا، بخلاف لو كنا لا نعلم فإننا سنتقاتل.
معنى مكية أو مدنية
ما معنى مكية، وما معنى مدنية؟بعضهم يقول: المكية ما نزلت في مكة، والمدنية ما نزلت في المدينة.وهناك ما نزل لا في مكة ولا في المدينة: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1] أين نزلت؟ في الطريق، نقول: مدنية أو مكية.إذاً: الذي عليه الإجماع الصحيح: أن ما نزل من القرآن قبل الهجرة فهو مكي، وما نزل بعد الهجرة فهو مدني.لو كان الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة عام العمرة أو عام الفتح، ونزلت سورة، لا تقل: هذه مكية، قل: مدنية، لِم؟ لأنه أضبط للقضية: ما نزل قبل الهجرة في مكة فهو مكي، وما نزل بعد الهجرة بالمدينة فهو مدني، ولو نزل في الطريق أو مكة.
قراءة في مقدمة عن التفسير من كتاب أيسر التفاسير
قال المؤلف:
[سورة الفاتحة وهي مكية وآياتها سبع]. بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:1-7].
شرح الكلمات
قال: [شرح الكلمات: التفسير لغة: الشرح والبيان. واصطلاحاً: شرح كلام الله ليفهم مراد الله تعالى منه، فيطاع في أمره ونهيه، ويؤخذ بهدايته وإرشاده، ويعتبر بقصصه، ويتعظ بمواعظه].تأملوا هذا الكلام، ما معنى التفسير؟ معناه في اللغة: الشرح والبيان. لكن في الاصطلاح القرآني ما التفسير؟ قال: شرح كلام الله. والتفسير لِمَ؟ قال: ليفهم مراد الله منه. ولِم يفهم مراد الله منه؟ من أجل أن يطاع في أمره وفي نهيه، ومن أجل أن يؤخذ بهدايته وإرشاده، إذ القرآن يحمل الهداية والإرشاد، ويعتبر بقصصه، فالقرآن ثلثه قصص، لِمَ القصص؟ للعبرة، ويتعظ بمواعظه، إذ القرآن يحمل المواعظ.قال: [السورة: السورة قطعة من كتاب الله تشتمل على ثلاث آيات فأكثر]، وهي سورة الكوثر، [وسور القرآن الكريم مائة وأربعة عشر سورة، أطولها البقرة، وأقصرها الكوثر].قال: [الفاتحة] ما معنى الفاتحة؟ قال: [فاتحة كل شيء بدايته، وفاتحة القرآن الكريم: الحمد لله رب العالمين، ولذا سميت الفاتحة ولها أسماء كثيرة منها: أم القرآن، والسبع المثاني، وأم الكتاب والصلاة] وكذلك تسمى بالشافية والكافية.قال: [مكية: المكي من السور ما نزل بمكة، والمدني منه ما نزل بالمدينة. والسور المكية غالبها يدور على بيان العقيدة، وتقريرها والاحتجاج بها، وضرب المثل لبيانها وتثبيتها. وأعظم أركان العقيدة: توحيد الله تعالى في عبادته، وإثبات نبوة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتقرير مبدأ المعاد، والسور المدنية يكثر فيها التشريع وبيان الأحكام من حلال وحرام]، من تشريع في السياسة وفي الحرب وفي السلم كما علمتم.قال: [الآيات: جمع آية وهي لغة العلامة، وفي القرآن: جملة من كلام الله تعالى تحمل الهدى للناس بدلالتها على وجود الله تعالى وقدرته وعلمه، وعلى نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته، وآيات القرآن الكريم: ستة آلاف ومائتا آية وزيادة، وآيات الفاتحة سبع بدون البسملة].إذاً: نكتفي بهذا القدر، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...3dc2da0726.gif


ابوالوليد المسلم 24-06-2020 03:31 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الفاتحة - (2)
الحلقة (2)


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

الفاتحة هي السبع المثاني، ولهذا اتفق علماء الإسلام على كونها سبع آيات، لكنهم اختلفوا في كيفية هذا العد بسبب خلافهم في البسملة هل هي آية منها أو لا، كما اتفقوا على مشروعية الاستعاذة أول القراءة واختلفوا في مشروعية الاستعاذة عقب القراءة، وبعد الاستعاذة والبسملة تأتي آية الحمد المقررة بأن الحمد كله لا يستحقه إلا الله سبحانه وتعالى، لأنه سبحانه وحده من جمع صفات الكمال والجلال.
ذكر بعض أحكام البسملة
عرفنا -زادكم الله علماً ومعرفة- مسبقاً أن الفاتحة سميت بذلك لأنها فاتحة كتاب الله، وعرفنا أن عدد آيها سبع آيات. ‏
حكم البسملة في سورة الفاتحة
أما هل (بسم الله الرحمن الرحيم) آية من سورة الفاتحة أو ليست آية منها؟ فقد عرفنا أن الخلاف فيها شديد، ونحن نخرج منه بإذن الله بأن لا نتمذهب فنتعصب لمذهبنا فنقول: نحن مالكية لا نقول بمشروعيتها، أو نقول: نحن شوافع يجب أن نقرأها، بل نحن نسلك مسلك الصحابة والتابعين، فإنها قضية اجتهادية، فنقول: نحن نقرأ بسم الله الرحمن الرحيم كلما قرأنا الفاتحة، فإن جهرنا بالقراءة كما في صلاة المغرب والعشاء والصبح، وكنا أئمة نصلي بالمؤمنين نسرها ولا نجهر بها، ولكن نقولها: بسم الله الرحمن الرحيم، فنوافق ما صح عن أبي القاسم صلى الله عليه وسلم وصاحبيه الشيخين: أبو بكر وعمر، إذ قال أنس بن مالك رضي الله عنه: ( صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووراء أبي بكر ووراء عمر فكانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين ) ونبسمل سراً؛ لما ثبت أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ يوماً وجهر بالبسملة وسمعوها.ثم بهذا المسلك السليم لا توجد فرقة بيننا، ولقد اشتدت الفرقة في بعض الظروف، حتى إن فلاناً لا يصلي وراء فلان؛ لأنه يخالف مذهبه، وهذه النزغات سببها عدونا إبليس، فهو يريد أن يثير الفتن والمتاعب والشغب، ويفرق كلمة المسلمين.كما علمنا أنها -أي: الفاتحة- نزلت مرتين، مرة مصحوبة ببسم الله الرحمن الرحيم، ومرة بدونها، فمن هنا من قال: بسم الله الرحمن الرحيم آية من سورة الفاتحة، نقول له: صدقت يا أخاه، ومن قال: لا، افتتحت بها فقط كسائر السور وليست بآية، ولكن مشروع الافتتاح بها، قلنا: نعم؛ لأنها نزلت أيضاً بدونها، ومن ثم لا يكفر بعضنا بعضاً؛ لأن من يتعمد إسقاط آية من كتاب الله كفر بالإجماع، كما أن من يتعمد زيادة كلمة واحدة في كتاب الله كفر بالإجماع، فللخروج من هذا المضيق نقول بنزول الفاتحة مرتين، وقد ثبت أنها مرة نزلت مصحوبة ببسم الله الرحمن الرحيم، ومرة بدونها، فأصبحنا إخواناً على سرر العلم والمعرفة متقابلين، لا حقد، ولا حسد، ولا عجب، ولا كبر.وعرفنا -زادكم الله معرفة- إذا قلنا: بسم الله الرحمن الرحيم آية، فأين الآيات الست الباقية؟ فعددنا: بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1] آية أولى الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] الآية الثانية، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] الآية الثالثة، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] الآية الرابعة، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] الآية الخامسة، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] السادسة، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] السابعة؛ لأن البسملة عددناها آية.هيا نسقط: بسم الله الرحمن الرحيم ولا نعدها آية، فنقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أولى، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثانية، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ثالثة، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ رابعة، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ خامسة: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ سادسة، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ سابعة.في هذا العلم بركة أو لا؟ ما تفرحون؟! ذكرت لكم سابقاً فوائد استفدناها، ففرحنا أمسية كاملة، فكيف ما نفرح بهذا العلم، والله تعالى يقول: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58]، فكوننا نفرح بالدينار والدرهم، أو بالولد والزوجة، أو بالدار والبستان، هذا له قيمة؟! قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا [يونس:58] والعلم فضل الله ورحمته.
من أحكام الاستعاذة

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg
المراد بالاستعاذة
ما المراد من الاستعاذة؟هي قولنا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يقال: استعذ بالله يا فلان من الشيطان الرجيم، أي: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وفلان استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، كيف فعل؟ قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.ومثل الاستعاذة البسملة. ما معنى بسمل؟ قال: بسم الله الرحمن الرحيم. ما معنى حوقل؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. ما معنى استرجع؟ قال: إنا لله وإنا إليه راجعون. ما معنى هلل؟ قال: لا إله إلا الله. ما معنى كبر؟ قال: الله أكبر .. فهذه اختزالات معروفة عند العرب، وموجودة قبل القرآن والإسلام، يحذفون بعض الحروف، ويربطون الكلمتين ببعضها البعض، كعبد شمس يقال في النسب إليه: عبشمي.
حكم الاستعاذة عند قراءة القرآن وموضعها
ما حكم الاستعاذة والله يقول وقوله الحق: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98]؟ هذا خطاب موجه إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم، إلى إمامنا وقائدنا وأسوتنا ومرشدنا وهادينا ونبينا ورسولنا .. قل ما شئت، ونحن إن صدقنا في اتباعه نتبعه، فما يطالب به هو، ويرشد إليه، ويؤمر به نحن معه، إلا ما دل الدليل على الخصوصية فقط، وهذا نادر.إذاً: قول ربنا تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98] معناه أن من أراد أن يقرأ القرآن سواء سورة أو آيات أو آية من السنة أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإن كان مع السورة أضاف: بسم الله الرحمن الرحيم، فإن كان بدون سورة: آيات من أول أو من آخر أو وسط السورة يكتفي بقوله: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ومن زاد بسم الله الرحمن الرحيم فلا تغضب وتحمر عينيك وتقول: ابتدعت، وتضيق على الناس ما وسع الله.إن الطريقة المسلوكة التي مشى عليها أكثر المؤمنين والمؤمنات: إن بدأت بالسورة قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم يس [يس:1]، وإن بدأت بآيات تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ [البقرة:285] الآيات، وإن قال أخونا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي .. [الأعراف:54] لا تغضب؛ لأن الله تعالى قال لنا: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98]، قال: أنا أقرأ، لم تقل: لا تستعذ، عرفتم هذه أو لا؟ ذي ذات قيمة؛ لأننا ما نريد أن توجد أسباب الفرقة بيننا، نريد أن تتصافى قلوبنا، وتتعانق أرواحنا، ويعرف كل منا لأخيه حقه، في احترامه وإكباره وتقديره، أو ما أنتم مستعدون لهذا؟ لم إذاً ندرس كتاب الله؟! ما الفائدة من قراءة كتاب الله وتفسيره، أليس من أجل أن نعرف الطريق إلى الله، لنقرع باب دار السلام؛ وذلك بمعرفة محاب الله ومكاره الله، والاستعانة بالله على فعل المحاب، وعلى ترك المكاره.إذاً: اختلف العلماء هل الاستعاذة تكون أول القرآن أو بعد نهايته؟فقال بعضهم: تكون أول القرآن، تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: طس [النمل:1]، أو أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي .. [الأعراف:54] الآيات.وقال بعضهم: الاستعاذة آخر الآيات. لم؟ قال: إن ربي تعالى قال: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ [النحل:98]، أي: وفرغت منه: فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98] كيف لا والآية صريحة؟! فردوا عليهم بأن هذه الآية نظيرها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6]، وهل إذا قمنا للصلاة نتوضأ أو نتوضأ أولاً، وإذا قمنا للصلاة دخلنا فيها وصلينا؟قالوا: نتوضأ ثم نصلي، لكن هذه الآية لها مدلول غير هذا، الاستعاذة لمَ؟ تستعيذ أنت ممن تخاف؟ تفزع إلى ربك وتلجأ إليه من عدو، وهذا العدو كما يصرفك أولاً يصرفك آخراً، والصرف الأخير أصعب، فقد يحملك على أن تعجب بنفسك، فيفسد عملك كله.لو بت طول الليل تقرأ وختمت القرآن، ثم نفخ فيك روح الكبر والعجب، وأصبحت تشعر بأنك أفضل أهل البلد ذهب ذلك كله، وهو يتربص بك هذه المواقف، انتبه! فلهذا اصرفه عنك، فرغت من الآية: وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:3] أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يحزن الشيطان أو لا؟ يكرب أو لا؟ يحزن ويكرب؛ لأنك ما فتحت له الباب، ما أذنت له أن يدخل وأغلقت الباب.وعلى منهجنا -أيها الأبناء- وطريقتنا أننا نرغب في الخير ونطلبه متى لاحت أنواره في الأفق ما عدلنا عنه ونحن قادرون على الأخذ به.فنقول: من الآن إذا قرأ أحدنا القرآن حزباً أو جزءاً أو سورة وفرغ أي مانع أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أما فيه خير؟ أما فيه وقاية؟إذاً: جمعنا بين المذاهب وأصبحنا جماعة واحدة، لكن أخشى من أحدٍ أن يقول: كيف أنت تبتدع؟ بدعة هذه تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؟! ينظر إليه أنه منعه من الخير، وصرفه عنه، وأنه تكبر عليه وترفع، واستطاع العدو أن يجد مسلكاً لتفريق القلوب وتشتيتها، هل فهمتم هذه؟إذاً: ما دامت الآية صريحة: فَإِذَا قَرَأْتَ أي: الْقُرْآنَ وفرغت، فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ لمَ؟ لأنه يحملك على العجب فيبطل عملك، فيتركك تقرأ وتقرأ سليماً معافى، وهو منتظر، ما إن تفرغ حتى ينسف ما قرأته، إذاً: فلا تمكنه، فأي مانع أن تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؟ وخاصة إذا شعرت بحركة وطاف حولك؛ لأنه كالطائرات المغيرة، فإذا كان هناك أجهزة رادار قوية ما يستطيع، وإذا كان لا أجهزة، ولا رادار، أو أجهزة فارغة ما تنفع يضرب.أين الآية التي أرشدتنا إلى هذا وعرفناها من قديم من سورة الأعراف، هي قول الله تعالى: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ [الأعراف:200-202]، عجب هذا القرآن! آية من سورة الأعراف، فالمؤمن التقي يملك جهاز رادار، ووالله ما يملكه أحد على وجه الأرض إلا مؤمن تقي، والإنسان الكافر أو الفاجر -والله- ما يملك هذا الرادار أبداً، وليس من نصيبه ولا حقه، واقرءوا: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا [الأعراف:200-201] اتقوا من؟ ربهم. إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ [الأعراف:201]، تعرف الطائف والطيف كيف يدور أو لا؟ حول الحمى، تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201]، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فيرحل، وإخوان الشيطان: يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ [الأعراف:202] فيغمسون وجوههم وأنوفهم في العذرة، أي عذرة يا شيخ؟ تدري ما هي؟ والله إن زنية، أو لقمة ربا، أو شتمة مؤمن، أو أخذ ريال باطل أفظع وأكثر خبثاً من أن تغمس وجهك في العذرة؛ لأن هذا يغسل ويزول، وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ [الأعراف:202]، لا يقصرون بعد.وآية النور النوراني .. الرادار الرباني من سورة الأنفال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا [الأنفال:29]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ هذا جزاء أو لا؟ هذا جواب الشرط: إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ ماذا؟ فُرْقَانًا ما الفرقان هذا؟ نور تفرق به بين الحق والباطل والخير والشر، والصحيح والفاسد، والنافع والضار، والإيمان والكفر، والتوحيد والشرك، وما إلى ذلك. هذا النور هو الفرقان، نصيب من هذا؟ أهل التقوى؛ لأن المتقين تجنبوا ما من شأنه أن يفسد القلوب والأرواح، ولأن ترك الواجبات معصية الله ورسوله فيما أمر به، ومن شأن هذه المعصية أن توجد مادة خبيثة منتنة عفنة تسمى السيئات، كما أن غشيان الذنوب بفعل المحرمات واعتقادها وقولها تجلب أيضاً تلك المادة العفنة المنتنة، فتسود النفس وتخبث، وحينئذ كيف يفرق بين الحق والباطل والخير والشر والنافع والضار، وهو كالأعمى لا نور له! يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يعطيكم ماذا؟ يجعل لكم نوراً، وهذا النور هو الفرقان، وسمي فرقاناً لأنه كثير الفرق، وهو أعظم من (فارق)، فمن هنا عرفنا أن من يتقي الله في أي شيء يعطى الفرقان فيه، ما معنى هذا؟راعي غنم اتقى الله تعالى في غنمه؛ يرعى بها أماكن العشب والكلأ، وينتجع لها العشب الملائم، ويرعاها من الذئاب أن تأكلها، فهو محافظ عليها، يعطى فرقاناً، ويصبح أحسن راعي غنم، ويرغب الناس في إعطاء أغنامهم له. صاحب دكان يبيع البقول، يتقي الله تعالى في دكانه فيما يدخل وفيما يخرج، فيما يبيع وفيما يشتري، ويراقب الله فلا تزل له قدم، ولا يخرج عن طاعة الله في شيء، فلا يزال كذلك حتى يعطى الفرقان فيصبح أحسن بقال في المدينة، ويعطى النور.أتنزل معكم؛ مؤمنة تريد أن تطبخ الشاي الأخضر الذي يليق بالشرب، والراغبين فيه، تتقي الله عز وجل في ذلك وتراقب الله؛ تريد أن يكون هذا الشاي نافعاً محبوباً، ينفع الله به الشاربين، ويكون كرامة لهم، ترغب في ذلك فتأخذ تزن المقادير وتقدرها؛ الماء والشاي والسكر والنعناع المغربي، حتى تصبح ذات فرقان، تحسن طبخ الشاي.إذاً: فكيف بالجنرالات، وقادة الحروب، ورجالات السياسة والاقتصاد؟ إذا لم يكن لهم هذا الفرقان أنى لهم أن يفوزوا أو ينجحوا أو ينجحوا غيرهم، ومن أراد الدليل نظر إلى ساسة العروبة والإسلام كيف هم هابطون إلى الحضيض، فأين نتائج التقوى، وهل هم متقون؟ما هي التقوى؟ هي خوف من الله يملأ قلبك فيحملك على طاعة الله، ولو طلب منك بذل نفسك بذلتها طلباً لرضاه، ومن هنا اختلت موازين الحياة عند المسلمين؛ لعدم وجود أهل الفرقان، ومن وجد في بلد وهو ذو فرقان والله تتجلى آثار ذلك في بلده.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

حقيقة كون البسملة آية في سور القرآن كلها
هنا سؤال: هل بسم الله الرحمن الرحيم آية في كل سورة؟ الجواب: الذي عليه جمهور المؤمنين أن البسملة بعض آية قطعاً في سورة النمل فقط بالإجماع؛ لأنها جزء آية من سورة النمل، وهي في قول الله تعالى في كتاب سليمان عليه السلام إلى الملكة بلقيس ، إذ الكتاب هكذا: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ [النمل:30-31] برقية هذه أو لا؟ عجب! برقية أدت العجب: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ لمَ ما قدم بسم الله الرحمن الرحيم؟ قال: هذه رسالة إلى كافرة، وممكن إذا سمعت بالله أن تهين اسم الله عز وجل، فجعل اسمه وقاية: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، مضمونه: أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ، وما قال: وائتوني خاضعين أذلاء منكسرين، فهو لا يريد إذلال البشر وإخضاعهم إلا لله، وأتوني مسلمي القلوب والوجوه لله.أما رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والرؤساء فنصها: ( بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم )، فما خاف أن يهان اسم الله كما خاف سليمان، فلهذا قدم بسم الله الرحمن الرحيم، وهذه الآن سنتنا، اسمعوا: ( كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر )، أي: ناقص، تعرفون الأبتر؟ مقطوع الذنب كالكبش الأبتر.فعلينا معاشر المؤمنين والمؤمنات! أن نستفتح أعمالنا ببسم الله، فالآكل يقول: بسم الله، والشارب يقول: بسم الله، والكاتب يقول: بسم الله، والخطيب يقول: بسم الله .. وكل شئوننا نفتتحها ببسم الله، متبركين بذلك، ومستمدين القوة والقدرة على العمل وإنجازه بذلك بحسب الحال.أما هل بسم الله الرحمن الرحيم جزء من كل سورة في القرآن؟ فنقول: هي مفتتحة ببسم الله، والرسول هو الذي أمر أصحابه أن يجعلوها في بداية كل سورة كالمفتاح لها، وهنا القراء منهم من يقرأ ولا يفصل بين السورتين ببسم الله الرحمن الرحيم، فنقول: سواء كان ابن كثير أو أبو عمرو أو غيرهم فهذا شأنهم، فنحن ما ألزمناه؛ لأننا ما قلنا: آية في أول كل سورة، فإذا أرادوا اختصار الوقت، والرغبة في السورة لم يبسملوا، فيقرءون مثلاً: بسم الله الرحمن الرحيم: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:1-3]، قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] وهذا شأنهم.وبعض القراء يفصل، وبعضهم لا يفصل، وهم أمناء على هذا، ونحن لا نلوم الفاصل ولا الواصل، لكننا هل نحن نصل بأن نقرأ السورة ونصلها بالأخرى أو نفصل؟ الجواب: نحن نفصل هنا ولا نصل، نعم نصل المعروف وأهله، لكن هنا، في هذه القضية إذا قرأنا وانتهت السورة نفتتح الأخرى ببسم الله الرحمن الرحيم، ومن وصل هنا لا شيء أبداً عليه، ولا نلتفت إلى أنه فصل أو وصل.
تفسير قوله تعالى: (الحمد لله رب العالمين)
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

قال الله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2].وقرئ (الحمدَ لله ربَّ العالمين) قراءة لكن ليست مشهورة ولا مقروءة فنترك هذا، وقرئ (الرحمنَ الرحيمَ)، وقرئ (الرحمنِ الرحيمِ)، وقرئ (الرحمنُ الرحيمُ)، لكن ليس هناك حاجة إلى توسعة الدائرة؛ أما النعت عندهم فيجوز رفعه على الابتداء، ونصبه على المدح، وجره بحسب ما تقدم، ولكن لا ندخل هذا في نفوسنا، فقط من أجل لو قرأ قارئ: (الحمد لله ربَ العالمين) (الرحمنَ الرحيمَ) لا تقل: كفر! أو تقول بالهراوة: لم تفعل؟ أو قرأ (الرحمنُ الرحيم) لا تغضب؛ لأنه يجوز، النعت تقطعه ويكون خبراً، والمبتدأ: هو.ونحن لا نريد الخلاف، ولا نرغب فيه، ولا نشيعه أبداً، فإذا ذكرنا قضية كهذه ليس معناه أني أجزت لكم أن تقولوا هذا وتشوشوا على الناس، فقط إذا قرأ قارئ وقطع أو نصب على المدح لا تغضب وتقول: هذا حرام ولا يجوز وحرَّف كلام الله، هذا يقوله من لم يعلم، أما من علم مثلنا الآن ما يغضب ولا يعيب عليه، هل أدركتم هذه القضية؟إذاً: لو سمعنا قارئاً يقول: (الرحمنُ الرحيمُ) أو (ربُّ العالمين)، أو نصب على المدح: (ربَ العالمين) (الرحمنَ الرحيم) إذا كان من أهل العلم نقول: هذا من أهل العلم، هذا عرف أن هذا يجوز، أما العامي أنى له أن يعرف هذا؟على كل حال نحن -كما اتفقنا- إذا جاءت مسألة أفدنا بها طلبة العلم؛ لأنهم هم المسئولون من جهة، وهم الذين عليهم أن يحافظوا على وحدة المؤمنين ووحدة قلوبهم، فإذا عرفوا أسباب الخلاف استطاعوا أن يخرجوا منه، وإذا ما عرفوا يوقدون النار إذاً.
معنى الحمد
قوله: الْحَمْدُ أل هنا للاستغراق، فلا يبقى من حق إنسان كائن الحمد، فقد استغرق الله الحمد كله. وأل للاستحقاق فالله استحق الحمد كله، لمَ؟ لأنه رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3]، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، فكيف لا يستحق الحمد؟!إذاً الْحَمْدُ جميع المحامد المستحق لها هو الله.ويجوز أن نحمد أي شخص على صفة من صفاته، لكن لا نقول: لك الحمد، نقول: فلان شجاع، كريم، ذكي، تقي، شريف، طويل، جميل، أديب، هذه كلمات المدح، فمعنى المدح الوصف بالجميل، ومن وصف شيئاً بالجميل من الصفات مدحه وحمده، ومن وصف شخصاً بما يذم من صفات القبائح والرذائل يقال فيه: ذمه.ونحن هنا نسلك مسلكاً رشيداً نبوياً، فنوقن أن الحمد من حق الله تعالى، إذ هو المستحق له بجلاله، وكماله، وقدرته، وعلمه، وإرزاقه، وإفضاله، وإدارة الكون كله، فهو صاحب الحمد.وقد أذن الله تعالى لنا أن نحمد في حدود معينة:أولاً: أن نذكر الصفة الجميلة فيمن هي له وهو متصف بها، ولا نغالي ولا نبالغ، ولا نوسع الدائرة: فلان صالح تقي، جميل، كريم، ونحن على علم بما وصفناه به، ولو وصفناه بغير ما فيه كذبنا وافترينا على الله.ثانياً: أن لا نمدحه في وجهه، فلم يأذن لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن نمدح المرء في حضرته، واذكروا دائماً قوله للذي مدح أخاه في حضرته، قال: ( لقد قطعت عنق أخيك )، ومدح آخرون أيضاً شخصاً في حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم فقال لهم: ( لقد قصمتم ظهر أخيكم )، فإذا أردت أن تذكر مؤمناً بخير اذكره في غيبته، ولا تذكره في وجهه، وثبت أن المقداد كان في حضرة عثمان رضي الله عنه والأصحاب حوله، فمدحه رجل فقام المقداد وأخذ حفنة من تراب ورماها على وجهه، فصاحوا، قال: اتركوني لقد سمعت خليلي يقول: ( احثوا التراب في وجوه المداحين ).لكن ما هو السر في كراهية المدح في الوجه؟الجواب: لما يعلم من أن الإنسان بضعفه في فطرته وخلقه وتكوينه وتركيبه؛ من شأنه إذا مدح وإذا أثني عليه أن ينتفخ، وإذا انتفخ غطى ما حوله وارتفع وأصبح لا يرى إلا نفسه، فإذا عمي هذا العمى، وأصبح لا يرى إلا ذاته ماذا استفاد الناس منه؟ انقطعت صلة الخير منه.ومن الأمثلة على ذلك ما قد يقوم به مدير مدرسة ابتدائية مع الأساتذة بمدح أحد الطالب بأنه: ذكي .. حافظة .. كذا، وهؤلاء قد سمعناهم وعشنا معهم، والنتيجة أن ذاك الممدوح يأخذ في الانتفاش، وبعد أن كان يحفظ صار لا يحفظ، وبعد أن كان يعد الدرس صار لا يعده. فمن قتله؟ قتله الذين مدحوه، فاغترّ.وعندنا أيضاً مدح الغافلين والهابطين والجاهلين في ديارنا للمرأة: المرأة نصف المجتمع، وهي العامل الأول، وهي كذا وكذا. فانتفخت عليهم المرأة، وانتفشت وطارت، وأخذت الوظائف عليهم وأهانتهم، وأصبحت كل شيء في المدينة، بسبب ماذا؟ أنهم مدحوها ونفخوها بالكذب.والمدح بالباطل حرام من كبائر الذنوب، وهو شهادة الزور وقول الزور، تقول لأعمى: يا ذا البصر، تقول لشحيح: يا كريم، ويا سخي! أو تقول لجاهل: يا عالم. حرام هذا عندنا؛ لا يجوز.إذاً: هذا الموضوع موضوع اجتماعي، سياسي، روحاني، أدبي، لو نجلس أسبوعاً كاملاً علنا نكتسب هذا النور.من المستحق للمدح؟ الواهب المعطي، فهذا جميل مَنْ جمله؟ المدح لله، هذا ذكي؛ مَنْ أعطاه هذا الذكاء ووهبه إياه؟ الله. هذا غني، مَنْ أغناه؟ هذا عالم من علمه.. إذاً: الحمد لله فقط، وأذن لنا أن نقول: فلان كذا، وليس في حضرته وبين يديه، بل في غيبته، أما أن نمدحه في حضرته، لا، أسأنا إليه، ونخشى أن نكون قد مزقناه أو قصمنا ظهره.هذه آدابنا الرفيعة أخذت من هذه الآية: الْحَمْدُ لِلَّهِ .
العلاقة بين الحمد والشكر
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

الحمد يقابله الشكر، وبينهما عموم وخصوص، فالحمد: الثناء باللسان بصفات الجلال والجمال، وأما الشكر فهو باللسان وباليد وبالقلب كما قال الشاعر:أفادتكم النعماء مني ثلاثةيدي ولساني والضمير المحجباإذاً: المدح بآلة اللسان خاصة، والشكر بثلاثة: باللسان واليد والقلب.والشكر يكون فقط على النعم لا أقل ولا أكثر، والمدح يكون على النعم وعلى الصفات.
كلمة الحمد لله ينبغي أن لا تفارق المسلم في أحواله كلها
الحمد لله هذه الكلمة ينبغي أن لا تفارقنا في: أكلنا، شربنا، ركوبنا، نزولنا، دخولنا، خروجنا، تلاقينا.الحمد لله مثل بسم الله، نبدأ ببسم الله، ونختم بحمد الله؛ لأننا أمة سمت فوق العالم بأسره؛ وذلك بسبب هذه الكمالات التي كانت تعيش عليها. حتى أننا سمينا في الكتب السالفة بأمة الحمد، وفي بعض الآيات في التوراة والإنجيل الحمادون، فالحمادون هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولمَ قيل فيهم: الحمادون؟ مريض في سكرات الموت: كيف حالك يا بني؟ الحمد لله. يقتله الظمأ ويكاد أن يموت، كيف حالك؟ الحمد لله، أنا عطشان! حتى إذا أردنا أن نركب الدابة والبهيمة نحمد الله عز وجل، وهذا لا يوجد عند اليهود والنصارى و.. و..وإذا حمدنا الله لابد وأن تتجلى لنا آلاؤه وأنعامه علينا؛ ليكون حمدنا على علم.
استحقاق الحمد
ومما يدل على أنه لابد لمن يُحمد أن يكون له ما يستحق به الحمد ما أرشدنا إليه ربنا فقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ لم، ما مقتضي الحمد، ما موجبه؟ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، مالك الكون كله ومدبره والحاكم فيه ما يحمد؟ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الذي أغدق رحماته وصبها على أهل الأرض والسماء ما يحمد؟ وهكذا مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، فعرفنا أننا لا نحمد إلا من يستحق الحمد، فإن حمدنا من لا يستحق كذبنا، وقلنا الزور، وشهدنا به، وأثمنا.كذلك لا نبالغ، ولا نغالي، ولا نكثر، واذكروا قول حبيبكم صلى الله عليه وسلم عندما قال: ( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، وإنما أنا عبد الله ورسوله فقولوا: عبد الله ورسوله )، ما تقولوا: مولانا محمد أبداً، أنا عبد الله، قولوا: عبد الله ورسوله، هكذا طالبهم، أما أن ننفخ فيما لا ينبغي، حتى قال القائل: لولاك ما كان كذا وكذا، فلا.المهم معاشر المستمعين والمستمعات! نحمد الله على كل حال، والحمد رأس الشكر، وأن العبد إذا أنعم الله عليه بنعمة، مهما كانت في عظمها وعلو شأنها وكثرة منافعها فقال: الحمد لله على تلك النعمة، والله إلا كان قوله: الحمد لله أفضل من تلك النعمة، وبهذا أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg

ابوالوليد المسلم 24-06-2020 03:32 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الفاتحة - (3)
الحلقة (3)


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg





افتتحت الفاتحة بالبسملة للدلالة على مشروعيتها في بداية كل عمل مشروع، ثم كانت الآية الثانية بياناً لكون الله وحده هو من يستحق الحمد المطلق؛ لأنه واهب النعم ومعطيها، وهذا لا يمنع حمد المخلوق على صفة حميدة فيه، لأن هذا حمد مقيّد، واستحق الله الحمد المطلق لصفات كماله المطلقة التي منها أنه رب العالمين أي خالقهم وسيدهم ومربيهم، كما أنه الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء.
مراجعة لما سبق الكلام فيه من مراجعات في التفسير

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:1-7].هذه السورة عرفنا -وزادنا الله معرفة- أنها تسمى بأسماء كثيرة؛ وذلك لشرفها وعلو مكانتها، فتسمى الفاتحة، وأم الكتاب، والسبع المثاني، والشافية، والكافية، وأم القرآن.كما عرفنا أنها نزلت مرتين: مرة بمكة وأخرى بالمدينة، ومرة معها بسم الله الرحمن الرحيم ومرة بدونها.ومن هنا عرفنا أنه لا خلاف بيننا؛ فمن بسمل على حق، ومن ترك البسملة على حق، فلا خلاف، ولا فرقة بيننا.ومن المعارف التي تتعلق بهذه السورة ما عرفناه عن الاستعاذة والبسملة، فالاستعاذة: هي قولنا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، والبسملة: هي قولنا: بسم الله الرحمن الرحيم.ولهذا اللفظ نظائر كحوقل إذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، وكاسترجع إذا قال: إنا لله وإنا إليه راجعون. وكهلل إذا قال: لا إله إلا الله، وككبر إذا قال: الله أكبر.إذاً: الاستعاذة مشروعة عند بداية القراءة سواء كنت تقرأ آيات أو سورة، فإذا كانت أول السورة أضفت إليها بسم الله الرحمن الرحيم، فتقرأ هكذا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم طس [النمل:1]، وإن كنت تقرأ من داخل السورة وأثنائها فتكتفي بالاستعاذة، فتقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ [الملك:19] وتواصل قراءتك.ومما علمناه أنه يشرع أن نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم بعد فراغنا من التلاوة، فنستعيذ أول القراءة ليحفظنا الله من وساوس العدو وإملاءاته التي تذهب وتشرد بنا عن هذا النور الذي نعيشه تلك الساعة، ونستعيذ بالله -أيضاً- عند نهاية القراءة حتى لا يحملنا على الكبر والعجب؛ فيبطل عملنا، ومن هنا اتفقنا مع علماء الإسلام فلا نزاع ولا خلاف أبداً، وأمرنا واحد؛ إذ ليس لنا مبدأ التشدد: مذهبي .. طريقتي، هذا ما عندنا أبداً، فهل سمعتم منذ أن اجتمعنا على كتاب الله وسنة رسوله أن نقول: نحن الحنابلة، أو نحن الأحناف، أو المالكية؟ لا أبداً، نحن المسلمون عباد الله، نعيش على نور الله، ونسلك سبيل الله، صراطه المستقيم، قال الله قال رسوله صلى الله عليه وسلم.ومن هنا لا توجد فرقة، والفرقة تسبب الضعف وتوجد آثاراً سيئة، بل توجد حتى البغضاء والعداء كما هي فطرة الإنسان.إذاً: عرفنا كيف نستعيذ؟ ولماذا نستعيذ؟ وعرفنا باسم من نبدأ: بسم الله الرحمن الرحيم، لا باسم السلطان، ولا باسم الشعب، ولا باسم الحزب، ولا باسم ليلى ولا سلمى .. وإنما باسم الله.
تفسير قوله تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم)

الجار والمجرور في بسم الله

قوله: بِسْمِ اللَّهِ [الفاتحة:1] هذا الجار والمجرور فما معنى الجار والمجرور؟ عندما يقوم -مثلاً- عبد الله بجر منصور من رجله، فمن الجار ومن المجرور؟ المجرور منصور، والجار عبد الله.إذاً: عرفنا الجار والمجرور كما عرفه النحاة عملياً.والباء في قوله: بِسْمِ اللَّهِ حرف جر، والميم من (بسم) مجرورة، وحركة الجر كسرة من تحت، وأنت إذا جررت الشيء سحبته على الأرض وترك أثراً، وهذا معنى قولنا -من اليوم إلى أن نختم القرآن-: الجار والمجرور، وحروف الجر كثيرة، من أبرزها هذه الباء.وهذا الجار والمجرور له متعلق، ولا يوجد جار ومجرور بلا هدف، فلما قام عبد الله وجر منصوراً لأي شيء؟ لا بد لغرض؛ كأن يريد أن يبعده عنا.إذاً لا بد من تقدير شيء من أجله الجار والمجرور، والتقدير: باسم الله أفتتح قراءتي أو باسم الله أبتدئ قراءتي، كما تقول عند الأكل: باسم الله أبتدئ أكلي، باسم الله أركب دابتي، باسم الله أخاطبكم، أي: أبتدئ عملي بإذنه وبالتبرك باسمه؛ لأن اسم الله فيه بركة، بل هو مصدر كل بركة عرفها الكون ووجدت فيه.
الحكمة من قول: بسم الله

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg
يبقى لمَ نقول: باسم الله؟الجواب: نقول ذلك لأننا بإذنه نشرب ونأكل، ونعطي ونمنع؛ ولأننا عبيده لا تصرف لنا إلا بإذنه، فما أذن فيه فعلنا وقلنا واعتقدنا، وما لم يأذن لا نقول ولا نفعل ولا نعتقد.ومن هنا هل يجوز لمن يشعل سيجارة أن يقول: باسم الله؟الجواب: هذا حرام عليه، وكذب على الله.وهل يجوز لمن يتناول كأس خمر أن يقول: باسم الله؟الجواب: هذا كذب على الله، بل يتضاعف الجرم؛ لارتكابه المحرم وفعله إياه، ثم الكذب على الله.ومن هنا تعرفون لماذا تقال كلمة باسم الله؟ أقول: باسم الله أبدأ قراءتي .. أبدأ صلاتي .. أبدأ أكلي .. أبدأ شربي .. لأنه أذن لي وأنا عبده، ولولا إذنه لي في الكلام والطعام ما قلت، ولا أكلت.لكن هل تقول: باسم الله ثم تأخذ في سبنا وشتمنا والتعيير بنا؟ آلله أذن لك؟ تكذب على الله؟لكن إذا قلت: باسم الله وأخذت تعظنا، تذكرنا .. نعم، أذن الله لك في ذلك، بل أمرك ودعاك إلى وعظنا وإرشادنا.
كثرة أسماء الله

قوله: بِسْمِ اللَّهِ [الفاتحة:1]، من هو الله؟ هو رب العالمين، ( إن لله تسعة وتسعين اسماًمائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة )، بهذا أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في بعض الروايات أن أسماء الله خمسة آلاف اسم، وهي بهذا العد قليلة! فالذي خلق الذر والكون من ملايين السنين كم اسماً له؟ فالذي يدعوه كل شيء ويناديه كل شيء، ويطلب كل كائن في السماوات والأرضين ما يبعد أن تكون له مئات الآلاف، لكن الذي بلغنا عن رسولنا صلى الله عليه وسلم مائة اسم إلا واحداً، أي: تسعة وتسعين اسماً.ويجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يعرف هذا العدد، ويجب أن يعرف أسماء مولاه، فأنت مفتقر ومحتاج إليه، إذا أردت أن تدعوه ماذا تقول: يا هو، كما يقول الغافلون؟ بل تقول: يا ألله! يا رحمن! يا رحيم! يا بديع السماوات والأرض! يا ذا الجلال! يا حي! يا قيوم! يا مالك الملك! يا عزيز! يا جبار! يا غفار! فادعه وناده بأسمائه واطلب؛ إذ أرشدنا إلى هذا في قوله من سورة الأعراف: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180] أي: نادوه بها؛ ليجبكم ويقض حاجتكم.ومما يؤيد أن أسماء الله تعالى فوق تسعة وتسعين قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي )، فاسأل واطلب، ولا مانع أن تطلب ما شئت، والشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر في هذا الحديث أن لله أسماء استأثر بها وما علَّمها، بل هي في الغيب، فلهذا إن قيل: إن لله خمسة آلاف اسم فليس بكلام باطل أبداً، فقط لا نستطيع أن نطلق اسماً على الله لم نحفظه عن رسول الله، وإلا كنا مفترين كاذبين على الله، وقول بعض الغافلين: يا هو هو! أو يا هو! هذا خطأ، فليس من أسماء الله يا هو هو! أو يا هو! أو هو أبداً.وهذه الأسماء مفرقة في الكتاب والسنة النبوية، وقد جمعها السلف الصالح وهي محفوظة ومكتوبة، فلا نستطيع أن نقول: هو من أسماء الله تعالى، وهناك شبهة في قول الله تعالى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [الحشر:22-23] والأعجمي قد يلتبس عليه ويقول: هذا اسم، لكن العربي يعرف أن هذا ضمير يؤتى به للتبجيل والتعظيم، أو للتهويل والتكبير، فهو يذكر للغائب، كقولك: من أمركم بالجلوس هنا؟ فلان هو الذي أمركم؟ إي نعم، فـ(هو) هذه ضمير للغائب، ليست من أسماء الله؛ حتى بالغ بعضهم وأصبح يقول: يا هو! كيف أنتم الآن؟ تقولون: يا هو؟! هذه أعجمية عمياء، وما هي عربية قرآنية، فـ(هو) ضمير الشأن، وهو ضمير الغائب حتى لو كان يهودياً أو نصرانياً فقال: هو الذي قتل فلاناً، فهذا لا يدل على مجد، ولا على تشريف إلا في بعض السياقات تدل على الشأن نحو: هو الذي لا إله إلا هو.
اسم الله جامد أو مشتق

هل اسم الله جامد أو مشتق؟عمود الخشب جامد، والحليب كذلك جامد، لكنك إذا ضربته ومخضته وأزبد، فالزبدة هذه جامدة أو مشتقة؟ مشتقة من الحليب، فالجامد هكذا وجد، فما تبدل ولا تغير، والمشتق ما أُخذ من غيره كأخذنا الزبدة من الحليب.إذاً لمَ يقول الناس: اسم الله جامد أو مشتق؟الجواب: أطال الناس البحث والكلام في الإجابة عن هذا التساؤل، وفي الحقيقة ليس هناك من شيء كبير أن نفهم هل اسم الله جامد أو مشتق.ومما فتح الله تعالى به علي أن اسم الله جامد ومشتق، جامد لأن الله عز وجل هو الذي سمى نفسه الله قبل أن يكون الكون، وقبل أن يكون النحاة واللغويون والمتكلمون، وقبل أن توجد الخليقة سمى نفسه (الله)، إذاً هذا جامد.ولكن الله عز وجل سمى نفسه الله ليعلمنا أنه لا معبود إلا هو، وأن لفظ (الله) أصله (إله) ثم حذفت الهمزة وأدخل عليه (أل) فصار (الله) الذي لا معبود سواه، ومن هنا أطلق الخلق كلمة إله على كل معبود، فسمى الله تعالى قبل خلق الكون المعبود بحق الذي لا معبود بحق إلا هو.إذاً: فهو الذي سمى نفسه قبل أن تكون الاشتقاقات والجمادات.كذلك نظرنا إلى اسم الله فوجدناه كأنه مأخوذ من كلمة (إله) فصح إذاً أن نقول: اسم الله جامد بالنسبة إلى (الله) فهو الذي نطق به وعلمه خلقه، وليس نحن الذين اشتققناه من أنفسنا من مادة كذا أو كذا، كما اشتققنا الزبدة من اللبن، ولكن هو تعالى الذي سمى نفسه الله.
الحكمة من الاختلاف في الاسم الأعظم
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

هذا الاسم -معشر المستمعين والمستمعات- هو الاسم الأعظم، ونقول: هو الاسم الأعظم بالنسبة إلى باقي أسمائه، وأما ذلك الاسم الأعظم الذي ما دعي الله به تعالى إلا أجاب، ولا سئل به إلا أعطى، فشأنه شأن ليلة القدر، وشأن الساعة من يوم الجمعة، لم أخفيت؟ لحكمة، لو عرفنا الاسم الأعظم الذي ما سئل به الله إلا أعطى، ولا دعي به إلا أجاب لهجرنا باقي الأسماء الثمانية والتسعين، وتعلقنا بهذا الاسم، والله يريد أن ندعوه بكل أسمائه.ولو عرفنا الساعة التي يستجاب فيها للعبد يوم الجمعة وضبطناها -مثلاً- بأنها الساعة الواحدة أو الخامسة، لتركنا الانقطاع إلى الله والدعاء والضراعة طول النهار إلا تلك الساعة، وهذا فيه خسران كبير.ولو عرفنا ليلة القدر لتحيناها، وما قمنا ولا صلينا نافلة إلا تلك الليلة وفزنا بليلة القدر، ثم تتعطل تلك الليالي كلها.فهذا سر خفاء أو إخفاء هذه وأمثالها؛ لنبقى ندعو الله طول السنة وطول العمر بأسمائه: يا رحمن، يا رحيم، يا ألله، يا غفور .. ليس فقط يا حي يا قيوم.والحديث الذي جاء فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يدعو فقال له: ( يا فلان! لقد سألت الله تعالى باسمه الأعظم الذي ما سئل به إلا أعطى، ولا دعي به إلا أجاب ) ما كان دعاء السائل؟ قال: ( اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد أن تفعل بي كذا ).فمن هنا أحببت أن يفهم الأبناء أن إطلاق لفظ الاسم الأعظم على الله هو حق، أليس بأعظم الأسماء؟ ما دون الله إلا الرحمن، وما عدا ذلك لا يصل اسم إلى مستوى الرحمن بعد الله جل جلاله.هونوا على أنفسكم، أنتم مأجورون أو لا؟ الملائكة تستغفر لكم أو لا؟ أنتم في موطن لا أشرف منه، يبقى إذا ما فهمت لا تغضب، ولا تتأثر، فتحمل مشلحك وتقول: أنا ما فهمت، خليك معنا تفهم إن شاء الله، ما نستعجل.تسمعون بالاسم الأعظم أو لا؟ العجائز في القرى يفهمونه.ما هذا الاسم الأعظم؟ هل هو لفظ الله أو الرحمن أو الصمد أو الحي أو القيوم؟ خفي عنا.ما سر إخفائه أو خفائه؟ ما له علة، ما نفهم؟الجواب: لنبقى نسأل ربنا بكل أسمائه. وهذا فيه خير عظيم أو لا؟ نعم. بخلاف لو عرفنا الاسم الأعظم تركنا الأسماء كلها وتمسكنا بهذا، وفي ذلك ما فيه من الأذى والشر، فعطلنا أسماء الله التي يحب أن نمجده بذكرها ودعائه وسؤاله بها.ونظير هذا ليلة القدر، هي توجد في رمضان أو لا؟ لو عينها لنا الله تعالى بواسطة رسوله أتدري أن ثلاثة أرباع المقيمين للتراويح لا يشهدون إلا تلك الليلة، وعندنا مثال: في بلادنا العربية والإسلامية حيث الجهل خيم؛ تجد أكثر الأغنياء والمسئولين وأرباب الدنيا لا يحضرون إلا ليلة السابع والعشرين فقط، ليالي رمضان في الملاهي والمقاهي إلا ليلة سبعة وعشرين يحضرونها، أرأيتم وجه الإفلاس أو لا؟ ما يشهدون صلاة التراويح ليلة، ولا يسمعون دعاء ولا يؤمنون ولا يدعون، فيحرمون من ذلك كله إلا ليلة سبعة وعشرين؛ لأنها ليلة القدر.كذلك ساعة يوم الجمعة تجد حذاقنا وطلابنا يتربصون بها ويطلبونها، فأحدهم يدخل من صلاة الفجر إلى الضحى، وهو يصلي ويدعو، وفي الجمعة الآتية تجده من صلاة الضحى إلى أذان الجمعة، وهو جالس يصلي ويدعو، رجاء أن يمسكها ويظفر بها، وفي جمعة أخرى من صلاة الجمعة إلى العصر، وهو عاكف يصلي ويدعو، رجاء يأخذ هذه الساعة، وفي جمعة أخرى من العصر إلى المغرب يتلمس، فإذا قلنا له: إنها الساعة الواحدة أو الرابعة، فما صلى ولا حضر إلا تلك الساعة.والآن فهمتم لمَ اختلف في الاسم الأعظم أو لا؟إذا أردتم أن تظفروا فسلوا الله بكل أسمائه، مرة بالرحمن، ومرة بالرحيم، ومرة يا ألله، ومرة يا ذا الجلال، ومرة يا حي يا قيوم.. تظفر بهذا بإذن الله.إذاً: الله هو الإله المعبود بحق الذي ذل له كل شيء، وخضع له كل شيء، وتحير في جلاله وكماله كل شيء من المخلوقات.ومن معاني اسم الجلالة (الله) في قولك: (بسم الله) أن هذا الاسم نتبرك به، ونستأذن الله تعالى به، كيف نتبرك؟ نقول: بسم الله الرحمن الرحيم طسم [الشعراء:1] فهل تبركنا أو لا؟ نقول: بسم الله أشرب العسل والماء، بإذنه أو لا؟ لو لم يسمح لنا بشرب الماء هل نشرب؟ لما لم يسمح بشرب الخمر نشرب أو لا نشرب؟ الجواب: لا.إذاً: من جهة نتبرك ومن جهة نستأذن ونطلب الإذن.إذاً الحمد لله عرفنا علماً كثيراً عن بسم الله الرحمن الرحيم.
تفسير قوله تعالى: (الحمد لله رب العالمين)

عرفنا فيما سبق أن الحمد هو الوصف بالجميل، وإذا وصفت إنساناً بالجمال حمدته، فتقول: طويل القامة، جميل المنظر، لين العريكة، كريم النفس، فهذا هو الحمد.وعرفنا أن الحمد كله لله، فـ(أل) للاستغراق و(أل) للاستحقاق، فمن المستحق للحمد يا عباد الله؟ الله؛ إذ كل كمال وجمال هو مصدره، وجميع المحامد وألفاظها على تنوعها قد استغرقها الله، ولا ينالها سواه، فإذا قلنا: منصور ذكي فمن وهبه الذكاء؟ إذاً الحمد لله ليس لمنصور. قلنا: منصور كريم وسخي، فمدحناه بالكرم والسخاء، هل هو خالق كرمه وسخائه؟ لا، بل كرمه موهوب له ومعطى، والمعطي هو الله، إذاً الحمد لمنصور أو لله؟ وإذا قلنا: علي بطل شجاع؛ يختطف الفارس ويضرب به الأرض، فهذه القوة وهذه الشجاعة من خلقها، من وهبها، من أعطاها؟ أليس الله؟ إذاً الحمد لمن؟ لله أو لعلي؟ لله.فمن هنا عرفنا أن الحمد لله لا لسواه، ولا بأس أن نقول: فلان شجاع أو كريم أو عالم أو صالح أو تقي، فنصفه بهذا مع علمنا أن الذي أعطاه ذلك هو الله، فالمستحق للحمد هو الله، وأذن لنا أن نقول: فلان سخي أو كريم ولا حرج، ولكن ذلك في حدود أو مطلقاً؟ قد درسنا هذا وسبق.
ضوابط في مدح الآخرين والثناء عليهم

معاشر المستمعين والمستمعات! لقد نهينا أي: نهانا رسولنا صلى الله عليه وسلم إذا مدحنا أن نبالغ في المدح، وأن نكثر من الأوصاف، وحسبنا أن عرفنا أن المدح لله، فإذا امتدحنا غير الله فحمدناه يجب أن نقتصر .. أن نقتصد .. أن نعتدل .. فهذا الممدوح ليس الله ذي الأوصاف الجميلة الحميدة، ووصفه بالجميل منحة منحه الله إياها، فلم الغلو والمبالغة والكيل والوزن بلا حساب؟ وحسبنا أن نحفظ ذاك الخبر العظيم وهو قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، وإنما أنا عبد الله ورسوله، فقولوا: عبد الله ورسوله )، وبين يدي الله لما نؤدي الشهادة في كل حضور مع ربنا ماذا نقول؟ نقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. ونحن بين يدي الله في الصلاة، نشهد هذه الشهادة لله بالوحدانية، وللنبي بالرسالة والعبودية.فلهذا -معاشر المستمعين والمستمعات- نلتزم القصد القصد، لا إفراط ولا تفريط، لا غلو .. وإنما نقول الكلمة والكلمتين، هذا أولاً.وثانياً: علمنا أننا منهيون عن مدح الإنسان في حضرته، وهو جالس أو يسمع، لمَ؟ حتى لا نؤذيه ولا نضره؛ لأننا إذا مدحناه في وجهه قد يصاب بداء الكبر وبمرض العجب، فيفقد كماله وجماله، ويصبح حلساً من أحلاس المقاهي كما يقولون، بعد أن كان ذا خير وفضل، ومن الذي قتله؟ إنهم المداحون.اذكروا ولا تنسوا أنه ما ينبغي لنا أن نمدح أحدنا في وجهه؛ حتى لا نضر به ونؤذيه، وقد بينت لكم أمثلة، فالتلميذ يمدحه مدير المدرسة والمراقب والناظر بالذكاء والفطنة والفهم، ثم ينتكس، وما دام قد وصل إلى مستوى المدح يترك الحفظ والقراءة والفهم، ويصبح من أحط الطلاب.زعماء العرب .. زعماء العروبة بجلوا في الماضي أيام الاشتراكية والقومية: الزعيم الأوحد، لكنهم الآن انتهوا، فمن الذي أحرقهم؟ شعوبهم، يأخذون في مدح الزعيم امدح .. امدح .. امدح حتى يشعر أنه هو، وليس شيء فوقه.أحلف لكم بالله، لقد حطم وقضى على زعماء العرب المداحون، حملوهم على الكبر والطغيان والظلم والعدوان، ولمَ فعلوا هذا؟ لجهلهم، ما جالسوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تلامذته ولا أصحابه، ولو حضروا مجلس عثمان لما قام ذاك الصاحب وأخذ حفنة من تراب وحثاها في وجه الذي يمدح الخليفة في وجهه، فلما صاحوا قال: اسكتوا، علمني رسول الله وأرشدني خليلي فقال: ( احثوا التراب في وجوه المداحين ) لأنه إنسان، ما هو زعيم، امدح وانفخ يطير في السماء بلا جناحين، هو صعلوك مثلي لا قيمة له، امدحه والعياذ بالله: هو أعلم الناس، ينتفخ فلا يقبل حقاً بعد الليلة، وعلى هذا فقيسوا.محنتنا ومصيبتنا جاءت من الجهل، فبعدنا عن الكتاب والحكمة، فأصابنا الذي أصابنا، والذين درسوا عن رسول الله فهموا، فهذا يمدح أخاه بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول له: ( يا فلان! لقد قطعت عنق أخيك ) أي: قتلته، فلا تفعل هذا مرة ثانية، وامتدح آخرون رجلاً بينهم فقال لهم: ( لقد قصمتم ظهر أخيكم )، ما معنى قصم الظهر؟ قطع الظهر. بم؟ بامتداحه والثناء عليه أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم.فإن كان ولا بد فلا بأس أن تمدح أخاك في غيبته، أما وهو حاضر فإنك تضره، إلا إذا أيقنت أنه لا يتأثر أبداً، كيف لا يتأثر والشيطان يجري في عروقه مجرى الدم؟ من أين لك أن هذا الشخص لا يتأثر أبداً؟ ما تملك هذا.إذاً الحمد لله .. هذه الحقيقة، فكل جميل، كل ذي نعمة، كل ذي فضل .. كله من الله عز وجل، ولكن ليس معنى هذا أن تتصعلك، وتأخذ في ذم الصالحين، وتقبيح الزملاء وذوي الحسن والفضل .. لا، هذا حرام وظلم، شخص جميل تقول: دميم، يصح هذا؟ عالم تقول: جاهل. برّ تقول: فاجر، هذا لا يحل عندنا أبداً.
معنى رب العالمين

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg
الحمد لمن؟ لله ربي. من هو الله؟ رب العالمين،كأن سائلاً يسأل: من هو الله الذي له الحمد خاصة؟الجواب: رب العالمين، أي: خالق كل مخلوق؛ إذ لفظ العالَم مشتق من العلامة، والعالَم اسم جمع لا مفرد له، فكل كائن يدل على وجود الله؛ إذ كل موجود لا بد له من موجد، هذه قررناها وفهمناها، وأصبحت من البدهيات، وما نستطيع نجد كأس شاي على الطاولة ونقول: هذا وجد بنفسه، من قال هذه الكلمة يقال عنه: مجنون. والشمس من علقها في السماء؟ من نفسها، أنت مجنون أهذا كلام.إذاً: فالذي استحق الحمد هو خالق كل شيء، ومربي كل شيء.وكلمة الرب هذه تدل على الخلق، وعلى التدبير، وعلى التربية، وعلى الكلأ والحفظ؛ إذ كل شيء مربوب مخلوق مدبر، وحياته محفوظة بحفظ الله تعالى؛ لأن لفظ العالَمين يشمل كل كائن، كل ذرة في الملكوت الأعلى والأسفل؛ إذ ما من شيء إلا وهو علامة على وجود الله وعلمه وحكمته، لما تشاهد عصفوراً يزغرد على غصن شجرة، فهذا العصفور يدل على وجود الله أو لا؟ وعلى وجود علمه وقدرته وحكمته أو لا؟إذاً: فالله تعالى هو رب العالمين، خالقهم، رازقهم، معبودهم، مدبر حياتهم، مغنيهم، مفقرهم .. إذ هذا كله تابع لحكمته، وعلمه، وقدرته، وتدبيره.
تفسير قوله تعالى: (الرحمن الرحيم)

هل تريد أن ترى الله؟ قال تعالى: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3]، فلاحظ لتتجلى لك هذه الحقيقة. ‏
مظاهر الرحمة لا حد لها

دائماً نقول: انظر إلى الدجاجة، هل تعرفون الدجاج أو لا؟ هل هناك دجاج صناعي أو بيض صناعي؟ لو اجتمع العالم بأسره على خلق كتكوت واحد ما استطاعوا، بل ريشة في ذلك العصفور، ومن المغالطات قولهم: العقل الصناعي! هل هناك من يخلق عقلاً؟ لا يوجد من يخلق نملة.إذاً شاهد هذه الدجاجة لما ترعى مع أبنائها، وانظر كيف توسع من طاقتها، وتدخل كل أفراخها تحتها، وتأخذ تعلمهم كيف يتغذون بنقر الحب، وتبين لهم كيف يضربونه بمناقيرهم، فهذا مظهر من مظاهر الرحمة أو لا؟ من أودع في هذه الدجاجة هذه الرحمة.وانظر أيضاً إلى العنزة -أم الجدي- فإذا كان لها ولدان أحياناً، انظر إليها كيف تأكل طعاماً؟ تتواطأ؛ لأنها إذا كانت واقفة ما يصل إليها الجدي حتى يرضع منها؛ لأنه صغير، فهي تنزل نزولاً بثديها وجسمها، ثم لما يأخذ يرضع تأخذ تناغيه بنغم خاص، من أودع هذه الرحمة في هذه العنزة؟ الله.وأقرب من هذا كله أمك أيها الفحل، من حول الدم القاني الأحمر في جسم المرأة إلى لبن أبيض؟ لمَ هذا؟ لمَ ما تصبه دماً أحمر يقتل؟ كيف يتحول إلى لبن أبيض سائغ لمن يشرب؟ فهذا من مظاهر الرحمة الإلهية أو لا؟!ويذكر الرازي في تفسيره عن إبراهيم بن أدهم قال: كنت جالساً مع أحد الإخوان، فجاءت المائدة، وهي سفرة عبارة عن خبز فيه زبدة أو غيرها، قال: وضعت المائدة وإذا بغراب يختطف قرصاً، قال: فاتبعته، أجري وراءه حتى وصل إلى تل ووضعه، فطلعت الجبل، فوجدت رجلاً مغلولاً؛ مكتوف اليدين والرجلين موضوعاً في تلك القمة، والغراب وضع القرص بين يديه .. لا إله إلا الله! هذا مظهر من مظاهر الرحمة الإلهية، فمن بعث الغراب يختطف القرص ثم يتجه نحو هذا المكبل المغلل على رأس الجبل؟ الله، هنا تجلت رحمة الله أو لا؟ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3].ولو فكرنا قليلاً، ولو تدبرنا وتأملنا فإن مظاهر الرحمة لا حد لها.وها هنا خبر مسجل عندنا في القرآن بالحرف الواحد.كان سليمان عليه السلام يستعرض قواته البرية والجوية، وشأن الملوك والحكام يستعرضون قواتهم؛ لأنهم دائماً في غزو وجهاد، فمرت جحافل الجيش وإذا بنملة تصرخ وتقول: يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [النمل:18]، فهذه نملة لما شاهدت الخيول والزحف قريباً صاحت في بنات جنسها تحثهم على أن يتخذوا لأنفسهم مهرباً وملجأ يلجئون فيه: ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لمَ؟ حتى لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [النمل:18] فأعجبت هذه الكلمة سليمان؛ لأنها نزهته من الظلم، وأبعدته عن الطغيان، فهل عرف هذا زعماء العرب الذين يذبحون بعضهم بعضاً؟ قالت: لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ والحال أنهم لا يَشْعُرُونَ [النمل:18] ولو كانوا يشعرون بكم لن يحطموكم بنعالهم، ولا بحوافر خيولهم، لكنهم لا يدرون؛ لأن قريتكم صغيرة وخفية، فسليمان سر سروراً عجباً من قولها: وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا [النمل:18-19]، وبعد، لو كان من أمثالنا لطغى، حتى النمل يرهبنا، لكن سليمان ماذا فعل؟ فزع إلى الله رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ [النمل:19] ادفعني لأن أشكر هذه النعمة، ما أنا ومن أنا حتى يرهبني النمل أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ [النمل:19] هذا سليمان عليه السلام.
الفرق بين الرحمن والرحيم
كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ) فلفظ الرحمن يدل على الكثرة، فلهذا الرحمن رحمان الدنيا والآخرة.وقد تجلت لنا رحمته في كل ذرات الكون، ولا تخفى على ذي بصيرة أو عقل، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الله قسم الرحمة مائة قسم )، أي: جزأها مائة جزء، فأرسل جزءاً في الأرض، فالكون والخليقة تتراحم به، وتسعة وتسعين ادخرها لأوليائه في يوم القيامة، ومن ذلك الجزء المئوي الخليقة كلها تتراحم، وشاهد هذا في الحيوانات كلها، في العصافير، في النمل، في الذئاب، في الأسود .. فضلاً عن البشر، فالخليقة كلها تتراحم بذلك الجزء، وتسعة وتسعون مدخرة؛ فلهذا قالوا: الرحمن رحمن الدنيا والآخرة، والرحيم رحيم بأوليائه يوم القيامة.معاشر المستمعين! ما يغنينا إن عرفنا؟الجواب: الذي يغنينا أن تتجلى الرحمة فينا، وبأن نكون رحماء.هل عرفتم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( الراحمون يرحمهم الرحمن )؟! والقساة العصاة الغلاظ ليسوا أهلاً لرحمة الله في يوم القيامة، لا يرحمهم، بل يعذبهم في أتون الجحيم.وقال: ( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) فمن هو الذي في العلو والكمال؟ الله، وقد عرف المؤمنون والمؤمنات الرحمة وعاشوها، ولكن بعد أن جهلوا معناها، وما دعا الله إليها، وما بينه رسوله فيها، قست القلوب، وجمدت النفوس، وأصبحنا كالحيوانات، بل الحيوانات أرحم منا والعياذ بالله.وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg

ابوالوليد المسلم 24-06-2020 03:33 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الفاتحة - (4)
الحلقة (4)


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

(الرحمن الرحيم) اسمان من أسماء الله تعالى، فهو وحده المتصف بكمال الرحمة، وهو -أيضاً- مالك يوم الدين الذي هو يوم الجزاء، لأن ما في الدنيا من محن أو منح إنما هو من شؤم المعصية، أو بركة الحسنة، وبما أن الله مالك يوم الدين، فهو -إذاً- ملك يوم الدين؛ لأن كل مالك ملك على ما يملكه.

من الأحكام المتعلقة بسورة الفاتحة

تسمى هذه السورة بسورة الفاتحة؛ لأن الله تعالى افتتح بها كتابه القرآن العظيم، وآياتها سبع آيات.وهل البسملة آية؟ نعم آية، ونعم ليست آية، لمَ؟ لأنها نزلت مرتين: مرة ومعها البسملة، ومرة بدونها، فإن عددناها جعلنا: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] إلى آخر السورة آية واحدة، وإن قلنا: ليست آية، وإنما شأنها شأن بسم الله الرحمن الرحيم في فواتح السور كلها إلا التوبة؛ لأنها إعلان حرب، حينئذ عددنا: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] الآية السابعة، ومن هنا لا خلاف بيننا ولا فرقة، ولا شيء من شأنه أن يوغر صدور بعضنا على بعض.وهذه السورة مفتتحة ببسم الله الرحمن الرحيم، ومعنى هذا: باسم الله أقرأ، ولولا إذنه لي ما مسست كتابه ولا تصفحته فضلاً عن قراءته، فبإذنه نقرؤه، وباسمه نقرأ ونتبرك، ولهذا شرعت البسملة في كل سورة، لما تقول: بسم الله الرحمن الرحيم: الْحَاقَّةُ [الحاقة:1] معناه: أنك بإذنه قرأت كلامه، ولو لم يأذن لك من أين لك أن تقرأ؟ ثم لا تنسَ ما يحمل اسم الله من اليمن والبركة والخير، فما ذكر على شيء إلا بارك الله فيه، فلهذا نذكر اسم الله عند تناول الطعام والشراب .. متبركين، ومعلنين عن إذن ربنا لنا، إذ لولاه ما قلنا ولا فعلنا، ونحن مملوكون مربوبون، وهو رب العالمين، وما أذن لنا فيه قلناه واعتقدناه وعملناه، وما لم يأذن لا نستطيع أن نقول، ولا نعمل، ولا نعتقد أبداً؛ لأننا عبيد الله.

حكم قول: آمين بعد الانتهاء من قراءة سورة الفاتحة
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

تلاوة هذه السورة بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:1-7].لمَ ما قلت يا شيخ: آمين؟الجواب: هذه السورة عدد آياتها سبع آيات، قال الله: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي [الحجر:87]، فإذا زدنا آية من عندنا أصبحت السورة ذات ثمان آيات، ويا ويلنا إن فعلنا، فـ (آمين) ليست من القرآن، ولا من هذه السورة أبداً، بل هي جملة دُعائية معناها: اللهم استجب لنا، فإذا قرأنا وسألنا ربنا الهداية إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم، وأن يبعدنا من صراط المغضوب عليهم والضالين قلنا: يا ربنا استجب، ولهذا إذا قرأ الإمام وقال: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] نقول: آمين.وفي قولنا: (آمين) جائزة أعظم -والله- من جائزة نوبل سبعين مليون مرة، ولكن من يرغب فيها؟ ومن يطلبها؟ هل تدرون ما هذه الجائزة؟ تعطى صك الغفران، فما تقدم من ذنبك محي وأزيل، وكفر وستر، ولم تطالب بشيء.لكن كيف الحصول عليها؟ يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ( إذا أمن الإمام فأمنوا )، يعني: قولوا: آمين، ولا بأس أن تقول: أمين، لكن الأفصح: آمين، ليتناسب مع وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7].فقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أمن الإمام ) أي: إذا بلغ الإمام موضع التأمين، فليس شرطاً أن تنتظره حتى يؤمن وتقول بعده: آمين، وقد سبق لنا أن ذكرنا قوله تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [النحل:98] وقلنا: يجوز أن يستعيذ أولاً ثم يقرأ، ويجوز أن يختم القراءة بالاستعاذة، وقوله: ( إذا أمن الإمام ) معناه: إذا فرغ من التأمين، أما أن تؤمن قبله فلا يجوز، لكن يمكنك إذا قال: آمين أن تقولها معه، لكن المقصود من حديث: ( إذا أمن الإمام فأمنوا ) أي: إذا بلغ الإمام موضع التأمين، والإمام يؤمن عندما يفرغ من القراءة ويقول: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فقولوا: آمين.ثم قال في الحديث: ( فإن الملائكة تؤمن ) سبحان الله! إي نعم، والملائكة موجودون في المسجد، أنسيت أن معنا أكثر من عددنا؟ فمع كل واحد منا ملكان، فعددهم مضاعف.قال: ( من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ) وهذه هي الجائزة، فنسأل الله تعالى ألا يحرمنا إياها، ونحن نبذل ما استطعنا، وكلما بلغ الإمام: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] نقول: آمين، ولا بد أن نصادفها مرة، كليلة القدر، وأحدنا لو صام رمضان عشرين، خمسين سنة وهو يشهد التراويح بإذن الله يحصل عليها، فكذلك نحن إذا بلغ الإمام مبلغ التأمين وقالها نقول: آمين، والملائكة قالت، فإن صادفنا بقضاء وقدر تأمينهم ووافقناه أخذنا صك الغفران.وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا يجهر بآمين قالوا: هذا دعاء يكون في السر، والسر أولى، لكن رد عليهم بما صح من النقل الصحيح: أن الصحابة كانوا يقولونها، وأنه إذا أمن الرسول وأمن المصلون يسمعون للمسجد رجة، وهنا إفراط وتفريط، ونحن جماعة الوسط، عرفتم مذهبكم؟ لا مالكي ولا حنبلي ولا حنفي.المالكية والأحناف لا يرفعون أصواتهم، يقولونها سراً، ونحن نقول: الوسط الوسط، لا تقل كما يفعل بعض الإخوان: آمين بالعنترية، لا يجوز هذا، وأحد الأئمة في ديار المغرب يعلم الفتيان سنة الجهر بالتأمين، فكانوا يصيحون صيحة واحدة: آمين، فقال الإمام: والله ما أصلي، وخرج من المحراب.أين الخشوع، وأين الخضوع، وأين اللين، وأين السكينة؟ الصواب أن نقول: آمين، لأنها دعاء، أما: آمين بالعنترية فغير وارد، وليس من السنة، لكن لما أهل المسجد كلهم: آمين، نعم تسمع رجة للمسجد.

تابع تفسير قوله تعالى: (الرحمن الرحيم)
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

قال ربنا: الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:3] سبق أن عرفنا أن رحماننا جل وعز هو رحمان الدنيا والآخرة، وهو رحيمهما، ومن هنا تطمئن النفوس، وتسكن القلوب لرحمة الله عز وجل، فيا عبد الله! لا تبك طول عمرك ولا تترك النوم وتقضي دهرك بالقيام، ولا تترك الطعام والشراب وتواصل الصيام، ولا ولا، اعلم أن ربك رحمان رحيم، فبهذا تهدأ النفوس، وتسكن القلوب.إن الرحمن الرحيم صفتان، فالرحمن اسم من أسمائه تعالى، ولهذا لا يجوز لأحد أن يسمي ولده الله أو الرحمن، وهذه تحفظ وحرام أن تنسى، وهذا بلا خلاف، لأن هذا استأثر الله به، فاسم الله لا يعرف إلا لله، والرحمن كذلك.والعرب في الجاهلية ما كانوا يعرفون الرحمن في الغالب، فلهذا لما سمعوا الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو: ( يا رحمان يا رحيم ) قالوا: اسمعوا، ينهانا عن الشرك ويشرك، وينهانا عن أن نذكر آلهتنا ويقول: لا تذكروا إلا الله، لا تدعوا إلا الله، وهو عنده إله ثاني يقال له: الرحمن. فنزلت آيات سورة بني إسرائيل من آخر السورة، وهي قول الله تعالى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الإسراء:110] هذا في مكة، وجاء في سورة الفرقان: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا [الفرقان:60].وأما عفريت اليمامة وذليلها مسيلمة الكذاب فقد انتحل هذا الاسم وقال: أنا رحمان اليمامة. وقد عرفتم كيف لعنه الله، وكيف هزم، وقتل، ومزق، وإلى جهنم.إذاً لا نسمي الرحمن، ولا يحل أبداً بحال من الأحوال.وكذلك لا تسمِّ الرحيم، ولا بأس أن تقول: فلان رحيم، فيا رحيم أعطنا ماء، أو ابذل لنا كذا، أما بـ(أل) الدالة على الوصف وعراقته فيه فلا يصح أبداً.ولا تسمِّ أيضاً الغفار ولا الغفور ولا الجبار ولا ..، ولكن اسلبها (أل)، فيجوز أن تقول: فلان عظيم، فلان حليم.الخلاصة: حرام أن نسمي أحدنا بأسماء ربنا، وإن فعلنا كنا من الملحدين في أسمائه، والله يقول: إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا [فصلت:40] الآية.ومن ذلك الرب تعالى، هل يجوز أن تقول: الرب فلان؟ يجوز بالإضافة، تقول: من رب الدار؟ بمعنى: من مالك الدار؟ يقال: إبراهيم. من رب هذه السيارة؟ يعني: من مالكها؟ فهذا يجوز، أما أن تقول: الرب فلان، بمعنى: المالك فلان، هذا لا يحل أبداً، ولا عذر لك، لو قيل لك: لمن هذه الدار؟ تقول: الرب لها فلان، لا، تقول: رب الدار بالإضافة .. رب السيارة نعم يجوز.

تفسير قوله تعالى: (مالك يوم الدين)

اختلاف القراء في قراءة (مالك) في قوله: (مالك يوم الدين)

قال تعالى: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، وقرئ في السبع وهي قراءة الجمهور: (ملك يوم الدين)، فلهذا من قرأ (ملك) كمن قرأ (مالك)؛ لأن المالك كالملك، فما دام مالكاً لكل شيء أصبح ملكاً عليه، ومن كان ملكاً أصبح مالكاً.أما العلماء فهناك من رجح (ملك) على (مالك)، وهناك من رجح (مالك) على (ملك)، ونحن نقول: كله لله؛ لأن الله تعالى سمى نفسه الملك والمالك لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر:16]، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4].الخلاصة: لا نرجح هذا على هذا، لم؟ لأن الله أنزل كتابه على سبعة أحرف، وقرئ (مالك) و(ملك)، فالله ملك، والله مالك، أليس كذلك؟ لما تقول: الله الملك؛ هل تكذب؟ هو الملك، وإذا قلت: مالك كذا، أليس هو المالك الحقيقي؟ وملكنا نحن إضافي فقط، فإن ملكت الدار هل ستدخلها في قبرك معك؟ لا، بل سوف تتركها.إذاً اعلموا أن هذه اللفظة قرئت بالوجهين: (مالك) وهي قراءة حفص ، و(ملك) وهي قراءة نافع أهل المدينة، واقرأ بأيهما شئت، فأنت تفهم معنى مالك ومعنى ملك، والله مالك ولكل شيء، والله ملك، وهو ملك العوالم كلها.

المراد من الدين في قوله تعالى: (مالك يوم الدين)
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] ما المراد بالدين؟ الدين يطلق على عدة معان، والله ملك كل ذلك، وأول ما يتبادر أن الدين بمعنى الإسلام، أي: عبادة الله عز وجل، والدينونة والخضوع والذلة له بامتثال أمره واجتناب نهيه. ما الإسلام؟ إسلام القلوب والوجوه لله بالإذعان والطاعة له في أمره ونهيه.ويطلق الدين -أيضاً- على الجزاء، ومنه قول الشاعر:دِنّاهم كما دانواويوم القيامة هو يوم الدين ويوم الجزاء، فأعمالنا في هذه الدار تسجل لنا أو علينا ونجزى بها في يوم الدين، فهو يوم الجزاء على الكسب الدنيوي، أي: يوم القيامة، فيوم الدين يوم القيامة، يوم الجزاء، يوم البعث والنشور، يوم الحساب.لكن من الملك في ذلك اليوم؟ الله. لا فرعون، ولا هامان، ولا قارون، لا بريطانيا، ولا أمريكا، ولا إسرائيل.من الملك المتسلط، المطلق التسلط، يعز من يشاء، ويذل من يشاء، يسعد من يشاء، ويشقي من يشاء؟ الله، إذ كل ما هناك لله عز وجل، وهو المالك للجنة وللنار، وللإنس والجن، يدخل من شاء الجنة، ويدخل من شاء النار، ومعنى هذا: أنك إذا عرفت أنه الملك في ذلك اليوم تحسب لذلك اليوم حسابه اللائق به، بمعنى: التزم الأدب مع الله، التزم طاعته وطاعة رسوله؛ لأن يوم القيامة يومٌ لا يملك غيره فيه شيئاً، بل الله وحده مالك كل شيء.إذاً: فتملق إليه من الآن وتزلف، وتغنَّ بذكره وتلاوة كتابه، ومرغ وجهك على التراب، وقم في الليل وأنت تتململ: سبحان ربي العظيم، لأن هناك يوماً لا يملكه سواه، ذاك يوم الجزاء، أما هذا اليوم فليس فيه جزاء، ولكن كما علمتم! الجزاء اليوم هو عبارة عن يُمن العمل الصالح وبركته، وعن شؤم العمل الباطل ونحسه، أما الجزاء فمتأخر. ولو أن كافراً يعذب سبعين مرة في اليوم على كفره هل هذا هو الجزاء؟ عذابه وجزاؤه يوم القيامة أن يعيش بلايين السنين، وهو في عذاب دائم متصل، فإن عذب الكافر بجوع، بمرض، بذُلّ، بكذا، بكذا، هذا هو الجزاء؟! لا؛ لأن هذا ما هو يوم الجزاء، هذا يوم العمل.إذاً: ما سبب هذا البلاء؟ سوء سلوكه، انحرافه، ارتكابه كبائر الذنوب والآثام، وناله هذا من بؤس وشؤم ونحس عمله.كذلك المؤمنون الصالحون يعيشون مطمئنين، طاهرين، أصفياء في رغد من العيش آمنين، لكن هل هذا جزاؤهم على الصيام والصلاة والجهاد والصبر؟ لا، لا، هذا من يُمن وبركة إيمانهم، وصالح أعمالهم.هل فهمتم هذه المسألة؟ حتى لا تقول يوم الدين: هو يوم القيامة، والجزاء -إذاً- لا يوجد اليوم؟ هناك جزاء، فتقطع يد السارق، ويرجم الزاني، ويقتل القاتل، ويسجن المجرم و.. و.. ويمرض، ويكرب، ويموت، كله موجود، لكن هل هذا هو يوم الجزاء الحق؟ دائماً نقول: هذا يوم العمل، اعملوا، أما الجزاء فمستقبل، وذلك في يوم القيامة، في يوم الدين لا اليوم. لما يقول القائل: أنا مستقيم طول العام، ودائماً فقير، ومريض، وصداع، ومحتاج، فما سبب هذا؟قد نقول: هناك سيئات ما علمتها، وما عرفتها، والرحمن ربك تعالى يريد تطهيرك، وتنقيتك، وتصفيتك، وكان بعض الصالحين يقول: إذا عثرت دابتي -وعثرة الدابة مزعج، يكاد الرجل يسقط بسببها- تذكرت سيئة من سيئاتي، وعلمت أنني أذنبت ذنباً.إذاً: فالكسب اليوم لا نجزى به، والجزاء متأخر، ولكن يكون شؤم للمعاصي والذنوب، ويمن للحسنات والسيئات. مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] إذا كان الله هو الملك يوم الدين وهو المالك، لمن المفزع؟ لمن الملجأ؟ لا إلى أحد إلا الله فقط.

منزلة قراءة الفاتحة
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( يقول الله تبارك وتعالى: إذا قرأ العبد الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] قال الله تعالى: حمدني عبدي. وإذا قال: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] قال: أثنى عليَّ عبدي. وإذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] قال: مجدني عبدي ) فنحن لما نقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] حمدنا الله تعالى، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] أثنينا عليه، مدح بعد مدح بعد مدح؛ ثلاثة، لم سميت السبع المثاني؟ لأنها تثنى.إذاً: أي مجد أعظم من الملك؟ هل هناك مجد، وسمو، وشرف أعظم من الملك؟ الجواب: لا.إذاً: الله يقول: حمدني عبدي، أثنى علي عبدي، مجدني عبدي.ثم قال: ( فإذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] قال: هذا بيني وبين عبدي )، ما وجه بينه وبين عبده؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5] العبادة لمن؟ لله. وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] العون لمن؟ للعبد.ثم قال: ( وإذا قرأ المؤمن: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] قال الله تعالى: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) هذا لعبدي ولعبدي ما طلب، استجابة هذه أو لا؟ بشرى أو لا؟ أوليست ذات قيمة أن يهديك الصراط المستقيم لتقرع باب دار السلام؟ بله لتطهر وتصفو في هذه الأيام، فمن سلك طريق الله ما انكسر ولا تحطم ولا ولا، والذين يتكسرون ويتحطمون ويتمزقون هم أرباب المعاصي، والشهوات، والذنوب، والآثام اليوم في الدنيا.إذاً: ( هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ) معناه: أعطاه طلبه فهداه الصراط المستقيم، فلهذا ينبغي إذا كنا نقرأ أن نذكر هذا، نذكر أننا نحمد الله، وأننا نثني عليه، وأننا نمجده بكلمة مالك يوم الدين، وأننا نقول له: إياك وحدك لا شريك معك إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5] ولازمه: أننا لا نعبد سواك بانفراد أو بالمعية، وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] فلا نطلب عوناً من سواك؛ إذ لا يملك العون إلا أنت، حينئذ يقول لنا ربنا: هذا لكم، ولكم ما سألتم.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

شرح الكلمات
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

قال المؤلف غفر الله له: [بسم الله الرحمن الرحيم.شرح الكلمات:التفسير لغة: الشرح والبيان. واصطلاحاً: شرح كلام الله ليفهم مراده تعالى منه، فيطاع في أمره ونهيه، ويؤخذ بهدايته وإرشاده، ويعتبر بقصصه ويتعظ بمواعظه].ثم قال: [السورة] ما معنى السورة؟ قال: [قطعة من كتاب الله تشتمل على ثلاث آيات فأكثر] إلى المائتين وأربع وثمانين كما في سورة البقرة. ثم قال: [وسور القرآن الكريم مائة وأربع عشرة سورة بالعد، أطولها البقرة، وأقصرها الكوثر].ثم قال: [الفاتحة] هذه الكلمة ما معناها؟ قال: [فاتحة كل شيء بدايته]، فبداية القرآن سورة الفاتحة.

أسماء سورة الفاتحة

قال المؤلف غفر الله له: [وفاتحة القرآن الكريم هي الحمد لله رب العالمين، ولذا سميت الفاتحة، ولها أسماء كثيرة منها: أم القرآن، والسبع المثاني، وأم الكتاب، والصلاة].سؤال طارئ: لم سميت أم القرآن وأم الكتاب؟الجواب: تعرفون أن الأم هي التي تنجب البنين والبنات، تجلس وحولها أولادها وأحفادها، كلهم تفرعوا عنها، فانظر إلى القرآن الكريم كله قد تفرع عن هذه السورة بجميع ما فيها، كما تولدنا نحن أيها الناس من حواء فأصبحنا بليارات، وأمنا واحدة.أولاً: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:2-3] هذه آيات التوحيد؛ توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، والقرآن من الفينة إلى الأخرى، من الآية إلى الآيات يأتي لتقرير هذه الأسماء والصفات، وتقرير ربوبية الله لكل شيء.ثانياً: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] والدين هو الجزاء ويوم القيامة، وأنت تجد في القرآن الكريم مئات الآيات في هذا الباب، فثلث القرآن يتكلم عن الدار الآخرة، ويدعو إلى الإيمان بها، ويبين ما فيها من نعيم مقيم، ومن شقاء وعذاب دائم، يبين صفاتها، وآثارها، وعلاماتها.ثالثاً: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] والقرآن يحتوي جميع أنواع العبادات من: الصلاة، الزكاة، الذكر، الحج، الجهاد، وغيرها.رابعاً: القصص، من قصة آدم مع حواء في السماء .. مع إبليس في الأرض إلى قصة عيسى ابن مريم مع بني إسرائيل، والقصص ثلث القرآن، وكله تولد من كلمة: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فلهذا سميت أم القرآن، كأن القرآن انحدر منها، وخرج من متنها، كذلك الأم أولادها يشبهونها، ولو كانوا مئات الأولاد والأم واحدة. وبذرة نواة التمر يتفرع عنها النخيل والثمار المختلف الأنواع، فلهذا سميت بأم القرآن، وأم الكتاب.وسميت صلاة، لم؟ لأن الله تعالى قال: ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين، إذا قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] قال: حمدني عبدي. إذا قال: الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:3] أثنى علي عبدي. مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] مجدني عبدي ) هذا القسم لمن؟ لله. ( إذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] قال الله تعالى: هذا بيني وبين عبدي ) نصفه لي ونصفه لعبدي. ( إذا قال: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7]، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ). إذاً نصفان: النصف الأول: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2-4] هذا كله لله. النصف الثاني: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7] هل هذا لله في شيء؟ هذا للعبد كله. عرفنا إذاً ما لله وما للعبد؟وما هو المشترك بينهما؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] قال: ( هذا بيني وبين عبدي ) العبادة لي والعون لعبدي، فلهذا سميت الصلاة.وهذا اللفظ يعطيها معنىً آخر: أنه لا صلاة بدونها، فأصبحت هي الصلاة؛ لأنها إذا خلت منها لا صلاة: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) .. ( أيما صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج خداج ) الخداج: لما تلد البقرة أو الناقة مولوداً أزرق، منتناً متعفناً، ما اكتمل الخلقة ماذا تقول له؟ هذا خداج، ناقص، ما يقبل، ما يرضى به.

الفرق بين المكي والمدني
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

قال المؤلف غفر الله له: [مكية: المكي من السور ما نزل بمكة، والمدني منه ما نزل بالمدينة].وهنا إضافة أخرى وهي أننا نقول: المكي ما نزل قبل الهجرة، والمدني ما نزل بعدها، والمعنيان صحيحان.إذا قلت: بعض آيات السور نزلت في الطرقات وفي الغزوات لا هي في مكة، ولا في المدينة كيف نعمل إذاً؟هل نقول: كلها نزلت في بني كذا؟ كيف نجمع؟ قالوا: ما نزل قبل الهجرة يعتبر مكياً، وما نزل بعد الهجرة يعتبر مدنياً.وما المراد من الهجرة؟الجواب: خروج الرسول صلى الله عليه وسلم من داره وبيت آبائه وأجداده، وتركه ما كان له فيها، والتحاقه بالمدينة، فهجر البلاد، وتركها بأمر الله، فسيد المهاجرين وأعظم مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن أول من هاجر في سبيل الله، وسجلت له هجرة؟أول من هاجر في ذات الله هو إبراهيم الخليل عليه السلام.وهل بقيت الهجرة أو أغلق بابها؟ ما زالت، والمهاجرون يتفاوتون، وأطلقنا على أحدنا سيد المهاجرين المعاصرين، ولو قلنا: سيد المهاجرين نذبح؛ لأن سيد المهاجرين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا بد من هذا القيد: المعاصرين، إذا لمحنا أو لمسنا فيه صفات المهاجرين شجعناه.وهذه الأيام صدرت فتيا وتنازعها العلماء وهي: هل يجب على الفلسطينيين أن يهجروا فلسطين، ويخرجوا منها أو لا يجوز؟الجواب: أيها الأبناء! اسمع العلم حتى لا تضل، أيما مؤمن يوجد في أرض .. في قرية .. في جبل .. في مكان ما .. في دار .. في بلد .. في إقليم .. في غرفة لا يستطيع أن يعبد الله تعالى؛ إذ منعوه، ولا يتمكن من أن يعبد الله فقد وجبت عليه الهجرة، ولا يحل له المقام أبداً في بلد أو أرض لا يعبد الله فيها، وهذه قضية إجماعية، ومن أجلها شرعت الهجرة، ولا يعذر إلا مرأة أو مريض أو شيخ كبار ما يستطيع فهذا أمره إلى الله، قال تعالى: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ [النساء:98-99] أما إنسان قادر أن يهرب، ويبقى في بلد ما يصلي، ولا يذكر الله، ويلزم بالكفر فيكفر لا يحل أبداً.والهجرة لا ينقطع -أبداً- أمرها، ولا يغلق بابها حتى تطلع الشمس من المغرب؛ لأن المؤمن يومها مؤمن، والكافر كافر، فقد أغلق باب التوبة، لو جاء كافر يركض: لا إله إلا الله محمد رسول الله خذوا مالي، أنا صائم، دلوني على بيت ربي فلا يقبل منه شيء واحد، فقد انتهى الأمر. لم؟ لأن الساعة دقت وآذنت، والعمل في الدنيا أو في الآخرة؟ العمل في الدنيا، وفي الآخرة الجزاء، وانفتح باب الآخرة، أعلن عن وصولها، بقي عمل؟ الجواب: لا، المؤمن مؤمن والكافر كافر.إذاً: هل الفلسطينيون ممنوعون من الأذان؟ من إقام الصلاة في ديارهم؟ من اجتناب ما حرم الله عليهم؟ من ستر نسائهم؟ من أكل الحلال؟الجواب: ما بلغنا إلا أنه مباح؛ من شاء يصلي، ومن شاء يغني كبلاد المسلمين الأخرى، فمن هنا لا تجب عليهم الهجرة أبداً، ولا تجب بحال أبداً، إلا إذا كان إمام المسلمين احتاج إلى المهاجرين، وأعلن على الساكنين القاطنين في كذا أن يزحفوا إلى ديار الإسلام، فخليفة المسلمين إذا أمر يطاع، لم؟ لأنه رأى أن يخرج هؤلاء المؤمنون من هنا حتى يضرب الباقين أو حتى يفعل شيئاً، لكن أين إمام المسلمين؟ هل هناك خليفة؟ هناك دويلات دويلات.ومن أراد أن يقف بالتفصيل فعليه برسالة: إعلام الأنام بحكم الهجرة في الإسلام، فهي رسالة -والله- قيمة ومع الأسف أعرضوا عنها، وما قرءوها، ما علموا، ويجب أن توزع في أمريكا، والصين، واليابان، وأوروبا الشرقية والغربية بكاملها وتترجم إلى عدة لغات؛ ليعرف أولئك المؤمنون هل يجوز لهم البقاء في فرنسا وإيطاليا وأمريكا أو لا يجوز؟ثم قال: [والسور المكية غالبها يدور على بيان العقيدة وتقريرها، والاحتجاج بها، وضرب المثل لبيانها وتثبيتها. وأعظم أركان العقيدة توحيد الله تعالى في عبادته ] أي: بأن يعبد الله بما شرع وحده دون سواه. [وإثبات نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقرير مبدأ المعاد والدار الآخرة. والسور المدنية يكثر فيها التشريع وبيان الأحكام من حلال وحرام] ففيها السياسة المالية والاقتصادية والحربية والسلمية، وكل ما يتعلق بالمجتمع المسلم، والسر معروف، لأنه أيام كانوا في مكة من يقول: لا إله إلا الله بالقوة يضربونه، فكيف يصلون؟ إذاً التشريع بدأ بدخول الرسول والمؤمنين إلى المدينة، فالسور المدنية تحمل التشريع.ثم قال: [والآيات جمع آية وهي لغة: العلامة، وفي القرآن: جملة من كلام الله تعالى تحمل الهدى للناس بدلالاتها على وجود الله تعالى وقدرته وعلمه وعلى نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته، وآيات القرآن الكريم ست آلاف ومائتا آية وزيادة، وآيات الفاتحة سبع بدون البسملة] وإن قلنا بالبسملة نجعل الآيتين آية واحدة في آخرها.هذا والله تعالى أسأل أن ينفعني وإياكم دائماً بما ندرس ونقول ونسمع، وصلى الله على نبينا محمد.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg

ابوالوليد المسلم 24-06-2020 03:33 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الفاتحة - (5)
الحلقة (5)


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg


ابتدأت الفاتحة في ثاني آياتها بالحمدلة؛ تربية وتعليماً لنا بأن نقولها في شئوننا كلها، وكان من مظاهر التعليم -أيضاً- في سورة الفاتحة أن نتوجه بالعبادة -بمفومها الشامل لكل طاعة- لله وحده، وإذا صعب علينا أمر لا نستعين إلا بالله وحده، لأنه إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة الفاتحة

الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! تذكيراً للناسين، وتعليماً لغير العالمين نعيد القول فنقول: هذه السورة لم ينزل الله تعالى في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها، وبهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فلم ينزل الله مثل هذه السورة في كتبه التي أنزلها على رسله وأنبيائه.وهذه السورة سبع آيات، وهي المذكورة في قول الله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر:87]. ‏
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

نزول سورة الفاتحة مرتين

أما (بسم الله الرحمن الرحيم) فقد نزلت مع سورة الفاتحة مرة، فهي آية من تلك السورة الكريمة، ونزلت مرة بدونها، فمن قرأها على أنها آية فهو ذاك، ومن لم يقرأها على أنها ليست بآية فهو ذاك، أي: حق وصواب. ولكن الأولى أن لا نخلي قراءة الفاتحة من (بسم الله الرحمن الرحيم) ففي بداية صلاتنا في الركعة الأولى نقدم الاستعاذة، فنقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] وفي الركعات التي بعد ذلك، في الثانية والثالثة والرابعة نكتفي بـ(بسم الله الرحمن الرحيم).وإن كنا أئمة نصلي بالمؤمنين فلا نجهر بها، بل نقولها سراً، ونجهر بكلمة (الحمد لله رب العالمين) كما تسمعون أئمة المسجد النبوي، إذ أنس بن مالك رضي الله عنه كما في الصحيح قال: ( صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووراء أبي بكر ووراء عمر، فكانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين ) فحُمِل هذا على أنهم كانوا لا يجهرون بها، بل يسرونها ثم يجهرون بالفاتحة، وهذا هو المذهب الرشيد والطريق السديد، وهذا الجامع لأمة الإسلام حتى لا تختلف.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

الأمر بقراءة سورة الفاتحة

عرفنا فيما سبق أننا مأمورون أن نقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:2-7] فما معنى مأمورين؟أخرج ابن جرير إمام المفسرين في كتابه أن هذا معناه: قولوا: الحمد لله رب العالمين، قولوا: الرحمن الرحيم، فهي مما أمرنا الله تعالى تربية لنا وتهذيباً، وتعليماً لنا وهداية أن قال لنا: (قولوا).تأملوا! ما هي بداية السورة؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، من علمنا هذا؟ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:3-4]، تأمل تجد أننا مأمورون بأن نقول هذا، قولوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:2-6]، فهذا تعليم من الله لنا، ولسنا نحن الذين اخترعنا وابتكرنا، وحمدنا الله وأثنينا عليه ومجدناه، بل هو الذي علمنا كيف نحمده، وبمَ نثني عليه ونمجده ونتضرع إليه، ونعاهده بأن لا نعبد إلا إياه ولا نستعين إلا به، وأن نسأله أن يديم هدايتنا على الصراط المستقيم، هل فهمتم هذه؟ كأنما قائلٌ يقول لنا: قولوا. ماذا نقول؟ قولوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2-4].
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

سورة الفاتحة قسمت على قسمين

لقد علمنا سبحانه وتعالى كيف ندعوه ونتوسل إليه حتى يستجيب لنا، ويدل لهذا الحديث القدسي الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يقول الله تبارك وتعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين ) قسم لله وقسم لعبده، وقسم مشترك بينهما، فلنعرف هذا، فهو خير من الدنيا وما فيها.ما هو القسم الأول الذي لله وحده؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2-4]، هذا لمن؟ لله، حمدناه وأثنينا عليه، ومجدناه بأنه الملك يوم القيامة.( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، قال الله تعالى: هذا بيني وبين عبدي )، كيف؟ العبادة لمن؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ له، والاستعانة لمن؟ للعبد حتى يقوى على العبادة، هذا بيننا وبين الله. اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:3-7]، هذا لمن؟ للعبد.إذاً قوله تعالى: ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين، فإذا قال العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] قال الله تعالى: حمدني عبدي. وإذا قال: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] قال: أثنى عليّ عبدي. بالحمد، وإذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] قال: مجدني عبدي ). أما قلت له: أنت الملك الحاكم يوم الدين، هذا تمجيد أو لا؟ تمجيد.( وإذا قال العبد: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] )، ماذا يقول الله؟ ( قال: هذا بيني وبين عبدي )، بيننا نصفين: لنا العبادة، وله العون عليها.( وإذا قال: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7]، قال الله تعالى: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل )، الله أكبر! أي نعمة أعظم من هذه النعمة! وإذا عندكم نعم أعظم دلوني عليها؟!ومع هذا تجدنا معرضين إعراضاً كاملاً، نبحث عن الملاهي والملاعب والمساخط والملاعن، كأننا لسنا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، فلا إله إلا الله.

تفسير قوله تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين)
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

معنى كلمة (إياك)

قال تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5].كلمة (إياك) هذا ضمير نصب، والضمائر في النحو: ضمائر رفع، ضمائر نصب. وضمائر النصب هي: إياك، إياكما، إياكم، والمؤنثة تقول لها: إياكِ، والمثنى: إياكما، وجماعة النسوة: إياكن، وهذا خطاب للحاضر، أما الغائب: إياه، إياهما، إياهم، نقول: إياهن دعوت للغيبة.فإياك ضمير نصب: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5].هل (إيا) هي الضمير أو الكاف: (ك)؟اختلفوا، والصحيح الذي لا نعدل عنه أن (إياك) هي الضمير للواحد، فلا نفصل (إيا) عن الكاف، والخلاف وسعوه لكن بدون طائل ولا فائدة.وقد سبق أن قلت لكم قال: قولوا: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، (إياك) هذا الضمير يدل على أننا خصصنا الله تعالى وأفردناه بالعبادة، (إياك) وحدك لا شريك معك نعبد، أرأيتم لو قلنا: اللهم إنا نعبدك، جائز أن نقول بعده: ونعبد معك فلاناً وفلاناً؟ الباب مفتوح.لكن هذه الصيغة صيغة حصر وقصر، فإذا سمعها العربي: إياك أعني، يفهم أنه ما أراد غيره قط، ولم يخطر بباله سواه، لكن إذا قال: أريدك وعمك معك أو عبدك، هذه ليست صيغة حصر وقصر. إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5] لم يقل: (إياك أعبد) بل قال: (نعبد) من أنت يا فلان حتى تقف هذا الموقف.إن لم تكن في جماعات المؤمنين من الأنبياء والمرسلين والصالحين كيف تخاطب الله وحدك! ما تقدر وما تستطيع، بل ذب في الجماعة، وتكلم باسم أمة الإسلام في الأولين والآخرين: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5] نحن العبيد الأذلاء الأرقاء لك، نعبدك وحدك.وفي هذا: إعطاء عهد لله بأن لا نعبد سواه، كيفما كانت الأحوال والظروف، عاهدنا ربنا -وهو الذي علمنا هذا- أن لا نعبد سواه أبداً، ومن عبد غيره من المؤمنين خان عهده ونقضه، ويا ويله، فإياك وحدك نعبد -نحن العبيد المؤمنون- ولا نعبد غيرك.

مفهوم العبادة وأنواعها

ما معنى نعبدك؟قد تقول: نذل لك ونخضع؛ لأن هذا اللفظ يقال: مأخوذ من عبَّده يعبده تعبيداً إذا ذلـله، ومنه: تعبيد الطرق، كانت بالحجارة وكانت بالمنخفضات والمرتفعات، عبدوها بأن ذللوها بالآلات حتى أصبحت مستوية، فلا بأس أن نقول: إن لفظ العبادة مأخوذ من هذا المعنى، فنحن نعبدك، نذل لك، ونخضع وننكسر بين يديك، وهو كذلك.والعبادة أنواع، ويجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يعرف هذه العبادات، وإلا كيف يعبد ربه، فاعرف ما تعبد الله تعالى به معرفة يقينية حتى تعبده به، وتذل بين يديه، وتخضع له بفعل ذلك الذي تعبده به أو بقوله أو باعتقاده.إذاً: العبادات أنواع، ومنها على سبيل الوضوح: الصلاة، فالصلاة عبادة تعبدنا الله بها، إذ قال: أقيموا الصلاة، فالعبد إذا دخل في الصلاة دخلها ذليلاً منكسراً بين يدي ربه، يؤدي ما عاهده عليه، وإياك يا عبد الله أن تسلب بعضها بالغفلة والإعراض والتفكر في الدنيا ولهوها، بل يجب أن تؤديها كاملة فما تنقصها، فمن دخلها ثم غفل عن موقفه مع ربه، وانتقل تفكيره إلى بيته .. إلى متجره، في كذا، فقد نقض العهد، وما عبد الله العبادة المطلوبة، فلهذا ورد: ( أن من المصلين لا يكتب له إلا ربع الصلاة ).وبمعنى واضح: إذا لم تكن حاضر القلب، وأنك بين يدي الرب تتكلم معه، وتغفل وتذهب بعيداً وإن كنت تنطق بالقراءة أو بالتكبير أو بالتسبيح ما يكتب لك، فما أنت مع الله، وهذا الموقف من أصعب المواقف، فإذا لم تروض نفسك رياضة خاصة لن تكسب هذا الميدان، وأنتم علمتم أنه لا يوجد في العبادات المتنوعة المتعددة عبادة من شأنها أن تولد طاقة النور في القلب أكثر من الصلاة أبداً، ولا توجد عبادة كالصلاة تولد النور المعبر عنه بالحسنات، ولِم سميت حسنات؟ لأن النفس البشرية تحسن بها وتجمل، وتطيب بها وتطهر، وما آلة التوليد؟ هي إقام الصلاة، فلابد من الخشوع: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2]، وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90]، إذ لا يتم معنى العبادة إلا مع الخشوع والانكسار بين يدي الله.كذلك الصيام عبادة، فالصائم ممسك عن الطعام والشراب وعن الشهوة الجنسية -كما يقولون- من أجل من؟ من أجل الله، فهو في عبادة، فلا يفسدها باللهو والباطل، وبالغيبة والنميمة، وبالإساءة والذنب والظلم: ( الصيام جنة كجنة أحدكم في القتال، ما لم يخرقها، بِم يخرقها يا رسول الله؟ قال: بالغيبة والنميمة ).وكذلك الحج عبادة من أشرف العبادات، تغسل صاحبها غسلاً، وتخرجه كيوم ولدته أمه، لا ذنب عليه بالمرة، بل تحول ذنوبه إلى أنوار الحسنات، متى يتم له هذا؟ إذا ذلّ وانكسر، وعبد ربه بها عبادة الأذلاء الأرقاء بين يدي الله، ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من حج هذا البيت ولم يرفث ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ).
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

علامات قبول العبادة

عندنا لطائف: كيف تعرف أنك طهرت يا بني؟ أي: ما الدليل على أنك خرجت من الحج كيوم ولدتك أمك؟تعرف ذلك:أولاً: بأنك عبدت الله بما شرع، فأديت الحج -وهي عبادة- على النحو الذي شرع الله على لسان رسوله، فما زدت ولا نقصت، ولا قدمت ولا أخرت، إذ التقديم والتأخير في أجزاء العبادة يفسدها، ويبطل عملها، فلا تنتج الطاقة، ولا تولدها، والدليل على ذلك سل الفقيه: يا فقيه! قد قدمت كذا على كذا، أو زدت كذا، سيقول لك: يا ولدي! حجك باطل. كيف باطل يا شيخ؟ سيقول: قالت العلماء: باطل، لكن عندنا نحن نقول: ما أنتج لك الطاقة، وما ولد لك النور، فما فائدة ذلك الحج! تعبت فقط، بلا أجر ولا مثوبة.إذاً: إذا أنت قصدت بهذه العبادة رضا ربك، تنفيذاً لوعدك له: إِيَّاكَ نَعْبُدُ ، فعبدته بها كما شرعها، مخلصاً صادقاً لا تلتفت إلى غيره، فهنا تعرف أنك نجحت.والبرهنة الحقيقية أنك إذا فرغت من الحج تجد نفسك غير ذاك الذي أقدم على الحج، حتى يصبح أهل القرية يسمونك الحاج: هذا الحاج فلان، لِم؟ ما أصبح يكذب، ولا يظلم، ولا يخون، ولا يتكبر، ولا يمنع خيراً، ولا يجحد معروفاً، ولا .. ولا، تغير رأساً على عقب، فطاب وطهر نتيجة تلك العملية القوية التي قضى فيها الشهر أو ما يقاربه وهو مع الله في الليل والنهار، فما بقي في قلبه ولا في نفسه دنس ولا ظلمة.أما أن ينهي هذه العبادة ويدخل في أودية الضلال فيكذب، ويحلف بالباطل، ويلعب بالورق، ويأكل كذا، ويتكلم كذا، فأين آثار تلك العبادة؟ لا أثر لها، لِم؟ لأنه ما أداها على النحو الذي شرع الله من أجل أن تثمر الزكاة وتطيب القلب والنفس.إذاً: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5] أي: بما شرعت لنا من أنواع العبادة في كتابك القرآن العظيم، وعلى لسان النبي الأمين محمد صلى الله عليه وسلم.فإياك أن تكذب على الله وتقول: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5] بالبدع والخرافات.هل هذه عبادة أن يجتمع أناس على بدعة أربعاً وعشرين ساعة ويخرجون أصفار اليدين، آلله تعبّدكم بهذه؟ قالوا: لا، إذاً: لِمَ؟ قالوا: نعبد الله. هذه عبادة باطلة، وكذبوا على الله.وافهموا: أن العبادة سواء كانت من أعمال القلوب، أو من أعمال الألسن أو الجوارح، هذه العبادة إذا لم تكن مما شرع الله وبيّن، وعلّم رسوله صلى الله عليه وسلم وفسر وشرح، وبينها للناس، فلن تكون عبادة تزكي النفس وترضي الله تعالى أبداً بحال من الأحوال.ثانياً: إذا لم تراعِ زمانها ومكانها الذي شرعت فيه، وكيفيتها بأن لا تزيد ولا تنقص، ولا تقدم ولا تؤخر، فإنها وإن كانت مشروعة ما تنتج لك الطاقة، ولا تولد لك الحسنات أبداً.أما إذا لم تكن مشروعة فأمرها واضح، فمن عبد الله بغير ما شرع، فهو إن لم يكن كافراً فهو مشرك أو ضال.العبادات أنواع يجب أن نعرفها من الكتاب والسنة ومن أفواه العالمين، إذ قال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، أما أن يعيش الرجل والمرأة أربعين، وخمسين، وستين سنة، ما يعرف ما معنى العبادة، ولا أنواع العبادة، أين كان؟من يعلن فقره وحاجته إلى غير الله عز وجل فقد عبد غير الله، وخان أمانته، ونكث عهده عندما قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5]. ومن الذي علمك هذا القول؟ الله هو الذي قال: قولوا كذا وكذا: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5]. علمنا التوحيد ثم نشرك؟ ننقض عهدنا؟!انتبهوا: الدعاء عبادة، والرسول هو الذي يقول صلى الله عليه وسلم: ( الدعاء هو العبادة )، وورد: ( الدعاء مخ العبادة )، إذا نزعت المخ من رأس الحيوان هل بقيت حياة؟ انتهت، مات، فكذلك الدعاء عبادة، وإذا دعوت غير الله انتهى أمرك.العبادة تطلق ويراد بها الدعاء والصلاة وكل أنواعها، وإن كان معناها اللغوي: الذلة والمسكنة بين يدي الله، لكن كيف تذل وتتمسكن؟ الجواب: بقيامك بتلك العبادات القولية أو العملية.( الدعاء عبادة ) فالذين يدعون غير الله نقضوا عهدهم، وتعرضوا لنقمة الله وغضبه عليهم إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5].
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

طلب العون من الله على أداء العبادة

ثم -وإن علَّمنا هو فقال: قولوا هذا: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5] وقد هيأنا لذلك- هل في استطاعتنا أن نفي لله بأن نعبده؟الجواب: هل من عرف الحج أداه؟! هل من عرف الصلاة أقامها .. هل.. هل؟ لابد من الافتقار إلى الله، إن لم يكن عون لنا منه ما استطعنا، هو الذي علمنا أو لا؟ فهو يعلم: أننا إذا لم نطلب عونه في صدق، ويبذله لنا ويعيننا ما نحقق وعدنا له: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5]، أو تشكون في هذا؟ كم من مؤمن ما يصلي، أليس كذلك؟ كم من مؤمن لا يزكي، وكم.. وكم، فقدوا العون، وما طلبوا العون من الله فأعانهم.وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لـمعاذ بن جبل رضي الله عنه الأنصاري الشاب، الفقيه، الوالي، القاضي، الذي بعث به إلى اليمن، قال له: ( يا معاذ والله إني لأحبك ) حلف له، آه لو كنت أنا، وكل واحد منكم يقول: آه لو كنت أنا، فوالله إنها لخير من الدنيا بما فيها، ويا ليتنا في النوم فقط نرى رؤيا، فنرى الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول: والله إني لأحبك يا فلان، فكيف تصبحون بعد هذه الرؤيا؟ بعض المؤمنين يصبحون: الذبائح .. الطعام للفقراء والمساكين، والله العظيم فرحاً بنعمة الله .. أعظم عرس هذا، أي حفلة أعظم من هذه؟ فهذا أراه الله رؤيا وبشره بها قبل موته.وما من مؤمن صادق الإيمان، ولا مسلم حسن الإسلام إلا ويرى رؤيا يبشره الله تعالى فيها بالجنة قبل أن يموت، واقرءوا: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، من هم؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]، كم شرط للولاية؟ شرطان: الإيمان الحق الصحيح، والتقوى الحق لله رب العالمين، بفعل الأمر واجتناب النهي، بهذا تتحقق الولاية.ثم قال تعالى: لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ [يونس:64]، انتبه! من يمحو ما كتب الله، ومن يبدل أو يغير ما كتب الله في كتاب المقادير: لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ [يونس:64]، والله ما من مؤمن تقي ولا مؤمنة تقية إلا ويبشر بهذه الرؤيا قبل أن يموت في الدنيا.إذاً قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، أي: لا أطلب عون أحد سواك؛ لأن الحصر واضح في إياك نعبد وإياك نستعين ما قال: إياك نعبد ونستعين بك، لأن معناه أنك فتحت الباب لأن تستعين بغير الله أيضاً، لكن صيغة الحصر وإياك نستعين تعني: لا أطلب عوناً ولا مساعدة من غيرك، وفي حديث معاذ : ( والله يا معاذ إني لأحبك فلا تدعن -أي: لا تتركن- أن تقول دبر كل صلاة ) وهل للصلاة من دبر؟ دبر الشيء مؤخره، أليس كذلك؟ فدبر الصلاة آخرها بعد السلام منها: ( أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك )، وما الذكر ولا الشكر إلا جزءا العبادة، ولفظ العبادة عام، فكل ما أطعت به الله متذللاً بين يديه، ممتثلاً أمره، راغباً في إحسانه، هارباً خائفاً من عذابه، فهو العبادة.ولو سلمت وقمت هارباً لعملك في الطريق وأنت تمشي قل: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. فإنك إن عدمت عون الله، والله ما استطعت ولا قدرت على عملك، فتذلل لله عز وجل، واسأله أن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته، وحسن العبادة تأديتها على النحو الذي عرفت، مستوفاة الشروط والأركان والآداب، أي: كما بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذلك حسنها، فقد تؤدي الصلاة ولا تنتفع بها؛ لأنك أسأتها، وما أديت المطلوب، وما أحسنتها.(اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) هذه الدعوة بعد كل صلاة، إن شئت في الفرائض فقط، وإن عممت في النافلة أو السنة فهو خير، صليت قل فيها هكذا، أو قبل أن تسلم أيضاً، فدبرها يدخل فيها جزء من آخرها، وإن قلت بعد الصلاة فذاك.إذاً: هل يجوز لنا أن نستعين بإبراهيم أو عثمان بالتعاون على خشبة كبيرة: تعال من فضلك أعني؟ يجوز. لكن يجوز، وأين القلب؟ هنا، يجب أن يكون قلبك مع الله، إذ الله هو الذي خلق إبراهيم وأعطاه قوته البدنية، وقربه منك حتى رآك ورأيته، وأسمعه صوتك، وبعث به ليحمل معك، فمن الفاعل على الحقيقة؟ الله.فيجوز أن تستعين بما أذن لك أن تستعين به من عباد الله، ولكن لا يجوز أن تستعين به على المعصية، كأن يحمل معك برميل خمرة: تعال ادفعها معي، تستعين به على المعصية!إذاً نستعين بالله وبما أذن لنا من عبيده على عبادة الله، فإياك نعبد وإياك نستعين على العبادة، حتى نؤديها كاملة، وحتى نوفر بها لأنفسنا حاجتها من الزكاة والطهر.إذاً: فالذين يطلبون العون على معصية الله خانوا الله، وما فهموا: وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، أي: نطلب العون منه تعالى على العبادة، فنقوم بها ونؤديها على أكمل الوجوه.وإن قلت: يا شيخ! وهل كيس الرز عبادة حتى نستعين بالله على حمله إلى البيت؟الجواب: نعم، هذا عندنا عبادة، لأنك تريد أن تطعم به أم أولادك، وتطعم أولادك في ذلك البيت، وأنت المسئول عن قوتهم وتغذيتهم، فأنت مطيع في ذلك لله، فقد أمرك الله بالإنفاق عليهم، إذاً: هذا عبادة، فاستعن بالله تعالى على تحقيقها.ولو كان في يده مسحاة يضرب بها الأرض: بسم الله، طالباً العون من الله، فهل هذه عبادة؟إي عبادة، فهو يريد أن يحرث أرضه لينتج البر أو الشعير أو الفلفل والتوابل، من أجل -أيضاً- أن يتغذى ويغذي أهله، وما زاد باعه ليشتري به ثوباً يستر عورته، أو كساء يغطي به امرأته، فنحن ما خرجنا عن دائرة عبادة الله أبداً منذ أن عرفنا الله إلى أن نلقاه.فلهذا يا عبد الله! أنت تاجر أو فلاح أو صانع إياك أن تغش في عملك، أو تخدع فيه غيرك، أو تطلب له الحرام، هذه عبادة لا تنفعك أبداً إلا إذا أديتها كما بينها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg

ابوالوليد المسلم 29-06-2020 04:04 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الفاتحة - (6)
الحلقة (6)


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg


اشتملت سورة الفاتحة على مقاصد القرآن، ولهذا سميت بـ"أم القرآن" وكان مما اشتملت عليه تعليم المسلم الدعاء لله بأن يهديه الصراط المستقيم، أي الواضح وهو الإسلام، وبينت السورة أن هذا الصراط قد سبق إليه أناس وهم: النبيون والصديقون والشهداء والصالحون ممن أنعم الله عليهم بنعمة الإيمان، ويقابله الصراط غير المستقيم، وهو صراط المغضوب عليهم والضالين.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة الفاتحة

الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على عهدنا بسورة الفاتحة، فتح الله لنا ولكم أبواب الخير والهدى، آمين، وقد انتهى بنا الدرس إلى قول الله تعالى: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7].وأعيد بإيجاز ما سبق أن درسناه؛ تذكيراً للناسين وتعليماً لغير العالمين.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

كيفية حمد الله والثناء عليه

لقد علمنا أن الله عز وجل امتن علينا وتفضل، فله الحمد والمنة إذ أنزل هذه السورة وعلمناها، وقال لنا: قولوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:2-7].إذاً: علمنا كيف نحمده ونثني عليه ونمجده؛ لأن الله أهل لذلك، كيف وهو رب العالمين، وهو الرحمن الرحيم، وهو المالك ليوم الدين. كما علَّمنا الله كيف نتملقه، ونتزلف إليه، ونقول في صدق: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5]، أي: لا نعبد إلا أنت، ونحن عابدون لك، ولا نعبد معك سواك، وبك نستعين فلا نطلب العون من غيرك؛ إذ لا يعين إلا أنت، فأنت وحدك المعين.وقد علمنا حديث معاذ كيف نسأله تعالى دبر كل صلاة: ( اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ). ومن لم يعنه الله ما وصل أبداً، ولا فاز، ولا عمل، ولا نجح، وإننا مفتقرون إلى عونه؛ إذ هو الذي يصرف الموانع، وهو الذي يسبب الأسباب، وهو الذي يهدي إليها، ويسوق عبده حتى يقوم بعمله على الوجه المطلوب، فينجح فيه، ويكسب زكاة نفسه، وطهارة روحه.

تفسير قوله تعالى: (اهدنا الصراط المستقيم)
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

قال تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] علمنا كيف نطلبه أن يهدينا، يرشدنا، يدلنا، يصل بنا إلى الصراط المستقيم، الذي من سلكه واستقام عليه نجح، وفاز، ونجا من النار، ودخل الجنة، وقد عرفنا أنه الإسلام، فهو دين الأولين والآخرين؛ من آدم عليه السلام إلى يوم الدين، فلا صراط يسلكه السالكون فيفوزوا برضا الله وجواره إلا الإسلام.وما هو الإسلام؟الإسلام: أن نسلم -بمعنى نعطي- قلوبنا ووجوهنا لله، فتكون حياتنا كلها وقفاً على الله.وكثيراً ما بينت لكم: نصلي لله ونصوم، ونبني المنزل لنسكنه لله، ونهدمه إذا أراد أن ينهدم لله، ونتزوج، نطلق، نبيع، نشتري، نسافر، نقيم.. كل حياتنا لله. هذا هو الإسلام، فنسلم القلوب والوجوه لله، وقد جاء هذا في كتاب الله من سورة الأنعام قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ [الأنعام:162-163] أبقي شيء؟ دلوني على شيء يخرج عن الحياة؟هذا هو الصراط المستقيم: أن تكون كلك لله، فتنطق باسمه، وتسكت من أجله، تعطي له، وتمنع من أجله.. وهكذا، هذا هو نظام حياتك.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

تفسير قوله تعالى: (صراط الذين أنعمت عليهم)

قال تعالى: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] هنا بيان، وتفسير، وشرح للصراط المستقيم، هل سلكه سالكون قبلنا؟ نعم. هل اشترط رجالاً ونساءً قبلنا؟ نعم. من هم؟ هم الذين أنعم عليهم صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7].وقد جاء بيان هؤلاء في قول الله تعالى من سورة النساء: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ [النساء:69] (ومَن) من ألفاظ العموم، يدخل فيها الذكر والأنثى، والأبيض والأصفر، والأول والآخر .. يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ محمداً صلى الله عليه وسلم فَأُوْلَئِكَ أي: المطيعون لله والرسول مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [النساء:69] وسنبين إن شاء الله هذه النعمة العظيمة التي أنعم بها عليهم.والآن من هم يا رب؟ قال: مِنَ النَّبِيِّينَ [النساء:69] فمن هذه بيانية، مِنَ النَّبِيِّينَ جمع نبي، وهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، منهم الرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر أو أربعة عشر أو خمسة عشر. وَالصِّدِّيقِينَ [النساء:69] وعلى رأسهم أبو بكر الصديق ، وكل من صدق في عمله وحديثه وقوله، وتحرى الصدق ولازمه حتى الموت صديق بين الصديقين. وَالشُّهَدَاءِ [النساء:69] جمع شهيد، ومن قتل في ساحة القتال لأجل إعلاء كلمة الله، ومن أجل أن يعبد الله وحده فهو الشهيد. وَالصَّالِحِينَ [النساء:69] من هم الصالحون؟ الذين أدوا حقوق الله كاملة في حدود قدراتهم وطاقاتهم، وأدوا حقوق عباده كاملة لم ينقصوها، ولم يبخسوها.. أولئك هم الصالحون.فهؤلاء نسأل الله -وهو الذي علمنا- أن يهدينا صراطهم الذي سلكوه، ففازوا، ونجوا من عذاب الله، ودخلوا رضوانه في دار السلام.إذاً قوله: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] قد بينهم تعالى لنا في سورة النساء: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا [النساء:69-70].فعلمنا أن نسأله الهداية والثبات عليها في سلوكنا في هذا الصراط المستقيم الذي سلكه مَن قبلنا النبيون والصديقون والشهداء والصالحون.

النعم التي أنعم الله بها على عباده


لكن ما هي هذه النعمة التي أنعم بها عليهم؟أولاً: لفظ النعمة اسم جنس، تحته أفراد لا حد، ولا حصر لهم، كقوله تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34] فإن كانت نعمة واحدها كيف ما نحصيها؟ نعمة البصر معروفة، لكن المراد منها أفرادها بالمليارات كلفظ الإنسان واحد، فالإنسان اسم جنس تحته بليارات من الأفراد.هذه النعمة هنا فتح الله علينا فيها، وتكلمنا وبينا، ونحن إن شاء الله على علم وعلى حق، وهي أنها نعم وليست نعمة واحدة.

النعمة الأولى: نعمة الإيمان
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

النعمة الأولى: نعمة الإيمان، الذي هو ضد الكفر والعياذ بالله، وضد التكذيب والإنكار والجحود.والإيمان هو: التصديق بالله، وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقضاء والقدر، وبكل ما أمرنا الله تعالى أن نصدق به سواء كان معقولاً أو غير معقول، وراء العقل أو فوقه أو أمامه. فإذا أمرنا الله تعالى أن نؤمن بشيء -بمعنى نصدق- آمنا به، وإن قالت المجانين: هذا وراء العقل.ونعمة الإيمان هي من أعز النعم، وأعظمها، وأجلها، وأفضلها، وأبركها، وهي بمثابة الروح للجسد، فهل تتم حياة بدون روح؟ لا والله، لن تكون، وما تكون.إذاً: الإيمان بمثابة الروح، والروح أغلى شيء وأنفسه وأعزه.إذاً الإيمان نعمة عظيمة، وهذه النعمة توهب ولا تطلب، فهناك فلاسفة، حكماء، علماء في الكون، في الذرة، في كل مجالات الحياة ما آمنوا، وماتوا وما نفعهم علمهم في الفلك، ولا في النبات، ولا في الإنسان، ولا في الذرة ولا .. ولا ..؛ لأن نعمة الإيمان توهب، وواهبها هو الله جل جلاله، ولما لم يهبها لـأبي طالب مات على الشرك، والرسول صلى الله عليه وسلم بين يديه يقول له: ( قل: (لا إله إلا الله) كلمة أحاج لك بها عند الله )، لو كان الإيمان يكتسب لآمن أبو جهل عمرو بن هشام ، لآمن أبو لهب ، لآمن ولآمن .. الإيمان نعمة إلهية، وعطية ربانية، ومن أعطيها فليكثر من حمد الله والشكر لله على هذه النعمة؛ فإنها توهب ولا تطلب.وليس معنى هذا أننا نقول للناس: لا تتفكروا في خلق السماوات والأرض، ولا في الحياة والأكوان، لأن هذا كله يدعو إلى تقوية الإيمان وتثبيته في النفس، وتصديقه بالقلب، لكن كونك آمنت هذه نعمة الله.إذاً: النعمة الأولى هي نعمة الإيمان بكل ما أمرنا الله أن نؤمن به، أي: نصدق بوجوده وحقيقته. فهذه النعمة أنعم الله بها على أولئك المواكب أو لا؟

النعمة الثانية: نعمة معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته

النعمة الثانية: نعمة معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته، هل بين أولئك المواكب من لا يعرف الله؟ مستحيل، كيف أطاعوه وهم لا يعرفونه؟! كيف أحبوه وهم لا يعرفون جماله ولا كماله؟! كيف خافوه ورهبوه وهم ما عرفوا قدرته ولا عمله ولا سلطانه؟ مستحيل.وهذه النعمة تطلب أو توهب؟ تطلب، فعليك أن تسأل أهلها، وتقرأ في كتبهم حتى توجد هذه النعمة في نفسك، وهي أن تعرف الله كما تعرف أباك وأمك، كما تعرف نفسك، كما تعرف الناس بين يديك، فتحفظ أسماءه، وتعرف صفاته كاملة، وبذلك تتجلى تلك المعرفة في قلبك فتثمر وتنتج لك، وتولد لك -يا عبد الله- فائدتين:الأولى: الخوف منه، فإذا أردت أن تتحرك حركة مما نهاك أو حرم عليك تخاف وترتعد فرائصك، وما تقدر. فالخوف من الله يتولد عن معرفة الله، ومن عرف سلطان الله وقدرة الله، وإحاطة الله بكل الكون، وأن بيده أرواح العباد، وبيده أرزاقهم، خافه وارتعد منه.الثانية: أن ينتج لك حبه تعالى، فتصبح تحب الله أكثر من نفسك، أكثر من أمك وأبيك، أكثر من مالك والناس أجمعين.فلهذا الذي لم يجد في قلبه خوفاً من الله، ولا حباً له فليس بمؤمن .. فليس بمؤمن.أما الخوف فقد قال تعالى من سورة فاطر: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] فقصر خشيته عليهم بأداة القصر، فلا يخشى أحد الله إلا العلماء، والعلماء هم الذين عرفوا الله بأسمائه وصفاته معرفة يقينية كاملة تنتج لهم الخوف منه، فترتعد فرائصهم عند ذكره، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال:2].إذاً: النعمة الثانية: نعمة معرفة الله تعالى، وهذه النعمة تطلب، فلا تنام وتصبح تحب الله وتخشاه، بل لا بد أن تتعرف إلى الله، فتسأل فلاناً وفلاناً، وتنظر في الكون والذرة والكائنات؛ حتى يتجلى لك علم الله، وقدرته، وحكمته، وسلطانه ورحمته.. وبذلك تخافه وتحبه، وفي الحديث الصحيح: ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ) فلا يبلغ أحدنا درجة الإيمان ويصدق عليه أنه المؤمن حتى يكون الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أحب إليه مما سواهما، لا امرأة، لا ولد، ولا وظيفة، لا دنيا ..، لا لا.فهذه النعمة اطلبوها، ومن أراد أن يطلبها في صدق فهناك كتاب الله تَعرَّف فيه إلينا حتى عرفناه، وهناك كتاب الكون، فانظر إلى الملكوت الأعلى وأدم النظر في السماء وكواكبها وأفلاكها، والرياح وعواصفها، والأمطار وآثارها، وانظر إلى الأرض وما فيها من أودية وأنهار وجبال وأبحار، وإنس وجن و.. و.. هذه المخلوقات تدل على خالق عظيم جليل كريم رحيم، يجب أن يحب، وأن يعظم ويبجل، وأن يخاف ويرهب؛ لهذه العظمة، إلا إذا كنا مجانين لا عقول لنا، فهذا شيء آخر.والمعهود بنا لو أن أحداً قدم لك كأساً من الشاي فإنك تحبه .. ولوأعطاك ريالاً أو عشرة ريالات وأنت محتاج إليها فإنك تجله، فما بالك تنسى الذي أعطاك كل شيء ولا تحبه ولا ترهبه ولا تخشاه.هذه هي الحقيقة وإن كانت مرة فلا بد منها.إن الجهل بالله تعالى هو الذي سبب الفسوق، والفجور، والعصيان، والكفران، والشرور، والمفاسد .. وأنواع الأخباث كلها ناتجة عن شيء واحد هو أنهم ما عرفوا الله، ولا يعرفونه، فما أرادوا وما طلبوا ذلك، وما بحثوا ولا استقصوا ولا سألوا، بل يعيشون في دنياهم كالبهائم أنى لهم أن يعرفوا الله، فهل الذي لا يسأل ويبحث يعرف؟!يا أبنائي! النعمة الثانية توهب أو تطلب؟ تطلب، ابحث، اسأل، وقد قلت لكم: هذا كتاب الله يتعرف فيه إلينا نحن الناس، اسمع في آيات البقرة الأولى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ [البقرة:21] خطاب لنا أو لا؟ أبيضنا وأسودنا يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21] من ربنا؟ الَّذِي خَلَقَكُمْ [البقرة:21] هل هناك من يقول: أنا لست مخلوقاً؟ إذاً والله ننهال عليه بالضرب، ما أنت مخلوق، ماذا أنت؟ حجر، أنت مخلوق، من خلقك؟ الله، اسأل وتعرف إليه، فأنت مخلوق الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21].ثم قال: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ [البقرة:22] هذه آية من آلاف الآيات، والذي لا يقرأ هذا الكتاب في خلوته، يضعه بين يديه أو يقول لأخيه: يا أخي! تعال اقرأ علي، اجلس معه في سارية من سواري المسجد، أو في زاوية من زوايا بيتك، أو تحت شجرة، أو في ظل جبل وقل: اقرأ عليَّ القرآن حتى أعرف ربي. لكن أنك لا تقرأ، ولا تطلب من يقرأ عليك، فكيف تعرف؟ ومن قال: وما الدليل على ذلك؟ أمة العالم هابطة، سببها: ما عرفت الله، فهي في متاهات الضلال والشر والفساد، حتى ولو انتسبوا إلى الإيمان.


النعمة الثالثة: نعمة معرفة ما يحب الله تعالى وما يكره

أما النعمة الثالثة فهي نعمة معرفة ما يحب الله تعالى وما يكره.فهل يعقل يا أبناء الإسلام أن عبداً آمن حق الإيمان وعرف الله بصفات الجلال والكمال، ثم لا يسأل عما يحب الله وما يكره؟ يعقل هذا؟! عرفت الله وعرفت جلاله وكماله لكن بدون أن تسأل عما يحب ولا ما يكره، بل تفعل ما تحب! فهذا أعلن الحرب على الله.لا بد -وهو من الضروريات- لمن آمن وعرف الله أن يعرف ما يحب الله وما يكره؛ حتى لا يقع في خصومة مع الله، الله يحب كذا وهو يحب كذا، الله يكره كذا وهو يكره .. كيف يعبده؟ كيف تتم ولايته؟معاشر المستمعين والمستمعات! من هنا كان طلب العلم فريضة، وهل هناك من ينقض هذا الكلام؟ الآن ما أصبحنا نقدر على نقضها، فلا بد من معرفة ما يحب الله وما يكره؛ حتى تأتي المحبوب وتقدمه له، وتطيعه فيه؛ لأنه يحبه وهو سيدك ومولاك، إلهك ومعبودك، مربيك وذو نعمتك .. كيف لا تعرف ما يحب حتى تقدم له المحبوب؟ويجب أن تعرف ما يكره حتى من نظرة أو كلمة من أجل أن تبتعد عنها وتتجنبها ولا تأتيها، حتى لا تغضبه عليك وتسخطه، فتخسر كل حياتك.وقد كررنا أن معرفة ما يحب الله وما يكره تعني ما يحب من الاعتقادات، والأقوال، والأعمال، والصفات والذوات، وهذا العلم قد عرفه الصالحون والصالحات، والذي ما عرف يجب ألا ينام الليلة أبداً، يقرع الأبواب من عالم إلى عالم: علموني ما يحب ربي، ومن اتقدت شعلة الإيمان في قلبه والله ما يقوى أن ينام الليلة وهو لا يعرف ما يحب الله ولا ما يكره، كيف أعيش؟ لعلي أفعل ما يكره، ولعلي أنا تارك ما يحب! يا ويلي.معاشر المستمعين والمستمعات! واقعنا شاهد على ما نقول، أكثر أهل لا إله إلا الله من المسلمين ما عرفوا محاب الله ولا مساخطه لا في الاعتقاد، ولا القول، ولا العمل، ولا الصفات، ولا الذوات، ولهذا يخبطون ويخلطون .. فهذه النعمة تطلب بالكد والجد والرحلة إلى الصين والشام والشرق والغرب؛ حتى تعرف ما يحب الله من الكلام والقول والعمل، وما يكره من ذلك.وأمرنا هذا لا يتطلب أبداً أكثر من أن يجلس أهل المسجد في القرية أو الحي كل ليلة، وطول حياتهم في بيت ربهم يتعلمون محاب الله، وكيف يقدمونها له، ويتعلمون مساخط الله وكيف يتجنبونها ويبتعدون عنها بتعاونهم، وهم أهل قرية واحدة أو حي واحد، وبدون هذا لن يعلموا، واسألوني، فهذا هو الطريق، لكنهم أعرضوا عنه، وأغلق الباب في وجوههم.أرأيتم هذه الحلقة؟ غمض عينيك وتصور أنها واجبة في كل مسجد في المدينة، سواء كانت لندن أو مدينة محمد صلى الله عليه وسلم، ففي كل مدينة فيها أحياء يجتمعون هذا الاجتماع بنسائهم وأطفالهم ورجالهم كل ليلة وطول العمر؛ حتى يعرفوا الله معرفة تكسبهم خشيته وحبه، وحتى يعرفوا ما يحب الله، وما يكره الله، وينهضون بالمحبوبات ويقدمونها، ويجتنبون المكروهات ويبتعدون عنها، وبذلك تتحقق لهم ولاية الله.يقولون: ما هو ممكن هذا، ما هو ممكن! كيف ما هو ممكن؟إن الذين اقتدينا بهم وقدسناهم من اليهود والنصارى والمشركين إذا فرغوا من العمل الساعة السادسة يذهبون إلى الملاهي والمقاهي والمراقص، يخففون على أنفسهم، ويتركون العمل، وأنتم لا! يقال: ما هو ممكن! لمَ ما هو ممكن؟ كيف ترقى السماء، وتنزل الملكوت الأعلى وما تبذل أرخص الأشياء؟ وما تجلس بين يدي ربك ساعة تتملقه بجلوسك في بيته فضلاً عن أنك تتعلم ما يجب أن تتعلم.هل هذا واقع المسلمين من أندونيسيا إلى موريتانيا يجتمعون في بيوت الله كل ليلة بنسائهم وأطفالهم ليعرفوا الله ما يحب وما يكره، أسألكم بالله موجود؟ لا. إذاً كيف يرجى لهم أن يفوزوا أو يسعدوا أو يكملوا؟ بالأوهام والظنون؟!فهذه النعمة تطلب بالكد والجد والعمل المتواصل، وأنت تسأل وتتعرف على الله حتى تعرفه، وتعرف ما يحب وما يكره، وكيف تأتي المحبوب، وكيف تتجنب المكروه.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

النعمة الرابعة: نعمة التوفيق الإلهي لعبده المؤمن

النعمة الرابعة هي: نعمة التوفيق الإلهي لعبده المؤمن الذي عرف الله، وعرف محابه ومكاره، فلا تستغنِ عن الله وتقول: أنا ما كنت أعلم، والآن عرفت. والله إن لم يعنك ويمدك ما استطعت.بعضهم يعرف أن الخمر حرام ويشربه، أليس كذلك؟ ويعرف أن السرقة حرام وهو كاللص يترقب ليسرق، ويعرف أن الزنا حرام ويزني، ويعرف أن الربا حرام ويأكله ويبتلعه، ويعرف أن اغتياب المؤمن حرام ويغتاب ويمزق أعراض المؤمنين، يعرف.. يعرف.. يعرف، لمَ؟ لأنه حرم توفيق الله عز وجل، فهذه النعمة هي نعمة التوفيق لفعل المحبوب وترك المكروه، ومن خذله الله فلن يوفقه. وهذا ما نفعته تلك المعرفة لوجود خلل، ما هذا الخلل؟ أنه ما سأل الله أن يوفقه، وما تضرع بين يديه وطلب منه أن يسدده، وأن يصوبه، وأن يهديه الصراط المستقيم.ونعمة التوفيق لأي شيء؟ التوفيق للعمل بما عرف من محاب الله، ولترك ما عرف من مكاره الله ومساخطه.الخلاصة: أننا مفتقرون إلى الله، والنعم أربع: النعمة الأولى توهب، والنعمة الثانية تطلب، والنعمة الثالثة تطلب، والنعمة الرابعة توهب. فمن وهبه الله إياها؛ لأنه تملق وتزلف إليه فاز بها، ومعرفة هذه النعم الأربع خير من معرفة كيف تسوق (الميج) يا أبناء الدنيا، خير من أن تدير مصانع الهيدروجين في العالم.إذاً: هذا لنا، قال الله تعالى: ( هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ) وهو اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:6-7].أسألكم: من هم الذين أنعم الله عليهم ونحن نقول له: اهدنا صراطهم، الروس؟ الأمريكان؟ من هم يرحمكم الله؟ هم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون، ومنهم الأبيض والأسود، والعربي والعجمي، والأول والآخر والآتي..أنعم عليهم بماذا؟ بالذرية؟ بالأموال؟ بالجاه والسلطان؟ بالرفعة والشأن؟ أنعم عليهم بأي شيء؟بأربع نعم: الأولى: نعمة الإيمان به تعالى، الثانية: نعمة معرفته جل جلاله وعظم سلطانه، الثالثة: نعمة معرفة ما يحب وما يكره من القول والاعتقاد والعمل، الرابعة: نعمة التوفيق لفعل المحبوب وترك المكروه لله.هذه أربع نسأل الله ألا يحرمنا إياها الليل والنهار.


تفسير قوله تعالى: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين)

قال تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] إذا قلنا: هذه آية سابعة، فتكون آية منفصلة، وإذا قلنا: هي تابعة صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] فهي الآية بكاملها. غَيْرِ [الفاتحة:7] نافية، تقول: جاء الطلاب غير إبراهيم ما جاء، فغير مثل إلا، وتقول: حضر التلامذة غير عيسى ما حضر.إذاً اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:6-7] أي: اهدنا صراط من أنعمت عليهم، لا صراط المغضوب عليهم، ولا صراط الضالين.فهناك إذاً ثلاثة صرط أو أصرطة:صراط النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وهذا سألنا الله وطلبناه في إلحاح أن يهدينا ويثبتنا في السير عليه حتى نخرج إلى دار السلام.وصراط قوم غضب عليهم، وهذا نسأل الله ألا يهدينا هذا الصراط، ولا يدلنا عليه، ولا يثبتنا عليه إذا وقعنا فيه.وصراط آخر أيضاً: صراط الضالين والعياذ بالله.نسأل الله أن يهدينا صراطه المستقيم، لا صراط المغضوب عليهم، ولا صراط الضالين.

صفة المغضوب عليهم

من هم المغضوب عليهم؟ هم اليهود وغير اليهود، ولهذا لم يقل: اليهود.المغضوب عليهم: هو الذي عرف الله، وعرف محابه ومساخطه، وآثر حب سلماه وليلاه وديناره ودرهمه، ومنصبه وجاهه، فهو على علم، وهذا غضب الله عليه.هذا علم وعرف وفسدت ملكته، وسيطرت عليه شهواته وهواه، فكان يعرف ما يحب الله ولا يأتيه؛ لأنه ينقص من ماله أو من درهمه أو من جاهه أو سلطانه، فهو على علم، يعرف ما يكره الله ويبغض ويأتيه؛ لأنه يحقق له ما له أو شهوته أو هواه، ويدخل في هذا من باب المثل اليهود، والله إنهم ليعرفون أن محمداً رسول الله كما يعرفون أولادهم، ولكن إذا قالوا: محمدٌ رسول الله يجب أن يتبعوه، وأن يدخلوا في دينه، وبعد ذلك سيحرمون مملكة بني إسرائيل، وشرف بني إسرائيل، ومجد بني إسرائيل، وأملهم وحلمهم في أن يسودوا العالم و.. و..، قالوا: إذاً لا .. لا .. لا، ما نؤمن، فهؤلاء كفروا على علم.هؤلاء عرفوا الربا وهو مما يغضب الله؛ لأنه يمنع القرض والسلفة بين المسلمين والمؤمنين، ويدفع إلى التكالب على الدنيا، وعرفوا أن الله حرمه، ويبغضه ويسخط على فاعله، ولكن آثروا المال وكثرته؛ ليتحقق حلمهم في سيادة العالم فاستباحوه علناً، واليهود هم أول من أكل الربا، والبنوك الموجودة -والله- لليهود، هم مؤسسوها وبانوها، والداعون إليها، والعاملون على نشرها وتحقيقها في العالم، من يتحداني؟ الغافل لا يعرف.يتحقق من طريق المال الربوي تمزيق الأواصر، وتقطيع الصلات، ويصبح المواطنون خصوماً وأعداء، لا سلفة ولا قرض، ولا إحسان، ولا معروف ولا .. ولا ..إذاً: لا أذهب بكم بعيداً فقد ورد في الحديث أن من المغضوب عليهم اليهود، ومن الضالين النصارى، ولكن لم غضب الله عليهم؟ هل فقط لأنهم بنو إسرائيل؟ حاشا لله، وهي أمة كانت أشرف الأمم وأسماها وأعلاها، وإنما غضب الله عليهم لأنهم عرفوا ما يحب وتركوه؛ لأجل مصالحهم وشهواتهم، وعرفوا ما يكره الله بالعلم اليقيني وارتكبوه؛ لأنه يحقق مصالحهم وشهواتهم، فكل من سلك هذا المسلك مغضوب عليه.وهنا قد يقول غافل: إذاً ما نتعلم أحسن! وقد قالوها لنا: لم ما تحضرون الحلقة الفلانية؟ قالوا: ما نريد؛ لأننا إذا علمنا وما عملنا نهلك، هذا فهم؟!اعلم عسى الله أن يهديك ويوفقك وتعمل، لكن إذا ما علمت فأنت ممزق هالك بالمرة الواحدة.إذاً: قد يقول الغافل: ما هناك حاجة إلى أن نعلم، ما دام أن العلم سبب لغضب الله علينا! هذا كلام يقبل؟ ما يقبل، لأنه مغضوب عليك إذا عملت أو لم تعمل.اعلم واعمل يرض عنك وترفع، أما تقول: لا، ما نعلم ما دمنا ما نعمل! هذا كلام باطل.

صفة الضالين
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

من هم الضالون؟هم الجهلة الذين يعملون ويكدحون بدون علم، فهم ضلال لم يرضَ الله عنهم.هذا السر في ذكر الضالين، لأنه قد يقول قائل: ما دام العلم يورث سخط الله علينا وغضبه، ونصبح كاليهود، ما نعلم أحسن! يعني: تبقى جاهلاً، أنت كالضالين، الجاهل ضال أو مهتدي؟ ضال. الذي ما يعرف الطريق يسلكه؟ لا يستطيع.إذاً فلا خيار: إما أن تستقيم على منهج الله، وإما تتمزق مع اليهود ومع النصارى.فالضالون وإن أطلق الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم النصارى، ولكن كل من عبد الله وبكى، وتمرغ في الأرض، وأخرج ماله ونفسه، وربط نفسه في صومعة، يعبد الليل والنهار بدون ما شرع الله فهو ممزق ضال.تعرفون الرهبان؟ ينقطعون في الصوامع عشرين سنة ما يعرف امرأة، ولا مال، ولا ولد، ومع هذا محترق ممزق؛ لأن هذه العبادة ما شرعها الله، بل وضعها القسس والرهبان، وما هي بشرع الله أبداً، هل تزكي النفس وتطهرها؟ ما تنفع.فمن هنا نقول: يجب أن نتعلم، وأن نعمل بما علمنا، حتى نكمل ونسعد، ولا نقول: ما دمنا ما نعمل لا نتعلم؛ لأن الذين لا يعلمون هالكون، ضالون الطريق، ما مشى في الطريق الموصل إلى رضا الله وجناته، فهم يتخبطون حيث تجدهم في المستشفيات والأموال يدفعونها، والانقطاع، والبكاء من خشية الله، وهم محترقون، يعبدون الله بالبدع والضلالات.وفي المسلمين أناس يبذلون الطعام والشراب، ويبكون، وهم يعيشون على البدع، ما يستفيدون شيئاً أبداً، قلوبهم منتنة عفنة؛ إذ لا بد من معرفة ما يحب الله وما يكره معرفة يقينية، وكيف تفعلها وتقدمها؛ إذ لها ظروف، أوقات، أمكنة، لها صفات، ذوات تؤديها كما هي، وإلا كيف ينفع هذا العلم.

سورة الفاتحة منبع لكل ما في القرآن من معانٍ

سورة الفاتحة هي السبع المثاني، هذه أم القرآن، فأسماء الله وصفاته، وعبادته، شرائعه وأحكامه، قصصه وأخباره .. كلها نبعت من هذه السورة. فقوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:2-3] يدل على توحيد الله في أسمائه، وصفاته، وجلاله، وكماله، وهو مذكور في آلاف الآيات من القرآن.وقوله: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] عرض للعالم الثاني بما فيه من حساب وعقاب، وجنة ونار، وصنوف الشقاء وضروب السعادة بكاملها في كلمة يوم الدين، فتولد عنها آلاف الآيات.وقوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] تفرعت عن هذه الكلمة جميع أنواع العبادات القلبية، والقولية، والعملية.وقوله: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] فجميع القصص في القرآن كله تفرع عن هذه الجملة، فلهذا سماها الله على لسان رسوله أم القرآن.وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg

ابوالوليد المسلم 29-06-2020 04:05 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الفاتحة - (7)
الحلقة (7)


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

ثبت للفاتحة جملة أسماء منها: "أم القرآن" لكونها اشتملت على مقاصد القرآن، و"السبع المثاني" لأنها تثنى في الصلاة، و"الكافية" لأنها تكفي في الصلاة، وكان مما بُيّن في الفاتحة أننا أعطينا الله عهداً بأن نعبده وحده، ولا نشرك معه غيره، وأن ندعوه أن يهدينا طريق الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، فننعم بنعمة الإيمان والتوفيق.

تأملات في تفسير سورة الفاتحة


الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على عهدنا بسورة الفاتحة، فتح الله لنا ولكم أبواب الخير والهدى، آمين.وإننا ما زلنا مع فاتحة الكتاب الكريم، القرآن العظيم، وهذا آخر درس نلقيه ونتلقاه عن تلك السورة العظيمة، ومن هنا إليكم خلاصة ما سبق أن درسنا وعلمنا والحمد لله ربنا على ذلك.

من أسماء سورة الفاتحة: أم الكتاب وأم القرآن

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg
أولاً: سميت هذه السورة بالفاتحة؛ لأن الله تعالى افتتح بها كتابه، فهي أول سورة من سور القرآن الكريم، التي هي مائة وأربع عشرة سورة.وتسمى بأم الكتاب وبأم القرآن؛ لأن جميع ما في القرآن متفرع عنها كالأم، فحواء تفرعت عنها بلايين البشر، فشملت الفاتحة:أولاً: توحيد الله عز وجل في ألوهيته، إذ قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ [الفاتحة:2]، وربوبيته: رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، وأسمائه وصفاته: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3]، وفي هذا ثلث القرآن أو أكثر.ثم: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] إشارة إلى الجزاء الأخروي، وفي ذلك بيان للحشر، والنشر، والحساب، والجزاء في الجنة أو النار، والقرآن الكريم بين هذا وفصله، وضرب له الأمثال في آلاف الكلمات.ثم: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، جميع أنواع العبادات، كالصلاة والصيام، والزكاة، والحج، والجهاد وما إلى ذلك مبينة في القرآن الكريم.ثم: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7]. أي: القصص الذي حواه القرآن للعظة والعبرة، وقد اشتمل عليه مئات الآيات بل آلاف الكلمات.إذاً: لهذا سموها بأم الكتاب وأم القرآن. من سماها بهذا؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

من أسماء سورة الفاتحة: السبع المثاني


تسمى سورة الفاتحة بالسبع المثاني؛ لأن آياتها سبع وتثنى في الصلاة، وآية بعد آية وطول الحياة؛ ولهذا قال تعالى من سورة الحجر: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر:87].وقد عرفتم أنها سبع آيات لا ثمان آيات ولا ست آيات، ومن زاد أو نقص كفر، ويكفي أن الله قال: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي [الحجر:87].ومن هنا علمنا أنها نزلت مرتين، مرة معها بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1] فعدت آية، والآيات الست بعدها، ونزلت مرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بدون بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1]، فكانت الآيات سبع.وإليكم بيان السبع بالبسملة أولاً: بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:1-7]. فهذه سبع بالبسملة.كما أنها نزلت بدونها: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ * غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:1-7]، فهذه سبع آيات.فمن قال كـالشافعي وتلامذته: الآيات سبع والبسملة هي الأولى، نقول له: أصبت؛ لأنها نزلت بـ بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1].وإن قال مالك أو أبو حنيفة أو أحمد أو غيرهم من تلاميذهم: الآيات سبع، ولكن البسملة ليست سابعة، فشأنها كما في أوائل السور في القرآن، إلا ما كان من سورة التوبة، فإنها ما افتتحت ببسم الله الرحمن الرحيم، والآيات سبع بدونها، والسابعة هي: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، نقول له: أصبت، واتحدت أمة الإسلام، ومشت مواكب النور بلا خلاف.

من أسماء سورة الفاتحة: الشافية
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

سميت الفاتحة بالشافية؛ لأن اللديغ الذي لسعته العقرب كاد أن يموت، فجاء موكب من مواكب النبي صلى الله عليه وسلم فنزلوا بذلك الحي واستضافوا أهله، فشحوا، وضنوا عليهم، وفجأة جاءوا: إن سيد الحي قد لدغ هل فيكم من راق؟ من يرقي؟ قالوا: نعم، على أن تجعلوا لنا جعلاً؛ قطيعاً من الغنم، أربعين شاة، ووضع اللديغ بين يدي الصاحب الجليل، وأخذ يقرأ الفاتحة وينفث من ريقته الطاهرة على مكان اللدغة، وما زال يقرأ الفاتحة وينفث حتى قام الرجل كأنما نشط من عقال.

من أسماء سورة الفاتحة: الكافية


سميت الفاتحة بالكافية؛ لأنها تكفي في الصلاة، ولا يكفي عنها غيرها، فلو تقرأ البقرة كاملة في ركعة وبدون الفاتحة ما صحت صلاتك، بله لو تقرأ القرآن كله في صلاتك بدون الفاتحة صلاتك باطلة.إذاً: تكفي ولا يكفي غيرها عنها، ولهذا سميت بالكافية.

من أسماء سورة الفاتحة: الصلاة
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

سميت الفاتحة بالصلاة، تقول: هذا الرجل يقرأ الصلاة، وهذا يقرأ في الصلاة، كيف تفسر؟ وهل بينهما فرق أو لا؟ فقولك: يقرأ الصلاة، أي: يقرأ الفاتحة: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، وقولك: رأيته يقرأ في الصلاة، أي: الفاتحة يقرأ فيها والسورة.إذاً: سميت بالصلاة لأنها لا تصح إلا بها، تكفي ولا يكفي عنها غيرها.وهل تدرون من سماها الصلاة؟الله ربنا جل جلاله وعظم سلطانه هو الذي سماها بالصلاة، إذ أخبرنا أبو القاسم فداه أبي وأمي والعالم أجمع، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الله تعالى قال وقوله الحق: ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين، إذا قال العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال العبد: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3]، قال تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] قال الله: مجدني عبدي -هذا لله- وإذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، قال الله تعالى: هذا بيني وبين عبدي -العبادة لي والاستعانة لعبدي-. وإذا قال: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7]، قال الله تعالى: هذا لبعدي ولعبدي ما سأل )، الله أكبر! هذا خير عظيم، والله لخير من ملء الأرض ذهباً.قسم الله تعالى الصلاة بيننا وبينه قسمين: قسم له وحده لا شريك له، وقسم لنا وحدنا لا شريك لنا، وقسم بيننا وبينه، فله العبادة الخالصة، ولنا العون منه على تلك العبادة.إذاً: سميت الفاتحة بالصلاة، سماها الله جل جلاله ومنزلها، نصفها لله ونصفها للعبد، إذا قيل لك ما هو الذي لله الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2-4].وإن قيل لك: ما الذي بيننا وبين الله قسمين؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، العبادة لمن؟ له هو وحده. والاستعانة والعون لمن؟ لنا نحن؛ لأننا ما نستطيع أن ننهض بدون عونه تعالى.وإن قيل لك: وما الذي لنا وحدنا؟ الجواب: الهداية إلى الصراط المستقيم، لا صراط المغضوب عليهم ولا الضالين.

عهد العبودية لله تعالى وما ينقضه


عرفنا في الدرس الأخير أن من قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5] فقد أعطى عهداً لله تعالى، أي: عاهد الله ألا يعبد غيره، فأنت يا عبد الله تناجي ربك بين يديه قائلاً: إياك وحدك أعبد. ثم إنك لا تعبده وتعبد معه غيره، فتكون قد كذبت عليه، واستهزأت به، وسخرت منه.احذر يا عبد الله! أن تتخلى عن عبادته أو تشرك معه فيها غيره وسواه، احذر وقد عرفت؛ فلهذا إذا كنت جاهلاً كما كنا، وكنت تدعو غير الله، وتقول: يا ألله! يا سيدي فلان! وسمعت من يقول لك: انتبه! قد انتحرت، إنك عبدت مع الله غيره؛ لأن الدعاء هو العبادة، والدعاء مخها، ولا عبادة بدون دعاء، فمن دعا غير الله فقد أشرك والعياذ بالله.الغافلون يحلفون بغير الله، ويظنون أن هذا من الدين، وهم في ذلك غالطون جاهلون، وقد نقضوا عهدهم وكذبوا على ربهم لما قالوا: إِيَّاكَ [الفاتحة:5] وحدك، نَعْبُدُ [الفاتحة:5] ويحلف بغير الله؛ لأن الحلف بغير الله صرف عبادة لغير الله، والحلف يا معشر السامعين والسامعات! تعظيم للمحلوف به، وليس بالأمر الهين.أصل الحلف لا يكون إلا بمن هو عظيم، وأجل، وأخبر، وقدوس، ولهذا يحلف الناس به، فمن حلف بغير الله سواء حلف بالنبي أو بالكعبة أو بـعبد القادر أو بالطعام أو بالملح أو باليوم والساعة كما هي أيمان أهل الجاهلية، يحلفون بالطعام يقول: والطعام الذي أكلنا، يحلفون باليوم: وهذا اليوم، يحلفون بالكعبة، يحلفون بسيدي عبد القادر ، بالنبي.. هذه الأيمان كلها أيمان باطلة محرمة، والحالف بها قد أشرك في تعظيم الله مخلوقاً من مخلوقاته.قد يقول قائل: كيف عرفنا أن الحلف بغير الله شرك؟نقول له: هل درست السنة؟ هل قرأت جامع الترمذي ؟ قال: لا.إذاً: ارجع إلى الكتاب العظيم، والذي كأنه نبي في بيتك يتكلم، فسوف تجد قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من حلف بغير الله فقد أشرك أو كفر )، وهو حديث صحيح، وبعد هذا تقول: ما هناك حديث يقول: إن الحلف بغير الله شرك؟!وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم عاش ثلاثاً وعشرين سنة، وهو يدعو إلى ربه، والوحي ينزل عليه، فهل ثبت أن مرة من المرات حلف بغير الله؟ ثلاثاً وعشرين سنة وهو يحلف، هل قال: بحق سيدي إبراهيم؟ بحق خليل الرحمن؟ كانت يمينه: بالله، وتالله، واليمين المفضلة عنده: ( والذي نفس محمد بيده )، من هو الذي نفس محمد بيده؟ الله، إذ هو القائل من سورة الزمر: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [الزمر:42]، فأرواحنا بيد الله، وبمجرد ما تنام تفارقك روحك، ويعرج بها إلى الملكوت الأعلى، وإن كان القلب يخفق، والدماء تدور، وأنت تشخر وتظن أن روحك فيك، لا، هذه فقط محطة شغالة بأجهزتها، والروح في الملكوت الأعلى، إن شاء قبضها والله ما ترجع، ولن تجدك إلا ميتاً، وإن شاء أرسلها إلى أن تنتهي أيامك.معاشر المستمعين والمستمعات! الحلف بغير الله نقض للعهد الذي بيننا وبين الله.وهكذا كل أنواع العبادات من الصلاة إلى الزكاة، من الرباط إلى الجهاد، من الذكر إلى الدعاء، كل ما تعبدنا الله به صرفه إلى غير الله معناه نقض للعهد الذي بين العبد وبين الله، وهو يجدده كل يوم: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5].

معرفة الله
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

علينا أن نجتمع كل ليلة وطول الحياة في بيوت ربنا في مدننا وقرانا، نتعلم العلم، ونعرف محاب الله ومساخطه، وتترقى نفوسنا في الكمالات الروحية؛ حتى نتهيأ في ساعة ما للحاق بالمواكب الأربعة في الملكوت الأعلى، وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِين َ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69]، أما أن نكون كاليهود والنصارى والمشركين نهجر بيوت الله وكتابه ونوره، ونعيش في ظلام الشهوات والأهواء، وندعي أننا مؤمنون، فهذه دعوى لا تقبل، ولا تصح.وأكبر برهان وأقوى دليل أن ثلاثة أرباع المسلمين مشركون بالله تعالى وهم لا يشعرون، فهم ما درسوا، وما تعلموا، وما قرءوا كتاب الله، وما زاحموا العلماء كما زاحم جبريل رسول الله بركبتيه.كيف يعلمون؟ وكيف يعرفون؟ وأنى لهم أن يعرفوا محاب الله ومساخطه، أو كيف يتقون المساخط وينهضون بالتكاليف؟!إن العلة العظمى هي الجهل، فمن لم يعرف الله ما عبده.كيف نعرف ربنا معرفة تملأ قلوبنا بنوره، معرفة توجب لنا حبه والخشية منه، ونحن ما جلسنا يوماً نسأل ونتعرف على الله، كيف؟ حياة المسلمين كحياة الكافرين، يشتغلون في المصانع والمتاجر والمزارع و.. و.. وإذا دقت الساعة السادسة، ومالت الشمس إلى الغروب زحفوا إلى المقاهي والملاهي والملاعب، كأنهم غير مؤمنين، فنظام حياتنا غير نظام حياتهم، لكننا جرينا وراءهم وهبطنا أكثر من هبوطهم، فمتى نستيقظ؟ متى نعرف الطريق؟ ولعل من السامعين من يشك في هذه النظريات، هذه ما هي نظريات، هذه حقائق ثابتة علمية، فيوم أعرض المسلمون عن الوحي الإلهي، عن قال الله وقال رسوله، وابتعدوا عنه، إلى أين وصلوا؟ أما استعمروا، واستغلوا، وأهينوا، وذلوا وإلى اليوم؟ لكن أيام كانوا رجالاً ونساءً يقرءون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، والنور المحمدي يشع على ألسنتهم وفي سلوكهم ما فارقوا الكتاب والسنة، كيف كانوا؟ والله ما رأت الدنيا لهم مثيلاً قط منذ أن كان البشر في عزهم وطهرهم وكمالهم وسعادتهم في ثلاثة قرون كاملة؛ الصحابة وأولادهم وأولاد أولادهم؛ لأنهم كانوا هكذا: دقت ساعة نهاية العمل اقبلوا على ربهم في بيوته، يتلون كتابه، ويتدارسونه، ويتعلمون.

منازل الذين أنعم الله عليهم


قال تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7]، وهنا أسألكم: من هم الذين أنعم الله عليهم، حتى تقول: رب اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم؟ ويجب أن تعرف من هم هؤلاء؟ وحرام ألا نعرف هذا، ندعو الله أن يجعلنا في صراط قوم أنعم عليهم ونحن ما نعرفهم، من هم؟ النبيون والصديقون والشهداء والصالحون، هؤلاء أين هم الآن؟ في الملكوت الأعلى، في دار السلام، أرواحهم في الجنة.ما من مؤمن صالح زكي النفس تخرج روحه إلا التحقت بهم، ونزلت منازلهم في هذه الحياة.إذاً: لما تقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] الذي هو الإسلام، صِرَاطَ [الفاتحة:7]، من؟ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7]، من هم يا رب؟! عرفناهم بتعريفك إيانا: النبيون، الصديقون، والشهداء، والصالحون.وهل نحن إن شاء الله صديقون؟ إن شاء الله. يجب أن نكون صديقين، يجب أن نكون صالحين، يجب أن نكون شهداء، لكن أنبياء؟ لا؛ لأن النبوة ختمت، فمن ادعى النبوة في يوم ما فقد كفر؛ لأنه كذب الله تعالى وكذب رسوله، والرسول يقول فيه الله تعالى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40]، فلا مطمع أبداً في أن تكون نبياً، ولكن وجب أن تكون صديقاً، وشهيداً، وصالحاً في الصالحين.كيف نكون صديقين؟!الباب مفتوح والنور يتلألأ، اصدق في قولك وعملك واعتقادك، واطلب الصدق وتتبعه وتحرّه، فلا تزال كذلك حتى تعطى شهادة بأنك صديق.واسمعوا الرسول الكريم يقول صلى الله عليه وسلم: ( عليكم بالصدق )، الزموه وحافظوا عليه وعيشوا عليه، ( فإن الصدق يهدي إلى البر )، قطعاً يهدي صاحبه إلى ساحة الخير والبر، ( وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً )، هذه الجائزة، دكتوراه هذه، ماجستير، ليسانس، ماذا هذه يا عشاق الشهادات؟ يكتب عند الله صديقاً، أصبح في الموكب الثاني؛ النبيون أولاً، والصديقون ثانياً: وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [الزمر:33].من منكم طامع؟ كلنا طامع، وكلنا راج، وكلنا نتحرى الصدق ليل نهار، حتى نكتب مع الصديقين.قلت قل الحق، اعتقدت اعتقد الحق، عملت اعمل في صدق، لا تغش ولا تضلل ولا تخدع، واطلب هذا طول حياتك، فسيأتي -والله- يوم وأنت صديق، ومن الجائز أن تكون من أول يوم، من يوم ما بلغت وما عرفت الكذب أنت صديق.الشهداء خمسة، لكن إما أن تستشهد في ساحة المعركة، وإما أن تنوي الشهادة وتطلبها، وتسأل الله أن يرزقك إياها، ولكن حافظ على مالك فلا تنفقه في الحرام، ولا تنفقه في البذخ والسرف؛ لأن هذه وديعة استودعكها الله، فمالك لله.وحافظ على بدنك، لا تدخل عليه عللاً وأسقاماً وأوجاعاً؛ لأنك متهيئ للجهاد، فيوم يقول إمام المسلمين: أموالكم، تدفع المال، يوم يقول: رجالكم، تتقدم بنفسك، فلا بد من هذه النية، واقرءوا إن شككتم: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة:111]، بعنا أو لا؟ قولوا: ما بعنا أو بعنا؟ بعنا، إذاً: أموالكم وأبدانكم لله عز وجل، فالمال حافظ عليه؛ فلا تبذره، لا تسرف فيه، إياك أن تنفقه ضد صاحبه، إن سجارة تحرقها خنت الله عز وجل في ماله، وهو بضاعة عندك ووديعة.وبدنك لا تدخل عليه ألماً ولا أذى ولا ضرراً أبداً، إذا دعا داعي الجهاد يجدك قادراً على أن تحمل السلاح وتقاتل، لقد بعت، وهي أمانة عندك، فإذا طلبها صاحبها تقول: مع الأسف ضاعت، كيف تضيع؟ إذا ضاعت بقضاء وقدر نعم هو يعذرك، إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ [التوبة:111]، الثمن ما هو؟ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ [التوبة:111]. إذاً: فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111]، فلهذا المؤمنون من هذا النوع لا يدخلون على أبدانهم أذى ولا ضرراً أبداً، لا يأكلون السم، ولا يشربون حشيشاً، ولا خمراً ولا دخاناً، ولا يسهرون طول الليل ولا ولا.. يحافظون على أبدانهم؛ لأنها أمانة الله عندهم.أموالهم كثيرة أو قليلة ينفقونها على أنفسهم التي هي لله، ولا ينفقون فلساً واحداً في غير طلب الله ومرضاة الله، ولا يسرفون، ولا يبذخون، ولا يترفون أبداً؛ لأنها أموال لله، مودعة عندهم، باعوها من يوم أن قالوا: لا إله إلا الله محمداً رسول الله.معاشر المستمعين والمستمعات! هل المسلمون -وهم ألف مليون- عرفوا هذه الحقيقة؟ آه! والله ما عرفوا.إذاً: كيف تقام بهم الدولة الإسلامية، وترفع راية لا إله إلا الله في ديارهم وهم ما عرفوه؟من صرفهم عن المعرفة؟ العدو.من هذا العدو؟ الثالوث الأسود: اليهود، المجوس، النصارى. كيف عرفت يا شيخ أنهم العدو؟! عرفنا من يوم أن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وانتصر المسلمون في بدر، فاليهود في المدينة استشاطوا غيضاً، وأصابهم كرب وهم وغم، فأعلن بنو قينقاع تمردهم، فأجلاهم رسول الله، وأبعدهم إلى أذرعات ببلاد الشام.بنو النظير تآمروا على قتله والقضاء عليه، إنهاءً للإسلام، فأرسلوا عليه رحى طاحونة ونجاه الله، وأجلاهم.وبنو قريظة تآمروا مع الأحزاب، وأرادوا أن يضربوه.إذاً العدو الأول للإسلام الذي بدأ هو اليهود؛ لأنهم قالوا: إذا دخلنا في الإسلام إن انتهى وجود بني إسرائيل لا حلم في مملكة ولا دولة ولا حكم ولا.. أبداً انتهوا وذابوا في نور الإسلام. فإن قيل: لا. يا شيخ! هذه أوهام تقولها؟قلنا: أليسوا الآن قد كونوا دولة في فلسطين؟ أليس هذا من حلمهم، وتحقق يقيناً؟ قلناها قبل أن توجد، وما بعد وجودها بقي كلام، وما زالوا يحلمون بإعادة مملكة بني إسرائيل من النيل إلى الفرات.العدو الثاني: المجوس، ما إن سقط عرش كسرى في الدولة الساسانية المجوسية عبدة النار حتى تكوّن حزب يعمل في الظلام لضرب الإسلام، وأول رصاصة أطلقوها: أن قتلوا عمرنا في بيت ربنا، وفي روضة نبيا، قتله أبو لؤلؤة المجوسي.والنصارï؟½ ï؟½: ما أن شعت نور الإسلام في غرب أوروبا وشمال أفريقيا حتى استشاطوا غيضاً وتآمروا، وبحثوا عمن يتعاونون معهم، فتعانقوا مع المجوس واليهود، فكونوا الثالوث، وهم الآن يعملون بانتظام.هل فهم المسلمون هذا؟يا شيخ! مشغولون بالبقلاوة، والوظائف، والمال، والمآكل، أنى لهم أن يعرفوا هذا؟ هذا الشيخ خيالي، خرافي يقول هذا الكلام.إذاً: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7]، عرفنا من هم. اللهم إننا على طريقهم، وفي سبيلهم سائرون، فلا تحرمنا لقاءهم يا رب العالمين!

النعم التي أنعم الله بها على عباده
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

ما هذه النعم التي أنعم الله بها عليهم، هل هي مال .. ذرية .. دولة .. شرف؟ ما هذه النعمة التي أنعم الله بها عليهم؟ ما أنت تقول: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7]، لو قيل لك: بم أنعم عليهم؟ بساتين .. مصانع .. أموال .. زوجات صالحات؟!أنعم عليهم بما يلي:أولاً: نعمة الإيمان، وهي أعلى نعمة وأغلاها وأسماها، وعرفنا أنها توهب، عطية الله، ولن تستطع أن تؤمن إذا لم يرد الله أن يدخل الإيمان في قلبك، وكم من حكماء وفلاسفة وعلماء في الكون والذرة ما آمنوا، وما وهبهم الله ذلك.ثانياً: نعمة معرفة الله عز وجل، وهذه النعمة توهب، فهل إذا كنت نائماً ستصبح عالماً؟ إنها -والله- لتطلب بالكد والجد والسعي، وقد رحل طلابها -والله- من غرب أوروبا إلى هذه المدينة، سنة وهم في طريقهم، ويجلسون بين يدي مالك والشيخ ربيعة وفلان يتلقون أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وأحدنا لا يستطيع أن يغلق باب الدكان بين المغرب والعشاء، فمن أين لك أن تعرف الله وكيف تعرف محابه ومساخطه؟! والذي لا يعرف محاب الله ومساخطه كيف يعرف الله؟ والذي لا يعرف الله ولا ما يحب ولا ما يكره مستحيل أن يكون من المؤمنين، أبداً ما يمكن؛ لأن معرفة الله تثمر وتنتج طاقة، وهذه الطاقة التي تنتجها هي حبه تعالى، فيصبح العبد يحب الله أكثر من أمه، تعرفون الأم أو لا؟ تريد أن تدخلها في جوفك لكن الله أحب إليك، فضلاً عن الولد والمال، حب الله يجعلك إذا طلب يهون أمامك كل طلب، ما دام الله قد طلب الشيء تبادر إليه، ويثمر لك الخوف منه، فلا تخاف سلطاناً ولا شيطاناً ولا جاناً ولا إنساناً، ولا موتاً ولا ولا .. لا تخاف إلا الله.إذاً: هذه المعرفة معرفة الله تعالى، ومعرفة محابه ومساخطه تنتج لك شيئين عظيمين: حبه والخوف منه، والدليل قال تعالى من سورة فاطر: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، احفظوا يا عوام مثلي! لم ما ننطق ونحفظ: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ [فاطر:28]، من؟ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، لا تشك في هذا، فالخشية مقصورة عليهم، وهم أهلها، والذين ما علموا الله ولا عرفوه لا يخشونه، ودعواهم الخشية كذب وباطل، ويمتحنون فتظهر عيوبهم، ولابد من العلم فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد:19]، من الآمر (فَاعْلَمْ)، من المأمور؟ الله الآمر، والرسول المأمور، ونحن أتباعه، كيف نعلم؟ بالأدلة، بالبراهين، بطلب العلم؛ حتى تعرف أنه لا إله إلا الله. ثالثاً: نعمة معرفة ما يحب الله وما يكره من الاعتقاد والقول والعمل، وهذه تطلب ولا توهب، فلابد من السفر على أقصى الشرق والغرب، لابد من السهر، ولابد من قرع أبواب العلماء، لابد من مزاحمتهم، وعندنا مثل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يقص على أولاد الصحابة بعد موتهم يقول لهم: كنت آتي إلى بيت أبي بكر أو عمر أو عثمان أو فلان وأجلس عند الباب أنتظر متى يخرج، فيغلبني النوم، فأنام على العتبة، وتأتي الرياح فتذروا التراب في وجهي، ما أستطيع أن أقرع الباب وأقول: يا عمر أسألك أو يا علي ، بل أنتظر خروجه، ونحن الآن سنة نبكي ندعو يا عباد الله! والله ما ينقذكم من وهدتكم هذه إلا العودة الصحيحة إلى الله، فاجتمعوا في بيوت ربكم بنسائكم وأطفالكم ورجالكم فقط من المغرب إلى العشاء وادرسوا كتاب الله وهدي رسول الله تتحد قلوبكم ووجهات نظركم، وتعرفون ربكم، وتتلاقون على حبه ولقائه.ما نستطيع يا شيخ! ما نقدر.. هذا هو الفشل، آه!كيف نعرف ما يحب الله من الاعتقادات، والأقوال، والأعمال، والصفات، والذوات إذا لم ندرس ونتعلم يومياً طول حياتنا، ما قلنا: أوقفوا المزارع ولا المصانع، ولا المتاجر ولا ولا ولا.. قلنا فقط: كما أن اليهود والنصارى إذا انتهى العمل الدنيوي أقبلوا على المراقص والمقاصف والملاهي، فأقبلوا أنتم على بيوت ربكم، احملوا نساءكم وأطفالكم وضعوهم في بيت الله، وابكوا معهم بين يدي الله.ما نستطيع؟ إذاً: ابقوا على الخلاف، والتناحر، والتطاحن، والفتن، تنتقل من بلد إلى بلد، والدماء، والبكاء، والأحزان، لا إله إلا الله، هل من منقذ؟ لا أحد إلا الله، الله قال: ما يريدون. رابعاً: نعمة التوفيق، فقد تعلم وتحرم التوفيق؛ لأنك ما طلبته، فتعلم المحاب ولا تأتيها، وتعرف المكاره وتأتيها، لأن التوفيق غير موجود، وسبب ذلك أنك ما صدقت الله عز وجل، فلابد من أن تتضرع كل ساعة، وكل ليلة وأنت في العبادة، وتسأل الله الثبات عليها، والتوفيق لما لا تعلم منها.هذه أربع نعم، أنعم الله بها عليهم، ونحن كذلك إن شاء الله منهم.

التحذير من سلوك طريق المغضوب عليهم والضالين
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

قال تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ [الفاتحة:7] أي: غير صراط المغضوب عليهم، وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، عرفنا أن اليهود مغضوب عليهم، وعرفنا أن كل من عرف ما يحب الله وما يكره، وتعمد ترك المحبوب لله، وتعمد فعل المكروه -والله- لمغضوب عليه كاليهود.وعرفنا أن من الضالين النصارى، فقلنا: كل من يعبد الله بالبدع، والخرافات، والضلالات، ويعبد الله بغير الكتاب والسنة، والله إنه لضال في الضالين كالنصارى، إذ نحن ما عندنا قول أو حركة إلا على نور الكتاب والسنة، كيف نعبد الله بعبادات ما شرعها، وندعي أنها تزكينا وتطهرنا، وتجعلنا في مواكب الصالحين.

تنبيهان متعلقة بسورة الفاتحة


التنبيه الأول: كلمة آمين ليست من الفاتحة واستحباب مد الصوت والجهر بها
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم في آخر السورة: [تنبيه أول: كلمة آمين ليست من الفاتحة. ويستحب أن يقولها الإمام إذا قرأ الفاتحة يمد بها صوته -آمين- ويقولها المأموم، والمنفرد كذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إذا أمن الإمام فأمنوا أي: قولوا: آمين )]، إذا قال: آمين قولوا أنتم: آمين، ( فإن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه )، فهذه الجائزة أخذناها إن شاء الله، إذ كيف خمسون عاماً وأنت تصلي ولا تأخذها؟ لابد في يوم توافق، فإذا قال الإمام: آمين قالت الملائكة: آمين، فمن قالها ووافق تأمينه تأمين الملائكة أخذ جائزة بمغفرة ذنبه.قال: [بمعنى: اللهم استجب دعاءنا. ويستحب الجهر بها؛ لحديث ابن ماجه : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، قال: آمين حتى يسمعها أهل الصف الأول، فيرتج بها المسجد ) ]، ونبهت إلى فعل بعض الغافلين والشبان حيث يرفعون بها أصواتهم رفعاً منكراً، وبعضهم يفعل هذا عناداً، وهذا خطأ، فهي دعاء، والدعاء يحتاج إلى الخضوع، يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا [السجدة:16].إذاً: نقول: آمين، ولا نقولها في أنفسنا، فهي غلطة غلطها بعض أهل المذاهب، ولا نقول، المتعنترين: (آآمين)، وإنما دعاء رقيق الصوت، رخيم النغم: آمين، المسجد بكامله يرتج بصوت واحد.

التنبيه الثاني: قراءة الفاتحة واجبة في كل ركعة
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

قال: [تنبيه ثان: قراءة الفاتحة واجبة في كل ركعة من الصلاة، أما المنفرد والإمام فلا خلاف في ذلك، وأما المأموم فإن الجمهور من الفقهاء على أنه يسن له قراءتها في السرية دون الجهرية، ويكون مخصصاً لعموم حديث: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )]. وصلى الله على نبينا محمد.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg



ابوالوليد المسلم 29-06-2020 04:06 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (1)
الحلقة (8)


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg





اختلف المفسرون في المراد بالحروف المقطعة في القرآن والراجح أنها مما استأثر الله بعلمه، وهي تفيد بأن القرآن مكون من هذه الحروف ومع هذا عجز الكفار عن أن يأتوا بمثل سورة منه، ولذلك نفى الله سبحانه الشك عن كتابه، وبما أنه كلام الله ففيه الهدى والنور لمن اتقى ربه بأن تحقق بصفات المتقين من الإيمان بالغيب وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والإيمان بما أنزل الله من كتب، والإيمان بالدار الآخرة، وقد أخبر الله بأن من كان هذا شأنه أنه على أتم هداية، وأنه الفائز في الدنيا والآخرة.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

بين يدي سورة البقرة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن درسنا عن تفسير كلام الله رب العالمين، وها نحن بعد أن ختمنا تفسير سورة الفاتحة -ختم الله لنا ولكم بحسن الخاتمة- نشرع في دراسة وتفسير سورة البقرة.سورة البقرة سورة مدنية عدد آياتها مائتان وسبع وثمانون آية.قيل: إنها تحتوي على ألف خبر، وألف أمر، وألف نهي.وكان الصحابة رضوان الله عليهم إذا حفظ أحدهم سورة البقرة ولوه الأمر، أي: أسندوا إليه ولاية.هذه السورة ورد في فضلها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة ). أي: حفظها والحصول عليها بركة ، ( وتركها حسرة ). أي: من لم يرزقها ويحفظها أصيب بحسرة، ( ولا يستطيعها البطلة ). يعني: السحرة.وروى الترمذي أيضاً وصححه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بعثاً وهم ذوو عدد وقدم عليهم أحدثهم سناً لحفظه سورة البقرة). بعث النبي صلى الله عليه وسلم بعثاً وكانوا عدداً من الرجال، وأمر عليهم أصغرهم سناً؛ وذلك لأنه يحفظ سورة البقرة، وقال له: ( اذهب فأنت أميرهم ). اذهب أيها الشاب الحدث السن فأنت أمير هؤلاء الكبار؛ كل ذلك لحفظه سورة البقرة.وروي أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تجعلوا بيوتكم مقابر ). لأن المقبرة لا يقرأ فيها القرآن، ولا يصلى فيها فريضة ولا نافلة، فصلوا في بيوتكم النوافل، واقرءوا فيها القرآن حتى لا تكون كالمقبرة والعياذ بالله.ثم قال: ( إن الشيطان ينفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة ). الشيطان يهرب من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg
تفسير قوله تعالى: (الم)

بسم الله الرحمن الرحيم.قال تعالى: الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:1-2]. ويصلح هنا أن نقف على (ريب) فنقول: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ ثم نستأنف فنقول: فِيهِ هُدًى ، ويصلح أن نقف أيضاً عند لفظ (فيه) فنقول: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2]، فلهذا توضع علامات فوق الكلمة الأولى والثانية ليعرف القارئ أنه يجوز الوقف هنا وهنا، والذي يظهر أن الوقف على (لا ريب) أولى، فيكون الكلام فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2]. ‏

كيفية قراءة (الم) وغيرها من الحروف المقطعة
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

قوله: (الم) هذه من الحروف المقطعة، تكتب هكذا (الم)، وتقرأ هكذا: ألِفْ لام مِّيمْ بإدغام الميم بالميم مع الغنة (الم)، وإن كان معها الصاد كالأعراف: ألف لام ميم صاد. وإن كان معها الميم والراء كالرعد: ألف لام ميم راء. وإن كان بدون ميم، الألف واللام والراء كإبراهيم، والحجر، ويوسف، وهود، ويونس نقرأ: ألف لام راء. وإن كانت الكاف والعين، والهاء، والصاد كما في سورة مريم نقرأ هكذا بسم الله الرحمن الرحيم: كاف هاء يا عين صاد. وهكذا آل حاء ميم (حم) و(عسق) وآل (طسم) والأحادية (ن) (ق) (ص).

سر الحروف المقطعة
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

الحروف المقطعة تسعة وعشرون حرفاً، فما سرها؟ وكيف نؤولها ونفسرها؟الجواب: أولاً: الأخبار الواردة -والتي نقلها أهل التفاسير في الجملة- أن هذه الحروف تشير إلى مدد وزمان هذه الأمة منقولة عن بني إسرائيل، ولا يصح منها خبر أبداً.ومن فسرها بأنها إشارة إلى أسماء الله تعالى فهو تفسير بلا دليل.والقول بأنها أسماء للسور ليس بسليم، فلو كانت (الم) اسم سورة لما قلنا: البقرة، ولا قلنا: آل عمران.ويبقى القول الذي نحفظه ونحافظ عليه حتى نموت أنها سر الله في كتابه، وهذا هو الوارد عن ابن عباس وغيره: إن لله في كتبه أسراراً، وسر الله في القرآن هي هذه الحروف، فلهذا نقول: (الم) الله أعلم بمراده بذلك. وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم، وكذلك (طس) الله أعلم بمراده بذلك.وإذا كان سراً من أسرار الله فلا يجوز البحث عنها والتعرف عليها؛ لأنها كالغيب، فالغيب لله، ولا يصح لأحد أن يحاول أن يطلع على غيب الله، والذي يدعي الغيب إن لم يتب يموت كافراً والعياذ بالله، والله عز وجل قد أخفى غيوباً رحمةً بعباده، فلا يصح لمؤمن أن يبحث ليعرف ما أخفى الله تعالى وما غيب عن عباده، وقد لعنت الشياطين لأنها حاولت أن تتعرف على الغيب.إذاً القولة الصحيحة السليمة: (الم) الله أعلم بمراده به، ونفوض الأمر إلى الله. وقد ورد وصح أن هذه الحروف من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه، إذ قال تعالى: هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران:7]. فالراسخون في العلم يقولون: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ أي: المحكم والمتشابه مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا .الخلاصة أن هذه الحروف المقطعة منها أحادية كـ(ص) و(ق) و(ن)، وثنائية كـ (يس) و(طه)، ثلاثية كـ (الر)، ورباعية كـ (طسم)، وخماسية كـ (كهيعص) هذه سر لله في كتابه، فإياك أن تبحث عن معناها، وإذا سئلت فقل: الله أعلم بمراده به، وهذا هو التفويض الحق.

فوائد الحروف المقطعة
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

هنا فائدتان جليلتان أفادتهما الحروف المقطعة، وهذا استنباط لم يقل أهله: هذا مراد الله بل قالوا: هذه الحروف تفيد فائدتين جليلتين:الأولى: لما كان المشركون يحاولون أن يمنعوا الناس من سماع القرآن ويصرفوهم بكل وسيلة، وقد نفوا أبا بكر الصديق من مكة؛ لأنه كان يقرأ ويبكي، فتأثر الناس بقراءته وببكائه وأخرجوه من مكة، وقد صرح تعالى بهذا الفعل عنهم بقوله: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26]، قالوا للشعب المكي: لا تسمعوا لهذا القرآن، وإذا كان أحدهم يقرأ القرآن الغوا أنتم فيه بالصياح والضجيج والكلام الباطل؛ حتى لا يتسرب هذا النور إلى آذان وقلوب السامعين من باب الوقاية التي لابد منها.فلما حاولوا صرف الناس عن سماع القرآن جاء الله تعالى بهذه الحروف التي تجعلهم ينصتون ويسمعون؛ لأنهم ما عهدوها ولا عرفوها، فعندما يأخذ القارئ يقرأ: (الم) وهذا النغم والصوت ما سمعوه، فيضطر إلى أن يصغي بأذنه ليسمع، وكذلك إذا قرأ: (طسم) فيصغي ويسمع.إذاً الحصار الذي ضربوه على سماع القرآن أزاله الله بهذه الحروف، وقد كان رؤساؤهم يأتون إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم يسمعون القرآن في الظلام، ويتعاهدون أن لا يعودوا، وإذا أخذتهم المضاجع ما استطاعوا أن يناموا، فيأتون مرة أخرى في الظلام ويسمعون قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد جاء هذا مبيناً في سورة الإسراء؛ لأن هذا القرآن الذي يعرف لغته يفعل فيه ما شاء الله، وكم من أعرابي يُلقى كالخرقة البالية، فعندما يقرأ عليه القرآن يغمى عليه.إذاً هذه الفائدة ذات شأن، وقد نفع الله بها؛ إذ فتحت الأبواب التي أغلقوها عن سماع القرآن.الفائدة الثانية: أن هذا القرآن الكريم ادعوا -كفار قريش- أنه ليس بوحي الله ولا بتنزيله، وإنما هو مما تلقاه محمد صلى الله عليه وسلم إما من أحد العلماء، وإما تلقاه من الشياطين والسحرة والجان، وقالوا: إنه شعر، وقالوا: إنه سحر، وقالوا: إنها أقوال كهنة، وأحياناً يقولون: أملاه عليه فلان الرومي، وهكذا يتخبطون.وقد تحداهم الله عز وجل بالإتيان بمثله فعجزوا، وتحداهم بسورة واحدة فعجزوا، فكأنما يقول لهم: إن هذه الحروف (المر) (حم) (عسق) منها تألف هذا الكتاب، وتركبت كلماته، فألفوا أنتم مثله إذ هذه الحروف لغتكم ومنطقكم، وتنطقون بها صغيراً وكبيراً. فإن عجزتم فقولوا: إنه كلام الله.ويقرر هذا ويشهد له أنه في الغالب ما تذكر هذه الحروف إلا ويذكر الكتاب بعدها: ص وَالْقُرْآنِ [ص:1]. يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ [يس:1-2]. طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ [طه:1-2]. الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ [يونس:1]. الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ [البقرة:1-2]. حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ [غافر:1-2].أي: أن هذه الحروف المقطعة منها تألف كتاب الله، وهي حروفكم وتنطقون بها، فإن كان هذا ليس كلام الله، فألفوا نظيره، فأسكتهم وقطع أصواتهم، وعرفوا أنه كلام الله.الخلاصة: لم يقل أحد من أهل العلم: إن هذا مراد الله، الله أعلم. ولكن قالوا: إن الحروف المقطعة أفادت فائدتين عظيمتين:الأولى: فتحت الباب الذي أغلقه الكفار عن سماع القرآن، فلا يستطيع العربي يسمع (طسم) ولا يمد عنقه، فأصبحوا مضطرين إلى السماع، فإذا سمعوا دخلوا في النور، وعرفوا الطريق إلى الله.ثانياً: هذا الكتاب لو كان من وضع النبي صلى الله عليه وسلم أو من وضع البشر أو الإنس فإنه مؤلف من هذه الحروف فليأتوا بمثله، وقد تحداهم بقوله: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ [الإسراء:88] واتحدوا على قلب رجل واحد عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88]، وسكتوا، فتحداهم بعشر سور: قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [هود:13] فما استطاعوا. وأخيراً تحداهم بسورة: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:23-24]. وقالت العلماء في قوله: وَلَنْ تَفْعَلُوا : هذه لن يقولها إنسي ولا جني قط، لمَ؟ لأن الله هو الذي يملك الغيب.ولو قلت الآن: هل تستطيع أكبر دولة وهي اليابان أن تصنع آلة من الآلات وتقول: أتحدى البشرية في ظرف سبعين سنة أن توجدوا نظيرها؟ والله ما يقولون، ولا يستطيعون، والله عز وجل قال في القرآن: وَلَنْ تَفْعَلُوا ومضى على هذا التحدي ألف وأربعمائة عام فلم يستطيعوا، ولن يقول هذه الجملة إلا الله.وهذا الكتاب هو النور فلا هداية إلى الإسعاد والإكمال إلا عليه وبه، وهذا الكتاب روح، فوالله لا حياة بدونه، وهذا الكتاب شفاء، فوالله لا شفاء للأمراض والأسقام الباطنة إلا به، فالشح، والبخل، والكبر، والحسد، والغل، والغش، والشرك، والرياء، وغيرها من الأمراض لا تعالج بالسكر ولا بالعسل ولا .. إنما بالقرآن وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء:82]. فهذا القرآن هدى وبشرى للمسلمين.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

شرح الكلمات

قال المؤلف غفر الله له: [شرح الكلمة: (الم) هذه من الحروف المقطعة، تكتب (الم)، وتقرأ هكذا: ألِفْ لام مِّيمْ. والسور المفتتحة بالحروف المقطعة تسع وعشرون سورة، أولها البقرة هذه، وآخرها القلم (ن)، ومنها الأحادية مثل (ص) و(ق) و(ن)، ومنها الثنائية مثل (طه)] وبعض الناس يقول: (طه) هو النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا خطأ وكذب على الله والرسول.قال: [و(يس)] كذلك قالوا: (يس) هذه اسم الرسول، وهو خطأ فاحش أنكره علماء السلف.قال: [و(حم)] هذه ثنائية، [ومنها الثلاثية والرباعية والخماسية، ولم يثبت في تفسيرها عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء]، فلا صح، ولا ورد، ولا ثبت حتى في حديث واحد أن النبي صلى الله عليه وسلم فسَّر (حم) ولا (يس) ولا (طه) ولا (ن) ولا (ص) ولا غيرها، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحاشى أن يقول فيها برأيه، فمن أين للآخرين أن يقولوا؟!قال: [وكونها من المتشابه الذي استأثر الله تعالى بعلمه أقرب إلى الصواب، ولذا يقال فيها: (الم) الله أعلم بمراده بذلك]، أي: كون هذه الحروف من المتشابه الذي استأثر الله وحده بفهمه وعلمه ومعرفته، هذا هو الأقرب إلى الحق، لأن الله قال في الآيات: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران:7] فقسم القرآن إلى قسمين: المحكم الذي لم ينسخ وهو الذي يحمل الشرائع والقوانين والأحكام، ومعناه واضح جلي، يفهمه أهل القرآن، والمتشابه الذي يقف العبد دونه لا يعرف ما يقول، فيفوض أمره إلى الله ويقول: الله أعلم بمراده بهذا أو بذاك. قال المؤلف: [وقد استخرج منها بعض أهل العلم فائدتين: الأولى: أنه لما كان المشركون يمنعون سماع القرآن مخافة أن يؤثر في نفوس السامعين، كان النطق بهذه الحروف (حم) (طس) (ق) (كهيعص) وهو منطق غريب عنهم يستميلهم إلى سماع القرآن، فيسمعون فيتأثرون، وينجذبون فيؤمنون ويسمعون، وكفى بهذه الفائدة من فائدة]، فهذه فائدة عظيمة وكافية.والفائدة [الثانية: لما أنكر المشركون كون القرآن كلام الله أوحاه إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، كانت هذه الحروف بمثابة المتحدي لهم، كأنها تقول لهم: إن هذا القرآن مؤلف من مثل هذه الحروف فألفوا أنتم مثله. ويشهد بهذه الفائدة ذكر لفظ القرآن بعدها غالباً نحو: الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ [البقرة:1-2].. الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ [يونس:1].. طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ [النمل:1]. كأنها تقول: إنه من مثل هذه الحروف تألف القرآن فألفوا أنتم نظيره، فإن عجزتم فسلموا أنه كلام الله ووحيه وآمنوا به تفلحوا]. قال المؤلف: [ شرح الكلمات: (ذلك): هذا] أي: هذا الكتاب الذي تسمعون [وإنما عُدل عن لفظ هذا] القريب [إلى ذاك] البعيد [ لما تفيده الإشارة بلام البعد من علو المنزلة وارتفاع القدر والشأن] تقول: هذا الرجل وذاك الرجل، وإذا زدت اللام كان الشأن أكبر. أي: (الم) من هذه الحروف تألف ذلك الكتاب الذي تحداكم به منزله فعجزتم.قال: [(الكتاب): القرآن الكريم] وهذا رد على من زعم أنه الإنجيل والتوراة، والكتب السابقة موجودة في تفاسير الناس، فالكتاب الفخم الجليل العظيم هو القرآن الكريم، ولا داعي أبداً إلى أن نشير إلى كتاب ما ينزل علينا ولا هو بين أيدينا.قال: [(الكتاب): القرآن الكريم الذي يقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس.(لا رَيْبَ): لا شك في أنه وحي الله وكلامه أوحاه إلى رسوله] محمد صلى الله عليه وسلم.وهنا كلمات لغوية في الهامش: لفظ (الكتاب) يطلق على عدة معان؛ لأن الكتاب بمعنى الكتب، فيطلق لفظ الكتاب على الفرض، ومنه كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183] ومعنى كتب علينا: فرض علينا، والفرض الكتب، ويطلق على العقد بين العبد وسيده، لكن أين العبد وأين سيده؟ هذا أيام كان للرجال عبيد أيام الجهاد، فلما نجاهد الكفار ونأسر نساءهم وأطفالهم ماذا نصنع؟ نذبحهم! نصب عليهم الغاز! نقتلهم! لا، نأويهم ونربيهم وندخلهم نور الله، فهذه هي شريعة الله، وقد قدروا على تلويثها وتقبيحها، وجعلوا الجهاد سبة في العالم الإسلامي، وهم شر الخلق للحوم التي تمزقت في هذه الأيام في بلاد الروس ما عرفتها البشرية. الشاهد عندنا أن السيد يكون له عبد قد رباه ونماه، فصلح، يقول لسيده: اكتب بيني وبينك عقداً على أن أعطيك مبلغاً من المال خلال أربع سنوات، واتركني اذهب حيث أشاء وحررني، قال تعالى: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا [النور:33] أما إذا كان أعمى فلا يستطيع أن يتركه أو أن يتخلص منه بل يبقى معه. ويطلق أيضاً على القضاء والقدر يقال: هذا كتبه الله علينا، أي: قدر وقضى، وهذا مما يدل عليه لفظ الكتاب، ولكن المقصود هنا القرآن الكريم.ثم قال: [ (لا رَيْبَ): لا شك في أنه وحي الله وكلامه أوحاه إلى رسوله] محمد صلى الله عليه وسلم.قال: [ (فِيهِ هُدًى): دلالة على الطريق الموصل إلى السعادة والكمال في الدارين]، فأنت تريد مثلاً مسجد قباء، وتحتاج إلى دليل فيعطيك أحدهم دلالة: إذا وجدت كذا، امش كذا، فهذه تسمى الدلالة، وهي الهداية إلى مسجد قباء، وفي القرآن دلالات هداية إلى السعادة والكمال بل هو كله هداية؛ دلالة على الطريق الموصل إلى السعادة والكمال في الدارين، فهذا الكتاب ليس مخصصاً لإسعاد البشرية في الآخرة فقط، لا والله، بل لإسعادها في الدنيا أولاً وفي الآخرة ثانياً.ومن قال: المسلمون أشقى الناس اليوم وقبل اليوم، قلنا: نعم؛ لأنهم حولوا القرآن إلى القبور وإلى الموتى فجازاهم الله بذلك.قال: [ (للمتقين): المتقين أي: عذاب الله بطاعته بفعل أوامره واجتناب نواهيه] (هدىً) لمن؟ (للمتقين) من هم هؤلاء؟ بنو فلان وفلان! المتقون الذي يتقون عذاب الله بوقاية يجعلونها، ويتقى عذاب الله بطاعته، وهي: فعل ما أمر وترك ما نهى وحرم. ولا يتقى الله بشيء غير هذا، وهذه الوقاية تقينا من عذاب الدنيا وخزيها، وعذاب الآخرة وخزيها.

معنى الاية
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

قال المؤلف: [ معنى الآية: يخبر تعالى أن ما أنزله على عبده ورسوله من قرآن يمثل كتاباً فخماً عظيماً لا يحتمل الشك، ولا يتطرق إليه احتمال كونه غير وحي الله وكتابه بحال، وذلك لإعجازه وما يحمله من هدى ونور لأهل الإيمان والتقوى؛ يهتدون بهما إلى سبل السلام والسعادة والكمال].فالقرآن لا ريب فيه، وقد يقول قائل: هل الناس شاكون ومرتابون! نقول: هو ما قال: لا يشك فيه، إنما قال: هو في حد ذاته لا يتحمل الريب والشك، وعلى سبيل المثال: من منكم يشك في أن هذا المسجد هو مسجد الرسول؟ هذا لا يقبل الشك أبداً لمعرفة الناس به، وكذلك من يقول: هذه ليست بالشمس أو هذا ليس بالقمر، وكذلك هذا الكتاب هو في حد ذاته لا يحمل الريب أبداً، ولا يتطرق إليه الشك بحال، وإن شك فيه الناس فإنما هو لظلمة نفوسهم أو لأغراضهم المادية أو لأهوائهم، وهذا أمر آخر.

هداية الآية
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

في هذه الآية هداية تستفاد وتؤخذ، ويقتبس منها نور إلهي، فما هذه الهداية الموجودة في هذه الآية الكريمة؟ قال المؤلف غفر الله له: [ من هداية الآية: أولاً: تقوية الإيمان بالله تعالى وكتابه ورسوله. ثانياً: الحث على طلب الهداية من الكتاب الكريم]؛ لأن الله قال: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2].قال: [ثالثاً: بيان فضيلة التقوى وأهلها] واستنبطنا هذا من قوله: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2] فما قال: للفاجرين أو الفاسقين؛ فهؤلاء لا يجدون فيه هداية، بل هذا النور خاص بالمتقين.

تفسير قوله تعالى: (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ...)
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

قال تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة:3-5].فهذه الفضائل وهذه الأنوار القرآنية الكريمة حازها الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ هذه صفة أولى وَيُقِيمُونَ الصَّلاة صفة ثانية، وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ صفة ثالثة، وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ صفة رابعة، وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ صفة خامسة، أُوْلَئِكَ أي: الذين حققوا الإيمان بما سبق عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ أي: أهل الشرف، وأهل المراكز العالية، والمنازل الرفيعة، ولم يقل: (في هدى من ربهم) لأن (على) تدل على الاستعلاء والتمكن، كقولك: ركبت على الفرس، أي: متمكناً منه، فـ(على هدى من ربهم) أي: متمكنون من الهداية، وحسبهم أنهم هُمُ الْمُفْلِحُونَ . ‏

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

شرح الكلمات
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

قال: [شرح الجمل: يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ يصدقون تصديقاً جازماً بكل ما هو غيب لا يدرك بالحواس كالرب تبارك وتعالى ذاتاً وصفاتٍ، والملائكة والبعث، والجنة ونعيمها والنار وعذابها. وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ : يُديمون أداء الصلوات الخمس في أوقاتها مع مراعاة شرائطها وأركانها وسننها ونوافلها الراتبة وغيرها. وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ : من بعض ما آتاهم الله من مال ينفقون، وذلك بإخراجهم لزكاة أموالهم وبإنفاقهم على أنفسهم وأزواجهم وأولادهم ووالديهم، وتصدقهم على الفقراء والمساكين]. و(من) في قوله: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ تبعيضية. أي: لا ينفقون كل ما يملكون، ولكن ينفقون من بعض ما آتاهم الله من مال، وذلك بإخراجهم: أولاً لزكاة أموالهم، وثانياً بإنفاقهم على أنفسهم وأزواجهم وأولادهم ووالديهم؛ إذ النفقة هنا واجبة، وبتصدقهم على الفقراء والمساكين.ثم قال: [ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ : يصدقون بالوحي الذي أنزل إليك أيها الرسول وهو الكتاب والسنة]، لأن السنة وحي ثان، فأحكام الرسول صلى الله عليه وسلم وقضاياه كلها مستمدة من القرآن الكريم، وبعضها وحي خاص يوحى به إليه، فيلقيه الله تعالى في روعه، فلهذا الكتاب الوحي الأول والسنة الوحي الثاني، والسنة هي التي سماها الله الحكمة.قال: [ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ : ويصدقون بما أنزل الله تعالى من كتب على الرسل من قبلك كالتوراة والإنجيل والزبور. وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ : وبالحياة في الدار الآخرة وما فيها من حساب وثواب وعقاب، هم عالمون متيقنون، لا يشكون في شيء من ذلك، ولا يرتابون لكمال إيمانهم، وعظم اتقائهم. أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ : الإشارة إلى أصحاب الصفات الخمس السابقة] ما هي الصفات الخمس السابقة؟ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [البقرة:4] وقبلها صفتان الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة[البقرة:3] فهذه خمس صفات. ثم قال: [والإخبار عنهم بأنهم بما هداهم الله تعالى إليه من الإيمان وصالح الأعمال هم متمكنون من الاستقامة على منهج الله المفضي بهم إلى الفلاح. وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ : الإشارة إلى أصحاب الهداية الكاملة، والإخبار عنهم بأنهم هم المفلحون الجديرون بالفوز الذي هو دخول الجنة بعد النجاة من النار].

معنى الآيات
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg
قال المؤلف غفر الله له: [معنى الآيات: ذكر تعالى في هذه الآيات الثلاث صفات المتقين من الإيمان بالغيب وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والإيمان بما أنزل الله من كتب، والإيمان بالدار الآخرة، وأخبر عنهم بأنهم لذلك هم على أتم هداية من ربهم، وأنهم هم الفائزون في الدنيا بالطهر والطمأنينة وفي الآخرة بدخول الجنة بعد النجاة من النار].

هداية الآيات
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

قال المؤلف غفر الله له: [ من هداية الآيات: دعوة المؤمنين وترغيبهم في الاتصاف بصفات أهل الهداية والفلاح ليسلكوا سلوكهم فيهتدوا ويفلحوا في دنياهم وأخراهم]. والله تعالى أسأل أن يشرح صدورنا ويفقهنا في ديننا، ويتقبل منا إنه سميع عليم.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg



ابوالوليد المسلم 29-06-2020 04:07 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (2)
الحلقة (9)


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

تفسير سورة البقرة (10)
من مظاهر البلاغة العربية أن يشتمل الخطاب على ضرب الأمثلة، لما فيها من بيان وتوضيح، ولفت للانتباه والتفكير، ولهذا اشتمل القرآن على الكثير من الأمثلة، وحين استنكر الكفار بعض أمثلة القرآن، أجاب سبحانه بأنه لا يستحيي من ضرب الأمثلة ولو بشيء صغير كالبعوضة فما فوقها، فمن كان مؤمناً فسيعلم أنه مثال حق، وأما الكافر فسيرده ويكفر به.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

تابع تفسير قوله تعالى: (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً، أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن السورة ما زالت كعهدنا بها سورة البقرة، وإنا مع الآيات المباركات التي نستعين الله تعالى على تفسيرها وفهم معانيها سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها والعمل بها، إنه قريب مجيب سميع الدعاء.وقراءة تلك الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [البقرة:26-27] أعاذنا الله وإياكم من الخسران. ‏

الإيمان والعمل الصالح يوصلان إلى الجنة

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! في الآيات السابقة وهي قول ربنا تعالى: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:25]. أعيد إلى أذهان المستمعين والمستمعات أن الجنة بما فيها من ذلك النعيم المقيم إنما تورث بالإيمان وصالح الأعمال، فمن آمن وعمل صالحاً فقد اتقى سخط الله وعقابه، وبذلك أصبح من ورثة دار النعيم، إذ جاء التصريح الواضح بأن الجنة تورث، وأن سبب إرثها هو التقوى، واقرءوا لذلك قول الله تعالى من سورة مريم: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا [مريم:63].إذاً: عرفنا الإيمان وهو التصديق الحق المشتمل على التصديق بوجود الله تعالى، وعلمه، وقدرته، ورحمته، وحكمته، كما هو التصديق بكتبه، ورسله، وبلقائه يوم القيامة، وما يوجد في ذلك اليوم من الحساب والجزاء بالنعيم المقيم أو بالعذاب الأليم.وهذا الإيمان عرفتم وأيقنتم أنه بمثابة الطاقة الدافعة، فإذا قوي دفع عبد الله أو أمة الله على أن يتقحم أصعب المشاق وأشدها، فمن ذلك أنه يجوع ولا يسرق، ويعيش أربعين سنة على العزوبية ولا يفكر أبداً في أن يقدم على الفجور فيزني، والعياذ بالله.وهذا الإيمان يحمل صاحبه على أن يهاجر في الله وفي سبيل الله، ويترك أهله وماله وولده، ويصبح غريباً في بلد ما؛ كما حصل لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.وهذا الإيمان الذي يحمل صاحبه على ألا ينطق بسوء أو ينظر إلى محرم .. هذا الإيمان هو الذي يثمر العمل الصالح.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

العمل الصالح هو ما شرعه الله ورسوله

الذي أحببت أن أعيد ذكره إليكم هو أن العمل الصالح هو ما شرعه الله لنا من أقوال وأعمال، فما لم يشرعه الله ويقننه ويأمر بالعمل به لن يكون عملاً صالحاً، والذي لم يشرعه الله في كتابه القرآن ولا على لسان النبي محمد صلى الله عليه وسلم لن يكون عملاً صالحاً.وعندما نعلم أنه مشروع مبين في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يجب أن نراعي في أدائه.. في فعله: أولاً: الإخلاص فيه لله، فلا نلتفت بقلوبنا ولا بوجوهنا إلى غير الله ونحن نؤدي ذلك العمل؛ لأن العمل إذا خالطه الشرك والالتفات إلى غير الله فيه بطل مفعوله، لا ينتج الطاقة المطلوبة منه.ثانياً: ينبغي أن نفعله .. أن نؤديه .. أن نقوم به على النحو الذي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا زيادة ولا نقص، ولا تقديم ولا تأخير، فإن زدنا أو نقصنا، أو قدمنا أو أخرنا بطل مفعوله.ومن الأمثلة القريبة التي لا ينكرها أي عاقل أن صلاة المغرب شرعت ثلاث ركعات، فمن زاد فيها ركعة تقرباً إلى الله ورغبة في الأجر بطلت عليه، ولم يستفد منها.وكذلك صلاة الظهر شرعت أربع ركعات فلو أراد أن ينقص منها ركعة بل سجدة بإجماع أهل العلم أن صلاته باطلة فليعدها، لم؟ لأنها لا تولد الطاقة. تفهمون الطاقة، أتعرفونها في الكهرباء؟ نور أو لا؟ هذه الكهرباء من يولدها؟ أليست المكائن! فأنت لما تقول: الله أكبر مستقبلاً القبلة متطهراً، وتدخل في هذه المناجاة، هذه عملية -والله- لأشد إنتاجاً من طاقة الحديد، ولكن إذا اختلت بطل مفعولها كمكائن توليد الكهرباء إذا اختلت هل تولد .. تنتج الكهرباء؟ بالإجماع لا، أليس كذلك؟ومن شك أو ما عرف كم وكم وكم من مصلٍ يخرج من المسجد ليعصي الله ورسوله، فما السر؟ دلوني، هل هو كافر؟ لا والله، لم إذاً؟ لأن الصلاة ما أداها أداءً صحيحاً، وما ولَّدت له النور الذي به يعرف الحق والباطل والخير والشر، والطيب والخبيث، والمعصية والطاعة، واقرءوا لذلك قول الله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ [العنكبوت:45] لو قلت: لم يا ألله؟ كان الجواب: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]. وهنا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له ) يخبر بالواقع، والواقع أن الصلاة شرعت لتمنع عبد الله من غشيان الذنوب وارتكاب الآثام، فلما ما فعلت ما السر؟ إذاً ما صحت، سببها ما أخلص فيها، وما أداها خاشعاً، وما أدى أركانها، أنقص ونقص، وحصل الذي حصل.إذاً: لا بد للعمل الصالح أن يكون مما شرع الله ورسوله، فكل بدعة على الإطلاق اضرب بها عرض الحائط، ولا تضيع وقتك ولا قدرتك وطاقتك فيها، فإنها -والله- ما تولد لك نوراً ولا حسنة.والعامل بالبدعة كالذي يأكل التراب والحصى ليشبع أو ليسمن وليحفظ قوته، مستحيل. ومن هنا يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) بمعنى: مردود، مصدر أريد به اسم المفعول: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا ) ما وقعنا عليه فهو مردود، أي: لا يولد الطاقة والحسنة. ويقول: ( إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة )، وقد أحببت أن أذكركم لأننا -لضيق الوقت بالأمس- ما تعرضنا للعمل الصالح.ولو يجتمع العلماء كلهم على إيجاد كلمة يضعونها للمسلمين إذا قالها المؤمن أنتجت له الحسنة والله ما قدروا ولا استطاعوا. كلمة فقط، أما عمل يقوم به المرء الساعة والساعتين فذلك مستحيل أن يوجد، ومن يوجده غير الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.إذاً: ما هو العمل الصالح؟ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [البقرة:25] ما هذه الصالحات التي يبشر صاحبها بالنعيم المقيم في دار السلام؟إنها عبادات قننها الله، مركبة تركيب الكيماويات، ويضرها الزيادة والنقصان، والتقديم والتأخير، وإذا كان لها وقت لو أديتها في غيره ما نفعت، ولو عين لها الشارع مكاناً فأديتها في غيره -والله- ما نفعت، ما معنى ما نفعت؟ ما ولدت الحسنة، إذ الجنة يا معاشر المستمعين والمستمعات! لا يدخلها إلا ذو النفس الزكية، ما معنى الزكية؟ الطيبة الطاهرة، والنفس تزكو بماذا؟ باللبن والحليب؟ بالماء والصابون؟!ما هي أدوات التزكية للنفس البشرية؟إنها هذه العبادات التي شرعها رب الأرض والسماوات لعباده المؤمنين والمؤمنات من أجل تزكية نفوسهم حتى يقبلهم في جواره في الملكوت الأعلى. هل فيكم من يشك؟ ما هو القضاء لله في هذه القضية؟ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]. هذا حكم الله.

تفسير قوله تعالى: (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها ...)

نعود إلى آياتنا المباركات التي بين أيدينا، فهيا نتعلم كلام الله: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا [البقرة:26] خبر هذا، ونِعْمَ الخبر. اسمع هذا الخبر العظيم: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا [البقرة:26]. قرئ: (يستحي) و(يستحيي) بياءين وبياء واحدة وهي لغة بني تميم، فيجوز أن تقرأ: (إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً)، أو تقرأ: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا [البقرة:26].
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

الحياء كله خير

الحياء خلق من أسمى الأخلاق وأشرفها، ومن فقده مات، ( الحياء كله خير )، والحياء من الإيمان، من فقده عربد، وتفحش، وتلطخ، وأصبح أخس الخلق.مر النبي صلى الله عليه وسلم برجلين من أهل المدينة في أزقة المدينة الضيقة وهو يعظ أخاه في الحياء: لا تستحي، أنت امرأة، ضاعت حقوقك، قال: ( دعه؛ فإن الحياء من الإيمان )، تريد أن تمسح الإيمان من قلبه؟! دعه في حيائه.وأعظم ما يكون الحياء تأثيراً في المرأة، فإذا فقدت المرأة الحياء انمسخت، ولم يبق فيها ما يصلح، ولكن الأساتذة والدكاترة وعلماء الدنيا يشجعونها على قلة الحياء: اكشفي وجهك .. شمري عن ساعديك .. افعلي .. زاحمي. موجود هذا أو لا؟ نعم، في العالم بأسره.يقول الحكماء: أجمل ما في الرجل الشجاعة. لا سواد العين، ولا القد، ولا الأنف. فأجمل ما في الذكر الشجاعة، وأجمل ما في المرأة الحياء، فإن كانت وقحة معربدة -والله- ولو كانت أجمل نساء العالم فإن المؤمن لا يحبها، ولا يرغب فيها.فلهذا أقول دائماً للمؤمنات لما تقول: الشعر في حاجبي، الشعر في كذا، أُلون شعري أصفر .. أبيض. أقول: يا هذه! إذا كان زوجكِ مؤمناً؛ براً؛ تقياً فإنه لا ينظر إلى جمال وجهك، ولكن ينظر إلى جمال نفسكِ، وإن كان مادياً هابطاً -والله- ما تسدين حاجته، اصبغي بالأصفر يحب الأبيض، بيضي يحب الأسود، جملي وجهكِ يحب كذا، وما ينفع! إذاً: اصبري فأنت مؤمنة، ولا تغيري شعرك أبداً، ولا تكوني كعواهر ألمانيا كل يوم تصبغ شعرها، والمؤمنة إذا جاء الشيب، وابيض شعرها ينبغي أن تصبغه بالحناء والكتم، أما أن تشاهد عاهرة في التلفاز ترقص وشعرها أصفر أو أبيض فتحاول أن تكون مثلها، هي مثلها، ( من تشبه بقوم فهو منهم ).ولو تجتمع البشرية بفلاسفتها وعلمائها وحكمائها على أن ينقضوا هذه الكلمة المحمدية -والله- ما قدروا، وأنى لهم ذلك، فأين علماء النفس؟ ( من تشبه بقوم فهو منهم ) وإذا أرادت المرأة أن تتشبه بهؤلاء العواهر في الفيديو والتلفاز فلا تزال تتشبه حتى تكون مثلهن، وهذه سنة الله؛ من أراد أن يتشبه بماجن أو فاسد، وأخذ يتشبه بمشيته، ومنطقه، ولباسه لم يلبث أن يكون هو، ومن أراد أن يتشبه بـابن أبي طالب في شجاعته، وعلمه، وبطولته لا يزال يتشبه به حتى كأنه علي بن أبي طالب . ( من تشبه بقوم فهو منهم ). وكلمة (تشبه) بمعنى تعمد ذلك وطلبه وحاول الوصول إليه، فلا بد من هذه الصيغة: ( من تشبه ).إذاً: الحياء كله خير، إلا أن الحياء لا يحملك على ألا تسأل أهل العلم وتتعلم، ولهذا يقولون: (لا ينال العلم مستح ولا متكبر). وهذه كلمة قالها أهل العلم وهي حكمة: (لا ينال العلم مستح ولا مستكبر) فالمستحي إذا لم يسأل فكيف يعرف! لا بد وأن يسأل: كيف أستنجي؟ كيف الغسل؟ كيف كذا، لا بد حتى يتعلم، والمتكبر هو الذي لا يريد أن يذل ويهون أمام المعلم ويسأله وهذا -والله- ما يتعلم، يتعلم في المنام! ألا إن ( الحياء كله خير ).

حياء الله ليس كحياء المخلوقات

هذا الله جل جلاله ذو الجلال والكمال يستحي، وإياك أن تؤول الاستحياء أو الحياء بشيء فلسفي كاذب باطل، فحياء الله ليس كحياء المخلوقات؛ لأن يد الله ليست كيد المخلوقات؛ ولأن ذات الله ليست كذات المخلوقات. إذاً آمن بأن الله يستحي، ولكن لا تفهم وتقس حياء الله على حياء المخلوقات.وفي الحديث الشريف يقول صلى الله عليه وسلم: ( إن الله حيي كريم يستحي أن يرفع إليه عبده يديه أو كفيه فيردهما صفراً ). حيي، اسأل أهل الحياء لا يحرمونك، ولا يستطيعون، فالحياء خلق عظيم يمنعهم من أن يبخلوا أو يضنوا بشيء في أيديهم.والحياء يمنع صاحبه أن يتبجح أو يقول الباطل وينطق بالبذاء، فلا يقدر أبداً.إذاً: حياء الله يستحيل أن يكون كحياء عباده للفرق بين الخالق والمخلوق، فهل ذات الله كذوات المخلوقات؟ مستحيل، كيف وهو خالق الذوات! فحياؤه يتفق مع ذاته ومع صفاته، ولما نقول: لله تعالى يدان: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ [المائدة:64]، (بَلْ يَدَاهُ) تثنية يد، فلا تقل: لا لا، يد الله بمعنى قدرته فقط، أنت تكذب على الله؟ الله يقول: يداه، والرسول يقول كذلك، وأنت تقول: لا .. لا، ما قصد ذلك، لأنك توهمت أن يد الله كيد المخلوقات، إيه! هذا جهل عظيم، وضلال لا حد له، فالله ليس كمثله شيء، إذ كل شيء هو خالقه، فكيف يكون مثله؟! مستحيل.فآمن بصفات الله، واقرأها وارفع صوتك، ولا تخف، ولا ترتعد: ( إن الله حيي كريم، يستحي أن يرفع إليه عبده كفيه) سائلاً ضارعاً: يا رب! يا رب! ( ويردهما صفراً ) خاليتين.ولهذا ما من مؤمن يرفع كفيه إلى الله ضارعاً، سائلاً إلا أجابه ما لم يكن هناك موانع، فلا تسأل الله وأنت مملوء بالحرام فالمال في جيبك من حرام، أو خاتم الذهب في يديك وأنت تتحداه، فهذه الشروط لا بد منها، ولا تسأله وأنت غير موقن بالإجابة، ولا تسأله وأنت غافل ولاهٍ ساه، فمن توفرت له شروط القبول لن يرده الله تعالى، وهو بين واحدة من ثلاث: إن كان ما طلبه وسأله صالحاً له لا يضره؛ نافعاً له أعطاه، وإن كان الذي سأله لا ينفعه أيعطيه ويغشه؟! تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.وعلى سبيل المثال: شخص أراد أن يخطب فتاة، وظل يسأل الله طول الليل: يا رب زوجنيها، يا رب أعطنيها، يا رب يسرها لي. والله يعلم أنه لو تزوجها لفضحته، ولفعلت فيه الأعاجيب، فهل يغشه سيده ومولاه؟ والله لا يصح هذا. فتقف العقبات والحوائل: اذهب، لا نزوجك يا صعلوك. فلا يصل إليها. عرفتم؟ إذاً ماذا يُصنع بدعائه؟ يعوض واحدة من اثنتين: إما يدفع عنه من البلاء مقابل دعائه، وإما يرفع درجات في دار السلام ما كان ليصل إليها إلا بهذا الدعاء، وفي هذا يقول تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] يكذبكم؟ أعوذ بالله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] أعطكم طلبكم.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

الحكمة من ضرب الأمثال في القرآن

قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا [البقرة:26] شيئاً من الأمثال بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا [البقرة:26] ودون البعوضة، لم هذا؟ لما تقدم المثلان الماء والنار قال المنافقون مع شياطينهم من اليهود: انظروا، انظروا، كيف هذا الكلام؟ هذا ما هو كلام الله، الله أجل من أن يضرب الأمثال، وأضافوا إلى ذلك أن الله قال: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت:41]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الحج:73]، قالوا: هذا ما فيه بلاغة، ولا فصاحة، ولا.. هذا ليس كلام الله حتى يشيعوا التكذيب بين الناس، فأفحمهم الله، وقطع دابرهم، وقال: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا [البقرة:26] أصغر مثل كبيضة نملة، أقل من البعوضة، وكلام العرب الفصيح البليغ البيان، فيه من هذه الأمثلة المئات.والشاهد عندنا: في هذا رد على مزاعم المبطلين من المنافقين وإخوانهم من اليهود، فإنه لما ضرب الله لهم مثلين احتاروا فجن جنونهم وتاهوا، وأصبحوا يكذبون ويقولون، فقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا [البقرة:26] لأن ضرب الأمثال من أجل تقريب المعاني للأذهان، وضرب المثل معناه إيجاد صورة تشابه من أجل أن يفهم السامع معنى مراد الله وكلامه، ولغة العرب مليئة بهذا، فلا عجب ولا غرابة، ولكن المنافقين مرضى، واليهود المتفقين معهم هذا شأنهم يشيعون الشائعات والأباطيل، فيبطلها الله ويجتثها، وينتزعها من أذهانهم.

موقف الناس من أمثال القرآن

الآن من يرفع صوته؟ إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا [البقرة:26] أي: في الصغر كبيضة النملة.الناس أمام الأمثلة التي يضربها الله في كتابه الكريم صنفان: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:26] وعرفوا وأيقنوا، آمنوا إيماناً أصبح وصفاً لازماً لهم، وليس إيمان المنافقين، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:26] بحق وصدق، فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ [البقرة:26] أي: هذا المثل الذي نزل به كتاب الله حق ثابت وجوباً يستحيل أن يتخلف من الله عز وجل، فيؤمنون، ويزدادون إيماناً ويقيناً. وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا [البقرة:26] سواء كانوا يهوداً أو عرباً أو نصارى، كفروا بآيات الله .. برسوله .. بلقاء الله فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا [البقرة:26] يقولون باستهزاء، وسخرية، وتهكم في بيوتهم .. في مجتمعاتهم، أمام المؤمنين الضعاف حتى يؤذوهم، أما لو قالوا أمام عمر لفقأ أعينهم، لكن في خلواتهم مع شياطينهم: مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا [البقرة:26].قال تعالى مبيناً مراده: يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا [البقرة:26]، المثل كالمطر، فهذا ينبت له الزرع والشجر والزيتون، وهذا يخرب بيته، ويعطل طريقه، فالله يضرب المثل: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ [البقرة:26] فيزداد إيمانهم ويقينهم، وتقوى معارفهم وتكثر. وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا [البقرة:26]؛ لأن المثل كان فيهم ومضروباً لهم؛ ليتقيهم المؤمنون، وليعرفوا واقعهم الهابط السافل. مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا [البقرة:26]، قال تعالى: الجواب عند الله: يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا [البقرة:26] من الناس وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا [البقرة:26].نعم، أصحاب القلوب الصافية، والنفوس الطاهرة كلما تنزل آية يرتفع منسوب إيمانهم، وعلومهم،وآدابهم وأخلاقهم، والكافر المنكر المكذب كلما ينزل نور يزيده ظلمة، فيتألم ويهبط.وهذا تشاهده في الناس في مسائل دنياهم وآخرتهم، أحدهم كلما ظهر الحق ارتفع إيمانه وفرح، وآخر كلما ظهر الحق انكمش وانكسر.أضرب لكم مثلاً:أيما حاكم يعلن عن منع بيع الخمر، وعن إغلاق الحانات، وعن تصدير الخمر وصناعتها، كيف يكون ذلك المجتمع؟ فأما الذين آمنوا فيزدادون إيماناً، وأما الآخرون: ماذا أراد الحاكم بهذا؟ يريد أن يعطل! يريد أن يوقعنا في فقر، يريد كذا. ويكربون ويحزنون، والله العظيم؛ لأن القضية قضية حياة وموت، مؤمن حي، يدرك ويعلم، ويعي ويفهم، وميت هابط، هذا شأنه. فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ [البقرة:26] ويسلمون، وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا [البقرة:26] يضرب المثل ليضل به كثير من الناس، ويهتدي به كثير من الناس؛ لأن الله حكيم، وكتابه حكيم، وتصرفاته كلها حكيمة، فلا يضرب المثال لا لشيء، بل لابد لتحقيق شيء، فالمؤمنون يزيدهم إيماناً، ويقيناً، وبصيرة، ونشاطاً، وانطلاقاً، وعملاً، والكافرون يهبطون به أيضاً هبوطاً عجباً، فاسمع: المؤمنون يقولون: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران:7]، والآخرون يستهزئون ويسخرون: مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا [البقرة:26].
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

سوء عاقبة الفاسقين

قال تعالى: يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا [البقرة:26] أو لا؟ وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا [البقرة:26]، وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ [البقرة:26]، أما المستقيمون، السالكون لمنهج الله، الضاربون في طريق الله المستقيم فحاشاهم أن يضلوا به أبداً، وإنما يضل ويخرج عن الطريق ويتهاوى ويسقط من هو؟ الفاسق.وكلمة (الفاسقين) دائماً نقول: هم المتوغلون في الفسق، فلهذا لو أن شخصاً شرب خمراً لا نقول: هذا الفاسق، إلا إذا شربها وأعادها وكررها، وانمحى الحياء من وجهه وتركه فهذا (الفاسق). أما من ارتكب المعصية لا تقول فيه: الفاسق، بل تقول: فاسق، أما ذاك الذي ضرب في هذا الطريق، وتوغل في هذه المعاصي فأصبح (الفاسق)، (أل) لكمال الوصف وقوته، ولا يجوز أن تقول في المؤمن: فلان الفاسق، بل تقول: فلان فاسق. لكن إذا انغمس في كل معصية، وارتكب كل كبيرة، تقول فيه: الفاسق فلان بن فلان. وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ [البقرة:26]، ما معنى (الفاسقين) يا شيخ؟هذا مأخوذ من فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرتها، أحياناً لما ينزل المطر تخرج الرطبة من القشرة.ومأخوذ أيضاً: من فسقت الفأرة إذا خرجت من جحرها، فلهذا تسمى بـ(الفويسقة). ما هي فاسقة كبيرة، بل فويسقة، وهي الفأرة التي تخرج من جحرها لتفسد علينا طعامنا أو سمننا.إذاً: هذا طريق الله الذي يسلكه أولياؤه ليصلوا به إلى رضاه، وإلى جواره، ومن خرج عنه فسق، فهو فاسق.إذاً: الفاسق هو الذي يترك الواجبات، ويرتكب المنهيات المحرمات.ألم تذكروا أنا نقول: إن الطريق هو عبارة عن فعل واجب وترك محرم، فافعل واجباً واترك محرماً، وامشِ إلى ساعة الوفاة، وأنت واصل إلى باب دار السلام، فمن ترك الواجبات وارتكب المحرمات فسق أو لا؟ خرج عن الطريق أو لا؟ كما تفسق الفأرة، وكما تخرج الرطبة، لكن إن تاب وعاد فهذا أمر طبيعي، لكن إذا فسق وواصل الفسق أصبح (الفاسق)، وهذا الفاسق يضله الله بهذا المثل، فيضل به الفاسقين، ويزدادون حيرة، وقلقاً، وعناداً، ومكابرة، وتكذيباً لله ولرسوله، وبعداً عن المؤمنين. انظر: كيف خرج؟ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ [البقرة:26].معاشر المستمعين والمستمعات! تعرفون الفسق أو لا؟ فتاة مؤمنة كانت متحجبة، فقيل لها: ما هذا الحجاب، انزعيه عن وجهك، أظهري جمالك، لهذا خلقه الله. فنزعت الحجاب عن وجهها فسقت أو لا؟ فسقت كما تفسق الرطبة والفأرة.إذاً: من هم الذين يصابون بالضلال، ويزدادون ضلالاً إذا نزلت آية تحمل مثلاً؟ هم الكافرون .. الفاسقون.

تفسير قوله تعالى: (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ...)

قال تعالى: الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ [البقرة:27] هذه صفة ثانية: الذين ينقضون عهد الله من بعد توثيقه وتأكيده.

أخذ الميثاق من ذرية آدم

عرفتم أنه ما من عبد أو أمة يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله إلا قد أعطى بذلك عهداً وميثاقاً لله أن يحيا ويعيش حتى الموت على طاعة الله وطاعة رسوله، فما دام يقول: أنا أشهد أن لا يعبد إلا لله وما يعبده، أو يعبده ويعبد معه غيره، فهذا نقض عهده أو لا؟ هو يقول: لا إله إلا الله، وإذا به يعترف بآلهة أخرى، هذا نقض قوله، ولهذا قال تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ متى؟ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [المائدة:7]، فمن قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله أعطى العهد والميثاق، وينبغي أن يغتسل من جنابته، وأن يناجي ربه، ويستجيب لأمره ونهيه.ثم هناك عهد وميثاق أخذ علينا ونحن في ظهر أبينا آدم، واقرءوا لذلك قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ [الأعراف:172-173].في أرض عرفات كان الوالد هناك عليه السلام، عرفتم عرفات أو لا؟ تعارف فيها الزوج وزوجه، حيث نزلا من الملكوت الأعلى، حواء نزلت في مكان ما ندري أين هو، وآدم كذلك، واجتمعا بتدبير الله في عرفة وتعارفا، وهل النزول من السماء سهل؟ثم مسح الله ظهر آدم واستخرج منه ذريته كلهم، ما تعجب! الآن يقول العلماء: لو جمعنا الحيوانات المنوية كلها والله ما تملأ كأساً ولا فنجاناً، فهذا الطب الجديد يقول: لو جمعنا الحيوانات المنوية التي في المني ومنها يتكون الإنسان لو جمعناها ما تملأ كأساً. آمنا بالله، ونحن عرفنا هذا قبل أن يعرفوا، فإن الله مسح ظهر آدم واستخرج ذريته، واستنطقهم فنطقوا، واستشهدهم فشهدوا، وأخذ عليهم العهد والميثاق. فكل كافر نقض عهد الله وميثاقه، وكل مشرك نقض عهده مع الله وميثاقه.أعيد الآية: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ أي: اذكر إذ أخذ ربك: مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ [الأعراف:172-173]، حجج باطلة.إذاً: هذا عهد أيضاً.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

أخذ العهود والمواثيق من المنافقين وأهل الكتاب

هناك عهد آخر، فالمؤمنون من المنافقين أما أعلنوا عن إيمانهم؟! أما كان ابن أبي يقول: أشهد إنك لرسول الله، فأعطى العهد، كيف ينقضه.ثم أيضاً بالنسبة إلى اليهود والنصارى .. إلى أهل الكتاب بالذات، أخذت عليهم العهود والمواثيق: إذا ظهر نبي آخر الزمان آمنوا به كلكم وامشوا وراءه، نقضوا هذا أو لا؟ وأعلنوا الحرب عليه، والذي حملهم وقواهم وشجعهم على هذا فسقهم، فالعلة هي الفسق.اذهب إلى شخص ما توغل في الجرائم والفسق والفجور، واعرض عليه معصية يتمعر وجهه، يقول: لا، أنا أتحداك؟ فالذي ما توغل في الشر والفساد وإن عصى أو فسق يوماً تعرض عليه ما يقبل، فيه النور والإيمان، لكن الذي أصبح عربيداً فاسقاً ما ترك جريمة إلا غشيها، أيتردد إذا قلت له: من فضلك لا تشرب هذا الكأس؟ مستحيل.

موقف الجن من القرآن

عجب هذا القرآن! القرآن عجب أو لا؟سبقنا إخواننا الجن وعرفوا هذه الحقيقة وجهلناها، واقرءوا قول الله تعالى: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا ماذا؟ قُرْآنًا عَجَبًا [الجن:1]، ونحن ما عرفناه عجب، عجب: يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ [الجن:2] رضي الله عنهم، هؤلاء صحابة الرسول من الجن، فقط وجدوه يصلي في بطن نخلة، بل في مكة والطائف، وهم تائهون، وجدوا الصفوف والرسول يقرأ فأصغوا واستمعوا، وعادوا رسلاً إلى قومهم: قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الأحقاف:30-31]، ومن سجل لنا هذا الكلام؟ الله، والرسول صلى الله عليه وسلم ما سمع، وأصحابه في الصلاة ما عرفوا، لكن إخواننا نزلوا. الشاهد عندنا في أنهم عادوا إلى قومهم منذرين.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

سعي الأعداء لتفسيق الأمة

قال تعالى: الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ [البقرة:27] وهم الفاسقون، بدأ أولاً بالفسق: وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ [البقرة:26-27].ثانياً: وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ [البقرة:27]، أرأيتم ما ينتج عن الفسق؟ نحن -يا شيخ- ما نعرف هذا.أما محتالو النصارى والماسونية واليهود فوالله إنهم ليعرفون أكثر من شيخكم، فلهذا يبدءون بتفسيق الأمة وتفجيرها بأنواع الفسق .. بكل وسيلة. المهم أن هذا الشعب أو أصحاب هذا الإقليم يفسقون، وإذا فسقوا فهنيئاً لهم.أو ما فهمتم، أعيد القول:خصومنا من اليهود والنصارى عرفوا هذا، ودرسوا، وفهموا: أن الشعب أو الأمة إذا أردت أن تستغلها أو تذلها أو تستعمرها أو تتخذها عمدة لك وسلاحاً يساعدك ففسَّقها. ما فهمتم هذه؟! هذه سياسة عجب! فسقهم فقط يجرون وراءك كالأغنام، يصبحون -والله- لكما تسمعون. كيف يفسقونهم؟ بالتدريج، ولو بعد خمسين سنة .. مائتي سنة، وبالتدريج: احلقوا وجوههم، اكشفوا وجوه نسائهم، أشيعوا بينهم المحرمات كالربا، ودور البغاء، والخمر وصناعته وإنتاجه، لا تؤاخذوا في القوانين الحكومية على أنه ترك الصلاة، أو أنه زنى، أو أنه كذا، مهدوا لهم الطريق، ونسوهم ذكر الله، وأبعدوهم عنه، افتحوا الحانات، افتحوا المراقص والسينمات، افتحوا كذا، ألهوهم عن ذكر الله، أبعدوهم عن المساجد .. قبحوا لهم سلوك العلماء، وقولوا: عملاء، وأذناب، وذيول، قولوا كذا ..كذا؛ حتى يفسق الشعب ويهبط، وحينئذٍ نركب على ظهورهم. هل فهمتم هذه؟ والله لكما قلنا.من أين هذا الكلام يا شيخ؟ فتح الرحمن؛ رب العالمين، ما نحن مع قول الله تعالى: وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [البقرة:26-27]، لو عرف حكام المسلمين هذا اجتمعوا من الغد على طاعة الله ورسوله، وكيف نبلغهم بأن خصومكم وأعداءكم يعملون الليل والنهار على تفسيق شعوبكم؟ أي: بإبعادهم عن ذكر الله وطاعته، والاستقامة على منهجه؛ لأنهم يريدون استعماركم واستغلالكم، والتحكم فيكم، إذاً: كيف يصلون إلى ذلك؟ بالدماء، ما هو ممكن دائماً، إذاً فسقوهم، فإذا فسق الشعب انتهى.والواقع شاهد أو لا؟ من إندونيسيا إلى موريتانيا غرباً واقع شاهد أو أننا نكذب عليكم؟ عوامل الفسق قائمة أو لا؟ في الصحيفة، في المجلة، في الفيديو، في توريد الحشيشة، كل هذه المضار ما تشاهدونها؟ آمنت بالله، آمنت بالله. الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ [البقرة:27]، ثلاثة مواثيق عرفناها أو لا؟ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ [البقرة:27]، ما الذي يريد الله أن يوصل وهم قطعوه؟ الإسلام، الإسلام دين الله منذ آدم إلى يوم القيامة، والخصوم من اليهود والنصارى يريدون قطعه، نعم، يكيدون للإسلام والمسلمين، يريدون أن يقطعوا دين الله.وللحديث بقية، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg



ابوالوليد المسلم 29-06-2020 04:08 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (3)
الحلقة (10)


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

تفسير سورة البقرة (100)

إن أعز شيئين على المرء في الحياة الدنيا نفسه وماله، وقد بين الله عز وجل ما يلزم المؤمن الصادق من حق في هذه النفس وهذا المال، فبين سبحانه ما يلزم المؤمن من النفقة على الوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وأبناء السبيل، ويدخل في ذلك كل أنواع الخير والمنفعة، ثم بين سبحانه ما يلزم المؤمن من تقديم نفسه لله، مجاهداً في سبيله، رافعاً لراية دينه، وأن في ذلك الخير الكثير وإن بدا في ظاهره أنه شر وضر.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

تفسير قوله تعالى: (يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين من يوم الأحد- ندرس كتاب الله القرآن العظيم، رجاء أن نظفر بذلك الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، والحمد لله فقد فزنا بهذا المطلوب.والآيتان المباركتان اللتان ندرسهما إن شاء الله في هذه الليلة المباركة هما قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ * كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:215-216]. ‏

سبب نزول الآية الكريمة

في الآية الأولى يقول تعالى: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ [البقرة:215]، من السائل؟ من الجائز أن يكون عدد من السائلين، ومن الجائز أن يكون سائلاً واحداً، وهو كذلك، هذا هو عمرو بن الجموح رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وكان ذا ثروة مالية، فجاء يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم ماذا ينفق وعلى من ينفق، وهذه النفقة قطعاً بعد الزكاة، الزكاة عرفها المؤمنون والمؤمنات بآيات القرآن العديدة، لكن هذه النفقة المستحبة الفاضلة التي ليست هي الواجبة.عمرو بن الجموح سأل، فقال: يا رسول الله! ماذا أنفق من مالي وعلى من أنفقه؟ فأجاب الله عز وجل بقوله: يَسْأَلُونَكَ [البقرة:215] يا رسولنا والمبلغ عنا يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ [البقرة:215] من المال وعلى من ينفقونه؟ أو يسأل: ماذا ينفق من ماله، فامتن الله عز وجل فبين له ما ينفقه وعلى من ينفقه.

منزلة السؤال عن العلم الشرعي

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg
وهنا مما ينبغي أن نعلمه أن السائل الطالب العلم يظفر بنصف الأجر، قالوا: السؤال نصف العلم، السؤال عن أحكام الله وشرائعه، وعما عند الله لأوليائه، وما عنده لأعدائه، هذا السؤال نصف العلم، وقد علمنا واستقر عندنا -معشر أهل الحلقة- من أن طلب العلم فريضة على كل مؤمن ومؤمنة، سواء بطريق الكتابة والقراءة، أو بطريق سؤال أهل العلم، وبذلك لا يبقى في المؤمنين والمؤمنات جاهل ولا جاهلة، لأن الجاهل لا يصل إلى درجة الولاية ولا يكون ولياً لله تعالى، ومن لم يكن ولياً لله كان ولياً للشيطان عدو الله، ولا واسطة، إما أن توالي الله أو توالي عدو الله، فالعلم إذاً: ضروري، قال تعالى في آيتين من كتابه العزيز: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43].هذا عمرو بن الجموح ما عرف ماذا ينفق وأين ينفق فجاء يسأل امتثالاً لأمر الله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ [النحل:43] أي: القرآن إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، فكل من لا يعلم وجب عليه أن يسأل حتى يعلم، وإلا فلا تتحقق له ولاية الله.وقد عرفتم سر ذلك وحكمته، فالله يوالي المؤمنين المتقين، لو سئلت من قبل يهودي، نصراني، بوذي: من أولياء الله؟ فالجواب: المؤمنون المتقون، فمن لم يكن مؤمناً وإن اتقى فلا ولاية له، ومن كان مؤمناً غير متقٍ لمساخط الله فما هو بالولي؛ وذلك لقوله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63]. وسر هذا: أن المؤمن المتقي تزكو نفسه وتطهر وتطيب؛ لأنه استعمل أدوات التزكية والتطهير والتطييب، فسنة الله فيها أنها تطيب وتطهر، فالذي يغسل ثيابه بالماء والصابون تطهر أو لا؟ إذاً: الذي يستعمل أدوات وضعها الله تعالى لتطييب النفس وتزكيتها والله! لتطيبن نفسه وتزكو ولا تتخلف، فإذا زكت نفس العبد وطابت وطهرت أحبه الله ووالاه، فإن أهملها ولم يعمل على تزكيتها وتطهيرها خبثت فكانت كأرواح الشياطين والكافرين، وهل يحبهم الله؟ بل هو عدوهم وهم أعداؤه. فالعلم، وما العلم؟ أن تعرف ما يحب ربك وما يكره، وتعرف كيف تستعمل ذلك المحبوب وتقدمه له، وتعرف كيف تبتعد عن ذلك المكروه وتتجنبه، هذه هي، فإن عجزت عن الجلوس بين يدي العلماء ومزاحمتهم ليل نهار، فقبل أن تتوضأ اسأل كيف تتوضأ، تريد أن تتصدق بصدقة فاسأل عالماً: عندي صدقة فكيف أتصدق؟ تريد أن تنام فاسأل كيف تنام وعلى أي جنب تنام، ماذا تقول عند النوم، ماذا تقول إذا استيقظت؟ تعلم واعمل وامش، أردت أن تأكل فاسأل: كيف نأكل أكلاً يحبه الله؟ فيبين لك العالم كيف تأكل وما لا تأكل، فإن علمتَ فاعمل، ولا تزال تسأل وتعلم وتعمل حتى تصبح عالماً.أما أن يعيش المرء الثلاثين والأربعين والخمسين من السنين وتسأله عما يكره الله فما يعرف، وتسأله عما يحب الله فيقول: ما أدري، إذاً: فكيف تعبده؟ إذ عبادته بأن تحب ما يحب وتكره ما يكره.

سر تسمية المال بالخير

والشاهد عندنا قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ [البقرة:215] هؤلاء أصحابه صلى الله عليه وسلم سألوه أو لا؟ سألوه مَاذَا يُنفِقُونَ [البقرة:215] فأجابهم تعالى: قل لهم يا رسولنا: قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ [البقرة:215] والمراد بالخير هنا المال، وسمي المال خيراً لأنه خير للإنسان، به تتحقق مطاعمه ومشاربه، مراكبه، ملابسه، صدقاته، درجاته.والمال يكون صامتاً وناطقاً ليس دائماً ديناراً ودرهماً، قد يكون فولاً وشعيراً أو تمراً، قد يكون شاة ولبنها، والشاهد: إن المال ما يتمول؛ وعبر عنه بالخير لأنه خير، والإنسان بفطرته بغريزته يحب الخير، واقرءوا لذلك: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [العاديات:8]، وَإِنَّهُ [العاديات:8]، أي: الإنسان الآدمي لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [العاديات:8].

بيان جهات الإنفاق المستحبة
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ [البقرة:215] وهو المال، فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [البقرة:215]، المراد من الوالدين: الأب والأم، الأب وإن علا والأم وإن علت، كالجد والجدة، والأقربون: أقاربك بعد والديك كإخوانك وأخواتك، وأعمامك وأبناء عمك، وأخوالك وبني أخوالك، وعماتك وبنات عماتك، وخالاتك وأبناء خالاتك، الأقرب فالأقرب، هؤلاء الأقربون، فالعم مقدم على ابن العم، عنده صاع من تمر يعطيه لأخيه قبل ابن أخيه، الأقرب فالأقرب، إذ قد لا تتسع دائرة الإنفاق على الجميع، الأقرب فالأقرب، وسئل الرسول فقال: ( أمك وأباك ثم أختك أخاك ثم أدناك أدناك ). وَالْيَتَامَى [البقرة:215]: من فقدوا الآباء، وفاقد الأم لا يقال فيه: يتيم، وإنما يقال اليتيم لمن فقد أباه، لم؟ لأن الأب هو المنفق عليه، والذي تكفل بعيشه، وأما الأم فلا، وفي الحيوانات اليتيم منها فاقد الأم، هذا الجدي يتيم أمه ماتت، اطلب له مرضعة ترضعه، لكن أباه لا قيمة له؛ لأن الآباء في الحيوان لا تنفق على أبنائها، لكن في البشر اليتيم عندنا: من فقد والده، فإن ماتت أمه لا نقول فيه: يتيم، اليتيم من فقد أباه. وَالْمَسَاكِينِ [البقرة:215] جمع مسكين، وهم الفقراء، لكن بعض أهل العلم يقول: المسكين من أذلته الحاجة ومسكنته وألصقته بالأرض؛ لأن المسكنة بمعنى الذل والانكسار، وهذا الذي فقد المال يذل وينكسر، فلهذا سمي بالمسكين. وَابْنِ السَّبِيلِ [البقرة:215] هو الذي يأتي إلى القرية ماراً من بلد إلى بلد، من قرية إلى أخرى، فلما ينزل في القرية لا يعرف فيها أحداً، فمن يطعمه من يؤويه من يسقيه؟ المؤمنون، وهو عابر سبيل ما نعرفه، ابن الطريق، لا نعرف له أماً ولا أباً ولا جداً، هذا ابن السبيل، كأن الطريق هي التي أوجدته وهو ابنها لا يعرف ابن من، وفي الزمن الأول ما كانت فنادق ولا مطاعم ولا نزل، فحين يدخل الغريب في القرية وإن كان غنياً كيف يأكل، كيف يشرب، أين ينام، لا بد أن يقوم بهذا المسلمون، هذا ابن السبيل.إذاً: فبين تعالى ما ينفق وفيمن ينفق، جواباً لـعمرو بن الجموح السائل الذي سأل رسول الله ليسأل الله تعالى، والله عز وجل أجاب السائل: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [البقرة:215] خمسة.

دلالة حصر جهات الإنفاق على منع النفقة في الباطل

يروى أن ميمون بن مهران رحمه الله من سلفنا الصالح من التابعين أنه قال لما قرأ هذه الآية: لقد بين تعالى وجوه الإنفاق وطرق النفقة، فلم يذكر طبلاً ولا مزماراً ولا صورة من خشب ولا ستارة لجدار. هل عرفتم ما يقول؟ يقول: لقد بين تعالى طرق النفقة وسبلها، أي: بين لنا على من ننفق، فالأبوان ثم الأقرب فالأقرب واليتامى والمساكين وابن السبيل، فهل ذكر شراء الطبول والمزامير والصور الخشبية والستائر على الجدران؟ لأنهم كانوا يسترون جدرانهم بالحرير والأقمشة، ما ذكر هذا.إذاً: فهذه النفقة باطلة ما أذن الله فيها، لو أرادها لكان يجيب عنها، فأجاب عما أجاب وما سكت عنه لا ينفق فيه أبداً.إذاً: من الليلة ما بقي من يشتري تلفازاً ولا الفيديو ولا أشرطة غناء، ومن يفعل ذلك فقد أنفق في غير ما أذن الله، فهو عاصٍ خارج عن طاعة الله، أما بين لنا كيف ننفق أو لا؟ فإن أضفنا أشياء ما أذن فيها أسأنا وأخطأنا الطريق، لاسيما ونحن بصراء عارفون علماء، لسنا جهلة يا معشر المستمعين والمستمعات، نقول: حين تشتري هذا التلفاز وأنت عامل أو فلاح أو تاجر أو مزارع، أسألك بالله: ما هو الذي يرجع إليك من هذا التلفاز؟ يرتفع دخلك اليومي؟ لا، تأمن من الأمراض والعلل والأسقام؟ لا، تكتسب شرفاً وسمواً بين أهلك والقرية؟ الجواب: لا، ما الذي تستفيده؟ الفائدة معدومة -والله- انعداماً كاملاً، اللهم إلا مسئول حاكم سياسي مضطر إلى أن يطلع على أحداث العالم فهذا شأنه إذا نوى بذلك الحفاظ على أمة الإسلام ودولتها وبلادها وخيرها ودينها، يثاب ولا يأثم، لكن إذا ظهرت عاهرة تغني ضغط عليه وأسكته أو أغمض عينيه، فلا يسمع ولا يشاهد إلا ما يعود عليه بخير في مهمته التي هو لها، أما بقية النساء والرجال في العالم الإسلامي فوالله! ليخسرون أولاً الوقت، وهو أغلى شيء، فالذي يضيع الساعة والساعتين وهو يشاهد ويسمع ما لا يعود عليه بخير والله! لقد أنفق وقتاً الدقيقة منه لو يجتمع أهل الكرة الأرضية على أن يعطوكها ما استطاعوا، فالوقت أغلى من الذهب.ثانياً: لما تأخذ في المشاهدة سوف تتأثر نفسياً، وتتأثر بماذا؟ بالسوء والباطل لا محالة، فاكتسبت -إذاً- سيئات وما أنت في حاجة إليها.ثالثاً: لا يحل لمؤمن أن يوجد صور عاهرات في بيته، لو كانت صورة على ورقة فهي محرمة، فكيف بصورة واقعية؟رابعاً: إن أنت كنت عصامياً كما يدعون، فبناتك وأولادك ونساؤك ما عندهم هذه القدرة على أن يتحفظوا أبداً، ما يستطيعون، يصبح الأولاد يعملون نفس الأعمال التي يشاهدونها، تلك الحركات يعملونها، ووالله! لقد فعلوا، فربيت أسرتك على باطل وشر، وأنت المسئول عنها، فهل يصح بعد هذا أن ننفق أموالنا في شراء هذه الأباطيل؟أما آثارها السيئة فهي تظهر وكل يوم تتجلى الحقائق، نصبح نقلد الكافرين في مشيتهم وحركاتهم وأصواتهم وحتى نطقهم وكلامهم.فرحم الله هذا التابعي المؤمن القائل: لقد بين الله تعالى وجوه النفقة وحددها، فلم يذكر طبلاً ولا مزماراً ولا صورة من خشب ولا غيرها، ولا ستائر للجدران، فمن أوتي مالاً فلينفق حيث بين الله تعالى له الإنفاق.قد يقول قائل: لم هذا الشيخ دائماً معني بموضوع التلفاز والفيديو والأغاني؟ الجواب: لأنه ما أمامنا معصية مشاهدة إلا هذه، لو انتهت فلن نتكلم فيها، فكيف أرضى وأنا لا أرضى لنفسي ولا لأسرتي أن يوجد في بيوتهم هذا، ونرضى به للمؤمنين والمؤمنات؟!

معنى قوله تعالى: (وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم)

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg
ثم قال تعالى: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [البقرة:215]، وما تنفقوا من خير تجزوا به، وتثابوا عليه، وتعطوا أجركم، لم؟ لأن الله خبير وعليم، ومعنى هذا: إياك أن تفهم أو يخطر ببالك أنك تنفق نفقة وإن قلَّت -كدرهم- وتخشى أن الله ما يعلمها، وعلى ذلك لا يثيبك عليه؛ لأنه ما يدري، انزع هذا من ذهنك، وما تفعلوا من خير قل أو كثر، صغر أو كبر، مهما ما كان فلا بد أن يجزينا به لعلمه به، لو كان لا يدري ما أنفقنا -وخاصة النفقات الصغيرة، والنفقات في الظلام، والنفقات حيث لا يعلمها أحد- فقد يخطر ببالك أن الله ما اطلع عليها فلا يثيبك عليها، فنفى هذا نفياً كلياً: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [البقرة:215]، ولازم علمه أنه يثيب عليه ويجزي به.فهذه الآية الكريمة بينت لنا ماذا ننفق وعلى من ننفق، فلنطع الله عز وجل، فإن كان لنا مال نحتاج إلى إنفاقه فلننفق أولاً على أنفسنا وأبنائنا وبناتنا وأزواجنا، ثم ننتقل إلى آبائنا وأمهاتنا ثم الأقرب فالأقرب فالأقرب، ثم الفقراء والمساكين واليتامى وأبناء السبيل، هذا العلم تلقيناه عن الله عز وجل، فالحمد لله، والبشرية الكافرة ما عرفت هذا ولا سمعت به.

تفسير قوله تعالى: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم ...)

الآية الثانية: هي قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ [البقرة:216]، كتب عليكم، أي: فرض، ولم يقل: فرض عليكم؛ لأن الفرض فرض، وكونه يكتب يكون أبلغ وأثبت وأكثر أصالة، كتب كتابة، وهو مكتوب في اللوح المحفوظ كتاب المقادير، وكتبه علينا في القرآن الكريم، وفرضه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ [البقرة:216]، قتال من؟ قتال الكافرين والبغاة الظالمين، لم نقاتلهم؟ لأننا حملة رسالة، هذه الرسالة آثرنا الله بها، وفضلنا على سائل الخلق بها، ينبغي أن نحملها ونبلغها إلى أهلها، هذه الرسالة: هي إنقاذ البشرية من الجهل والظلم والخبث والشر والفساد في الدنيا، ثم إنقاذها من الشقاء الأبدي والخسران الكامل يوم القيامة، أعطانا الكتاب، وهو نوره، وبعث فينا رسوله، فبين لنا ما ينبغي أن نعرفه ونعلمه، فأسند إلينا هذه الرسالة فيجب أن نبلغها، فهل نبلغها ونحن عاجزون ضعفاء غير قادرين؟ هل نبلغها ونحن نخاف من القتل والقتال؟أولاً: لا بد من العدة والعتاد والطاقة بمعناها، وهذا فرض فرضه الله علينا نحن أولياءه وحاملي رسالته، ومن العدة والعتاد أن يكون أمرنا واحداً، لا خلاف بيننا ولا اختلاف، راية واحدة وإمام واحدة، فريضة الله، عرف العدو هذا فمزق دولتنا إلى نيف وأربعين دولة، فتركنا مختلفين متنازعين، وجعل الراية رايات، فهل نستطيع أن نقوم بهذا الواجب ونحن مفترقون متشتتون منقسمون على أنفسنا، من يقول: نستطيع؟ والله! ما نستطيع، ويدلنا على ذلك بوضوح: أن اليهود غزونا واستعمروا ديارنا وبنو دولتهم فيها، هل استطاع العالم الإسلامي أن يطرد اليهود من فلسطين؟ ما يستطيع؛ لأنه متفرق مختلف، ما هو بأمة واحدة ولا دولة واحدة أبداً، عشرات الدول، فأول عدة ينبغي أن تكون هي توحيد كلمة المسلمين، هل توحيد كلمتهم من الصعوبة بمكان؟ لا والله، متى آمنوا إيماناً حقيقياً أصبحوا أمة واحدة، والعدو عرف هذا ففتت وبدد طاقات الإيمان من قلوب المسلمين، فأصبحوا مؤمنين صورياً، لا حقيقة، إلا من رحم الله، إذ لو آمنوا إيماناً حقاً لأنفقوا كل شيء، فلم يبقوا يحافظون على التراب والطين والقبيلة والوطن والمال والنفس، لكن ما آمنا الإيمان الحقيقي. ‏

تميز الرجال عن النساء بوجوب القتال عليهم

إذاً: كتب علينا القتل فهيا، وقرئ (كتب عليكم القتل)، ولا فرق بين القتل والقتال؛ لأنه لا يقتل حتى يقاتل، وهنا بيت شعري لطيف: كتب القتل والقتال عليناوعلى الغانيات جر الذيول.من قال هذا؟ أولئك العرب الأقدمون، قالوا: كتب القتل والقتال علينا، نموت ونميت، نَقتُل ونقتَل.(وعلى الغانيات جر الذيول) من هن الغانيات؟ الغانيات: النساء المؤمنات، ماذا كتب عليهن؟ جر الثياب الطويلة، ما تجعل ثوبها إلى فخذيها كالمتحررات أو إلى نصف ساقيها أو كعبيها، ثوبها يمشي وراءها الشبر والشبرين والذراع، وقد سألت مؤمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نجاسته، فقال: لا شيء عليك، لأنك تجرينه على الأرض، فالطاهرة تطهر النجس.فمتى يعود نساؤنا على هذه الصورة؟ حين نؤمن وندخل في الإسلام بجد وصدق، وحينئذٍ فجأة وإذا بالمؤمنات مقصورات في الخيام كالحور العين، يربين البنين والبنات ويعبدن الرحمن، ويسعدن الأزواج في تلك البيوت، ومعنى هذا: أنه ما هناك وظيفة للبنت، هذه الوظيفة فتحت فاها فأصبحت كالأفعى، أشقت الرجال، وحطمت معانيهم وكراماتهم.الآن المرأة موظفة تأخذ كذا ألفاً، والفحل غير موظف فتزدريه، فتسخر منه! وما شعرنا، ما أحسسنا، ما فهمنا أبداً، كالمسحورين تماماً.لِم تخرج المؤمنة موظفة؟ هل هي في حاجة إلى ما تطعم نفسها به؟ الفحل هو المسئول عنها، الأب هو المسئول، الأخ هو المسئول، نساؤنا يعشن في ظل فحولنا، لا أنها هي التي تقوم بالعمل، ثم لو كانت تقوم بحلب الشاة أو البقرة، أو جمع كذا في بستانها الخاص بها فلا بأس، أما أن تتوظف مع الرجال وتصبح رجلاً في كل شيء فوالله! لهو المسئول تماماً؛ لأن الكفار.. المشركين .. اليهود.. النصارى لا دين ولا مروءة ولا رجولة ولا فحولة فيهم، حيوانات، فإذا انسلخ نساؤهم وخرجن كاسيات عاريات وتزاحمن على الوظيفة لأجل الدينار والدرهم فلا غرابة، ولا عجب، أما أهل الإيمان فهم هداة البشرية من يهدي الإنسانية سواهم؟ فحين يقلدون الآخرين ويصبحون مثلهم وأسوأ حالاً منهم كيف سيؤدون هذه الأمانة؟قد يقولون: إذا لم تترقوا، إذا لم تنتقلوا من حال إلى حال وبقيتم متخلفين سوف تداسون بالنعال، والله! إن هذا كله هراء، لا وزن له في الواقع أبداً، بل العكس، والله لو أسلمنا في أربع وعشرين ساعة فكانت كلمتنا واحدة، ونساؤنا في بيوتنا وفحولنا يأخذون ويعطون لارتج العالم واهتزت أركانه، ولا ينفع هيدروجين ولا ذرة ولا صاروخ.كتب القتل والقتال عليناوعلى الغانيات جر الذيولتغنى بهذا الشعر المسلم العربي.

تقديم المؤمن محبة الله تعالى على كراهة النفس للقتال
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ [البقرة:216]، نعم مكروه، من منا من لا يكره القتال والقتل؟ ولكن إذا أمر الله السيد المالك عبده بأن يفعل أو يترك فينبغي أن ينفعل بذلك الأمر ويصبح ذلك المكروه محبوباً وذلك المحبوب مكروهاً، لما حرم الله على المؤمنين في هذه المدينة الخمر أما كانت محبوبة؟ أما كانت تعتق وتباع بأغلى الأثمان؟ أما كانوا يتباهون بها ويفتخرون؟ ولما كرهها الله وحرمها جرت بها أزقة المدينة في يوم واحد، ما إن نزلت: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91] حتى أخذوا الدنان والقرب من عتبة الباب ويصبونها في الشارع، حتى جرت في أزقة المدينة.ولما أحب الله القتال والقتل في سبيله أحبوا ما أحب الله، وخرجوا إلى القتال فرحين مسرورين، بل كان أحدهم يطرب عند المعركة ويهلل ويكبر، والله عز وجل أخبر بواقع عباده، إذ هو غارز غرائزهم، وخالق طباعهم، طبعنا هو هذا، نكره القتل والقتال، لكن ما إن كتبه الله وفرضه على أوليائه حتى تغير الطبع وأصبح المحبوب مكروهاً والمكروه محبوباً، فهو يخبر بهذا تمهيداً لهم، لينتقلوا من حال إلى أخرى أعلمهم بأنه كتب عليهم القتال وهو كره لهم بالفطرة يكرهونه، الدخول في المعارك وإراقة الدماء وكسر الجماجم والسقوط في الميادين، هذا مكروه للإنسان بطبعه، لكن إذا كان الله قد أحبه فإنه يحبه أولياؤه.

معنى قوله تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم)

وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:216]، (وعسى) هذا الفعل يفيد الترجي، رجاء وقوع هذا المحبوب أو المكروه، ولكن إذا كان منسوباً إلى الله فلا يفيد إلا الجزم والتحقيق؛ لأن الله يملك كل شيء، وقدرته على كل شيء، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ [البقرة:216]، وفي هذا يقول الشاعر وقد جمع تفسير الآية في بيتين من الرجز: رب أمر تتقيهجر أمراً ترتضيه.(رب أمر تتقيه) كالقتال (جر أمراً ترتضيه) وتحبه وكم من أمر تتقيه وتخافه جر إليك أمراً ترتضيه وتحبه.خفي المحبوب منهوبدا المكروه فيه.فسر الآية: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:216] ببيتين من الشعر، فنحن نكره القتال وهو خير لنا، نحب الجبن والقعود في البيت وهو شر لنا، وهو كذلك.

خراب الأندلس أنموذج لأثر جبن المسلمين عن القتال

وهنا يقول القرطبي في تفسيره باكياً: لما قعد المؤمنون في الأندلس عن القتال وجبنوا وآثروا الدنيا وزخارفها وقعدوا عن الجهاد في سبيل الله ماذا حدث لهم؟ تسلط عليهم النصارى الصليبيون، فمزقوهم، شردوهم، قتلوهم، استعبدوهم، وحولوا تلك الجنة إلى جحيم، أين جنة الأندلس؟ السبب أنهم قعدوا عن القتال، أحبوا ما كره الله، وكرهوا ما أحب الله في هذه الآية، وهذا واقع، فالأندلس كانت تسمى جنة العالم الإسلامي.ومما يؤثر عنهم ونحفظه: أنهم لما ترقوا وتحضروا أدخلوا في المستشفيات الأغاني، قالوا: مما يساعد المرضى على النقاهة والترويح على أنفسهم أن تجعلوا لهم مغنيات! وهذا المطلب طلبه أحد كتابنا في جريدة المدينة أو البلاد منذ حوالي خمس وعشرين سنة، وطالب الحكومة بأن تدخل الأغاني للتسلية على المرضى! تحت عنوان: الموسيقى لا الدواء، كتب هذا ورددنا عليه وأدبناه، والحمد لله، وما وقع الذي طلب، قلنا له: على مهلك، فنحن ما عندنا أكثر من أربعين سنة تنفسنا فيها الصعداء وشممنا رائحة الخير في ديارنا هذه، فلم تستعجل البلاء؟ على الأقل بعد مائة وخمسين سنة، أراد أن يستعجلها، وذكرنا له الأندلس ديار الإسلام، جنة العالم الإسلامي، ديار العلم والعلماء والأبرار والأتقياء والكمال والعزة والسيادة، اهتزت لها أوروبا من شرقها ومن غربها، فلما آثروا الزخارف والأباطيل والملاهي والملاعب سلط الله عليهم النصارى، هي سنته، فاجتاحهم الغرب وفعل فيهم ما لا يحصى، رموهم بالمئات في البحر، مزقوهم.. صلبوهم.. شردوهم.. شتتوهم، حولوا المساجد إلى كنائس، أما في هذا عبرة أبداً؟!

انحصار الخير والشر فيما شرعه الله تعالى أو نهى عنه
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

يقول تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ [البقرة:216] قطعاً وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:216]، وكم من شيء نحبه وهو شر لنا، وآخر نكرهه وهو خير لنا، وبالجملة: كل ما أمر الله به فهو خير وإن كان أن تخرج من مالك أو تقدم دمك وكبدك، فهو والله خير، وكل ما نهى الله عنه وإن ظهر لك أنه خير فهو والله لشر، والأمر واقع مشاهد، إذ مولانا عز وجل لا يأمرنا وهو ولينا إلا بما فيه خيرنا وكمالنا وسعادتنا، حاشاه أن يفرض علينا ما يجلب لنا ذلاً أو هوناً أو دوناً، حاشاه أن يقع هذا منه أبداً، فجميع أوامر الله التي كلفنا بها هي خير، وجميع نواهيه التي نهانا عنها من اعتقاد أو قول أو زي أو لباس أو صورة أو تفكر هي شر لنا، والواقع شاهد.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآية في قوله تعالى: (يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين...)

ولنستمع إلى تلاوة الآية في شرحها كما هي العادة في هذا الدرس.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ معنى الآية الكريمة ] أي: الآية الأولى، وهي قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [البقرة:215].قال: [ سأل عمرو بن الجموح -وكان ذا مال- رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا ينفق وعلى من ينفق؟ فنزلت الآية جواباً لسؤاله، فبينت أن ما ينفق هو المال وسائر الخيرات، وأن الأحق بالإنفاق عليهم هم الوالدان والأقربون واليتامى والمساكين، وأبناء السبيل، وأعلمهم تعالى أن ما يفعله العبد من خير يعلمه الله تعالى ويجزيه به، فرغب بذلك في فعل الخير مطلقاً ]، ليس المال فقط: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ [البقرة:215]، صلاة .. صيام.. جهاد.. رباط كله خير.

هداية الآية

هذه الآية يؤخذ منها الهدايات الآتية:قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآية الكريمة:من هداية الآية: أولاً: سؤال من لا يعلم حتى يعلم، وهذا طريق العلم ]كما علمنا، سؤال من لا يعلم من يعلم، وهو واجب، وهذا هو الطريق للوصول إلى العلم، سؤالك عما لا تعلم أهل العلم وجوابهم لك هو العلم، انظر هداية هذه الآية.سؤال من لا يعلم حتى يعلم، يواصل السؤال وما ينقطع إلى أن يعلم، [ وهذا طريق العلم، ولهذا قالوا: السؤال نصف العلم.كما أن (الله أعلم) نصف العلم أيضاً، فالسؤال نصف العلم، إذا سأل علم أو لا؟ فالسؤال نصف، وقولك: (الله أعلم) نصف العلم، إذا سئلت عما لا تعلم وقلت: الله أعلم فهذا نصف العلم، فانحصر العلم في السؤال وفي التفويض إلى الله، أي: الله أعلم.[ ثانياً: أفضلية الإنفاق على المذكورين في الآية إن كان المنفق غنياً وهم فقراء محتاجون ]، من هداية هذه الآية بيان أفضلية الإنفاق على المذكورين في الآية: الأبوان، والأقرباء واليتامى والمساكين وابن السبيل، إذا كان المنفق غنياً وهم فقراء محتاجون إليه.[ ثالثاً: الترغيب في فعل الخير والوعد من الله تعالى بالجزاء الأوفى عليه ]، تضمنت هذه الآية هداية، وهي الترغيب في فعل الخير: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [البقرة:215]، أي ترغيب أعظم من هذا؟ فمن استطاع أن يفعل خيراً فليفعل ولو إزالة شوكة من الطريق، فإن الله به عليم، ولازمه: أنه يثيب عليه ويجزي به.

معنى الآية في قوله تعالى: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم ...)
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

أما الآية الثانية فلنستمع إلى شرحها بعدما علمناها:قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ معنى الآية الكريمة:يخبر تعالى رسوله وعباده المؤمنين بأنه فرض عليهم قتال المشركين والكافرين، وهو يعلم أنه مكروه لهم بطبعهم لما فيه من الآلام والأتعاب وإضاعة المال والنفس، وأخبرهم أن ما يكرهونه قد يكون خيراً لهم، وإن ما يحبونه قد يكون شراً لهم، ومن ذلك الجهاد فإنه مكروه لهم وهو خير لهم لما فيه من عزتهم ونصرتهم ونصرة دينهم مع حسن الثواب وعظم الجزاء في الدار الآخرة، كما أن ترك الجهاد محبوب لهم، وهو شر لهم؛ لأنه يشجع عدوهم على قتالهم واستباحة بيضتهم، وانتهاك حرمات دينهم، مع سوء الجزاء في الدار الآخرة.وهذا الذي أخبرهم تعالى به من حبهم لأشياء وهي شر لهم، وكراهيتهم لأشياء وهي خير لهم هو كما أخبر لعلم الله به قبل خلقه، والله يعلم وهم لا يعلمون، فيجب التسليم لله تعالى في أمره وشرعه مع حب ما أمر به وما شرعه واعتقاد أنه خير لا شر فيه ].

هداية الآية

وفي هذه الآية أيضاً ثلاث هدايات:قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآية الكريمة:من هداية الآية: أولاً: وجوب الجهاد على أمة الإسلام ما بقيت فتنة في الأرض وشرك فيها ]، الجهاد فريضة الله على العالم الإسلامي ما بقي كافر ومشرك، ولا يسقط هذا الفرض أبداً حتى لا يبقى في الأرض من يعبد غير الله، ودليل ذلك قوله تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ [البقرة:193]، والآن كيف حال المسلمين؟ والله! إنهم لآثمون وغارقون في هذه المعصية حتى يوحدوا إمامهم وصفوفهم ويقاتلوا أعداء الله ليهدوهم ويصلحوهم ويجعلوهم من أهل الكمال والخير.ويوم القيامة نسأل عن الذين يدخلون النار؟ هؤلاء كفار فأين كنتم أنتم؟ لِم ما دعوتموهم؟ لِم ما بينتم لهم؟ ونحار في الجواب ونعجز.[ ثانياً: جهل الإنسان بالعواقب يجعله يحب المكروه ويكره المحبوب ] هذا هو السر، لو يعرف العاقبة وما يكون بعد فسيحب ما يُحب ويكره ما يُكره، لكن للجهل يحب المكروه ويكره المحبوب، لو علم ما يأتي بإزاء هذا العمل ما كان يحب إلا ما أحب الله، ولا يكره إلا ما يكره الله.[ ثالثاً: أوامر الله كلها خير، ونواهيه كلها شر، فلذا يجب فعل أوامره واجتناب نواهيه ]، بالله الذي لا إله غيره! إن أوامر الله لكلها خير، وإن نواهيه لكلها شر، ومن فعل المحبوب فاز بالخير، ومن ترك المكروه لله فاز بالنجاة. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg


ابوالوليد المسلم 06-07-2020 04:19 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (4)
الحلقة (11)




تفسير سورة البقرة (101)

بعد أن استتب الأمر للمؤمنين في المدينة وأمنوا على أنفسهم من أذى الكفار كتب الله عليهم القتال في سبيله سبحانه، فأرسل النبي سرية بقيادة عبد الله بن جحش للاطلاع على أحوال المشركين، فرأى المسلمون عيراً لقريش وكان النبي لم يأمرهم بقتال؛ لأنهم كانوا في شهر من الأشهر الحرم، فقدر الله عز وجل أن يحصل بين الطرفين قتال، فأنكر كفار قريش ذلك من النبي والمؤمنين، فأنزل الله عز وجل عذره للمؤمنين مبيناً أن ما يفعله الكفار من كفر وصد للمؤمنين وإيذاء لهم أشد من إراقة الدماء في الأشهر الحرم، وأنزل سبحانه بشارته لأفراد السرية المؤمنة وبيان معذرته لهم وتجاوزه عنهم فعلتهم.


تفسير قوله تعالى: (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا هذا الرجاء إنك ولينا ولا ولي لنا سواك. والآيات التي ندرسها بإذن الله هي قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:217-218]، هاتان آيتان من كتاب الله عز وجل من سورة البقرة.

سبب نزول الآية الكريمة

الآية الأولى لها سبب نزلت به، ومعرفة أسباب النزول تعين على فهم المقصود، يقول تعالى: يَسْأَلُونَكَ [البقرة:217] من المسئول؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسألونك يا رسولنا، من السائلون؟ الله أعلم، وهؤلاء السائلون منهم المنافقون، منهم اليهود، منهم ضعفة الإيمان؛ لأن حادثة وقعت بلبلت أفكارهم، ما هذه الحادثة؟ لما استقر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه المدينة وقبل وقعة بدر حين أصبح قادراً على الجهاد بعد نزول آية: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ [البقرة:216]، فبدأ الرسول صلى الله عليه وسلم ينفذ مراد الله، فانتخب سرية من سرايا الإسلام على رأسها عبد الله بن جحش رضي الله عنه، هذا أخو أم المؤمنين زينب بنت جحش ، ومعه بعض أفراد، وقال باسم الله، ابحثوا عن قوافل قريش وتتبعوا تحركاتها، وتعرفوا أحوالها، فذهبوا إلى بطن نخلة، أو بطن وادي نخل بين الطائف ومكة، فعثروا على عير، والعير: القافلة من إبل وغيرها تحمل بضائع، وعلى رأسها عمرو بن الحضرمي ، فاشتبكوا معه، فقتلوا عمرو بن الحضرمي، وأسروا اثنين وأخذوا القافلة، وجاءوا بها إلى المدينة، متى كانت الوقعة؟ كانت آخر يوم من جمادى الثانية، وآخر يوم من جمادى ليس من الشهر الحرام، وأول ليلة هي ليلة رجب، وهو من الشهر الحرم، بل هو أعظم الأشهر الحرم، ما إن سمعت قريش بالحادثة حتى اختنقت وأخذت تصيح: انظروا إلى محمد يستبيح القتال في الشهر الحرام، أين الدين الذين يدعو إليه، وأين الإسلام كما يقول، كيف يستبيح القتال في الأشهر الحرم؟ وجاء الخبر إلى المدينة، وأوقف الرسول الأسرى، ما تصرف فيهم، والغنيمة كذلك، وأخذ المنافقون واليهود والمرضى في هيجان؛ لأن هذه أول سرية في الإسلام، وكثرت التساؤلات، وأبواق المجرمين والمنافقين لا تهدأ، فنزلت هذه الآية فيصلاً: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ[البقرة:217]، أي: يسألونك عن القتال في الشهر الحرام؟ فـ(قتال) بدل، يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ[البقرة:217] أي: عن القتال فيه.


معنى قوله تعالى: (قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله)

قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ [البقرة:217] إثم كبير، لكن عبد الله رئيس السرية ما قاتل في رجب، قاتل في آخر يوم من جمادى، وأنتم تشنعون وتقولون وهو في آخر يوم من جمادى وما هو في رجب، ثم قد نسلم بأنه: قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ [البقرة:217] ولكن وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ [البقرة:217]، تتبجحون في قضية تافهة، وما تم القتال في الشهر الحرام، لكن نحن نعم نعترف بأن القتال في هذا الشهر الحرام حرام، لكن أنتم الآن خفتم من هذا الإثم، وهو إثم عظيم، ولكن تعالوا ندلكم على ذنوبكم:أولاً: صد عن سبيل الله، وصرف للناس عن الإسلام بالقتال وبالدعاية وبكل وسيلة، هذا الصد هل هو حلال؟ أي إثم أعظم من هذا؟ وَكُفْرٌ بِهِ [البقرة:217] أي: بالله، والشرك به، هل هذا أيضاً شيء قليل؟ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:217] أي: والصد عن المسجد الحرام ومنع المسلمين من دخوله، أهذا أيضاً لا بأس؟ هو أعظم ذنب. وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ [البقرة:217] أي: من المسجد الحرام بطرد المؤمنين حتى هاجروا، هذا أكبر عند الله من كون القتال وقع خطأ في آخر يوم. وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ [البقرة:217]، فتنة المؤمنين حتى يخرجوا من دينهم بالضرب والإحراق بالنار أكبر، هل عرفتم الآن المعنى؟ اسمع الآية: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ [البقرة:217] فأسكتهم.

معنى قوله تعالى: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ...)

ثم قال تعالى: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ [البقرة:217] لن يفرغوا أبداً من قتالكم ولن ينتهوا حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ [البقرة:217] حسبما يرون وما يزعمون، وهذا كشف عن نيات الكفار، وما يدور في خلدهم، وما هم عليه إلى اليوم. وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ [البقرة:217] لعلة ماذا؟ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217]، وهذه الجملة تبشرنا بخير، أنهم لا يستطيعون، فقوله تعالى: إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217] معناه: لا يستطيعون، لكن تصوراتهم ..فهومهم.. أعمالهم.. تدبيرهم كله على أن لا يبقى إسلام وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217].


معنى قوله تعالى: (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة ...)

ثم قال تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ [البقرة:217]، وفي قراءة سبعية: (ومن يرتدّ) بدون فك، مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ [البقرة:217] أي: الإسلام فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ [البقرة:217] أي: لم يتب ولم يرجع؛ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217]، حتى لا يفكر مؤمن في أن يرتد، لا لدنيا ولا لغيرها؛ لأنه هبوط لا حد له، فانتبهوا. وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ [البقرة:217]، أما إن ارتد وتاب ومات على الإسلام فقد نجا، لكن فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ [البقرة:217].

حكم العمل الصالح قبل الردة إذا تاب المرتد

هنا مسألة فقهية: هل العبد إذا ارتد عن الإسلام ولم يمضِ عليه زمان طويل أو قصير حتى تاب، هل أعماله الصالحة التي عملها من الحج والعمرة والصالحات والجهاد تعود له أو يحرمها ويستأنف العمل من جديد؟أعيد القضية: فلان ارتد بعدما عاش عشرين سنة في الإسلام، أصبحت البرنيطة على رأسه والصليب في عنقه، قضى فترة من الزمان تطول أو تقصر ثم تراجع، وندم وعاد إلى الإسلام، هل أعماله الصالحة التي عملها أيام إسلامه تمسح وتنسخ وتحبط بكفره أو لا؟ الجمهور وأكثرية الأئمة على أن أعماله الصالحة لا تعود إليه، إلا الشافعي فإنه يقول: تعود إليه.الجمهور احتجوا بقول الله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65]، والشافعي رحمه الله قال: هذا اللفظ عام، نقيده بقوله: فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ [البقرة:217].ونتيجة هذا أن هذا الذي كان قد حج واعتمر وارتد ثم عاد هل يجب عليه الحج مرة ثانية أو يعتبر حجه الأول عملاً صالحاً له؟ الجمهور يرون أن عليه أن يعيد الحج؛ لأن الشرك محبط للعمل مبطل، ما بقي له شيء. ورأي الجمهور أصوب، لقوله تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65]، وبالإجماع أن الشرك مبطل للأعمال محبط لها.يبقى إذا عاد إلى الإسلام، هل أعماله الأولى ترد له ويثاب عليها وقد محاها بكفره؟ الصواب: أنها لا تعود، يستأنف العمل من جديد، فيحج، ويعتمر.

حكم استتابة المرتد

وسؤال ثان في هذه القضية: هل المرتد يقتل فوراً أو يستتاب؟ هل من ارتد يستتاب ثلاثة أيام أو على الفور يساق إلى المشنقة؟ الجواب: يستتاب ثلاثة أيام، ففي الهيئة، أو في مركز الشرطة يعرضون عليه التوبة: تتوب أو لا؟ أتوا بالماء فقالوا: توضأ وصلّ. فقال: ما أنا بمصل، لن أزكي، وهكذا إلى اليوم الثالث، يقولون: ستتوضأ وتصلي أو لا؟ فإذا بقي على المغرب قدر ما يتوضأ ويصلي يقال له: صل. فإن قال: لا ضرب رأسه، ومات كافراً إلى جهنم، ارتد ومات كافراً، فإن هو رجع وقال: أتوب إلى الله وصلى ردوه إلى أهله.


حكم قتل المرأة المرتدة

وهنا سؤال آخر: هل المرأة تقتل بالردة أو لا؟الجمهور على أنها لا تقتل بالردة، تسجن وتعزر حتى تتوب، لِم؟ قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم في قتاله ما قتل النساء ولا الأطفال، وحرم قتل النساء والأطفال في الحرب، لا يحل لمؤمن أن يقتل امرأة إلا إذا حملت السلاح ودخلت المعركة، فهذه مقاتلة، والأطفال كذلك.قالوا: إذاً: وهنا المرأة لِم تقتل؟ ما دام الرسول قد عفا عن قتلها وهي كافرة إذاً: يعفى عنها الآن وهي كافرة، لكن لا بد من تعزير، إن كانت متزوجة يفسخ نكاحها على الفور، فهي حرام لا تحل له.

حكم استتابة المرتد بسبِّ النبي صلى الله عليه وسلم

وهل هناك من يقتل إذا ارتد دون استتابة؟ مالك يقول: نعم، الذي يسب النبي صلى الله عليه وسلم يقتل على الفور، لا تقبل له توبة ولا يستتاب. ما دليلك يا مالك ؟ قال: إن امرأة في المدينة لها خادم منافق يسب الرسول صلى الله عليه وسلم أمامها، فجاءت بالليل بحديدة وهو نائم، فاعتمدت عليه وقتلته، وذهبت إلى الرسول تخبره، فلم ينكر عليها فعلها، أقرها على ما فعلته؛ لأن سب الرسول صلى الله عليه وسلم ما يطاق، قد يسبون الله، نسبوا إليه العجز والولد، والله عز وجل شأنه عظيم، فيعفى عنهم إن تابوا، لكن سب الرسول معناه: خداع وغش وضرب الإسلام. والجمهور يقولون: يستتاب كغيره فإن تاب وإلا قتل. والأمر واسع، وكله خير.

حبوط أعمال الميت على الردة وخلوده في النار

فهذا دل عليه قوله تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ [البقرة:217] البعداء حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ [البقرة:217] أي: بطلت فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217]، أهل جهنم، خالدون فيها لا يموتون ولا يخرجون، ملايين السنين، حياة غير قابلة للفناء، وهل للحياة غير القابلة للفناء صور أو لا؟ هذه الشمس كم سنة لها، هل طال عمرها أو لا؟ أهل النار يدخلون في النار ما يموتون، ولا تنتهي، فيها صنوف العذاب وألوان الشقاء وحياة لا تسأل عن مرارتها، ولا موت ولا خروج، أين يخرجون، أجسامهم غير قابلة للموت، فما يموتون.وأهل الجنة فوق أيضاً في عالم كامل، عالمنا هذا ليس قطرة من بحر، أهلها دائماً أحياء لا يموتون ولا يمرضون، هكذا خلقهم الله على صورة غير قابلة للفناء والتحلل والتبخر. وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217]، هذه الآية خير لكم من عشرين ألف ريال، أما الذين حفظوها وفهموها فوالله! لخير لهم من مائة ألف ريال، فمائة ألف ريال ممكن أن توقعك في البلاء والشقاء، ما تستفيد، في أكثر ما أن تأكل وتلبس؟ ثوب واحد وقرص عيشك لك طول حياتك.

تفسير قوله تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله ...)

الآية الثانية قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ [البقرة:218] السامون الأعلون يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ [البقرة:218] لهم رَحِيمٌ [البقرة:218] بهم. هذه نزلت أيضاً في عبد الله بن جحش صهر النبي صلى الله عليه وسلم، إذ هو الذي قاد السرية أو لا؟ هو الذي قتل عمرو بن الحضرمي، وأصبح هو أيضاً الآن خائفاً مع أصحابه، والرسول صلى الله عليه وسلم ما بت في القضية، ما زال الأسرى على ما هم عليه والغنيمة كذلك حتى يجيء حكم الله، فكان في كرب مع أصحابه ينتظرون حكم الله فيهم، بل وحتى جيرانهم والناس كلهم، فقال تعالى مخبراً مؤكداً الخبر: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:218]، عبد الله بن جحش أما آمن ؟ ورفقته أما آمنوا من قبل؟ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا [البقرة:218] أما هاجروا من مكة إلى المدينة؟ وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:218] لا في سبيل الدنيا ولا المال، أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ [البقرة:218]، ورجاء الرحمة: انتظارها برغبة مع حسن الظن بأنها واقعة، ترقب للخير وانتظاره مع الظن للغالب، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:218]، إذاً: غفر لهم ورحمهم فباتوا في هدوء وعاشوا سعداء.هكذا يعامل الله أولياءه من عباده المؤمنين، هذه الآية نزلت في عبد الله بن جحش تساوي الدنيا بما فيها، من هو أو أنا حتى ينزل القرآن فيه ويطمئنه ربه ويبشره بالمغفرة والرحمة؟ فالحمد لله. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:218] ويبقى هذا إلى يوم القيامة: كل من آمن أولاً ثم هاجر من بلاد الشرك والكفر، ثم جاهد مع المجاهدين في سبيل الله، فالكل يرجون رحمة الله .


قراءة في أيسر التفاسير

معنى الآيات

الآن تسمعون شرح الآيتين من الكتاب.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

حرمة دين الله
[معنى الآيتين:لما أخبر تعالى أنه كتب على المؤمنين القتال أرسل النبي صلى الله عليه وسلم سرية بقيادة عبد الله بن جحش إلى بطن نخلة يتعرف على أحوال الكفار ]؛ لأن الكفار -كما سمعتم- أعطوا جائزة مائة بعير لمن يأتيهم برأس محمد، ما إن خرجوا حتى عرفوا أن الحالة تغيرت، فلا بد -إذاً- من تخطيط عمل وحركات، فأراد الحبيب صلى الله عليه وسلم أن يتعرف على أحوالهم، فبعث سرية بقيادة عبد الله بن جحش رضي الله عنه.قال: [ فشاء الله تعالى أن يلقى عبد الله ورجاله عيراً لقريش، فقاتلوهم، فقتلوا منهم رجلاً يدعى عمرو بن الحضرمي وأسروا اثنين، وأخذوا العير، وقفلوا راجعين إلى المدينة، وكان ذلك في آخر يوم من جمادى الآخرة، وهي أول ليلة من رجب، فثارت ثائرة قريش، وقالت: محمد يحل الشهر الحرام بالقتال فيه! وردد صوتها اليهود والمنافقون بالمدينة ]، كما تعرفون المغرضين وأهل الأهواء والأطماع، استجابوا.وهل بقي القتال في الشهر الحرام محرماً إلى اليوم أو نسخ؟ الجواب: نسخ بقوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ [التوبة:5]، فالشهر الحرام بقيت حرمته وجلاله وقدسيته، لكن إذا قاتلنا المشركون فالله تعالى يقول: الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ [البقرة:194]، وإذا اضطررنا إلى قتالهم نقاتلهم في الشهر الحرام، إذ قاتل الرسول صلى الله عليه وسلم في الطائف في آخر شوال وأول العقدة، في غزوة حنين وثقيف.ثم لا تنسوا: أن الذي حرم هذه الأشهر هو الله، وقرر هذا، وألقاه في قلوب العرب في الجاهلية قروناً ليفسح لهم المجال لأن يتنقلوا في الجزيرة تجاراً وعمالاً ويتراحموا، عهود ربانية، والله! ما تستطيعها الأمم المتحدة، إذا دخل الشهر الحرام وقف السلاح فلا إغارات، لا غزو، لا سطو أبداً.فعل هذا من خلق القلوب وهو يقلبها، والعلة: أن يعيشوا في هذه الأشهر حتى يتمكنوا من حياتهم، قال تعالى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ [المائدة:97]، لتقوم حياتهم على هذه الأشهر الآمنة التي لا قلق فيها ولا خوف. جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المائدة:97]، (قياماً للناس) يعني: حياتهم تقوم على هذه الأشهر، يبيعون ويسافرون، ويعودون، كما قال تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء:5].إذاً: فلهذا تعجبت قريش بالفعل: كيف يقاتل الرسول صلى الله عليه وسلم في الشهر الحرام وهو رسول الله؟ ووجدوا فرصة للتشنيع والتهويل، واسمع ما قالوا.قال: [ وأخذوا العير وقفلوا راجعين، وكان ذلك في آخر يوم من جمادى الثانية، وهي أول ليلة من رجب، فثارت ثائرة قريش وقالت: محمد يحل الشهر الحرام بالقتال فيه، وردد صوتها اليهود بالمدينة والمنافقون بالمدينة؛ حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم وقف العير والأسيرين ولم يقضِ فيهما بشيء حتى ينزل حكم الله، وتعرض عبد الله بن جحش ورفاقه لنقد ولوم عظيمين من أكثر الناس ] يلومونهم: لِم تقاتلون في الشهر الحرام؟قال: [ وما زال الأمر كذلك ] اللوم والعتاب والصياح والضجيج [ حتى أنزل الله تعالى هاتين الآيتين: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ [البقرة:217] أي: أي عن القتال فيه، أجبهم يا رسولنا وقل لهم: القتال فيه وزر كبير، بيد أن الصد عن دين الله والكفر به تعالى، وكذا الصد عن المسجد الحرام، وكذا إخراج الرسول منه والمؤمنين وهم أهله وولاته بحق أعظم وزراً في حكم الله تعالى ].هناك مثل عامي يقول: يحرم الإبرة ويستبيح الجمل! يقول: أخذ الإبرة حرام، كيف تسرق إبرة مؤمن؟ والجمل لا بأس به؛ لأنه ربما يحتاج إليه! فهم يحرمون القتال في الشهر الحرام ويفعلون كل الأباطيل والشرور، من القتل والتهجير والكفر وما إلى ذلك.قال: [ أجبهم يا رسولنا، وقل لهم: القتال فيه وزر كبير ]، أي: إثم كبير، [ بيد أن الصد عن دين الله، والكفر به تعالى، وكذا الصد عن المسجد الحرام وإخراج الرسول منه والمؤمنين وهم أهله وولاته بحق أعظم وزراً في حكم الله تعالى، كما أن شرك المشركين في الحرم وفتنة المؤمنين فيه لإرجاعهم عن دينهم الحق إلى الكفر بشتى أنواع التعذيب أعظم من القتل في الشهر الحرام، مضافاً إلى كل ذلك عزمهم على قتال المؤمنين إلى أن يردوهم عن دينهم إن استطاعوا.ثم أخبر تعالى المؤمنين محذراً إياهم من الارتداد مهما كان العذاب ] يصب عليهم، يحذرهم [ أن من يرتد عن دينه ولم يتب بأن مات كافراً؛ فإن أعماله الصالحة كلها تبطل، ويصبح من أهل النار الخالدين فيها أبداً ].فلا ينبغي للمؤمن إذا عذب يسيراً أن يلبس برنيطة على الفور ويقول: أنا مسيحي، بل يصبر، لكن إذا كان العذاب شديداً بحيث يغمسونه في الماء أو يكوونه بالنار في تلك الحالة يعطيهم ما طلبوا منه، إذ كان عمار ووالده وأمه سمية يعذبون بالغمس في الماء، يجرونهم على الأرض الحارة، فيأتي عمار الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول له: أعطهم، هم يطالبون فيقولون: امدح آلهتنا وسب الرسول ودينه، أو نبقى نعذبك، ونزل في ذلك قول الله تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ [النحل:106]، أي: على الكفر وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106]، فلا حرج.قال: [ مضافاً إلى كل ذلك عزمهم على قتال المؤمنين إلى أن يردوهم عن دينهم إن استطاعوا، إذ قال تعالى: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217].ثم أخبر تعالى المؤمنين محذراً إياهم من الارتداد مهما كان العذاب أن من يرتد عن دينه ولم يتب بأن مات كافراً فإن أعماله الصالحة كلها تبطل ]، سواء كانت جهاداً أو حجاً أو صلاة أو صياماً، [ ويصبح من أهل النار الخالدين فيها أبداً. هذا ما تضمنته الآية الأولى ] ما هي الآية الأولى؟ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217]، هذه هي الآية الأولى.
بشارة الله عز وجل لعبد الله بن جحش ومن معه وتجاوزه عنهم قتالهم في الشهر الحرام
[ أما الآية الثانية إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا [البقرة:218] فقد نزلت في عبد الله بن جحش ]، من عبد الله بن جحش هذا؟ هذا صهر النبي صلى الله عليه وسلم، هذا أخو زينب ، أما تعرفون عن زينب شيئاً؟ لو جمعت نساء العالم اليوم والجامعيات على الخصوص فلا يصلحن حذاء لـزينب ، هذه زينب تولى الله تعالى عقد نكاحها لرسول صلى الله عليه وسلم في السماء، وكانت تفاخر نساء الرسول: ما منكن واحدة إلا وتولى عقد نكاحها أبوها أو أخوها، وأنا تولى الله تعالى عقد نكاحي. ما سبب هذا الفضل والشرف، كيف فازت به؟ من أجل اطراحها بين يدي الله ورسوله، لما نزل: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]؛ لأن زينب بنت عمة الرسول صلى الله عليه وسلم، زينب لما جاءت مهاجرة مع أخيها عبد الله أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يزوجها مولاه زيد بن حارثة الكلبي رضي الله عنه، فخطبها والرسول يستحيي، والله! لو جمعت حياء الأمة كلها ما بلغ حياء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما يخاطب الشخص في وجهه هكذا من حيائه، فلما خطبها لـزيد فهمت أنه خطبها له هو لتصبح أم المؤمنين، وبعد ساعات أو ليل أو نهار قال لها النساء: ما لك! أنت مخطوبة لـزيد العبد؟! لن يكون هذا أبداً، فشرفنا قبل كل شيء! وأخوها عبد الله وقف إلى جنبها: كيف بشريفة قرشية تتزوج عبداً من العبيد مملوكاً، لن يكون هذا أبداً.ولكن الله أراد أن يكون هذا ليهدم به بناء بنته الأيدي الكافرة، وهو أن من تبنى ولداً يصبح كولده، لا ينكح ابنته، إذاً: وزيد كان متبنىً للنبي صلى الله عليه وسلم، اشترته خديجة ووهبته للرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول أعتقه وتبناه أيضاً، فكان يعرف بـزيد بن محمد، فأراد الله أن يبطل هذا التبني من أساسه، إذاً: فماذا صنع الجبار وهو ذو التدبير الحكيم؟ أمر رسوله أن يخطب زينب لمولاه، ففهمت أنها خطبت للرسول ففرحت وقرت عيناها، وبعد يوم أو ساعات تبين لها أنها مخطوبة لـزيد ، فقالت: لن يكون هذا، كيف يسمع الأشراف والدنيا أن فلانة تزوجها مولى؟! فأنزل الله تعالى هذه الآية التي سنتلوها، ولو تليت في بلاد فيها محال تبيع الخمر فوالله! ما يبقى واحد يبيع الخمر، فيكيف بالذين على سطوحهم الدشوش، ويبيتون مع عواهر العالم ومجرميه يتفرجون، لو يحضرون ويفهمون فوالله! ما بات ذلك في بيوتهم.اسمع، يقول تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ [الأحزاب:36] وحكما أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا [الأحزاب:36]، والله ما إن نزلت الآية وتليت في البيوت وعلى ألسنة النساء والرجال حتى اطرحت زينب بين يدي رسول الله: زوجني كما أمرك الله يا رسول الله، وتنازل عبد الله البطل قائد أول سرية في الإسلام، ورضي بقضاء الله، وتزوجت زينب المولى زيد بن حارثة ، وتمضي الأيام وزينب نفسها ما هي بمرتاحة لهذا الزوج، مرغمة مكرهة، فكان زيد يشاهد هذا منها، يرى كأنه يؤذيها، فيشكو إلى رسول الله مولاه: يا رسول الله! هذه آذيتها نريد أن نفارقها، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: اصبر، كما قال تعالى: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب:37] امسك يا زيد عليك زوجك، لِم لم يقل: (زوجتك)؟ الفصيح أن (الزوج) للذكر والأنثى، والعامة تقول: زوج للرجل للفصل بين الرجل والمرأة، وإلا فالزوج واحد، كلاهما زوج، أنت كنت فرداً فزوجناك فأصبحت زوجاً، والمرأة أصبحت زوجاً، لكن إذا خفت اللبس والاختلاط فقل: (الزوجة) بالهاء، ولا تقل: هذه زوجي، لأنهم ما يفهمون هذا.قال تعالى عن نبيه وهو يخاطب زيداً : أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ [الأحزاب:37]، وتخفي يا رسول الله ما في نفسك ما الله سيظهره؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم خائف أن يطلقها زيد ويتزوجها هو ويقول الناس: انظروا إلى محمد يتزوج امرأة ابنه، من يطيق هذا؟ مع حيائه وكماله، فكان يخفي هذا، والله يعاتبه، فماذا قال له؟ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ [الأحزاب:37]. فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا [الأحزاب:37] من زوجه إياها؟ الله، فكانت تفاخر فتقول: ما منكن يا نساء إلا وتولى عقد نكاحها وليها، وتولى عقد نكاحي ربي! وما إن نزلت الآية حتى أقام الرسول صلى الله عليه وسلم الاحتفال بالوليمة والناس يدخلون يأكلون، لا عقد في الأرض ولا شهود، تولى الله زواجها.أما زيد فقد خلد الله ذكره في الأرض والسماء، ولم يظفر بهذا أي واحد غير الرسول صلى الله عليه وسلم، أعطوني مؤمناً ذكر الله اسمه في القرآن سوى رسول الله وزيد. فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا [الأحزاب:37] لِم؟ لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا [الأحزاب:37]، فالذي كنت تبنيته إذا طلق امرأته لك أن تتزوجها، ما هو بابنك حقيقة، بدعة جاهلية أبطلها الله، لكن من تحمل حملها الثقيل؟ رسول الله وزينب وزيد ، رضي الله عن صحابة رسول الله، وصلى الله وسلم على نبيه ومصطفاه.قال: [أما الآية الثانية إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا [البقرة:218] فقد نزلت في عبد الله بن جحش وأصحابه، طمأنهم الله تعالى على أنهم غير آثمين لقتالهم في الشهر الحرام، كما شن عليهم الناس بذلك، وأنهم يرجون رحمة الله ] أي: الجنة [ وأنه تعالى غفور لذنوبهم رحيم بهم؛ وذلك لإيمانهم وهجرتهم وجهادهم في سبيل الله، وقال تعالى فيهم: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ [البقرة:218] ].


هداية الآيات

هل لهاتين الآيتين من هداية وأنوار نقتبسها لنعيش عليها أياماً؟ وهل القرآن نور؟ والله! إنه لنور، أما قال تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا [التغابن:8]؟ هل يستطيع إنسان أن يمشي في حياته بغير القرآن ويستقيم؟ والله ما كان، أقسم بالله على أنه لا بد أن يتخبط في الذنوب، في الآثام، في الجهالات، يمشي في الظلام، وإن شككتم فافتحوا أعينكم على العالم الإسلامي، فمنذ كم قرناً وهو يتخبط، من يوم أن أعرضوا عن كتاب الله وحولوه إلى الموتى والقبور وهم يتخبطون، إذاً: للآيتين هداية.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآيتين:من هداية الآيتين:[ حرمة الشهر الحرام والبلد الحرام ]، يجب أن نحترم الشهر الحرام ومكة إلى يوم القيامة. [ ثانياً: نسخ القتال في الشهر الحرام ]، القتال في الشهر الحرام نسخ، فيجوز، إذا احتاج المسلمون إلى القتال فيه يقاتلون، ومع هذا فإذا أرادوا أن يغزوا فقال قائدهم: نترك هذا الشهر حتى يدخل الشهر الآخر فلا بأس، لكن إذا فوجئوا فلا ينتظرون.قال: [ نسخ القتال في الشهر الحرام بدليل قتال الرسول صلى الله عليه وسلم هوازن وثقيف في شوال وأول القعدة، وهما في الأشهر الحرم ].قاتل ثقيف وهوازن في الأشهر الحرم، ومعنى هذا أن القتال في الشهر الحرام جائز للمسلمين، لكن يبقى الشهر الحرام معظماً، لا يعصى فيه الجبار، يتقرب فيه إلى الله بالطاعات؛ لأنه أفضل الشهور وأعظمها.[ ثالثاً: الكشف عن نفسية الكافرين، وهي عزمهم الدائم على قتال المسلمين إلى أن يردوهم عن الإسلام ويخرجونهم منه ]، والآن هل فرغوا من هذه أو ما زالوا؟ الجواب: ما زالوا.[ رابعاً: الردة ]، وهي هيئة الارتداد،











ابوالوليد المسلم 06-07-2020 04:21 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (5)
الحلقة (12)


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

تفسير سورة البقرة (102)

كان العرب في الجاهلية يشربون الخمر ويقامرون، فلما جاء الإسلام وقامت دولته في المدينة بدأت الأحكام الشرعية تنزل شيئاً فشيئاً، ومن ذلك حكم الخمر حيث تدرج الحكم فيها حتى نزل تحريمها أخيراً، كما نزل الأمر بالإنفاق مطلقاً حتى تساءل الصحابة عن كيفية الإنفاق وأبوابه، فجاء التفصيل في ذلك ببيان النفقات الواجبة على كل مسلم، ثم ما يستحب له من النفقات في وجوه الخير والبر.

تفسير قوله تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس ...)
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين من يوم الأحد- ندرس كتاب الله عز وجل، وقد انتهى بنا الدرس إلى هاتين الآيتين الكريمتين: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:219-220].هاتان الآيتان المباركتان اشتملتا على ثلاثة أسئلة والإجابة عنها، فمن السائل ومن المسئول؟ لا بد من المعرفة، فالسائل: المؤمنون، والمسئول: رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعلم بسؤالهم المخبر نبيه به: الله جل جلاله وعظم سلطانه.

تدرج الأحكام التشريعية
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

أول سؤال: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ [البقرة:219]، هل هما جائزان أو ممنوعان، ما حكم الله فيهما؟ اذكروا: أن الأحكام الشرعية نزلت تدريجياً حكماً بعد حكم، إذ أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة سنة، في عشر سنين ما شرع شيء سوى الإيمان بالله ورسوله والدار الآخرة، ثم فرضت الصلاة في السنة العاشرة بعد الرحلة إلى السماء والملكوت الأعلى، فصلى المؤمنون ثلاث سنوات، ولم تكن أحكام تنزل، ولما حل صلى الله عليه وسلم بالمدينة النبوية أخذ التشريع ينزل يوماً فيوماً، وكلما نزل أمر نهضوا به، وكلما نزل نهي تركوا المنهي وابتعدوا عنه، وأخذوا يكملون ويصعدون في سلم الكمال حتى أصبحوا أفضل من وجد على الأرض بعد الأنبياء والمرسلين.

اشتقاق اسم الخمر في اللغة

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg
ها هم يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخمر والميسر، أما الخمر فكل مسكر سمه خمراً ولا تبال، إذ هذا اللفظ مشتق من (خمرت الإناء): غطيته، وفي الحديث الصحيح: ( خمروا الآنية ) أي: غطوها بالليل خشية أن تقع فيها حشرة أو يشرب منها حيوان أو كذا، من عنده إناء فيه لبن أو عسل أو طعام أو ماء فليخمره بالليل، إرشاد الطبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم: ( خمروا الآنية ) يعني إناء فيه ما يطعم ويشرب. وسميت الخمر خمراً أيضاً من التغطية؛ لأن المؤمنة يقال لها: خمري وجهك، فالخمار ما هو؟ ما تغطي به رأسها ووجهها، والخمار يعرفه النساء، ما تستر به وتغطي رأسها ووجهها ذلكم الخمار.وأصل الخمر: العنب يطبخ ويستخرج منه المادة المسكرة، ثم أصبح يطلق على كل ما يخمر العقل ويستره فيصبح الرجل يهذي ويقول ما لا يعرف، وقد يغشى كبائر المعاصي؛ لأن عقله غطي واستتر، فلهذا كل مسكر خمر وحرام.

سبب السؤال عن الخمر والميسر

هذا السؤال في الآية الكريمة ما الدافع إليه؟لقد حصل أن حمزة بن عبد المطلب عم الحبيب صلى الله عليه وسلم شرب الخمر فقال كلاماً بذيئاً، ثم شربها غيره في نفر، وحضرت الصلاة فقام أحدهم ليصلي بهم فما أحسن القراءة فخلط، فنزلت الآية من سورة النساء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ [النساء:43]. فمن ثم أوقفوا عن شرب الخمر أوقات الصلاة، فلا يشربونها إلا في الوقت الواسع، من بعد صلاة العشاء إلى آخر الليل، أو من بعد صلاة الصبح إلى الظهر، لكن بعد العصر يكون المغرب، وبعد المغرب يكون العشاء، فأخذوا بتعاليم الله، لا يشربونها في الأوقات التي يبقى السكر معهم حتى يدخل وقت الصلاة، فمن هنا أخذت التساؤلات، ومن يسألون؟ رسول الله هو معلمهم وهاديهم، ومرشدهم، والواسطة بينهم وبين ربهم.

الإثم الكائن في الخمر والميسر

هنا قال: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ [البقرة:219]، أجبهم يا رسولنا، قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219]، هذا الجواب الحكيم.والميسر ما هو؟ الميسر: يطلق على آلات القمار، سواء بالكعاب أو غيرها، كل ما يعلب به، والآن معروف الورق، وكانوا يلعبون بالكعاب والنردشير، فلم سمي هذا ميسراً؟ لأنه يحصل صاحبه على المال بيسر ولا كلفة، عاكف على رجليه جالس ويلعب، وإذا ظفر وفاز أخذ المال، مأخوذ من اليسر، من يسر ييسر العبد: إذا حصل على منفعة بدون كلفة ولا ضرر. قُلْ [البقرة:219] يا رسولنا صلى الله عليه وسلم فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ [البقرة:219]، ما الإثم هذا؟ الإثم حقيقته: كل ضار مفسد، كل ما يضر بالعقل أو العرض أو المال أو الدين أو النسل فهو إثم؛ لأنه ضار، ومن حيث هو فاسد، فكل ما يضر العبد في عرضه، في ماله، في دينه، في عقله فهو إثم، والعرب كانوا يطلقون في الجاهلية على الخمر اسم: الإثم، يسمونها: الإثم، يقولون: هيا نشرب الإثم، قال شاعرهم:شربت الإثم حتى ضل عقليكذلك الإثم يذهب بالعقوليقول: (شربت الإثم حتى ضل عقلي) وتاه، (كذلك الإثم يذهب بالعقول)، عرفوا أنها ضارة وفاسدة، وسموها لذلك الإثم قبل التشريع وبيان الإثم وغيره.

المنافع المتحصلة من الخمر والميسر
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

إذاً: أجابهم الرحمن جل جلاله بهذه الجواب: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ [البقرة:219]، ما هذه المنافع للناس؟ أولاً: الخمر كانوا يستوردونها من الشام بلاد العنب، وهم تجار، وخاصة أشراف مكة وساداتها، ويبيعونها فيكسبون أموالاً طائلة، إذ كانوا يعتقونها، وكانت لها منزلة، فهؤلاء التجار استفادوا، ربحوا، كذلك شاربها يجد تخفيفاً عن نفسه من الكآبة أو الحزن وينشرح صدره، ويحصل على سرور وفرح وبهجة بسكرته، هذه هي المنافع. وأما الميسر ففيه منافع، ما هي؟ كانوا يشترون الجمل وينيخونه عند الصفا ويلعبون، فالذين ينجحون لا شيء عليهم، والذين خابوا وخسروا في اللعبة يسددون قيمة الجمل، ويذبحونه للفقراء والمساكين فقط؛ لأنهم أشراف ما يأكلون هذا اللحم الذي أخذوا بالقمار، فيذبح ويوزع لحمه، هذا معنى: وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ [البقرة:219].


معنى قوله تعالى: (وإثمهما أكبر من نفعهما)

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219]، وما دام الإثم أكبر من النفع فمعناه: اتركوهما، لكن لا في صراحة، ومن هنا أخذ عمر يلح على الله: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً.. اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، يلح في الدعاء ليلاً ونهاراً؛ لأنه لما نزلت هذه الآية بعضهم كف عن القمار وعن شرب الخمر، وبعضهم قال: ما هناك نص صريح، ما قال: لا تشربوا أو لا تلعبوا، فعمر اضطرب فأخذ يدعو الله ويلح في دعائه، واستجاب الله له، فجاء نص التحريم من سورة المائدة بعد سورة النساء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:90-91]، ومن قال: لا فقد كفر، فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91]، قال عمر : انتهينا ربنا! وهذه واحدة مما استجاب الله فيها لـعمر ، واحدة من أربع استجاب الله لـعمر فيها، من هذه الأربع: مقام إبراهيم، قال: يا رسول الله! لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ [البقرة:125]، فقال: وافقت ربي في كذا، وعدها، وما ذلك إلا لصفاء روحه وطهارتها، إذا صفت روح العبد وزكت وطابت وطهرت؛ فيصبح قريباً من الملائكة، قريباً من الله.

مراحل تحريم الخمر
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

إذاً: فحرم الله الخمر بآية المائدة، وقبل آية النساء والبقرة نزلت آية تعلن جوازها، وامتن الله تعالى على الناس بها في سورة النحل المكية: وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا [النحل:67]، هذه أصل الإباحة: وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا [النحل:67].ثم لما حدث ما حدث في الصلاة وقال ما قال إمامهم حرم الله شربها عند الصلاة، فلا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يقربها وهو يصلي أو يريد الصلاة، فخف شربها واضطربوا، فأخذوا يتساءلون؛ فنزلت هذه الآية: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219]، فكف من كف، وانقطع من انقطع عن شرب الخمر ولعب الميسر، حتى نزلت آية المائدة، بعد أن كان عمر يلح على الله: ربنا بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فلما نزلت: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91]، قال عمر : انتهينا ربنا، انتهينا يا ربنا. وأريقت من قلالها في أزقة المدينة حتى جرت كالمطر إذا سال في الأزقة الصغيرة، وما بقي مؤمن يشربها. هذا معنى قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219]، فهذه فيها الترغيب في البعد عن الخمر والميسر وفي تركهما، ولكن ليست نصاً في التحريم، وإنما حرمت بآية المائدة، السورة الآتية بعد النساء، حرمت بقوله تعالى: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91]، هذه الصيغة للتهديد، فقالوا: انتهينا يا ربنا، وفي آية المائدة بين الله تعالى مضار الخمر والميسر، فقال: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ [المائدة:90] أولاً، وسخ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ [المائدة:90-91]، عرفنا أن اللاعبين أحياناً -والله- يتسابون، وأحياناً يتضاربون، وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [المائدة:91]، والله! ما بلغنا أن جماعة يلعبون الكيرم وهم يذكرون الله عز وجل، وَعَنِ الصَّلاةِ [المائدة:91]، يؤذن المؤذن، ويدعو الداعي إلى الصلاة وهم مكبون على اللعبة حتى تنتهي وقد صلى الناس وانتهت الصلاة.إذاً: فنعود إلى الخمر، من الله على الناس بأنهم يستخدمونها ويستخرجونها من التمر والعنب، ثم نزلت حرمة شربها عند الصلاة، ثم بين تعالى مضارها، وأن إثمها أكبر من نفعها، ثم نزلت آية المائدة فحرمتها على الإطلاق، وأراقوها عند أبوابهم، والرسول صلى الله عليه وسلم جلد من شربها، وجلد المؤمنون مع رسول الله، ثم قرر علي باستنباطه: أن شاربها يجلد ثمانين جلدة، قياساً على القذف، فالقاذف الذي يقذف مؤمناً بالفاحشة، يقول: يا زاني أو يا كذا؛ إن لم يأت بأربعة شهود على صحة ما رمى به المؤمن فإنه يكشف عن ظهره ويجلد ثمانين جلدة، فـعلي قال: ما دام القاذف يجلد فشارب الخمر السكران يقول أسوأ من القذف، فأجمعت الأمة بعد علي على أن شارب الخمر إذا ثبت شربه يجلد ثمانين جلدة على ظهره. هذا السؤال الأول.

معنى قوله تعالى: (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو)
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

الثاني: وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ [البقرة:219]، لما نزل الأمر بالإنفاق: وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:195]، قالوا: كيف؟ وكم؟ ومتى؟ وما الذي ننفق؟ بين لنا يا رسول الله، فجاءوا يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم وتساءلوا فأنزل الله تعالى: قُلِ الْعَفْوَ [البقرة:219]، أنفقوا العفو، أي: الفضل والزائد عن قوتكم وحاجتكم، أنفقوا في سبيل الله للجهاد، للفقراء، للمساكين، لليتامى، ما زاد عن حاجتكم، أما ما أنتم في حاجة إليه فأنتم أولى، هذا العفو الفضل الزائد عن الحاجة، وبين الرسول صلى الله عليه وسلم هذا بقوله: ( أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى )، ما معنى: (غنى)؟ عن كفاية، ما أغناك الله به لتسد حاجتك أنت وأسرتك من الطعام والشراب واللباس، فالزائد هو الذي تنفق منه، أما أن تترك أسرتك جياعاً وتخرج طعامك فلا؛ تريد أن تسد جوعة شخص وفي بيتك جائع، تريد أن تستر عورة شخص ومن معك قد تبدو عوراتهم، فمن رحمة الله وإحسانه لأوليائه أن أجاب عن هذا بقوله: قُلِ الْعَفْوَ [البقرة:219]، قل لهم يا رسولنا: العفو هو الذي تنفقونه، ( أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى ).

معنى قوله تعالى: (كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة)

قال تعالى: كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ [البقرة:219]، أي: كما بين لكم هذه الأحكام الشرعية، ما زال القرآن ينزل يبين الآيات الحاوية للتشريع الإلهي من الذرة إلى المجرة، كل الحياة لها قوانينها وشرائعها، وما تتبعه، وما تتركه في هذا الكتاب الكريم، ما مات الرسول صلى الله عليه وسلم وبقي شيء ما عرفوا حكم الله فيه. كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ [البقرة:219]، أي: رجاء أنكم تَتَفَكَّرُونَ [البقرة:219]، فتذكروا وتعرفوا ما هو النافع وما هو الضار، ما ينفعكم في دنياكم الفانية، وما ينفعكم في آخرتكم الباقية، بهذا العلم يوماً بعد يوم والآيات تنزل بالأحكام والتشريع، به تصبحون متفكرين عقلاء، واعين، بصراء، فتعرفون ما ينفعكم في دنياكم الفانية، وما تتطلب هذه الدنيا الفانية، وما ينفعكم في الدار الآخرة الباقية، ومعنى هذا: إذا كانت الدنيا فانية والآخرة باقية فليكن عملكم للباقية أعظم وأكثر من عملكم للفانية، وهذا أمر معقول.
تفسير قوله تعالى: (ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير ...)

يتبع‏


ابوالوليد المسلم 06-07-2020 04:21 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
سبب نزول الآية الكريمة

السؤال الثالث في هاتين الآيتين: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى [البقرة:220]، هذا السؤال سببه قوله تعالى من سورة النساء: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10]، هذه دوختهم، إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ [النساء:10] يوم القيامة أو بعد الموت سَعِيرًا [النساء:10] ملتهباً؛ من أجل أكلهم أموال اليتامى. لما نزلت هذه الآية ارتبك المؤمنون، واضطرب الصالحون، وبعضهم على الفور فصل يتيمه عنه، صارت المرأة تطبخ غداء ليتيمها وغداء لزوجها وأولادها، ولا تخلط طعام يتاماها مع طعام أولادها وزوجها، وفيه مشقة، حتى الماء، هذه القربة فيها ماء اليتامى؛ لأن الماء كان يشترى، ويأتي الخادم به من مكان بعيد، والطعام كالشراب، كاللباس، كالنوم، فوقعوا في ورطة عظيمة أتعبتهم، فالمرأة تطبخ مرتين، ومن أين يوجد القدران والثلاثة؟ كيف نفصل هذا؟ فبكوا لقوة إيمانهم وبصيرتهم، ومن هنا بدأت التساؤلات: كيف نفعل يا رسول الله؟ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى [البقرة:220]، أجبهم يا رسولنا، قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ [البقرة:220]، بدلاً من أن تفصلوا طعامهم وشرابهم وكل أمورهم عنكم، وفيه مشقة عظيمة، فالعبرة ما هي بالفصل، العبرة بالمنفعة، فخلطهم أنفع لهم من فصلهم، لم؟ إذا كان طعام الأسرة بسبعة ريالات، واليتيم بريال، فإذا طبخنا له وحده ما ينفع الريال، يحتاج إلى أكثر، فالفلفل والملح والخبز على حسابه، لكن إذا كان مع مجموعتنا، معنا يتيمان وأهل البيت عشرة أنفار، فلأن يكون معنا في القدر أخف عليه.

معنى قوله تعالى: (وإن تخالطوهم فإخوانكم)
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ [البقرة:220]، فهم إخوانكم، والأخ لا يفصل عن أخيه ولا يبتعد عنه، ما فيه غرابة ولا عجب.إذاً: المهم أن تحافظوا على أموالهم، فلا تأكلوها بالباطل، وهنا لطف الله بهم ورحمهم بهذه الكلمة، وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ [البقرة:220] يا رسولنا: إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ [البقرة:220] في الطعام والشراب، والكساء والمنزل؛ فهم إخوانكم، والأخ لا يطلب لأخيه إلا ما ينفعه، ويبعده عما يضره، فلا حرج، إذاً: فاخلطوا طعامكم مع طعامهم؛ لأن ذلك أرفق بكم من حيث التعب والمشقة، وأرفق بالمال لليتامى، فإذا كانت تطبخ طعامين: طعاماً لليتامى وآخر لأولادها وزوجها فهذا العمل شاق أو لا؟ ثم لو بقي اليتيم معهم فسيأكل كفايته بالريال إذا كان الثمن سبعة أو ثمانية، لكن إذا طبخ له طعام خاص فسيكلف طعام الأسرة كاملة، أو يقاربه أو يكاد.

معنى قوله تعالى: (والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم)

قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ [البقرة:220]، أي: يا أولياء اليتامى! خالطوا يتامكم، والله عز وجل يعلم المصلح منكم لأموال اليتامى والمفسد لها، فاتقوا الله وخافوه واخشوه، فإياكم والإضرار بيتاماكم. وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ [البقرة:220] إعناتكم لَأَعْنَتَكُمْ [البقرة:220]، لو شاء الله مشقتكم وإتعابكم لفعل، ولكن خفف عنكم ذلك، إذ لو فرض فصل أموال اليتامى عن أموال الأوصياء لكانت مشقة لا شك فيها، بدل أن نحرث قطعة أرض وهو معنا وله فيها على قدر نحرث له أرضاً خاصة به، فكيف نستطيع؟ نشتري شاة نحلبها لأهل البيت يشربون، إذاً: هو يحتاج إلى شاة أخرى، فدعه يشرب معنا كأسه، والنفقة جزء من سبعة مثلاً. وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ [البقرة:220] قوي قادر لا يمانع فيما يريد، حَكِيمٌ [البقرة:220] في شرعه وتدبيره لعباده، فليتق الله وليحذر.

ملخص لما جاء في تفسير الآيات

هذه ثلاثة أسئلة في آيتين، هكذا يعلمهم يوماً بعد يوم، ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا والإسلام وقد اكتمل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3]، ما ترك شيئاً يحتاج إليه المسلمون إلا بينه، في الأموال في الأعراض، في العقيدة في السلوك في التجارة وفي السياسية، في كل شئون الحياة، فإذا أقبل المؤمنون على كتاب الله وهدي رسوله فلن يضلوا أبداً، ومتى أدبروا وأعرضوا والتفتوا إلى غير الكتاب والسنة أكلتهم الطوام كما هو الواقع.اسمعوا الآية الأولى وتأملوا: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219]، هذا الجواب، فمتى حرمت الخمر؟ بعد هذا التساؤل، وفيه إشارة إلى تركهما، لم؟ لأن الضر أكبر من النفع، إذاً: فاتركوهما، فتساءلوا فنزلت آية المائدة: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91].ثم يقول تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ [البقرة:219]، لما أمرهم الله بالإنفاق فقال: وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:195]، فقالوا: ماذا ننفق؟ وكم ننفق؟ ففسر الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بقول الله تعالى له: قُلِ الْعَفْوَ [البقرة:219]، أنفقوا العفو أي: الزائد عن حاجتكم، فقال صلى الله عليه وسلم: ( أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى )، والغنى ليس معناه: أن تملك الملايين، الغنى: ما أغناك عن سؤال الناس، ما سد حاجتك وحاجة أهل بيتك.وقوله تعالى في الآية الثانية: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى [البقرة:220]، كيف نتعامل معهم؟ ماذا نصنع؟ وقد هددهم الرحمن بقوله: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا [النساء:10]، أي: بغير حق، فما المصير؟ إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10]، اضطربت المدينة وأهلها: ماذا نصنع؟ فنزل قوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ [البقرة:220]، أما فصل طعامهم وشرابهم ومنامهم، فكل هذا فيه ضرر من جهتين: من جهة: أنه مشقة كبيرة على المرأة التي تقوم بهذا، ومن جهة أخرى: أننا إذا طبخنا لهم طعاماً خاصاً فإنه يكلفهم أكثر من أن يكونوا مختلطين مع الأسرة بما فيها، لكن راعوا دائماً الصالح لليتامى. وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ [البقرة:220]، أي: ولو شاء الله إعناتكم لأعنتكم، أي: أوقعكم في العنت، والعنت: المشقة الضارة القوية.إذاً: فسلموا لله قضاءه وحكمه وتدبيره فإنه (عَزِيزٌ) لا يمانع، إذا أراد الشيء كان، فلا تخرجوا عن طاعته، (حَكِيمٌ) يضع كل شيء في موضعه، الذي يتهيأ للصلاح ويطلبه يصلح، والذي يتهيأ للفساد ويريده يتركه وفساده حتى يهلك.أعيد تلاوة الآية مرة أخيرة، وسنقرأ شرحها إن شاء الله زيادة في الفهم.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ [البقرة:219]، وهو ما زاد عن الحاجة، كَذَلِكَ [البقرة:219]، أي: كهذا التبيين يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ [البقرة:219] في أمور دينكم ودنياكم، فتعملوا لدنياكم ولآخرتكم بحسب حالهما، الدنيا فانية والآخرة باقية، فلو أنفقنا نصف ما نملك على الآخرة أفضل من أن ننفق نصفه على الدنيا الفانية.وقوله: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ [البقرة:220]، لا فصلهم، القضية قضية الحفاظ على أموالهم وتنميتها لهم، حتى إذا بلغوا رشدهم وامتحنوا ونجحوا يجدون أموالهم وافية محفوظة لهم، وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ [البقرة:220]، لا حرج، وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ [البقرة:220]. ‏

ما يصنعه الوصي العاجز لتنمية مال اليتيم

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg
وقد يقول قائل: إذا كنت عاجزاً ولا أستطيع أن أنمي مال اليتيم وهو خمسة آلاف ريال، فماذا نصنع؟ الجواب: تأخذ من تلك الخمسة آلاف على قدر حاجة اليتيم، وإنما إذا كان المال أكثر من خمسة آلاف فهو صالح للعمل، فعمر كان يقول: اتجروا في أموال يتاماكم حتى لا تأكلها الزكاة، فهذه الخمسة الآلاف لا تضعها في بنك ربا تنميها لليتامى فتحرقهم وتحرق نفسك، انظر إلى تاجر صادق أمين كما كنا قبل، وقل: هذه خمسة آلاف اتجر بها وأعطنا ربحها ليتيمنا، وفي كل شهر توفر له شيئاً، وبعد أربع سنين بلغ هذا اليتيم فتعطيه ماله هكذا.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ معنى الآيتين:كان العرب في الجاهلية ]، ما معنى: في الجاهلية؟ في عهد الجاهلية، والجاهلية هي ظلمة الكفر والشرك والجهل، [ كان العرب في الجاهلية يشربون الخمور، ويقامرون ]، يلعبون القمار بأي شكل كان، [ وجاء الإسلام فبدأ دعوتهم إلى التوحيد والإيمان بالبعث الآخر، إذ هما الباعث القوي على الاستقامة في الحياة ]، بم بدأ الإسلام؟ بالإيمان بالله واليوم الآخر، عشر سنين لا عبادة، وفي السنة العاشرة فرض الله الصلوات الخمس.قال: [ ولما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم والعديد من أصحابه ] من مكة إلى المدينة، [ وأصبحت المدينة تمثل مجتمعاً إسلامياً ]؛ لكثرة المسلمين فيها، [ وأخذت الأحكام تنزل شيئاً فشيئاً، فحدث يوماً أن صلى أحد الصحابة بجماعة وهو ثملان ]، سكران، عقله ملتبس عليه مغطى، [ فخلط في القراءة ] فيما يقرأه، وقدم وأخر، بل قال كلمة أخرى، [ فنزلت آية النساء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى [النساء:43]، فكانوا لا يشربونها إلا في أوقات معينة، وهنا كثرت التساؤلات حول شرب الخمر فنزلت هذه الآية: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ [البقرة:219]، فأجابهم الله تعالى بقوله: قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219]، فترك الكثير كلاً من شرب الخمر ولعب القمار؛ لهذه الآية الكريمة، وبقي آخرون على ما كانوا عليه، فكان عمر يتطلع إلى منعهما منعاً باتاً ويقول: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً ]، أي: لقلوبنا. [ فاستجاب الله تعالى له، ونزلت آية المائدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ [المائدة:90] إلى قوله: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91] ]، هذه الآية هل فهمها الذين يلعبون الكيرم ويقضون الساعة والساعتين ويقولون: نحن ما بيننا ميسر ولا مال، وإنما للتسلية؟ نحن نقول: وإن كنتم لا تتقاضون شيئاً، بل لو كان هناك من يعطيكم المال لتلعبوا فوالله! لا يحل، لم؟ لقوله تعالى في بيان العلة: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ [المائدة:91] من لعبكم وقماركم وشربكم الخمر، يريد ماذا؟ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ [المائدة:91]، هل يصح أن يتعادى المؤمنون، أو يبغض بعضهم بعضاً؟ الشيطان هنا وجد طريقاً لإيقاعكم في العداوة والبغضاء، وبذلك يفرح، مزق شملكم واجتماعكم، وقال تعالى: وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [المائدة:91]، فأي عمل يصد المؤمن عن ذكر الله ليقضي الساعة والساعتين لا يذكر الله فهو حرام، وَيَصُدَّكُمْ عَنْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ [المائدة:91] أيضاً، وأخيراً: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91]، قالوا: انتهينا ربنا.قال: [ فأجابهم الله تعالى بقوله: قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219]، فترك الكثير كلاً من شرب الخمر ولعب القمار؛ لهذه الآية الكريمة، وبقي آخرون ] أي: يشربون ويعلبون، [ فكان عمر يتطلع إلى منعهما منعاً باتاً ويقول: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فاستجاب الله تعالى له، ونزلت آية المائدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ [المائدة:90] إلى قوله: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91]، فقال عمر : انتهينا ربنا، وبذلك حرمت الخمر وحرم الميسر تحريماً قطعياً كاملاً، ووضع الرسول صلى الله عليه وسلم حد الخمر وهو الجلد، وحذر من شربها وسماها أم الخبائث وقال: ( مدمن الخمر لا يكلمه الله يوم القيامة ولا يزكيه )، في ثلاثة نفر وهم: العاق لوالديه ] لا يكلمه الله يوم القيامة ولا يزكيه، [ ومسبل إزاره ] للخيلاء والفخر لا يكلمه الله ولا يزكيه، ومدمن شرب الخمر المواصل لها.[ وقوله تعالى: فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ [البقرة:219]، فهو كما قال تعالى، فقد بين في سورة المائدة منشأ الإثم، وهو أنهما يسببان العداوة والبغضاء بين المسلمين ويصدان عن ذكر الله وعن الصلاة، وأي إثم أكبر في زرع العداوة والبغضاء بين أفراد المسلمين، والإعراض عن ذكر الله، وتضييع الصلاة؟ حقاً إن فيهما لإثماً كبيراً، وأما المنافع فهي إلى جانب هذا الإثم قليلة، ومنها: الربح في تجارة الخمر وصنعها، وما تكسب شاربها من النشوة والفرح والسخاء والشجاعة، وأما الميسر فمن منافعه الحصول على المال بلا كد ولا تعب، وانتفاع بعض الفقراء، إذ كانوا يقامرون على الجزور من الإبل ثم يذبح ويعطى للفقراء والمساكين.أما قوله تعالى في الآية: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ [البقرة:215]، فهو سؤال نشأ عن استجابتهم لقول الله تعالى: وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:195]، فأرادوا أن يعرفوا الجزء الذي ينفقونه من أموالهم في سبيل الله، فأجابهم الله تبارك وتعالى بقوله: قُلِ الْعَفْوَ [البقرة:219]، أي: ما زاد على حاجتكم وفضل عن نفقتكم على أنفسكم، ومن هنا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى )، رواه البخاري . وقوله: كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [البقرة:219-220]، أي: مثل هذا البيان يبين الله لكم الشرائع والأحكام والحلال ليعدكم بذلك إلى التفكير الواعي البصير في أمر الدنيا والآخرة، فتعملون لدنياكم على حسب حاجتكم إليها وتعملون لآخرتكم التي مردكم إليها وبقاؤكم فيها على حسب ذلك. هذا ما تضمنته الآية الأولى.أما الآية الثانية: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى [البقرة:220]، فإنه لما نزل قوله تعالى من سورة النساء: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء:10] خاف المؤمنون والمؤمنات من هذا الوعيد الشديد، وفصل من كان في بيته يتيم يكفله، فصل طعامه عن طعامه، وشرابه عن شرابه، وحصل بذلك عنت ومشقة كبيرة، وتساءلوا عن المخرج، فنزلت هذه الآية، وبينت لهم أن المقصود هو إصلاح مال اليتامى وليس هو فصله أو خلطه، فقال تعالى: قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ [البقرة:220] مع الخلط خير من الفصل مع عدم الإصلاح، ودفع الحرج في الخلط فقال تعالى: وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ [البقرة:220]، والأخ يخالط أخاه في ماله، وأعلمهم أنه تعالى يعلم المفسد لمال اليتيم من المصلح له؛ ليكونوا دائماً على حذر، وكل هذا حماية لمال اليتيم الذي فقد والده، ثم زاد الله في منته عليهم برفع الحرج في المخالطة فقال تعالى: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ [البقرة:220]، أي: أبقاكم في المشقة المترتبة على فصل أموالكم عن أموال يتاماكم. وقوله: إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:220]، أي: غالب على ما يريده، حكيم فيما يفعله ويقضي به ].وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg




ابوالوليد المسلم 06-07-2020 04:22 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (6)
الحلقة (13)


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

تفسير سورة البقرة (103)

نهى الله عز وجل عباده المؤمنين عن أن يتزوجوا المشركات حتى يؤمنّ بالله ورسوله، وبين سبحانه أن الأمة المؤمنة خير من الحرة المشركة، فضلاً عن كون الحرة المؤمنة خير من المشركة، حتى لو كانت المشركة ذات حسن وجمال ومال، كما نهاهم عز وجل عن أن يزوجوا المؤمنات من مشركين، وبين أن العبد المؤمن خير من الحر المشرك، فضلاً عن كون الحر المؤمن خير من المشرك، والسبب في ذلك أن مخالطتهم مضرة ومفسدة للمؤمن وعقيدته، فما بالك إذا كانت العلاقة بهم علاقة زواج.

تفسير قوله تعالى: (ولا تَنكحوا المشركات حتى يؤمنَّ ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).ولا ننس تلك العطية الإلهية التي بينها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال وقوله حق: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله )، من أتى هذا المسجد النبوي الشريف، لا يأتيه إلا لخير يعلمه غيره أو يتعلمه من غيره، كان في الأجر كالمجاهد في سبيل الله، فالحمد لله الذي وهبناه وحرم منه غيرنا، والله ذو فضل عظيم.وها نحن مع هذه الآية الكريمة من سورة البقرة، سورة الأحكام: يقول تعالى: وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [البقرة:221] أي: ولا تتزوجوا أيها المؤمنون المشركات اللائي يعبدن مع الله غيره إلى غاية أن يؤمن بالله رباً لا رب غيره، وإلهاً لا إله سواه، ويعبدنه بما شرع من العبادات، هذه الغاية: حَتَّى يُؤْمِنَّ [البقرة:221]. ‏
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

معنى قوله تعالى: (ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم)

ثم قال تعالى: وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ [البقرة:221]، أمة غير حرة مؤمنة خير من حرة مشركة، أمة مؤمنة بالله ولقائه، مملوكة، رقيقة، خير من حرة جميلة حسناء وهي مشركة وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ [البقرة:221]، الأمة الرمصاء.. العمشاء.. قل ما شئت، أمة خير من حرة حسناء جميلة مشركة كيف ما كانت، لم؟ أولاً: لقد أغلق الباب، لا يحل لمؤمن أن يتزوج كافرة مشركة، ومع هذا زيادة في البيان والتوضيح، يقول تعالى: وَلَأَمَةٌ [البقرة:221]، والله! لأمة مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ [البقرة:221] لحسنها وجمالها أو ثرائها أو ما شاء الله.

معنى قوله تعالى: (ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم)

ثم قال تعالى: وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا [البقرة:221]، أي: لا تزوجوا بناتكم، أخواتكم المؤمنات من مشرك حتى يؤمن، فإن آمن فعلى الرحب والسعة، فإذا كان مشركاً وإن كان ابن عم أو ابن أخ أو كان من كان لا يزوج بمؤمنة، وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا [البقرة:221].ومن باب الترغيب: وَلَعَبْدٌ [البقرة:221]، وعزة الله وجلاله! لعبد مؤمن خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ [البقرة:221]، عبد رقيق مملوك أسود مؤمن خير من مشرك ولو أعجبك شرفه، ماله، جماله، قل ما شئت.

معنى قوله تعالى: (أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ...)

ثم قال تعالى: أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ [البقرة:221]، أي: الكفار، المشركون، الذين حذرناكم من إنكاحهم ونكاحهم، أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ [البقرة:221]، يدعون من؟ يدعونكم، الذي يتزوج مشركة سوف ينغمس في بؤرة الشرك ويدخل جهنم، أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ [البقرة:221]، إلى دخولها، يدعون من أجابهم وحقق رغباتهم. وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ [البقرة:221]، شتان ما بين دعاة الشرك والكفر ودعوة الله عز وجل إلى الجنة لتدخلوها، وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ [البقرة:221]، بأن يتوب عليكم ويدخلكم الجنة. وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [البقرة:221]، فيتعظون ويفهمون ويعملون.
ذكر الأحكام المضمنة في الآية الكريمة

حرمة نكاح المشركة

هيا الآن أسمعكم الآية: وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [البقرة:221]، هذه آية احتوت على هذه الأحكام:أولاً: حرام على المؤمنين أن يتزوجوا المشركات، لا يحل لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتزوج مشركة، ويمتنع من التزوج بها إلى أن تسلم، فإذا أسلمت قلبها ووجها لله، وأصبحت من المؤمنات فتزوج بها إن شئت، أما وهي مشركة تؤله غير الله مع الله، وتعبد مع الله سواه؛ فلا يحل الاتصال بها بحال من الأحوال.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

جواز نكاح الأمة بشروطه

وقوله: وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ [البقرة:221]، فيه إذن بأن يتزوج المؤمن الحر الأمة للضرورة إذا كانت مؤمنة، إذ قال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ [النساء:25]، بهذا القيد: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا [النساء:25] قدرة على المال ليتزوج حرة بتكاليف كثيرة، فلا بأس أن يتزوج أمة مؤمنة، هذه رخصة من الله عز وجل مبينة في سورة النساء، وعرفها المؤمنون؛ ولهذا قال هنا: وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ [البقرة:221]، وهذا أيضاً يدخل فيه امتلاك وشراء أمة مؤمنة، فهي خير من أمة مشركة، لا للنكاح، بل للعمل والخدمة، هذه علموها إخوانكم الذين بلغني أنهم يستقدمون العَمَلة الكافرين؛ لأنهم أرخص من العملة المؤمنين من الفلبين وغيرها، ويصرحون: المؤمن يطلب كذا والكافر كذا! والله! لو عرفوا هذا لما أقدموا على ذلك، ما دمت مضطراً إلى عامل، والمؤمنون متوافرون، فكيف ترضى بأن تأتي بكافر، ويعاشرك ويجالسك، وتظل وتمسي معه، لو كان هناك بصيرة؟! من أين تأتي البصيرة وهم لا يشهدون هذه الحلق، ولا يجلسون فيها ولا يفكرون في العلم والعمل به، هذا توجيه الله أو لا؟ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ [البقرة:221].

حرمة تزويج المسلمة بكافر

وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا [البقرة:221]، أي: لا تزوجوا مشركاً بناتكم وأخواتكم حتى يؤمن، أما وهو مشرك فلا يمكن أن نزوجه، ولهذا إجماع الأمة المسلمة على أن المؤمنة لا يتزوجها كافر، سواء كان كتابياً أو مشركاً، ولو علم المسلمون بأن امرأة مؤمنة تزوجها كافر وجب عليهم أن يغزو تلك البلاد، ويخلصوا تلك المؤمنة من ذلك الكافر، مؤمنة تؤمن بالله ولقائه يتزوجها كافر؟! كيف تعبد الله وتطيع هذا الزوج؟ تعارضت مهمتها، هي مأمورة بعبادة الله، كيف تعبد الله وهو لا يؤمن بالله؟! لا يسمح لها حتى أن تغتسل، فيكف يسمح لها أن تصوم وتصلي؟! لا يحل للمؤمنين عامة أن يروا مؤمنة يتزوجها كافر ولو كان كتابياً من اليهود والنصارى فضلاً عن المشركين؛ لتعارض حقين: حق الله، وحق الزوج، فكيف تعبد الله؟! ويجوز للمؤمن أن يتزوج كتابية؛ لأنه سلطانها وقاهر لها، لا تستطيع أن تمنعه من شيء وهو يمعنها، أما أن المرأة المؤمنة توضع تحت كافر كتابياً كان أو مشركاً فلا يمكنها أن تعبد الله عز وجل.فلهذا كان الإجماع -ولا خلاف- أنه إذا بلغنا أن مؤمنة تزوجت كافراً يجب أن نفصلها عنه وأن نبعدها، هل يفعل المسلمون هذا؟ أيام كانوا إعزة نعم، قد يغزون ذلك البلد لتخليص هذه المؤمنة، أما الآن فالمؤمنات يتزوج بهن البريطاني والفرنسي والإيطالي والأسباني ولا يتكلم أحد. وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ [البقرة:221] بناتكم أو أخواتكم أو أمهاتكم؛ حَتَّى يُؤْمِنُوا [البقرة:221]، حتى يدخلوا في الإسلام بالإعلان عن الشهادتين، ثم بالصلاة والاستعداد لأداء الواجبات كالزكاة الصيام والحج.

حكم نكاح الكتابية

أما الكتابية فإذا كان بيننا وبين قومها معاهدة وسلم، وعدم اعتداء وحرب، أو كانت في ذمتنا؛ فلا بأس للحاجة، للضرورة أيضاً، كيف أترك مؤمنة بلا زواج وأتزوج كافرة؟ من أحق برحمتك وإحسانك: الكافرة أو المؤمنة؟ ولكن إذا وجدت ذمية أو معاهدة فليتزوجها المؤمن بإذن الله تعالى؛ إذ قال عز وجل: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [المائدة:5] الآية، أي: وأذن لكم بنكاح المحصنات من أهل الكتاب، والمحصنة ليست العاهرة الزانية المعروفة بالعهر، لا يمكن أن يتزوجها إلا أن تكون عفيفة محصنة.إذاً: لا تقل: لم أذن لنا في نكاح الكتابية ولم يأذن في نكاح المشركة؟ للفرق الموجود بين المشركة والكتابية، فالمشركة تعبد غير الله، لا تعرف الله أبداً، والكتابية تؤمن بالله ولقائه والدار الآخرة، وتؤمن بالكتب الإلهية والوحي، وإن كانت كافرة؛ لأنها ما آمنت بالرسول الخاتم، ولا بالكتاب الناسخ لغيره.أما الحربية إذا كان بيننا وبين النصارى -بريطانيا أو إيطاليا أو فرنسا- حرب، ولا معاهدة؛ فلا يحل نكاح الحربية وإن كانت كتابية؛ لأنها تخونك وتخون بلادك والدولة، وتنقل ما شاءت أن تنقل إلى دولتها، بل وتريد أن تقتلك أيضاً؛ لأنك عدو، الحرب معلنة بيننا وبينهم والنار مشتعلة، كيف ترضى وأنت تقتل آباءها وإخوانها؟!فالحربية الكتابية لا يحل نكاحها كالمشركة، فإن كانت من أهل الذمة تحت رايتنا أو بيننا وبين قومها عهود طويلة المدى لا حرب ولا قتال، في هذه الحالة يجوز نكاحها، ما هو بمستحب أو فاضل، بل للحاجة، أما أن تترك المؤمنة الربانية وتتزوج يهودية أو نصرانية فهذا لا يليق بمؤمن أبداً، إلا في حالة عدم وجود المؤمنة، أو اضطرته الظروف إلى هذه الكافرة فلا حرج. وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا [البقرة:221]، هنا مسألة نحوية، فقد قرأ أحد الطلبة على الشيخ: (ولا تَنكحوا المشركين حتى يؤمنوا)، فقال الشيخ: لا والله ولو آمنوا! لأن (نكح) بمعنى: تزوج، (ولا تَنكحوا): لا تتزوجوا، فلحن هو، ما فرق بين الفعل الثلاثي والرباعي، قرأ: (ولا تَنكحوا المشركين حتى يؤمنوا)، فقال: لا والله ولو آمنوا! وهل يجوز نكاح الذكور؟ حتى في الحيوانات ما يجوز، ولا وجود له. فهناك فرق بين (نكح) بمعنى: تزوج، و(أنكح) بمعنى: زوج، لا تزوجوا المشركين من إخوانكم أو أقربائكم حتى يؤمنوا، أما وهو مشرك فلا تزوجه، ولا تحضر عقد نكاحه، ولا تسمح لمؤمنة أن يتزوجها.

خلاصة أحكام الآية الكريمة

إذاً: هذه الأحكام خلاصتها -معاشر المستمعين والمستمعات- أن نكاح المشركة الكافرة لا يحل أبداً بحال من الأحوال، وأن نكاح الكتابية من يهود أو نصارى يجوز عند الحاجة إليه والضرورة.ثانياً: الكتابية إذا كانت محاربة، دولتها معلنة بيننا وبينها الحرب، كاليهودية الآن في فلسطين، والله! لا يحل أبداً نكاحها؛ لأن الحرب قائمة ما هناك سلم ولا معاهدة، المحاربة لا يحل نكاحها وإن كانت كتابية، فتلحق إذاً بالمشركة في المنع.والكافر لا يحل أن نزوجه مؤمنة أبداً، الكافر كتابياً أو مشركاً لا يحل له أن يتزوج مؤمنة، وإن بلغ ذلك المسلمين وجب أن يقوموا كلهم لتخليص هذه المؤمنة، ما هي العلة في ذلك؟ ما السر؟ العلة: أنها إذا كانت تحت كافر وله السلطة عليها -سلطة الزواج- يمنعها أن تذكر الله وتعبده وتشكره، وهي ما خلقت إلا للذكر والشكر والعبادة، فلما تعارض الحقان بطل حقه وثبت حق الله، فلا يحل للمؤمن أن يزوج ابنته كافراً كتابياً كان أو مشركاً لا فرق بينهما؛ لأن للزوج سلطة على الزوجة شرعاً، فهي تحته يأمرها وينهاها، فإذا قامت تصلي قال: لا تصلي؛ فحق الزوج أولاً، فلما تعارض حق الله وحق الزوج منع الله نكاحها للكافر.

حكم نكاح تارك الصلاة

وتاركة الصلاة هل نزوجها بالمؤمن أو نزوج المؤمنة بتارك الصلاة؟ الجواب: ما عندنا تارك صلاة أبداً، لم؟ تارك الصلاة يعدم، يؤخر من أول النهار إلى صلاة المغرب، فإن بقي لأذان المغرب القدر الذي يمكن أن يغتسل إن كان جنباً أو يتوضأ فأبى أن يصلي فإنه يعدم، يقطع رأسه، فلا يوجد في ديار المسلمين تارك للصلاة ولا تاركة، فلهذا لم يذكر هذا في الفقه أبداً؛ لأن تارك الصلاة كافر، وما دام أنه كفر فكيف إذاً نزوجه؟ كيف نبقي على حياته؟ هو مرتد، خرج من حلقة الإسلام ودائرته، فيعدم، فمن هنا ما عندنا فتيا في هذا، تارك الصلاة لا وجود له بين المسلمين، فإن وجد فلا يزوج أبداً، ولا تبقى تحته امرأة مؤمنة ولا يحل أبداً، وتاركة الصلاة ما توجد، وإن وجدت فلا يمكن أن نزوجها على مؤمن. وإن اعترض إنسان قلنا له: ما هي التكاليف التي يعجز عنها العبد في الصلاة ويحاول أن يتخلص منها؟هل كونه يغسل أطرافه ويتنظف؟ هذا كل أطباء الدنيا يأمرون به، النظافة ضرورية لبقاء الإنسان، هل كونه يقف بين يدي ربه يتكلم معه يطلب حاجاته ويسأله؟ هل هذه حال تجعله لا يستطيع، والله! إنه حينئذ لكافر، أما يريد أن يتكلم مع الله، ولا أن يجلس بين يديه، أي إيمان أو إسلام هذا؟!وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم: ( العهد بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر )، ما هي مظاهر العبادة والصلاة؟ كيف نعرف أنك مسلم؟ من العام إلى العام نقول: صام؟ وما يدرينا أنك تفطر في بيتك وتقول: أنا صائم؟ الزكاة ما هي؟ أكثر الناس لا يملكون نصابها، فما هي مظاهر الإيمان والإسلام سوى الصلاة؟ كل يوم وكل ليلة تدخل بيت الرب مع أوليائه وتناجيه وتركع وتسجد بين يديه طالباً عفوه ومغفرته، فإن رفضت هذا رفضت الإيمان بالله، ولكن لما عم الجهل، وغطى أمة الإسلام فأشركت بربها وخرجت من دينها وقع هذا، يوجد تارك صلاة، فالجيوش الإسلامية لا يكاد ربعها يصلي، باستثناء هذا الجيش السعودي، وسائر الجيوش من شاء أن يصلي ومن شاء لم يصل، نسبة المصلين عدد محدود.فلهذا إذا بلغك أن فلاناً لا يصلي فأعلم الهيئة على الفور: فلان لا يصلي، كيف نبقى ساكتين عنه؟ لا يحل لمؤمن في هذه البلاد تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله أن يرضى بامرأته لا تصلي أو بولده أو بأخيه أو عمه أو جاره، لينصح له مرة ومرتين ويوماً ويومين، فإن أبى فليعلم الهيئة أو المحكمة.أنا قلت: بلغ أنت، فإن رد عليك: لا أصلي، فامش أنت برجليك حافياً إلى الهيئة وقل: يوجد شخص كافر بيننا في المنزل أو في الدكان أو في العمل، فسكوتنا هو الذي شجع هذه الظاهرة. أنا أقول: لا يحل لك أن يترك ابنك الصلاة أو امرأتك وتسكت، المرأة ما يكفي فيها الطلاق، لا بد أن تسجن حتى تصلي، ولهذا لا يحل لك أن تنكح ابنتك كافراً تاركاً للصلاة، ولا أن تخطب لك أو لابنك امرأة كافرة لا تصلي.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

شرح الكلمات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ شرح الكلمات: وَلا تَنكِحُوا [البقرة:221]: لا تزوجوا ]، فالأولى: وَلا تَنكِحُوا [البقرة:221]، والثانية: وَلا تُنكِحُوا [البقرة:221]، إذا قرأنا: وَلا تَنكِحُوا [البقرة:221] أي: لا تتزوجوا، وَلا تُنكِحُوا [البقرة:221]: لا تزوجوا، وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ [البقرة:221]، أي: لا تتزوجوهن، وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ [البقرة:221]، أي: لا تزوجهم بنسائكم وبناتكم.[الأمة: خلاف الحرة ]، ضدها، هذه أمة وهذه حرة، ما معنى: أمة؟ كل امرأة أمة لله تعالى مملوكة له، لكن في الاصطلاح الأمة: المرأة التي تشترى وتباع، ملكت باليمين، فهي ملك لسيدها، هذه هي الأمة.[ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ [البقرة:221]، أي: أعجبكم حسنها وجمالها. يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ [البقرة:221] بحالهم ومقالهم وأفعالهم ]، أما قال تعالى: أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ [البقرة:221]، بأقوالهم بأحوالهم بأفعالهم، كيف نتزوج منهم أو نزوجهم؟[ آيَاتِهِ [البقرة:221]: أحكام دينه ومسائل شرعه]، في قوله تعالى: كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ [البقرة:221].

معنى الآية

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ معنى الآية الكريمة: ينهى الله تعالى المؤمنين أن يتزوجوا المشركات ] الكافرات اللائي يؤلهن غير الله مع الله، [ إلا أن يؤمنَّ بالله ورسوله، فإن آمنَّ ] بالله ورسوله فلا بأس، كأن الشيخ يشير إلى الجهل العام في ديار المسلمين، مؤمنة تصلي ولكن حين تريد أن تقوم تقول: يا ألله ويا سيدي عبد القادر ، حين يسقط الإناء من يدها تقول: يا رجال البلاد! فما تقولون في هذه؟ في صنف تصنفونها؟هذه مشركة، إما أن تتوب أو لا نتزوجها، إن تابت من شركها وضلالها فلا بأس، وإن استمرت على ذلك فلا تحل أبداً. وقد يقول قائل: هذا شرك أصغر؟ ونقول: أي شرك أصغر هذا؟! تقول: يا رجال البلاد، تدعوهم وتناديهم، وتنذر لسيدي عبد القادر وفلان، هذا شرك أعظم لا أعظم منه، أكثر من شرك المشركين.إذاً: هذه الظاهرة موجودة، إذا خطبت زوجة في بلد ما فاسأل عن دينها، فإن وجدتها سلفية موحدة فلا بأس، وإن قالوا: هذه جاهلة، وتنذر للأولياء، وتزور القبور وتعكف عليها؛ فلا تتزوجها أبداً، وإن وجدت كذلك فحلاً من عباد الأهواء يقول: يا سيدي عبد القادر ، ويا رسول الله ويا كذا؛ فلا تزوجه ابنتك، حرام عليك، وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [البقرة:221]، وإنما من باب الدعوة، فإذا خطب إليك ابنتك فقلت: بلغني أنك تؤمن بكذا وكذا، وتقول كذا وكذا، أحق هذا أو باطل؟ فإن قال: كلا أبداً، أنا أقول: لا إله إلا الله، كيف أدعو غير الله؟ كيف أنذر أو أذبح لغير الله؟ إذاً: هذا مؤمن فزوجه، وإذا قال: اسكتوا، أنتم وهابيون وأنتم كذا فوالله! ما زوجناه أبداً حتى يتوب إلى الله.ألستم تعرفون الشرك؟ إن الرجل يذكر الله: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، وحين تسقط المسبحة من يده للنوم يقول: يا سيدي فلان! لا يفزع إلى الله، يفزع إلى ولي من الأولياء، أهذا موحد؟ والله! إنه مشرك، وكونه ما عرف كالمشركين يجب عليه أن يتعلم ويسأل، ولكن كثيرين يعلمون هذا ويضحكون منكم، ويقولون: أنت لا تقول بالأولياء، وكل هذه الحقائق ستتجلى لنا يوم القيامة في عرصات الفصل والقضاء.قال: [ ينهى الله تعالى المؤمنين أن يتزوجوا المشركات إلا أن يؤمنَّ بالله ورسوله، فإذا آمنَّ جاز نكاحهن، وأعلمهم منفراً عن نكاح المشركات مرغباً في نكاح المؤمنات؛ فقال: وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ [البقرة:221] ]، هذا من باب الترغيب في المؤمنات والترهيب من المشركات.[ فقال: وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ [البقرة:221] فضلاً عن حرة خير من حرة مشركة ]، يعني: مؤمنة أفضل من حرة مشركة، وخير منها.[ ولو أعجبتكم المشركة لحسنها وجمالها، كما نهاهم محرماً عليهم أن يزوجوا المؤمنات بالمشركين حتى يؤمنوا، فإن آمنوا جاز لهم أن ينكحوهم بناتهم ونساءهم، فقال تعالى: وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [البقرة:221]، وقال منفراً مرغباً: ولعبد مؤمن خير من حرٍ مشرك ولو أعجبهم المشرك؛ لشرفه أو ماله أو سلطانه، وعلل لذلك بقوله: أُوْلَئِكَ [البقرة:221]، أي: المشركات والمشركون يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ [البقرة:221]، فمخالطتهم مضرة ومفسدة لاسيما بالتزوج منهم ]، المخالطة بالكفار والمشركين فيها مفسدة وضرر، فكيف بالزواج؟ وتصبح تحتك، أو تصبح المؤمنة تحته.قال: [ فمخالطتهم مضرة ومفسدة لاسيما بالتزوج منهم، والله عز وجل يدعو إلى الجنة بالإيمان والعمل الصالح، وإلى المغفرة بالتوبة الصادقة، فاستجيبوا ]، وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ [البقرة:221]، هيا آمن واعمل صالحاً، زك نفسك وطهرها، ويدعو إلى مغفرة ذنوبنا بالتوبة إليه الصادقة، والرجعة الكاملة، حيث نتخلى عن أوضار الذنوب والآثام. قال: [ فاستجيبوا له وأطيعوه فيما أمركم به ونهاكم عنه ]، ومن جملة ما نهانا عنه الآن: أن نزوج بناتنا المشركين، أو تتزوج المشركات، حرم هذا علينا، فلنطعه.قال: [ كما أنه تعالى يبين آياته للناس ليعدهم للتذكر والاتعاظ فيقبلون على طاعته الموصلة إلى رضاه وإلى الجنة ويبعدون عن معصيته تعالى المؤدية إلى سخط الله تعالى وعذابه في النار ]. هذا معنى هذه الآية الكريمة فاسمعوها: وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [البقرة:221]، علمنا الآن، فلنتذكر، لنتعظ، والله! لا نفعل ما نهانا عنه ولا نقبل عليه.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

هداية الآية

الآن مع هداية الآية، ما تضمنت هذه الآية وما احتوت عليه من الأحكام الشرعية والهداية الربانية، إذ كل آية كالنور، لا بد أن تهدي من طلب الهداية، كل آية تهدي إلى النور، إي والله، عرفنا بيان ذلك، فالآية إذا آمنت بها فمن أنزلها؟ الله، وعلى من نزلت؟ على رسول الله. إذاً: اهتديت إلى لا إله إلا الله، محمد رسول الله، دخلت في الإسلام، كل آية من ستة آلاف ومائتين وست وثلاثين آية في كتاب الله، كل آية تهدي إلى الإيمان بالله ورسوله.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[هداية الآية الكريمة: من هداية الآية:أولاً: حرمة نكاح المشركات، أما الكتابيات ] من يهوديات أو نصرانيات [ فقد أباحهن الله تعالى بآية المائدة، إذ قال -تعالى-: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [المائدة:5] ]، من هم الذين أوتوا الكتاب من قبلنا؟ اليهود والنصارى، وإن كان النصارى مشركين، أما عبدوا مع الله سواه؟ أما كذبوا وافتروا على الله؟ ولكن الكتاب عندهم، والإيمان بلقاء الله موجود، والإنجيل بأيدهم.وإذا كانت تعتقد أن المسيح ابن الله فالله قد علم هذا منها قبل أن يقوله أحدنا، لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة:17]، وهو الذي أنزل هذه الرخصة وقد بينها غير ما مرة، وقلنا: المشركون في مكة تعصبوا للفرس المشركين، والمؤمنون تعصبوا للروم في حربهم مع المشركين، فهناك تقارب كبير بين اليهود والنصارى والمسلمين، وبعد كما بين السماء والأرض بينهم وبين الشيوعيين ومن لا يؤمن بالله ولقائه.قال: [ حرمة نكاح المشركات، أما الكتابيات فقد أباحهن الله تعالى بآية المائدة إذ قال: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [المائدة:5] ]، في الإذن بنكاحهن، وقد قلنا ما قال أهل العلم: تتزوج كتابية بشرط ألا تكون حربية والحرب دائرة.[ ثانياً: حرمة نكاح المؤمنة الكافر مطلقاً مشركاً كان أو كتابياً ]، حرمة نكاح المرأة المؤمنة كافراً، سواء كان مشركاً أو بلشفياً شيوعياً لا يؤمن بالله، أو كتابياً من يهود أو نصارى مطلقاً.وقد عرفنا أننا لو كنا كما كنا، وبلغنا أن مؤمنة تزوجها كافر فإنا نغزوا تلك الديار حتى نخلصها، ولا نسمح أبداً أن يعلو كافر على مؤمنة، ولكن لما هبطنا من علياء سمائنا فالآن المؤمنات في أمريكا وأوروبا متزوجات باليهود والنصارى، من يحرك رأسه؟ ما الطريق إلى أن نسموا ونعود ونسود؟ هل ننتج الذرة؟ هل نملك الهيدروجين؟ والله! ما هو إلا أن نعود إلى حيث بدأ رسول الله والمؤمنون، فما هو؟هو أن أهل القرية أعلموهم أنه من الليلة لا يتخلف رجل ولا امرأة ولا ولد من الساعة السادسة إلى صلاة العشاء، الكل في بيوت الله في القرى، المدن، العالم الإسلامي كله سجد بين يدي الله، يطلبه أن يعزه ويسوده، كل ليلة يتعلمون الكتاب والحكمة، لم يبق جهل ولا فسق ولا ظلم ولا شر، ارتفعت الأمة إلى مستواها اللائق في أربع وعشرين ساعة، والعالم يموج لا يعرف كيف يصنع مع هذه القوة العظيمة، يعودون إلى المسجد فقط.في المسجد النبوي كم في حلقتنا هذه؟ مائتا مستمع، فأين الأمة؟ أين سكان المدينة ستمائة ألف؟ كان المفروض أنه ما يجد إنسان مكاناً، وهكذا الذل، إذاً: هذا نصيبنا.[ ثالثاً: شرط الولاية في نكاح المرأة ]، لا يصح نكاح بدون ولي لهذه الآية، أما قال تعالى: وَلا تُنكِحُوا [البقرة:221] أي: لا تزوجوا، فمن يزوج: هل الولي أم لا؟ والرسول بين هذا فقال: ( أيما امرأة تزوجت بغير ولي فنكاحها باطل .. باطل .. باطل )، وإذا قلنا: ما هناك حاجة لولي فهو الدعارة والزنا، تخرج وتتزوج من أحبت وشاءت، لا بد من ولي، ومن عدمت الولي فالسلطان ولي من لا ولي لها.الآية دلت على هذا والحديث بينه، شرط الولاية في نكاح المرأة؛ لقوله تعالى: وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ [البقرة:221] أي: لا تزوجوهم بناتكم، هذه الولاية أو لا؟ [ فهو هنا يخاطب أولياء النساء المؤمنات، ولذلك لا يصح نكاح إلا بولي ].والولي: الأب، الابن، الأخ، ابن الأخ، العم، الأقرباء العصبة، فإن فقدوا وما هناك سلطان ولا محكمة فذو الرأي -كما قال عمر- من عشيرتها، الرجل التقي المؤمن البصير من القبيلة يزوجها، فإن وجد سلطان ومحكمة فلا، السلطان ولي من لا ولي لها. [ رابعاً: التنفير من مخالطة المشركين والترغيب في البعد عنهم؛ لأنهم يدعون إلى الكفر بحالهم ومقالهم وأعمالهم، وبذلك هم يدعون إلى النار].البعد عن الكفار والمشركين أسلم حتى في المجاورة، حتى في العمل، حتى في البلاد، لم؟ أما قال تعالى: يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ [البقرة:221] أو لا؟ فلا خير في القرب منهم، فكيف بأن يتزوج منهم أو يزوجهم؟[ خامساً: وجوب موالاة أهل الإيمان ومعاداة أهل الكفر والضلال؛ لأن الأولين يدعون إلى الجنة، والآخرين يدعون إلى النار ].استفدنا أنه يجب أن نوالي أهل الإيمان بالمودة والحب والنصح، ومعاداة أهل الكفر والضلال؛ لم؟ لأن الأولين يدعون إلى الجنة والآخرين يدعون إلى النار.اللهم قنا عذابك، وارض عنا كما رضيت عن صالح عبادك، آمين.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg


ابوالوليد المسلم 06-07-2020 04:25 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (7)
الحلقة (14)


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

تفسير سورة البقرة (104)


كان من عادة اليهود وبعض المشركين في الجاهلية أنهم إذا حاضت فيهم المرأة هجروها بالكلية، وكان بعض المشركين يطئون المرأة حتى في حيضتها، فجاء الإسلام مبيناً كيفية معاملة الحائض، وهو أن يمتنع الرجل عن وطء المرأة في حيضتها، ويستمتع بها فيما دون ذلك، ويؤاكلها ويشاربها وتقوم على خدمته، ثم إذا انقضت حيضتها وطهرت فله أن يأتيها كيف شاء في موضع الحرث الذي شرعه الله عز وجل له.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا هذا الموعود يا رب العالمين.ها نحن مع هاتين الآيتين الكريمتين من سورة البقرة، من سورة الأحكام الإلهية.وقد كنا مع الآية التي درسناها وعرفنا فيها حرمة نكاح المشركات، لا يحل لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتزوج مشركة بالإجماع؛ لقوله عز وجل: وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [البقرة:221].

ثانياً: حرمة إنكاح المشركين، لا نزوج مشركاً بمؤمنة أبداً، ولو علمنا أن مؤمنة تزوجها مشرك لغزونا تلك الديار وخلصنا تلك المؤمنة؛ لأن الزوج الكافر له حق -كالمؤمن- على الزوجة، فيتعارض حق الله الذي من أجله خلقت المرأة وحق الزوج، فلذا لا يحل السكوت أبداً عن مؤمنة يتزوجها مشرك كافر، وسواء كان كتابياً أو مشركاً.وعرفنا شرط الولاية في النكاح؛ لأن قوله تعالى: وَلا تُنكِحُوا [البقرة:221] أي: لا تزوجوا، هذا مسند إلى الولي، وفي الحديث: ( لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل )، و( أيما امرأة نكحت بدون إذن وليها فنكاحها باطل.. باطل.. باطل ).وفي الآية من هدايتها: التنفير من مخالطة المشركين، من استطاع ألا يخالط مشركاً فليفعل، البعد أنجح، البعد أسلم؛ إذ قال تعالى: أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ [البقرة:221]. هذه أنوار الآية السابقة.

تفسير قوله تعالى: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذىً ...)
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

والآن مع الآيتين الآتيتين، وإليكم تلاوتهما: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ * نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [البقرة:222-223] اللهم اجعلنا منهم حتى يبشرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.هل هذا القرآن يقرأ على الموتى ليتعلموا الأحكام الإلهية؟ كيف يقرءونه على الموتى؟ وما زالوا إلى الآن يحفظون القرآن من ألفه إلى يائه من أجل أن يقرءوه على الموتى، أماتنا الثالوث أماتهم الله، سلبونا روحنا وأبعدونا عنها فمتنا، فسادونا وساسونا وتحكموا فينا.عرفوا أن حياة هذه الأمة متوقفة على هذا القرآن العظيم حفظاً وتعبداً، واستخراجاً للأحكام والشرائع، وعملاً وتطبيقاً، القرآن روح ولا حياة لفرد أو جماعة أو أمة بدون روح، فهذه الأحكام كيف نُسمعها الميت؟

المراد بالسؤال عن المحيض وسببه

قوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ [البقرة:222] ما المراد من المحيض؟ الحيض، أو زمن الحيض.هل يصح للفحل المؤمن أن يجامع امرأته وهي حائض؟ الجواب: لا، فلفظ المحيض يطلق على زمن الحيض ومكان الحيض، الفرج مكان الحيض، ويطلق على الحيض نفسه؛ فهو مصدر، حاضت تحيض حيضاً.أي: هل يجوز للرجل أن يطأ امرأته أو جاريته وهي حائض؟ سأل المؤمنون طلاب العلم والهداية، والرسول صلى الله عليه وسلم يتلقى المعارف من الله، لما سألوه أجابهم الله فعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا فالأسئلة الشرعية ممدوحة محمودة، لكن لا أسئلة التنطع والإحراج، من أراد أن يعبد الله فليسأل كيف يعبده وبم يعبده، وإذا ارتبك في شيء هل هو حلال أو حرام فليوقف عمله حتى يسأل ويعلم. وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ [البقرة:222] لأن الأسئلة تقدمت: يسألونك عن القتال، يسألونك عن الإنفاق، يسألونك عن اليتامى، إذاً: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ [البقرة:222] يا رسولنا والمبلغ عنا صلى الله عليك وسلم، قُلْ هُوَ أَذًى [البقرة:222] و(أذى) نكرة، والأذى ما يؤذي الإنسان في بدنه، في عرضه، في ماله، إذاً: فنكاح المرأة وهي حائض فيه أذى يؤذي الفحل بالمرض.إذاً: فبناء على هذا فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222] اعتزلوا النساء، ابتعدوا عنهن في حال الحيض. والسبب في السؤال: أن اليهود -عليهم لعائن الله- جيران الأنصار والمهاجرين عندهم في بدعتهم التي يسمونها ديناً، وأي دين لهم؟ فقد مسخوه، عندهم أن المرأة إذا حاضت لا ينام الزوج في فراشها، يطردها كالكلبة، لا تقرب منه ولا يقرب منها، فلما جاء التشريع بدأت طلائع الإيمان والإسلام، سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم: اليهود شأنهم كذا، ونحن هل نعتزل النساء كما اعتزل اليهود نساءهم أم لا؟ كان هذا سبب السؤال.

معنى قوله تعالى: (فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن)

فقال تعالى: فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة:222] أي: بانقطاع حيضهن، اعتزلوا النساء، ليس الاعتزال بأن يربطها في غرفة ويغلق عليها، أو يقول: ما دمت في حيض فلا تأتي إلى جنبي ولا أراكِ، بل يعتزلها بألا يطأها فقط، وينام إلى جنبها وتنام إلى جنبه، ويؤاكلها ويشاربها وتؤاكله، لا يطأها، وإن احتاج إليها فقد أذن له أن يقول لها: استذفري أو شدي بشيء على فرجك ويتلذذ بكافة جسمها ولا حرج.قال: وَلا تَقْرَبُوهُنَّ [البقرة:222] أي: بالجماع إلى غاية ماذا؟ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة:222]، كيف يطهرن؟أولاً: بانقطاع دم الحيض، ودم الحيض هو الدم الأسود الغليظ المتخثر، هذا الدم سنة الله عز وجل في خلقه أن الأنثى من المؤمنات تحيض إذا كانت غير حبلى، فإن حملت فالدم الزائد هو غذاء الجنين، فإذا ما كان ببطنها حمل ففي كل شهر تفرز هذا الدم الذي يتجمع بحكمة الله وإرادته في خلقه حتى تحمل، إذا حملت انقطع الدم، ونادراً ما يخرج دم وليس بحيض.والمدة أقلها يوم وليلة، وأكثرها خمسة عشر يوماً، أقل الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يوماً، ما دام مستمراً فلا صلاة ولا صيام ولا وطء حتى ينقطع فتغتسل، فإذا بلغت خمسة عشر يوماً وما انقطع فإنها تغتسل وتصوم وتصلي وتوطأ إن شاء بعلها؛ لأن الحيض انتهى وجاء داء ومرض يسمى الاستحاضة، وقد ينقطع الحيض في اليومين، في الثلاثة، وأغلبه سبعة أيام وستة عند النساء.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg
معنى قوله تعالى: (فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله)

إذاً: وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة:222] أي: ينقطع دم الحيض منهن، فَإِذَا تَطَهَّرْنَ [البقرة:222] أي: اغتسلن، فالدم مانع من الجماع، وإذا انقطع يبقى المنع كذلك حتى تغتسل كغسل الجنابة، وإذا لم تجد ماء تتيمم وتصلي.قال: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ [البقرة:222] أي: اغتسلن فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة:222] ائتها يا بعلها يا فحلها من حيث أذن الله لك، وهو من فرجها، لا من دبرها؛ إذ هذا الفرج -كما سيأتي- عبارة عن أرض للحراثة والزراعة للإنبات.سبحان الله! نحرث الأرض، نبذر فيها الحب، نستره بالتراب، نسقيه بالماء وإذا بالزروع يكون، كذلك البشر كيف ينبتون؟ هل في الأرض؟ لا، الطريق الوحيد الذي لا نظير له هو أن يأتي الرجل امرأته ويبذر ماءه بويضاته حيواناته في تلك الأرض وإذا بها متى شاء الله تتفاعل ويخرج الولد. فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة:222]، ومن هنا لنعلم أن نكاح المرأة من دبرها هو اللواط، وقد جاء التعبير عنه باللوطية، وهو محرم بالإجماع، الذي يطأ امرأته في دبرها كالذي يطأ الفحل في دبره والعياذ بالله، نبرأ إلى الله ونعوذ به من هذه الحالة.ولذا قال تعالى: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة:222] إذاً: وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة:222] وهو إتيانهن من قبلهن لا من دبرهن.

حكم من أتى زوجته في دبرها

وهذه القضايا ترفع إلينا، أهلها يستفتون: هل تحرم عليه المرأة وتبين بينونة كاملة أو لا تحرم؟ الجواب: لا تحرم، ولكنه ارتكب إثماً عظيماً كالقتل تقريباً، وإن حصل هذا فعلى الفاعل أن يتوب، هذه التوبة أولاً: يواصل البكاء والندم والاستغفار والصدقات حتى تمضي فترة ويشعر بطهارة روحه؛ لأنه يلوث الروح ويلطخها، لا تزول تلك التلوثات وذلك العفن إلا بالتوبة النصوح، البكاء بالدموع، الاستغفار، الندم، الصدقات حتى تمضي فترة فيشعر بأنه طاب وطهر، والصدقة على الأقل نصف دينار، وهي إن وافقت وكانت راضية فهي مثله في البكاء والصراخ والندم والتوبة والصدقة، وإن كان أكرهها فلا شيء عليها والإثم عليه، وإن أراد أن يعاودها فلتطالب بالطلاق وتشنع وتخرج، ولا ترض بهذا المنكر.

معنى قوله تعالى: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222] اللهم اجعلنا منهم، يجب أولاً أن نتوب إلى الله وأن نتطهر من أدراننا، من أوساخنا، من ذنوبنا، من سيئاتنا، فالله طيب لا يحب إلا طيباً، من أراد أن يحبه الله فليكن من التوابين، فإن وقعت منه نظرة فقط قال: أستغفر الله وأتوب إليه، أو كلمة فقط قال: أستغفر الله وأتوب إليه، أو تأخير الصلاة عن وقتها أو عن الجماعة فقط قال: أستغفر الله وأتوب إليه. هذا التواب كثير الرجعة إلى الله، كلما زلت القدم عاد إلى الله، وهذا يحتفظ بطهارة روحه، ما يسمح للنفس أن تخبث أبداً، دائماً الماء والصابون في يديه. وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222] الذين يتكلفون الطهارة، يطلبونها ويعملون على تحقيقها.

تفسير قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ...)

وقوله تعالى: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [البقرة:223] النساء: جمع لا مفرد له، واحد النساء امرأة، بعضهم يقولون: إنسانة، ولكن النساء لا مفرد له. نِسَاؤُكُمْ [البقرة:223] أي: زوجاتكم حَرْثٌ لَكُمْ [البقرة:223] هل تعرفون الحرث؟ قطعة أرض تبذر فيها البذر وتسقيها فتنبت لك بإذن الله البر والشعير والذرة، وما إلى ذلك، فنساؤنا جعلهن الله للرجال حرثاً، أرض حراثة، ولكن لا تنبت البر والبصل والثوم، تنبت الرجال والنساء!لو كان عندك أرض تحرث فيها فتنبت لك الأولاد من بنين أو بنات فهذه الأرض ما تباع أبداً ولا تساوم بقيمة، فالحمد لله! هذا كلام الله: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [البقرة:223] إذاً: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223] في أي وقت، وكيف شئتم. ‏

حكم إتيان المرأة من دبرها في الفرج وحال الحيض والنفاس
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

وهنا مسألة أخرى أيضاً: بعض الرجال يأتي امرأته من ورائها، لكن لا يولج إحليله -ذكره- في دبرها، يطؤها في فرجها حيث الحرث، ولكن يطؤها وهي مدبرة، وهذا كان يفعله بعض المؤمنين، فكره بعضهم هذا النوع، تحدث بعض النساء، بمعنى أنه يأتيها من ورائها ولا يطؤها في دبرها، لكن يطؤها في فرجها الذي هو طريق الحراثة والزرع، فلما تململ بعض الناس من سماع هذا أفتاهم الله عز وجل: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223] وهي قائمة، وهي قاعدة، مقبلة، مدبرة، شأنك يا عبد الله، لا إله إلا الله! فأتوا حرثكم كيف شئتم. وهل يأتي الحرث وهي حائض؟ لا، وهي نفساء؟ لا. فقوله: أنَّى بمعنى: كيف، لا بمعنى: أي وقت، نعم في أي وقت أيضاً على شرط أن تكون طاهراً ليست بحائض ولا نفساء.

معنى قوله تعالى: (وقدموا لأنفسكم)

نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ [البقرة:223] لا إله إلا الله! قدموا للدار الآخرة، هذه أيام معدودة ومحدودة وأنتم ماشون، والله! لراحلون، قدموا للدار التي تنزلون بها شيكات، احجزوا في فنادق السماء قبل ضياع الوقت.ويدخل في هذا اللفظ: وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ [البقرة:223] أن تنوي ببعالك ونكاحك وإتيانك زوجك أن تنجب أولاداً وبنين يعبدون الله عز وجل.هل يستطيع إنسان أو العالم بأسره أن يوجد لنا رجلاً أو امرأة؟ مستحيل! روسيا جمعت أطباءها وصناعها وعلماء الذرة، وقالوا: لتعملوا على إنتاج الإنسان، حتى إذا استطعنا أن نوجد جيوشاً آلية فسنضع أرجلنا على العالم بأسره، ولا يأسف أحد ولا يحزن، اصنعوا من البلاستيك رجالاً وانفخوا فيهم الروح ليصبحوا كالبشر ونوجههم لفتح العالم، قالت الأخبار الصحيحة: عملوا ثمانية عشر عاماً، وهم يعملون الليل والنهار على إيجاد جيش من الآلات، بمعنى أن هناك ناساً يضعونهم في الطرقات الآن في أوروبا، إنسان واقف بهيكل كامل، فقط تنفخ فيه الروح، عملوا ثمانية عشر عاماً، ثم أعلنوا عن فشلهم، وقالوا بعد البحث المتواصل في الكون: الروح من عالم أعلى لا توجد في العالم الأسفل، قلنا: عجائزنا في القرية تخبر بهذا، ما يحتاج إلى ثمانية عشر عاماً، والله! أيما عجوز مسلمة تقول: الروح تأتي من الله، من السماء، الملك ينفخها، وهم في ثماني عشرة سنة يعملون، والرواتب ضخمة، يريدون أن يوجدوا جيشاً غير بشري يحكمون به العالم.إذاً: فيا فحل! انو بوطئك وجماعك إنتاج إنسان يذكر الله ويشكره، قدم لنفسك، ولهذا على الرجل إذا كان يملك النفقة والسكن أن يتزوج، ما يضيع الوقت، من أجل ماذا؟ من أجل أن ينتج بنين وبنات يعبدون الله عز وجل بالذكر والشكر، ماذا يكلفك؟ إنها أربعة آلاف ريال: ألفان مهر وألفان لتدبير شأنك، وسيضحك مني القوم؛ لأنهم يسمعون المهر خمسين ألفاً، ستين ألفاً، فاللهم إن هذا منكر، لم هذا؟ أبيع هذا وشراء؟ المهم أنه ما دمت قادراً على أن تنتج رجلاً وامرأة فأي فرح أعظم من هذا الفرح، لا صناعة ولا كلفة، فتح الله لك الباب، علمك، وضع بين يديك الحرث فاحرث وأنتج يا عبد الله، قدم لنفسك: وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ [البقرة:223] تشمل إنجاب البنين والبنات، وتشمل كل عمل صالح قدم، مساعدتك على الزواج -والله- تقديم، مؤمن يريد أن يتزوج فساعدته بمائة ريال أو ألف فأنت شريك في هذا الأجر، لك أجر.فقوله جل وعز: (قدموا) شامل لهذا ولكل عمل صالح تقدمه إلى الآخرة لتظفر به وتفوز، هذه وصية الله: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [البقرة:223] من أعطانا هذا؟ الله هو الذي أذن.

ذكر بعض الأحاديث الواردة في حرمة إتيان المرأة في دبرها

إذاً: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223] كيف شئتم: من قيام، من قعود، عن اليمين، عن الشمال، من وراء، من أمام، مع الاحتراز الكامل من أن يطأ في دبرها، هذا هو الموت والدمار.أسمعكم الأحاديث الواردة في هذا الباب:قال المؤلف غفر الله له ولكم في الحاشية: [ وذلك لتحريم وطء المرأة في دبرها للآية الكريمة وللأحاديث الصحاح وما أكثرها، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: ( يا أيها الناس! إن الله لا يستحي من الحق، لا تأتوا النساء في أعجازهن ) أي: أدبارهن، وقوله: ( من أتى امرأة في دبرها لم ينظر الله إليه يوم القيامة ) ]، ووردت أحاديث كثيرة، لكن هذا يكفي، فهذه خطبة خطبها الرسول صلى الله عليه وسلم: ( يا أيها الناس! إن الله لا يستحي من الحق ) لذا أقول لكم هذا، ( فلا تأتوا النساء في أعجازهن )، ( من أتى امرأة في دبرها لم ينظر الله إليه يوم القيامة )، ومن غضب الله عليه ولم ينظر إليه هل يدخل الجنة؟
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

معنى قوله تعالى: (واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين)

قال تعالى: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ [البقرة:223] من إتمام الوصية قال: اتقوا الله، لا تخرجوا عن طاعته فتأتوا النساء في حيضهن قبل الطهر، أو بعد الطهر وقبل الاغتسال، أو تأتوهن في أدبارهن، كل هذا داخل في قوله: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ [البقرة:223] اتقوا الله، ولو كان لا يأتي يوم تقف بين يديه فاضحك، قل: أمرنا بأن نتقيه فلن نتقيه، لكن اعلم أنك ستقف بين يديه، إذا حدثتك نفسك أو سولت لك باستمرارك على المعصية فاعلم أنك لست طليقاً حيث شئت، سيأتي يوم تقف بين يدي الله، تلاقيه وجهاً لوجه، ماذا تقول؟ أعوذ بالله! لو قال الله له: فعلت كذا في امرأتك فسيذوب ويتحطم. وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [البقرة:223] وأخيراً يا رسولنا بشر المؤمنين، أصحاب هذه العقائد والآداب والأخلاق والعبادات والمعاملات، لم قال: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [البقرة:223]؟ لأنه -والله- لا يمتثل هذه الأوامر إلا مؤمن، لا يتقيد بهذه القيود ولا يتأدب بهذه الآداب إلا مؤمن، أما الكافر فلا، فلهذا ختم بهذا: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [البقرة:223]، هم الذين يمتثلون أمر الله ويجتنبون نهيه، والذي تراه بين الناس من عدم الطاعة والله! لنتيجة عدم الإيمان أو ضعفه، أما أهل الإيمان اليقيني الكامل فهيهات هيهات أن يتلوثوا بهذه الأوساخ والقاذورات!

الإعجاز القرآني في انتظام الأحكام المضمنة في الآية الكريمة

والآن نسمعكم الآيتين وتفكروا: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ * نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [البقرة:222-223]، والله! لو تكتب صحيفة بعشرين صفحة ما تأتي بهذا الكمال في هذه الآية، لا إله إلا الله!ّ لو تملأ عشرين صفحة ما يمكن أن تتسع لهذه، عجب هذا القرآن أو لا؟ إخواننا من الجن عرفوا هذا ونطقوا به، وصاحوا: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا [الجن:1] والمؤمنون (95%) منهم ما يفهمون أنه عجب، ما تذوقوه، ما جلسوا عليه، ما فهموه، كيف يعرفون أنه عجب؟ الجن ما إن سمعوا الرسول يقرأ في صلاة الصبح حتى التفوا حوله وكادوا يكونون عليه لبداً، وقالوا: أنصتوا.. أنصتوا، ما إن سمعوه حتى قالوا: إنا سمعنا قرآناً عجباً، وعادوا إلى ديارهم يبلغون دعوة الله. فالمفروض أن المستمعين يبلغون هذه الآية، يحدثون بها الليلة جلساءهم حتى تستقر في نفوسهم، بلغ ولو آية، ويوم يفتح الله وننطلق فسيحدث هذا، ولكن إلى الآن مازلنا خاملين.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ معنى الآيتين:يخبر تعالى رسوله بأن بعض المؤمنين سألوا عن المحيض: هل تساكن المرأة معه وتؤاكل وتشارب أو تهجر بالكلية حتى تطهر؟ إذ كان هذا من عادة أهل الجاهلية ]، وحتى اليهود أيضاً، بل اليهود هم الذين كانوا يعتزلون المرأة نهائياً.قال: [ وأمره أن يقول لهم: الحيض أذى يضر بالرجل المواقع فيه، وعليه فليعتزلوا النساء الحُيَّض في الجماع فقط لا في المعاشرة والمؤاكلة والمشاربة ] والمبيت، لا، [ وإنما في الجماع فقط أيام سيلان الدم، بل لا بأس بمباشرة الحائض في غير ما بين السرة والركبة، للحديث الصحيح بذلك في هذا، كما أكد هذا المنع بقوله تعالى لهم: وَلا تَقْرَبُوهُنَّ [البقرة:222] أي: لا تجامعوهن حتى يطهرن بانقطاع دمهن والاغتسال بعده لقوله: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ [البقرة:222] أي: اغتسلن فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة:222] بإتيانهن، وهو القبل لا الدبر ]، القبل: الأمام، والدبر: الوراء، [ فإنه محرم، وأعلمهم تعالى أنه يحب التوابين من الذنوب المتطهرين من النجاسات والأقذار، فليتوبوا وليتطهروا ليفوزوا بحب مولاهم عز وجل. هذا معنى الآية الأولى ]، هل هناك أغلى من حب الله؟ لو يأتيني هاتف يهتف على شرط أن يكون ملكاً، يقول: اعلم أن الله يحبك واخرج من بيتك ومالك؛ فوالله لفرحت وخرجت، وإن قالوا: الشيخ جن، لكن نتوسل ونعمل، وكلنا رجاء أن يحبنا، من أحبه الله فلينم، من أحبه الله لا يذله، لا يخزيه، لا يهينه، لا يكله إلى غيره.والخطوة الأولى: أحبه أنت، أما أنك غير مستعد لحبه وتطلب منه أن يحبك فهذا خطأ فاحش، ويقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( أحبوا الله لما يغذوكم به من النعم، وأحبوني بحبه )، هذه إذا ذكرتها وكنت في خلوة وذكرت ثيابك النظيفة أو طعامك بين يديك، أو إنقاذك يوم كذا في حادثة كذا، فعلى الفور ترتعد فرائصك وتبكي وتحب الله أكثر من حبك لنفسك، والذي ما يذكر هذا لا يحب الله، أمر مفروغ منه، ( أحبوا الله لما يغذوكم به من النعم ) اذكر نعمه تحبه، اذكر إحسانه إليك تحبه.أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهمفطالما استعبد الإنسان إحسان.والذي يأكل ويشرب كالحمار ولا يفكر ولا يذكر الله كيف يحب الله؟قال: [ أما الآية الثانية وهي قوله تعالى: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [البقرة:223] فهي تضمنت جواب سؤال وهو: هل يجوز جماع المرأة مدبرة بأن يأتيها الرجل من ورائها؟ إذ حصل هذا السؤال من بعضهم فعلاً، فأخبر تعالى أنه لا مانع من ذلك إذا كان في القبل لا في الدبر، وكانت المرأة أيضاً طاهرة من دمي الحيض والنفاس، وسمى المرأة حرثاً لأن رحمها ينبت فيه الولد كما ينبت الزرع في الأرض الطيبة، وما دام الأمر كذلك فيأت الرجل امرأته كما شاء مقبلة أو مدبرة؛ إذ المقصود حاصل وهو الإحصان وطلب الولد ]، ما معنى الإحصان؟الحفظ من الوقوع في الزنا، الإحصان حاصل بهذا الوطء سواء من أمام أو من وراء، والولد كذلك ينبت بإذن الله.[ فقوله تعالى: أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223] يريد: على أي حال من إقبال أو إدبار شئتم شرط أن يكون ذلك في القبل لا في الدبر، ثم وعظ تعالى عباده المؤمنين بقوله: وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ [البقرة:223] من الخير ما ينفعكم في آخرتكم، واعلموا أنكم ملاقوا الله تعالى فلا تغفلوا عن ذكره وطاعته؛ إذ هذا هو الزاد الذي ينفعكم يوم تقفون بين يدي ربكم ] ويسائلك: هل فعلت؟ هل فعلت؟[ وأخيراً أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبشر المؤمنين بخير الدنيا والآخرة وسعادتهما من كان إيمانه صحيحاً مثمراً التقوى مولداً العمل الصالح ].

هداية الآيات
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآيتين:من هداية الآيتين:

أولاً: حرمة الجماع أثناء الحيض والنفاس؛ لما فيه من الضرر، ولقوله تعالى: فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة:222].

ثانياً: حرمة وطء المرأة إذا انقطع دم حيضها أو نفاسها ولم تغتسل بعد، لقوله تعالى: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة:222] .

ثالثاً: حرمة نكاح المرأة في دبرها؛ لقوله تعالى: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة:222] ] أي: أذن لكم، [ وهو القبل.

رابعاً: وجوب التطهير من الذنوب بالتوبة، والتطهير من الأقذار والنجاسات بالماء ]، تطهير النفس بالتوبة والاستغفار، وتطهير البدن بالماء العذب الصافي الطهور، فالماء الطاهر تشربه، تغسل به إناء، أما الطهور فهو الذي ترفع به الأحداث، هو الذي يتم به الغسل والوضوء.

[ خامساً: وجوب تقديم ما أمكن من العمل الصالح ليكون زاد المسلم إلى الدار الآخرة؛ لقوله تعالى: وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ [البقرة:223].

سادساً: وجوب تقوى الله تعالى بفعل ما أمر وترك ما نهى عنه وزجر ]، أما قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ [البقرة:223] هذا أمر أو لا؟ أيعصى الله إذا قال: افعل أو لا تفعل؟[ سابعاً: بشرى الله تعالى على لسان رسوله لكل مؤمن ومؤمنة ]، وبشر يا رسولنا المؤمنين والمؤمنات.فالحمد لله.. الحمد لله، اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وكن لنا ولا تكن علينا، يا ولي المؤمنين ويا رب العالمين.رب إن بيننا من يشكو آلاماً وأمراضاً في بيته، في مستشفاه، اللهم اشف أولئك المرضى من المؤمنين والمؤمنات، اللهم شفاءك العاجل يا رب العالمين.وصل اللهم وسلم

ابوالوليد المسلم 06-07-2020 04:26 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (8)
الحلقة (15)


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

تفسير سورة البقرة (105)





نهى الله عز وجل عباده المؤمنين عن الإكثار من الأيمان؛ لأن ذلك مفض إلى أن يمنع المرء عن فعل بعض الطاعات وإتيان بعض الخيرات، أما ما يجري على ألسنة الناس من الأيمان التي لا يقصد بها الحلف، وإنما تجري مجرى الكلام فهي مما لا يؤاخذ بها الإنسان، أما ما انعقد عليه القلب فيحاسب عليه المرء، ومن ذلك الإيلاء من الزوجة، فقد أمهل الله صاحبه أربعة أشهر فإما أن يرجع إلى وطء زوجه أو يطلقها فتحرم عليه.

تفسير قوله تعالى: (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له إلا الله.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). اللهم حقق لنا هذا إنك ربنا وولينا، ولا رب ولا ولي لنا سواك.وها نحن مع هذه الآيات الأربع من سورة البقرة:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ * لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:224-227].هذه الآيات اشتملت على أحكام جليلة، من ظفر بها الآن وعاد إلى بيته وجلس على فراشه واسترجعها ووجدها كما هي؛ فهي -والله- لأكبر غنيمة غنمها في هذه الليلة، والله! لخير من خمسين ألف ريال؛ لأن ما عندكم ينفد أو لا؟ وما عند الله باق، فالباقي خير من الفاني، فهل مستعدون لأن نحفظ ونفهم، لأننا أخذنا أعظم جائزة: الله يذكرنا في الملكوت الأعلى، أبعد هذا شيء؟! من نحن وما نحن حتى يذكرنا الله بين ملائكته؟ بفضل هذا العطاء الإلهي: نتلو كتابه في بيته، ونتدارسه، هذا هو السر.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

سبب نزول الآية الكريمة

أولاً: لهذه الآية في نزولها سبب: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:224] هذه الآية لها سبب في نزولها، قيل: إنها نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، لما حدثت حادثة الإفك وكرب رسول الله والصديق والمؤمنون بتلك الشائعة التي ما أكثرها اليوم، فـالصديق حلف بالله ألا يطعم ابن خالته مسطحاً ، كان الصديق يطعم ابن خالته مسطحاً صباح مساء، يأكل مع الأسرة؛ لأنه فقير، فلما ولغ في هذه الفتنة حلف ألا يطعمه في بيته، فنزلت الآية: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:224]، فما كان من الصديق إلا أن أرجعه وعاد به إلى بيته وكفر عن يمينه.وفيها يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه ) قاعدة عامة: ما من مؤمن يحلف بالله ألا يفعل كذا، ويكون قد حُرم ذلك الخير بيمينه؛ إذ جعلها عرضة في الطريق فامتنع بها، فعليه أن يكفر عن يمينه ويفعل ذلك الذي حلف ألا يفعله، وليأت الذي هو خير.من حلف على شيء ثم رأى أن غيره خير منه فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه. وقيل: نزلت في عبد الله بن رواحة ، فمن عبد الله بن رواحة هذا؟ شهيد مؤتة، هذا كان له ختن فغاضبه، حلف ألا يكلمه، والختن إما أخو زوجته أو أبوها، وجائز أن يكون زوج ابنته، والجمع: أختان، أقارب زوجتك هم أختانك، زوج ابنتك ختن لك أيضاً.

النهي عن جعل اليمين مانعاً من فعل الخيرات

إذاً: فكانت الآية: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ [البقرة:224]، أي: ولا تجعلوا الحلف بالله، أما الله فما يكون عرضة، وإنما الحلف به تعالى لا تجعلوه عرضة في الطريق فيحول بينكم وبين طاعة الله وفعل الخيرات والصالحات، كأن يقول: والله لا أصلح بين اثنين بعد اليوم؛ لأنه صلح بينهما فلحقه سب أو عتاب أو آلام، ويمنع نفسه عن فعل الخير؛ إذ الإصلاح بين اثنين حسنة لا تقابلها حسنة. أو حلف ألا يكلم فلاناً، وفي تكليمه والحديث معه خير كثير، كيف يحرم نفسه من أخوة أخيه؟ إذاً: فليكفر وليفعل الذي هو خير، أو حلف ألا يعطي بعد اليوم فلساً لفلان أو فلان، فالعطاء خير من الحرمان، فليكفر وليأت الذي هو خير.وافهموا من قوله: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ [البقرة:224] أن هناك محذوفاً: ولا تجعلوا الحلف بالله عرضة في الطريق يمنعكم من الوصول إلى الخير. وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ [البقرة:224] لأن هذه مواطن الخير: فالبر فعل خير، والتقوى بترك فعل شر وفعل واجب أو مندوب خير، وتصلحوا بين الناس، هذه مواطن الخير والبر، لا تجعلوا اليمين بالله واقفة في الطريق كحجر عثرة كما يقولون، لا تجعلوا أيها المؤمنون الحلف بالله تعالى مانعاً لكم من فعل الخير، سواء كان تصدقاً، سواء كان مجالسة الصالح، أو دخول بيته.. وهكذا من أنواع البر والإحسان.

سبب تسمية الحلف يميناً

وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ [البقرة:224] يقال: فلان عرضة للسب، فلان عرضة لكذا، المرأة عرضة للخطبة والنكاح، فالعرضة: ما يعترض الشيء ويكون في طريقه، وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ [البقرة:224] والأيمان: جمع يمين وهو الحلف، لم سمي الحلف يميناً؟ لأن العرب كانوا إذا أراد أن يحلف يضع يمينه على يمين الثاني، وضع اليمين على اليمين، من هنا سمي الحلف يميناً، توثيقاً وتأكيداً ليحلف له ويمينه على يمينه، فهذا الحلف يقال له: يمين، لهذه الملاحظة؛ لأنهم يضعون أيمانهم على بعضها تقوية للحلف وتأكيداً له.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

حكم الحلف بغير الله تعالى

(( وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ ))[البقرة:224] ما قال: لإيمانكم، فالإيمان: التصديق، والأيمان: جمع يمين وهي الحلف، والحلف -كما عرفتم وبلغوا- لا يجوز إلا بالله، بأسمائه وصفاته، لا بالكعبة ولا بالأمانة ولا بالنبي ولا بفلان ولا فلان، ومن حلف بغير الله متعمداً فقد أشرك، وهذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ( من حلف بغير الله فقد أشرك ) كيف أشرك؟ بينا هذا، العادة أن الإنسان يحلف بما هو عظيم عنده، فالذي تحلف به جعلت له جزءاً من عظمة الله؛ لأن الله أكبر؛ لأن الله هو العظيم، فلما حلفت بفلان وفلان أعطيته نصيباً من عظمة الله، معناه: أشركته في عظمة الله.فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( من حلف بغير الله فقد أشرك ) أشرك المحلوف به في عظمة الله عز وجل، وأين إخواننا المصريون الذين يقولون: والنبي.. والنبي، دائماً على ألسنتهم، وحين تنبهه في الموسم يقول: والنبي ما نزيد بعدها، قلت له: يا بني! لا تقل: والنبي، لا تحلف، انتبه، حتى ولو جرت على لسانك، جاهد نفسك، فيقول لي: والنبي ما نزيد بعدها! ولهذا لما شاهد أبو القاسم هذه الظاهرة في المؤمنين الذين عاشوا سنين يحلفون بالعزى، أو باللات أو مناة، فكونه أسلم منذ عامين لا يستطيع، تجري على لسانه، فما يقدر على التخلص منها، فقال صلى الله عليه وسلم: ( من حلف باللات أو العزى فليقل: لا إله إلا الله ) فهذه مادة الإصلاح، أيما مؤمن جرى على لسانه: وحق فلان، ورأس فلان، بدون قصد، فحين يعرف أنه وقع يقول: لا إله إلا الله، ( وأتبع السيئة الحسنة تمحها )، هذا علاج لمن تعود من فطرته وصغره أن يحلف بغير الله، لا يريد أن يعظم ذلك الشيء، فما هو العلاج؟ لا إله إلا الله تمحو تلك السيئة.إذاً: (( وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ ))[البقرة:224] لأقوالكم (( عَلِيمٌ ))[البقرة:224] بنياتكم وأفعالكم، إذاً: فاحذروا، لا تجعلوا اليمين مانعة من الخير، فإذا قلت: مع الأسف؛ أنا حلفت ألا أحضر الحلقة الفلانية، فكفر عن يمينك واحضر، حيث امتنعت من الخير.

تفسير قوله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم ...)

ثم قال تعالى: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ [البقرة:225] ما هو اللغو في الأيمان؟ اللغو: الباطل وما لا فائدة فيه، والمؤمنون من أمثالكم عن اللغو معرضون، لا يستقبلون اللغو بل يعطونه ظهورهم، أتدرون ما ضابط اللغو؟ كل قول أو عمل أو تفكير لا ينتج لك ريالاً لمعاشك ولا حسنة لمعادك فهو لغو، ضابط عجب هذا، امرؤ يفكر، فيم تفكر؟ إذا كان ما تفكر فيه ينتج لك حسنة لأنك تفكر في عظمة الله وجلاله، أو تفكر في ذنوبك وما أصابك، هذا لا بأس، أما أن تفكر في شيء ما ينتج لك ريالاً ولا حسنة فباطل هذا التفكير، أغمض عينيك ونم أو قم فصل. وحين تتكلم بالكلمة والكلمات طيب الكلام وقصره، هل تحصل على حسنة به تدخرها ليوم القيامة؟ قال: لا، هل تحصل على ريال أو فائدة مالية؟ قال: لا. إذاً: كلامك باطل، لغو، أعرض عنه واذكر الله عز وجل.يعمل بجهد، هذا العمل يا عبد الله هل ينتج لك ريالاً أو لا لأولادك وزوجتك؟ قال: لا، هل ينتج لك حسنات عند الله؟ قال: لا، إذاً: لا تلعب، هذا لغو، كالذين يلعبون الكيرم والكرة. ‏

المراد بلغو اليمين

إذاً: يمين اللغو هي التي تحلف على شيء تظنه كذا، ويظهر بعد ذلك خلاف ما ظننت، هذه لغو يمين، مثالها: أن يقول لك أخوك: من فضلك أسلفني مائة ريال، فتقول: والله! ما عندي ولا شيء؛ لأنك تعتقد أنه ليس في جيبك شيء، بعدما رجعت البيت وجدت في جيبك ألف ريال أو مائة، فهذا لغو يمين لا تؤاخذ عليها. أو قيل لك: أين إبراهيم؟ فقلت: والله لقد سافر، وبعد أن رجعت البيت وجدته ما سافر، هل حنثت أو لا؟ لكن هذه لغو يمين، ما أنت بمتعمد، هذه صورة من لغو اليمين، أن تحلف على شيء تظنه كذا لغالب على ظنك، فيظهر خلاف ذلك، والإنسان ضعيف، فهذه اليمين التي تسمى بلغو اليمين لا إثم فيها ولا كفارة أبداً.الصورة الثانية: أن يجري على لسانك ما لا تقصده من أيمان، يقال لك: تعال: فتقول: لا والله. هيا بنا، لا والله، وهو لا يريد اليمين، تجري على لسانه فقط، فهذه هي لغو اليمين لا يؤاخذنا الله بها: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ [البقرة:225].إذاً: لغو اليمين لها صورتان: الأولى: أن تظن الشيء كذا فتحلف عليه فيتبين خلاف ما حلفت، لا إثم فيها ولا كفارة، لقول الله تعالى: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ [البقرة:225].الصورة الثانية: أن يجري على لسانه اليمين بدون قصد، كقول: بلى والله كذا وكذا.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

أنواع اليمين المكفَّرة

واليمين المكفَّرة لها صورتان أيضاً: الأولى: أن يقول: والله! لا أمشي معك، عزم على ألا يمشي، والله! لأضربن رأسه، عازم أو لا؟ ثم لم يستطع، اضطر لأن يمشي، حلف فقال: والله! لا أسافر معك بعد اليوم أبداً، وبعد فترة اضطر إلى أن يسافر، هذه اليمين يؤاخذ عليها العبد. والثانية: أن يقول: والله! لأفعلن، ينسب القدرة إلى نفسه، والله لأضربن، والله لأعطين.. ويعجز، هنا نفسه تتلوث، تخبث، تحتاج إلى آلة تمسحها، لم تلوثت؟ لأنه نسي أنه عبد مملوك لله، لا يستطيع أن يتحرك ولا أن يسكن إلا بإذن الله، فنسي الله فقال: والله لا أفعل، هل أنت تملك هذا؟ عندك قدرة؟ أو يقول: والله لأفعلن، هل أنت قادر على أن تفعل ما تريد؟ أما تقرأ: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الإنسان:30] فلما نسي جلالة وعظمة الله وملك الله ارتكب إثماً بهذا النسيان، فتلطخت نفسه بالإثم، فلا يزول إلا بما عين الحكيم مما تزول بهذه الآثام، اللهم إلا إذا اعترف فقال: والله! لا أسافر معك بعد اليوم إلا أن شاء الله، أو قال: والله! لأضربن رأسك إلا أن يشاء الله، ما دام أنه اعترف فلا إثم، وهذا ما يسمى بالاستثناء؛ لأنه أول مرة وقع في محنة حيث نسي الله، قال: والله لا أذهب، هل أنت تملك ألا تذهب؟ الذي يملك هو الله، فلما أصر وما استثنى وعجز واضطر إلى أن يفعل ما حلف عليه تلطخت نفسه بأوضار الذنب والإثم، فلا تمحى ولا يزول أثرها إلا بالمادة التي وضعها الله.ما هي المادة التي وضعها الله؟ عتق رقبة، أو كسوة عشرة مساكين، فإذا ما استطاع فصوم ثلاثة أيام، مخير، فإذا أعتق رقبة استراح، أو أن يكسو عشرة بثوب وطاقية لكل واحد، وإذا كانت لامرأة فملاءة وخمار، بحيث تصح صلاتها فيها، فإذا ما استطاع الكسوة يطعم عشرة مساكين، يجمعهم على غداء وعشاء أو يعطي كل واحد كيلو دقيق أو كيلو ونصفاً، كله واسع، فإذا ما استطاع صام ثلاثة أيام.من هو هذا الذي يكفر؟ يكفر عن ماذا؟ عن الذنب الذي علق بنفسه لما ادعى أنه يفعل، هل تملك أن تفعل أنت؟ قل: إن شاء الله أنك تفعل، أو يقول: لا أفعل ويحلف، قل: إن شاء الله؛ إنك قد تعجز فما تستطيع، استثن، فالله تعالى يقول في بيان الكفارة: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ [المائدة:89].

اليمين الغموس وحكم الكفارة فيها

بقيت يمين تسمى الغموس، هذه تغمس صاحبها في الإثم من رأسه إلى قدميه، وتغمسه في جهنم، سماها أبو القاسم الغموس، فعول، كثيرة الغمس في الذنوب والآثام ثم في جهنم، ما هي اليمين الغموس؟ هذه التي جاءت في هذه الآية: بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ [البقرة:225] اليمين الغموس: أن يحلف بالله كاذباً ليحصل على فائدة دنيوية، يحلف بالله كاذباً لأجل ماذا؟ ليحصل على ريال أو طعام أو منصب أو حاجة، يقول: والله! ما رأيت فلاناً، وهو كان معه، من أجل غرض يحصل عليه.هذه اليمين الغموس فقهاء الإسلام منهم من يقول: لا كفارة لها أبداً، لو تصوم ألف عام ما ينفع، إلا أن تتوب، فتقول: إني حلفت كاذباً، وخذوا ما أخذته منكم، فترد الحقوق إلى أصحابها، وتفضح نفسك أمامهم، وتستغفر الله وتتوب إليه، هذه هي الكفارة.أما أن تحلف كاذباً لفائدة دنيوية وتقول: أنا أكفر، فما ينفع ولو تصوم الدهر كله، حتى ترد الحق الذي أخذته باليمين الكاذبة. ومن أهل العلم من يقول: دعه يكفر، فهو تخفيف على الأقل، يكفر كالكفارة عن اليمين الأخرى، وإن كان هذا ما يكفي، لكن شيء خير من لا شيء.والأولون من أهل العلم من علماء الإسلام يقولون: اليمين الغموس ما فيها كفارة، بمعنى: ما تنفع حتى تعلن عن توبتك وتقول لفلان: أنا كذبت عليك لآخذ مالك أو لآخذ كذا وكذا، خذ مالك، أو: هذه رقبتي اضربها، هذا الذي يكفرها. ومع هذا فإذا ما فعل ماذا يصنع؟ على الأقل يكفر كفارة يمين: إطعام عشرة مساكين، أو عتق رقبة، أو كسوة، أو صيام.

إجمال أنواع الأيمان الأربع

فهذه هي الأيمان الأربع:أولاً: قلنا: يا عباد الله! لا تجعلوا اليمين بالله مانعة لكم عن الخير، فإذا حلفت ألا تصلح بين اثنين أو ألا تعتمر أو لا تسافر مع فلان أو لا تتصدق أو كذا، فكفر عن يمينك وافعل الخير، أخذاً بقول ربنا: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:224]، هذه اليمين فرغنا منها. ثم جئنا إلى لغو اليمين: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ [البقرة:225] ما هو لغو اليمين؟ اليمين التي تحلف بالله على شيء تظنه أو موقن بأنه كذا ويتبين خلاف ذلك، فلا شيء، لا يؤاخذك الله عليها، ولا كفارة فيها؛ لأن النفس ما تلطخت، تحلف على شيء تظنه، تعتقد أنه كذا ويتبين خلاف ذلك، كما لو قيل لك: من فضلك أقرضني مائة ريال، فتقول: والله! ما في جيبي شيء، فلما فتشت بعد ذلك وجدت، هذه لغو يمين لا كفارة فيها ولا إثم؛ لأنك لما حلفت كنت تعتقد أنه ما يوجد عندك شيء في جيبك، هذه صورة أولى.الصورة الثانية: أن يجري على لسانك دائماً اليمين: لا والله، بلى والله. دائماً في أحاديثك، هذه لغو أيضاً، ألغها وأبطلها لا تلتفت إليها.ثم اليمين التي ينفع فيها الاستثناء، وهي: أن تقول: والله! لا أفعل، وتنسى أنك مملوك لله ضعيف، قل: إن شاء الله! فإن هو حلف ألا يفعل ثم فعل فليكفر عن يمينه، أو يقول: والله! لا أفعل، ينسب القدرة لنفسه: والله! لأفعلن كذا ثم يعجز، فليكفر عن يمينه؛ لأنه نسي الله أو لا؟ لما قال: والله! لا أقوم بينكم أو لا أفعل كذا، وعجز، لو قال: إن شاء الله كان خيراً له، لكن لما نسب القدرة لنفسه هو ونسي الله وما ذكره تلطخت نفسه بالإثم، فليكفر عن يمينه، أو يقول: والله! لأفعلن، كأنه يفعل ما يريد! ما تستطيع، قل: إلا أن يشاء الله، قل: إن شاء الله، والله يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الكهف:23-24]، فمن استثنى فلا شيء عليه، ومن أصر وحلف بدون استثناء ونسب القدرة لنفسه بالفعل أو الترك، ثم حنث فعليه الكفارة التي يغسل بها ما تلطخت به نفسه من أوضار الذنب والإثم. والكفارة عرفناها، إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو عتق رقبة، مخير في ذلك، فإذا ما استطعت فالإطعام هو الأخير: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ [المائدة:89]. وبقيت يمين واحدة سوداء مظلمة، ما هذه؟ الغموس، غمسه يغمسه في الماء، والغموس: الذي يكثر الغمس ويقدر عليه، هذه تغمس في الإثم أولاً، ثم تغمسه في جهنم، وهي اليمين الكاذبة، أقرضه ألفاً أو خمسة فقال: والله! ما أقرضتني شيئاً، والله ما أعطاني شيئاً، وهو كاذب؛ حتى يأخذ هذه الألف، هذه اليمين عرفتم رأي العلماء فيها، منهم من يقول: ما تكفر هذه أبداً إلا بالتوبة والاعتراف بكذبه ورد المال والحق لأصحابه، هذا الذي ينفع، أما أن يكفر فما ينفعه ذلك، وبذلك قال مالك رحمه الله تعالى.وآخرون يقولون: دعه يكفر على الأقل، فحسنة خير من عدمها، لكن ليس معناه: أن يصر على الباطل، ويأخذ حقوق الناس بالأيمان الكاذبة، ويكفي أنه يصوم، والله ما يكفي أبداً. فهذه الأيمان في الشريعة الإسلامية بكاملها في آيتين من كتاب الله.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

تفسير قوله تعالى: (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم)

بقيت مسألة في الآية الأخيرة، وهذه ذات شأن، وهي قوله تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ [البقرة:226] ما دام أنه ذكر الأيمان ذكر بالمناسبة أن يحلف الرجل فيقول لزوجه: والله لا أطؤك كذا شهراً، فهل هذا جائز أم لا؟ يحلف الفحل لأنثاه فلانة: والله! لا أجامعك شهراً كاملاً، شهرين، ثلاثة، وفي الحقيقة هو يتألم أكثر منها، لكن العنترية. إذاً: إذا كان يحب أن يكفر عن يمينه ويرجع فالباب مفتوح، وإذا أصر فقد أذن الله له في ثلاثة أشهر، فإذا كان نهاية الشهر الرابع فإما أن يطلق وإما أن يكفر عن يمينه ويرجع.هنا عمر رضي الله عنه سأل النساء، سأل حفصة : كم تصبر المرأة عن زوجها؟ ما هي المدة التي يمكن أن تصبر؟ قالت: تصبر شهرين ولا تبالي، وفي الشهر الثالث يقل صبرها، وفي الشهر الرابع ينفد صبرها! فأصدر عمر إلى قادة الجيوش ألا يبقوا الجندي أكثر من أربعة أشهر، ويبعثوا به إلى أهله، من أين أخذ عمر هذا؟ من حفصة ، كلهم صدق وعلم ومعرفة. فالله تعالى يقول في الآية الكريمة: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ [البقرة:226] انتظار أربعة أشهر، إذا وصل الشهر الرابع فإما أن يكفر عن يمينه ويرجع إلى امرأته، أو يطلق، فإن لم يطلق فالقاضي يطلقها رغم أنفه، امرأة حلف زوجها على ألا يطأها ستة أشهر، أو عاماً، أو خمسة أشهر؛ فإذا وصلت تمام الشهر الرابع ترفع أمرها إلى القاضي، فإما أن يرجع وإما أن يطلقها، واسمع الآية: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ [البقرة:226] أزواجهم تَرَبُّصُ [البقرة:226] لهم تربص أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا [البقرة:226] أي: رجعوا إلى وطء نسائهم فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ [البقرة:226] لهم رَحِيمٌ [البقرة:226]، ولكن يكفرون أم لا؟ يكفر عن يمينه ويرجع إلى زوجته.وإذا حلف ألا يطأها أسبوعاً يجب أن يكفر إذا أراد أن يطأ قبله، كما قدمنا أنه إذا حلف على شيء فرأى خيراً منه فليكفر وليأت الذي هو خير، فإن حلف ألا يطأ لشهرين فإن شاء كفر ويعود إلى زوجته، ما هو بملزم، وإن حلف على فوق أربعة فهنا إما أن يفيء ويرجع إلى امرأته، وإلا فالقاضي يطلقها رغم أنفه. اسمع الآية: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ [البقرة:226] ينتظرون أربعة أشهر، الزوجة تنتظر، أو أبوها أو القاضي، فَإِنْ فَاءُوا [البقرة:226] فاء يفيء الظل: رجع، فإن فاءوا بمعنى: رجعوا إلى وطء أزواجهم فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:226] يغفر لهم ويرحمهم.

تفسير قوله تعالى: (وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم)

وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ [البقرة:227] فما الذي يحصل؟ وجب الطلاق، ما دام لم يطأها أربعة أشهر، كملت الأربعة أشهر فأبى أن يطأ ويكفر؛ إذاً: فالطلاق، المرأة تطالب بالطلاق، والقاضي ينفذه، لقوله: وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ [البقرة:227] فليطلقوا فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:227]، أما ألا يطلق ولا يطأ بعد أربعة أشهر فهذه مؤمنة، ما يرضى الله بأذية أمته.وإذا كانت هي ما تريد الوطء، هي التي هربت، فحينئذ يدعوها أن: تعالي، فإن لم تستجب منع عنها الطعام والشراب، لا يبعث لها لا بكساء ولا بطعام، شاردة، نافرة منه؛ حتى تعود، أما أنه هو يعرض عنها ويتركها فما يجوز، يدعوها أن: تعالي ارجعي، فإن أصرت فحينئذ هي كالمعلقة لا مزوجة ولا مطلقة.وإن حلف على أسبوع فقال: والله! لا أطؤك سبعة أيام ولم يطأ فلا ما يكفر، ما حنث، لكن إذا انهزم قبل أن يكمل أسبوعاً ورجع إليها كفر، أو حلف على شهر، ثم ما استطاع أن يصبر، ماذا يصنع؟ يكفر وليفعل الذي هو خير، لكن إذا وفى شهره فلا شيء عليه، لا كفارة ولا حنث.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

ما يلزم الزوج في حال غيابه عن زوجه مدة طويلة

إذا كان هناك شخص يغيب عن زوجه أربع سنوات وهو مسافر في المغرب أو في المشرق؛ فهذا الأمر يعود إلى الزوجة، إذا ترك لها نفقة تكفيها، وترك لها من يتولى أمرها أو يرعاها وهي راضية بسفره لعمله؛ فلا حرج، وإن تركها بلا نفقة فإنها تشتكيه إلى القاضي، ترفع القضية إلى المحكمة والقاضي يطلقها. وإن كانت النفقة موجودة وما أطاقت هي، ما استطاعت أن تبقى بغير زوج، ما قدرت على العزوبة؛ فإما أن يجيء أو يطلق، فقط إذا كانت راضية عنه بالبقاء في عمله خارج البلاد لعامين أو ثلاثة فشأنها، أما إذا انقطعت النفقة فمن ينفق عليها؟ يطلقها القاضي وتتزوج، وإن كانت النفقة موجودة ولكن ما أطاقت البعد عن زوجها، فليس له إلا واحدة من اثنتين: إما أن يرجع أو يطلق، إذ ( لا ضرر ولا ضرار )، ( كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه ).وقوله تعالى: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ [البقرة:224] العرضة: ما يوضع مانعاً من شيء، واليمين يحلفها المؤمن ألا يفعل خيراً.نكتفي بهذا القدر، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg

ابوالوليد المسلم 17-07-2020 05:38 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (9)
الحلقة (16)

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

تفسير سورة البقرة (106)




شرع الله لعباده الطلاق عند استحالة استمرار الحياة بين الزوجين، وبين سبحانه وتعالى أحكامه وضبطها، حتى أنه أنزل سورة كاملة في القرآن سميت بسورة الطلاق، وذلك لأهمية هذا الموضوع وما يترتب عليه من التزامات، وقد بين سبحانه هنا أن المطلقة تعتد لنفسها بثلاثة قروء، فإن انقضت هذه العدة دون أن يقربها زوجها في الطلاق الرجعي انفسخ العقد، وحرمت عليه، أما إن طلقها في حمل فأجلها أن تضع حملها وبه ينفسخ العقد.

تابع تفسير قوله تعالى: (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين المباركة- ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلك الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي، وصلى الله عليه وسلم، قال: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). وأخرى: إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه؛ كان كالمجاهد في سبيل الله ).وها نحن مع هذه الآيات التي أتلوها وسبقت دراستها، وتأملوا ما فهمتم منها: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ * لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:224-227].

صور لغو اليمين
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

أولاً: ما الذي أرشدت إليه ودلت إليه هذه الآية: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ [البقرة:224] ؟ أي: ولا تجعلوا لله عرضة لأيمانكم حتى لا تتقوا ولا تبروا ولا تصلحوا بين الناس. فدلت على أن الأيمان منها لغو اليمين، ولها صورتان: الأولى: أن يجري على لسانك ما لا تقصد، كقولك: لا والله، أو بلى والله كذا. والصورة الثانية: أن تحلف على شيء تعتقد أو تظن ويغلب على ظنك أنه كما أخبرت، ويتبين خلاف ذلك، أين فلان؟! قال: فلان سافر، قيل: ما سافر، فقال: والله! لقد سافر، وبعد ذلك يتبين أنه ما سافر، هذه لغو يمين: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ [البقرة:225].

النهي عن اتخاذ اليمين مانعاً من أعمال البر

أما هذه الفاتحة: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ [البقرة:224] فهذه تنهانا أن نمتنع من فعل الخير بالحلف، فنمتنع من فعل الخير أو من فعل طاعة، أو من إصلاح بين اثنين، بحجة أننا حلفنا، فيقال: يا فلان! من فضلك أقرضني كذا، تقول: لقد حلفت بالله ألا أقرض أحداً؛ حتى تمنع هذه القرض، يا فلان! إخوانك يتقاتلون، تقدم أصلح بينهم، تقول: مع الأسف؛ حلفت أن لا أصلح بين اثنين بعد حادثة معينة.يا فلان! ساعدني على فعل كذا، على بناء مسجد أو مصرف خير. يقول: لا، حلفت ألا أفعل بعد هذا! فتجعل اليمين بالله عرضة كالحجر في الطريق حتى ما يمر الناس، فتضع اليمين بالله حاجزاً عن فعل البر والخير والتقوى.وما عرفناه عن الصديق وعن ابن رواحة بذلك تتضح به هذه القضية.فـأبو بكر الصديق رضي الله عنه لما شارك ابن خالته مسطح في تلك الفتنة شارك بلسانه؛ فحلف أبو بكر ألا يطعم في بيته بعد اليوم، مع أنه كان يأكل ويشرب عنده ليلاً ونهاراً!وعبد الله بن رواحة كان له ختن -أخو زوجته- فتنازع معه، فحلف بالله ألا يكلمه.إذاً: فنزلت هذه الآية تربينا وتؤدبهم: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ [البقرة:224] أيها المؤمنون وأيتها المؤمنات عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ [البقرة:224]، أي: لا تجعلوا الحلف بالله حاجزاً عن فعل الخير والهدى والصلاح.

الندب إلى فعل الخير وتكفير يمين تركه
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

وهنا من حلف ألا يطعم فقيراً، حلف ألا يصوم يوم الإثنين، حلف ألا يعتمر هذا العام؛ فماذا يجب عليه؟ عليه أن يكفر ويفعل الذي منع نفسه من الخير، حلف ألا يشهد الصلاة مع أهل القرية وأن يصلي في بيته، لا ينبغي أن يبقى علي يمينه، جعل الحلف بالله مانعاً له من الخير، من التقوى، إذاً: كفر عن يمينك وصل مع إخوانك؟ وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ [البقرة:224] أي: لا تجعلوا الحلف بالله. والعرضة: ما يقطع الطريق. أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ [البقرة:224] لأقوالكم، عَلِيمٌ [البقرة:224] بنياتكم وما في قلوبكم، فاخشوه واتقوه.والحديث الذي يقرر هذا ويوضحه: ( من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها؛ فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه )، افعل ذاك الذي هو خير من الأول، وكفر عن يمينك، ومن ثم كفر الصديق ورد مسطحاً إلى البيت كما كان، وعبد الله بن رواحة عاد إلى ختنه يكلمه ويسلم عليه، لا سيما وقد ختمت الآية في سورة النور بقوله تعالى: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ [النور:22] فقال: ومن ذا الذي لا يحب أن يغفر الله له؟!

اليمين الغموس

وقوله: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ [البقرة:225] عرفنا لغو اليمين بالصورتين، وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ [البقرة:225] ما هذه؟ هذه اليمين الغموس، هذه ما هي بغامسة مرة واحدة، هذه تغمس أولاً في الإثم، ثم في نار جهنم! وهذه أعيذكم بالله أن تحلفوها، هذه يحلفها بالله كاذباً؛ ليحصل على منفعة، يعرف أنه ما أخذ ويقول: والله الذي لا إله غيره! لقد أخذت، أو أنه أخذ ويقول: والله! ما أخذت من تلك. هذه اليمين الغموس، لأن صاحبها يتعمد الكذب والحلف على الباطل؛ لمنفعة تعود عليه مالية أو بدنية، أو غير ذلك، هذه اليمين الغموس التي تغمس في الإثم ثم في النار، والعياذ بالله!

الأيمان المكفَّرة

بعد هذا بقيت اليمين المكفرة، وهي: والله لا أفعل، أو: والله لأفعلن رغم أنفك يا فلان! فهنا تأمل، حين يقول: والله! لا أفعل هذا، فهل هو حقيقة يقدر على أن يفعل أو لا يفعل؟ هذا معناه: أنه نسب القدرة لنفسه، سلبها من الله وادعى أنه قادر على أنه يفعل أو لا يفعل، هنا إذا حنث؛ حيث قال: والله! لا آتيكم بعد اليوم، واضطر بعد يومين وجاء، فهذا يكفر عن يمينه؛ لأن نفسه تلوثت بالإثم لما نسي الله أنه هو الذي يفعل ما يشاء وهو على كل شيء قدير، فلما تلطخت نفسه بالإثم وضع الله لها مادة التطهير يستعملها، وإلا فما تطهر أبداً. أو قال: والله! لأفعلن، ونسي أن الله إذا لم يرد شيئاً لا يكون، ثم عاد إليه؛ فتلطخت نفسه؛ لأنه نسي الله، نسي قدرة الله، نسي أن الأمر لله، فعليه -إذاً- أن يغسل أوضار إثمه بما وضع الحكيم من مادة التطهير. فاليمين المكفرة هي أن تقول: والله! لا أفعل، وتعجز وتفعل، أو تقول: والله! لأفعلن، وتعجز وما تستطيع، هنا تجب الكفارة؛ لم سميت كفارة؟ لأنها تغطي ذاك الإثم، تكفره، تزيله.هذه الكفارة جاءت مبينة في سورة المائدة، قال تعالى: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ [المائدة:89] عقدتم: حلفتم على علم ويقين ألا تفعلوا أو أن تفعلوا. فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ [المائدة:89]، أي: وحنثتم، أما الذي حلف وما حنث فلا كفارة عليه.

الندب إلى الاستثناء في اليمين
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

وما هو المطلوب حتى لا نقع في مثل هذه؟ المطلوب: أن نستثني، بأن تقول: والله! لأضربنك إلا أن يشاء الله، والله! لا أجلس معكم بعد اليوم إلا أن يشاء الله! فما دمت استثنيت فما عليك شيء، عرفت الحق لمن، وأنت عاجز، إلا أن يشاء الله ذلك فتفعله ولو لم ترده.إذاً: ما ننسى كلمة: (إن شاء الله) التي حصلت بسببها قصة للنبي صلى الله عليه وسلم، فقريش وعلى رأسها حاكمها وملكها أبو سفيان كانت في اضطراب، فقبل أن يهاجر الرسول صلى الله عليه وسلم لما بدأ الإسلام ينتشر في مكة بعثوا وفداً إلى علماء اليهود في المدينة وأحبارهم، فقالوا: أعطونا ما عندكم من علم عن هذا الرجل، هذا الذي كفرنا وفعل وفعل، إن كان نبياً ورسولاً كما يقول دخلنا في دينه، وإن كان مفترياً وكذاباً ودجالاً فها نحن معه في حرب وفتنة! فقال لهم علماء اليهود بالمدينة: سلوه عن ثلاث مسائل، فإن أجابكم عنها فهو نبي، إذ لا يعرفها إلا نبي، وإن فشل وما استطاع فهو دجال يكذب، وإن أجاب عن البعض وعجز عن البعض فكذلك.وجاء الوفد، فقالوا لهم: سلوه أولاً عن الروح: ما الروح؟ كيف هي؟ كيف تستقر في الجسم؟ ما شأنها؟ ثانياً: سلوه عن فتية في الزمان الأول: ما شأنهم؟ وهم أصحاب الكهف في الشام.ثالثاً: سلوه عن رجل حكم الدنيا من المشرق إلى المغرب من هو هذا الرجل؟ ورجع الوفد، لما وصل إلى مكة اجتمعوا في ناديهم فقالوا: الآن نبدأ، فسألوه صلى الله عليه وسلم: ما تقول في الروح؟ ما هي الروح؟ من هم الفتية الذين كانوا في كذا وكذا؟ من هو هذا الرجل الذي حكم الأرض وساد البشر؟ فقال لهم ببشريته وفطرته: سأجيبكم غداً، وما قال: إن شاء الله، هو على نية أنه يأتيه الوحي ولا يتخلى عنه، قال: سأجيبكم غداً، ما قال: إن شاء الله، فنسي؛ حتى نتعلم نحن.وطلع النهار فجاءوا: هات ما عندك، فماذا يقول؟ جاءوا في المساء: أعندك شيء؟ فما كان عنده شيء، فقالوا: انكشف الستار، تدجيل وكذب! وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كرب لا يعرفه إلا من أصابه، حتى إن أم جميل هرولت تغني في الشوارع، تقول: تركه ربه وتخلى عنه، هذه أمرأة أبي لهب متعاونة مع زوجها تغني في الشوارع.وبعد خمسة عشر يوماً نزلت سورة الضحى: وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى [الضحى:1-3] كما تقول الحمقاء، أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى [الضحى:6-8]، الله أكبر! فكبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا يستحب لمن يقرأ القرآن إذا وصل إلى هذه السورة أن يكبر بتكبير رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزلت الإجابة عن الأسئلة الثلاثة، عن الروح في سورة بني إسرائيل: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء:85] ما هو شأني ولا شأنكم.وأما أصحاب الكهف فجاءت الآيات مفصلة مبينة، وكذلك ذو القرنين: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا [الكهف:83] فاندهشوا.وعاتب الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الكهف:23-24] إلا أن تقول: إن شاء الله، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما قال بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء: سأفعل كذا إلا قال: إن شاء الله، ما قال في شيء: سأفعل، سأعطيك، سأمشي؛ إلا قال: إن شاء الله.فهل عرفتم هذه؟ فلا يفارقكم الاستثناء، فإنه خير كبير، وهل عرفتم سر الاستثناء أم لا؟ إذا قلت: أفعل، وما ذكرت أن الله أولى به فإنه يخذلك، أو يعجزك ويتركك لا تقدر، فأين عقيدتك في الله عز وجل؟ فمن الخير أن تقول: سنسافر غداً إن شاء الله، سنجيب عن هذه الأسئلة غداً إن شاء الله، سنقول كذا إن شاء الله. ودعك من مسلك العوام فما هو بمحمود، يقولون: صلينا المغرب إن شاء الله! هذا ما هو بمعقول، العوام يخبطون، يقال لأحدهم: زوجت ولدك؟ يقول: زوجته إن شاء الله! كيف تقول: إن شاء الله! لأن العوام ما علموا، تقول: إن شاء الله في المستقبل، أما الذي وقع فقد شاءه الله، لولا أن الله شاء فهل سنصلي؟ والله! ما نصلي، فلا حاجة إلى أن تقول: صلينا المغرب إن شاء الله. قل: سنصلي العشاء إن شاء الله.

حكم الإيلاء

بقيت المسألة الثانية: وهي الإيلاء، يقال: آلى يؤلي: حلف، وقالوا: تألى، يتألى بمعنى: حلف.إذاً: إذا قال الزوج صاحب الزوجة: والله! لا أطؤك أو لا أجتمع معك في فراش ثلاثة أشهر تأديباً لها؛ لأنها تمردت عليه، فأراد أن يؤدبها بشهرين أو ثلاثة، فله أن يكفر عن يمينه، ويأتي الذي هو خير إذا رأى فيه خيراً، وإذا رأى الخير في منعها حتى تتوب أو تتراجع، وأصر وما جاءها فله ذلك حتى يبلغ الأجل الذي حدده ويأتي امرأته ولا كفارة عليه.وإن أراد أن يكفر ويرجع فذاك المطلوب، لكن إذا حلف لأربعة أشهر، أو خمسة أو ستة، فلا يصح، فإذا استوفى الأربعة إما أن يطلق وإما أن يرجع ويفيء، يعود إلى زوجته.قال تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا [البقرة:226] أي: رجعوا إلى أزواجهم ووطئوهن فذاك، وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ [البقرة:227] فالطلاق نافذ. وتذكرون أن عمر سأل حفصة : ما القدر الذي يمكن للمرأة أن تصبر على فراق زوجها؟ قالت: تصبر شهرين، وفي الثالث يقل صبرها، وفي الرابع ينفد صبرها، ما تطيق، فأرسل عمر إلى رجاله قادة الحروب في العالم الغزاة الفاتحين: على كل قائد ألا يبقي الجندي أكثر من أربعة أشهر، ويبعث به إلى بلاده. لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ [البقرة:226] لهم الحق أن يتربصوا -يعني: ينتظرون- أربعة أشهر، إذا انتهى الشهر الرابع إما أن يعود إلى امرأته، وإلا طلقت عليه رغم أنفه.

ما يلزم الغائب عن زوجه

إذاً: بالإضافة إلى ما علمنا: الذي يسافر عن امرأته تاجراً كان أو عاملاً، ويتركها في بلده ماذا حكمه؟ الجواب: الأربعة أشهر لا حق لها أن تتكلم فيها، تصبر وتسكت، فإذا تجاوزت المدة الأربعة أشهر فإن نفدت نفقتها وما استطاعت فيجب أن يرجع أو ينفق عليها، وإن كانت النفقة موجودة لكن ما أطاقت فراقه، فإما أن يرضيها حتى ترضى وتطمئن وتسمح وتعفو عنه، وإما أن يأتي أو يطلق. فإذا كانت النفقة معدومة فترفع أمرها إلى المحكمة ويطلقها القاضي، إذ من ينفق عليها؟! لكن إذا كانت النفقة موجودة فهي بالخيار، إن شاءت أن تصبر حتى يعود زوجها بعد عامين أو عشرة؛ لأنه يكسب على أولادها، فلها ذلك، وإن لم تطق فإما أن يأتي أو يطلق، ولا حق له أن يقول: لا؛ لأنها لها حق كما أن له حقاً.والغالب أن الناس يسترضون نساءهم، ويطمئنونهن على أننا من أجلكن نعمل، فالمؤمنة تصبر وتتقي الله حتى يعود زوجها، وهذا ليس إيلاء، الإيلاء هو الحلف، يحلف بالله ألا يطأها وهو معها.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

هداية الآيات

إليكم هداية الآيات تذكركم بما علمتم، وهي مأخوذة مستقاة من الآيات الثلاث.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ هداية الآيات:من هداية الآيات:أولاً: كراهية منع الخير بسبب اليمين ]، (( وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ ))[البقرة:224] [ فمن حلف ألا يفعل خيراً فليكفر عن يمينه وليفعل الخير ] الذي امتنع بسبب اليمين، وذلك [ لحديث الصحيح: ( من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه، وليأت الذي هو خير ).[ ثانياً: لغو اليمين معفو عنها، ولها صورتان: الأولى: أن يجري على لسانه لفظ اليمين وهو لا يريد أن يحلف، نحو: لا والله، بلى والله. والثانية: أن يحلف على شيء يظنه كذا فيتبين خلافه، مثل: أن يقول: والله! ما في جيبي درهم ولا دينار، وهو ظان أو جازم أنه ليس بجيبه شيء من ذلك ثم يجده، فهذه صورة لغو اليمين.ثالثاً: اليمين المؤاخذ عليها العبد: هي أن يحلف متعمداً الكذب قاصداً له؛ من أجل الحصول على منفعة دنيوية، وهي المقصودة بقوله تعالى: (( وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ))[البقرة:225]، وتسمى باليمين الغموس، وباليمين الفاجرة ]، اليمين الفاجرة واليمين الغموس واحدة، لم سميت فاجرة؟ لأنها فجرت به عن الحق إلى الباطل.[ رابعاً: اليمين التي يجب فيها الكفارة هي التي يحلف فيها العبد أن يفعل كذا، ويعجز فلا يفعل، أو يحلف ألا يفعل كذا ثم يضطر ويفعل، ولم يقل أثناء حلفه: إن شاء الله ]، أما إذا قال: إن شاء فما فيه إشكال.قال: [ والكفارة مبينة في آيات المائدة، وهي إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام متتابعة أو متفرقة ]، ما نص الله تعالى على تتابعها.[ خامساً: بيان حكم الإيلاء ]، الإيلاء: الحلف، [ وهو أن يحلف الرجل ألا يطأ امرأته مدة، فإن كانت أقل من أربعة أشهر فله ألا يحنث نفسه، ويستمر ممتنعاً عن الوطء إلى أن تنتهي مدة الحلف، إلا أن الأفضل أن يطأ ويكفر عن يمينه ]، هو غاضب وحلف، لكن يطأ ويكفر فذلك أفضل، لا يبقى الشهر والشهرين، [ وإن كانت أكثر من أربعة أشهر فإن عليه أن يفيء إلى زوجته أو تطلق عليه ]، المحكمة تطلقها [ وإن كان ساخطاً غير راض ] فلا قيمة لسخطه.وتطلق طلاق السنة، طلقة واحدة إذا كانت طاهراً، وإذا كانت حائضاً لا يطلقها حتى تنتهي الحيضة وتطهر.

تفسير قوله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ...)

والآن مع هذه الآية الكريمة:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:228].وَالْمُطَلَّقَاتُ [البقرة:228] جمع مطلقة، والمطلقة: من انحلت عقدة النكاح معها، الرباط ذاك الذي كان انحل، وهو قوله: زوجتك على مهر كذا، انحل فانطلقت.إذاً: والمطلقات ما عليهن؟ ما لهن؟ قال تعالى: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228] إذا انتهت يتزوجن، المطلقات عليهن وجوباً أن يتربصن، والتربص ما هو؟ الانتظار.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

المراد بالقروء في الآية الكريمة

وما المراد بثلاثة قروء؟هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم، ويبدو أن الأصح أن القرء بمعنى: الطهر لا بمعنى الحيض، الطهر يسمى قرءاً، والحيضة تسمى قرءاً، من أين اشتق هذا الاسم؟ اشتق من القرء الذي هو الجمع، القرء الذي هو الجمع، قرأ الماء: جمعه.إذاً: فالحائض لا تحيض كل يوم، تحيض في الشهر مرة خمسة أيام أو سبعة أيام، فهي ذات الجمع، ذاك الدم الذي كان في بطنها يتجمع، فإذا كان الوقت أو امتلأ الحوض يفيض، يخرج الحيض؛ لأن القرء بمعنى: الجمع، ومنه القرآن لأنه مجموع السور.هذه المسألة عالية بعض الشيء، لكن لا مانع أن نصل إليها بإذن الله تعالى، فالدم الذي في بطن المرأة هو عبارة عن غذاء الولد الذي يتكون في رحمها، إذ بمجرد أن يصبح الجنين ينمو يتغذى بذلك الدم، فالتي هي حامل وفي بطنها ولد ما تحيض، ما هناك دم، الولد يأكله، يأتي ويتغذى من سرته بتدبير العليم الحكيم.إذاً: إذا كان القرء مأخوذاً من القرء الذي هو الجمع فإذا قلنا: ثلاثة أقراء أي: ثلاثة أطهار، فالوقت الذي يأخذه الدم ليتجمع ما يسيل ولا يفيض، فإذا كان متجمعاً فتلك الأيام هي أيام الطهر، فإذا فاض وسال فهذا حيض أم لا؟ فلهذا فالأقرب -وهو أرحم بالمؤمنين- أن نعتبر الأقراء بمعنى: الأطهار، واستشهد أهل العلم بقول الله تعالى: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] أي: لأول العدة، ما هو أول العدة؟ هذه يا ليتنا نعمل بها، حرام على المؤمن أن يطلق امرأته وهي حائض، فذلك طلاق محرم وبدعي، وحرام أن يطلقها في طهر جامعها فيه، فممكن أنها حملت في تلك الليلة، فتبقى مربوطة تسعة أشهر برباطه.الطلاق الذي شرعه الله في كتابه وبينه رسوله صلى الله عليه وسلم إذا كنت تريد أن تطلق امرأتك فانتظرها حتى تحيض ثم تطهر، فإذا طهرت واغتسلت وصلت فحينئذ قبل أن تجامعها أشهد اثنين وطلقها، هذا هو الطلاق، أما أن تطلقها وهي حائض أو تطلقها بعدما طهرت وجامعتها فهذا طلاق بدعي محرم، وكثير من الصحابة والتابعين وأتباع مالك وأحمد -وهو خلاف قول الجمهور- يقولون: أيما طلاق وقع في حيض فهو باطل، لا يعد طلاقاً، أو طلاق جامعها فيه لا يعد طلاقاً.والدليل -والكل أخذ من وجه الحديث- أنه لما طلق عبد الله بن عمر أخبر عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عبد الله طلق وهي حائض، فقال له: ( مره فليراجعها ثم ليدعها حتى تحيض حيضة أخرى، فإذا طهرت فليطلقها قبل أن يجامعها أو يمسكها؛ فإنها العدة التي أمر الله عز وجل أن يطلق لها النساء )، أمره أن يراجعها، هنا الجمهور يقولون: معناه: أنها طلقة وراجعها، ومن خالف الجمهور يقول: أرجعها إلى بيتها، ما طلقت؛ لأنه أوقع الطلاق وهي حائض، فهذا هو الخلاف.والشاهد عندنا في هذه القضية أن نرى ما هو الأخف والأرحم بالمؤمن؟ فإذا طلقها في طهر لم يمسها فيه فهذا طهر، ثم حاضت، فهذه حيضة، ثم طهرت فهذا طهر ثان، ثم حاضت فهذه حيضة ثانية، ثم طهرت فحلت، فإن قلنا: حيضة ثالثة طالت العدة بشهر آخر. فإذا طلقها في طهر ما جامعها فيه فهذا الطلاق شرعي وهو السنة، فيحسب من العدة؛ لأن الله قال: طلقوهن لعدتهن، ثم حاضت وأنهت الحيضة فدخل طهر ثان، فهذان طهران وحيضة واحدة، ثم جاءت حيضة ثانية، وجاء بعدها طهر حلت فيه، فلو أخذنا بالحيض لبقي شهر آخر. والحاصل أن ذلك كله خير، إن أخذت بالأطهار أو الأقراء فكل هذا صحيح، لكن الأرحم الأطهار.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

ما يلزم الرجل والمرأة حال العدة في الطلاق الرجعي

قال تعال: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ [البقرة:228] كم؟ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228] أي: فلا يتزوجن ولا يتعرضن لخطبة ثلاثة قروء وهن في بيوتهن مرتبطات بأزواجهن والنفقة على الأزواج، وللزوج الحق أن يقول: راجعتك ويبيت معها، هذا تدبير الله، تبقى في البيت، فممكن أن يندم، ممكن أن تثور شهوته فيضطر إلى أن يراجع، لا إله إلا الله! وهي في بيت زوجها لا تخرج، ولا يحل إخراجها إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ [الطلاق:1] لا يخلو بها ويتحدث معها، فهي أجنبية الآن، ولا يجامعها، وإن جامعها وهو قد طلقها فإنه يؤدب؛ إلا إذا نوى مراجعتها. فإذا انتهت الأقراء -الأطهار أو الحيض- فمع السلامة، تعطيها متاعها وتذهب إلى أهلها، فإن راجعها في العقدة فهنيئاً له، وإن قالت: لا أرجع فلا حق لها، فلو مات ورثته، ولو ماتت ورثها، ما زالت في عصمته، حتى تنتهي الأطهار الثلاثة، هذا إذا كانت تحيض. وإذا كانت صغيرة ما تحيض بنت عشرة سنين، أو كانت عجوزاً بنت سبعين سنة فكيف تعمل؟ هذه تعتد بثلاثة أشهر: وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ [الطلاق:4]كذلك، التي لا تحيض لكبر سن أو صغر فعدتها محدودة بثلاثة أشهر.

معنى قوله تعالى: (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر)

ثم قال تعالى: وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ [البقرة:228] هذه مسائل عالية، يا مطلقة! انتبهي، أنت تؤمنين بالله واليوم الآخر أم لا؟ إياك أن تجحدي الحيض أو الحمل، تجحد الحمل فتقول: والله! لأحرمن هذا الكلب من الولد، هذا كلام النساء، فتتزوج وتنسب هذا الولد للزوج الثاني! هذا موقف خطير لا تفعله مؤمنة، أو تعجل فتقول: أنا حضت ثلاث حيضات في الشهر الماضي وهي تكذب؛ كتمت ما في رحمها.أو حاضت وتقول: ما حضت إلا حيضتين؛ حتى ترجع، المهم: بلغوهن أنه لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تجحد حيضها أو حملها لمصلحتها الخاصة، يا ويلها! واسمع الآية: وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ [البقرة:228] يجحدن مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ [البقرة:228] أي: من حيض أو ولد إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:228].

أثر التجرد عن الإيمان بالله واليوم الآخر

وقد كررنا القول هنا فقلنا: لأن تنام إلى ثعبان تتوسده فمن الجائز ألا يأكلك، أما أن تنام إلى جنب شخص لا يؤمن بلقاء الله؛ فوالله إن احتاج إليك لانقض عليك، ما في الأرض شر من شخص لا يؤمن بلقاء الله يوم القيامة، هذه قضية كررناها مرات، فحيوان قد تسلم منه، والذي لا يؤمن بلقاء الله لا تسلم منه، إن احتاج إليك أخذ دمك، فلا تأمنه أبداً.ولهذا تجد قوله تعالى: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [الطلاق:2]، إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59]، إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:228]، أما الكافر الملحد الذي لا يؤمن بالله ولا بلقائه فوالله ما يؤمن على رأس بصلة أبداً، ولا خير فيه بالمرة، شر من الثعالب والذئاب، بل من السباع والكلاب! قد تقول: يا شيخ! بالغت. فأقول: أما قال تعالى: أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6] ؟ حكم من هذا؟ حكم خالقهم، شر الخليقة على الإطلاق! وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg

ابوالوليد المسلم 17-07-2020 05:39 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (10)
الحلقة (17)


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

تفسير سورة البقرة (107)



من أحكام الطلاق التي شرعها الله عز وجل أن المرأة تتربص بنفسها ثلاثة قروء، فإن كان طلاقها رجعياً وراجعها الزوج خلال هذه المدة فيبقى بينهما حكم الزوجية ويستمر العقد، وإن لم يراجعها انفسخ عقده واحتاج لمراجعتها إلى عقد جديد، أما إذا طلقها في مدة الحمل فإن مدتها هي وضعها لحملها، فإن راجعها في مدة الحمل وإلا انفسخ عقده كما في السابق.

تابع تفسير قوله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء...)
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة )، وها أنتم تشاهدونها، ( وغشيتهم الرحمة )، وهي مشاهدة، ( وحفتهم الملائكة ) وحقاً إنهم يحفون بهذه الحلقة، ( وذكرهم الله فيمن عنده )، فالحمد لله .. الحمد لله .. الحمد لله! ولنذكر أيضاً قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله )، فالحمد لله .. الحمد لله!
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

وجوب الفيء أو الطلاق بعد تمام الأربعة أشهر

معشر المستمعين والمستمعات! بعد الآيات التي عرفنا بها ومنها حكم الإيلاء في الإسلام، وهو قول الله عز وجل: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:226-227]؛ علمنا أن من حلف ألا يجامع امرأته فإن جامعها وكفر عن يمينه فخير له، وإن أصر على يمينه الشهر والشهرين والثلاثة والأربعة، فعندما يكتمل الشهر الرابع إما أن يرجع إلى زوجته يجامعها ويكفر عن يمينه، وإما تطلق عن طريق القاضي رغم أنفه.واسمع النص: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ [البقرة:226] أي: يحلفون ألا يطئوهن، تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ [البقرة:226] والمرأة صابرة، فإن تمت الأربعة فإما أن يفيء إليها ويرجع أو يطلق، لا تبقى أمة الله محرومة معذبة، فمن رحمها؟ الله مولاها ومولى المؤمنين والمؤمنات. لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا [البقرة:226] أي: رجعوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:226-227].وتذكرون أن عمر رضي الله عنه سأل حفصة : ما هي المدة التي يمكن للمرأة أن تصبر عن زوجها؟ قالت: تصبر شهرين، وفي الثالث يقل صبرها ويضعف، وفي الرابع ينفد صبرها؛ فأصدر أمره إلى قادة الجيوش الغزاة الفاتحين في الشرق والغرب أن من أقام في المعسكر أربعة أشهر يجب أن يعود إلى أهله.هل عرفت الدنيا هذا؟! من بقي في الجهاد بعيداً عن أهله أربعة أشهر يعطى رخصة رسمية بأن يعود إلى أهله، هذه هي عدالة عمر ! سأل ابنته وأمه، وهل هي ابنته وأمه؟ حفصة بنت عمر زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، أليست أم المؤمنين؟ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6]، وكانت من العلم بمكان، كيف لا وجبريل يتردد على بيتها، والرسول يتكلم عندها، فكيف لا تعلم؟ فأعطته هذه الحقيقة، أن المرأة تصبر عن زوجها شهرين بلا تأزم، وفي الشهر الثالث يقل صبرها، وفي الرابع ينتهي وينفد، ومن ثم شرعها عمر وسن وقنن بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة ).

وجوب اعتداد المطلقة ثلاثة قروء

بعد هذا قال تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:228].كلام من هذا؟ من يقوى ومن يقدر على أن يقول هذا؟ هذا كلام الله رب العالمين، لو تجتمع البشرية كلها على أن تقول هذه الجمل فوالله ما استطاعت، ولا وصلت إليها، فآمنا بالله! هذا هو القرآن الكريم.اسمع: وَالْمُطَلَّقَاتُ [البقرة:228] صيغة خبرية ومعناها الإنشاء، والمطلقات: جمع مطلقة، كانت مربوطة بعهد وميثاق، بعقد، فمن طلقها؟ المطلقة طلقها الفحل، الزوج، أو طلقها القاضي، إذا غاب الزوج غاب أو حرمها حقوقها وآذاها فالقاضي يطلق. يَتَرَبَّصْنَ [البقرة:228] التربص: الانتظار، كم تنتظر؟ قال: ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228]، وهنا خذ هذه الفائدة وحافظ عليها، وجل السامعين لا إخالهم يعترضون. ففد عرفنا من الدرس السابق معنى القرء، فالقرء: مأخوذ من القرء الذي هو الجمع، فالدم يتجمع في الرحم إذا كانت المرأة غير حامل، ثم يفيض ويخرج بتدبير الله عز وجل، إذ هذا الدم تفرزه تلك الشرايين والأعضاء من أجل غذاء الجنين في رحم أمه، فإذا انعدم الجنين يتجمع الدم ويخرج في الشهر مرة.فلفظ القرء اختلف العلماء في حقيقته: هل هو الطهر أو الحيض؟ فـمالك رحمه الله ومن تابعه يرون أن الأقراء هي الأطهار، وغير مالك كـأحمد وغيره يرون أنها الحيض؛ فلفظ القرء صالح للطهر والحيض فترة معينة، فمن الفقهاء من قال: المطلقة تعتد بثلاثة أطهار.

أنموذج الطلاق الشرعي

مثلاً: حين يطلق الرجل امرأته عندما يعلم أنه آذاها وهي مؤمنة، ولا يحل لمؤمن أن يؤذي مؤمنة، أو علم بمرور الأيام أن بقاءها فيه أذى لها وضرر يصيب هذه المؤمنة وهي أخته في الإسلام، أو رأى أن بقاءها معه أدخل عليه ضرراً وأذىً ما أطاقه، وهو عبد الله ووليه ما يرضى الله له الأذى ولا الضرر، عندما يتأكد من وجود الضرر وأنه لا يدفع إلا بالطلاق فإنه يطلق. وهل المؤمنون اليوم يشعرون بهذا الشعور؟ ولا واحد في المليون! لم؟ لأننا ما ربينا في مثل هذه الحلق النورانية، لا نساؤنا ولا رجالنا، فمن أين يأتينا هذا النور ونحن مبعدون عن ساحاته إبعاداً كاملاً، يعيش الرجل ستين سنة ما يجلس جلسة كهذه ولا يعرفها! من أين يعلم؟ أيوحى إليه؟ لا والله، فقد ختمت النبوات بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.هل في الإمكان أن تعيش مع تلك المؤمنة -سواء من أقربائك أو من غيرهم- على أنها أختك في الإيمان والإسلام، وأن أذاها حرام، وأن أذاك أنت محرم، والرسول يقول: ( لا ضرر ولا ضرار )، تعيش معها، فإذا شاهدت منها الأذى قد أصابك، أضر بك، أضاع حياتك؛ فاصبر وعظها، علمها، خوفها، بين لها، فإذا وجدتها لا تدفع الضرر عنك؛ فأنت عبد الله ووليه ما يحملك مولاك على أن تبقى محروماً في أذى وضرر أبداً.إذاً: تريد أن تطلقها، انتظرها حتى تحيض، فإذا حاضت وانتهت الحيضة واغتسلت أخذت تصلي وتصوم فقبل أن تطأها قبل أن تجامعها أشهد اثنين وائت بهما إلى المنزل: أشهدكما أني طلقت فلانة. فهذه الطلقة.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

لزوم بقاء المطلقة الرجعية في بيت الزوجية

وتبقى في بيتها لا تخرجها، لأن المطلقة طلاقاً رجعياً كالزوجة، بحيث لو ماتت ورثتها، لو مت أنت ورثتك، ولا يحل خطبتها ولا التزوج بها إجماعاً، هي في حكم الزوجة، تنتظر أمر الله، فإن تراجع الزوج وندم وأقبل على إرجاعها فحسبه أن يقول: يا فلان وفلان! أشهدكما أني راجعت زوجتي. لا عقد ولا مهر ولا وليمة.فإن أبى أن يراجعها فهي في بيته تنام وتأكل وتشرب وتصلي، ولا ينظر إليها، ولا يكلمها إلا بما لا بد منه، لأنها أصبحت أجنبية مطلقة، أما لو جامعها بدون نية المراجعة فلا يقام عليه الحد للشبهة، وهو آثم، إلا إذا جامعها بنية إرجاعها فلا حرج.فإن آذت أمه إخوانه أولاده أو أحدثت حدثاً سيئاً فأتت بفاحشة؛ فلا بأس أن يذهب بها إلى أهلها؛ لقوله تعالى: إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ [النساء:19] حينئذ يقول: امشي إلى أهلك فأكملي عدتك في بيت أبيك أو أمك، فإذا انقضت عدتها انتهت وبانت منه، ولو أراد أن يتزوجها فيحتاج إلى خطبة ومهر جديد ورضاها وموافقتها، نكاح كأنه أول مرة.فلم طلقها؟ دفعاً للضرر الذي أصابه ولحقه منها، أذن له مولاه في طلاقها، وإذا كانت هي المتأذية المحرومة المكروبة لما في نفسها، ما أطاقت الحياة؛ فالفحل المؤمن إذا نظر إلى ذلك وتأكد منه قال: كيف تعيش هذه المؤمنة في كرب؟ ما لي ولها؟! فيشهد اثنين على طلاقها ويطلقها؛ حتى لا تكرب ولا تحزن وهي مؤمنة تؤمن بالله ولقائه.

نظرة في المصالح المترتبة على الخلاف في معنى القرء

نعود إلى مالك حيث رأى أن تعتد بالأطهار، قال: لأن المدة تصبح قصيرة، فإذا طلقها في طهر لم يمسها فيه فهذا طهر الآن، ثم حاضت حيضة جديدة وطهرت، فهنا طهران، ثم حاضت، فهذه الحيضة الثانية، ثم طهرت، فحلت وانتهت، في ثلاثة أطهار، وبالحيض تصبح أربعة أطهار.إذا قلنا: يطلقها بالحيض فإذا أكملت ثلاث حيض طلقها، أولاً: يطلقها في طهر وهذه الفترة غير محسوبة، بعد الطهر تحيض حيضة أولى ويأتي طهر ثان، ثم تحيض حيضة ثانية، ثم يأتي طهر ثالث، ثم تحيض حيضة ثالثة وتنتهي، فهذه المدة أطول أم لا؟ والذي فتح الله به علينا أنه لا فرق بين ما رآه مالك ولا الشافعي ولا أحمد ؛ لم؟ لأن الزوج أيضاً في صالحه أن تطول المدة، ينتفع بها، قد يندم ويراجعها، فطول المدة أيضاً في صالح الزوج.والآخر رأى أن قصرها في صالح الزوجة حتى تتزوج؛ لأنه إذا تمت عدتها تتزوج من غد، فنقول: النظريتان صالحتان، ولهذا إن شئت اعتدت زوجتك بالأطهار أو بالحيض، سبحان الله العظيم! فكلام الله حمال الوجوه كما قال علي رضي الله عنه.

حرمة كتمان المطلقة ما في رحمها من حيض أو حمل

إذاً: اسمعوا الآية: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228] ثلاثة حيض، ثلاثة أطهار، الكل صالح، وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ [البقرة:228] حرام على المؤمنة المطلقة أن تجحد الحيضة الحمل في بطنها، وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ [البقرة:228] أي: يجحدن مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ [البقرة:228] قد تكتم الحيض أم لا؟ قد تقول: حضت أربع مرات، أنا أريد أن أراجعها فقالت: انتهت العدة؛ حضت ثلاث مرات، حتى تتخلص منه، ما تعطيه فرصة، فجائز أن تكتم هذا أم لا؟ أو ما حاضت وأراد أن يراجعها فتقول: حضت أربع حيضات أو ثلاثاً. أو يكون في بطنها جنين ابن شهرين أو ثلاثة فتطلق فتجحده وتقول: ما عندها حمل، وإنها قد اعتدت بالحيض، وتتزوج وتنسب الولد إلى غير أبيه! قد تكون على اتفاق مع رجل فاسق.فقوله تعالى: وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ [البقرة:228] من الحيض والحمل، حرام أن تكتم عدد الحيضات، أو تكتم الحمل وهو في بطنها.واللطيفة هي في قوله تعالى: إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:228] لأن هذا غيب لا يعلمه إلا الله، تستطيع أن تقول: أنا حضت أربع مرات، ومن يعرف؟! الطبيب ما له شأن في هذا، قد تقول: ما عندي حمل، ومن يدري؟ لكن الله تعالى يدري، فمن كانت تؤمن بالله واليوم الآخر لا تكتم وتجحد هذا الحق لصالحها وهواها، فهذه موعظة ربانية: إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر. فقوله تعالى: وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ [البقرة:228] أي: للمطلقات أَنْ يَكْتُمْنَ [البقرة:228] أي: يجحدن ما في بطونهن، إما الحيض فتدعي أنها حاضت ثلاثاً، أو تدعي أنها ما حاضت، أو ما في بطنها من حمل شعرت به، وتنقله إلى زوج آخر والعياذ بالله!

معنى قوله تعالى: (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً)

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg
وقوله تعالى: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ [البقرة:228] بقيد إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا [البقرة:228] الله أكبر! والبعولة: جمع بعل، أزواجهن أحق بردهن وإرجاعهن في العدة، وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ [البقرة:228] أي: في ذلك الزمن زمن الطلاق، وكلمة (أحق) معناه: أن لها هي حقاً أيضاً، لكن هو حقه أعظم، فإذا كانت مظلومة حيث أساء إليها ودمرها وأشقاها في حياتها فإنها تريد ألا ترجع إليه، وتطالب بعدم الرجعة؛ لأن لها حقاً، لكن حقه هو مقدم على حقها.فقوله تعالى: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ [البقرة:228] بماذا؟ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ [البقرة:228] الانتظار بالحيض أو الأطهار، والقيد العجيب: إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا [البقرة:228]، أما أن تردها فقط لتعذبها فحرام هذا، أو تريد هي أن ترجع إليك أيضاً لتكيد لك وتمكر بك فحرام هذا، لا بد عند الرجعة أن يكون الزوج يريد الخير، وهي تريد الخير أيضاً لها ولزوجها، فلا إله إلا الله! وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا [البقرة:228]، أما إن أرادوا الأذى والضرر لبعضهم فلا يحل، لا ترجع إليه ولا ترد إليه.

معنى قوله تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)

ثم قال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228]، أي: للزوج على زوجته حق بالمعروف، وللزوجة على زوجها حق بالمعروف، من أبرز ذلك: أنك تحب من زوجتك أن تتزين لك أم لا؟ فهي أيضاً تحب أن تتزين لها، فتزين أنت لها، لا أن تكون أشعث أغبر وتريد أن تكون هي كالحور العين، فأنت اغتسل وتنظف وتطيب والبس ثوباً نظيفاً وكن ذا رائحته طيبة كما تحب منها أن تفعل ذلك. وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228]، تحب أن تقول لك: يا سيد! كيف أصبحت؟ فقل لها: يا سيدة! كيف أصبحت؟ تريد أن توقظك للصلاة، فأيقظها هي أيضاً للصلاة، المعروف الذي تحبه منها أعطها مثله أنت أيضاً، بالعدالة: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228]، والمعروف: ضد المنكر، ما أذن الله فيه وأباحه من الخير هو المعروف.

معنى قوله تعالى: (وللرجال عليهن درجة)

وأخيراً تختم الآية بقوله تعالى: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228]، فالذي يطالب بالمساواة بين المرأة والرجل كافر لم يبق له حظ في الإسلام، كيف؟! الله يقول: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228] سامية وعالية، أليس هو الذي يحميها؟ أليس الذي هو يكسوها؟ أليس الذي يداويها؟ أليس الذي يطعمها ويسقيها؟ وهي ماذا قدمت؟ ارتفعت درجته أم لا؟ أليس هو الذي يجاهد وهي في البيت؟ أليس هو الذي يحضر الجمعة والجماعة وهي في بيتها؟ درجة ظاهرة كالشمس. وفي نفس الخَلق والخُلق أيضاً، فخَلق الرجل الفحل أقوى من خلق المرأة، قل للمرأة: ارفعي قنطاراً على رأسك أو على كتفيك فستتحطم في الأرض، والفحل يرفع القنطار، قل لها: امشي خمسين كيلو على رجليك فستعجز في الطريق، والفحل يمشي مائة كيلو، ففرق بينهما في الذات.فالذي يقول: المساواة ديوث، يهودي أو نصراني، وسبحان الله! قرأنا سورة التحريم من الطفولة منذ سبعين سنة وزيادة، ونحن نسمع قول الله عز وجل: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا [التحريم:10] الآية، فما فكرنا ولا وقع في نفوسنا شيء حتى صلى إمام المسجد الشيخ إبراهيم صلاة الصبح، فلما قال: كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ [التحريم:10] اندهشت؛ فهل قال: (تحت) أم (فوق)؟ هل تحت عبدين أو مساويتين لهما؟ فمن ثم صرخنا وقلنا: الذي يطالب بمساواة المرأة مع الرجل كافر؛ كذب الله عز وجل ورد قانونه وشرعه من أجل الهوى وتقليد الملاحدة والذين لا دين لهم ولا عقول. فالله تعالى يقول: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228]، فمن أعطاهم إياها؟ الله ربهم ورب النساء، ما أخذوها بالقوة.

معنى قوله تعالى: (والله عزيز حكيم)
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

واسمع ختام الآية: وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:228]، طأطئ رأسك يا عبد الله، فالله تعالى الواهب هذا الخير عَزِيزٌ [البقرة:228] لا يغالب ولا يُغلب أبداً، فانتبه، حَكِيمٌ [البقرة:228] في تشريعه، والله! لا يخطئ، ولن يخرج من تشريعه أبداً سوى الصلاح والخير والرحمة والهدى، هذا ما هو تشريع أحمق أو جاهل، بل تشريع حكيم يضع كل شيء في موضعه.وقد قلنا ونقول آلاف المرات: أعطونا قضية من قضايا الإسلام ثبتت بالكتاب والسنة، ثم اجمع علماء البشر كلهم بفلاسفتهم لينقضوها، والله! ما تنقض، أقسم بالله! ما تنقض على مرور الزمان، فقد نزلت الآيات منذ ألف وأربعمائة سنة، وانتظر أربعة آلاف سنة، فوالله! ما ينقض كمالها ولا مراد الله منها، فقولوا: آمنا بالله.
تربص العدو بالمسلمين وسعيه في إبعادهم عن القرآن
هذا هو القرآن العظيم، هذا القرآن تعليم تشريع سياسة آداب أخلاق، فلم يقرؤه المسلمون على الموتى؟ لأنهم ماتوا، هذا القرآن هل يقرأ على الموتى؟ لا يجوز، هذا عبث، هذا كتاب هداية وتعليم تقرؤه على ميت! هل الميت يقوم يصلي ويتوب؟! عق أمه هل يقوم يقبل رأسها؟! انتهى أمره، فماذا تقرأ عليه أنت؟! من مكر بالمسلمين هذه المكرة؟الثالوث الأسود، هل تدرون أن هذا الثالوث مكون من ثلاث طوام أو عفاريت؟ أولهم: اليهود، ثانيهم: المجوس، ثالثهم: النصارى، اجتمعوا وأنتم ما تعرفون عنهم، نحلف لكم بالله، والله العظيم! لهم الذين ضربوا هذه الأمة وأنزلوها من علياء سمائها إلى الحضيض من الأرض، وما زالوا متعاونين إلى اليوم، نظروا بعد حروب خاضوها أنهم يفشلون، وبعد مكر وكيد ومؤامرات ما استطاعوا أن يفلحوا، فبحثوا عن السر، ما سر هذه العصمة والقوة التي لا تقهر؟ قالوا: السر هو القرآن، ووالله! لقد صدقوا؛ القرآن روح ولا حياة بدون الروح، أما سمعت الله تعالى يقول: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا [الشورى:52] ين أو مساويتين َبْدَيْنِ ُم، يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ [غافر:15]، فالقرآن روح.كانت هذه الأمة في ديارها ميتة فأحياها الله بالقرآن فعزت وكملت وسادت وطهرت، فقالوا: إذاً: هيا نسلب القرآن منها لتموت، فعملوا في مؤتمرات سرية على إسقاط كلمة (قل) فما استطاعوا، القرآن يحفظه النساء والرجال في البادية والحاضرة، كيف نسقط منه كلمة؟ فعجزوا.فقالوا: نحتال عليهم ونبعد القرآن من بينهم ونحوله إلى الموتى. ونجحوا، فمن إندونيسيا إلى موريتانيا قبل هذه الإفاقة الجديدة منذ خمسين سنة إذا مررت بزقاق أو شارع ضيق وسمعت القرآن يقرأ فاعلم أن الميت هناك، على طول الخط، حتى إن نقابة في بلد إسلامي كانت مختصة بهذه، تقول: يا سيد! توفي الوالد اليوم فنريد عشرة من طلبة القرآن، فيقول: من فئة المائة ليرة أو الخمسين؟ إذا كان فقيراً فمن فئة خمسين، والغني من فئة المائة! وأبعدت هذه الأمة عن القرآن بعداً كاملاً، لا يدرّس ولا يجتمع عليه، وحولوه إلى الموتى في المقابر وفي البيوت، وقبل هذه الدولة المباركة كان في الروضة يجتمع القراء يقرءون ختمة على سيدي فلان بألف ريال للواحد!وقالوا: القرآن تفسيره صوابه خطأ وخطؤه كفر، فألجموا العلماء وما أصبح من يقول: قال الله، إياك أن تقول: قال الله؛ فالقرآن فيه الناسخ والمنسوخ، وفيه الخاص والعام فلا تتكلم، فألجموا العالم الإسلامي بحيث لا يقول الرجل مستشهداً بأمر أو نهي: قال الله أبداً، ومن أراد أن يقف على هذه فعند أصحاب الفقه المالكي في حاشية الحطاب على خليل سيجدها، قالوا: التفسير صوابه خطأ، إن فسرت القرآن وأصبت فأنت مخطئ، وإن أخطأت كفرت، إذاً: من يقول قال الله؟! من يقدم على هذا؟!وأخيراً: نجحوا، وما الدليل؟ أما استعمرتنا هولندا في إندونيسيا ونحن مائة مليون؟ أما استعمرت ممالك الهند العظيمة الطويلة بريطانيا؟ والشرق الأوسط شمال أفريقيا أما استعمرته بريطانيا وفرنسا وإيطاليا؟ كيف تم هذا؟ بعدما قتلونا وسلبوا الروح، فإنا لله وإنا إليه راجعون! هل من إفاقة؟من منكم إذا فرغ من العمل مع إخوانه في المصنع في الدائرة وتوضئوا وأرادوا أن يصلوا يقول لأخيه: أسمعني شيئاً من القرآن؟ لا أحد، أو يجلس في المسجد ينتظر الصلاة فيمر به المؤمن فيقول له: أنت تحسن القرآن؟ قال: نعم، قال: من فضلك اقرأ علي شيئاً من القرآن؛ فنسمع ونبكي؟ لا أحد.ما زالت تلك الصفعة قائمة، كل ما في الأمر أنه أصبح يوجد من يفسر القرآن لا أقل ولا أكثر، يقول: قال الله وقال رسوله.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

ملخص لما جاء في تفسير الآية

أعيد تلاوة الآية وننتقل إلى غيرها، فاسمع: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228]، ثلاثة أطهار أو ثلاث حيض، كله صالح بإذن الله، وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ [البقرة:228] من حيض أو ولد؛ إذ الخالق هو الله، هل هناك من يخلق الجنين غير الله؟! إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:228]، فالذي لا يؤمن بالله ولقائه شر الخليقة؛ لأن تأوي إلى ثعبان وتتوسده وتنام فقد تسلم منه، وإن أنت نمت إلى جنب رجل لا يؤمن بالله ولقائه فلا تسلم منه، إذا احتاج إلى دمك فإنه يمتصه، إلى عينك فإنه يفقؤها، أما عن نزع ساعتك من يدك أو نقودك من جيبك فلا تسل، فالذي لا يؤمن بالله ولقائه هبط وأصبح شر الخليقة وإن كان أبيض أو ما كان، واسمعوا قول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6]، من أخبر بهذا الخبر؟ الله تعالى. ومن أعلم من الله؟ لا أحد، فشر الخليقة هم الكفار والمشركون. وقوله تعالى: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ [البقرة:228]، من طلق امرأته وما زالت في عدتها هل هناك من هو أحق بها منه؟ لا أحد، لا يحل خطبتها حتى بالإشارة.وقوله تعالى: إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا [البقرة:228]، إذا كنت تريد أن تردها فيجب أن تكون على نية وعزم صادق أنك تردها لتسعد معك وتسعد بها، لا أن تشقيها بالأذى والسب والشتم والتعذيب، وهي كذلك إذا أرادت أن ترجع وطالبت بالرجوع فيجب أن تكون تريد الإصلاح والخير لزوجها وأولادها، هذا شأن المؤمنين والمؤمنات إن أرادوا إصلاحاً.وقوله: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228]، لهن على أزواجهن مثل الذي للأزواج عليهن، عدالة، وقد بينا مظاهرها، منها: أنك تحب أن تتجمل لك، فتجمل أنت لها. وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة:228]، من رفعهم هذه الدرجة؟ مولاهم خالقهم. وَاللَّهُ عَزِيزٌ [البقرة:228]، فخافوا ارهبوا لا تخرجوا عن طاعته وتتمردوا على قوانينيه؛ فإنه قادر على أن يشقي ويعذب، وكم فعل. حَكِيمٌ [البقرة:228] في كل ما يضع، والله! ما أباح شيئاً إلا لفائدة، ولا حرّم شيئاً إلا لنقصان وخسران، احلف بالله مليون مرة! ما فرض الله فريضة إلا لصالح الإنسان، ولا حرم حراماً إلا لصالح الإنسان في كل جزئيات الحياة.

وقفة مع قوله تعالى: (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ...)

ثم قال تعالى: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229]، كم طلقة يطلق الفحل امرأته؟ طلقتان فقط، يطلقها المرة الأولى ثم يراجعها فهذه طلقها، ثم يطلقها الثانية ويراجعها فهذه طلقتان، وفي الأخيرة الفصل، حتى إن أحد الأصحاب قال للنبي صلى الله عليه وسلم: الله يقول: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ [البقرة:229]، فأين الطلقة الثالثة؟ فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229]، هي الطلقة الثالثة، في الطلقة الأولى يراجعها قبل نهاية العدة وله ذلك، راجعها وعاش معها شهراً أو سنين وطلقها طلقة ثانية، فإنه يراجعها، ثم إذا راجعها وعاش معها ينتبه إن هو طلقها لا تحل له أبداً حتى تنكح زوجاً غيره.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg

ابوالوليد المسلم 17-07-2020 05:40 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (11)
الحلقة (18)


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

تفسير سورة البقرة (108)


من أحكام الطلاق التي شرعها الله أن من طلق زوجه طلقة أو طلقتين فله أن يراجعها في العدة، وهو أحق بها من غيره، أما إذا انقضت عدتها دون أن يراجعها فينفسخ عده، ويجوز له كسائر الرجال أن يتزوجها بعقد جديد مستوف للشروط، أما إن طلقها طلقة ثالثة فإنها لا تحل له حتى تتزوج برجل آخر، فإن طلقها الثاني جاز للأول الزواج بها بعقد جديد مستوف للشروط.

تفسير قوله تعالى: (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيها المؤمنات المتسمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين من يوم الأحد- ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا هذا المأمول يا ولي المؤمنين ومتولي الصالحين.وها نحن مع هذه الآية المباركة الكريمة، ولعلنا نضيف إليها أختها.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [البقرة:229-230]، اللهم اجعلنا منهم.
دلالة القرآن على عظمة الله تعالى وبيان تنزيله على رسوله صلى الله عليه وسلم
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! من القائل: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ ؟ إنه الله تعالى الذي خلقنا ورزقنا ودبر حياتنا، الذي وهبنا عقولنا وأسماعنا وأبصارنا، الذي أوجدنا من العدم فأحيانا وغداً يميتنا وبعده يحيينا، الذي رفع السماوات الطباق وبسط الأرض ونصب عليها الجبال وأجرى فيها المياه والأنهار، هذا الذي خلق كل شيء من النملة إلى المجرة، هذا هو الله ربنا ورب العالمين، وهذا كلامه، فهو خالق الكلام فكيف لا يتكلم؟! لولاه لما تكلم متكلم أو نطق ناطق.فهذا كلامه أنزله على الرسول صلى الله عليه وسلم، أنزله على مصطفاه ومجتباه ومن اختاره وكمّله وأعده لأن يتلقى وحيه، هذا الذي أنزل عليه كتابه الحاوي لهاتين الآيتين هو محمد صلى الله عليه وسلم، أين كان يوجد هذا النبي؟ في جزيرة العرب، ما هي البلدة التي كان ولد فيها؟ مكة، وانتقل منها إلى مدينة أخرى هي المدينة النبوية، وأين هو الآن؟ هناك والله في الحجرة الشريفة، ومن أراد أن يشرف بالسلام عليه فليتفضل فيدنو من حجرته ويقول: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، وينصرف، فإن فعل فإنه -والله- يسمعه.والحمد لله؛ فنحن معه لا نفارقه، عندما نصلي النافلة أو الفريضة ونجلس بين يدي الله ونقول: التحيات لله والصلوات والطيبات، نقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فتبلغه فيسمعها فوراً، والحمد لله؛ كان أسلافنا يؤمنون بهذا، لكن لا يدركون كيف، أنت في الشرق أو الغرب وهو في السموات العلا ويبلغه سلامك، ولما توفي صلى الله عليه وسلم قال بعض الصحابة: الآن لا نقول: السلام عليك يا أيها النبي، كنا نقول: أيها النبي ما دام بين أيدينا، الآن لا معنى لهذا، نقول: السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، فقال كبار العلماء: اسكتوا! ما هو بشأنكم هذا، فقد قال لنا: قولوا، فيجب أن نقول. وتمضي الأيام ولياليها والقرون والآن أصبح الذي يكذّب هذا أحمق، بدليل أننا في بيوتنا نتكلم مع الصين واليابان ومع كندا والأمريكان وهم يسمعونك وأنت تسمعهم، فهل تكذّب؟! ما هي الخيوط هذه؟ كيف وصل هذا؟! قولوا: آمنا بالله. فاسمعوا وبلغوا: إنها -والله- لفرصة ضيقة وعما قريب لا تقبل توبة تائب؛ لأن الإيمان يكون بالغيب، أما بالشهادة فليس بإيمان، هل تقول: أنا مؤمن بأننا في المسجد النبوي؟ الذي يقول هذا مجنون، فالإيمان بما غاب عنك، فالآن -والله- إنها لفرصة ضيّقة، وسيأتي يوم المؤمن مؤمن والكافر كافر، ما تقبل توبة ولا رجوع، انتهى الأمر وختم على الكتاب؛ إذ قال تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ [الأنعام:158]، هؤلاء المتباطئون الذين يترددون، يقال: ادخلوا في الإسلام فيقدمون رجلاً ويؤخرون أخرى، ما ينتظرون؟ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ [الأنعام:158] فيؤمنوا، أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ [الأنعام:158] فيؤمنوا، أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام:158] فيؤمنوا، يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158]، هذه من سورة الأنعام: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ [الأنعام:158]، فكم مضى على هذه الآية؟ ألف وأربعمائة سنة، والغيوب تتكشف.إذاً: معشر المستمعين! الآن الذي يكفر لا قيمة له، ما له وزن، بأي شيء تكذب؟

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg
معنى كون الطلاق مرتين

فهيا مع الآيتين الكريمتين، يقول تعالى: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ [البقرة:229] لا ثالثة لهما، كيف يتم هذا؟ المؤمن الفحل الواعي البصير المسلم بحق إذا تأذت منه امرأته وما طاقت وعرف أن حياتها كدر لا صفو فيها وشقاء فلا سعادة لها؛ فإنه يقول: يا مؤمنة! ما أريد لك البلاء والشقاء، وأنت أختي وأنا أخوك، فلكي ترتاح وتسعد يأتي باثنين يقول: اجلسا واشربا الشاي أو القهوة، ثم يقول: اسمعا: يا أم فلان! لقد طلقتك، واشهد يا فلان ويا فلان، وابقي في بيتك ثلاثة أقراء، فإذا فرغت فالتحقي بأهلك، وداعاً يا مؤمنة، هل عرفتم هذا الطلاق؟أو هو يتأذى من هذه المؤمنة لسوء خلقها، لفساد عشرتها، ما أطاق، كل يوم في أذى وهو ولي الله وعبده ما يرضى مولاه له بالأذى والشقاء، فحاول وحاول في عام أو عامين فما استطاع، رأى أن خلاصه من هذا البلاء والفتنة في طلاق هذه المؤمنة، لا يسيء إليها ولا يضرب ولا يكسّر رأسها، يشهد اثنين ويقول: لقد طلقت فلانة، فالزمي بيتك يا فلانة حتى تنتهي عدتك ثلاثة أقراء، فإن انتهت فما عليك إلا الذهاب إلى أهلك. فهل عرفتم الطلاق؟ هل المسلمون يفعلون هذا؟ وا حر قلباه؛ لأننا ما جلسنا هذه المجالس ولا رُبينا في حجور الصالحين، مشغولون باللهو والباطل، لو كنا مشغولين في المصانع والمزارع والإنتاج الليل والنهار لهان الأمر، لكن أوقاتنا كلها في الفراغ، مجالس الليل في اللهو، وما نستطيع أن نجلس جلسة كهذه؛ لأن الشيطان يدفع، فما يستطيع.فإذا طلق قلنا: طلقتها يا عبد الله؟ قال: نعم، هل انتهت العدة أو ما زالت؟ قال: ما زالت، هل تريد أن تراجعها حيث ندمت فما رأيت خيراً في طلاقها؟ إذاً ائت باثنين وقل: أشهدكما أني راجعت فلانة، طلقتها وراجعتها، فتبقى معك، فإن ما أطقت العذاب أو الشقاء لك أو لها بعد ذلك أيضاً وما صبرت فطلقها طلقة ثانية وانتهى الأمر.

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg
الأمر بإمساك المطلقة الرجعية بالمعروف أو تسريحها بإحسان

الطَّلاقُ مَرَّتَانِ [البقرة:229]، وبعد المرتين فإما أن تمسكها بمعروف أو تطلقها بإحسان ومع السلامة إلى يوم القيامة. الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229]، فبعد المرتين أمسكها بإحسان لا بإساءة لك ولا لها؛ لأن مولاكما ما يرضى بالإساءة لكما، ألستما من أوليائه؟ إذاً: أمسكها بالمعروف، الإحسان في المعاشرة، بالأدب، بالرحمة، بالأخلاق، بالتعاون أنت وهي كذلك، وإلا فتسريح بإحسان، سرّحها بإحسان ما فيه إساءة: يا فلانة! مع السلامة، خذي متاعك وبقية مهرك وخذي أثاثك في البيت، وأستودعك الله عز وجل.وأما الإساءة فكقوله: يا كلبة! يا منتنة! يا فاجرة! وإذا سئل عنها قال: هي خبيثة. أعوذ بالله.. أعوذ بالله! أيجوز هذا من مؤمن ومؤمنة؟ وهو واقع، لأنهم ما عرفوا، فالسبب الجهل، ومتى نتعلم؟ في سنة واحدة، هيا إلى دورة تدوم سنة فقط ندرس فيها كتاب الله وهدي الرسول بنسائنا وأطفالنا، فسنة واحدة وكلنا ربانيون، ولكن ما عندنا قدرة على هذا، ما نستطيع.فالطلاق مرتان، وبعد ذلك أمسكها؛ لأنك رجعت بعد الثانية فأمسكها بمعروف لا بمنكر وباطل وشر، أو سرحها بإحسان لا بإساءة بالسب والشتم وأخذ حقها وما إلى ذلك، هكذا يقول تعالى مقرراً هذه الحقيقة في تشريعه الحكيم: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ [البقرة:229].

معنى قوله تعالى: (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ...)

ثم يقول تعالى: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا [البقرة:229]، أيها المطلقون! أيها الفحول! إذا طلقت المرأة فحرام عليك أن تأخذ مما أعطيتها شيئاً ولو قل، تسلم لها مهرها كاملاً، وما كان من أثاث لها تأخذه كاملاً، وما وهبتها من ذهب أو حرير تأخذه كاملاً، وَلا يَحِلُّ لَكُمْ [البقرة:229] أيها المطلقون أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا [البقرة:229] وإن كان إبرة؛ لأن التنكير في صيغة النهي يدل على العموم.ثم قال تعالى: إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ [البقرة:229]، إلا أن يخاف الزوج وزوجه، المرأة وبعلها خافا ألا يقيما حدود الله، أي: بأن يسقطاها ويتعداها ويهلكا، فذاك شيء آخر، قال في بيانه: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229]، هذه المؤمنة أنت تحبها وأنت تحسن إليها وما أسأت إليها أبداً وهي كارهتك، ما أطاعتك ما أطاقت البقاء معك يا فحل، خافت من الله أن تقصر في حقك وأن تسيء عشرتك، فتقول: يا سيد! من فضلك خذ ما أعطيتنيه كاملاً وسرحني؛ لأني أخشى أن أؤذيك أن أعكر صفو حياتك، أن أنغص عيشك، ما أطيق، أنا مؤمنة وأنت أخي، إذاً: أنت أنفقت علي ما أنفقت فخذه واتركني، فهذا تشريع من هذا؟ تشريع الله، فسبحان الله العظيم!

معنى قوله تعالى: (فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به)

اسمع: فَإِنْ خِفْتُمْ [البقرة:229] أيها القضاة، أيها الأولياء، أيها المسئولون، أيها العلماء، أَلَّا يُقِيمَا [البقرة:229] أي: الزوج والزوجة حُدُودَ اللَّهِ [البقرة:229] بأن يتعدياها أو يسقطاها -والله ما يريد ذلك- فعندكم رخصة من الله فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا [البقرة:229] يعني: الزوجين، فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229] تفدي نفسها، الزوج يريدها وراغب فيها وأحسن إليها وما أساء وهي كرهت وما أطاقت، ماذا تصنع؟ إذاً: تفدي نفسها بأن تقول: خذ ما أعطيتني من مهر أو ما أنفقت علي وسرحني لوجه الله حتى ما أؤذيك أو أبقى شقية معك وأنت ما تريد هذا؛ لأنني مؤمنة وأنت مؤمن، فيستلم منها ذاك المبلغ ومع السلامة، هذا يسمى بالخلع، خلعها منه وفصلها، هي التي طالبت وليس هو، هو يبكي ما يريد غيرها، ولكن هي -بقضاء الله وقدره- أرادت أن تنهي هذا النكاح، وما ذنب الرجل؟ لا ذنب له، ما آذاها، لو آذاها لتطالب بالفداء فحرام عليه أن يأكل ريالاً واحداً، فالآن هذا الزوج ما آذاها أحسن إليها أكرمها فرح بها، لكن هي انصرف قلبها فما أطاقته، فتطالب بالفداء، أذن الله لها ذلك، فتأخذ منها ما أنفقت عليها وسرحها واخلعها وافصلها عنك.

حكم عدة المختلعة

فإذا خرجت من بيتك فالخلاف بين أئمة الإسلام: هل تعتد أو لا تعتد؟ بعضهم يقول: الخلع هذا انفصال لا تعتد معه، والذي هو أقرب إلى الرحمة أنها تعتد ثلاث حيض وتتزوج بعد ذلك إن شاءت؛ إذ من الجائز أن يكون في بطنها جنين.ثم هناك شيء ثان، فلو قلنا بالخلع بلا عدة لخرجت الليلة وتزوجت غداً، فأنت تموت بالهم، تقول: هذه كرهتني لهذا، فهذا الذي أفسدها علي، فخرجت مني فتزوجت به، فكيف يصبح المجتمع؟ والإسلام يعمل على أن لا تختلف كلمة المؤمنين، لا في القرية ولا العاصمة ولا في أي بلد، أمرهم واحد وشأنهم واحد، فمن هنا فالاعتداد أولى.أعيد السياق الكريم: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا [البقرة:229]، عرفنا هذا، حرام عليك أن تأخذ فلساً مما أعطيت هذه المرأة حين طلقتها، اللهم إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229]، افتدت نفسها، أعطتك المهر الذي أعطيت والنفقة التي أنفقت ومع السلامة.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

معنى قوله تعالى: (تلك حدود الله فلا تعتدوها)

ثم قال تعالى: تِلْكَ [البقرة:229]، هذه التعاليم هذه الشرائع حُدُودُ اللَّهِ [البقرة:229]، قوانين الله فَلا تَعْتَدُوهَا [البقرة:229]، فالطلاق مرتان لا عشر، كيف يقول: أنت طالق طالق طالق سبعين مرة، أنت طالق بالثلاث؟ أتلعب أنت أو تلهو؟! أعاقل أم مجنون؟ الله يقول: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ [البقرة:229]، وتقول: لا يا رب، الطلاق سبعين! أعوذ بالله.لا تلومونا؛ لأننا جهلاء ما ربينا في حجور الصالحين، ما جلسنا مجالس العلم والنور، هذا الذي ورطنا في هذه الورطة، أنقذونا إن كنتم صادقين، هيا بنا يا أهل القرية، فمن غد لا يتخلف رجل ولا امرأة ولا ولد عن الحضور في هذا المسجد، من صلاة المغرب إلى العشاء ونحن نتعلم ونتلقى الكتاب والحكمة، وطول حياتنا، فهذا وقت فراغ، فيا فلاح! ألق المسحاة! يا نجار! ألق المنشار، وهيا إلى بيت الرب الجليل، النساء وراء الستارة والفحول جالسون والأولاد بينهم وهم يتعلمون الكتاب والحكمة، وينمون ويصفون، ويرتفعون كل يوم درجة، يوماً بعد يوم وقد أصبحت القرية كالملائكة، لا كذب، لا خيانة، لا حسد، لا غش، لا باطل، لا منطق بذيء، لا سوء، أصبحوا أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، لو رفعوا أكفهم إلى الله ما ردها خائبة، هل من طريق الأموال؟ لا والله، من طريق ماذا؟ لقد أسلمنا، أعط لله قلبك ووجهك، فتقبل ما يأمرك به وينهاك عنه في صدق، هذا هو الحل وإلا فالطلاق بالثلاث.

حكم طلاق الثلاث

وهنا مسألة فقهية علمية: اعلموا أن الأئمة الأربعة أئمة أهل السنة والجماعة -أما الخوارج والروافض والخارجون عن الإسلام فما لنا بهم علاقة-، الأئمة الأربعة على أن من قال لامرأته: أنت طالق بالثلاث فقد طلقت ثلاث طلقات، ومن شك فليمش إلى المحكمة حيث المذهب حنبلي ويسألهم: طلقت امرأتي بالثلاث؟ فسيقولون: انتهت أخذاً بقول الجمهور، وتذهب إلى المغرب حيث مذهب مالك فيقولون: مع الأسف انتهى أمرك، وفي تركيا مذهب أبي حنيفة ، فإن قلت: أنت طالق بالثلاث فقد انتهى، أبت طلاقك.وعلى خلاف الجمهور من الصحابة ومن التابعين وتابعيهم ومن الأئمة وإلى اليوم يوجد من أهل العلم من يقول: هذا الطلاق بدعي، ولا يعد هذا إلا طلقة واحدة؛ لأن الله تعالى قال: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ [البقرة:229]، وهذا فسق وخرج عن طاعة الله وقال: طلقتك ثلاثاً، فلا قيمة لكلامه، وتعد طلقة واحدة، لأن الله بيّن ورسول الله بيّن، ولم يعرف المؤمنون إيقاع الطلاق بالثلاث إلا على عهد عمر ، أما على عهد الرسول وعهد أبي بكر وشطر من عهد عمر فكان الطلاق مرة؛ ولما كثر الجهل ومات الصحابة وجاء أولادهم سأل عمر من حوله: ما ترون؟ أنمضيه عليهم ثلاثاً تأديباً لهم؟ فقالوا: أمضة، فأمضاه ثلاثاً؛ ليؤدبهم، فما تأدبوا.فالآن الذي يقول: أنت طالق بالثلاث؛ فالذي يتفق مع الكتاب والسنة أنها طلقة واحدة، والأئمة الأربعة يوجد من تلامذتهم من هو على خلاف آرائهم، الأئمة الأربعة على جلالتهم يوجد من تلامذتهم من لا يقول برأيهم في هذا، ويقول بهذا الرأي؛ لأن الله قال: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ [البقرة:229]، فكيف أنت تقول: ثلاث، هل تكذب على الله؟ لأن الزوج يطلق وينتظر العدة، قد يراجعها قبل أن تنتهي العدة، يحصل ندم فيبيت يتململ، كان يعتاد زوجته فخرجت منه، فيراجعها، فهذه فرصة أم لا؟ ثم عاد إليها وطلقها مرة ثانية، فممكن أن يتململ ويتضجر ويبكي الأطفال ويمكن أن يرجعها، وهذا من رحمة الله عز وجل، فإذا أرجعها فهو بين خيارين: إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان، هذا الذي أراده الله عز وجل، ولا نؤاخذ الناس بجهلهم، ونأخذ بالكتاب والسنة.

حكم طلاق الحائض والموطوءة في الطهر

هنا مسألة أخرى: أن الذي يطلق امرأته وهي حائض، أو يطلقها وهي غير حبلى فيجامعها ويطلقها، هذا الطلاق سبق أن قلت لكم: إن الجمهور على أنه نافذ وأنه بدعة وحرام، ويعاقب صاحبه، وخلاف الجمهور من أئمة العلم والبصيرة من الصحابة والتابعين وغيرهم إلى اليوم يرون هذا الطلاق بدعة ولا يعتبر طلاقاً، إذا طلقها وهي حائض أو طلقها بعد انتهاء الحيض وجامعها فممكن أن تكون حملت في تلك الليلة، فلم تطول عليها العدة تسعة أشهر؟والأصل في هذه القضية: أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: يا أبت! طلقت امرأتي وهي حائض. فأخبر عمر الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: إن عبد الله طلق امرأته وهي حائض، فقال له: ( مره فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض حيضة أخرى، فإذا طهرت فليطلقها إن شاء قبل أن يجامعها أو يمسكها؛ فإنها العدة التي أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء )، إذاً: فإذا أراد أن يطلق فليصبر حتى ينتهي حيضها وحتى تطهر، وعند ذلك إذا أراد الطلاق طلق، وإن كان لا يريد الطلاق أتى امرأته وانتهى الإشكال.قالوا: فالطلاق في الحيض أو في طهر جامع فيه بدعة ما شرعه الله ولا أذن به، والفقهاء يعاقبونه، قالوا: هو حرام وبدعة، ولكن نؤاخذه به حين يفعل هذا الباطل ليتأدب. وعلى خلافهم عدد من أهل البصيرة والعلم كلهم يقولون: هذا الطلاق بدعي لا يعد طلاقاً، فإذا أراد أن يطلق تركها حتى تطهر ولا يجامعها ويطلق، هذا هو الطريق، وأما إذا كانت حاملاً فيجوز أن يطلقها.والحاصل هنا أنه لا يحل لك أن تطلق امرأتك بدون رفع الضرر، حرام عليك أن تطلق بدون رفع الضرر عنك أو عنها، هذا أولاً.ثانياً: إن كنت تريد أن تطلقها فاتركها حتى تحيض وتطهر من حيضها وتصلي، وقبل أن تجامعها طلقها، هذا هو الطريق، تفعل هذا مرتين: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ [البقرة:229]، فالثالثة إن طلقتها لن تعود إليك كما سيأتي.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

معنى قوله تعالى: (ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون)

ثم قال تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:229]، هذا إخبار الله تعالى، وتسجيل علامة: أولئك هم الظالمون، الذين يعبثون بشرع الله ويستهزئون به ويطلقون كما يشاءون، تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ [البقرة:229] حدّها، فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:229]، وأنتم تعرفون جزاء الظالم.

تفسير قوله تعالى: (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره ...)

الآية الأخيرة: فَإِنْ طَلَّقَهَا [البقرة:230] بعد الاثنتين؛ فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]، إذا طلق الثالثة انتهى أمرها، لا يرجع إليها ولا يتزوجها إلا بعد أن يهان ويذل ويكسر أنفه، ذلك أن زوجته ينكحها فلان ويبيت يطؤها، فهل عنده قلب أن يراها مرة أخرى؟ لا إله إلا الله! هذا تشريع الحكيم العليم.إذاً: أنت تعديت وتجاوزت الحد فهذا تأديب لك، لا يحل أن تراجعها بعقد جديد حتى ينكحها زوج آخر ثم يموت عنها أو يطلقها، وإياك أن تعمل حيلة بألف ريال تقول: هيا تزوج فلانة، قلبي معها وأنا نادم وهي كذلك، فخذ عشرة آلاف ريال واخطبها وتزوجها يومين أو ثلاثة، فهذا ديوث، عرف هذا أبو القاسم صلى الله عليه وسلم وقال: ( لعن الله المحلل والمحلل له )، وسماه التيس المستعار، وهو ذكر المعز، نطلبه ليلقح عنزنا، هذا هو المحلل، هذا التيس المستعار، فهذا أراد الله أن يذله ويكسر أنفه؛ لأنه تعدى حدود الله وظلم وطلق بدون علم وتزوج بدون علم، هنا لا يستطيع أن يراجعها إلا بعد أن ينكحها زوج آخر ويموت عنها أو يطلقها، آمنت بالله. ‏

معنى قوله تعالى: (فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله ...)

واسمع النص: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا [البقرة:230] ذلك الزوج فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا [البقرة:230] بشرط: إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ [البقرة:230]، أما إذا ما كان عنده جزم في القلب أنه يحسن إليها مرة ثانية وتحسن إليه فما يجوز ذلك، إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [البقرة:230]، فهيا نعلم، هل ندخل المدارس؟ ما نفعت، فماذا نصنع حتى نعلم؟ ما هو الطريق؟الطريق هو أن نراجع التاريخ لننظر إلى الأيام التي كان يعيشها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في هذه المدينة لمدة عشر سنين، كيف كانوا يعيشون؟ كان صلى الله عليه وسلم يجمعهم ويجلس لهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، واقرءوا قول الله تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة:2]، أقسم بالله الذي لا إله غيره! لا تتم ألفة بين المسلمين ولا محبة ولا تعاون ولا صدق ولا طهارة في أية قرية في أية مدينة في العالم بأسره، لن يتم الكمال إلا على ذلك المنهج المحمدي فقط، أن نتعلم نساءً ورجالاً بدون قلم وبدون قرطاس وورق، بدون فيديو ولا شريط، أهل القرية إذا دقت الساعة السادسة توضئوا وحملوا نساءهم وأطفالهم إلى بيت ربهم، صلوا المغرب وجلسوا كلهم جلوسنا هذا، النساء وراء الستارة والرجال أمامها، وليلة آية وأخرى حديثاً، ليلة آية من كتاب الله تحفظ وتفهم ونوطن النفس على أن نعمل بما دعت إليه وفرضته طول الحياة، هذا الطريق الوحيد وبدونه -والله- ما اجتمعت كلمة المسلمين في القرية ولا في البيت، فالخلاف والغل والغش والحسد والكبر، لا تسأل عن الخبث. وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة:2]، من يقول: ما البرهنة يا شيخ، ما الدليل؟الدليل: كيف كان أهل القرون الثلاثة الأولى؟ هل سادوا الدنيا أم لا؟ قادوا البشرية ثلاثة قرون أم لا؟ ماذا كانوا يعلمون؟ هل فلسفة الإغريق واليونان أو الكلام الباطل؟ لا، بل قال الله وقال رسوله، لما جهل المسلمون وخرجوا من هذه المدارس هبطوا إلى الأرض فاستعمروا واستذلوا وأهينوا من العالم، وإلى الآن هم فقراء محتاجون إلى الكفار.ودليل آخر: والله الذي لا إله غيره! لأعلمنا بالله أتقانا وأصلحنا، في أي بلد، أهل القرية أعلمهم بالله وبمحابه ومساخطه هو أتقى أهل القرية وأقلهم ظلماً أو خبثاً أو شراً، وأكثر الناس خبثاً وشراً هم الجهال. ونحن ما نعني بالعالم صاحب الدكتوراه والماجستير، ولا صاحب القلم، إنما المؤمن يجلس بين يدي أهل العلم يتعلم لعام وعامين ثلاثة بالسماع والتطبيق فيصبح من أعلم الناس، ما يحتاج إلى كتاب ولا قلم، هل كان أصحاب الرسول يكتبون ويقرءون؟أربعة أخماسهم لا يعرفون الكتابة ولا القراءة، إذ هذا العلم ما يحتاج إلا إلى أن يدخل في القلب ويطبقه في جوارحه، فعلم الصناعة والمادة والسياسة المادية اطلبه في المدارس، أما علم التربية الروحية وتهذيب الأخلاق وتزكية النفوس فهذا لن يتم إلا عن طريق قال الله.. قال رسوله صلى الله عليه وسلم. فلم لا نعمل؟ كأننا مسحورون تماماً، هيا نبدأ بالقرى والمدن، كل حي فيه جامع يتسع لأهل الحي، فأهل الحي يقولون: هيا نتعاهد من الليلة ألا نفارق مسجدنا بنسائنا وأطفالنا، نتعلم الكتاب والحكمة، قال الله وقال رسوله، فتنتهي المذهبية والفوارق والعصبيات والأحزاب، وكل هذا يمحى، فنحن مسلمون مؤمنون.اللهم اشهد فقد بلغنا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg





ابوالوليد المسلم 17-07-2020 05:41 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (12)
الحلقة (19)


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

تفسير سورة البقرة (109)

من شرع الله عز وجل في الطلاق أن من طلق زوجه دون الثالثة فإن عليها أن تعتد، وله أن يراجعها خلال فترة عدتها، فإن علم الزوج من نفسه استقامة أمره معها راجعها وأمسكها، وإن ظن في نفسه ألا يستقيم حاله معها طلقها وسرحها سراحاً جميلاً، ولا يجوز له وهذه حاله أن يراجعها؛ لما في ذلك من الإضرار بها والاعتداء على حقها، ومن فعل ذلك فقد ظلم نفسه، وعرض نفسه لسخط الله وعقابه.

تفسير قوله تعالى: (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده رسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، اللهم حقق لنا هذا الرجاء يا ربنا.وها نحن مع هذه الآية المباركة الكريمة من سورة البقرة، سورة الأحكام الشرعية: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنّ َ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:231].هذا كلام من؟ كلام الله عز وجل، ما ادعاه أحد من الناس فقال: كلامي، لا والله، إذاً: آمنا بالله، وقولوا: لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه آية من ستة آلاف ومائتين وست وثلاثين آية تشهد أنه لا إله إلا الذي أنزلها، وأن الذي نزلت عليه يستحيل أن يكون غير عبد الله ورسوله، فمنزل هذه الآية أخبر عن نفسه أنه الله الذي لا إله إلا هو، وأنزلها على عبده فناداه بعنوان الرسالة: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة:67]، كل آية تشهد بواقعها أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.فماذا تحمل هذه الآية من الأحكام الإلهية التي حرمها العالم بأسره فشقي وخسر إلا من رحم الله عز وجل؟ ماذا يقول لنا عز وجل؟

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg
ذكر ما عطفت عليه الجملة من أحكام الإيلاء

يقول تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ [البقرة:231]، هذه الجملة معطوفة على سابقاتها، إذ تقدم بيان الإيلاء، وهو أن يحلف الرجل ألا يطأ امرأته شهراً أو شهرين أو ثلاثة أو أربعة أو عاماً ويأبى أن يحنث ويريد أن يستمر في يمينه، فأعطاه الله عز وجل مهلة أربعة أشهر ثم إما أن يفيء -أي: يرجع إلى فراشه ليطأ امرأته- أو تطلق عليه رغم أنفه، لا يرضى الله لأمته أن تهان وتحرم وتذل وهي تعبده وتذكره صباح مساء، فيقال له: إما أن تفيء وترجع وإما أن تطلق، والآية الحاملة لهذا الحكم هي قوله تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:226-227].ولا ننس سؤال عمر ابنته حفصة رضي الله تعالى عنهما، ومن عمر هذا؟ هذا ابن الخطاب ، هذا صاحب الحبيب صلى الله عليه وسلم وخليفته، عمر الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما سلك عمر فجاً إلا سلك الشيطان فجاً غير فجه )، ما يقوى الشيطان أن يماشي عمر ؛ يحترق، وقال فيه: ( لو كان في أمتي محدثون ) ، أي: من تحدثهم الملائكة، ( لكان منهم عمر ، ولكن لا نبي بعدي )، فـعمر كيف بلغ هذا الكمال وانتهى إلى هذا المستوى؟ عندنا قصة ثابتة: دعاه أحد ولاته على طعام بليل أو نهار وقدم الطعام فإذا به ألواناً -ولن تصل إلى ألوان طعامنا اليوم حتى طعام فقرائنا ومساكيننا- فنظر إليه عمر نظرة الأسد وفزع واضطرب وقام، فصاح الوالي: ما لك يا أمير المؤمنين؟ اجلس، اطعم، فقال: خشيت أن أكون مثل من قال الله تعالى فيهم: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُ مْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ [الأحقاف:20]، هذا عمر صفت نفسه زكت روحه أصبحت أشبه بأرواح الملائكة، يحدث عنه ولده عبد الله ويقول: ما قال أبي في شيء: أظنه كذا إلا كان كما ظن.هذه الفراسة سببها أكل الطيبات، سببها الصيام في الهواجر، القيام في الليالي الطوال، التضحية في سبيل الله بالغالي والرخيص، هذا عمر .سأل ابنته حفصة ، ومن حفصة هذه يا جماعة؟ هذه أمنا، أم المؤمنين، هذه زوج الحبيب صلى الله عليه وسلم، توفي رسول الله وهي في عصمته، سألها عمر : أي بنيتي! كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: تصبر شهرين، وإذا دخل الثالث قل صبرها، وإذا دخل الرابع نفذ صبرها، فأصدر أمره إلى رجال جيوشه الإسلامية الغازية الفاتحة: على القادة أن يرسلوا كل مجاهد إلى أهله إذا استغرق أربعة أشهر، إذا أكمل أربعة أشهر في الجهاد أرجعه إلى أهله، من فعل هذا؟ هذا عمر ، فهذا شاهد هذه الآية الكريمة: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا [البقرة:226] رجعوا وكفروا عن أيمانهم فذاك، وإلا فالطلاق.

ذكر ما عطفت عليه الجملة من أحكام الطلاق والرجعة

ثانياً: عدة المطلقة كم هي؟ أي: ما هي المدة التي تنتظر المرأة زوجها عله يراجعها؟ طلق الفحل الليلة امرأته، فكيف طلقها يا شيخ؟ طلاقنا نحن أيها الصعاليك ما جاء في القرآن ولا حدث به الرسول صلى الله عليه وسلم، كقوله: أنت حرام علي وكذا، والله! ما هذا هو الطلاق.الطلاق الذي شرعه الله لرحمته بأوليائه: أن الرجل إذا رأى أن أخته المؤمنة في تعب في ألم ما استراحت أبداً، فشفقة عليها ورحمة بها ينتظر علها ترتاح، ينتظر الشهر والشهرين والعام والعامين، فإن وجد ألمها ما ينقضي عنها وهي تحته فإنه يشهد اثنين في البيت: أشهدكما أني طلقت أم فلان أو فلانة، وهي تسمع، ويعطيها الله فترة من الزمن عله يندم، علها هي تبكي وما تستطيع الفراق، ثلاثة قروء: ثلاثة حيض أو ثلاثة أطهار، الكل صالح، فإن راجعها في هذه الفترة فبها ونعمت، وإذا ما راجعها وانتهت هذه الأقراء فحينئذٍ يعطيها ما لها من حق، إذا كان لها مؤخر صداق أعطاها، ثم يذهب بها إلى أهلها: ابقي مع أهلك وأستودعك الله عز وجل يا أمة الله.أو هو عبد الله المؤمن ولي الله أتعبته هذه الأمة وضايقته، أساءت إليه، فصبر العام والعامين فما أطاق، حياته كلها عذاب، والله ما يرضى لوليه أن يعذب، فسمح له أن يطلقها، حيث عرف أنه لا يمكن أن يستريح أبداً مع هذه المؤمنة، إذاً: فيشهد اثنين ويقول: فلانة! قد طلقتك، فتتربص وتنتظر هذه الفترة من الزمن، إن كانت تحيض فثلاث حيضات أو ثلاثة أطهار، الكل واسع، فإن انقضت أعطاها ما لها من حق وحملها إلى بيت أهلها واستودعها الله عز وجل، ولا يذكرها بسوء قط، هذا هو الطلاق الرباني، هذا هو طلاق المسلمين، هل يجري هذا الطلاق الآن؟أهكذا يطلق الفحول؟ ولا واحد في الألف، لماذا؟ ما عرفوا، ما تربوا في حجور الصالحين، ما درسوا كتاب الله ولا اجتمعوا عليه، فكيف يعرفون؟ أيوحى إليهم؟ ما هم بأنبياء ولا مرسلين، فكيف يعرفون؟ مستحيل أن نعلم إذا لم نطلب العلم، حولونا من قرون إلى المقاهي والملاهي والأباطيل والخرافات والضلالات، فكيف نتعلم؟هذا هو الطلاق، فإن طلقها وانتهت عدتها ثم تزوجها بعد أن رغب في العودة ثم طلقها مرة ثانية هنا لم يبق إلا أن يمسكها بمعروف أو يسرحها بإحسان، فإن طلق بعد ذلك فإنها لا تحل له أبداً حتى تنكح زوجاً غيره؛ لقوله تعالى: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229]، ما قال: الطلاق طلقتان، قال: مرتان، لو قلت: أنت طالق طالق طالق بالثلاث فكل هذا هراء وباطل ومنكر، ما أراد الله هذا. الطلاق: أن تريد أن ترفع الأذى عنك أيها المؤمن أو عن امرأتك المؤمنة الطاهرة، فحين تعزم عليه تأتي إلى بيتك بمن يشهد وتقول: أشهدكما أني طلقت فلانة، فإن أردت أن تراجعها وهي في العدة ما انتهت فإنك تشهد اثنين وتقول: أشهدكما أني راجعت امرأتي، هكذا الطلاق والمراجعة، فإذا طلقها مرتين ثم راجعها أو عقد عليها بعد العدة لم يبق إلا أن يستمر بإحسانه إليها، وإن طلقها بانت بينونة كبرى لا تحل له حتى يذل ويهون وينكسر أنفه ويطأ تلك المرأة فحل غيره، فإن طلقها أو مات عنها فلا جناح عليهما أن يتراجعا بشرط: إن ظنا أن يقيما حدود الله، لا بالعنت والسب والشتم والسخرية، الرجل يسب امرأته ويسخر منها كما يفعل الجهلة في الشوارع مع الناس، أهذا مؤمن هذا؟ وهي أيضاً تفعل هذا، والله! إنه يبلغنا أنها تسب وتشتم وتسخر من الزوج،و لا لوم، فهي جاهلة وهو أشد جهلاً، ماذا تريد من جاهلة أو جاهل؟

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg
لطيفة في قوله تعالى: (فبلغن أجلهن)

الآن قال تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ [البقرة:231] الطلاق الذي بيناه لكم، إذا طلقتم هذا الطلاق فَبَلَغْنَ [البقرة:231] أي: المطلقات أَجَلَهُنَّ [البقرة:231] ما أجلهن؟ انتهاء العدة. وهنا لطيفة: قوله: بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ [البقرة:231] ليس معناه أن الحيضات الثلاثة أو الأطهار تمت، معناه: قاربن نهاية العدة، أما إذا بلغت حقاً وانتهت العدة فما بقي إمكان لأن يراجعها، انتهى أمرها، إلا أن يعقد عليها إذا رضيت ورضي أولياؤها.

ما يجب على مراجع مطلقته المعتدة من الإمساك أو التسريح بالمعروف

فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ [البقرة:231] أي: أشرفن، بقي يوم أو يومان أو ثلاثة، حينئذ إن أردت إمساكها وإبقاءها فأمسكها بمعروف لا بمنكر، بعض الجهلة يمسكها ليشقيها ويهينها ويعذبها ثم يطلقها، فإذا كادت العدة تنتهي راجعها لينكل بها، كان هذا في الجاهلية، ولما عادت الجاهلية عاد هو أيضاً، هذا كان في الجاهلية، يطلق الرجل امرأته ويتركها في العدة، وقبل أن تنتهي العدة يراجعها، ويبقى يسب ويشتم ويركل ويهين، ثم يطلقها وينتظر، فيستريح منها ثلاثة أشهر، فإذا قاربت راجعها، فأبطل الله العادة الجاهلية، فقال جل جلاله: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ [البقرة:231] أي: قاربن نهاية العدة؛ لأن المعتدة التي لا تحيض لصغر سنها أو كبر سنها عدتها ثلاثة أشهر تسعون يوماً، فإذا أشرفن على نهاية العدة فما هو الواجب؟ أمسكها يا فحل بمعروف أو فارقها وسرحها بمعروف، أمسكها وأرجعها إلى عصمتك بالإحسان والمعاشرة الطيبة والود والتحاب والتعاون، أو سرحها أيضاً بمعروف، أعطها كامل حقوقها وأثن عليها خيراً، ولا تشوه سمعتها، ولا تسب أهلها؛ لأنك مسلم ولي الله، ما أنت بيهودي ولا نصراني ولا مجوسي، أنت رباني من أولياء الله.

معنى قوله تعالى: (ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا)

قال تعالى: وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا [البقرة:231] يا عباد الله، لا تمسكها بالمراجعة من أجل الإضرار بها، إما بإهانتها، وإما بتنغيص راحتها، وإما بحال من الأحوال، أو حتى بمنعها من الفراش، إياك أن تمسكها لتضر بها، أمسكها قبل أن تنتهي العدة إن كنت تعلم أنك تحسن إليها وتعاشرها بالمعروف، أما أن تمكر بها فترجعها ثم تهينها وتذلها،كلما أوشكت العدة أن تنتهي راجعتها من أجل أن تذلها وتضرها فهذا لن يكون بين المسلمين، كان في الجاهلية. وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا [البقرة:231] على حدود الله وشرائعه، لا تفهم أن هذه المؤمنة صعلوكة أبوها ميت وأهلها فقراء، أو أنها غريبة في بلاد بعيدة.اسمع: يقول الله تعالى: ( من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ) تعلن الحرب على الله، ويعلن الله الحرب عليك، فهل ستنجح؟ أيربح من يدخل في حرب مع الله؟ والله! لا يفلح، فلم يذبح بعضكم بعضاً؟ لم يسرق بعضكم بعضاً؟ لم يزني بعضنا بنساء بعض؟ لم نغش بعضنا؟ لم نؤذي المؤمنين والمؤمنات؟ أواقع هذا أو هراء؟ هذا هو الواقع، فما سببه؟ هل كفرنا؟ لا، ما السبب؟ الجهل، ما علمونا، ما تربينا في حجور الصالحين، بل في الشوارع والمقاهي والملاعب، أو في مدارس كـ(لامدارس)، حتى قال بعضهم: هي مدانس، فالطلبة يلعبون أمام المدرسة ويدخنون.

التربية المسجدية طريق تهذيب أخلاق الأسر المسلمة

فإلى أين المفر؟ كيف نطبق هذا الشرع؟ ما تأهلنا له، فهيا نراجع الحياة من جديد.وقد يقال: يا شيخ! ما نستطيع، فات الزمانما نقدر؟ فأقول: وهل أنتم مطالبون ببذل أموالكم؟ بالخروج من دياركم؟ بقتل أنفسكم وأولادكم؟ لا، ما هو إلا أن تعلن عن أنك مسلم، وحينئذ أهل القرية المسلمة كأهل الحي في المدينة يلتزمون بأن لا يفارق أحدهم بيت الله هو وامرأته وأطفاله، من المغرب إلى العشاء، يجلسون كجلوسنا هذا، النساء وراءنا والفحول أمامنا، نتلقى الكتاب والحكمة، يوماً آية وآخر حديثاً، يوماً آية ويوماً حكمة، العام بعد العام، أسألكم بالله: كيف تصبح تلك المدينة في أحيائها؟ كيف تصبح تلك القرى؟ قد تقول: يا شيخ! أنت واهم. فأنا أقول: بعينيك انظر في قريتك في بلادك في مجلس في الطائرة لترى أن أعلمنا بالله أتقانا له، هل من يرد عليّ؟ في هذه الحلقة أعلمنا بالله أتقانا له، حتى لا نظن أن هذا هراء كما يقوله الغافلون الهابطون، والله! لن يستقيم أمر أمة الإسلام حتى في البيت في الأسرة إلا على نور الله، إما أن نقبل في صدق على الله نتعلم الكتاب والحكمة، ونقوي إيماننا، ونزيد في طاقة أنوارنا؛ فنسعد ونكمل، وإلا فالهبوط حتى التمزق والتلاشي والخلود في جهنم.فإذا دقت الساعة السادسة وقف دولاب العمل، أغلق الدكان، أوقف السيارة، إلى أين؟ إلى بيت الرب، أي بيت للرب هذا؟ المسجد، إنه بيت الله، ويأتي أهل القرية أو أهل الحي كلهم إلى المسجد، يصلون المغرب كما صلينا، ويجلسون كما نحن جالسون، فليلة آية وأخرى حديثاً، هذا الكتاب وهذه الحكمة، يوماً بعد يوم طول العام، والله! في السنة الأولى ستتغير حالة أهل القرية أو الحي تغيراً عجباً، فيصبحون أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.ولا تسألني، فما بقي غش ولا خداع ولا كبر ولا حسد ولا تلصص ولا فجور ولا زناً، طهر كامل، وفوق ذلك المودة والإخاء والحب والتعاون، ما يبقى بينهم عار ولا جائع ولا مظلوم ولا مريض، جسم واحد: ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ) من قرر هذا؟ من قعد هذه القاعدة؟ من لا يكذب ولا يمكن أن يخطئ كلامه أبداً، فلم ما نفعل هذا؟ بلغوهم، وخاصة الذين يسخرون من هذا الكلام يستهزئون، قلنا لهم: في اليهود، النصارى، أمريكا، روسيا، أوروبا، الشرق والغرب إذا دقت الساعة السادسة وقف العمل.نزلنا بالطائرة في جبل طارق الساعة الخامسة والنصف، وإذ بي أسمع رفاقي: عجل.. عجل. لماذا؟ لنشتري العشاء، فإنه إذا دقت السادسة ما يبقى دكان مفتوح ولا مطعم، لم؟ قالوا: يستريحون، فالكفار يستريحون والمسلمون ما يستريحون؟! يتمزق القلب، عجيب والله، إن لم نعد إلى هذا المنهج المحمدي فلن نتعلم، ما أجدتنا ولا نفعتنا مدارسنا؛ لأن التربية شيء والتعليم شيء.أنا أقول: إذا بعثت الطالب أمه ليدرس من أجل الوظيفة فلن ينتفع بعلمه، يقول الرجل لابنه: تعلم لتكون كذا وكذا، والله! ما سمعتهم يقولون: تعلم لتعرف الله وتحبه ويحبك، تعلم كيف تعبد الله عز وجل، وزادت المحنة فأتوا إلى البنات الآن، يقولون: تعلمي لتكوني كذا وكذا، وقد عرفنا المستقبل يا بابا! أعوذ بالله من هذا الهبوط، هذا فحل قال لابنته: درست الابتدائية فيكفيك، عودي إلى أمك أعينيها واعملي معها، فقالت: مستقبلي يا بابا! لا تمنعني، غداً أصبح مدرسة راتبي عشرة آلاف ريال، فقلت لها: اسمعي: هذه أمك تسمع وراء الستارة، من أمك هذه إلى جانب فاطمة الزهراء؟ وأكثر من ألف جدة والله! ما توظفت واحدة منهن، وعشن ومتن سعيدات، وأنت تقولين: الوظيفة للمستقبل يا بابا! لا لوم ولا عتاب؛ ما عرفنا رب الأرباب، ما أوجدنا في قلوبنا حبه، ولا الخوف منه، فكيف نستقيم؟ مستحيل.فالطريق: أن يصدر رئيس الحكومة أو وزير الداخلية قراراً: ألا يبقى بعد الآن رجل ولا امرأة خارج المسجد مع أذان المغرب، يأتون كارهين، ولكن لا يزال النور الإلهي يسري في قلوبهم يوماً بعد يوم بعد يوم، بعد أربعين يوماً لو قال لهم: لا تعودوا لقالوا: والله! لنعودن، ولا نستطيع أن ننقطع عن هذا النور.

تابع معنى قوله تعالى: (ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه)

قال تعالى: وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا [البقرة:231] (ضراراً) حال من الإمساك أو مفعول لأجله، أي: للإضرار بهن، لِتَعْتَدُوا [البقرة:231]. قال تعالى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [البقرة:231]، عرضها للبلاء الإلهي والنقمة الربانية، هذا الذي يراجع المرأة ليضر بها ويهلكها، فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [البقرة:231].

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg
معنى قوله تعالى: (ولا تتخذوا آيات الله هزواً واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به)

وأخيراً قال لنا: وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا [البقرة:231] تسخرون منها وتضحكون، ولا تعلمون منها شيئاً ولا تعملون، ولا تطبقون، تقرءونها على الموتى، أي سخرية أكثر من هذه؟ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [البقرة:231] أنتم مؤمنون مسلمون، الرسول كأنه بين أيديكم، والله عز وجل أنزل كتابه عليكم؛ فسموتم وارتفعتم، وعبدتم الله وحده، وغيركم في الضلال والعمى والفسق والفجور والباطل، لا تنسوا هذه النعمة: أن شرع الله عندكم، والأمم الأخرى الكافرة لا تملك من هذا شيئاً، أية نعمة أعظم من هذه النعمة؟وأزيد الأمر توضيحاً فأقول: بالله الذي لا إله غيره! لو وضع مؤمن في كفة ميزان ووضع كل الكافرين من أمريكا إلى اليابان في كفة لما بالى الله بهم من أجل عبده هذا، كل الكفار بالمليارات لا يعدلون مؤمناً واحداً في قضاء الله وحكمه، ما سر هذا الكمال، كيف حصل على هذا؟ بإيمانه بالله وتقواه له. واذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [البقرة:231] كنتم عبدة أوثان وأصنام، وكنتم في حالة جاهلية عمياء من شن الغارات وسفك الدماء، فرفعكم الله إلى هذا المستوى، فأنزل شرعه ووحيه وبعث رسوله، فلا تنسوا هذه النعمة، فكيف تسخرون من آيات الله ولا تطبقون أحكامه ولا شرعه؟ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ [البقرة:231]، لو كان لا كتاب ولا شرع عندنا ولا حكمة فنحن همج، فماذا نصنع؟ هذه حياتنا، أما وقد هدانا إلى الإيمان وأنزل علينا كتابه وبعث رسوله فكيف لا نهتدي؟ فكل كلمات الرسول حكمة لا يمكن أن يتخلف نتاجها ولا أثرها على طول الحياة.ولكن القرآن يقرأ على الموتى، والسنة النبوية تقرأ للبركة فقط، كثير من بلاد العالم حتى في المدينة يجتمعون على البخاري في رمضان، لم تقرءون البخاري ؟ قالوا: للبركة، هل الرسول يشرع ويقنن للبركة؟! القرآن يقرأ ليلة الموت في المقبرة وفي المنزل، أمن أجل هذا أنزله الله ليقرأ على الموتى؟ الأحياء يغلقون آذانهم فما يسمعونه، إذا قلت: قال الله غضبوا، والميت الهالك تقرأ عليه القرآن، سخرية هذه أم ماذا؟! فهذه أسباب هبوطنا من علياء السماء إلى هذه الدركات السفلى.واسمع كيف يمتن الله علينا: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [البقرة:231] نعمة الإيمان والإسلام، وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ [البقرة:231] يأمر وينهى ويربي ويحلم ويعظم من شأننا.

معنى قوله تعالى: (واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم)

وَاتَّقُوا اللَّهَ [البقرة:231] هذا التوقيع الأخير، اتقوا الله قبل أن تنزل نقمه، وقد نزلت؛ أصبح المسلمون أذل الخلق وأفقرهم وأعجزهم وأكثرهم فسوقاً وباطلاً وشراً، نزل حكم الله، ما اتقينا الله، ما خفناه، ما عرفناه حتى نخافه ونرهبه، أو نحبه ونتملقه ونتقرب إليه؛ أبعدونا عن كتابه وهدي نبيه فجهلنا، وبقيت بركة فقط لتقوم بها الحجة لله يوم القيامة، لا بد أن يبقى شيء من الدين لتقوم الحجة به لله يوم القيامة.على سبيل المثال: هبط العالم الإسلامي من إندونيسيا إلى موريتانيا، فالشرك والضلال والخرافات، فسلط الله عليهم الاستعمار الغربي، فأذلوهم وأهانوهم، فقد يقولون يوم القيامة: يا رب! ما عرفنا دينك، ما ظننا أن القرآن يسعد أو يحقق طهراً أو أمناً! فأبى الله إلا أن يوجد دولة عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود في صحراء قاحلة، لا زيتون ولا رمان ولا عنب، صحراء واسعة، والناس يسيرون على الجمال، لا سيارة يومها ولا طيارة، وحكم كتاب الله في هذه الأمة الموزعة هنا وهناك في ظرف محدود، وإذا بها دولة واحدة لم تكتحل عين الوجود -والله- بمثلها في الأمن والطهر إلا أيام القرون الذهبية فقط، تحققت هذه الطهارة، والله! لبيوتنا كانت مفتوحة بالليل، يمشي الرجل من نجد إلى جدة لا يخاف إلا الله، ما سبب ذلك؟ العودة إلى كتاب الله وحكمة رسوله، لا سحر ولا صواريخ.فالهيئة في القرية تأمر وتنهى، والذي يتخلف عن صلاة الصبح قد يتعرض للعقاب، ها هو الدكتور عبد الله العقيد يقول: والله! لقد أحرقوا لي عمامتي حين تخلفت عن صلاة الصبح فقط، الهيئة أحرقت العمامة، وما يحصل على العمامة في ذلك الوقت إلا بمبلغ من المال، ومن أين يجيء المال؟ ما هو إلا الشعير والمعز، فساد أمن وطهر والله ما وجد إلا في هذه البلاد بتحكيم شرع الله، لم فعل الله هذا؟ لتكون له الحجة يوم القيامة، وإلا قال الناس: يا رب! ما نفعنا كتابك. فهل تحقق الأمن والطهر أو لا؟ اشهد -يا رب- أنه تحقق، بسبب ماذا؟ لا خرافة ولا قبر يعبد ولا وثنية، بل لا إله إلا الله، بالتوحيد فقط، ثم بإقامة حدود الله، الزاني يرجم أو يجلد، والسارق تقطع يده، والقاتل يقتل، لا أقل ولا أكثر، وتجبى الزكاة وتقام الصلاة إجبارياً، فلم العالم الإسلامي ما يفعل هذا؟قد نقول في أيام الاستعمار: ما نستطيع يا رب فنحن مملوكون، محكومون، وبعد أن استقللتم بإذننا وتحررت دياركم وحكمتم بأنفسكم لم ما أقمتم الصلاة إجبارياً في الجيش وفي الأمة؟ لم ما أوجدتم جماعات يأمرون في البلاد بالمعروف وينهون عن المنكر؟ لم ما جبيتم الزكاة وعوضتموها بالضرائب الفادحة؟ ولهذا قولوا: آمنا بالله. إن مستقبلاً مظلماً ينتظر هذه الأمة، إلا أن يفرج الله عنها، فقد أعرضت عن كتاب الله، واسمع ماذا يقول: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:231]، لا يخفى عليه باطلنا ولا فسادنا ولا ظلمنا ولا شرنا ولا إعراضنا عن ذكره وكتابه، والله! إننا لتحت النظارة، إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد ِ [الفجر:14].

خلاصة ما أرشدت إليه الآية الكريمة

هذه الآية الكريمة من كلام الله ماذا تعلمنا منها؟ تعلمنا أنه إذا طلقت زوجتك يا عبد الله وأردت أن تراجعها فقبل أن تنتهي العدة راجعها، لكن إياك أن تراجعها لتنكل بها وتعذبها، هذه أمة الله، قال تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنّ َ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا [البقرة:231] وهي حاملة لهذا النور وهذه الأحكام والهداية. وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [البقرة:231] واشكروه، قولوا: الحمد لله أننا مؤمنون، وإضافة إلى ذلك وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ [البقرة:231] هذا مفقود عند العالم بأسره إلا عندكم معشر المسلمين، كتاب الله وسنة رسوله، وَاتَّقُوا اللَّهَ [البقرة:231] فإن لويتم رءوسكم فاعلموا أن الله بكل شيء عليم، وينزل نقمته، عياذاً بالله .. عياذاً بالله، رحماك يا ألله.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg




ابوالوليد المسلم 17-07-2020 05:45 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (13)
الحلقة (20)




تفسير سورة البقرة (110)




من الأحكام المتعلقة بالطلاق أنه إذا أراد زوجها نكاحها بعقد جديد بعد بينونتها منه بطلاق رجعي فإنه لا يجوز لوليها منعها عنه إذا هي رضيت به، كما أن من الأحكام المرتبطة بالطلاق أحكام الرضاع، فمن كان له رضيع عند مطلقته فعليه نفقتها بالمعروف مقابل إرضاعها لابنه، وإن فقد الأب لزم الوارث للرضيع نفقة مرضعته، وإن أراد الأب استرضاع ابنه عند امرأة أخرى فله ذلك، وإن اتفق الأب والأم على فطام الرضيع قبل الحولين بما لا يضر به فلهما ذلك.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين من يوم الأحد- ندرس كتاب الله عز وجل.وقد سبق لنا أن درسنا قول الله تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:231]. ‏

وجوب الإمساك أو التسريح بالمعروف للمطلقة الرجعية قبل تمام العدة

وقلنا في قوله تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ [البقرة:231]: إنهن ما بلغن الأجل، ولكن قاربن بلوغ الأجل؛ لأنها إذا بلغت الأجل المحدود ثلاثة أقراء فلا حق له أن يمسكها، انتهى أمرها، لكن هي في عدتها فأشرفت العدة على أن تنتهي، هنا إما أن تمسكها يا عبد الله، بمعنى: تراجعها بمعروف، لا أن تمسكها وتراجعها لتعذبها وتنكل بها وتنتقم منها أيضاً، أو تسرح بالمعروف، انتهت عدتك فمع السلامة يا أختاه. وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا [البقرة:231]، ولا تمسكوهن لأجل الإضرار بهن لِتَعْتَدُوا [البقرة:231]: كان أحدهم في الجاهلية يطلقها حتى إذا أوشكت العدة أن تنتهي يراجعها لينكل بها وينغص حياتها، ثم يطلقها وهي في عدتها، فإذا أوشكت أن تنتهي العدة يراجعها، فأبطل الله هذا القانون الجاهلي، فأنزل هذه الآية فيصلاً في القضية.اسمع: يقول الله جل جلاله مخاطباً عباده المؤمنين والمؤمنات: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ [البقرة:231] أيها الفحول فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ [البقرة:231] أي: أشرفن على نهاية العدة؛ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [البقرة:231]، لا تمسكها لتنكل بها وتضايقها وتؤذيها وهي في عصمتك، أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [البقرة:231]: لا سب ولا شتم ولا أخذ لحق من حقوقها.


حرمة إمساك المطلقة الرجعية بقصد الضرار والعدوان

وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا [البقرة:231]، إياك أن تمسك المطلقة وتراجعها قبل أن تنتهي عدتها من أجل الإضرار بها، هذه أمة الله لا يرضى سيدها ومولاها أن تؤذيها أنت يا عبد الله. وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [البقرة:231] أي: تعرض لنقمة الله وعذابه، وقد عرفنا أن الله لا يرضى أن يؤذى عبده ولا يرضى أن تؤذى أمته كذلك. وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا [البقرة:231] وسخرية وضحكاً ولعباً، فلا تطبقوها ولا تنفذوها في حياتكم، هذا موقف لا يقفه إلا من تعرض لنقم الله وسخطه.

تذكير المؤمنين وعظتهم بإحاطة علم الله تعالى بكل شيء

وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [البقرة:231] البشرية كلها محرومة من هذا النور، مبعدة عن هذه الهداية، تعيش في ظلام الجهل والكفر، وأنتم أنعم الله عليكم؛ بعث فيكم رسوله وأنزل كتابه وشرعه، ثم تستهزئون به، من لم يشكر نعمة الله عرضها للسلب بعد العطاء، وإن شئتم حلفت لكم، من لم يشكر نعمة الله فلينتظر زوالها طال الزمان أو قصر: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].يقول الحكماء: نعوذ بالله من السلب بعد العطاء، بعدما كنا في عز وطهر وصفاء نصبح أذلة مهانين مساقين كالأنعام، أما سلط علينا أوروبا؟ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ [البقرة:231] المراد بالحكمة السنة. يَعِظُكُمْ بِهِ [البقرة:231] آمراً وناهياً، وَاتَّقُوا اللَّهَ [البقرة:231] قبل كل شيء، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:231] اتقوه، التزموا ما أمركم بالتزامه، أحلوا ما أحل وحرموا ما حرم، أدوا ما أوجب واتركوا ما نهى عنه، بهذا يتقى، لا يتقى بالسلاح ولا بالرجال، وَاعْلَمُوا [البقرة:231] زيادة على ذلك أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:231].يا من يريد أن يحتال على هذه المؤمنة ويراجعها لينكل بها ويضر بها! لا تحسبن أنك وحدك، إن الله معك، يراك ويعلم حالك ظاهرك وباطنك، فهذه توجد المهابة في قلب المؤمنين والمؤمنة، ولهذا أهل الإيمان والتقوى هم أقرب الناس إلى الله عز وجل.

تفسير قوله تعالى: (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ...)

والآن نسمع قوله تعالى يخاطب المؤمنين والمؤمنات؛ لأن الكافرين والكافرات أموات، ما هم بأهل لأن يخاطبوا؛ لأنهم لا يفقهون ولا يعملون، هذا الخطاب لأهل الإيمان: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ [البقرة:232] نهاية العدة، فَلا تَعْضُلُوهُنَّ [البقرة:232] أي: تمنعوهن أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:232]. ‏

سبب نزول الآية الكريمة

لهذه الآية قصة أو حادثة نزلت بسببها، فهناك رجل يقال له: معقل بن يسار من أصحاب الحبيب صلى الله عليه وسلم، وله صهر يقال له: أبو البداح ، فأخت معقل هي زوجة أبي البداح ، فطلقها في المرة الأولى وراجعها، وطلقها في المرة الثانية وبانت منه، ورغبت الزوجة في أن تعود إلى زوجها، والزوج رغب في أن يعود إلى زوجته، أبو البداح راغب وهي أيضاً راغبة، فبلغ ذلك أخاها معقل بن يسار فقال: وجهي من وجهك حرام إن تزوجته، كيف يهزأ بي ويسخر ويفعل هكذا، لن تعودي إليه.فنزلت هذه الآية فيصلاً، فربنا يسمع ويعلم ويرى حادثة وقعت في ظلام هذه الدنيا بين رجل وامرأة، يعلم وهو فوق السماوات السبع، فوق العرش، فوق الملكوت كله، كأنه معهم؟! آمنا بالله، نزلت هذه الآية لتحل هذا المشكلة وأمثالها مما قد يحدث في أمة الإسلام، فنزل قوله تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ [البقرة:232] انتهت العدة، فَلا تَعْضُلُوهُنَّ [البقرة:232]، العضل: المنع، أمسكها بعضلته لئلا تتزوج، فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:232].ففي الآية السابقة أراد المطلق أن يراجعها لينكل بها، يتركها حتى تكاد العدة تنتهي ثم يراجعها؛ ليبقى يسب ويشتم وينكل بها، فهذه حرمها الله.ولكن هنا على خلاف تلك، فهنا تزوج الرجل هذه المؤمنة وشاء الله أن طلقها، وقبل أن تنتهي العدة راجعها، عاش معها زمناً ثم طلقها، وانتهت عدتها، فرغب أن يعود إليها ورغبت أن تعود إليه، فأخوها معقل بن يسار قال: لن يكون هذا، ما نرضى بمثل هذا الشخص يطلق مرتين ويراجع، فقال لأخته: وجهي من وجهك حرام إن تزوجته، فمن يفصل الآن؟ الله تعالى، فنزل قوله تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ [البقرة:232] وانتهت العدة، فَلا تَعْضُلُوهُنَّ [البقرة:232] تمنعوهن أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:232]، إذا كانت هي راضية وكان هو راضياً وبالإحسان والمعروف لا بالحيل والمكر.فماذا قال الحبيب صلى الله عليه وسلم لـمعقل بن يسار ؟ قال له: ( إن كنت مؤمناً فلا تمنع أختك من أبي البداح ، فقال: آمنت بالله، وردها إلى أبي البداح ).


دلالة الآية الكريمة على شرطية الولي في عقد النكاح

وفي هذا دليل على شرطية الولي في النكاح، فالآية تدل على أن الولي في النكاح شرط في صحته، ولا التفات إلى من يرى أن للمرأة أن تزوج نفسها، من زوجت نفسها ولها ولي فهي زانية.. زانية.. زانية.لأن هذه أخت معقل ومنعها لأنه ولي، ففي هذه الآية دليل على شرطية الولاية في النكاح، فولي المرأة أبوها، فإن مات أبوها فأخوها الراشد الرشيد، فإن مات أخوها فابن أخيها الرشيد، فعمها، فابن عمها، فإن لم يكن ولي فالقاضي وليها؛ القاضي ولي من لا ولي له، فإن عدم القاضي أفتانا عمر فقال: فوليها ذو الرأي من عشيرتها، فعشيرتها وقبيلتها إذا كان فيهم رجل فحل ذو رأي وبصيرة ووعي فهو الذي يتولى عقد نكاحها؛ فإذا كانت قرى ما فيها قضاة أبداً، فماذا يصنعون؟ هل يسافرون على الجمال عشرة أيام؟ ذو الرأي من عشيرتها يتولى عقد نكاحها.

نهي الأولياء عن عضل مولياتهم

إذاً: يقول تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ [البقرة:232]، ما معنى بلغن أجلهن؟ انتهت العدة، فَلا تَعْضُلُوهُنَّ [البقرة:232] والعضل معروف، ومنه عضلة الإنسان التي في يديه، أي: لا تمنعها كما منع معقل بن يسار أخته. فَلا تَعْضُلُوهُنَّ [البقرة:232] عن أي شيء؟ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ [البقرة:232] بشرط أو بدون شرط؟ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:232]، ذَلِكَ [البقرة:232] هذا الحكم المذكور يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:232] فماذا قال معقل ؟ قال: آمنت بالله. ورد أخته إلى زوجها، أما الذي لا يؤمن بالله ولقائه فهو ميت، سبحان الله! فهيا نعمل على تقوية إيماننا بالله ولقائه.

مقصد التذكير بالإيمان بالله واليوم الآخر

وكثيراً ما أردد والله يشهد: أن الذي لا يؤمن بالله ولقائه ينبغي أن لا يوثق فيه، ولا يسند إليه أمر، ولا يعول عليه في قضية، بل نقول: لو أنك تنام متوسداً ثعباناً فمن الجائز أن تسلم ولا يأكلك، لكن لو تنام إلى كافر بالله ولقائه فوالله! لا تسلم إذا احتاج إليك، ما عنده مانع أبداً أن يفتك بك، وأي وازع له؟ هؤلاء هم شر الخليقة، ليس شر الخليقة القردة والخنازير والثعابين، شر الخليقة الكافرون والمشركون، لسنا الذين نسبهم بذلك، فالذي حكم بهذا الحكم عليهم هو مولاهم خالقهم سيدهم ربهم، واقرءوا لذلك قوله تعالى من سورة البينة: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [البينة:6] اليهود والنصارى وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6] والبريئة: الخليقة، من برأ النسمة: خلقها، وقرئت (البرية)، لا تفهم أن البرية الصحراء، فتلك البرِّية، فالبريئة استثقلت فيها الهمزة مع الياء فاستبدلت الهمزة بياء وأدغمت فيها، فصارت: البرِيَّة، بمعنى: الخليقة، فعيلة بمعنى مفعولة.من شر الخليقة؟ الكفار والمشركون، ما وجه كونهم شر الخلق؟ لأن سيدهم أوجدهم خلقهم جملهم حسنهم، خلق كل شيء من أجلهم، فصاروا يكفرونه ويعبدون غيره؟ والله! إنهم لشر الخليقة بقضائك العقلي.مثاله: كريم من الكرماء يعالجك يا مريض فتشفى، ويكسوك فتجمل بكسوتك، وينزلك في قصرٍ، ويرسل لك خدماً يخدمونك يقدمون الطعام والشراب ليل نهار طول عمرك، ثم لا تقول: جزاه الله خيراً؟! هذا شر الخلق.صدق الله العظيم: أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6]، يقولون: لم نحن شر البرية؟ فبصرهم فقل: أيخلقكم الله جل جلاله، ويخلق أمهاتكم وآباءكم، ويخلق الأرض والسماء لكم، وكل المخلوقات من أجلكم، ثم لا تعترفون به، وتعبدون أصناماً وأوثاناً أو فروجاً وشهوات، أي عقول عندكم؟ فإن قالوا: مع الأسف: ما عرفنا؟ فقل: لم ما تسألون عنه وتعرفونه؟ ولهذا فعذابهم أبدي لا ينتهي أبداً.قال تعالى: ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ [البقرة:232] أيها المؤمنون يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:232] يصدق بوجود الله رباً وإلهاً، ذا جلال وكمال، لا إله إلا هو ولا رب سواه، ويؤمن بلقائه بعد باليوم الآخر من أيام الدنيا التي سوف تنتهي، ذلك هو اليوم الآخر، وننتقل إلى اليوم الخالد الأبدي.

معنى قوله تعالى: (ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون)

ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ [البقرة:232]؛ لأن هذا الزوج إذا أحب أن يعود إلى زوجته، وأحبت أن تعود إليه، ومنعتموهما وحلتم بينهما فقد ينساقان إلى الجريمة، أو يشرد بها إلى عالم آخر، ما دام يريد ابنتك أو أختك وهي تريده، وأنت تقول: لا، وجهي من وجهك حرام، فقد يترتب على هذا مفسدة عظيمة، فلهذا قال الحق عز وجل: ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:232] هو العالم بالنفسيات والضمائر والغرائز والأحوال وما يأتي به المستقبل، وأنتم لا تعلمون، إذاً: فسلموا.إذا تزوجت ابنتك وطلقها زوجها وبعد سنة أو سنوات ردها، ثم طلقها، فلا تقل: والله! لا ترجع، بل انظر هل هي راغبة في الرجوع؟ وهل هو راغب أيضاً؟ هل استوت الرغبتان؟ هل صلحت حالهما؟ هل تعاهدا بالطهر والصفا، فإن تم ذلك فزوجها، ردها عليه بعقد جديد قطعاً.


تذكير بأثر تلاوة الآيات القرآنية في المنع من الكفر

ما أجل هذه الآية وما أعظمها! هذا كلام الله، كيف نكفر بالله ونحن نتلوا آياته وفينا رسوله صلى الله عليه وسلم؟اسمع هذا النداء الإلهي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100]، من يرد على الله؟ إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا [آل عمران:100] خاصة من اليهود والنصارى يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100]، وقد نبهنا وبكينا وصرخنا، وقلنا: نبعث بفلذات أكبادنا، بأعضادنا وسواعدنا ونضعهم بين يدي المعلمين من اليهود والنصارى في بلاد الكفر والشرك والباطل، فيتخرجون يحبون أساتذتهم ومربيهم ومعلميهم، ويأتوننا وقلوبهم ممسوحة، لا إيمان بالله ولا بلقائه، ثم نوليهم مناصب البلاد ومراكزها، فكيف نأمنهم؟ ويا من يريدون البرهنة والتدليل بالعقل! لقد استقلت ديارنا إقليماً بعد إقليم من إندونيسيا إلى موريتانيا، ما استطاع إقليم واحد وقد قامت فيه دولة البلاد الوطنية أن يفرضوا الصلاة فقط على الأمة، مع أن الصلاة هي عمود الدين، لو أقاموا الصلاة فوالله الذي لا إله غيره! لكان نصف البلاء كله يختفي بإقامة الصلاة، لم ما أقاموا الصلاة؟ هل طالبوا بالزكاة وفرضوا على مواطنيهم وجبوها برجالهم؟ لا، إذاً: أليسوا في حاجة إلى المال؟ هم في حاجة، ولكن استبدلوا بها الضرائب، وقالوا: لا تقولوا الزكاة فتحيوا في قلوبهم الإيمان والإسلام، قولوا: الضريبة! هل وجد في بلد من تلك البلاد من أسند إليه أمر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يمشي في الشوارع إذا رأى منكراً يغيره، وإن رأى معروفاً ضاع أمر به؟ والله! ما كان، فقط البوليس بالكرباج والصفارة، يسمع هذا يسب الله ورسوله فما يبالي، ما سر هذا؟ لأن الذين أسندت إليهم قيادة البلاد والأمة ما تخرجوا من مثل هذه المجالس، درسوا وتخرجوا من تحت أساتذة روسيا وأمريكا وبريطانيا وفرنسا ووليناهم، فكيف يقودوننا؟ ولا نلومهم؛ فقد أعموهم أصموهم قلبوا عقولهم وقلوبهم، جاءوا إلى بلدة وجدوها منتكسة، فلا من يغضب لله ولا لرسوله، فحصل هذا الذي حصل، وأيام الاستعمار كثير من البلاد -والله- أفضل منها اليوم.من القائل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100]؟ الله. ثم قال تعالى: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ [آل عمران:101] من أين يأتيكم الكفر وتأتونه والمناعة قائمة والحصانة ثابتة، وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101]؟نريد علماء النفس يكونون حاضرين معنا، علماء السياسة، علماء الكون والحياة، هل ينقضون هذه؟ والله! لأن يعقدوا بين شعيرتين أيسر من أن يقضوها، والله! لمن السهل أن يبنوا قصراً بين السماء والأرض، ولن يستطيعوا أن ينقضوا كلام الله.وأين بيت القصيد؟ في قوله تعالى: وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101]، فلو كان المسلمون منذ أن كانوا ومن اليوم إلى غد يجتمعون بنسائهم ورجالهم وأطفالهم كل ليلة في بيوت ربهم اجتماعنا هذا، يتلقون الكتاب والحكمة، فوالله! ما طرأ الذي طرأ، ولا حصل الذي حصل؛ لأن هذا الشاب ترعرع في أنوار الله ورسوله، لما بعثناه إلى بريطانيا يدرس وقد تجاوز العشرين أو الخامسة والعشرين فهو سيهديهم، ولا يضلونه، هو سيؤثر عليهم، وقلنا لهم: إن أردتم أن تبتعثوا بعثة فاختاروا الطلبة الصالحين، لا الحشاشين ولا المدخنين، اختاروا الأذكياء الأبرار من آباء وأمهات طيبين صالحين، وألزموهم بلباسهم الذي يلبسونه، وابعثوا إماماً ومربياً، واتخذوا لهم فندقاً خاصاً أو شقة، فيدرسون دراستهم ويعودون إلى مسجدهم وبيت ربهم يتلقون الكتاب والحكمة ويقيمون الصلاة، أمثال هؤلاء هل يؤثر فيهم؟ والله! ما يستطيعون، هم الذين يؤثرون، أما أن نسلخهم فنجعلهم كالبريطانيين، نقول له: احلق وجوهك فحلقه، واعمل الكرفتات واعمل كذا وكن بريطانياً، وندمجه في أسرة بنسائها العواهر وأطفالها؛ فهل سيرجع مسلماً؟ مستحيل، إلا أن يشاء الله.يقول تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:232]، أما الذي لا يؤمن بالله واليوم الآخر فما يمكن أن ينهض بتكاليف كهذه أو يرغب فيها؛ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:232].

تفسير قوله تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ...)

الآن مع هذه الآية الجليلة العظيمة وهي من طوال الآيات، فاسمعوها، يقول ربي جل جلاله في كتابه العزيز القرآن العظيم من سورة البقرة؛ هذه السورة كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم إذا حفظها الشاب ولوه القضاء، ولوه ولاية في إقليم إذا حفظ سورة البقرة، هذه سورة الأحكام الشرعية، يقول تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة:233].لا إله إلا الله! هل هذا القرآن يقرأ على الموتى فيتوبون ويستغفرون الله؟ ماذا يصنعون؟ مضت قرون والمسلمون لا يقرءون القرآن هكذا أبداً، ولا يجتمعون عليه إلا ليلة الموت فقط لسماعه.قوله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ [البقرة:233] جمع والدة، وهي المرأة التي تلد، ويقال فيها: والدة. يُرْضِعْنَ [البقرة:233] الإرضاع معروف، ذاك اللبن الأبيض الحلو الذي تحول برحمة الله التي أوجدت عاطفة أم هذا الولد، يتحول من حمرة الدم إلى بياض اللبن وعسله، يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ [البقرة:233] كم؟ حَوْلَيْنِ [البقرة:233] ما الحول؟ العام، من حال يحول: إذا تبدل، حال الحول: رجع هذا اليوم في ذاته، هذا الحول. حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233] لا تقل: عاماً وعشرة أشهر، أو سنة وأحد عشر شهراً، حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233] هذا لمن؟ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ [البقرة:233]، فإذا أراد يكتفي بعام، أو بعام ونصف فشأنه. ‏

معنى قوله تعالى: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف)

إذاً: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ [البقرة:233] من هو المولود له؟ الرجل، إذاً: هي ولدت له، ما ولدت لها، هل سمعتم من يقول: إبراهيم بن زليخة، أو سعيد بن ليلى، أو إبراهيم بن خديجة؟ بل إبراهيم بن إسماعيل خالد بن كذا، فسبحان الله! لطائف القرآن فيها العجب. وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ [البقرة:233] هذه الأمة من إماء الله ولدت لك أنت إبراهيم، أنت زرعت وحصدت وهي جزاها الله خيراً. وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233] هذا إذا كانت ما طلقت فلا بد من كسوتها وإطعامها بالمعروف، لا يكلف ما لا يطيق، فلا يقال: لا بد من البقلاوة والدجاج المقلي! بل حسب حالته، بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233] لا ما يخالف العرف. وإن كانت مطلقة وولدت فمن يرضع هذا الولد؟ ترضعه هي إذا اتفقت مع زوجها حولين، وبعد الحولين ما بقي شيء: ( لا رضاع بعد الحولين، ولا يتم بعد الاحتلام ).إذاً: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233] إذا كان ولدت وهي مطلقة قد انتهت عدتها بالوضع، فالمطلقة إذا كانت حبلى تنتهي عدتها إذا وضعت، واقرءوا لذلك قوله تعالى: وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4]، فلما وضعت حملها بانت من زوجها، إن شاء قال: أعطني ولدي، لكن لا بد أن ترضعه اللبأ، لا يسمح لها الشرع بأن تعطيه لأول ساعة، فإنه ما يعيش، لا بد من اللبأ يرضعه من ثديها، وبعد ذلك إذا اختصما وما اتفقا فليرضعه عند من شاء، وإن اتفقا وأرضعته فعليه كسوتها وإطعامها ونفقتها بالمعروف.


معنى قوله تعالى: (لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده)

لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:233] من قال هذا القول؟ الله. لم قال هذا؟ لأن خديجة تقول: إذا لم تعطنا خمسة آلاف ريال في الشهر فلن نرضع هذا الولد، طلقتني وكرهتني وأنا كذلك، فادفع خمسة آلاف ريال في الشهر وإلا فلن نرضعه، يقول الفحل: أنا راتبي ألف وخمسمائة ريال، فمن أين آتي بخمسة آلاف؟ كيف تكلفونني ما لا أطيق وربي يقول: لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:233] ويقول: لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ [البقرة:233]! الكل عبيد الله؛ الأطفال النساء الرجال الكل مالكهم واحد مولاهم واحد، الراحم لهم واحد، سبحان الله العظيم! اسمع كيف يسوي بينهم: لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا [البقرة:233]، لا يضر الوالدة بولدها فيلزمها أن ترضعه مجاناً وهي عاجزة، وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ [البقرة:233] ولا هي تقول: أعطنا خمسة آلاف وإلا فلن نرضعه، لا هي تتأذى ولا هو يتأذى، والمولى هو الحاكم. لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ [البقرة:233] فهو مولود له أو لا؟ ولهذا ما نقول: سليمان بن فاطمة، بل سليمان بن داود؛ لأنها هي ولدت له لا لها هي، سبحان الله!

معنى قوله تعالى: (وعلى الوارث مثل ذلك)

قال تعالى: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ [البقرة:233]، مات الوالد وهذه المرضعة ترضع، فمن يتولى النفقة؟ هذا اللفظ صالح لعدة معان، فالقرآن حمال الوجوه، فمن فقه وعرف يجد رحمة الله متجلية، لا إله إلا الله!الوارث يتناول الورثة الذين مات والدهم، أبناؤه الكبار، إخوانه، أعمامه ورثة أو لا؟ هم الذين يعطون هذه المرضعة المطلقة نفقتها.والوارث الطفل نفسه، فهو وارث، أصبح له مال، عنده الربع أو النصف في التركة، أو كل التركة له، إذاً: ينفق على المرضع من ماله هو، لأنه هو الوارث.إذاً: حق هذه المرضعة المسكينة ما دامت ترضعه عامين أو عاماً ونصفاً يؤخذ من هذا المال الصغير؛ لأنه وارث، فإن لم يكن له مال فحينئذ ينفق عليها الأقرباء الورثة لأصالتهم، وإن لم يكن ترك الميت مالاً، والكل يدل عليه قوله تعالى: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ [البقرة:233].

معنى قوله تعالى: (فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما)

قال تعالى: فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا [البقرة:233] أي: فطاماً للولد، بعد سنة قالت: يكفي، خذ ولدك، أو هو قال: يكفي، فالآن الولد لا بأس به والحمد لله، أعطونا ولدنا. فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ [البقرة:233]، وهذا يشمل أيضاً المرأة غير المطلقة هي وزوجها، قالت: يا أبا فلان! يكفني الإرضاع، لنفطم الولد، فإن رضي الزوج وقال: لا بأس فإنه يفطم، وإذا قال: لا، ما زال صغيراً، أرضعيه؛ فلا بد أن تطيع. فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ [البقرة:233] لا تستبد برأيها وتفطمه، وهو كذلك لا يقل: يكفي، فقد آذانا، فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا [البقرة:233] أذن المولى لهما، لا تضييق ولا حرج ولا إثم، سبحان الله!

معنى قوله تعالى: (وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف)

ثم قال تعالى: وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ [البقرة:233]، تريد أن ترضعه عند امرأة أخرى ولا تريد تركه مع أمه، أمه طلقت، حتى ولو لم تطلق، كان العرب يرضعون أولادهم عند النساء الحسناوات أو القويات ليخرج قوياً. وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ [البقرة:233] عند نساء أخريات غير أمهات الأولاد فلا جناح عليكم، لا إثم ولا حرج، بشرط إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233] أعطها حقها الذي لها وخذ الولد، هي أرضعته خمسة أشهر وما أعطيتها ريالاً، والآن تقول: أعطيني ولدي ورديه إلي يا فلانة، فأد حقها أولاً، سبحان الله! وإن كانت أمه هي، لكن أرضعته بمقابل وهو ماطلها وما أعطاها، ثم لما كثر الحق عليه قال: أعطينا ولدنا، وجدنا عمته ترضعه، يقول تعالى: وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [البقرة:233] بشرط إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233] لا بالمماطلة، إذا سلمتم ما وجب عليكم أداؤه للمرضعة وبالمعروف؛ لأن بعض الصعاليك -كما تعرفون- يقولون: يا عمياء .. يا كذا! أعطينا ولدنا؛ لأنهم ما تربوا في حجور الصالحين، يقولون البذاءة والباطل، فلهذا قال: بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233] لا بالمنكر.

معنى قوله تعالى: (واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير)

وأخيراً يقول تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ [البقرة:233] إياكم أن تخرجوا عن هذه التعاليم، أو تعبثوا بها وتستهينوا بها. أي يا رب قد تركها المسلمون من قرون، ما سمعوا بها ولا درسوا ولا اجتمعوا عليها، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة:233].معاشر المستمعين! قد نعود إلى الآية إن شاء الله مرة أخرى، لكن اسمعوا: والله الذي لا إله غيره! لن نكمُل ولن نسعد، ولن نطيب ولن نطهر، ولن نسود ولن نقود البشرية إلا إذا عدنا إلى كتاب الله وحكمة رسوله. والطريقة سهلة ميسرة، وقد بلغنا وصحنا وأنتم ما بلغتم، وخاصة طلبة العلم، بل ينتقدون.أقول: أي مانع من أن نغير وضعنا بفجأة، يا أهل المسجد! يقول إمامكم: من الآن إن شاء الله إذا مالت الشمس إلى الغروب نأتي بأطفالنا ونسائنا إلى بيت ربنا، ونجلس بعد صلاة المغرب نتعلم الكتاب والحكمة، ونزكي أنفسنا، ونهذب أرواحنا، ونسموا بآدابنا، ومصدر الآداب هو قال الله وقال رسوله.تأتي القرية أو الحي بعد آذان المغرب فلا تجد أحداً، أين ذهب الناس؟ في بيت ربهم، أسألكم بالله: هل الذي يجلس في بيت مولاه مؤمناً موقناً يتلقى الكتاب والحكمة يفسق أو يفجر، أو يسيء إلى الناس أو يؤذيهم، هل يبخل أو يضن بما عنده وهم في حاجة إليه؟ والله! ما كان. أما اشتراكية، ديمقراطية، علمانية فخبط وهبوط، والله! ما يرفعكم إلا هذا الطريق السهل الميسر بلا صعوبة ولا كلفة، فقط نعلن لله أنا رجعنا إليك وتبنا إليك، وها نحن بين يديك كل ليلة نبكي. فهل عرفتم هذه؟ وستذكرونها إن شاء الله.وصلى الله وسلم على نبينا محمد.


ابوالوليد المسلم 23-07-2020 04:14 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (14)
الحلقة (21)


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

تفسير سورة البقرة (111)

إن عقد النكاح بين الرجل والمرأة قد ينتهي بالطلاق أو بموت أحد الزوجين، من أجل ذلك فقد شرع للمرأة التي يموت عنها زوجها أن تعتد أربعة أشهر وعشراً، فلا تتزين ولا تخرج من بيتها، فإذا انتهت عدتها جاز لها أن تتزين وأن تمس الطيب وأن تخرج من بيتها، ومتى ما كانت المرأة في عدتها فلا يجوز الحديث معها أو عنها في النكاح، إلا أن يكون الكلام من قبيل التلميح والتعريض دون التصريح، فإذا انتهت العدة جاز لها أن تخطب وتُنكح.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:فهيا بنا نتلو الآية التي درسناها بالأمس:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة:233].

حكم إرضاع الزوجة والمطلقة ولدها

أولاً: هل يجب على المؤمنة أن ترضع ولدها؟الجواب: نعم. وإن كانت مطلقة فإنه يجب عليها إرضاعه اللبأ فقط، فإذا أرضعته الرضعات الأولى لا يجب عليها بعد ذلك، إن شاءت أرضعته أو أخذه والده وأرضعه حيث يشاء، فإن اتفقت مع زوجها على إرضاعه بنفقة معينة أرضعته، وإلا سلمت له ولده، أما إن كانت تحته فيجب أن ترضعه كما تطبخ وتكنس البيت، فذلك خاص بالمطلقات.والحد الأعلى لمدة الإرضاع حولان كاملان، وهما عامان تامان.فإن بلغ العامين وأرضعته مرضعة شهرين أو ثلاثة فهل هذا الإرضاع بعد العامين يحرم النكاح؟الجواب: لا، فلا قيمة له، لحديث: ( لا رضاع بعد فصال، ولا يتم بعد احتلام )، إذا احتلم الولد هل يبقى يتيماً؟ هو يتيم قبل احتلامه، فإن احتلم وبلغ فما أصبح يتيماً، أصبح رجلاً.أما إذا أرضعت الولد قبل نهاية العامين فتصبح المرضعة أمه وبناتها أخواته، وأولادها وإخوانه، وزوجها كأبيه.. وهكذا، لكن الرضاع بعد انتهاء الحولين لا يضر.فقوله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ [البقرة:233] صيغة مضارع مستقبل ولكن معناها الأمر، يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233]، إن كانت تحت الزوج فهذا الإرضاع واجب، وإن كانت مطلقة فالرضاع الواجب هو اللبأ الذي في اليوم الأول والثاني، وبعد ذلك تتفق مع زوجها المطلق لها على النفقة وترضع.

مدة الرضاعة وحكم أخذ الأجرة عليها ومن تجب عليه
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

وحد الرضاع حولان؛ لقوله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ [البقرة:233]، وإذا قال: يكفي يا أم فلان، يكفيه سنة فأعطينيه فله ذلك، وممكن لسنة ونصف، أو عشرين شهراً، فيأخذ ولده إذا ما أراد أن يتم الرضاعة.ويجوز للمرضع الأجنبية التي ترضع هذا العبد أن تأخذ الأجرة، وإذا اختلف الأب مع المرأة في النفقة، فهي قالت: ألف ريال في الشهر، وهو قال: خمسمائة؛ فإنه يرجع إلى حال الرجل: إذا كان غنياً له مال وراتب فلا بأس، وإذا كان لا يملك ذلك فينظر إلى حاله؛ نظراً إلى قول الله تعالى: لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:233]. وأفاد قوله تعالى: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ [البقرة:233] أنه تجب نفقة الأقارب على بعضهم في حال الفقر. كما أفادت الآية الكريمة أنه يجوز للوالد أن يرضع ولده من مرضعة غير والدته، لقوله تعالى: وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233]، أعطها أجرتها للأيام الماضية، وخذ ولدك وأرضعه حيث شئت.

تفسير قوله تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً ...)

والآن مع الآية الآتية:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا [البقرة:234]، يوفون أيامهم، من الذي يوفيهم؟ الله، الله الذي يوفيهم أعمارهم وأيامهم وما كتب لهم، كما قال لعيسى: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ [آل عمران:55]. وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا [البقرة:234]، ما المراد بالأزواج؟ الزوجات؛ لأن الزوجة بالتاء الأنثى والزوج بدون تاء ذكر، لكن الأصل أن الزوج الذكر والأنثى، الرجل زوج إذا كانت معه امرأة، وهي زوج أيضاً إذا كان معها رجل، فكل واحد منهما هو زوج، إذا خفت اللبس والإيهام بين الناس قلت: زوجة بالهاء، لتفرق بين الرجل والمرأة، فقوله تعالى: وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا [البقرة:234] يعني: زوجات، مات الرجل وترك امرأة أو امرأتين أو أكثر. ‏

حكمة زيادة العشر الليالي في العدة

قال تعالى: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234]، ما معنى: (يتربصن)؟ ينتظرن، لا يستعجلن النكاح، يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ [البقرة:234]، لا يتزوجن أو يعرضن أنفسهن للزواج أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234]، عشر ليال، فلم العشر الليالي هذه؟ فالشارع حكيم، فلم زاد عشر ليال؟قالت العلماء: الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: النطفة حين يصبها الرجل في الرحم تبقى أربعين يوماً نطفة، وأربعين يوماً علقة، وأربعين يوماً مضغة، فهذه أربعة أشهر، فزاد الله العشر الليالي إذ هي التي ينفخ فيها الروح، ويكون ذكراً أو أنثى.

لطائف في قوله تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً)

قال تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ [البقرة:234]، منكم أيها المؤمنون والمؤمنات، فهذا ما يدخل فيه كافر ولا كافرة، أنتم يا أهل القرآن. وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا [البقرة:234]، ومعنى يذرون: يتركون، وهذا الفعل -يا طلبة العلم- لا ماضي له، الفعل المضارع منه والأمر موجودان، والماضي لا وجود له، لا يقال: وَذَر، فـ(ذر): اترك، ومنه قوله تعالى: ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ [الأنعام:91]، فعل لا ماضي له؛ لثقله على اللسان هجره العرب، فأصبح منه مضارع وأمر دون الماضي، فيذرون بمعنى: يتركون، يذر بمعنى: يترك، ذره: اتركه.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

معنى قوله تعالى: (فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف)

وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234]، أي: عشر ليال، فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة:234] هذه الآية الأولى.الآن عرفتم ما فرض الله علينا أيها المؤمنون أو لا؟قال لنا: والذين يتوفاهم ربهم منكم ويتركون نساء تحتهم على هؤلاء النسوة أن يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً، فإذا بلغن أجلهن وانتهت الأربعة أشهر وعشر ليال فما الواجب؟قال: فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ [البقرة:234]، ماذا يفعلن بأنفسهن؟ هل ينتحرن، أو يخرجن عاريات؟إن التربص الذي سبق ذكره معناه: الانتظار، ينتظرن فلا يتعرضن للخطبة ولا للزواج ولا يتزين أو يتجملن لا بالكحل ولا بالعطر ولا بالحلي ولا بالثياب الفاخرة أبداً، يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً، هذا هو الإحداد، أحدت فلانة لموت زوجها فهي محدة، أحدت بمعنى: منعت نفسها عن التفكير في الزواج، وعن كل ما يريده منها ذلك.لو قالت لها امرأة: يا فلانة! هل تتزوجين؟ فإنها تغلق أذنيها فلا تسمع، أو تقوم من المجلس، ولا تكتحل ولا تستعمل زينة مهما كانت، حتى الحلي تسقطه، حتى تستكمل أربعة أشهر وعشر ليال. فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [البقرة:234] أيها المؤمنون فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ [البقرة:234]، وهذا أسنده إلينا نحن الفحول، فالمرأة بهلولة ضائعة، لكن أباها أو أخاها أو عمها إذا شاهدها تتعرض للرجال أو تتزين فإنه يؤدبها، ولهذا قال تعالى: فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [البقرة:234] أيها الرجال، ابنتك مات زوجها فهي في عدتها محدة، لا تسمح لها أن تمس طيباً أو تتجمل أو تسمع الأغاني، فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة:234] إذا تآمرتم معها وسكتم فعرفتموها تطل على النافذة وترغب في الزواج فيا ويلكم.

حكم الحداد على الزوج وغيره

واسمعوا هذا الحديث النبوي الشريف، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تُحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً )، والحديث مجمع على صحته.( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر )، أما إذا كانت يهودية أو نصرانية كافرة فشأنها، ( أن تحد ): أن تمتنع من الزينة والتعرض للرجال فوق ثلاث ليال؛ مات أبوها أخوها عمها ولدها فلا بأس لثلاث ليالٍ فهي في كرب، لا تلبس جميلاً ولا تكتحل، فهي معذورة في هذه الثلاث الليالي، وفوق الثلاث ليال حرام عليها، ( إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً )، أي: عشر ليالٍ.فالسنة بينت معنى الآية، الآية مجملة؛ لأن الله تعالى قال: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234] كيف يتربصن؟الرسول بين بأنه: ينتظرن حتى تنقضي هذه المدة وبعد ذلك يتطيبن، يكتحلن، يلبسن الحرير، يلبسن الحلي، ويسمحن لمن يريد أن يخطبهن، ولا يحل لمؤمن أن يخطب امرأة وهي في العدة كما سيأتي في الآية بعد هذه. إذاً: نعيد تلاوة الآية: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234] هذا هو الإحداد، ثم فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:234] لا تخرج لترقص، فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:234]، وغير المعروف أن تفعل المنكر، فتخرج تغني في الشارع.فإذا انتهت المدة فلا بأس أن تكتحل، أن تلبس سواراً، أن تلبس ثوباً جديداً، هذا هو المعروف، ولكن إذا جمعت مغنيات لترقص، تقول: انتهينا الآن من الإحداد! فهل يجوز هذا؟ ما هو بمعروف، هذا منكر.أو تخرج في الشوارع تغني وتقول: أنا انتهت عدتي فتزوجوني، فهل نسكت على هذا؟ سبحان الله العظيم! إنما قال تعالى: فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:234] لا جناح عليكم يا فحول فيما فعل هؤلاء النسوة بالمعروف، أما مع المنكر فلا، لا حق لهن.

تفسير قوله تعالى: (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم ...)
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

ثم يقول تعالى -والكلام كله حلقات متصلة-: وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [البقرة:235] أيها الفحول فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا [البقرة:235]، اللهم إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا [البقرة:235]، عجب هذا القرآن!اسمع هذا الإعلان: وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [البقرة:235]، أيها المؤمنون، وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [البقرة:235] في أي شيء؟ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ [البقرة:235]، التعريض غير اللفظ الصريح، يا أم فلانة! لنا رغبة عندكم، يا أم عبد الله! لنا حاجة عندكم، فأي حاجة هذه؟ هل دجاجة أو بقرة؟ لا ندري، هذا التعريض، يقول: يا فلان! أنا مسافر إن شاء الله وسأعود بعد خمسة أشهر أو ستة، وإن شاء الله سوف نتقابل، فما مراده بالمقابلة؟ ممكن أنه يريد خطبة ابنتك، هذا التعريض، رفع الله الحرج فيه لعلمه بحرصنا ورغبتنا في المرأة الصالحة، هذه كانت امرأة سيدي فلان العالم الرباني أو الغني الثري، وأموالها كثيرة، كل واحد يطمع أن يتزوجها، علم الله هذا. وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ [البقرة:235]، حتى ما تنطق به يعرفه، لا إله إلا الله! فالذي عرض نطق، وهناك من لا يعرض، لكن في نفسه إنه إذا انتهت عدة فلانة فسأخطبها، عرفه الله، ونهاه أن يقول كلمة غير التعريض. ‏

معنى قوله تعالى: (علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سراً إلا أن تقولوا قولاً معروفاً)

وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ [البقرة:235] الله هو خالق الغرائز وطابع الطبائع؛ عرف ما يجري في نفوس البشر، فقال: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ [البقرة:235]، فلهذا منع وحرم أن تقول: زوجني فلانة. وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا [البقرة:235]، اللهم إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا [البقرة:235]، لا تواعدها بالسر أنك ستتزوجها إلا أن تقول القول المعروف كما قدمنا، كأن نقول: لنا عندكم حاجة، نحن كذا، نحن نحترمكم، نعرف كمالكم، فيفهم ذلك باللحن.

معنى قوله تعالى: (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله)

قال تعالى: وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا [البقرة:235] وهو التعريض المعروف، ثم ختم الآية بقوله: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ [البقرة:235]، أنت عرضت ولوحت، ولكن إياك أن تعقد عليها وقد وافقت ووافق أهلها قبل نهاية العدة: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ [البقرة:235] والأجل كم؟ أربعة أشهر وعشر ليال، هذه إذا كانت مات زوجها، وإذا كانت مطلقة فقط فكذلك لا يحل أن تعزم عقدة النكاح قبل نهاية العدة.

خلاف العلماء في عقوبة العاقد على المعتدة

الإمام مالك يقول: يفرق بينهما ولا يتزوجها حتى الموت عقوبة لهما، والجمهور يقولون: يفرق بينهما، فإذا انتهت العدة فله أن يتزوجها من جديد.مالك قال: لا تحل له بعد ذلك عقوبة له؛ لتعدي حدود الله، امرأة ما زالت في حكم ذات الزوج وما انتهت عدتها وأنت تعقد عليها وتبني بها؟! إذاً: عقوبة له أولاً فإنه يتم الفصل بينهما، لا يمكن أن يرضى مؤمن بالبقاء عنده، هي حرام عليه، لكن بعد الانفصال وذهاب المدة الجمهور يقولون: لا بأس أن يتزوجها من جديد، ومالك يقول: لا، عقوبة له حتى لا يفعلها واحد آخر، يُحرم منها.

معنى قوله تعالى: (واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه ...)

قال تعالى: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ [البقرة:235]، وأخيراً: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ [البقرة:235] ما هذه التعاليم؟ هل يمكن أن يكون كلام بشر؟ مستحيل، فليقنن صاحب التقنين ما يقنن، فإنه لا يعرف هذا السلوك.هل يستطيع أن يقول: إن الدولة عالمة بما في قلوبكم، فالذي يخرج عن القانون ليعبث فسوف نفعل به ونفعل؟ من يدريه ومن يطلعه؟ لكن هذا الله جل جلاله، فلهذا لن يكون هذا الكلام إلا كلام الله، مستحيل أن يكون كلام بشر.يقول تعالى: وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ [البقرة:235]، حتى تنتهي عدة المطلقة أو عدة المتوفى عنها زوجها، وإذا وسوس لها وعقد عليها قبل نهاية العدة فيجب أن يفرق بينهما، وتذهب إلى أهلها ويذهب إلى أهله مع اللوم والعتاب والتأديب، وإن رفعت القضية فلا يعاودها أبداً، ما دام عصى الله وفسق وخرج عن طاعته وعقد عليها وهي ما انتهت عدتها ليحزن أهل الميت، فهذا لا تعود إليه عقوبة له؛ لأن سر كون العدة أربعة أشهر وعشراً يؤكد هذا، فإذا مات ابني أو أخي وترك هذه المرأة، فهل يسرني أن تتزوج بعد سبعة أيام أو ثمانية، هل أستطيع أن أنظر إلى وجهها، بل أعتبرها خائنة لي ولأهلي، فبرحمة الرحيم جعلها تعتد أربعة أشهر ثلث السنة، فما يبقى في الغالب حزن ولا كرب ولا هم، فحزن الموت يدوم شهراً أو شهرين ويزول.أنا حزنت على أمي أكثر من سنتين، وحزنت أيضاً على صديق لنا كذا سنة، وحزنت على صهري وعمي الذي مات في البقيع، ومنذ سنتين أو ثلاث وأنا دائماً معه في المنام، ولكن هذا عواطف خاصة، لكن الأمر العام أنه كيف يموت الرجل وتذهب امرأته تتزوج بعد شهر أو بعد عشرين يوم؟! نحن في كرب وهم وهي تزغرد وأهلها يطعمون الطعام ويزغردون، أيجوز هذا؟إذاً: قولوا: آمنا بالله، هذه الشريعة الإلهية ما أعرضت عنها أمة إلا هبطت، ولا نسيتها أو تناستها وأعرضت عنها إلا هلكت، والواقع شاهد، لا تطالبني بالدليل يا عبد الله، أين أمة الإسلام السائدة الرائدة قائدة البشرية؟ أصبحت تحت نعال اليهود والنصارى.أعرضوا عن نور الله، فماذا يصيبهم؟ ولولا أن الله وعد رسوله بأن لا يهلك أمته لكنا استوجبنا العذاب الدائم منذ سنين، ومنذ قرون، لكن لطف الله ورحمته وبركة هذا النبي صلى الله عليه وسلم.أمة أعرضت عن كتابها بالمرة لا تفقه ولا تدرس ولا تعلم، ومن يتعلمه يتعلمه ليقرأه على الموتى، وما زلنا إلى الآن نقول: كيف لا تجوز القراءة على الميت؟ يجب أن نقرأه على الأحياء لتنمو حياتهم وتزدهر، ويعرفوا ربهم والطريق إليه، لا ليدخل الميت الجنة بقراءتنا.

ملخص لما جاء في تفسير الآيات
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

سأتلوا الآيتين مرة أخرى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:234]، ما الذي يفعلنه في أنفسهن؟ التحلي والكحل والزينة.. وما إلى ذلك، ولكن بالمعروف، مسموح لها أن تكتحل وتلبس الجديد النظيف وتلبس الحلي في يديها، لكن إذا قالت: نغني الآن؛ فهذا ما هو بمعروف عندنا هذا، أو تكشف عن رأسها وتقول: أنا خرجت من العدة! فنقول: ولكن هذا غير معروف عندنا. وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة:234] وخبير بما يعملن أيضاً، لكن الله دائماً يذكر الرجال ويغفل شأن النساء لأن الفحول ما يرضون أن يذكر نساؤهم بينهم، عرف الله هذه الغريزة التي غرزها في فحول الرجال، والذين هبطوا يجلس نساؤهم معهم، تجده في دار السينما وزوجته إلى جنبه، لكن أولئك أموات غير أحياء، فالله عز وجل ما يذكر النساء إلا من ضرورة، يخاطب الأمة في فحولها: (يا أيها الذين آمنوا)، ما يقول: (ويا أيتها المؤمنات)، إذ النساء تابعات للرجال.فالإسلام الحق والإيمان الصدق رجاله فحول ما يسمحون أن تذكر نساؤهم بينهم أبداً، فمن هنا يقول تعالى: وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ [البقرة:234] ومن يعمل؟ من يتزين ويكتحل؟ هل الرجال أو النساء؟ وما قال: (والله بما تعملن يا مؤمنات خبير)، بل قال: (بما تعملون)، ونحن مسئولون كما قلنا، أبو البنت أو أخوها يجب أن يرعاها، ما يسمح لها أن تتعرض للنكاح وهي في العدة.والآية الثانية: وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ [البقرة:235]؛ لعلمه تعالى بغرائزنا وطباعنا، فأحدنا قد يعلم أن فلانة امرأة كذا مات زوجها فيبدأ يتطلع، ويكن ذلك في نفسه، قطعاً هذا موجود، ولهذا قال: وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ [البقرة:235]، والتعريض غير المواجهة والمصارحة، مثاله: يا فلان! إننا نرغب في صحبتكم أو في جواركم. عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ [البقرة:235]، ما تخفون على الله، والله! لقد علم أنكم ستذكرونهن، وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا [البقرة:235] كرر هذه القضية مرتين، فلا إله إلا الله! لأن هذا عام في المحدة والمطلقة.فأنت طلقت زوجتك يا إبراهيم، فهي ما زالت في عدتها، وما طلقتها إلا لتأديبها، وتريد قبل نهاية العدة أن ترجعها، فيأتي الآخر ويتزوجها، كيف تنظر إليه؟ ترويع المسلم حرام، فكيف بأن تأخذ فلذة كبده، المطلقة تكون في عدة، وكثير من الفحول يطلقون تأديباً لها لشهر أو شهرين، وقبل أن تنتهي العدة يراجعها، فتكون قد تأدبت، فإذا كان المؤمن لا يحترم هذا ويخطبها ويتزوجها وهي في عدتها فذلك جرم كبير، بل حتى لو خطبها وهي في العدة، ولو ما تزوجها في العدة، حرام عليه أن يخطبها في عدتها حتى بالتعريض، التعريض يجوز للمرأة المتوفى عنها زوجها. وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ [البقرة:235]، كتاب من؟ كتاب الله، كتاب العقد، كتاب الطلاق، كتاب النكاح؛ الأجل المحدد الذي هو أربعة أشهر وعشر ليالٍ أو انقضاء العدة إن كانت مطلقة. وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ [البقرة:235] في كل شيء، مادام يعلم ما في أنفسنا فكيف لا نحذره، فلا نقول الكلمة حتى نعلم أنها من رضاه، لا نمشي المشية حتى نعرف أنه أذن فيها، لا ننام النومة ولا نستيقظ حتى نعلم رضاه، هذا هو الحذر، هذه هي المراقبة، ما نعيش وكأنه لا رب لنا ولا ولي لنا ونتصرف بأهوائنا وعقولنا.كيف وهو يقول: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ [البقرة:235]، فمن زلت قدمه وتاب إلى الله تاب عليه وغفر له ورحمه. لهذه الجملة أثرها، فمن الجائز أن يقع الإنسان في ورطة بأن يتصل بذوي المرأة ويقول: نريد نتزوج بفلانة إذا انتهت عدتها، فإذا عرف هذا وندم واستغفر الله عز وجل فالله تعالى يغفر له، والله غفور رحيم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg


ابوالوليد المسلم 23-07-2020 04:15 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (15)
الحلقة (22)


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

تفسير سورة البقرة (112)

من الأحكام التي تنبني على عقد النكاح أن من تزوج امرأة وطلقها قبل الدخول بها وقبل أن يفرض لها مهراً فله أن ينفق عليها بالمعروف حتى تتزوج، وهذا من قبيل الإحسان والمعروف، كما أن من طلق زوجه قبل الدخول بها وبعد أن حدد لها مهراً فإن لها نصف ذلك المهر، وأما إن طلقها بعد الدخول بها فإن لها كامل المهر المسمى بينهما، ولهما أن يتعافيا كل بحقه عند الآخر، فللزوج التنازل عن كامل المهر ولو لم يدخل بها، وللزوجة التنازل عن نصف المهر عند عدم الدخول، أو بالمهر كاملاً عند الدخول بها.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا ما زلنا مع سورة البقرة، وها نحن مع هذه الآيات الكريمات، إنها ثلاث آيات، وقبل الشروع فيها نستذكر ما درسناه بالأمس حول قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ [البقرة:234-235].

وجوب إحداد زوجة المتوفى وحكمة مشروعيته

قد ذكرنا الإحداد: وهو ملازمة المرأة البيت الذي توفي فيه الزوج، فلا تخرج إلا من ضرورة، ولا تبيت إلا فيه، وإن خافت أو ما وجدت عائلاً فلتنتقل إلى بيت آخر، وتلازمه حتى تنتهي عدتها، وتمتنع عن الخِطبة، فلا تسمح أن يخطبها رجل كائناً من كان، وعن التزين والتجمل حتى بكحل العينين وأحمر الخدين، والخضاب في الكفين، والسوار في العنق، والأسوار في اليدين، هذا الإحداد، يقال فيها: محدة؛ أحدت على زوجها.ما هي العلة، ما السر، ما الحكمة؟ لمشاركة أهل الميت في مصابهم، عاشت مع ابنهم أو أبيهم دهراً طويلاً، وما إن فقدته وأغمضوا عينيه حتى هرولت لتتزوج وتغني؟! أهذه هي الصحبة؟! فهذا تدبير الله عز وجل، تشارك الأسرة بكاملها في همها وكربها وحزنها.وهل يجوز للمؤمنة أن تحد على أخيها أو على أبيها أو على ابنها؟نعم يجوز، ولكن ثلاث ليال فقط، فإن زادت ليلة رابعة فملعونة، أما الزوج فأربعة أشهر وعشراً، لمَ العشر هذه؟ ما السر يا علماء الأسرار؟لأن في العشر هذه ينفخ روح الولد، ويكتب عمله وأجله، وشقي أو سعيد، فقولوا: آمنا بالله.

حكم خطبة المعتدة من طلاق

وهل تجوز خطبة المعتدة من طلاق؟ الجواب: لا تجوز، فإذا كانت في العدة وهي مطلقة فحرام أن يخطبها الخاطب؛ لأنها في حكم الزوجة، بدليل أنه لو مات زوجها ورثته مع أولاده، ولو ماتت ورثها زوجها مع أولادها.ولو أن أحمق أو جاهلاً أعمى خطبها وتزوجها قبل أن نهاية العدة، فبعد شهر أو شهرين تزوجها؛ فإنه يفرق بينهما، ثم بعد ذلك يرى مالك ألا يجتمعا أبداً، لم يا مالك ؟ قال: عقوبة وتأديباً له وزجراً لغيره، هذا الذي خرم الشريعة ومزقها نحرمه من هذه، نقول: اذهب، لا تتزوجها أبداً، وهذا كلام معقول جداً.وغيره قال: إذا انتهت العدة وفصلنا بينهما ومضت فترة فممكن أن يعود إليها.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

وجوب مراقبة الله تعالى والحذر من نقمته

وقوله تعالى في ختام الآية الكريمة: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ [البقرة:235]، ماذا تفيدنا هذه الجملة العظيمة؟ تفيدنا مراقبة الله تعالى، يا ابن الإسلام! إياك أن تغفل ساعة وأنت بين يدي الله في كل حالاتك، فراقب الله عز وجل؛ فارهبه وخفه، كلما حاولت نفسك أو شيطانك أن يبعدك عن رضا الله فانتبه واستغفر الله؛ لأنك لست وحدك، الله معك: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا [المجادلة:7]. كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تغوط خرج إلى الصحراء ولا يكشف عن جسمه حتى يصل إلى الأرض حياء من الله عز وجل.
تفسير قوله تعالى: (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ...)
والآن مع هذه الآية الكريمة:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ [البقرة:236] هذه آية، تأملوا لعلكم تفهمون كلام الله، هو أفصح من كلامنا وأوضح من كلامنا.قوله تعالى: لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً [البقرة:236]، مثلاً: عقد عليها، وقالوا: البناء إن شاء الله سيكون بعد الحج، وفي شوال طلق، وما مسها، فهل حرام عليه هذا؟ كلا، بل جائز: لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً [البقرة:236]. وكيف نفرض لها فريضة؟ المراد المهر تفرضه أنت، تقول: علينا لك عشرة آلاف ريال، فهنا فرض لها، أو أنهم عندما عقدوا قالوا: المهر ثلاثون ألفاً تسلم عند البناء، وأحياناً لا يفرضون لها، يعقدون ويقولون: إن شاء الله سيكون المهر عند البناء.

معنى قوله تعالى: (ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين)

وقوله تعالى: وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ [البقرة:236]، الموسع صاحب السعة في المال، والمقتر صاحب الضيق في المال، هذه المتعة الواجبة لامرأة تزوجها رجل وطلقها ولم يسم لها مهراً، يجب أن يمتعها بمتعة بحسب حاله: عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا [البقرة:236] واجباً عَلَى الْمُحْسِنِينَ [البقرة:236].هنا القرآن حمال الوجوه، فإذا كانت المطلقة قبل البناء مسمى لها مهر فسيأتي أن الله أعطاها النصف، فتأخذ النصف وترد النصف؛ أو تستلم النصف لأنها ما استلمت بعد، فإن طُلقت قبل البناء ولم يسم لها مهر فما الواجب؟ الواجب: المتعة، يقدرها القاضي أو الجماعة؛ ينظرون إلى دخله من زراعته، من تجارته، من وظيفته، عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا [البقرة:236] أي: المتعة بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:236]، ما هناك إهانة ولا عنترية ولا: يا كلبة، ولا يا كذا من ألفاظ السوء والمنكر، بل بالمعروف، ولا يعطيها كيس شعير فيه نخالة أكلها السوس أيضاً، أو يعطيها عشرين ألفاً محالة فيها على أحد في لندن، لا بد من شيء معروف، لا يخرج عن الآداب الإسلامية: حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ [البقرة:236]. لكن أكثر المسلمين لا يعملون بهذا، دلوني على رجل طلق امرأته ولا حقوق لها عليه، ثم بعث لها بجارية تخدمها، أو بعث لها بشيك فيه عشرة آلاف ريال تستأنس بها ما دامت ما تزوجت، أو حتى بتيس أو كبش، هذا معدوم، لم؟ ما عرفنا، ما قرأنا، ما فهمنا قوله تعالى: حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ [البقرة:236] المحسن لا يكون الشيء واجباً عليه ويفعله وكأنه واجب، فمن الآن أسأل الله أن لا تطلقوا نساءكم، ومن طلق فليطبق هذه الآية، فحين تنتهي العدة يعطيها شيئاً يقول: هذه المتعة متعناك بها، فتسجل له، ويكون قد امتثل أمر الله عز وجل.نعيد الآية: لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [البقرة:236] أيها المؤمنون الربانيون، أهل القرآن والإيمان إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ [البقرة:236].

تفسير قوله تعالى: (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم ...)

ثم قال تعالى في الآية الثانية: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [البقرة:237] ما معنى المس؟ هل باليد، هل المراد: مس رأسها أو كتفها؟المراد به الوطء، والقرآن كلام الله كلام عالٍ، تستطيع البنت البكر في خدرها التي لا تستطيع أن تتكلم مع الرجال أن تقرأه على أبيها وتسمعه، إذ ما فيه أبداً كلام فاحش، سبحان الله العظيم! أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [البقرة:237]، المراد بالمس الوطء، لمَ قال: المس والمسيس؟ تأدباً، حتى لا نلفظ بألفاظ السوء.فالفتاة البكر العذراء لا أحد أكثر حياء منها إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان أشد حياءً من البكر في خدرها، هذه البكر قالت العلماء: لو تقرأ القرآن على أبيها أو أمها فلن تستحي؛ لأن هذه ألفاظ ما تثير في نفسها شيئاً، فلا إله إلا الله! فهل هذا القرآن نقرؤه على الموتى نوبخهم به؟! لا حول ولا قوة إلا بالله! وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ [البقرة:237]، أي: الأزواج، مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً [البقرة:237]، ألفاً أو عشرة أو مائة، فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ [البقرة:237] إذاً: فعليكم نصف ما فرضتم.

يتبعhttp://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

ابوالوليد المسلم 23-07-2020 04:16 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
معنى قوله تعالى: (إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى)

قال تعالى: إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ [البقرة:237]، فبعض الفحول ما يسترجع منها شيئاً، أمهرها عشرة آلاف وطلقها قبل البناء والمسيس، فمع السلامة، لا يقول لها: ردي علينا نصف الصداق، ويجوز له ذلك، ولكن أراد أن يتكرم، وخاصة إذا كان ما هو في حاجة إلى هذا المبلغ. كما أن قوله تعالى: أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ [البقرة:237] يعني أن الأب أيضاً يقول: ما نحن في حاجة إلى مالك، خذه كله، ابنتنا ما زالت عندنا، ما مسها أحد، فخذه كله، فهذا يجوز، لا يمنع الله تعالى الإحسان بين المؤمنين، فأحسنوا، والحمد لله.وأخيراً: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [البقرة:237]، ولي الزوجة، الزوج، كلكم من يعفو منكم أحسن، كيف يدعونا الله إلى العفو؟ وأن تعفوا خير لكم، أقرب للتقوى.

معنى قوله تعالى: (ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير)

وأخيراً: وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [البقرة:237] عجب هذا! يعني أن فلاناً صديقنا ومحبنا زوجنا ابنته، وشاء الله فطلقناها، فلا عداوة ولا بغضاء، سبحان الله العظيم!أما العامة عندنا فإذا طلقوا بنتهم فذاك البيت لا ينظرون إليه ولا يكلمونه، هذا واقع أو لا؟ يصبح عدواً، والله يقول: وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ [البقرة:237]، قبل أن يزوج بعضكم بعضاً أما كنتم تتوادون وتتحابون وتتقاربون حتى زوجتم؟ فهذا الفضل كيف ينسونه؟!وهذا أيضاً له علة، وهي أن الفحول منا من يوم هبطنا من علياء السماء لا يحسنون الطلاق، ولا يعرفون كيف يطلقون، هذه علة هذا، الطلاق الذي شرعه الله وقال فيه: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ [البقرة:229] هو أن الرجل يعيش مع المرأة العام والأعوام، فإن وجد نفسه متأذياً منها، ما أطاق الحياة معها، ما استطاع، وهو ولي الله، والله ما يرضى لوليه أن يؤذى، فحينئذ أذن الله تعالى في أن يطلقها لأجل رفع الضرر عنه، وقد تكون هي متضررة، هي التي تبكي وتتألم، ولم تصبر، فيطلقها لوجه الله، لأنها أمة الله ووليته، فما يرضى أن تعيش متألمة وهي أخته في الله والإسلام، فيعطيها حقوقها ويمتعها ويطلقها، هذا الطلاق على هذه الصورة ما يوجد عداوة بين البيتين أبداً، العداوة توجد بين البيتين حين يطلقها عناداً وظلماً، أو تطلق هي كذلك، وهكذا سلسلة الكمال حلقة حلقة، وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى:40]، وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30]، وهل الحية تلد غير الحية؟ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [الزخرف:36].
تفسير قوله تعالى: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين)

مناسبة الآية الكريمة لما قبلها

يقول تعالى وقوله الحق: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238].يا عباد الله، أيها الفحول، أيها المؤمنون والمؤمنات! ما السر في الأمر الآن بالمحافظة على الصلوات؟ الجواب: لأن المحافظة على الصلوات هي التي تهذب الأخلاق وتروض النفوس وتوجد الطمأنينة والذكاء والطهر والصفاء في الإنسان، أما تارك صلاة والمتهاون بالصلاة فوالله! لا خير يرجى منه. فهو تعالى وضع أيدينا على مصدر الكمال والطهر، وإلا فما علاقة هذه الآية بسابقتها؟فإذا أردتم أن يكون مجتمعكم طاهراً نقياً متحاباً متعاوناً فحافظوا على الصلوات عامة والصلاة الوسطى خاصة؛ لأن الصلاة تنهى فاعلها عن الفحشاء في القول والفعل، وعن المنكر في ذلك، وإذا انعدم الفحش والمنكر حل محلهما الطهر والصفاء والمودة والإخاء، فحافظوا يا عباد الله على الصلوات بصورة عامة، والصلاة الوسطى بصورة خاصة.

المراد بالصلاة الوسطى

وما هي الصلاة الوسطى؟منهم من يقول: الصبح، ومنهم من يقول: العصر، ولكن نقول: الوسطى هي بين اثنين فالظهر بين الصبح وبين العصر، والعصر بين الظهر وبين المغرب، والعشاء بين المغرب وبين الصبح، إذاً: كلها وسطى، إذاً: فحافظوا عليها كلها، وورد في الحديث: ( شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر )، في حرب الخندق، حيث المناوشة بالسهام وكذا، فما صلى العصر إلا بعد المغرب برجاله، هذا قبل أن تنزل كيفية الصلاة في الحرب، فقال صلى الله عليه وسلم: ( شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر )، ومالك يقول: إنها صلاة الصبح، والمخرج النفيس: أننا نحافظ عليها كلها، أخذاً بقوله تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ [البقرة:238]، وكل صلاة هي وسطى؛ ولأنها خمسة أوقات فلا بد من واحدة وسط، لكن لفظ الوسطى أيضاً يدل على الفضلى لا بمعنى الوسط، على الفضلى ذات الفضل والكمال.ومن هنا تدور الأقوال على العصر والصبح؛ لحديث: ( من صلى البردين دخل الجنة )؛ لأنكم أيها العمال تتغدون الساعة الثانية والنصف، والعصر في الثالثة، فيقول أحدكم: ننام ساعة وبعدها نصلي، فما حافظ على الصلاة، وصلاة الصبح وقت لذيذ النوم، فكيف يستيقظ، فلذا قال صلى الله عليه وسلم: ( من صلى البردين دخل الجنة )، ضمانة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تقل: كيف؟ وقد تقول: إذاً: يزني ويفجر ويكذب ويصلي البردين! فأقول: والله! ما يستطيع، لو صلى الصلوات الخمس موقناً مؤمناً فهل سيرضى بالفجور والباطل؟ مستحيل.فلهذا اعرفوا ماذا يقول الحكيم صلى الله عليه وسلم: ( من صلى البردين ) حافظ عليهما طول عمره ( دخل الجنة )، إي والله؛ لأن هذا الذي يحافظ على هاتين الصلاتين إيماناً واحتساباً وقد حافظ على غيرهما زكت نفسه وطابت وطهرت، فأنى له أن يرضى بالتلوث بالذنوب والآثام؟ وإن سقط مرة اغتسل وتنظف عشرة أعوام، فآمنا بالله وبرسوله!

معنى قوله تعالى: (وقوموا لله قانتين)

يقول تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، أين نقوم لله قانتين؟ في الصلاة، وهل يصح أن نصلي صلاة الفريضة جلوساً؟ لا يصح، إلا المريض، أما الصحيح فلو صلى الفريضة جالساً فصلاته باطلة بالإجماع، ومعنى باطلة أنها لا تولد الطاقة، ما تنتج النور في النفس، وجودها كعدمها، بطل مفعولها فهي فاسدة لا تنتج.إذاً: وقوموا لله في الصلاة قانتين، والمراد من القنوت هنا السكوت، إذ كانوا قبل هذه الآية يتكلمون في الصلاة، يسلم عليه فيقول: وعليكم السلام، تقول: أين الدابة؟ فيقول: عند الباب، تقول: تعشيتم؟ فيقول: لا أو نعم، يتكلمون بالضرورة، فلما نزلت هذه الآية سكتوا، فمن تكلم بأمور الدنيا الخارجة عن الصلاة فصلاته باطلة بالإجماع فاسدة، كيف فسدت؟ ما تنتج وما تولد له الطاقة النورانية، اختل أداؤها وبطل مفعولها.فأصبح بهذا أنه لا يصح الكلام في الصلاة إلا إذا كان لإصلاحها، كما لو أن الإمام قام للخامسة فقلنا: سبحان الله، سبحان الله، فما عرف، فنقول: هذه خامسة، ويجوز هذا؛ لأن هذا الكلام لصالح الصلاة، فإن كان لصالح الصلاة فلا بأس وعلى قدر الحاجة أيضاً.أما الضحك مطلقاً والكلام لغير الصلاة فمبطل للصلاة بالإجماع، وجاز التبسم، إذا ابتسم المؤمن فلا حرج أن يظهر أسنانه بين شفتيه، لا يقول: هاه هاه أو يقهقه، فحينئذ تبطل الصلاة بالإجماع، وبعض أهل العلم يقول: وضوؤه باطل أيضاً، والصحيح أن وضوءه لا يبطل. حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] واقفين ساكتين، لا بيع ولا شراء ولا كلام في أمور الدنيا أبداً.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

تفسير قوله تعالى: (فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً ...)

ثم قال تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ [البقرة:239] هذه صلاة الخوف: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا [البقرة:239]، صلوا على أرجلكم أو أنتم راكبون على الخيول والدبابات والطائرات إن خفتم من العدو، وصلاة الخوف مفسرة في سورة النساء، كيف؟ يقسم القائد الجيش فرقتين، فرقة تصلي، والأخرى تحرس، فتصلي هذه ركعة وتذهب تحل محل تلك، وتأتي الطائفة الثانية فتصلي ركعة وتعود، وتأتي الأخرى فتصلي مع الإمام ركعة وتسلم.ولها صور عدة، وإذا ما أمكن ذلك فإنهم يصلون وهم على الدبابات والخيول، أو يصلي وهو يجري على الأرض يطارد العدو والرمح بيده وهو يصلي، فعل هذا أصحاب رسول الله.وهل هذا يفعله المؤمنون؟ تستطيع أن تقول: إن (55%) من العالم الإسلامي ما يصلون أبداً، وما الدليل؟ الدليل الهبوط، كيف هبطنا من علياء السماء بعدما كنا قادة الدنيا وسادتها ومربيها ومعلميها؟ أصبحنا تحتهم، ما سبب هذا؟ انطفأت تلك الأنوار من قلوبنا، أضعنا الصلاة ومنعنا الزكاة. فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا [البقرة:239]، معنى (رجالاً): على أرجلكم، ليس المعنى: ضد النساء، (رجال) تمشون وتصلون، (أو ركباناً) على أية دابة أو على أي مركوب.

معنى قوله تعالى: (فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون)

فَإِذَا أَمِنتُمْ [البقرة:239] زال الخوف واستقرت الحال؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [البقرة:239].فابتداءً صلوا كما علمكم الله: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، بتلك الصورة الخاشعة الباكية الدامعة، ثم مع ذلك اذكروه بألسنتكم وقلوبكم، اشكروه على نعمة أن علمكم ما لم تكونوا تعلمون، فهذا العلم ما هو بهين، فبكم تقدرون هذا العلم؟ والله! لا يقدر بشيء، لو قيل لك: انس الفاتحة وسنعطيك مليار دولار فوالله لا تقبل، الفاتحة أغلى، فكيف بمعرفتك الله والملكوت الأعلى والدار الآخرة وما فيها، ومحاب الله ما هي، ومكارهه ما هي، وأولياءه من هم وأعداءه من هم، فهذه العلوم هل كانت أمك أو أبوك يعرفانها في الجاهلية؟ إذاً: علمكها الله، فاشكروا الله عز وجل على ما علمكم: فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [البقرة:239].
ملخص لما جاء في تفسير الآيات

الأحكام المتعلقة بالمطلقة قبل المسيس

هيا نقرأ الآيات، وتأملوا ما فهمتم:قال تعالى: لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ [البقرة:236]، هذه الآية الأولى، فماذا تحمل هذه الآية؟هذه الآية متعلقة بالمطلقة التي لم تمس، وقد بين تعالى في آية أخرى أنه لا عدة عليها، وهي آية الأحزاب: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ [الأحزاب:49]، فالمتعة واجبة هنا، وقلنا: المتعة للتي لم يسم لها فرض، والتي سمي لها فرض لها نصف الفرض، إن شاءت فلتأخذه كله أو تعفو.الآية الثانية: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [البقرة:237]، في هذا اللفظ تدخل المطلقة قبل المسيس، وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً [البقرة:237] أي: سميتم لهن مهراً، فالواجب ما هو؟ فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ [البقرة:237]، إن كان عشرة آلاف فأعطها خمسة آلاف وخمسة لك، وإن أخذت هي العشرة فقل: ردي علينا خمسة آلاف؛ لأنك عدت كما كنت ما مسسناك، فهاتي الخمسة الآلاف، إلا أن يعفو الفحل الكريم، فيقول: ما نحن في حاجة إلى هذا. أو هي كذلك أو أبوها ووليها يقولون: ما نقبل منك هذا، خذه كاملاً، ما ترد علينا شيئاً، ابنتنا عندنا ما مسها شيء.من فتح هذا الباب الرحماني؟ الله، هل هذا من وضع البشر؟ مستحيل، هذا أكرم من البشر، ومع هذا ما يقرءون الكتاب، إلى الآن أود أن يقول أحدنا: يا شيخ! أنا دائماً إذا جلست في المسجد قبل الصلاة أقول لأي مؤمن: من فضلك تعال اقرأ علي شيئاً من القرآن، أو يقول: نحن في البيت نتغدى أو نتعشى فنقول لأحدنا: يا سيد! من فضلك أسمعنا شيئاً من القرآن. أو يقرأ القرآن ويأتي إلى الشيخ يبحث عنه في اليابان أو في الصين، يقول له: ما فهمت مراد الله من هذه الآية، علمني ما يريد الله منا؟ لكن فهذا لا وجود له.ودعنا من هذا، لم ما يجتمع أهل المدينة في مساجدهم بين مغرب وعشاء كل ليلة يدرسون كتاب الله؟ أم أنه ليس فيه أجر؟ حسبهم أن يذكرهم الله في الملكوت الأعلى، ومن يذكره الله هل يشقيه أو يسلط أعداءه عليه؟ فكم خلا من قرن ونحن هاربون من القرآن! ثمانية قرون أو أكثر، وقد وضعوا لنا قاعدة فقالوا: تفسير القرآن صوابه خطأ، فإذا الشيخ أصاب فهو مخطئ، إذاً: حرام عليه أن يفسر كلام الله، وإن أخطأ فقد كفر! فمن يستطيع أن يقول: قال الله، فألجمونا بلجام من حديد.إذاً: ماذا نصنع بالقرآن؟ الجواب: نقرؤه في المقبرة، ما دام أننا لا نفسره ولا نفهم ما قال الله، ولا ما أمر به ولا ما نهى عنه، إذاً: ماذا نصنع بالقرآن؟ قالوا: اقرءوه على الموتى ليدخلوا الجنة، فختمة بعشرة آلاف ريال، يجمع عشرين طالباً يختمون المصحف، ويعطيهم ألفاً ألفاً حتى يدخل ميتهم الجنة، ولو كان تارك صلاة، وأيام كانت دور البغاء في العالم العربي إذا ماتت البغي فإنهم -والله- يأتون بالطلبة يقرءون القرآن عليها في بيت الزنا!لأن الأمة هبطت، كيف نقر عاهرة على الزنا ونسكت ونغمض أعيننا؟ وفوق ذلك نأتي بالقرآن يقرأ في بيت العهر! ما الدليل على هذا؟ الدليل بالبرهنة القاطعة: ألم تستعمرنا هولندا في إندونيسيا وبريطانيا في الشرق الأوسط والشرق الأقصى وممالك الهند وفرنسا في شمال إفريقيا؟ كيف لكفار يحكموننا؟ كفار حكموا العالم الإسلامي، كيف يتم هذا؟ لأن الأنوار الإلهية انطفأت من نفوسهم.أولاً: احتالوا عليهم قروناً فأبعدوهم عن هداية الله وأنواره، فلما عموا وضلوا أمسكوهم كالدجاج، فمن يطلب دليلاً بعد هذا الدليل؟ لا إله إلا الله.يقول تعالى: لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً [البقرة:236]، فإن مسها أو جامعها فما الحكم؟ عليها العدة ولها المهر بكامله، لكن هنا ما جامعها ولا فرض لها فريضة، فما الحكم؟قال: وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ [البقرة:236]، ما قال: متعوهن خمسة آلاف أو ألفاً، وما قال: ألف دينار في وقت ليس فيه الدنانير، قال: عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ [البقرة:236]، ويقرر هذا القضاة إن كانوا موجودين أو جماعة المسلمين يقررون هذا.الآية الثالثة: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً [البقرة:237]، والحال أنكم قد فرضتم لهن فريضة، فما الحكم يا رب؟ فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ [البقرة:237]، وإذا أحببت أن تترك لها ذلك، أو أحببت هي فلا بأس: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ [البقرة:237].وأخيراً: وأن تعفو خير لكم، تزداد المحبة والاتصال بينكم: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ [البقرة:237]، هذا الذي انعدم في العالم الإسلامي، دلوني على رجل صاهركم وطلق ابنتكم، وتبقى المودة كما كانت يزوركم وتزورنه وتهدونه الفواكه، بل تنقطع العلاقة، ويصيرون أعداء. ولهذه علة، هي أن الطلاق ما هو الطلاق المرضي لله عز وجل والمشروع، طلاق جهل وظلام، فلهذا ما ينتج عنه الإحسان ولا البر، وهل عرفتم الطلاق المحبوب لله؟ هل قوله لها: أنت طالق بالثلاث، لا تدخلي البيت، هل هذا الطلاق الذي شرعه الله؟ إن الله تعالى يقول: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ [البقرة:229]، يطلقها ويتركها في عدتها، فإن ندمت أو ندم رجع إليها، فإن انتهت العدة فإنه يستطيع أن يتزوجها من جديد، فإن طلقها أصبح لها طلقتان، فإن زاد الثالثة حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

ما يهدمه الزواج بالثاني من طلاق الأول

وهنا لطيفة: رجل طلق امرأته طلقتين، طلقها الأولى ثم راجعها وعاش عاماً أو عامين ثم طلقها الثانية وانتهت عدتها وتزوجت، ولما تزوجت تطلقت أو مات زوجها، فهل للزوج الأول أن يتزوجها؟ الجواب: نعم له أن يتزوجها، ولكن هل تبقى الطلقتان أو يستأنف؟الجواب: تحتسب الطلقتان، فلو زاد واحدة بانت منه بينونة كبرى، لا يقل: الحمد لله، جدد العهد الآن من جديد؟ لا، ما زلت مطالباً بالأوليين، لم تطلق مرتين تؤذي هذه المؤمنة؟ إذاً: إذا طلقت الثالثة ينكسر أنفك ولا تحل لك حتى ينكحها زوج غيرك. فالعقد الثاني يهدم الطلقات إذا كان طلقها ثلاث مرات وتزوجت بعده، لكن إذا طلقها مرة أو مرتين وتزوجت وأراد أن يتزوجها فإنه يحسب عليه الطلقة أو الطلقتان؛ لأنها في ذمته.

الأمر بالمحافظة على الصلوات وبيان كونها عصمة للمجتمع

وقوله تعالى: حَافِظُوا [البقرة:238] أيها المؤمنون والمؤمنات عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، وعصمة المجتمع من الخلط والخبط، والفجور والكفر، والفساد والشر هو في إقام الصلاة.والبرهان على ذلك أنه استقل لنا ثلاث وأربعون دولة من إندونيسيا إلى موريتانيا، فهل لما تشكلت الحكومة قالوا: الصلاة فريضة الله يجب أن نفرضها على المواطنين سواء كانوا مدنيين أو عسكريين، فلا يحل لمواطن ألا يقيم الصلاة، هل حصل هذا؟ فما السر؟إنها أصابع الماسونية وجماعات التنصير الموجهة القائدة للعالم تنسي هذا من قلوب المؤمنين، ومن خطر بباله ذلك فإنها تمسحه؛ لأنهم إذا أقاموا الصلاة عادوا من جديد لقيادة البشرية وسيادتها، على الأقل سادهم الأمن والطهر والصفاء.أنا أقول: لنمش في أي بلد إلى محافظ المدينة أو مدير الشرطة، ونقول: أعطنا قائمة بالجرائم التي ارتكبت في هذا الشهر، فهذا سرق، هذا سب فلاناً، هذا ضرب فلاناً، أقسم بالله! لن نجد في مرتكبي تلك الذنوب والآثام نسبة أكثر من (5%) من المقيمين للصلاة؛ والباقي من المصلين ومن تاركي الصلاة؛ لأنني أشاهد الذي يحافظ على الصلوات في أوقاتها في جماعة المسلمين خمس مرات ما يزني، ما يفجر، ما يأكل أموال الناس بالباطل، ما يسب ولا يشتم، مؤمن ملأ قلبه الإيمان، فما يقع في المهاوي والمهالك.والذي لا يصلي يركب حتى الذئاب، ويأكل حتى الكلاب، أو يصلي ويخرج من المسجد وليس له من النور جرام واحد، صلاته باطلة، ما أنتجت النور ولا ولدته أبداً، يخرج من المسجد عند الباب يسب الدين، يخرج من المسجد يلعب بالكيرم والورق ويلعب الدمنة، أين آثار الصلاة؟وصدق من قال: لو صلى ما غنى، يصلي العشاء ويمشي ليجلس أمام تلفاز، فعاهرة تغني وتلوح بيديها وهو يضحك، فهل صلى هذا؟ أين آثار الصلاة؟وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg

ابوالوليد المسلم 23-07-2020 04:19 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (16)
الحلقة (23)


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

تفسير سورة البقرة (113)

شرع الله عز وجل لمن مات عنها زوجها أن تعتد في بيته أربعة أشهر وعشر ليال، وإن أوصى لها الزوج أن تتم الحول في بيته فلها ذلك، وهذا من الإحسان والمعروف، فيكون لها عند ذلك أن تقتصر على العدة وتخرج بعدها أو تتم الحول كما أراد لها الزوج، وأما المطلقة فإن لها متاعاً بالمعروف حسب حالها من الدخول بها أو عدمه، ومن تسمية المهر وعدمه، وكل هذا بينته الشريعة أكمل بيان.

تفسير قوله تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله، فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على عهدنا مع تفسير كتاب الله عز وجل في مثل هذه الليلة.والآيات المباركة التي ندرسها معاً إن شاء الله هي قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ * كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [البقرة:240-242].أذكركم بالموعود على لسان سيد كل مولود؛ لتستبشروا خيراً، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، فالحمد لله أن جعلنا من أهل هذا الموعود على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.

توفي الله تعالى عباده وبعثهم بعد الموت

قول ربنا جل ذكره: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ [البقرة:240]، أي: يموتون، من يتوفاهم؟ الله، إذ قال تعالى وقوله الحق من سورة الزمر: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا [الزمر:42]، والذي يباشر إخراج الروح من الجسد هو ملك الموت، ويستلمها ملائكة معه، فإن كانت النفس تقية طاهرة زكية عرج بها إلى الملكوت الأعلى، وسجل اسمها في كتاب يسمى: عليين، وينزل بها الملائكة في موكب عظيم لمحنة القبر، فحين يتم نجاحها تعود الروح على الملكوت الأعلى؛ لتسرح في الجنان ساكنة مطمئنة إلى أن تنتهي هذه الدورة، ويخلق الله تعالى البشر خلقاً جديداً، فحين تكتمل أجسامهم ترسل تلك الأرواح ولها دوي، فما من روح إلا وتدخل جسدها، ذلك أنه تنبت الأجساد كما ينبت البقل، والبقل كالبصل، والثوم، والخردل، فحين تكتمل الأجساد وتنبت نباتاً يرسل الله تعالى الأرواح، أرواح السعداء من عليين، وأرواح الأشقياء من سجين، فلا تخطئ روح جسداً، فينفخ إسرافيل النفخة الثانية فإذا هم كالجراد المنتشر.والشاهد في قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ [البقرة:240]، أي: يموتون، ولكن من يتوفاهم ويوفي آجالهم وأعمارهم؟ الله عز وجل، قال تعالى: مِنْكُمْ [البقرة:240] يا معشر المؤمنين لا من غيركم من الكافرين والمشركين، هؤلاء ما هم بأهل للتشريع والبيان؛ لأنهم كفروا الله وجحدوه، وكفروا رسوله وأنكروه، وكذبوا بكتابه ورفضوه، ما هم بأهل لهذا، مِنْكُمْ [البقرة:240] معشر المؤمنين، فالحمد لله أن كنا أهل شأن عند الله، ينزل كتابه علينا ويبين لنا الطريق ويهدينا السبيل؛ لنكمل ونسعد، فالحمد لله.

معنى قوله تعالى: (وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج)

وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا [البقرة:240]: يتركون زوجاتهم، ماتوا عنهن، والأزواج هنا: النساء، بمعنى: الزوجات؛ لأن الخطاب للفحول، فإذا مات الفحل فما لزوجته؟قال تعالى: وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ [البقرة:240]، يوصون وصية لأزواجهم، قبل أن يموت يوصي أبناءه، إخوانه، أعمامه، أقاربه: إن فلانة تبقى في البيت سنة كاملة إن رغبت في ذلك، لا تزعجوها، لا تقلقوها، هي زوجي وأنا زوجها، أوصيكم أن تبقى بعدي أربعة أشهر وعشرة أيام أو تبقى فوقها سبعة أشهر وعشرين يوماً، إلا إذا أحبت أن تخرج فمع السلامة. وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ [البقرة:240]، وتأكل وتشرب كما كانت، وتنام، هذا إحسان عظيم، فهل عرفه الناس؟ تعتد بأربعة أشهر وعشر ليال، وتكمل السنة في بيت زوجها مع أولاده، مع بناته، مع أولادها، لا تزعجوها سنة، وإذا أرادت أن تخرج قبل السنة إذا أكملت أربعة أشهر وعشر ليال فشأنها، لكن من باب مراعاة الإحسان الذي يعيشه المسلمون، وهو شعارهم، فدعوها في بيت زوجها حتى تكمل السنة ثم مع السلامة.

خلاف أهل العلم في نسخ الآية بسابقتها

ومن أهل العلم من يقول: إن هذه الآية منسوخة، وناسختها الآية السابقة. وقد يقال: كيف تنسخ اللاحقة بالسابقة؟! نقول: لا حرج، أما قال تعالى: سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ [البقرة:142] وقد قال تعالى في الآية بعدها: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:144] إلى آخر الآيات، فهذه الأخيرة مقررة للأولى، فقد قالوا ذلك بالفعل بعدما نزلت، ولا حاجة إلى هذا. والذي ذهب إليه إمام المفسرين ابن جرير الطبري أن الآية ليست منسوخة، وتوجيهها كما علمت، ورجح هذا ومال إليه شيخ الإسلام ابن تيمية ولم يفصح ابن القيم تلميذه.إذاً: لا بأس أيضاً أن تنزل آية ثم تنزل أخرى، والأولى تنسخ الثانية؛ لأن كتابتها يأذن جبريل فيها للرسول صلى الله عليه وسلم، يقول له: اكتب الآية الفلانية في الموضع الفلاني، وتنزل الآية وتبقى سنة وسنتين ثم تنزل الآية الأخرى وتكتب معها بعدها، إلى أن نزلت آخر آية من كتاب الله: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:281] هي آخر آية من كتاب الله، وآخر سورة نزلت هي سورة النصر.إذاً: نعود إلى السياق الكريم، وتهيئوا لتعملوا إن شاء الله: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً [البقرة:240]، يوصون لزوجاتهم، ويمتعونهن بهذا الوصية متاعاً، بحيث تبقى المرأة مع أولادها، أو أولاد زوجها من زوجة أخرى، أو مع أبيه حتى تكمل أربعة أشهر وعشر ليال، ولا تخرج أبداً من البيت إلا لضرورة، ولا تبيت إلا في بيتها؛ مراعاة لمصيبة أهلها، هم حزينون متألمون، وهي تخرج وتتعرض للزواج؟! لا يتلاقى هذا أبداً مع المروآت والكمالات، وإنما تمكث أربعة أشهر وعشر ليال وهي في بيت زوجها مع أولادها إن كان له أولاد، فإن انتهت الأربعة أشهر والعشر فلا بأس بأن تكتحل، أن تتجمل، أن تقبل من يخطبها للزواج. ثم قال تعالى: وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:240]، لا يضع الشيء إلا في موضعه، فهذا التبيين أثره، فالله تعالى عزيز قوي، لا يمانع في شيء يريده، حكيم يضع كل شيء في موضعه.إذاً قوله تعالى: مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ [البقرة:240]، أي: إلى العام، غَيْرَ إِخْرَاجٍ [البقرة:240]، أي: لا تخرجوهن، فإذا انتهت السنة فإن شئتم أخرجتموها، وإن شاءت خرجت هي.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

معنى قوله تعالى: (فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف)

فَإِنْ خَرَجْنَ [البقرة:240] أثناء المدة؛ فلا حرج، إن خرجت فيها المرأة فلا بأس، لكن من الإحسان إلى هذه المؤمنة أن تبقوها في بيتكم لتكمل السنة وتخرج إن شاءت، فإن أرادت أن تخرج بعد نهاية العدة التي هي أربعة أشهر وعشر ليال فلها ذلك، فقد أذن لها سيدها: فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ [البقرة:240] من التجمل، والتحسين، والتعرض للخطاب للتزوج.وقوله: فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ [البقرة:240]، هذا القيد دائم، أذن لها في أن تتحسن، وتتزين، لكن في حدود معقولة، لا تخرج إلى الشوارع وهي متطيبة لتفتن الناس، بل بالمعروف، وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:240].فهذه الآية الأولى اعلموا أن القول الراجح فيها أنها ليست منسوخة، لا بآيات المواريث ولا بالآية التي تقدمت، وإنما هي محكمة.

إرشاد الآية الكريمة إلى الإحسان بين المؤمنين

وما فائدتها؟ الإحسان بين المؤمنين والمؤمنات، لا أن تنتهي أربعة أشهر وعشر فيقال لها: اخرجي عنا، نريد أن نؤجر الغرفة، فهنا الإرشاد: أعطوها فرصة أخرى، هذه أمكم، هذه امرأة أبيكم، امرأة أخيكم، امرأة عمكم، أعطوها فرصة حتى تكمل سنة وهي تتناول الطعام والشراب معكم، فإن تمت السنة فمع السلامة إذا أرادت أن تخرج، وإن هي رغبت بأن تخرج قبل السنة فالباب مفتوح حيث أذن لها سيدها، فإن خرجن فلا جناح، لا إثم ولا حرج.ومعنى هذا: إذا أوشك الفحل أن يموت فإنه يوصي أبناءه أو إخوانه: فلانة أتركوها معكم سنة، لا تزعجوها، وإذا أرادت أن تخرج فلتخرج، فهل هذا يتنافى مع الأدب؟ مع العلم؟ مع الرحمة؟ مع الحكمة؟ هذا مظهر من مظاهر الدعوة الإسلامية ومنهجها السليم.واسمعوا الآية الكريمة: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ [البقرة:240] في الأربعة الأشهر والعشر الليالي، هذه فريضة واجبة من أنكرها كفر، ومن أهملها يؤدب حتى يتوب، لكن في الزيادة على أربعة أشهر وعشر ليال، أراد الله تعالى للمؤمنين أن يعيشوا على المعروف والإحسان، إذ قد توجد امرأة غريبة، جاءت من ديار بعيدة فمات زوجها وما عندها أولاد، فيقول إخوان الزوج أو أعمامه: عودي إلى بلادك، فهنا يقول الهدي القرآني: ارحموها، لتجلس سبعة أشهر أخرى وعشرين ليلة حتى يفرج الله عنها، فإن أكملت السنة فلكم ذلك، وقبله تأكل وتشرب معكم، أما كانت مع أخيكم أو أبيكم؟ فلم تطردونها إذاً؟ وإن هي آثرت ورغبت في الخروج فلا بأس، فالآية -إذاً- محكمة، وأدت فضيلة عظيمة.

تفسير قوله تعالى: (وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين)

ثم قال تعالى في الآية الثانية: وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:241]، ما هناك عنترية، مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:241] المعتاد بين الناس، لا أن تقول هي: لا بد أن تشتري لي فلة في لندن، أو تشتري لي سيارة بمائتي ألف، بل بحسب الحال، فإذا كان ذا مال فقد يمتعها بخادمة تخدمها، بسيارة تركبها، بشقة من شقق المنزل تسكنها إحساناً إليها.

ما يجب للمطلقة قبل الدخول بها دون تسمية المهر

وهنا نعود إلى جملة المطلقات: المطلقة الأولى: هي التي لم يبن بها الفحل، أي: الرجل، عقد عليها وما أعطاها المهر بعد ولا سماه، وشاء الله أن يطلقها قبل الدخول عليها وقبل البناء بها، حيث ندم، أو هي غضبت وصاحت على أبيها أنها ما تريد أن تتزوج، يحدث هذا، ونحن -كما تعرفون- نعيش على البر والإحسان، فما دامت قد صرخت وقالت: دعني يا أبي، لن أتزوج، طلقني، فيقول: يا فلان! هذه البنت متأثرة، حزينة، ستؤلمك، فطلقها، فيقول الزوج: مرحباً، ويطلقها، وذو الإحسان والبر يفرح، يقول: كيف نزعج هذه المؤمنة؟! ما دام أنها ما أرادتني وكرهتني فإني أطلقها، فإن طلقها قبل البناء، ولم يكن قد سمى لها مهراً ولا أعطاها، إذاً: ما لها إلا المتعة، يجب أن يمتعها بسيارة، طيارة، فلة، ثياب، خاتم من ذهب، سوار، متعة واجبة، والشارع حكيم، إذاً: لا حق لي أن أقول: لم؟ لأن الله تعالى هو العليم الحكيم، وقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب:49]، جربوا هذا يا معشر المؤمنين.فهذه المتعة بالمعروف لا بد منها هنا؛ لأنها طلقت وما أخذت مهراً ولا نصفه، ولا عدة عليها، لا شهر، ولا حيضة، ولا ثلاثة أقراء؛ لأن العدة خشية أن يكون في رحمها جنين، وهذه ما مسها الزوج، فتعتد لماذا؟ هذه الآية من سورة الأحزاب: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ [الأحزاب:49] بالعقد، ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [الأحزاب:49]، من قبل أن يطأها ويجامعها، وعبر بالمسيس عن الجماع لأن الآداب الرفيعة تأبى ذلك، تأبى أن يقول: من قبل أن تجامعوهن. لا ينبغي هذا، وفي الحديث: ( الحياء كله خير )، ( الحياء من الإيمان )، لا خير فيمن لا حياء له، إذا رحل الحياء رحل الإيمان، فقووا الحياء ونموه في أبنائكم وبناتكم، وابدءوا بأنفسكم فإنه لا خير فيمن لا حياء له.والذين يجلسون أمام شاشة التلفاز وعاهرة تغني، وقرينها شيطان يقبلها ويحتضنها، وأهل البيت يضحكون هل يبقى فيهم حياء؟ أعوذ بالله! يرحل الحياء ويتبعه الإيمان، انظر إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم لشدة حيائه رأى رجلاً أمامه يدعو: يا رب .. يا رب .. يا رب، بدون أن يتوسل إلى الله بحمده والثناء عليه وتمجيده والصلاة على نبيه، يقول مباشرة: رب أعطني كأنه هو السيد، فاستحى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: يا عبد الله لا تقل هكذا، افعل كذا وكذا، غلبه الحياء، فالتفت إلى أصحابه عن يمينه أو عن شماله وقال: ( لقد عجل هذا ) يعني: استعجل، ( إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه جل وعز والثناء عليه ثم يصلى على النبى صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بعد بما شاء )، أما أن يقول مباشرة: رب أعطني؛ فهذا سوء أدب.وكان صلى الله عليه وسلم إذا بلغه شيء عن أصحابه يرقى المنبر ويخطب الناس ويقول: ( ما بال أقوام يقولون كذا وكذا )، أما نحن فنقول: يا كذاب! يا كذا! ولا لوم ولا عتاب؛ فما ربينا في حجور الصالحين، ما تربينا في بيوت الله، تربينا في بيوت الشياطين المقاهي والأسواق والملاهي والسينما، فماذا ترجو منا؟ لا تلمنا يا هذا، ولكن نبكي لحالنا.والمهم أن ذلك هو حكم المطلقة قبل البناء، لا عدة تجب عليها، لا يوم ولا عشرة، من يومها تتزوج، ويجب لها المتعة بحسب يساره وإعساره، ولا بد من المتعة لهذه المطلقة.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

ما يجب للمطلقة قبل الدخول بها بعد تسمية المهر

المطلقة الثانية: طلقت قبل البناء، ولكن سمى لها مهراً، أمهرها عشرين ألف ريال، وقبل الدخول حصل ما حصل فطلقها، أو هي طلبت الطلاق، أو هو ندم، فما الحكم؟هذه لها نصف المهر، ولا متعة لها، يكفيها أنها أخذت عشرة آلاف ريال وما مسها الزوج، ولا عدة؛ لأنه ما بنى بها، فمن عقد عليها الرجل وأمهرها مهراً وسماه أو أعطاها إياه، وأراد الله ألا يتزوجها فطالبت بالطلاق، أو طلق هو لأسباب، فما الحكم؟ يعطيها نصف المهر، إلا أن تتنازل وتقول: هو لك بكامله يا فحل، أو يقول: هو لك يا فلانة، وهذا يقع من المؤمنين والمؤمنات ممن يعيشون على هذه الكمالات، لا يزعجها، لا سيما إذا كان هو ما رغب فيها، إذا لم يرغب في هذه المؤمنة فمن الأدب ألا يسترد منها شيئاً، وكذلك هي من أدبها إذا كانت هي التي رغبت عنه أن ترد إليه ما أعطاها، فسبحان الله! آمنا بالله، فهذا تشريع من؟ هل تشريع نابليون ؟ هذا تشريع الله. والمسلمون اليوم يدرسون القوانين الكافرة الملحدة البلشفية، ولا يدرسون كتاب الله، فكيف نسمو؟ كيف نرقى؟ كيف نخرج من ذلنا وهواننا ودوننا؟ ونحن مفارقون تمام المفارقة لأصول الكمال وسلالمه، لم لا يعرف المسلمون هذا؟قال تعالى: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ [البقرة:237]، اللهم إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [البقرة:237]، وقد فتح الله علينا الآن بما لم يفتح به على غيرنا، وقلنا: إذا كان هو الذي رغب عنها وما أرادها؛ فهو الذي يقول: المهر لك كاملاً، وإذا كانت هي التي رغبت عنه وما أرادته، بكت أمام أبيها وأمها تقول: ما أريده يا أبي؛ إذاً نقول لها: تنازلي عن نصف المهر له.

ما يجب للمطلقة بعد الدخول بها

المطلقة الثالثة: هي التي معنا في الآية الكريمة، بنى بها وصارت أم أولاده، وأخذت مهرها وانتهت من عشرين عاماً مثلاً، قال تعالى: وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة:241].

فائدة قوله تعالى: (حقاً على المتقين) ونحوه

وقوله تعالى: حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة:241]، حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ [البقرة:236] استنبط منه فقهاء الملة الذين أوتوا فقهاً في كتاب الله، قالوا: هذا يدل على أن المتعة ليست واجبة لهذه، وإنما هي مستحبة، والسر من أين؟ من قوله تعالى: حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة:241]، وغير المتقي قد لا يفعل، فما هي بحق عليه، ما عنده عواطف ولا أحاسيس ولا شعور، وهو يتخبط بالمعاصي، ما نلزمه بهذا فهو في أمور أعظم، لكن المتقي والمحسن ذاك الذي يرغب في أن يحب ويبجل ولا يهان، ولا يذل، فيتنازل عن المال وقشوره؛ لتبقى له كرامته بين الناس.هذه المطلقة حين تنتهي عدتها يمتعها بخادم كما يقولون، أو بثياب جديدة، بشيء من الذهب، بشيء من الفلوس حسب حاله، ومع السلامة يا فلانة، ونلتقي إن شاء الله في الجنة.

هبوط المسلمين بعد إعراضهم عن آداب القرآن الرافعة لهم

هل نستطيع أن نفعل ذلك الذي ذكر؟ كلا. بل حالنا: يا فاعلة! يا كذا! ونحوه من السب والشتم والتعيير، فلا إله إلا الله! أين نحن؟ هبطنا وقد كنا في علياء السماء، أيام كان نور الله يغمرنا، وحكمة محمد تقودنا سدنا وارتفعنا، وحين تخلينا عن الكتاب والسنة هبطنا، فمن يرفعنا؟ وهل القرآن يرفع؟اسمعوا الآية التي فيها الرافعة، الرافعة عندنا الآن هذه ترفع الصخور والسيارات من الباخرة، قال تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ [الأعراف:175] يا رسولنا نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا [الأعراف:175]، هل تعرفون الحية حين تنسلخ من جلدها، تتركه أبيض نقياً وتخرج منه بزفرتها وسمومها.إذاً: الانسلاخ من القرآن وضعه على الرفوف فقط، أما المحاكم فلا يوجد فيها مصحف، فهل هذا انسلاخ أو لا؟ تركناه وراءنا. فَانسَلَخَ مِنْهَا [الأعراف:175]، أي: من الآيات، فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ [الأعراف:175]، لم؟ لأن المناعة زالت، كان في صيانة وحصانة بكتاب الله ووحيه، ولما تركه وراءه سهل على الشيطان أن يجري وراءه ويمسكه. فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ [الأعراف:175]، عبارة عجيبة هذه! فهل تعرفون الغي والغواية؟ إنها أوساخ، فكان من الوسخين في أرواحهم ونفوسهم وسلوكهم.قال الله تعالى: وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا [الأعراف:176]، بالآيات؛ إذ هي الرافعة، وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ [الأعراف:176]، لصق بها، ما يرفع رأسه إلى السماء، كحالنا الآن: الدولة الإسلامية فيها عشر وزارات كلها تتكلم عن الدنيا، ما هناك من يتكلم عن الآخرة أبداً، فهذا خلود إلى الأرض أو لا؟ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ [الأعراف:176]، وهل الهوى يتبع؟ إنما يتبع هواه الهالك، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ [الأعراف:176] هذا كلام الله، هذا قرآن من سورة الأعراف: كَمَثَلِ الْكَلْبِ [الأعراف:176]، في ماذا؟ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ [الأعراف:176] وتجري وراءه يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ [الأعراف:176]، الماء في الحوض، والظل ظل الشجرة، والكلب تحته وهو يلهث.فمنذ انسلخ المسلمون من كتاب الله بمكر أعدائهم وكيدهم وتركوه وهم يلهثون، والله! لن يستريحوا، فقولوا: صدق الله العظيم، قولوا: آمنا بالله!إذاً: المطلقة الثالثة: هي التي يكون قد بنى بها زوجها وطلقها، هذه لها مهرها كاملاً؛ وإن بقي منه شيء فلا بد منه وجوباً، ويمتعها بحدود سعته وضيقه، لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا [الطلاق:7]. وإن كان صعلوكاً فقال لها: اذهبي عنا، وما أعطاها، فماذا تعمل؟ لا تحاكمه عند القاضي؛ لأن هذه من السنن والآداب، لا يحاكم عليها الشخص، لكن المتقين والمحسنين يوبخون فقط، يلقاه مؤمن فيقول له: كيف تخرج فلانة بيديها عارية، حتى الكسوة ما كسوتها؟ فيذوب من الحرج، فمثل هذا يعلم ويعطي المتعة.

صفات المتقين وحقيقة التقوى
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

ذلك معنى قوله تعالى: وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة:241]، فمن هم المتقون يرحمكم الله؟ أشيروا إليهم؟ أين يوجدون؟ ما سماتهم؟ ما صفاتهم؟المتقون: هم الذين آمنوا بالله إيماناً يقينياً؛ حتى أثمر لهم ذلك الإيمان حبه تعالى في قلوبهم فأصبحوا يحبون الله أكثر مما يحبون أنفسهم وأموالهم وأهليهم والناس أجمعين، وأثمر لهم شيئاً آخر وهو الخوف منه، أنتج لهم الخوف منه فلا يستطيعون أن يعصوه ولا أن يخرجوا عن طاعته، بل إذا ذكر الله تعالى بين أيديهم اضطربت نفوسهم وتحركت قلوبهم، الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الحج:35]، هؤلاء المؤمنون الذين آمنوا إيماناً حقيقاً يقينياً صادقا، من شأن هذا الإيمان أن ينتج لهم الخوف والحب، ومعنى هذا: أن المؤمن الصادق الإيمان ليحب الله أكثر من كل شيء، ووالله! إنه ليخاف الله، حتى الكلمة يخاف أن يقولها وهي تغضب الله، لقوة الإيمان.ثانياً: التقوى: هي معرفة محاب الله ما هي من الاعتقادات والأقوال والأعمال، يبقى طول حياته يسأل: ماذا يحب ربي؟ حتى يعرف محاب الله من أجل أن يفعلها له ويقدمها له، ثم يسأل عن مكاره الله: ماذا يكره ربي؟ فيقال: يكره كذا، كذا، كذا فيعرف ما يكره، ولا يأتيه إلا مكرهاً، ذلكم المتقي، وهؤلاء هم المتقون، وهم أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وهم أولياء الله تعالى.

أثر قصر الولاية على الأموات دون الأحياء

وقد عاشت أمتنا في دورها وبلادها قروناً لا يعرفون ولياً لله إلا من مات، منذ القرن السابع تقريباً لا نعرف ولياً إلا من مات وبني على قبره قبة، ووضع على قبره تابوت من خشب ووضع عليه الحرير على اختلاف ألوانه، وكان عليه السادن، هذا الولي، وقد انتشرت دعوتنا اليوم فاختلف الحال، ولكن قبل خمسين سنة لو تدخل أعظم مدينة في العالم الإسلامي، وتنزل من الطائرة أو الباخرة، وتدخل البلاد، وتستقبل أي واحد من البلاد وتقول له: يا سيد! أنا جئت زائراً لهذه البلاد، فمن فضلك دلني على ولي من أولياء هذه البلاد لأزوره، فوالله! ما يأخذ بيدك إلا إلى ضريح، ولا يفهم أن في القاهرة أو دمشق أو مكة أولياء أحياء أبداً! فما هو سر هذا؟ حجبوا الولاية عن الأحياء حتى يزني بعضهم بنساء بعض، ويأكلوا أموال بعضهم، ويضربوا وجوه بعضهم، ويغش بعضهم بعضاً كأنهم غير مسلمين، في حين أنه إذا وقف على قبر يرتعد، ويا ويحك إذا قلت: الولي الفلاني كذا، يبجلون ويعظمون الأموات تعظيماً عجيباً، حسبك أنهم ينقلون إليهم المرضى، ويعكفون حولهم بالزيارات كأنهم آلهة، وأما المؤمنون منهم فمن استطاع أن يذبح جاء يذبح من أجل الريالات.ثم قالوا -كما في حاشية الحطاب على خليل -: من قال: أنا ولي فإنه يخشى عليه أن يموت على سوء الخاتمة، إذاً: قل: أنا عدو الله لتسلم! أعوذ بالله، أعوذ بالله! إذاً: ماذا نقول يا شيخنا؟ قل: أنا عدو الله، فمن لم يكن ولياً فماذا يكون؟ يكون عدواً.فكل المؤمنين أولياء ولكن بينهم تفاوت كبير، وعندنا مثال حي، وهو الرتب العسكرية، فهي كثيرة، فأول ذلك الجندي، ومنها عريف، ملازم، ملازم ثان، كذا كذا.. إلى جنرال، فكذلك أولياء الله بقدر حبهم لله وخشيتهم منه يتفاوتون، والمثل الواقع: أبو بكر الصديق سيد الأولياء على الإطلاق، والناس من دونه واحداً بعد واحد إلينا، فمستوانا ليس بواحد، ونحن في الحلقة لسنا كلنا على رتبة واحد، بل نتفاوت، هذا يصوم الخميس والإثنين، ونحن نصوم ثلاثة أيام من الشهر مثلاً، هذا يزكي فقط، وهذا كل يوم يده في الريالات يوزع، فهل هم على مرتبة واحدة؟ هذا يصلي ثلاثين ركعة في اليوم، هذا يصلي سبعين ركعة، يتفاوتون، لكن اسم الولاية حق، فكل مؤمن تقي هو لله ولي.فلهذا ما نستطيع أن نسب مؤمناً أو نشتمه أو نغشه أو نخدعه أو نأخذ ماله بحيلة أو بقوة أو نضربه، لأننا أولياء الله، كيف نزني بابنته ونفسدها عليه؟! ولكن المسلمين ما عرفوا، ما بلغهم قول الله تعالى: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )، لو عرف المسلمون هذه لسادهم الطهر والصفاء، وعمتهم المودة والإخاء والمحبة والولاء، وأصبحوا حقاً أولياء الله كجسم واحد، فمن يبلغهم هذا؟ أين العلماء؟ أين طلاب العلم، أين المسئولون والحكام والبصراء؟ هيا بالمؤمنين إلى سعادتهم.

طريق الوصول إلى ولاية الله تعالى

والطريق الذي نكرره حتى الموت أو نمنع ونلجم بلجام، ونقول: إنه -والله- لا طريق إلا هذا، هو أن أهل القرية إذا دقت الساعة السادسة مساءً وقف دولاب العمل، رمى الفلاح مسحاته من يده، والمنجل من يساره، وأغلق باب الدكان التاجر، وتوضئوا وجاءوا بنسائهم وأطفالهم إلى بيت ربهم، ويوسعونه بالخشب والحطب؛ حتى يتسع لأهل القرية كلهم، وأهل المدن ذات المناطق العديدة والأحياء المتعددة، أهل كل حي لهم شيخ الحارة أو الحي، فيوسعون مسجدهم، وإذا دقت الساعة السادسة مساءً أغلقت الحياة أبوابها، وتطهر الرجال والنساء، وجاءوا بنسائهم وأطفالهم إلى بيوت ربهم، ويجلسون جلوسنا هذا، ما هناك كراسي، ولا شراب ولا أغان، يجلسون في بيوت ربهم، يجلس لهم عالم بكتاب الله وحكمة رسوله، ويلقنهم المعرفة، فليلة آية يتغنون بها، يرددونها حتى تحفظ، وتنشرح لها صدروهم، فتجد أنوارها في قلوبهم وأبصارهم، ثم تشرح لهم، يبين لهم ما أراد الله من هذه الآية، توضع أيديهم على المطلوب، يقول لهم: هل سمعتم يا أبنائي وإخواني وأخواتي؟ فعودوا بعد الصلاة إلى بيوتكم واذكروا هذا ولا تنسوه، واعملوا به ولا تهملوه. وغداً حديث من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، يتغنون به، يحفظونه، يعلمون مراد الرسول منه، وينوون العمل ويطبقون، وهكذا يوماً آية ويوم حديثاً، فبعد عام كيف يصبحون؟ ما يبقى فيهم زان ولا عاهر، ولا كذاب ولا دجال ولا لص، يصبحون أولياء الله. هذا هو الطريق، والله! لا طريق سوى هذا إن أردنا أن نكمل وأن نعود إلى كمالاتنا، أما سائر الأنظمة والقوانين والتوجيهات فهراء لا تنفع.قد تقول: يا شيخ! كيف عرفت هذا؟ فأقول: أنا قرأت ما دعا به إبراهيم وإسماعيل ربهما وهما يبنيان البيت: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [البقرة:129]، واستجاب الله، فقال تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الجمعة:2]، فالذين تخرجوا على هذه الدراسة أمثال الصديق والفاروق وذي النورين وفلان وفلان لم تكتحل عين وجود برجال مثلهم من عهد آدم إلا من كان من الأنبياء والمرسلين، فاقرأ كمالاتهم وانظر إليها كيف هي.فأين العلماء؟ أين الدعاة؟ أين المبلغون؟ لقد كتبوا وقالوا: هذا هراء، كيف نجتمع من المغرب إلى العشاء؟ فقلت: لم يجتمع اليهود والنصارى من المغرب إلى نصف الليل في المقاهي والملاهي ودور الباطل والمنكر، وأنتم ما تستطيعون أن تجلسوا ساعة ونصفاً؟ثم قال تعالى: كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ [البقرة:242]، أي: كهذا التبيين، فهل هناك أعظم من هذا؟ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [البقرة:242]، تنمو عقولكم وتصبحون أهلاً لأن تعرفوا عن الله عز وجل، يوماً فيوماً حتى نصبح نعرف أحكام الله.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg


ابوالوليد المسلم 23-07-2020 04:21 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (17)
الحلقة (24)


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

تفسير سورة البقرة (114)

ضرب الله عز وجل مثلاً بمن خرجوا من ديارهم من بني إسرائيل فراراً من الموت فأماتهم الله عز وجل ثم أحياهم، فكان ضرب هذا المثل في هذا السياق توطئة للأمر الإلهي للمؤمنين بالجهاد في سبيله من أجل أن يعبد وحده سبحانه، ومن أجل رفع الظلم عن المظلومين، ثم أمرهم سبحانه وتعالى أن يقرضوه قرضاً حسناً لأجل إعداد العدة والإنفاق على الجيوش التي تخرج مجاهدة في سبيل الله.

تفسير قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في دراسة كتاب الله في هذه الليلة؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). اللهم حقق لنا هذا الرجاء، فأنت ربنا وولينا، ولا رب لنا ولا ولي لنا سواك.وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ * وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:243-245].

ذكر حادثة إماتة الفارين من بني إسرائيل من الطاعون

معاشر المستمعين والمستمعات! هذا الاستفهام: أَلَمْ تَرَ [البقرة:243] موجه إلى من؟ إلى من أنزل الله عليه كتابه، واصطفاه ليبلغ عنه شرعه ودينه، هذا الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، أي: ألم ينته إلى علمك يا رسولنا حادثة مضت في التاريخ؟ هذه الحادثة كانت في بني إسرائيل على عهد حزقيل عليه السلام، ولعلهم طولبوا بالجهاد، فجبنوا وآثروا الدنيا على الآخرة، فأصابهم الله بوباء طاعون، عافانا الله وإياكم وسائر المؤمنين، ففروا هاربين من تلك المدينة، وهذه المدينة في شرق واسط، يقال لها: داوردان، عاصمة مدينة كبيرة يسمونها في الزمان الأول بالقرية، ففروا هاربين وكانوا ثلاثين ألفاً أو يزيدون، إذا قال تعالى: وَهُمْ أُلُوفٌ [البقرة:243].إذاً: فأماتهم الله عز وجل موتة واحدة، ثم سأله عبده ونبيه حزقيل إحياءهم فأحياهم أجمعين، حادثة من أحداث التاريخ، والله! لكما تسمعون: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ [البقرة:243]، خرجوا حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ [البقرة:243] بأمر التكوين: مُوتُوا [البقرة:243]، فماتوا عن آخرهم، ثُمَّ أَحْيَاهُمْ [البقرة:243].

دلالة الآية الكريمة على تعرض القاعدين عن الجهاد للبلاء
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

وهذا المثل الصالح لكل أمة تجبن وتقعد عن الجهاد في سبيل الله، قد يصيبها الله بوباء، قد يصيبها بجدب وقحط، قد يصبها بمحنة مقابل عصيانها، والحامل عليه هو الخوف من الموت، مع أن الموت كتبه الله على كل نفس، وله ساعة محدودة لا تتقدم ولا تتأخر.وهذه الآية نزلت أيام كان المؤمنون يدعون إلى الجهاد، حيث أعلنت الحرب على الإسلام والمسلمين من كل جهات الدنيا، ولا بد من أن يقاتلوا، فأنزل الله تعالى هذه الآية؛ ليعلمهم ما ينبغي أن يكونوا عليه، ألا وهو الصبر والجهاد، فإن الفرار من الموت لا يقي من الموت، يفرون منه وهو ملاقيهم، فر الرجل من الموت هارباً وإذا الموت يلاقيه في طريقه، فلم إذاً؟

معنى قوله تعالى: (إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون)

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا [البقرة:243] فماتوا، ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ [البقرة:243]، حقاً وصدقاً إن الله لصاحب فضل عظيم على الناس: أولاً: وهبهم حياتهم، وأوجد وجودهم.ثانياً: أوجد لهم هذا الكون بكامله، ومقومات الحياة من الهواء والغذاء والماء، ثم يحيي ويميت، يعطي ويمنع، يعز ويذل، هذه العطايا الإلهية لم لا تشكر؟ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ [البقرة:243] فضل عظيم، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ [البقرة:243]، ولم لا يشكرون؟ لأن الشياطين تمنعهم من أن يشكروا، تصرف قلوبهم وألسنتهم وجوارحهم عن طاعة الله عز وجل، وشكر الله كما يكون باللسان بأن نقول: الحمد لله معترفين بنعمه علينا؛ نشكره أيضاً بطاعته بفعل ما يأمرنا بفعله، وترك ما يأمرنا بتركه، ويكون أيضاً بصرف النعمة فيما من أجله أنعم الله تعالى بها على العبد، صرف النعم فيما وهبها الله لعبده أن تصرف فيه، هذا هو الشكر. ولهذا تقرر وبيننا وعلمنا أن الشكر أولاً يكون بالاعتراف بالقلب، اعترف بالنعمة لله عز وجل، ثم ترجم ذلك بلسانك، وقل: الحمد لله، ثم اصرف تلك النعمة فيما من أجله أنعم الله تعالى بها عليك، وإياك أن تصرفها فيما يغضبه ولا يرضيه عنك.

الإرشاد النبوي بشأن دخول أرض الطاعون والخروج منها

وهنا يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الطاعون الذي يوجد الآن في هذه الأزمنة؛ ذكر أن سببه بقية من بقايا أصيب بها طائفة من بني إسرائيل، مضى زمان على البشرية وما وجد هذا المرض، وأول ما وجد في بني إسرائيل في طائفة منهم، قد تكون هذه الجماعة التي فرت من الوباء.إذاً: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إذا وقع الطاعون بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها، وإذا وقع بأرض وأنتم لستم بها فلا تقدموا عليها )، وهذا ما يعرف الآن بالحجر الصحي، أي: المنع الصحي؛ حتى لا ينتشر الوباء، هكذا يقرر النبي صلى الله عليه وسلم، يقول عن الطاعون: إنه بقية مرض أو رجس أصاب طائفة من بني إسرائيل بذنوبهم عقوبة من الله تعالى لهم. وبناء على هذا أيها المؤمنون: إذا نزل هذا الوباء في أرض وأنتم فيها فلا تخرجوا فراراً منه، فقد خرج هؤلاء فأماتهم الله، خرجوا هاربين، إذاً: فأنزل الله بهم الموت فماتوا، ثم أحياهم للعظة والعبرة، وإذا نزل ببلاد وأنتم خارجها فلا تدخلوا عليهم.

تفسير قوله تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم)

ثم قال تعالى: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:244]؛ لأن الآيات في الحث ودفع وتهييج المؤمنين ليقاتلوا في سبيل الله، فلا يمنعهم الجبن والخوف والخور من القتال، فها هي ذي أمة سبقتكم، أهل مدينة بالألوف، لما جبنوا عن القتال وخافوا من الموت أماتهم ثم أحياهم، فالآجال محدودة لا تزيد ولا تنقص، فما على المؤمنين إلا أن يطيعوا ربهم، فإذا قال إمامهم أو قال رسولهم: هلم إلى الجهاد لا يمنعهم الخوف من الموت أن يطيعوا رسولهم أو إمامهم ويجاهدوا معه.فمن هنا قال تعالى: وَقَاتِلُوا [البقرة:244] أيها المؤمنون، قاتلوا الكافرين، المشركين، والظالمين، وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:244]، ما هي سبيل الله؟ نقاتل من أجل إعلاء كلمة الله، أي: من أجل أن يعبد الله تعالى وحده، فالقتال الشرعي الواجب المفروض فرض كفاية أو عين هو ما كان لإعلاء كلمة الله، وهذا يظهر في أن يعبد الله تعالى وحده، وأن يرفع الظلم عن المظلومين، فالمظلومون إذا كانوا مؤمنين أولياء لله عز وجل فعلى إمام المسلمين أن يقاتل الظالمين حتى يخلص المؤمنين من اضطهادهم وعذابهم.ويشهد لهذا قول الله تعالى من سورة الأنفال: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال:39]، قاتلوا المشركين الكافرين، وليستمر قتالكم لهم إلى غاية، وهي ألا يبقى فتنة، أي: لا يبقى من يفتن في دينه وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ [الأنفال:39]. وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:244]، سميع لأقوالكم، عليم بأحوالكم، فلا يخفى عليه أمركم، فمن جبن أو خاف أو تأخر فلا يظن أن الله لا يعلمه، فهو يعلم حاله، ومن قال كلمة تثبط عن الجهاد، أو توجد فشلاً في المجاهدين فالله سميع لقوله، عليم بحاله، أي: فراقبوا الله عز وجل؛ راقبوه حتى تتمكنوا من طاعته بامتثال أمره واجتناب نهيه، هذه تعاليم علمها الله المؤمنين، فعملوا وفازوا وسادوا وطهروا وكملوا، وهم كذلك إلى اليوم وإلى يوم القيامة، متى وجد مؤمنون صادقون في إيمانهم فهذه الآية تتلى عليهم فينتفعون بها، وترفع من شأنهم، وتعلي من مكانتهم.

تفسير قوله تعالى: (من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة ...)
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

ثم يقول تعالى لهم: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [البقرة:245]، تهييج وإثارة، من هذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً؟ لأن الجهاد متوقف ابتداء على المال، ولهذا ما ذكر الأمر بالجهاد إلا وقدم المال على النفس، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ [الصف:10-11]؛ لأن المال به تعد العدد ويحضر السلاح، وتسير به السرايا والمجاهدون، فليس من المعقول أن يخرج المجاهدون بلا مال ولا طعام ولا سلاح، فكيف يجاهدون؟ فالخطوة الأولى: هي الجهاد بالمال، ولهذا يقول تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [البقرة:245]، الحسنة هنا بسبعمائة، الدرهم بسبعمائة درهم، بخلاف الصدقات الأخرى فهي بعشر حسنات، لكن درهم الجهاد بسبعمائة، ومن هذه السورة في آخرها جاء قول الله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ [البقرة:261]، أي: إلى ألف ألف.إذاً: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ [البقرة:245] تعالى لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً [البقرة:245]، وقد بينها في آية في هذه السورة، ضرب لذلك مثلاً ليفهم ويفهمه الكبير والصغير: مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ [البقرة:261]، حبة بر غرزها في الأرض فأنبتت سبع سنابل، كل سنبلة فيها مائة حبة، وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261].إذاً: هنا تعالى يقول بعدما حذر من الخور والجبن والتخلف عن الجهاد بما بين للرسول بقوله تعالى: ألم ينته إلى علمك حادثة كذا وكذا المتعلقة بأولئك الذين هربوا فارين من الموت فأنزله الله بهم؟

معنى قوله تعالى: (والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون)

ثم يقول تعالى: وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ [البقرة:245]، يقبض عن العبد المال امتحاناً له وابتلاءً له أيصبر أو لا يصبر؟! فلذا لنعلم أنه ما أصاب عبداً فقر وقلة ذات يد إلا وقد ابتلي هل يصبر أو لا يصبر، فإن هو لم يصبر فسرق، وفجر، وكذب؛ فهذا في عداد الهالكين الهابطين، فإن هو صبر وثبت على عقيدته وإيمانه وصلاح نفسه وخلقه وآدابه؛ فسوف يفرج الله ما به بعد عام أو أعوام، وعد الله لا يتخلف، المهم أنها فترة يبتلى فيها هل يصبر على قضاء الله وحكمه أو يسخط ويضجر ويخرج عن آدابه وعن دينه وعقيدته. ومن أعطاه ووسع عليه رزقه وماله فوالله! إنه لممتحن هل يشكر أو يكفر؟ فإن اعترف بالنعمة للمنعم، وحمده وأثنى عليه وواصل ذلك، وأنفق المال في مرضاته ولم ينفقه ضده ولا في معصيته؛ فهذا نجح وفاز، وإن هو -والعياذ بالله- كفر تلك النعمة وصرفها ضد الله عز وجل وما شكر الله فإنه يسلبها إن شاء ويعذبه في الدنيا والأخرى.هذه قاعدة لا تتخلف: ما رأيت فقيراً إلا علمت أنه مبتلى هل يصبر أو يفجر ويسخط، فهو تحت الامتحان، فإما أن ينجح في هذه المحنة، وإما أن يخسر خسراناً كاملاً، وما رأيت غنياً ذا مال وسعة في رزقه وإلا علمت -وإن شئت أقسمت بالله- أنه متحن أيشكر المنعم فيزيده أو يكفر فيسلبه ويعذبه، وقد تدوم مدة الامتحان والابتلاء، ليست يوماً أو أسابيع، قد تدوم سنوات. وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:245]، العودة إلى الله، إذاً: فيا لخيبة عبد يبتلى فلا يصبر، يا لخيبة عبد يمتحن فلا يشكر وهو عائد إلى الله، فالصابر والضجر، والشاكر والكافر، الكل عائدون إلى الله بعد موتهم، هذه الآيات التي رفع الله بها قدر المؤمنين والمؤمنات أيام كانوا يدرسونها ويعملون بما فيها.
ملخص لما جاء في تفسير الآيات

يتبع‏


ابوالوليد المسلم 23-07-2020 04:21 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
خبر بني إسرائيل الفارين من الموت
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

يقول تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ [البقرة:243]، هذه الرؤية ليست بصرية، بمعنى: ألم ينته إلى علمك يا رسولنا قصة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف، ولو قال: آلاف لكان جمع قلة، لكن قال: ألوف، جمع كثرة، حتى قيل: إنهم ثلاثون ألفاً، فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ [البقرة:243]. ولا ننس أن سبعين رجلاً من بني إسرائيل خرجوا مع موسى إلى جبل الطور؛ ليعلنوا عن توبتهم للمصيبة التي فعلوها، وهي شركهم -والعياذ بالله تعالى- وعبادة العجل، فأماتهم الله عن آخرهم وهم في الجبل، وبكى موسى فأحياهم الله عز وجل، والذي يميت السبعين يميت الآلاف، إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82].إذاً: إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ [البقرة:243]، عرفنا فضله في إحيائنا وإماتتنا، في إيجادنا وإعدامنا، ما منا إلا وهو يعيش في نعمة الله، فكيف ننسى هذا الفضل وننكره ونتنكر لخالقه وواهبه ومعطيه؟! فلو ذكر هؤلاء هذه الفضائل والإنعامات لما كانوا يفرون من القتال، ولما كانوا يهربون من الوباء، بل كانوا سيصبرون.

أمر المؤمنين بالقتال في سبيل الله تعالى

إذاً: ثم وجه الله الأمر إلى المؤمنين الذين نزلت فيهم هذه الآيات لتعلمهم وتربيهم فقال تعالى: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:244] أيها المؤمنون.فالقتال في سبيل الله، لا في سبيل الوطن والمال والدنيا والتراب والمنصب والجاه والمراكب والسفن، لا يقاتل المؤمنون إلا من أجل أن يعبد الله تعالى وحده، وأن يرفع الظلم عن أوليائه، فإذا ظلم أولياء الله واعتدي عليهم فعلى المسلمين أن يقاتلوا الظلمة المعتدين من أجل تخليص إخوانهم أولياء الله من عذاب الكافرين والمشركين.ثم معاشر المؤمنين! هذا القتال يجب أن يكون تحت إمرة إمام بايعه المؤمنون، وأعطوه زمامهم وقادهم، هو الذي يدير هذه المعارك ويقود إليها، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما كان خلفاؤه خليفة بعد خليفة، ينبغي ألا يكون القتال فوضى كل جماعة تقاتل وتدعي أنها تقاتل لإعلاء كلمة الله، أو لرفع الظلم، هذا لا يرضاه الله عز وجل؛ لأن نتاجه وثماره ما هو إلا خسران، لم لا يبايع المسلمون إمامهم على طاعة الله وطاعة رسوله؟ وحينئذٍ يجب عليه إذا أتيحت الفرصة وتهيأ الظرف للقتال أن يقاتل بهم في سبيل الله، ومن تأخر تليت عليه هذه الآية الكريمة: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ [البقرة:243] خرجوا حَذَرَ الْمَوْتِ [البقرة:243]، الوباء والطاعون أنزله الله بهم عقوبة لهم ففروا، ابتلاهم بالطاعون؛ لأنهم دعوا إلى الجهاد فجبنوا وخافوا، وأبوا أن يقاتلوا مع رسولهم ونبيهم، فلما أصابهم الله بالوباء هربوا خارجين، ظنوا أنهم ينجون من ذلك، فأماتهم الله، آية من آياته لعباده، ثم أحياهم بعد ذلك، وهذا من فضل الله وإنعامه عليهم، وإلا لكان يميتهم ولا يحييهم.ومن هنا قال تعالى للمسلمين المحمديين: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:244]، كيف تحاولون أن تهربوا من الجهاد وتتكلموا بضده أو تفكروا في غيره وهو سميع لأقوالكم، عليم بأحوالكم؟

الحث على الإنفاق في سبيل الله تعالى

وبعد هذا فتح باب الاكتتاب: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [البقرة:245]، إذ ما كان عند الرسول بيت مال، كان الجهاد على حساب المؤمنين، يتنافسون ويتسابقون، وحسبنا أن عثمان رضي الله عنه جهز ألف مقاتل، حسبنا أن الصديق في غزوة تبوك أخرج من كل ماله، وأن عمر خرج بنصف ماله، ما كانت الأموال كما هي الآن في دار تسمى مال الدولة، بل ينفقون من جيوبهم، فنصروا الجهاد حتى طهروا هذه الجزيرة من الشرك والمشركين، ما مات الرسول حتى لم يبق على سطح هذه الجزيرة مشرك أو كافر، ببذلهم وإنفاقهم وقتالهم.

بطلان القتال بغير بيعة إمام

أقول: لا يصح لجماعة في بلد ما بدون بيعة إمام تبايعه أمتهم أو في إقليم أن يقاتلوا في سبيل الله، هذا القتال لا يصح شرعاً، وباطل وعواقبه خسران واضح وبين، إن أردتم أن تقاتلوا في سبيل الله لإنقاذ البشرية من الشرك والكفر فبايعوا إمامكم، والتفوا حوله، فيربيكم وينمي طاقاتكم، فإذا أصبح قادراً على القتال فإنه يعسكر على حدود إقليم الكفار ويراسلهم، يقول: هل تدخلون في الإسلام؟ فإن قالوا: نعم ومرحباً بدين الله دخلوا في دين الله بلا قتال، وحكمنا شرع الله فيهم وبينهم، وسادهم الطهر والصفاء، فإن هم رفضوا الدخول في الإسلام طالبناهم بالانضمام إلينا والدخول تحت ذمتنا؛ ليسمحوا لنا أن ننشر دين الله بين أفرادهم؛ لأن الذي يمانع هو الحاكم وجيشه، والأمة المسكينة لم تبقى محرومة من دين الله؟ افتحوا لنا المجال، ادخلوا في ذمتنا وفي حمايتنا، ونحن نحميكم ونقاتل دونكم، ونحفظ أموالكم وأعراضكم ودماءكم وعقائدكم أيضاً، فإن رفضوا فلم يبق -إذاً- إلا إعلان القتال والدخول في المعركة، والله ناصر أوليائه وهازم أعدائه، هذا هو القتال الشرعي الذي ينبغي أن يكون.أما أن تخرج جماعة في أقاليمنا التي لا تحكم بالإسلام ويكفروا الحكام ثم يدخلوا في معارك فيقتل المؤمن المؤمن والمسلم المسلم؛ فهذا -والله- ما أذن الله فيه ولا هو بجهاد أبداً.الجهاد: أن نبايع إماماً بيعة شرعية على أن يسوسنا بشرع الله، ويقودنا بكتاب الله وسنة رسوله، هذه الإمام هو الذي يجاهد برجاله إن كانت الفرص متاحة، إذا رأى نفسه قادراً على أن يجاهد في سبيل الله زحف بسفنه أو دباباته أو سياراته، ويطالب أهل الإقليم المجاور لهم أن يدخلوا في الإسلام أو يدخلوا في ذمة المسلمين؛ لينشر الإسلام بينهم، أو يقاتلوا، والآية المبينة لهذه من سورة التوبة من آخر ما نزل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة:123]، هذا نظام الإسلام الرباني، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة:123]، وهكذا في ظرف خمس وعشرين سنة بلغ الإسلام إلى أقصى الشرق وأقصى الغرب تحت هذا النظام.أما جماعة تقوم على الحاكم بعد أن تعلن عن كفره وما بايعت إماماً ولا التفت الأمة حولها، ولا وافق عليها أهل الإقليم؛ فهذه هي الفتن بعينها.فالمفروض: أن نطالب الحكام بتحكيم الشريعة بالموعظة والكلمة الطيبة الحسنة، من باب تنبيههم، تعليمهم، أما أن نعلن الحرب ولا إمام ولا قيادة، ويقتل المؤمنون بعضهم بعضاً؛ فهذا ظلم وفسق وخروج عن طاعة الله ورسوله، وعواقبه لا تساوي إلا الدمار والخراب.يقول تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا [الحجرات:9]، أي: قاتل بعضهم بعضاً؛ فما هو موقف المسلمين؟ بينه الله تعالى فقال: فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:9]، على إمام المسلمين أن يتدخل في هذا القتال بين طائفتين، فإن كانت إحداهما ظالمة قاتلها حتى ترجع إلى الصواب وتعود إليه بالمفاوضات وبيان الحق، وبيان الهدى، وإذا كانت مظلومة رفع الظلم، وإذا كانت مضطهدة رفع اضطهادها، فإن أبت طائفة إلا القتال فليقاتلها المسلمون مجتمعين؛ حتى ترجع إلى الحق وتقول به. وأخيراً سأتلو هذه الآية الكريمة وتأملوها: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ [البقرة:243] بعد أن ماتوا، إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ [البقرة:243]، وَقَاتِلُوا [البقرة:244] أيها المؤمنون فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:244] أي: من أجل أن يعبد الله تعالى وحده، ولا يعبد معه سواه، ومن أجل رفع الظلم عن المظلومين، إذا أمة ظلمت واعتدت فعلى المسلمين أن يرفعوا هذا الظلم بقتالها، وهو في سبيل الله؛ لأن المظلومين من المؤمنين المتقين أولياء الله، فكيف يسكت المؤمنون ويرضون بالعدو الكافر أن يضطهدهم أو يعذبهم، والظالمون أنفسهم لا نرضى بظلمهم، بل نرفعه. ودعا الله تعالى المؤمنين إلى البذل والعطاء، إلى الإنفاق لأجل إعداد العدة وتسيير السرايا التي تقاتل في سبيل الله، فقال: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [البقرة:245]، والله! ما هو في حاجة إلى أموالنا، ولكن هذه الأموال من أجل إعلاء كلمة الله ورفع الظلم عن المظلومين.فالمؤمنون يبذلون أموالهم وينفقونها، وقد يخرج أحدهم من ماله كاملاً ولا حرج، وقد يخرج من نصف ماله؛ لأن الله يعوضه ويضاعف له أضعافاً كبيرة، وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:245].
أحكام متعلقة بالمعتدات والمطلقات

أقسام المعتدات
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

نتناول هنا مراجعة وبياناً لأحكام المعتدات من النساء، وذلك أن المعتدات على أقسام:أولاً: معتدة تحيض، فعدتها ثلاثة قروء، سواء قلنا بالأطهار أو بالحيض، الكل خير، إلا أن الاعتداد بالأطهار أخف على المعتدة، فزمنها أقل، حتى تستريح وتتزوج، لكن الاعتداد بالحيض في صالح الزوج أيضاً، تبقى المدة أمامه طويلة عله يراجع، ففي ذلك فائدة لهذا ولهذا؛ ولهذا لا فرق بين أن نقول: بالأطهار أو بالحيض. هذه واحدة.الثانية: التي لا تحيض لكبر أو صغر، إما عجوز فوق الخمسين ما تحيض، أو صغيرة بنت تسع أو عشر سنوات ما تحيض، فعدتها ثلاثة أشهر: وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ [الطلاق:4]، تسعون يوماً، ثم هي حرة تتزوج بمن شاءت إذا ما راجعها زوجها فيها.الثالثة: المتوفى عنها زوجها، تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام، بعدها لها أن تلبس الحرير وتكتحل وتتعرض للخطبة والزواج، لكن في الأربعة أشهر وعشرة أيام تلزم بيتها لا تخرج منه إلا من ضرورة قصوى. وقوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ [البقرة:240]، هذه الآية من أهل العلم من قال بنسخها، وأنها منسوخة بآية سبقت: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234]، وآثرنا القول بعدم النسخ، وقد رغب فيه كثير من الصحابة والتابعين والأئمة، فقلنا: لبثها في بيت الزوج أربعة أشهر وعشر ليال هذا هو الواجب، وبعدها يستحب لأهل الميت أن يبقوا هذه المؤمنة التي مات زوجها تأكل وتشرب حتى تكمل السنة إذا أرادوا أن يحسنوا ويعملوا بهذه الوصية الإحسانية: مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ [البقرة:240]، فتزيد سبعة أشهر وعشرين يوماً وهي في بيت زوجها الذي توفي، فإذا انتهت السنة تخرج حيث شاءت، وإن أرادت أن تخرج بعد الأربعة أشهر وعشر ليال فلها ذلك، لكن إن قالت: أنا ألفت هذا المنزل وهؤلاء أبنائي أو إخواني سنبقى معكم حتى يفرج الله، فيقال حينئذ: أكملوا لها السنة، وتبقى الآية ليست منسوخة بل محكمة، فهذه عدة المتوفى عنها زوجها، تبقى في بيتها أربعة أشهر وعشر ليال لا تختضب ولا تكتحل ولا تتعرض للزواج أبداً، وإن فعلت فهي آثمة وفاسقة ويجب عليها أن تتوب؛ لأن الله قال: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234]. فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ [البقرة:234] من التعرض للزواج أو التزوج، لكن تبقى مدة إكمال السنة من باب الإحسان، فإذا ما رغبت أن تخرج من هذا البيت، وقالت: سأبقى معكم حتى تكتمل السنة وبعد ذلك يفرج الله عني؛ فمن الإحسان أن نبقيها، تأكل مع الأسرة وتشرب وتنام حتى تكمل السنة، فهذا إحسان أمر الله به ووصى به: وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ [البقرة:240]، ما دامت قد أكملت أربعة أشهر وعشرة أيام فلها أن تخرج، لكن إن قالت: سأبقى معكم حتى أكمل سنة ويفرج الله عني، أليس من الإحسان والرحمة والمودة أن تبقى هذه؟ فالآية -إذاً- محكمة وليس بمنسوخة.المعتدة الرابعة: المرتابة، من الريب، هذه ليست كبيرة في السن، وما هي بصغيرة، ولكن مع الأسف ما حاضت.قال أهل العلم: تتربص وتنتظر تسعة أشهر، فإن كان هناك حمل فبها ونعمت؛ لأن عدم الحيض سببه الحمل، فإذا ما حاضت في الشهر الأول، ولا في الشهر الثاني، ولا في الثالث ولا في الرابع فلعله حمل، فإن مضت تسعة أشهر وما حملت فلا حيض ولا حمل، إذاً: حين تستوفي تسعة أشهر مدة الحمل تعتد بثلاثة أشهر، فتكمل سنة وبعد ذلك تتزوج، هذه المرتابة الشاكة، انقطع حيضها لأي شيء، أو لعلها حبلى في بطنها جنين ماكث، فما تحيض مع الجنين أبداً، وقد يتأخر الجنين سنتين، يستقر وما ينمو ويبقى في الرحم.إذاً: قالت الفقهاء -رحمة الله عليهم-: هذه هي المرتابة الشاكة، عدتها سنة، تمكث تسعة أشهر عسى أن تكون حاملاً في بطنها جنين، وبعد تسعة أشهر إذا ظهر أنه ما هناك حمل فإنها تأخذ في العدة، تعتد بثلاثة أشهر كالآيس من الحيض، فهنا أربع معتدات.

أقسام المطلقات من حيث ما يجب لهن

والمطلقات أقسام:أولاً: المطلقة إذا طلقت قبل المسيس، قبل أن يمسها زوجها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب:49]، إذا تزوج الرجل المرأة وطلق قبل الدخول عليها فلا عدة عليها، فإن لم يسم لها صداقاً فلا صداق لها؛ لأنه ما سمى لها شيئاً، إذاً: فماذا تعطى؟ تعطى المتعة، يمتعها الزوج الذي طلقها بحسب حاله فقراً وغنى، إعساراً ويساراً.ثانياً: مطلقة طلقها قبل أن يمسها وقد سمى لها مهراً، فلها نصف المهر، إلا أن تتنازل عنه كله، أو يتنازل هو عنه كله، وقد ذكرنا اللطيفة أمس: وهي أنه إذا كانت هي التي طالبت بالطلاق فمن الخير أن تقول: تنازلنا عنه، ما دمت أنا نجوت بنفسي، فمن الخير أن تكون هي التي تعفو، وإذا كان الزوج هو الذي أراد طلاقها وما رغب وأخزاها وأذلها بين النساء فمن الخير أن يترك المهر كله لها، أما الآية فالله تعالى يقول: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [البقرة:237]، ففتح الله علينا وقلنا: يعفو الرجل إذا كان هو الذي رغب في طلاقها، أليست هي تشعر بمهانة؟ يعقد عليها وقبل أن يدخل بها يطلقها، فمن الخير أن يتنازل عن النصف، وإذا كانت هي كرهته وما أرادت أن تتزوج، وهو يكرب لهذا ويحزن؛ فمن الخير أن تتنازل هي عن النصف.ثالثاً: مطلقة كان قد بنى بها ودخل عليها وطلقها، فهذه إن سمى لها مهراً فلها مهرها كاملاً، وإن لم يسمّ لها مهراً فلها مهر مثيلاتها من الشريفات والوضيعات والغنيات والفقيرات، هذه تزوجها وما سمى لها المهر لا مليون ولا ألف، ثم طلقها بعد الدخول بها والبناء حتى بعد الولادة، فما الحكم؟ تعطى مهر مثيلاتها، القاضي ينظر إلى هذه الأسرة: هل هي أسرة فقيرة، أو غنية شريفة، أو وضيعة، فيعطيها مهر مثيلاتها من جنسها، هذه هي الرابعة.فهذه خلاصة هذه الآيات، وهذا فقهها، والله تعالى أسأل أن يحفظنا وإياكم وأن يراعانا وإياكم ما حيينا.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg

ابوالوليد المسلم 23-07-2020 04:23 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (18)
الحلقة (25)


http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

تفسير سورة البقرة (115)

يذكر الله عز وجل قصة بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام، وأنهم طلبوا من نبيهم أن يختار لهم ملكاً من بينهم ليقاتلوا تحت لوائه العمالقة، وبينوا له سبب استعدادهم للقتال وذلك لاسترداد أوطانهم وما سلب منهم، فلما عين لهم رجلاً منهم ليكون ملكاً عليهم بدءوا بالتلكؤ والتساؤل، إذ كيف يكون لطالوت الملك عليهم وليس صاحب مال وافر فيهم، فبين لهم نبيهم أن الله عز وجل هو الذي اختار لهم طالوت وميزه عليهم بمزيد من العلم والقوة.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على عادتنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل، وها نحن مع هاتين الآيتين المباركتين، وإليكم تلاوتهما:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:246-247].

حث المسلمين على الجهاد بتذكيرهم بإماتة الله تعالى الفارين من الموت

أعيد إلى أذهان المستمعين من المؤمنين والمستمعات من المؤمنات ما جاء في الآيات الثلاث في قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ [البقرة:243] وما بعده، فقد عرفنا -زادنا الله معرفة- أن هذه الآيات نزلت في بداية الجهاد الإسلامي، فسورة البقرة من أوائل ما نزل بالمدينة، وهي قطعاً مدنية، والجهاد يتطلب المال والنفس، وإذا لم يكن مال ولا رجال فكيف يكون الجهاد؟ والنفس قد يعتريها الخور والخوف والضعف، وتعجز عن القتال، والجهاد قتال، والأمة مقبلة على قتال الأبيض والأصفر، وهذا الذي تم.إذاً: فقال الله تعالى لرسوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا [البقرة:243] فماتوا، ثُمَّ أَحْيَاهُمْ [البقرة:243] لِم خرجوا من ديارهم؟ لأن الوباء الطاعون -عافانا الله وإياكم والمسلمين منه- وقع، فخرجوا هاربين من الموت يظنون أنهم إذا خرجوا من مدينتهم نجوا من الموت، ولا أشك أن هذا مسبوق بطلب رفضوه، وإن لم يذكر، فلعل أحد أنبيائهم طلب منهم أمراً فرفضوا فأصابهم الله تعالى بهذا المرض؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال عنه: إنه رجس أصيب به طائفة من بني إسرائيل، فهذا هو مرض الوباء، فلما جبنوا ابتلاهم الله بهذا الوباء ففروا هاربين منه يظنون أنهم ينجون، وما إن خرجوا حتى قال لهم: (موتوا) بكلمة التكوين فماتوا وأنبيائهم يشاهدون، ثم قال لهم: (قوموا) فحيوا عن آخرهم.فهل نفعكم الفرار من الموت؟ ما نفع، هل امتناعكم عن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والجهاد كان له عاقبة حميدة؟ لقد كانت من أسوأ العواقب، إذاً: هذا من باب (إياك أعني واسمعي يا جارة)!هذا حدث في بني إسرائيل وقصه الله للعبرة، يقول تعالى: ألم ينتهِ إلى علمك يا رسولنا كذا وكذا؟ ليفهم هذا المؤمنون وليعرفوا مركزهم وموقفهم.

عظيم فضل الله تعالى على الناس
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ [البقرة:243]، وتجلى فضل الله عز وجل في خلقه لهم، وفي إنجائهم وإحيائهم بعدم موتهم، أليس هذا أعظم فضل، ماتوا فأحياهم عن آخرهم، لو شاء لتركهم إلى الأبد. إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ [البقرة:243] أبيضهم وأصفرهم، إذ ما منا إلا وهو يتقلب في نعم الله، من استطاع منا أن يوجد لنفسه عيناً أو أذناً، أو شفة من الشفتين، أو لساناً ينطق به، أو هواء يتنفسه، فضلاً عن الطعام والشراب؟ ففضل الله علينا عظيم، والمطلوب أننا لا نبكي بل نحمد الله عز وجل، وذكرتكم وما انتفعتم ولا انتفعنا؛ لأن قلوبنا مصابة بالغفلة، قلت: منذ فترة تغدينا مع رجل مؤمن في مدينة بريدة، فمن ساعة أن وضع الطعام والرجل يقول: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله؛ حتى فرغ الأكلة من طعامهم، ولا يقل لنا قائل: هذا تنطع أو هذا ابتداع، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما فعل هذا! فهذا كلام ليس بصحيح، بل نحن مأمورون بذكر الله وشكره، لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلن أنه يتوب إلى الله ويستغفره في اليوم مائة مرة. والشاهد عندنا: أننا لو ننظر في صدق إلى ما نحن فيه من نعم ما وسعنا أن نسكت أبداً، بل لن نقول إلا: الحمد لله.. الحمد لله.. الحمد لله.فماذا أراد الله بقوله: إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ [البقرة:243] أليست دعوة إلى الذكر وإلى الشكر؟

أمر المسلمين بالجهاد لعبادة الله تعالى وحده

ثم قال بعد هذه التوجيهات: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:190]، هل المراد بنو إسرائيل؟ لا، بل المسلمون، إذ نزلت الآيات لهدايتهم وتربيتهم، وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:190] أيها المؤمنون.وعرفنا أن القتال في سبيل الله هو من أجل أن يعبد الله تعالى في الأرض وحده، يعبد بما شرع من عبادات، من أجل أن ينتقل أهل الأرض إلى السماوات؛ لأن أهل الأرض إذا لم يعبدوا الله تعالى بما شرع لهم فإنهم ينزلون إلى الدركات السفلى، ويخلدون في العذاب الأبدي في الطبقات السفلى من الكون، فإذا هم عبدوا الله تعالى عبادة شرعية حقيقية زكت أنفسهم وطابت أرواحهم، وحينئذٍ يرفعهم الله إليه إلى الملكوت الأعلى، فهذا سر العبادة، مع ما تفيضه على العابدين من مودة وإخاء وطهر وصفاء، وعدل ورحمة، وتنتهي مظاهر الخبث والظلم والشر والفساد، ولا يبقى لها أثر.
إحاطة علم الله تعالى وسمعه أقوال المرجفين
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا [البقرة:244] أيها المؤمنون أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:244]، إذ هذه الآيات الأولى في الجهاد، ولا تسأل عن الطابور الخامس وعن الإعلام في المدينة، اليهود يقولون كذا، والمشركون يقولون كذا، يقولون: هذا جاء لإيقاع الفتنة بينكم، هذا كذا، يريدكم كذا، فقال تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ [البقرة:244] لأقوالكم الهابطة أقوال السوء، عَلِيمٌ [البقرة:244] بما تكنونه من مكر برسولنا وكيد لعبادنا المؤمنين، فهذه تلصقهم بالأرض، فما دام تعالى سميعاً لأقوالهم، عليماً بأعمالهم؛ فسوف ينزل بهم نقمه، أو يكشف الستار عنهم ويفضحهم؛ لأن الآيات في بداية المعركة بعد معركة بدر مباشرة.

الحث على الإنفاق في سبيل الله تعالى

ثم حثهم وحضهم وهيجهم على الإنفاق في سبيل الله، فبِم يقاتل رسول الله وهو ما يملك ديناراً ولا درهماً، فإذا قال المهاجرون: هيا يا رسولنا قال: أين طعامكم وشرابكم وسلاحكم؟ فلهذا قال تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [البقرة:245]، الدينار بسبعمائة دينار، بل بألف، وبالفعل أخرجوا أموالهم وأنفقوها في سبيل الله، وكم من مؤمن كان يأتي ويقول: يا رسول الله! أجاهد معك، فيقول: لا أستطيع حملك: لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ [التوبة:92]، فيرجعون وهم يبكون من الحزن لأنهم ما استطاعوا أن ينفقوا.إذاً: مَنْ ذَا الَّذِي [البقرة:245]، هذا الاستفهام للتهييج والإثارة، مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [البقرة:245]، والمال ماله وهبه لنا، وقال: أقرضوني أضاعف لكم القرض، وإلا فالمال -والله- ماله، ومن رحمته وإحسانه أنه يعطينا ويستقرض منا، فالناس الآن قد يفعلون هذا، يعطي لأخيه مالاً ويحتاج إليه، فيقول له: أقرضني، لكن الله عز وجل واسع الفضل عظيم، فالدينار بسبعمائة وبألف: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ [التوبة:111] مع أن أنفسهم وأموالهم منه وله، وهبهم واشترى منهم لغناه ولفقرهم، بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ [التوبة:111]، لا أحد، فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111]، هل عرف المسلمون هذه الآية؟ ما سمعوا بها؛ لأن هذه السورة ما تقرأ على الموتى أبداً، ما هي مثل يس، والواقعة، والملك، ولذا ما عرفوها، ولو عرفوا هذه ما صح لأحدهم أن يحتسي شراباً يضعف عقله أو بدنه، ولما استطاع مؤمن أن يدخل أي ضرر على نفسه؛ لأن النفس هذه ليست له، حيث باعها، وهي أمانة في عهدته لله عز وجل؛ فلهذا لا يحل لمؤمن أن يدخل على نفسه أذى، لا على عقله ولا على جسمه بعظامه ولحمه؛ لأنها أمانة مودعة عنده، ويوم يطلبها المؤتمن تقدم له.والذين يحتسون السموم ويشربون المخدرات ويهدمون بنيانهم في المعاصي والجرائم والسهرات وما إلى ذلك، هؤلاء أضاعوا أمانة الله أو لا؟ لو نادى إمام المسلمين: (حي على الجهاد)؛ قال أحدهم: مع الأسف؛ أنا مريض! لماذا تمرض، لم تدخل المرض على نفسك، أليست أمانة لله، أما بعت نفسك واشتراها الله، فكيف إذاً تعمل هذا بجسمك؟ أما المال فلا تسأل، فالذي ينفق درهماً ريالاً قرشاً في معصية الله أعوذ بالله منه، هو شر الخلق، أيعطيه مولاه ويشتري منه ثم ينفق ضده؟ فتأمل: وهبك مالك ونفسك، ثم اشتراهما منك وتركهما أمانة عندك، فحين يطلبهما تعطيه، وإذا بك تنفق ماله ضده فيما يكره، وتتحداه، والله! لو يشعر العبد المؤمن بهذا الشعور لأغمي عليه.فلهذا كل من ينفق ديناراً ودرهماً في معصية الله وقف هذا الموقف الشائن الذي هو أسوأ موقف، ونبدأ بالذين يشربون الدخان والشيشة والكوكائين والهروين، والذين ينفقون أموالهم على الزنا والعهر والباطل، والذين ينفقون أموالهم في القمار واللهو والباطل، حتى الإسراف في الأكل والشرب لا ينبغي، فالقصد.. القصد، هذا مال الله، ما هو بمالك، فلا تسرف.إذاً: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً [البقرة:245]، وبينتها سورة البقرة، إذ قال تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ [البقرة:261]، قال ابن عباس : إلى ألف ألف، وألف الألف مليون.

يتبع
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg


ابوالوليد المسلم 23-07-2020 04:23 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
ابتلاء الله تعالى عباده بقبض الرزق وبسطه

ثم قال تعالى: وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:245]، أيها المؤمنون! اعلموا أن الله يقبض الرزق على من يشاء ويقلل ماله وطعامه وشرابه ابتلاءً له هل يصبر أو يسخط، ويبسط ويوسع على من يشاء امتحاناً أيشكر أم يكفر، ومن هنا: إذا طلب منك مولاك فأعطِ، فإنَّ منْعك العطاء لا يغنيك ولا يدفع الفقر عنك أبداً؛ لأن الإغناء والإفقار هو الذي يديرهما ابتلاءً وامتحاناً، وبهذا تشجع أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وعرفتم كيف كان ينفقون، فاللهم اجعلنا من محبيهم.

تفسير قوله تعالى: (ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله ...)
بعد هذا جاء السياق الآتي: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى [البقرة:246]: ألم ينته إلى علمك يا رسولنا الحادثة الآتية والقصة الآتية، وهي عبرة يعبر بها المؤمنون بحور الضلال والشقاء والخسران. ثم من أين لرسول الله أن يقص هذا القصص ويأتي بهذه الأحداث كأنها الآن تقع بينهم، هذه علامة أنه رسول الله، ومن أنكر رسالته فهو أحمق مجنون لا قيمة له.هل استطاع اليهود أن يردوا كلمة واحدة من هذا؟ الآية تنزل واليهود بطوائفهم الثلاث، وهم علماء والعرب جهال، هل استطاعوا أن يردوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة واحدة؟ ما استطاعوا؛ لأنه يتلقاه غضاً طرياً من الملكوت الأعلى. أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ [البقرة:246]، ما المراد بـ(الملأ)؟ الملأ: الجماعة الذين يملئون عينيك وقلبك بالمهابة، وهم أشراف الناس وساداتهم وأغنياؤهم وأهل الحل والعقد منهم، الذين يملئون العين والقلب. مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ [البقرة:246] أي: من أولاد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام، مِنْ بَعْدِ مُوسَى [البقرة:246]، أي: من بعد وفاة موسى بقرون، متى؟ لما أغناهم الله بعبادتهم وطاعتهم وصلاحهم واستقامتهم على دين الله عز وجل، ثم دخلهم الربا والزنا والكعب العالي، كالمجتمع الإسلامي اليوم، وهو يتهيأ للنقمة الإلهية.إذاً: سلط الله عليهم البابليين، فشردوهم.. مزقوهم.. طردوهم من بلادهم.. ساموهم الخسف، لِم يا ربّ تفعل بهم هذا؟ أليسو أبناء أنبيائك؟ الجواب: نعم، ولكن عصوني وفسقوا عن أمري، خرجوا عن طاعتي وحاربوني، فأذقتهم هذا البلاء، وإن كانوا أبناء الأنبياء. أما أذاق الله أمة محمد أطهر الأمم وأصفاها البلاء والعذاب والشقاء؟ أين الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفيتي؟ حولوهم إلى شر الخلق، أين الأندلس جنة الإسلام الخضراء؟ تحولت إلى صلبان وشياطين.وأخيراً: أما استعمرتنا بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا وبلجيكا، أين ممالك الهند الإسلامية؟ وضعتها بريطانيا تحت حوافرها، لما فسقنا عن أمر ربنا، وخرجنا عن طاعته أمضى الله تعالى فينا سننه، ولله سنن لا تتبدل ولا تتحول، ما نحن بأشرف من بني إسرائيل، بنو إسرائيل أبناء الأنبياء سلط الله عليهم البابليين من جهة العراق وهم في فلسطين وما حواليها، فشردوهم، فعلوا بهم كما يفعل اليهود اليوم بالمسلمين في فلسطين سواء بسواء، أهذه خيالات أو حقائق؟ أما شرد إخواننا الفلسطينيون فنزلوا في كل مكان؟ بسبب ماذا؟ بسبب الخروج عن منهج الحق ومنهج الطاعة لله ورسوله، فمن أكل السم مات أحب أم كره، أليس كذلك؟قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى [البقرة:246] عليه السلام إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:246]، أخذوا يتحمسون، طالت مدة الاستعمار، وأخذوا يفكرون، ونبتت نابتة قوية شجاعة، فقالوا لنبيهم: ابعث لنا ملكاً، وهذا النبي قيل هو: شمويل أو شمعون، والعبرة ما هي بالاسم، حسبنا أنه لو كان الاسم فيه فائدة لذكره الله تعالى، فهو نبي من أنبيائهم، الأول حزقيل الذي كان في عهد الوباء، وهذا شمويل. ‏

أهمية بيعة الإمام في الجهاد

وهنا تأمل قوله تعالى: ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:246]، ولا تقولوا: الشيخ جنّ! أقول: لو عرف هذا إخواننا الفلسطينيون معرفة يقينية وإيمانية فوالله! لأخرجوا اليهود منذ أربعين سنة، فكيف؟ يبحثون عن ملك يملكونه وإماماً يقودهم ويطيعونه، فإذا قال: صوموا صاموا، وإذا قال: هلِّلوا هلَّلوا، وإذا قال: اجلسوا جلسوا، لا يزال يترقى بهم حتى يصبح له قوة لا تقهر، لكن ما فعلنا، فما هي النتيجة؟ لا نجاح ولا فوز.وأوضح من هذا أنا قاتلنا بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا وبلجيكا وأخرجناهم من بلادنا، فهل أقمنا دولة إسلامية؟ ما السر؟ ما بايعنا إماماً ربانياً يقودنا إلى حياض الكمال في الدنيا والجنة في الآخرة، كل يريد أن يكون هو الملك الحاكم، وحين لا يتعين إمام فالفوضى، ينجح الشعب ويستقل ويرفضون كلمة إمام وملك، بل يبحثون عن أي ملك يريدون ذبحه، حتى لا يقيموا دين الله، والهروب من بيعة إمام هو الهروب من أن يعبد الله عز وجل، ما يريدون أن تقام الصلاة ولا تجبى الزكاة، ولا يحجب النساء ولا يمنع الربا، ولا يفرض الجهاد أبداً، فيموت النساء والرجال والأطفال ويستقل الشعب من فرنسا أو إيطاليا وهم يتنكرون للإسلام.فأسألكم بالله: هل سعدوا في أي بلد؟ هل طابوا وطهروا، وتآخوا وتلاقوا؟ كلا، بل كان الخزي والعار والشنار والحرب، وما أفقنا، وآخر رمية أيام الجهاد الأفغاني، وأقول: إنه جهاد فيه دخن وتغضبون أنتم، وتقولون: ماذا فيه؟ فقولوا ما شئتم، فوالله! إن فيه لدخناً، وعاقبته عاقبة السوء، ونتائجه مرة.كنت أقول: لا يحل لمؤمن أن لا يراه الله في ذلك الجهاد، إما بنفسه إن كان أهلاً لذلك، أو بماله إن كان له مال، أو بدعوة إخوانه إلى أن يساعدوا وينفقوا، أو بدعائه صباح مساء لإخوانه، ومع هذا ذهبنا إليهم وبينا لهم، وانتدبنا شيخنا الباز حفظه الله وأطال الله عمره، وذهبنا إليهم ودخلنا معسكراتهم وقلنا: اجتمعوا على إمام وبايعوه، وحدوا كلمتكم وصفوفكم، فقال أحدهم: هذه الجبهة الفلانية صاحبها جعلها مصيدة للفلوس! ما إن سمعنا هذه الكلمة من قائد من قوادهم حتى انهارت قوانا، وعرفنا مصيرنا.وبعد أن انهزمت روسيا وتحطمت بجهاد المؤمنين والمؤمنات بالدعاء وبالإنفاق في سبيل الله، وأعظم بلاد أنفقت هي هذه البلاد، وهزم الله روسيا، بعد ذلك هل استطاع إخواننا أن يقيموا دولة إسلامية؟ هل أقيمت بينهم الصلاة؟ هل حطمت مشاهد الشرك والباطل والخرافات؟ كلا، لِم؟ ما بايعوا إماماً على قيادتهم إلى رضوان الله عز وجل.فهذه الآية عجب أو لا؟ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا [البقرة:246] لا نقاتل بدون إمام، ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:246] من أجل أن يعبد الله ويحكم شرعه في عباده.

معنى قوله تعالى: (قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا)
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

فقال لهم النبي عليه السلام: (هل عَسِيتُمْ) كما في قراءة سبعية، هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا [البقرة:246]، ومعنى هذا أنه يقول: أنا أتوقع أنكم إذا كتب عليكم القتال لا تقاتلون، عرف ظاهرهم وباطنهم، و(عسى) للترجي، وقد صدق، فقد فرض الله عليهم القتال وانهزموا، آلاف رجعوا منهزمين وما قاتل إلا ثلاثمائة وثلاثة عشر على عدة أصحاب بدر كما سيأتي بيان ذلك في الآيات.فهل عرفتم الآن أنهم يطالبون بإمام يقودهم؟ في إمكانهم أن هذا يولي هذا وهذا يبايع هذا، وتظهر الفوضى والهزيمة من أول يوم، ولكن عرفوا أنه لا بد من بيعة إمام، وهذه الانتفاضات التي يسمونها في بلاد العرب والمسلمين جماعة كذا وتطالب بالحكم وبدون بيعة أمتهم لهم؛ مآلهم التمزق والتشريد والدمار والخراب، لا بد من بيعة إمام، لِم هذه البيعة؟ ليأمر فيطاع وينهى فيطاع، لتجتمع كلمة الأمة، إذا قال: الله أكبر كبروا جميعاً، أما أنه يقول: الله أكبر وهذا يغني فكيف يقودون أمة؟

معنى قوله تعالى: (قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا)

فهؤلاء قال لنبيهم: ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:246]، فقال: هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:246] والحال أنا أخرجنا من ديارنا وأبنائنا، ما لك يا نبي الله؟ كيف لا نقاتل؟ وهو يعرفهم ظاهراً وباطناً، فما هم بأهل لأن يقاتلوا.وصح هذا، فقد خرج يقودهم طالوت فانهزموا ورجعوا إلى ديارهم يصعقون، وما استمر مع طالوت إلا ثلاثمائة وثلاثة عشر.والآن هؤلاء الذين يطالبون بالجهاد والله العظيم! ما هم بأهل، لِم؟ ما ربوا في حجور الصالحين؟ ما تكونوا تكويناً ربانياً سليماً صحيحاً، فما ينقادون، فثلاثة أنفار منا يطعن كل واحد منهم في الآخر، يسب ويشتم ويعير، ولو سمعتم ما يقال في هذا الشيخ الذي يحدثكم لسمعتم عجباً، يقولون: ذَنَب وعميل وكذا، لا إله إلا الله! والله! ما أنا بذنب، ولا بعميل إلا لله عز وجل، ويقولون كذلك، قالوا: السعودية بنت له عمارات، والله العظيم! ما بنت لي لبنة واحدة، لكن أمة هابطة هذا شأنها، ما يستحي المؤمن أن يتكلم وهو لا يعلم، وهذا سبب فتنتنا: نتكلم بدون علم، قيل وقال، وقد حرم الله هذا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.فهل عرفتم سر الإمامة أو لا؟ لتكون الكلمة واحدة والطاقة واحدة، لا أن كل واحد يقول ويعمل كما يشاء، فما نستطيع أن نجاهد حينئذ. قال تعالى: قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا [البقرة:246].

معنى قوله تعالى: (فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلاً منهم والله عليم بالظالمين)

قال تعالى: فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا [البقرة:246]، رجعوا إلى الوراء هاربين إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ [البقرة:246]، أربعمائة من ثلاثين ألفاً أو أربعين ألفاً، وامتحنهم -كما سيأتي- بنهر الأردن، قال لهم: نحن في زمن عطش في الصيف، سوف نمر بنهر، وقد منعكم الله من الشرب منه فلا تشربوا إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ [البقرة:249]، غرفة فقط ليبرد قلبه؛ امتحاناً لهم، وما إن وصلوا إلى نهر الأردن حتى كبوا عليه كالبهائم وما نجا إلا ثلاثمائة وأربعة عشر، هذه عدة قوم طالوت وكانت عدة أهل بدر، والباقون انهزموا، وهؤلاء المؤمنون الصابرون بقيادة هذا البطل الكريم طالوت نجحوا ومزقوا جيش البابليين وهزموهم.

تفسير قوله تعالى: (وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً ...)

قال تعالى: وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا [البقرة:247] بعث لكم طالوت ملكاً عليكم يسوسكم ويقودكم حيث تقاتلون وتنتصرون، وتستردون دياركم ومركزكم في العالم، قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ [البقرة:247]، قالوا: طالوت هذا لا يصلح، ما هو من أولاد لاوي ولا من أولاد يهوذا، هذا من أولاد بنيامين ، نريد ملكاً من أصالة وجدارة كأولاد يهوذا الملك فيهم، أو من أولاد الأنبياء كبني لاوي ، أما بنو بنيامين فلا.ولو كان لهم عقول فهل سيقولون هذا الكلام لنبي؟ هل يعترضون على نبي طالبوه بأن يسأل الله لهم وأعطاهم فيقولون: لا، كيف يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه، نحن أبناء يهوذا وأبناء لاوي، كيف نقبل هذا؟وهل المسلمون اليوم يختلفون؟ لو كانوا مؤمنين صادقين -كما قررنا هذا منذ أربعين سنة- لاجتمعوا في هذه الروضة وبايعوا إماماً لهم وأخذوا القرآن دستوراً لهم، وأصبح العالم الإسلامي تحت راية واحدة ولا يكلفهم شيئاً أبداً.فهل بعد ذلك سيمرضون، أو يفتقرون، أو يصابون بماذا؟ والله! لترتفعن راية لا إله إلا الله في العالم، وخاصة في هذه الظروف، فما المانع أن يجتمع أربعون نفراً أو خمسون من الحكام ويقولوا: بايعنا فلاناً على كتاب الله وسنة رسوله، أنت إمام المسلمين ونحن ولاة وقادة الجيوش في العالم الإسلامي، لِم ما يفعلون؟ ما يستطيعون، فإذا كان هناك أحزاب وجماعات في كل بلد ما اتفقوا؛ فكيف تتفق الدول؟ ما السر إذاً؟ ما ربينا في حجور الصالحين، ظلم الجهل هو الذي هبط بنا. قال تعالى: قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ [البقرة:247]، قالوا: هذا فقير ما عنده ثروة ولا مال، وما هو من أبناء الملوك ولا أبناء الأنبياء، ما هو بمعقول يا حزقيل أو يا شمعون!

معنى قوله تعالى: (قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم)

قال تعالى: قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ [البقرة:247]، المفروض أنه ما دام أن الله اختاره فهل يبقى لنا كلام؟ وإنما تكلموا لأنهم فساق وظلمة، لأنهم في وقت هبوطهم، أبعد أن يقول: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ [البقرة:247] يبقى واحد يتردد؟ آمنا بالله. قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [البقرة:247]، كان أطولهم قامة، وقيل: هو ابن عجوز، وهذه العجوز لما بلغت ستين سنة سألت الله أن يرزقها ولداً، فرزقها الله هذا الولد طالوت، ولعل طالوت مأخوذ من الطول باللغة العبرية، حيث كان أطولهم؛ لأن الله قال: وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [البقرة:247]، كان أعلمهم وأقواهم بدناً، وهذا اختيار الله عز وجل للملك، فيجب أن يكون من العلماء من الأفاضل من أهل القوة البدنية والعقلية، أما ذو مناكب ضعيفة ونوليه فإنه يعجز ويشتت الأمة، هذا تدبير الله عز وجل.

لطيفة في الدلالة على جواز حب الوطن

وأذكر هنا لطيفة في قولهم: وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا [البقرة:246]، قالت العلماء: حب الوطن فطري في الإنسان، واسمع هؤلاء لما قالوا: أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا [البقرة:246] يعني: الشوق إلى ديارهم والعودة إليها، ويقوي هذا ويبلوره أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان خارجاً من مكة مهاجراً وغادرها استقبلها وقال: ( إنك لأحب البلاد إلى الله، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت ).وأما حديث العامة: (حب الوطن من الإيمان) فهذا حديث باطل، يكتبونه في اللوحات وكذا، وما هو بحديث، ليس بحديث أبداً، ولكن حب الوطن فطري غريزي، فالإنسان حيث وجد يتوق ويشتاق إلى ذلك المكان، أما أنه من الإيمان فليس من الإيمان.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg

ابوالوليد المسلم 30-07-2020 03:39 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (19)
الحلقة (26)

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

تفسير سورة البقرة (116)

بعد أن تبين لبني إسرائيل اصطفاء الله عز وجل لطالوت وتمليكه عليهم، وما أنزل عليه من التابوت الذي فيه ميراث موسى وهارون عليهما السلام، والسكينة التي وعدهم الله إياها، بعد ذلك خرج طالوت بجنوده حتى وصلوا إلى نهر، فابتلاهم الله عز وجل بالشرب منه، فشربوا منه جميعاً سوى نفر قليل أطاعوا أمر ملكهم ولم يشربوا، وهم الذين واجهوا العمالقة بقيادة جالوت، فهيأ الله داود عليه السلام لملاقاة جالوت فقتله ونصر الله عز وجل عباده المؤمنين على قلتهم، وهزم أعداءهم على كثرتهم وقوتهم.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في دراسة كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) اللهم حقق لنا هذا الموعود.

ذكر ما كان من خبر بني إسرائيل بعد وفاة موسى عليه السلام
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

أعيد تلاوة الآيات السابقة التي درسناها فتفكروا وتذكروا، فلها ارتباط بالآيات الآتية: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى [البقرة:246] ملأ بني إسرائيل: أشرافهم -كما عرفنا- من علماء وأخيار، مِنْ بَعْدِ مُوسَى [البقرة:246] أي: بعد وفاة موسى بقرون، إذ يعقوب عليه السلام كان بأرض فلسطين، ثم لما أخذ ولده يوسف عليه السلام وبيع كما علمتم، واشتراه العزيز بالديار المصرية، وشاء الله عز وجل أن يجمع بين يوسف وإخوته ويعقوب، ثم كانت فترة نورانية ما غشيها ظلام الفسق والفجور والخروج عن طاعة الله ورسله، ثم بعث الله موسى عليه السلام وطالب فرعون بأن يخرج ببني إسرائيل من الديار المصرية، وامتنع فرعون وأراه الله الآيات التسع، وكسر الله فرعون وهزمه وخرج موسى ببني إسرائيل، ولما خرج بهم كان الذي وقع؛ لأنهم ما تربوا تربية إسلامية في حجور الصالحين، فكانوا جبناء وخرافيين، ما إن شاهدوا قوماً على ساحل البحر الأحمر يعبدون العجل حتى قالوا: اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ [الأعراف:138]، وحصل أن الله حرمهم من دخول الديار الفلسطينية وكتب عليهم التيه أربعين سنة لعصيانهم، لعدم طاعتهم لله ولرسوله، ومات موسى وهارون عليهما السلام في زمن التيه، وتولى بني إسرائيل يوشع بن نون، هذا تلميذ موسى عليه السلام.وقادهم ودخل والحمد لله الديار المقدسة، وأدب العمالقة وانتصر وكانت الدولة، فمضت فترة والناس في رخاء وطهر وصفاء، فجاءت الشهوات والأهواء والأطماع ففسقوا عن أمر الله، وخرجوا عن طاعته، وأعرضوا عن ذكره وكتابه كما هي حال المسلمين في فترات من الزمان معروفة، فسلط الله عليهم العمالقة، فشردوهم، شتتوهم، مزقوهم، أذلوهم، أهانوهم، ولما نبتت نابتة جديدة قالوا: إلى متى ونحن مشردون؟ هيا بنا نطالب نبينا شمويل بأن يعين لنا ملكاً ونقاتل تحت رايته ونسترد ديارنا وبلادنا.

طلب بني إسرائيل من نبيهم تولية ملك عليهم للقتال

اسمع القصة كما ذكرها تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:246] اختره لنا، وقدمه لنا وابعثه لنشاهده.قال تعالى: قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا [البقرة:246]، قال: أتوقع أنه متى فرض الله عليكم القتال لا تقاتلون؛ لعلمه بضعفهم وخورهم واختلافهم وهبوطهم، وكان حكيماً، وكيف لا وهو نبي الله؟فردوا عليه قائلين: وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا [البقرة:246]، قال تعالى: فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا [البقرة:246] مهزومين معرضين إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ [البقرة:246] ثلاثون ألفاً أو خمسون ألفاً ما صبر ولا رضي بالقتال منهم سوى ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، هذا الواقع. فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا [البقرة:246] هاربين معرضين عن المواجهة إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ [البقرة:246].

إخبار بني إسرائيل بتولية الله تعالى طالوت الملك عليهم

وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا [البقرة:247]، طالوت هذا بعض الروايات تقول: إنه ابن عجوز، ويلقب بابن العجوز؛ لأن والدته كانت كبيرة السن وشاخت وما ولدت، وتوسلت إلى الله بأسمائه وصفاته فرزقها الله هذا الولد، فكان يعرف بابن العجوز، وكان طويل القامة؛ بحيث إذا وقفت تريد أن تمس رأسه فإنك ترفع يدك حتى تضعها على رأسه، فسمي (طالوت) من الطول، وقوله: (ملكاً) أي: إماماً يقودكم إلى الجهاد.ولا ننس أنه لا بد من قيادة رشيدة، لا بد من إمامة، لا يصح للمسلمين أن يقاتلوا متفرقين مختلفين، فينهزمون وينكسرون، لا بد من إمامة تظللهم رايتها فيأتمرون بأمرها وينتهون بنهيها، هذا الذي شاءه الله، وقد قلنا لكم: لما قاتل المسلمون من إندونيسيا إلى موريتانيا المستعمرين الغربيين ما قاتلوهم تحت قيادة ربانية شرعية، فلما انتصروا على العدو الكافر ما أقاموا لله دولة ولا سلطاناً، ما أقاموا حتى الصلاة ولا جبوا الزكاة، ولا حرموا أدنى شيء مما حرم الله، لِم؟ ما السر؟ ما هناك إمام قائد رباني يأمر وينهى، بل جماعات وأحزاب ونعرات، فما استطاعوا أن يقيموا دولة إسلامية، والحبيب صلى الله عليه وسلم يعلمنا: ( إذا كنتم ثلاثة في سفر فأمروا أحدكم )، أيما جماعة لا بد لهم من أمير حتى لا يختلفوا ويلعن بعضهم بعضاً، فكلمة المسلمين يجب أن تكون واحدة؛ لأنهم يحملون راية الإنس والجن كلهم أعداء لها، ما يريدون أن يعبد الله وحده، أو تقوم شريعته أبداً، فلا بد أن تكون تلك الأمة متحدة الكلمة، متحدة الرأي، متحدة الشريعة، فالخلاف شر كله، فانظر: ما قاتل بنو إسرائيل جماعات جماعات ومنظمات كما هو الحال الآن، قالوا: ابعث لنا ملكاً نقاتل تحت رايته.فنظر نبي الله شمويل إلى ضعفهم وعدم تربيتهم وخورهم فقال: ما أنتم بقادرين. فقالوا: كيف؟! وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا [البقرة:246]، وصدق الله وصدق عبده ونبيه. قال تعالى: فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ [البقرة:246]، فلهذا يجب أن يتربى المؤمنون في حجور الصالحين على الكتاب والسنة، على النور الإلهي، وإلا فهم غثاء كغثاء السيل، فأنى يقودون العالم ويسودون البشرية؟

ترفع الملأ من بني إسرائيل واعتراضهم على تمليك طالوت

وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا [البقرة:247]، كان المفروض أن يقولوا: آمنا بالله، مرحباً، الحمد لله، فنبيهم ما قال: أنا بعثته، بل قال: إن الله بعثه بوحيه، قال: عين لهم فلاناً يقودهم.فلما كانوا في ذلك الهبوط الخلقي والروحي والعلمي قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا [البقرة:247]، ما هو من أبناء يهوذا الذين فيهم الملك ولا من أبناء لاوي الذين فيهم النبوة، بل هو من أولاد بنيامين أخي يوسف، فلن نقبل هذا! فهل هذا الكلام يقوله مؤمن؟ يردون على رسول الله ونبيه، لأنهم جهلة بعداء عن الأنوار الإلهية، فواجهوا نبي الله بهذه الكلمات. قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ [البقرة:247]، نحن أحق بالملك منه؛ لأننا أبناء الملوك أو أبناء الأنبياء، وليس هو من هؤلاء ولا من هؤلاء، ولم يعطَ المال الكافي.

اصطفاء الله تعالى لطالوت وبيان ما حباه به من الشمائل

فقال نبي الله شمويل: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [البقرة:247]، وهنا: من أراد أن يأمر أميراً فلا بد أن ينظر إلى بدنه وقوته وإلى علمه وإدراكه، العلم الذي نعني غير الثقافة الغربية الأوروبية، فتلك أوساخ، المراد العلم الرباني: العلم بالله تعالى وبمحابه ومكارهه، وكيف تؤدى تلك المحاب، وكيف تجتنب تلك المكاره، العلم بما عند الله لأوليائه، وما لدى الله لأعدائه، هذا العلم مع قوة البدن، يكون قادراً على البيان والكلام والمشي والقيام، أما المريض والضعيف فما ينفع في هذا الباب. قال: وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ [البقرة:247] لا تعترضوا على الله، الله يعطي ملكه من يشاء، العبيد عبيده وهو الذي يملِّك من شاء من عبيده، وقد اصطفى طالوت واختاره من بينكم لأهليته للقيام بهذه المهمة: قيادة الجيش لإنقاذ البلاد من المستعمرين. وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:247]، واسع العلم والمعرفة والقدرة، عليم بكل ما يحدث في الكون قبل أن يكون، فليسلم له، فإذا اختار الله زيداً أو إبراهيم لم يبق للجهلة الحق في أن يقولوا: لا، وهو سبحانه الواسع القدرة والعلم والإحاطة بكل شيء، العليم بخفايا الأمور، والظاهر والباطن عنده سواء، فما ينبغي أن يردوا هذا عليه.

يتبع


ابوالوليد المسلم 30-07-2020 03:39 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
تفسير قوله تعالى: (وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم ...)
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

الآن مع قوله تعالى: وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ [البقرة:248] من نبيهم؟ شمويل، ماذا قال لهم؟ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ [البقرة:248] العلامة الدالة على أن الله اختاره واصطفاه وملكه أمركم ليقودكم، آية ذلك وعلامته: أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ [البقرة:248].التابوت: صندوق خشب من نوع راقٍ، وقد يكون مطلياً بالذهب في بعض جوانبه لرفعته، هذا التابوت ماذا فيه؟ قال: فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:248]، ما هي السكينة؟ذهب بعض أهل التفسير -ولعلهم ينقلون عن بني إسرائيل- فقالوا في السكينة: إنها حيوان كالهر له جناحان وذنب كالهر، ولعينيه شعاع .. إلى آخر ما وصفوا في هذا، وهذا مروي عن بعض المفسرين كـمجاهد ، ومجاهد أهل لذلك، لكن ما دام أنه مروي عن بني إسرائيل فقد يكون خرافة.وقد بين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم السكينة، أما قال للذي كان يقرأ سورة الكهف وقد ربط فرسه في شجرة، وإذا بسحابة تتغشاه، فجعلت الفرس تنفر منها، ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه حصل له كذا وكذا، فقال: ( تلك السكينة تنزلت للقرآن ) ، أي: ملائكة.وفي حديثنا الذي نعيده قال صلى الله عليه وسلم: ( إلا نزلت عليهم السكينة )، فأسكنتنا وجعلتنا هادئين ساكنين، إذاً: السكينة الهدوء والطمأنينة والاستقرار، وعدم الاضطراب وعدم الخوف، وعدم القلق.فهذا التابوت ماذا قال تعالى عنه؟ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:248] أي: لقلوبكم، بمجرد أن يوجد هذا التابوت بينكم تهدأ نفوسكم وتسكن وتطمئن بسبب هذا التابوت الذي يحوي من الآثار كذا وكذا وكذا. وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى [البقرة:248]، فيه عصا موسى، فيه نعاله، فيه التوراة التي أخذت منهم، فيه آثار من هارون، هذه كانت مجموعة في صندوق مطلي بالذهب وكانوا يعتزون بها، إذا وجدت فيهم سكنت نفوسهم، هذا التابوت لما استولى عليهم العمالقة أخذوه إلى ديارهم، وبقي عندهم في معرض التحف، ومن تدبير الله عز وجل أنهم -والعياذ بالله تعالى- أصابهم داء البواسير وأصابهم قحط، فتساءلوا فقالوا: هذا بسبب تابوت بني إسرائيل، فهيا نرده عليهم، هكذا تقول الرواية، فوضعوه في عربة تجرها الخيل أو البغال، ووجهوها نحو بني إسرائيل، فساقتها الملائكة حتى وصلت بها إلى مجتمع بني إسرائيل، إذ قال تعالى: تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ [البقرة:248]، ولا مانع أن تكون الملائكة تقود العربة وتوجهها، وإلا فكيف لحيوان أن يعرف الطريق من منطقة إلى منطقة؟ ولا مانع أيضاً أن الملائكة تأخذ الصندوق بما فيه وتضعه بين أيديهم، ولا منافاة بين هذا وذاك، إذ هذا فعل الله وتدبيره. فهذه آية: أن الله تعالى ملك عليهم طالوت، هذه أعظم آية، ففجأة يجدون التابوت بين أيديهم، فلا يبقى شك واضطراب في نفوسهم، هذه أكبر آية وعلامة على أن الله قد ملك طالوت عليهم حقاً: وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ [البقرة:248] عليكم أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ [البقرة:248] من أين يأتي؟ من عند العدو من بلاد بعيدة، فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:248] بمجرد أن يقع بينكم تسكن نفوسكم، وتهدأ القلوب وتنتهي المخاوف وتنتهي الهزائم المعنوية لوجود هذه البركة؛ لأن هذا التابوت فيه آثار موسى وهارون، منها: العصا، منها نعل من نعالهما، وثوب من ثيابهما.قال: تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ [البقرة:248]، فما قالوا: كيف؟ المهم أنه وضع بين أيديكم، وصل بإذن الله عز وجل وتدبيره. إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة:248]، وإذا كنتم كافرين لا تؤمنون بالله وبآياته فماذا نصنع؟ وهذه والله لأكبر آية تدل على أن الله قد ملك هذا العبد الصالح طالوت عليهم، لماذا؟ ليجمع كلمتهم ويقودهم إلى الجهاد لإنقاذ ديارهم وأهلهم.

تفسير قوله تعالى: (فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر ...)

فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ [البقرة:249] انفصل وقاد الجنود، قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ [البقرة:249] مختبركم، ممتحنكم؛ لأنكم أخلاط، امتحان بنهر في شدة القيظ وشدة العطش، قيل: هذا النهر هو نهر الأردن، فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي [البقرة:249] اللهم إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ [البقرة:249] أطفأ بها لهب العطش. ومشى الجيش بقيادة الملك طالوت عليه السلام، وبعد يوم أو يومين وصلوا إلى دائرة الامتحان، وكانوا عطاشاً، ما إن وصلوا إلى النهر حتى أكبوا عليه يكرعون، ونسوا ما أخذ عليهم من العهد، فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ [البقرة:249]، بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم هذا القليل أنه ثلاثمائة وثلاثة عشر، أو وأربعة عشر على خلاف، على عدة أصحاب بدر الذين خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عير أبي سفيان ، وكتب الله القتال وجمع بينهم في بدر، وكانوا ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إنكم على عدة قوم طالوت )، وبينهم قرون عديدة. قال تعالى: فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ [البقرة:249]، لما جاوزوا النهر وشربوا وقربت المواجهة قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ [البقرة:249] ما نستطيع، وهذه هي الهزيمة، قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ [البقرة:249] هم المؤمنون الموقنون، وعبر بـ(الظن) عن (اليقين) لأنه غيب، ما هو بمشاهدة، فيعبر عنه بالظن والمراد به اليقين. قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ [البقرة:249]، هم الذين يؤمنون بلقاء الله بعد الموت ويوم البعث والنشور، أي: المؤمنون بلقاء الله وباليوم الآخر، ما هم بملاحدة ولا كفار ولا مشركين، فماذا قالوا؟ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:249]، علماء حلماء، ولهذا عبروا بهذا التعبير لنور إيمانهم ومعرفتهم، ليسوا كأولئك الرعاع السفلة، بل ثبتوا وقالوا: سنقاتل، كم من فئة قليلة في التاريخ غلبت فئة كثيرة بإذن الله، والله مع الصابرين الذين يثبتون على طاعته وطاعة القيادة، ويقاتلون من أجل الله ومن أجل إعلاء كلمته.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات

نسرد الآن ما جاء في التفسير بما فيه من العلم الكثير.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ معنى الآيات: لقد فرض الله تعالى على المؤمنين القتال، ودارت رحى المعارك بداية من معركة بدر، وكان لا بد من المال والرجال الأبطال الشجعان، فاقتضى هذا الموقف شحذ الهمم وإلهاب المشاعر لتقوى الجماعة المسلمة بالمدينة على مواجهة حرب العرب والعجم معاً، ومن هنا -لمطاردة الجبن والخوف وهما من شر الصفات في الرجال- ذكر تعالى حادثة الفارين من الموت ] في قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ [البقرة:243] [ التاركين ديارهم لغيرهم، كيف أماتهم الله ولم ينجهم فرارهم، ثم أحياهم ليكون ذلك عبرة لهم ولغيرهم، فالفرار من الموت لا يجدي، وإنما يجدي الصبر والصمود حتى النصر.ثم أمر تعالى المؤمنين بعد أن أخذ ذلك المنظر من نفوسهم مأخذه فقال: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:244]، ولما كان المال المقدم في القتال فتح الله لهم اكتتاباً مالياً وضاعف لهم الربح في القرض بشرط خلوصه وطيب النفس به، ثم قدم لهم هذا العرض التفصيلي لحادثة أخرى تحمل في ثناياها العظات والعبر لمن هو في موقف المسلمين الذين يحاربهم الأبيض والأحمر وبلا هوادة وعلى طول الزمن، فقال تعالى وهو يخاطبهم في شخص نبيهم صلى الله عليه وسلم: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:246]، يريد: ألم ينته إلى علمك يا رسولنا بإخبارنا إياك قول أشراف بني إسرائيل بعد وفاة موسى لنبي لهم: ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله؛ فنطرد أعداءنا من بلادنا ونسترد سيادتنا ونحكم شريعة ربنا؟ونظراً إلى ضعفهم الروحي والبدني والمالي تخوف النبي أن لا يكونوا صادقين فيما طالبوه به فقال: هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ [البقرة:246] بتعيين الملك القائد أَلَّا تُقَاتِلُوا [البقرة:246]؟! فدفعتهم الحمية فقالوا: وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله والحال أنا قد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا؟ وذلك أن العدو وهم البابليون لما غزوا فلسطين بعد أن فسق بنو إسرائيل فتبرجت نساؤهم واستباحوا الزنا والربا، وعطلوا الكتاب، وأعرضوا عن هدي أنبيائهم؛ سلط الله عليهم هذا العدو الجبار فشردهم فأصبحوا لاجئين.وما كان من نبي الله شمويل إلا أن بعث من تلك الجماعات الميتة موتاً معنوياً رجلاً منهم هو طالوت وقادهم، فلما دنوا من المعركة جبنوا وتولى أكثرهم منهزمين قبل القتال، وصدق نبيهم في فراسته إذ قال لهم: هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا [البقرة:246]. هذا ما تضمنته الآية الأولى من هذا القصص. أما الآية الثانية فقد تضمنت اعتراض ملأ بني إسرائيل على تعيين طالوت ملكاً عليهم؛ بحجة أنه فقير من أسرة غير شريفة، وأنهم أحق بهذا المنصب منه، ورد عليهم نبيهم حجتهم الباطلة بقوله: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:247]، كان هذا رد شمويل على قول الملأ: أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ [البقرة:247]. وكأنهم لما دمغتهم الحجة، وهي أن الله تعالى قد اختار طالوت وفضله عليهم بهذا الاختيار، وأهله للولاية بما أعطاه وزاده من العلم وقوة الجسم، والقيادات القتالية تعتمد على غزارة العلم وقوة البدن بسلامة الحواس وشجاعة العقل والقلب، أقول: كأنهم لما بطل اعتراضهم ورضوا بـطالوت طالبوا -على عادة بني إسرائيل في التعنت- طالبوا بآية تدل على أن الله حقاً اختاره لقيادتهم، فقال لهم .. إلى آخره، وهي الآية الآتية ]. قال تعالى: وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة:248].قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ معنى الآية الكريمة:قد أصبح بشرح الكلمات معنى الآية واضحاً، وخلاصته أن شمويل النبي أعلمهم أن آية تمليك الله تعالى لـطالوت عليهم أن يأتيهم التابوت المغصوب منهم، وهو ] أي: التابوت [ رمز تجمعهم واتحادهم ومصدر استمداد قوة معنوياتهم؛ لما حواه من آثار آل موسى وآل هارون؛ كرضاض الألواح ] التي تكسرت لما غضب موسى ورمى بها فتحطمت، [وعصا موسى ونعله، وعمامة هارون، وشيء من المن الذي كان ينزل عليهم في التيه، فكان هذا التابوت بمثابة الراية يقاتلون تحتها، فإنهم إذا خرجوا للقتال حملوه معهم إلى داخل المعركة ولا يزالون يقاتلون ما بقي التابوت بأيديهم لم يغلبهم عليه عدوهم.ومن هنا وهم يتحفزون للقتال جعل الله تعالى لهم إتيان التابوت آية على تمليك طالوت عليهم، وفي نفس الوقت يحملونه معهم في قتالهم فتسكن به قلوبهم وتهدأ نفوسهم، فيقاتلون وينتصرون بإذن الله تعالى.أما كيفية حمل الملائكة للتابوت فإن الأخبار تقول: إن العمالقة تشاءموا بالتابوت عندهم إذ ابتلوا بمرض البواسير وبآفات زراعية وغيرها، ففكروا في أن يردوا هذا التابوت لبني إسرائيل، وساق الله أقداراً لأقدار، فجعلوه في عربة يجرها بقرتان أو فرسان ووجهوها إلى جهة منازل بني إسرائيل، فمشت العربة فساقتها الملائكة حتى وصلت بها إلى منازل بني إسرائيل، فكانت آية وأعظم آية، وقبل بنو إسرائيل بقيادة طالوت ، وباسم الله تعالى قادهم، وفي الآية التالية بيان السير إلى ساحات القتال ].قال تعالى: فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:249].قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ معنى الآية:إنه لما خرج طالوت بالجيش أخبرهم أن الله تعالى مختبرهم في سيرهم هذا إلى قتال عدوهم بنهر ينتهون إليه، وهم في حر شديد وعطش شديد، ولم يأذن لهم في الشرب منه إلا ما كان من غرفة واحدة، فمن أطاع ولم يشرب فهو المؤمن، ومن عصى وشرب بغير المأذون به فهو الكافر، ولما وصلوا إلى النهر شربوا منه يكرعون كالبهائم إلا قليلاً منهم. وواصل طالوت السير فجاوز النهر هو ومن معه، ولما كانوا على مقربة من جيش العدو -وكان قرابة مائة ألف- قال الكافرون والمنافقون: لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ [البقرة:249] فأعلنوا انهزامهم، وانصرفوا فارين هاربين، وقال المؤمنون الصادقون وهم الذين قال الله فيهم: قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:249]، كانت هذه الآية في بيان سير طالوت إلى العدو، وفي الآيتين التاليتين بيان المعركة وما انتهت إليه من نصر حاسم للمؤمنين الصادقين ].
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

قراءة في تفسير قوله تعالى: (ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبراً ...) من كتاب أيسر التفاسير

يقول تعالى: وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة:250]، دعاء صادق وهم صادقون، فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [البقرة:251-252].

معنى الآيات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ معنى الآيات: لما التقى الجيشان: جيش الإيمان وجيش الكفر والطغيان؛ طالب جالوت ] جالوت الكافر طالب جيش طالوت بالمبارزة، قال: من يبارزنا؟ وكانوا إذا اصطفت الصفوف يخرج بطل يقول: من يقاتلني، وهذا على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان شائعاً، والآن انتهى؛ لأن الحرب بالرصاص والصاروخ، ولهذا فالجيوش الآن كلهم جبناء، ما هناك مواجهة.قال: [ طالب جالوت بالمبارزة، فخرج له داود من جيش طالوت ]، داود هذا هو أبو سليمان الذي ملكه الله، [ فقتله، والتحم الجيشان ]، إذا انتهت المبارزة بقتل أحد المبارزين الآخر تلتقي الفئتان، وهذا البراز علته التهييج والإثارة، وأنتم تعرفون هذا من كرة القدم على شاشة التلفاز والناس يتمايلون، فهذا سر المبارزة، فالصفوف من هنا وهناك، والمبارزة قائمة وهم يتحمسون، ما إن يسقط أحدهما حتى يندفع بعضهم على بعض بتدبير الله عز وجل.قال: [ فنصر الله جيش طالوت ، وكان عدد أفراده ثلاثمائة وأربعة عشر مقاتلاً لا غير ]، التحم الجيشان فنصر الله جيش طالوت الملك على بني إسرائيل، وكان عدد أفراد جيشه ثلاثمائة وأربعة عشر مقاتلاً لا غير؛ [ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل بدر: ( إنكم على عدة أصحاب طالوت )] بوحي الله الذي يتلقاه، [ وكانوا ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً، فهزم الله جيش الباطل على كثرته، ونصر جيش الحق على قلته. وهنا ظهر كوكب داود في الأفق بقتله رأس الشر جالوت ، فمن الله عليه بالنبوة والملك بعد موت كل من النبي شمويل والملك طالوت ] عليهم السلام، [ قال تعالى: وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ [البقرة:251].وختم الله القصة ] اللطيفة الظريفة، هذه التي ينبغي أن تدرس في كليات الحرب، وما يعرفونها، ويدرسون ضلالات أوروبا وأوساخ روسيا في أغلب كليات الحرب.[ وختم الله القصة ذات العبر والعظات العظيمة بقوله: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ [البقرة:251] بالجهاد والقتال؛ لاستولى أهل الكفر وأفسدوا الأرض بالظلم والشرك والمعاصي ] أليس كذلك؟ إي والله العظيم، حتى لا تقول: لم يأمر الله المؤمنين أن يقاتلوا؟ فقتالهم هذا لرفع الظلم وإحقاق الحق، لولا أنه يدفع الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض، واستولى عليها أهل الكفر والشرك والباطل ودمروها. [ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ [البقرة:251] بالجهاد والقتال؛ لاستولى أهل الكفر وأفسدوا الأرض بالظلم والشرك والمعاصي، ولكن الله تعالى بتدبيره الحكيم يسلط بعضاً على بعض، ويدفع بعضاً ببعض منة منه وفضلاً، كما قال عز وجل: وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ [البقرة:251] ] أبيضهم وأسودهم، كافرهم ومؤمنهم.[ ثم التفت ] الله تعالى [ إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وقال له تقريراً لنبوته وعلو مكانته: تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ [البقرة:252] التي تقدمت في هذا السياق نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [البقرة:252] ] الله أكبر.. الله أكبر، والحمد لله رب العالمين.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg


ابوالوليد المسلم 30-07-2020 03:40 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (20)
الحلقة (27)



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

تفسير سورة البقرة (117)

من سنة الله عز وجل في خلقه أنه فضل بعض مخلوقاته على بعض، ومن ذلك أنه فضل بعض النبيين على بعض، ففضل الرسل عامة على النبيين، وفضل أولي العزم على سائر الرسل، فمنهم من كلمه تعالى كفاحاً كموسى عليه السلام ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومنهم من آتاه الآيات الباهرات ورفعه إليه فوق السماوات كعيسى عليه السلام، ثم ختم سبحانه وتعالى الرسل بأفضلهم وواسطة عقدهم محمد صلى الله عليه وسلم.
قراءة في تفسير قوله تعالى: (ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا في مثل هذه الليالي الأربع ندرس كتاب الله عز وجل، وكلنا رجاء في أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).أعيد إلى أذهان المستمعين والمستمعات تلك القصة العجيبة التي قصها الله تعالى علينا في كتابه القرآن العظيم، تلك القصة التي تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؛ إذ رجل أمي لم يقرأ ولم يكتب يقص قصصاً عجباً تم في بني إسرائيل مختلف الأحداث متنوعها، ولا يستطيع يهودي ولا مسيحي أن يرد كلمة واحدة أو ينقضها، فكيف لا يكون رسولَ الله يتلقى الوحي والعلم من الله عز وجل؟والقصة أتلوها: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ * وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:243-245].ثم تبدأ القصة مفصلة؛ إذ قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [البقرة:246-252].

هداية الآيات

فإلى هداية هذه الآيات في ستة أرقام تذكرنا بهذه الحادثة العظيمة:قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآيات:من هداية الآيات:[ أولاً: الجهاد الشرعي يشترط له الإمام المبايع بيعة شرعية ].الجهاد الشرعي الذي أذن الله فيه وأمر به وشرعه لعباده المؤمنين يشترط لصحته وجوازه والقيام به الإمام المبايع بيعة شرعية، وقتال بدون بيعة وإمام باطل، وأهله ظالمون، ولن يثمر إلا البلاء والشر والفساد.من أين أخذنا هذا؟ إذ قال بنو إسرائيل لنبيهم شمويل: ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:246]، لم ما قاتلوا جماعات وأحزاباً؟ لعلمهم أن الجهاد الذي يثمر العز والكمال والطهر والصفاء يكون مما رضيه الله فأذن به وعلم عباده، فقالوا: ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:246]، فمأخذها هذه الهداية من قولهم: ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا [البقرة:246].[ ثانياً: يشترط للولاية الكفاءة ]، الذي نوليه ونبايعه لا بد أن تكون فيه كفاية لمهمته، [ وأهم خصائصها العلم، وسلامة العقل والبدن ].من أين أخذنا هذا؟ ذلك أنهم قالوا: كيف تولي علينا هذا الرجل الفقير؟ فرد الله تعالى فقال لهم: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ [البقرة:247] أولاً، وما دام أنه اصطفاه فلا كلام، وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [البقرة:247] وبهذا يتأهل لقيادة الجيوش وهزيمة العدو.[ ثالثاً: جواز التبرك بآثار الأنبياء كعمامة النبي صلى الله عليه وسلم أو ثوبه أو نعله ]، بل حتى بصاقه؛ ذلك أنهم قالوا: اجعل لنا آية تدل على أن الله اختار هذا، فقال: الآية موجودة، أن يأتيكم تابوت بني إسرائيل، وفيه آثار موسى وهارون. وبالفعل جاء التابوت وكان بأيدي العمالقة في أرض بابل، فإنهم لما احتلوا ديارهم مزقوهم وشردوهم، وأخذوا هذا التابوت وهو صندوق مطلي بالذهب طوله حوالي ثلاثة أذرع، والعرض كذلك، وفيه آثار أنبياء بني إسرائيل، عصا موسى، وكذلك ثياب ونعال مما كان لموسى وهارون، وهذا بمثابة الراية يقاتلون تحتها، كانوا إذا خرجوا للقتال يحملون هذا التابوت، ويرضون بأن يمزقوا كلهم ولا يسقط هذا.إذاً: فجاءهم الله بالتابوت من أرض العراق إلى فلسطين، ففيه جواز التبرك بآثار الأنبياء، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم إذا بصق لا يقع بصاقه على الأرض، يتلقفه أصحابه ويتمسحون به، أما بردته فإلى عهد قريب وهي في المتحف في بلاد العثمانيين، البردة لبسها الرسول صلى الله عليه وسلم، وخرج بها فاندهش الناس لجمالها، فجاءه أحدهم فقال: يا رسول الله! أعطني إياها، فعاد إلى حجرته ونزعها وقدمها له، فصاح الأصحاب: كيف تفعل هذا؟ الرسول ما يرد سائلاً لأنه حيي. فقال: أردت أن تمس جلدي كما مست جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتوارثها الأصحاب وأبناؤهم، وبيعت بالآلاف، فآثار الأنبياء لها قيمتها، أما آثار الصعاليك من أمثالنا فخطأ، لا بصاق ولا ثوب ولا نعل. من أين أخذنا هذا؟ من قوله: وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ [البقرة:248].[ رابعاً: جواز اختبار أفراد الجيش لمعرفة مدى استعدادهم للقتال والصبر عليه ]، من أين أخذنا هذا؟ من كونه امتحنهم، قال: اسمعوا: سنصل إلى النهر غداً في الساعة كذا، وممنوع أن تشربوا منه. امتحاناً لهم، ما إن وصلوا إلى النهر وهم عطاش حتى انكبوا عليه يكرعون كالإبل، ما هم بأهل للقتال، فما خلص منهم إلا ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً، هؤلاء قادهم طالوت وقاتل بهم جالوت وانتصر عليه، وتلك الألوف كلها انهزمت، هذا اختبار أو لا؟ يريد أن يقاتل جيشاً عرمرمياً قوياً وأفراده قليلون، فاختار الصادقين، أما الانهزاميون أو الشهوانيون أصحاب الأطماع فما يصلحون للقتال، يهربون عند أدنى شيء، فمن أين أخذنا هذا؟ من قوله: إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي [البقرة:249] لا يمش معنا، وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي [البقرة:249] اللهم إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ [البقرة:249] ليطفئ لهب العطش، فخلص من ثلاثين أو أربعين ألفا ثلاثمائة، وقاتلوا وانتصروا.[ خامساً: فضيلة الإيمان بلقاء الله، وفضيلة الصبر على طاعة الله خاصة في معارك الجهاد في سبيل الله ].من أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:249] الذين لا يتزعزعون أبداً، يعطون صدورهم للعدو ولا يعطونهم أدبارهم.[ سادساً: بيان الحكمة في مشروعية الجهاد، وهي دفع أهل الكفر والظلم بأهل الإيمان والعدل، لتنتظم الحياة ويعمر الكون ]. من أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ [البقرة:251].وختاماً قال تعالى: تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ وعزتنا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [البقرة:252] فصلى الله عليه وسلم.فالذي يشك في رسالة محمد أحمق، مجنون، لا قيمة له أبداً، فمن أين يأتي هذا البيان؟ بلغ أربعين سنة وهو ما يعرف الألف ولا الباء، ما جلس بين يدي معلم أو مرب، فهل استطاع اليهود -وهم ثلاث طوائف كما علمتم- بعلمائهم أن يردوا كلمة؟

تفسير قوله تعالى: (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ...)
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

والآن مع هاتين الآيتين الكريمتين:أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ [البقرة:253] ومن ثم اقتتلوا، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:253-254].قوله تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ [البقرة:253]: تلك الجماعات التي تقدم ذكرها -جماعات الرسل- فضلنا بعضهم على بعض، ومن الذي يفضل؟ الله تعالى.

فضل نبينا على جميع الأنبياء

وهنا لنعلم أن الرسل ليسوا في مستوى واحد في المكانة عند الله عز وجل، بل متفاضلون، لكن ليس من حقنا نحن أن نفضل فلاناً على فلان، نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال: لا تفضلوا بين الأنبياء، لا تفضلوني على موسى، لا تفضلوني على يونس ابن متى، ما هو شأنكم أنتم؟ فقط علمنا الله بهذه الآية أنه فضل بين الرسل وهو كذلك، فمن أفضل الرسل؟ محمد صلى الله عليه وسلم؛ فهو نبي البشرية والجن، وإذا توهم متوهم فقال: فضلتموه على أنبياء بني إسرائيل لأنه نبيكم؛ قلنا: محمد صلى الله عليه وسلم نبي العرب ونبي العجم، ونبي الإنس والجن.إذاً: فضله الله عز وجل بما آتاه من الكمالات، لو تجتمع البشرية كلها وتصوغ آدابها وأخلاقها في صورة واحد فوالله! ما كانت كأخلاق أو آداب رسول الله. وفضّله الله تعالى بما يأتي:أولاً: بكون رسالته عامة للإنس والجن.ثانياً: بكونه ختم الله برسالته عامة الرسالات، أعلن عن هذا القرآن فقال: وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40]، ومضى ألف وأربعمائة عام، فهل جاء نبي؟ هذه وحدها كافية، وقد كان الأنبياء يتواردون كل عامين، أو ثلاثة، ولكن هذه ألف وأربعمائة سنة، فهل جاء نبي؟ لأن الله قال: وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40].وقد فتح الله علينا وعرفنا السر، حيث علم الله أن الأرض ستكون كأرض واحدة والعالم كمدينة واحدة، أصوات البشر تنتقل من الشرق إلى الغرب، الناس يطيرون في السماء، إذاً: ما هناك حاجة إلى تعدد الأنبياء، فقد كانت البلاد متباعدة، فكانت رحمة الله تقتضي أن كل إقليم فيه نبي، ولكن علم تعالى أن البشرية ستصبح في يوم من الأيام وكأنها أمة واحدة وبلد واحد، فالآن القرآن يقرأ في موسكو والعالم يسمعه في إذاعتها، فهل عرفتم السر أو لا؟ إنه لعلم الله تعالى بما سيوجده في المستقبل من أن العالم سيصبح كمدينة واحدة.وفضله صلى الله عليه وسلم بأن أمته أفضل الأمم، وفضله بالشفاعة في المقام المحمود؛ حيث يتخلى عنها عامة الرسل ولا يطلبها أحد، وهو يقول: أنا لها، إذ بشره الله بها في سورة بني إسرائيل: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79] و(عسى) تفيد التحقيق من الله، وفضّله بأنه أول من يدخل الجنة، وأول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة.

يتبع


ابوالوليد المسلم 30-07-2020 03:41 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
فضل أولي العزم من الرسل

وأعظم الرسل هم أولوا العزم، جاء ذكرهم في بعض آية من سورة الأحزاب؛ إذ قال تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [الأحزاب:7] من أولهم ذكراً؟ ضمير المخاطب عائد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم في الترتيب هكذا: وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [الأحزاب:7]، وفي عرصات القيامة كما حفظتم وعلمتم حين تهيج البشرية في تلك الساحة العظمى يبحثون عمن يكلم الله في شأنهم ليفصل بينهم ويحكم، طال الموقف في يوم مقداره خمسون ألف سنة، فيأتون آدم فيحولهم إلى نوح، يأتون نوحاً فيحولهم إلى إبراهيم، يأتونه فيحولهم إلى موسى، يأتون موسى فيحولهم إلى عيسى، يأتون عيسى فيحولهم إلى محمد صلى الله عليه وسلم.

فضل موسى الكليم عليه السلام

تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ [البقرة:253]، فهل هذا تفضيل أو لا؟ فموسى عليه السلام كلمه الله كفاحاً وجهاً لوجه بلا واسطة، ما تم هذا لكائن على الأرض إلا لموسى ابن عمران نبي ورسول بني إسرائيل، كلمه في مكان معروف عندنا بالضرورة في جبل الطور بسيناء، إذ ناداه ربه بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:12-14] يسمع كلامه، ولما جاء للمناجاة للميعاد وترك بني إسرائيل وعلى رأسهم هارون أخاه غرر بهم الشيطان وعبدوا العجل وزين لهم الشيطان عبادته، وهارون ماذا يصنع وهو وحده؟ فرجع فوجدهم قد هلكوا يعبدون غير الله مع الآيات التي شاهدوها وهي تسع، فأخذ من خيارهم سبعين ليتوبوا أمام الله عز وجل، فلما انتهوا إلى جبل الطور وسمعوا كلاماً قالوا: نريد أن نرى وجه الله، فأخذتهم صاعقة فماتوا عن آخرهم، فبكى موسى خشية أن يقال: قتل بني إسرائيل، فأحياهم الله.والشاهد عندنا: في كونه تعالى كلم موسى عدة مرات فوق عرشه وموسى على جبل الطور، كلاماً كفاحاً، هذه أفضلية عظيمة أو لا؟

فضل نبينا على موسى في تكليم الله تعالى له

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg
وأفضل من هذا ما كان لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ إذ كلمه الله في الملكوت الأعلى، استدعاه وجاءه جبريل يرافقه على البراق فعرج به واجتاز مسافة سبعة آلاف وخمسمائة سنة، وتجاوزها ودخل الجنة ووطئت أقدامه قدسيتها وطهرها، وشاهد أنهارها وأنوارها وقصورها مشاهدة عيان يقظة لا مناماً، وارتفع حتى انتهى إلى مكان فتأخر جبريل، وقال: ما منا إلا له مقام معلوم، ما عندي إذن أن أتقدم، فتقدم هو صلى الله عليه وسلم حتى سمع صرير الأقلام، أقلام القضاء والقدر، ثم كلمه الله كفاحاً وجهاً لوجه، وفرض عليه الصلوات الخمس في تلك الحادثة، فلهذا تكليم الله لموسى كان في الأرض، وتكليم الله لمحمد صلى الله عليه وسلم كان فوق السماوات السبع.

عظمة كلام الله تعالى وحاجتنا إلى تعلمه في المساجد

قال تعالى: وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ [البقرة:253] من القائل: وآتينا عيسى ابن مريم؟ الله سبحانه وتعالى. فكيف يكفر الكافرون؟ هذا كلامه، فيكف يكون غير موجود؟ هل ممكن أن يوجد كلام بدون متكلم؟ مستحيل. وهنا لطيفة -لطف الله بنا وبكم- نكررها، نقول: إذا أردت يا صاحب البيت والقرية ويا أمير المدينة، إذا أردت هداية قومك وجماعتك فاجمعهم على قال الله وقال رسوله فقط، ولهذا كم نقول: والله! لن ينجو أهل إقليم ولا قطر ولا دولة ولا مملكة في العالم نجاة حقيقية من الذل والهون والدون، من الشر والفساد والظلم والخبث، من الناس وعذابها؛ إلا إذا عادوا إلى الكتاب والسنة، وكيف يعودون إليهما؟ الطريق: إذا دقت الساعة السادسة مساء أخذ أهل البلاد، أهل القرية، أهل المدينة، أهل الأحياء أخذوا يتطهرون ويلبسون أحسن لباسهم وثيابهم، ويحملون نساءهم وأطفالهم إلى بيت ربهم، وليوسعوه وينظفوه حتى يتسع لهم، ويصلون المغرب كما صلينا، ويجتمعون كاجتماعنا هذا: النساء وراء والفحول أمام والأطفال بينهم، ويجلس لهم عالم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، يعلمهم ليلة آية وأخرى حديثاً على مدى السنة، وعلى طول الحياة، فهل يبقى بينهم جاهل أو جاهلة؟ والله! ما يبقى، وإذا انتفى الجهل وحل محله العلم هل سيبقى ظلم، خبث، شر، فساد، فقر؟ والله! ما يبقى.فإن قلت: دلل يا شيخ وبرهن؟ فأنا أقول: أيما أهل قرية، أهل مدينة، أهل مملكة أعلمهم أتقاهم لله عز وجل، من يرد هذا الكلام؟ أعلمهم بكتاب الله وبسنة رسوله أتقاهم، لا يسرق، لا يزني، لا يفجر، لا يحسد، لا يكذب، لا يخون؛ لعلمه، وأجهلهم أفجرهم، ولا يوثق في الجاهل أن يسند إليه شيء، تعبث به الأهواء والشياطين، فهو أعمى ما له نور، فلم ما نفعل هذا؟ فإن قلنا: ما نستطيع؛ فلم واليهود والنصارى قدوتنا وأسوتنا إذا دقت الساعة السادسة أوقفوا العمل وهرعوا إلى السينما والملاهي والمقاصف بنسائهم وأطفالهم، ونحن لا نستطيع؛ لأننا نذهب إلى بيوت الله، والشياطين ما ترضى بهذا لنبقى فسقة، فجرة، هابطين، جهالاً بربنا وما عنده فنهلك.فهذه لم لا تبلغونها؟ لم لا تعملون على إيجادها، إذا كنت إماماً في قرية ففي يوم الجمعة أعلم أهل القرية، قل لهم: من الليلة لا نصلي المغرب إلا مجتمعين، لا يتأخر امرأة ولا رجل إلا مريض، نتعلم الكتاب والحكمة، وهكذا، وما يتوقف عمل، ولا مصنع، ولا تجارة.

أثر سماع القرآن في الكف عن الزيغ والكفر

ثم قلت لكم: كيف يكفر الإنسان وهو يسمع كلام الله؟ دليله قوله تعالى من سورة آل عمران: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100] من يرد على الله؟ فمن أطاعوا أساتذتهم ومعلميهم فهل هم مؤمنون؟ ما دخل الزيغ في القلوب وهبطت الأمة إلا بعد أن تتلمذنا لليهود والنصارى، نتعلم عنهم، وحتى النساء أيضاً، يبعث امرأته لتتعلم في إيطاليا، أو في أوروبا.أهل الزيغ والهبوط في أمة الإسلام هم مسئولون عن إدارتها في العالم، أكثرهم تعلموا على اليهود والنصارى، فيأتون وقلوبهم خاوية، ففي بلاد إسلامية كهذه يتظاهر بالإسلام، وفي بلاد أخرى يسخر من المسلمين ويستهزئ بهم، فما السبب؟ أما قال تعالى: إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا [آل عمران:100] كالأساتذة والمعلمين يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100]، فيا رب! ما قلته حصل وتم.ثم قال تعالى: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ [آل عمران:101] من أين يأتيكم الكفر وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101] هذا هو السر، لو كنا نجتمع كل ليلة في ديارنا في العالم بأسره، حتى اللاجئين والجماعات في أوروبا وغيرها يجتمعون كل مساء يتعلمون الكتاب والحكمة؛ فوالله! ما ضل منا ضال ولا كفر كافر ولا هلك هالك، لوعد الله الصادق: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101] وفينا حديثه وسنته وبيانه وعلمه.وكثيراً ما نقول -وقد أسمعت لو ناديت حياً-: هيا نبعث بعثة من سبعين شاباً يدرسون في ألمانيا أو يوغسلافيا، ونبعث معهم عالماً بالكتاب والسنة، ونطلب إليهم أن يطيعوه كما يطيعون الإمام الحاكم، فيسكنون في عمارة واحدة، ويجتمعون بعد الدراسة في دارهم، ويقيمون الصلاة، ويتلون كتاب الله، ثم هم بلباسهم الإسلامي، لحاهم، عمائمهم، فينظر إليهم الناظر فيقول: من هؤلاء؟ فيقال: مسلمون، ويدرسون سبع سنين أو أربع ويعودون، والله! ما يحصل -إلا نادراً- أن يفسق منهم أحد، أو يتغير في دينه وعقيدته. ثم نبعث سبعين رءوسهم عارية وببرانيط ولحاهم محلوقة ولباسهم بريطاني أو إيطالي، ونتركهم وحدهم، فوالله! ما يسلم (5%) من الفجور والباطل والشر والفساد، ويأتون كالعميان يضحكون من أمهاتهم وآبائهم.فهذا حصل، وليس بكلام غريب؛ لأن الله الخالق العليم الحكيم المدبر يقول: إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:100-101]، فكيف تجهل الأمة وينتشر فيها الزنا والبغاء والشر والباطل والفساد، وينتهي الأمن وهي تجتمع كل ليلة على الكتاب والسنة؟ مستحيل أن ينتشر فيها الظلم والخبث والشر والفساد. أما يوجد في العالم الإسلامي خبث وشر وفساد؟ والله! إنهم ليزنون بنساء بعضهم، كيف بمؤمن يحطم كرامة أخيه المؤمن ويزني بامرأته! أيقع هذا؟ لا تسأل، مؤمن يقتل مؤمناً ليأخذ ماله! كيف يتم هذا؟ يستحيل مع الإيمان، لكن ما هو الإيمان؟ كيف ينمو الإيمان ويبقى في النفوس إذا لم نجتمع على نور الله ونغترف منه يومياً لأبصارنا وقلوبنا وأسماعنا؟ ولولا الصلوات الخمس لانتهى وجودنا بالمرة، وما بقي فينا خير.فاجمع بناتك وأولادك في بيتك، فليلة آية وأخرى حديثاً، وتغنوا بالآية واشرحها، وبين لهم ما فيها، وأوصهم بتطبيقها وانظر إلى بيتك كيف يكون؟ لا تسمع كلمة سوء، ولا بذاء، ولا عنف، ولا سخرية.. كأنهم ملائكة؛ لأنهم عرفوا، أما أن تفتح بيتك للعواهر في التلفاز يرقصن، ويتعلم بناتك هذا، ويشاهد أولادك الذكور فينجذبون إلى الخنا والشر؛ فاعلم أن بيتك قد يخبث وينتهي، والله! إنه لكما تسمعون، فطهروا بيوتكم أيها المسلمون. فإن قلت: ما نستطيع؛ فما أنت برجل؟ اتفق مع امرأتك على التطهير.

معنى قوله تعالى: (وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس)
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

ونعود إلى الآية الكريمة: يقول تعالى: وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ [البقرة:253] من هو روح القدس، روح الطهر؟ هذا جبريل، أفضل الملائكة، هذا السفير بين الله وبين رسله، هذا الذي كان يتردد على حجرات النبي صلى الله عليه وسلم، كان يدخل الروضة والمسلمون مجتمعون ويشاهدونه في صورة رجل كريم من الأنصار هو دحية بن خليفة الكلبي ، هذا جبريل رفيق الرسول الحبيب إلى الملكوت الأعلى، كان مع عيسى لا يفارقه، يؤيده، يبين له، دائماً إلى جنبه بفضل الله على عيسى: وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ [البقرة:253].وعيسى أظهر الله على يديه معجزات خارقة للعادة، فميت على النعش جاءت أمه تبكي: يا روح الله! ولدي مات، وهي في كرب وهم، فقال: قفوا. يا فلان ابن فلانة، قال: لبيك يا روح الله. قال: قم. فوضعوا النعش ولف كفنه ومشى مع أمه.فقال الملاحدة والزائغون والعلمانيون: هذه مؤامرة تمت بينه وبين هذه العجوز، ادعت أن ابنها مات وأنها غسلته وكفنته ونادت الرجال فحملوه، وهو ما مات، وجاءت تقول: يا روح الله! يا روح الله! ولدي، فناداه. وهذا لتعرفوا أن البشرية هي هي إلى الآن وإلى يوم القيامة، والعقل البشري هو هو، والمكر والكيد هو هو، فردوا هذه الآية من آيات الله، والله يقول: يحيي الموتى بإذن الله، أقول هذا حتى لا تثقوا في آراء الناس وما يقولون إذا لاح نور الحق من كتاب الله وهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان عيسى عليه السلام يبرئ الأكمه والأعمى والأبرص بإذن الله.

كيد اليهود لعيسى عليه السلام ليقتلوه

فماذا فعل به بنو إسرائيل؟ حفروا له في بيته ليقتلوه، ودخل الشرطي عليه فألقى الله على الشرطي شبه عيسى، وهذه آية أخرى، وعيسى رفع من الروزنة، ولما أبطأ الشرطي هاجموا البيت ودخلوا بالقوة، فألقوا القبض على شرطيهم فقالوا: هذا عيسى وصلبوه، وقالوا: تعالوا لتشاهدوا هذا الساحر الدجال أرحناكم منه، والله يقول: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157] والقرآن يكذب هذا، والنصارى مصرون على أن اليهود قتلوا روح الله عيسى وصلبوه، ومن شدة ذلك يعلقون الصليب في أعناقهم ويبيعونه بأثمان غالية حباً في عيسى المصلوب.يا عميان، يا جهال، يا ضلال! إذا كان عيسى ابن الله فكيف يصلب؟ إذاً: الله عاجز. إذا كان عيسى هو الله فكيف يقتل؟ أرأيتم العمى؟! وتمضي القرون والقرآن يقول: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157] ثم منذ حوالي عشرين سنة أعلن بولس الثامن بأن اليهود برآء من دم السيد المسيح، والقرآن من ألف وأربعمائة سنة يصرح، وأنت الآن تقول هذا؛ لأنهم خدعوك أو غشوك أو ملئوا الجيوب بالمال، فتقول: اليهود برآء من دم السيد المسيح، وما قتلوه؟! وهذه فضيحة من شر الفضائح، كيف تعيش أمتكم قروناً على هذا المعتقد والآن تنفيه أنت؟ بأية حجة؟ ولكن من هبط هبط، فمن يرفعه؟ وما زالوا يعلقون الصليب ويبيعونه، فنقول: كيف يقتل ابن الله؟ أعوذ بالله! قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:1-4]، خالق الكون كله، فهل يحتاج إلى ولد؟ أن يذهب بعقول المجانين؟ الذي يقول للشيء: كن فيكون هل يحتاج إلى ولد؟ والولد يحتاج فيه إلى زوجة؟ والجن قالوا: مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا [الجن:3].
معنى قوله تعالى: (ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات …)
قال تعالى: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ [البقرة:253] أي: من بعد تلك الرسل مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ [البقرة:253] حجج، براهين سواطع، أنوار في كتب الله وحكم على ألسنة رسله، وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا [البقرة:253] فتقاتلوا، لا توجد حرب إلا بخلاف، لا توجد فتنة إلا بالاختلاف، هذه خذوها قاعدة: ما يطلق الرجل امرأته إلا إذا اختلفا، ما يغلق فلان دكانه مع شريكه إلا إذا اختلفا، ما تكون الحرب إلا بسبب الاختلاف، بهذه الآية: وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا [البقرة:253] فتقاتلوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا [البقرة:253] ولكن لله سنن تمضي في البشرية.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآية الكريمة

إليكم شرح هذه الآية من التفسير:قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ معنى الآية الكريمة: بعد أن قص الله تبارك وتعالى على رسوله قصة ملأ بني إسرائيل في طلبهم نبيهم شمويل بأن يعين لهم ملكاً يقودهم إلى الجهاد، وكانت القصة تحمل في ثناياها أحداثاً من غير الممكن أن يعلمها أمي مثل محمد صلى الله عليه وسلم بدون ما يتلقاها وحياً يوحيه الله تعالى إليه، وختم القصة بتقرير نبوته ورسالته بقوله: وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [البقرة:252]؛ أخبر الله تعالى أن أولئك الرسل فضل بعضهم على بعض، منهم من فضله بتكليمه كموسى عليه السلام، ومنهم من فضله بالخلة ] ما الخلة؟ فوق الحب، الحب حين يتخلل القلب يقال فيه: خلة، [ كإبراهيم عليه السلام، ومنهم من رفعه إليه وأدناه وناجاه وهو محمد صلى الله عليه وسلم، ومنهم من آتاه الملك والحكمة وعلمه صنعة الدروع كداود عليه السلام، ومنهم من آتاه الملك والحكمة، وسخر له الجن، وعلمه منطق الطير كسليمان عليه السلام ]، سليمان كان إذا تكلم العصفور يعرفه، قال: عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ [النمل:16]، وإن صاح الديك عرف ما أراد، سبحان الله! قد تقول: كيف هذا؟ فقل لي: وكيف تنطق أنت وتتكلم؟ فالله المعلم، وعندنا عبرة: فإنه يؤثر أن الصرد الطائر المعروف الذي يوجد في بعض البلدان ويغيب في بعض الفصول لما صاح قال سليمان: أتدرون ما يقول هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: يقول: لدوا للموت، وابنوا للخراب. وهذا الكلام -والله- حق وصدق. يا بني الناس! لدوا للموت، فلو ما ولدنا بنين أو بنات فمن يموت؟ فنحن نلد لأجل الموت، وابنوا للخراب، إذاً: ارتفعوا بمستوياتكم عن هذه المستويات الهابطة، أنتم تلدون فقط للموت وتبنون للخراب، فلا يشغلكم طلب الولد والزوجة عن عبادة الله وحبه ورضاه، لا تلهكم دنياكم عن ذكر الله وعبادة الله، إنكم تبنون للخراب فقط، ما هو للخلود والبقاء. فسليمان قال تعالى عنه: عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ * وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ [النمل:16-17].وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg


ابوالوليد المسلم 30-07-2020 03:43 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (21)
الحلقة (28)



http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

تفسير سورة البقرة (118)


إن من حكمة الله عز وجل أن هدى من شاء من عباده للإيمان بالرسل، وكتب الضلالة على من لم يقبل ما جاءت به رسل الله، فنتج عن ذلك أن اقتتل الناس مؤمنهم مع كافرهم، ولو شاء الله ما فعلوه ولكن ليقضى أمر الله عز وجل وتتحقق حكمته في خلقه، فينزل أهل الإيمان المنازل التي يستحقونها، من القبول والرضوان، وسكنى الجنان، وينزل أهل الجحود والكفران دركات الجحيم والنيران.

فضل الجلوس في حلق الذكر في المساجد

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل القرآن الكريم، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).ومن أراد أن ينظر إلى السكينة فها هي أمامه، لا فوضى ولا ضوضاء ولا صخب ولا صياح، ولا أكل ولا شرب، ومن أراد أن ينظر إلى الرحمة وقد غشيتنا فها هي ظاهرة ظهوراً كاملاً، لا أذى ولا ضرر ولا بلاء ولا تعب ولا شقاء، هذه هي الرحمة.ومن أراد أن ينظر إلى الملائكة فهو قاصر لا قدرة له على رؤيتهم، لكنهم يحفون بهذه الحلقة، وأما ذكر الله تعالى لنا في الملكوت الأعلى فهو الجائزة التي لا تعادلها أخرى، من نحن وما نحن حتى يذكرنا رب السماوات والأرض وما بينهما في ملائكته المقربين؟ هذا فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.وحرم إخوان لنا بالملايين لا يجلسون هذه الجلسة، ولا يجتمعون على كتاب الله وهدي رسوله، فجهلوا ثم زاغوا وانحرفوا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فما المانع أن نفرغ من أعمالنا الدنيوية وما عندنا أعمال دنيوية، فالتاجر، والصانع، والفلاح، وكناس الشارع.. الكل يعملون لأجل الله، المسلمون بحق موقوفون على الله، حياتهم كلها وقف على الله، لو سألته وهو يبيع ويشتري ولا يغش ولا يكذب ولا يخدع ولا يضر: لم تفعل؟ فسيقول: من أجل أن نعبد الله عز وجل، أوفر طعامي وشرابي مع أسرتي حتى تستمر حياتنا بعبادة الله عز وجل وطاعته، تمر بالبناء يبني: لم تبني؟ يقول: أبني هذا البيت من أجل أن أستر فيه نفسي وأسرتي عن أعين الناس، أو من أجل أن نقيهم الحر والبرد؛ لأننا عبيد الله، خلقنا لعبادته فأمرنا بالمحافظة على أبداننا لنعبد ربنا.لو وجدته يأكل: لم تأكل يا عبد الله؟ فسيقول: من أجل الله، تأكل من أجل الله؟ أي نعم، إذا لم آكل فلن أستطيع أن أسبح ولا أن أذكر فضلاً عن أن أصلي أو أجاهد وأرابط.ولا ننس كلمة أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، قال: إنني أحتسب نومتي وقومتي على الله. إن نمت نمت لله، وإن قمت قمت لله، والحساب جار بيني وبين ربي.

تابع تفسير قوله تعالى: (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض...)

المفاضلة بين الأنبياء وأدب المؤمنين فيها

معاشر المستمعين! ما أتممنا دراسة الآيتين السابقتين، وهما قوله تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:253-254].الآية الكريمة الأولى درسناها، فلنذكر منها أن الله عز وجل فاضل بين رسله، وله ذلك ولا اعتراض عليه، ونحن أدبنا رسولنا صلى الله عليه وسلم فنهانا عن أن نفاضل بين الأنبياء والمرسلين، ما ينبغي أن نقول: عيسى أفضل من موسى، ولا موسى أفضل من هارون، ولا داود أفضل من سليمان، ليس الشأن شأننا، وحتى هو صلى الله عليه وسلم قال: (لا تفضلوني على يونس بن متى) لعلمهم من طريق كتاب الله أن يونس ما صبر، وما أطاق.

فضل نبينا بالشفاعة الكبرى يوم القيامة
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

وفي عرصات القيامة تأتي من البشرية جماعات إلى آدم أبي البشر عليه السلام، فيقولون له: يا آدم! أنت خلقك الله بيديه، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته -وهذه فضائل- فاشفع لنا عند ربك أن يقضي بيننا، طال وقوفنا. فيعتذر بهذه الكلمات التي رددها الأربعة، قال: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب مثله قبله ولن يغضب بعده مثله، فعليكم بنوح، ائتوا نوحاً واطلبوا منه أن يشفع لكم. وهل يشفع لهم في دخول الجنة أو النار؟ لا، يشفع أن يحكم الله بينهم، فالسعداء يسعدون، والأشقياء يشقون، أما أن يبقوا وقوفاً هكذا حفاة عراة والشمس تدنو من رءوسهم والعرق يلجم بعضهم ويصل إلى سرة البعض وأقدام البعض فإلى متى؟ يريدون فصل القضاء بما لهم وما عليهم، فيعتذر نوح ويقول: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب مثله قبله ولن يغضب بعده مثله، ويذكر خطيئة من خطاياه كما ذكر آدم، فآدم سبق له أن أخطأ مرة في الملكوت الأعلى، أكل من الشجرة، فذكر هذه الخطيئة وقال: ما أستطيع، اذهبوا إلى نوح، ونوح مكث تسعمائة وخمسين عاماً وهو يدعو إلى الله، وعاش بعد الطوفان كذا سنة، وقبل البعثة عاش أربعين سنة، فاعتذر بخطيئة واحدة في نظره وما هي بخطيئة، وهي أنه قال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا [نوح:26]، وعلل أيضاً: إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا [نوح:27] بما جرب، فأجيال يوصي بعضهم بعضاً: إياكم وهذا الرجل، فإنه يفسد عليكم عقائدكم ودينكم! ومع هذا اعتبرها زلة، قال: كيف أواجه ربي وأنا قد أخطأت؟ عليكم بإبراهيم، فيأتون إبراهيم الخليل فيعتذر ويقول ما قاله من قبله: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، ويذكر ثلاث كذبات، وكثيراً ما نقول: إنها أفضل من صدقنا نحن، يقول: ما أستطيع أن أكلم ربي وأنا قد كذبت ثلاث كذبات، وكذبها من أجل الله: الأولى: قال لسارة في الديار المصرية: إنه ليس على الأرض من يعبد الله إلا أنا وأنتِ، فأنتِ أختي وأنا أخوكِ، فإذا سألكِ الطاغية عني فقولي: أخي ولا تقولي: زوجي، عد هذه كذبة. الثانية: لما كان احتفال قومه بعيد في الربيع مروا به خارجين يحملون البقلاوة والحلويات، فقالوا: هيا إبراهيم! فنظر نظرة في النجوم يوهمهم؛ لأنهم يعبدون الكواكب، وقال: إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات:89] ما أستطيع أن أخرج، أنا مريض، فذهبوا وتركوه وحده، ومن ثَمَّ أتيحت له الفرصة للانتقام من الأصنام فكسرها، فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ [الأنبياء:58]، قال تعالى: قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا [الأنبياء:59-63] فأوهمهم بيده واعتبر هذه كذبة، وهي الثالثة. هذه الكذبات الثلاثة ما استطاع أن يواجه بها الله ويطلب منه هذا الطلب، فقال: عليكم بموسى كليم الله، كلمه كفاحاً في جبل الطور، فأتوا موسى فاعتذر وذكر خطيئة، ما هذه الخطيئة؟ وكزة وكز بها قبطياً فقتله، وما أراد قتله، كان القبطي يتقاتل مع الإسرائيلي، فاشتكى وصرخ الإسرائيلي، فوجد القبطي ضاغطاً على ذاك الإسرائيلي فوكزه في صدره فمات، واستغفر موسى وتاب كما هو مبين في سورة القصص: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [القصص:16] فهذه ما استطاع معها أن يواجه الله ويطلب منه. معاشر المستمعين! كم خطايانا؟ دعنا من الخطايا، كم كذبة كذبنا يا أصحاب الستين عاماً والسبعين عاماً؟ قد تكون بالآلاف، لم؟ ما عرفنا الله، لو عرفناه لخفناه ورهبناه وأحببناه فلم نخرج عن طاعته أبداً، هذا هو التعليل السليم والحقيقي، أهل معرفة الله لا يخرجون عن طاعته ولا يفسقون عن أمره، لأنهم يعيشون معه، كيف تزني وأنت مع الله؟ أما تستحي؟ كيف تكذب والله معك يسمع كلامك؟ لن تقدر، تحاول أن تفتح عينيك في امرأة فتستحي منه وهو ينظر إليك، ولكن الذين ما عرفوا وقعوا في هذه الذنوب والمصائب.إذاً: قال: عليكم بعيسى ابن مريم، فيأتون عيسى، ولم يذكر عيسى خطيئة قط، لم يذنب ذنباً قط؛ لأن روح القدس معه لا يفارقه، ولكن يقول: عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم، هو أهل لها، فيأتون أبا القاسم صلى الله عليه وسلم فيقول: أنا لها، أنا لها؛ لعلمه السابق بهذا، إذ جاء من سورة الإسراء قول الله تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79] يحمده عليه أهل الموقف أجمعون، لأنه فرج كربهم، فقد طال قيامهم ووقوفهم فجاء من سأل الله واستجاب له، ومع هذا لا يتعنتر فيقول: رب وعدتني فأعطني. بل قال: ( فآتي فأخر ساجداً تحت العرش ويلهمني ربي محامد -أي: ألفاظ حمد- فأحمده بها، ولا أزال أحمده حتى يقول: يا محمد! ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع ). فاز بها أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، فقد بذل ما لم نبذله نحن بملايين، ثلاث وعشرون سنة وهو في حرب دائرة، لا تسأل عن طعامه وشرابه، فاز بأخلاق لم تحلم بها الدنيا وآداب ما سمى إليها آدمي قط، وفضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

يتبع


ابوالوليد المسلم 30-07-2020 03:43 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
تفضيل نبينا وموسى عليهما السلام بتكليم الله تعالى لهما

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg
تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ [البقرة:253] كموسى عليه الصلاة والسلام، ومحمد صلى الله عليه وسلم، كلم محمد صلى الله عليه وسلم ربه في الملكوت الأعلى. والصواب ألا نقول: كلم محمد ربه، بل نقول: أين كلم الله محمداً؟ وإلا فنحن كلنا نكلم الله ونحن ساجدون، فموسى كلمه ربه في جبل الطور من أرض سيناء، ومحمد صلى الله عليه وسلم كلمه ربه تحت العرش في الملكوت الأعلى، وفرض عليه الصلوات الخمس. وهناك آية تدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم عرج به وتكلم مع الله: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى [النجم:1]، هذا قسم: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى [النجم:1-2] من صاحبهم؟ محمد صلى الله عليه وسلم. وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى [النجم:4-5] جبريل، ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى [النجم:6-13] أين؟ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [النجم:13-18]، شاهد جبريل في الأرض وشاهده في الجنة عند سدرة المنتهى صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ [البقرة:253] سامية عالية بحسب ما قاموا به وبذلوه، ولكن فضل الله عظيم، المهم أن تؤمن موقناً أن الله فضل بعض الرسل والأنبياء على بعض كما فضلنا نحن بعضنا على بعض في الطول والقصر، والفهم والذكاء والعلم، والفقر والغنى، والصحة والمرض، يفعل ما يشاء، لكن هذا التفضيل في رفع الدرجات وعلو المقامات.

عظيم قدرة الله تعالى في خلق عيسى من غير أب

وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ [البقرة:253] عيسى ابن مريم ليس له أب، وهنا حكاية تذكر عن الهابطين يقولون: إذا وضع الإنسان في قبره فالملكان يسألانه فيقول: أنا عبد الله بن فلانة! لم ما يقول: أنا عبد الله بن فلان؟ قالوا: لأن الأب مشكوك فيه، والأم رسمية ما فيها خطأ، واستشهدوا بآية الإسراء: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ [الإسراء:71] قالوا: بأمهاتهم، فينادي الله: يا فلان ابن فلانة! لأن الأب مشكوك فيه! وكل هذه ضلالات. فعيسى هو ابن مريم لأنه لم يكن ابن رجل وطئ أمه فأنجبته، عيسى كان بكلمة التكوين، كما كان آدم، فآدم من ولده؟ ما اسم أمه؟ من أبوه؟ لا أب ولا أم، كيف كان؟ بكلمة (كن) فكان، فلهذا فالبشر أربعة أصناف: الصنف الأول: من لا أب له ولا أم، وهو آدم، وصنف آخر: من له أب ولا أم له، وهو حواء، والصنف الثالث: من له أم ولا أب له، وهو عيسى عليه السلام، فعيسى عليه السلام بعث الله جبريل إلى أمه كما في كتاب الله: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيًّا [مريم:16-18] إن كنت تقياً تخاف الله فابتعد عني، أما إذا كنت فاجراً فما ينفع معنا هذا. قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا * فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ [مريم:19-22] نفخ في كمها فسرت النفخة في بطنها فكان عيسى بكلمة التكوين: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:59].وأعظم آية: فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا [مريم:22-26] لا أكلم أحداً، اتركوني، إني نذرت للرحمن ألا أكلم إنسياً، إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا [مريم:26] يعني: امتناعاً من الكلام. فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا * فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ [مريم:26-29] أن: كلموه. قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا [مريم:29] فنطق: قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ [مريم:30] ما هو بإله ولا ابن الله، أول كلمة قالها: إني عبد الله، ومع هذا قالوا: هو ابن الله، وذلك هو الجهل والعمى كما نعرفه بيننا. قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا * ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ [مريم:30-34].
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

بعض بينات عيسى عليه السلام

قال تعالى: وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ [البقرة:253] وهي المعجزات، منها: أنه يحيي الموتى، كما في تلك القصة التي أعلمناكم لتعرفوا أذواق البشر وأحوالهم؛ فقد مات أحد الأبناء وغسل وكفن وحمله الناس إلى المقبرة، وإذا بالعجوز أمه تبكي، فمر عيسى فقالت: يا روح الله! ولدي مات، ادع الله أن يحييه لي، فدعا الله وقال: يا فلان! قال: لبيك يا روح الله. قال: قم. فلف كفنه وعاد مع أمه، فقال المغرضون والهابطون: هذه مؤامرة، هذا اتفاق تم مع عيسى ومع هذه العجوز؛ ليظهر أنه نبي ورسول ويدعوكم إلى طاعته وخدمته.والآن يحدث مثل هذا وأسوأ من هذا، فالعقول البشرية هي هي، والشياطين ما تبدلوا ولا تغيروا، يوحون ويلقون بالمعاني ويزخرفون الكلام في أذهان وقلوب وإخوانهم، وحسبنا قول الله تعالى له: إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي [المائدة:110]، فكل هذه آيات.

كيد اليهود لعيسى عليه السلام وتحريفهم النصرانية بعده

ومع الأسف قال اليهود: هو ابن زنا، وعزموا على قتله وصلبه وفعلوا ما فعلوا، والذين اتبعوا عيسى بعد سبعين سنة حولهم اليهود إلى وثنيين مشركين، ما انتفع اليهود بعيسى ولا سمحوا للآخرين أن ينتفعوا به، فهذا بولس شيطان اليهود دخل على أحد الملوك الذين تنصروا ودخلوا في دين عيسى واستطاع أن يقلب الصفحة وحولهم إلى وثنيين، والإنجيل حوله إلى خمسة وثلاثين إنجيلاً، كيف بكتاب الله يصبح خمسة وثلاثين كتاباً؟ ولما انكشفت عورتهم وفضحوهم اجتمعوا وقاموا وقعدوا وجمعوها وحولوها إلى خمسة أناجيل، أما تستحون! كتاب الله يصبح خمسة كتب؟ وإنجيل من الخمسة فيه التوحيد، فهو ككتب الوهابيين، هذا الكتاب ما يقرأ لأنه كتاب وهابي في التوحيد إلى الآن.إذاً: وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ [البقرة:253] نصرناه على اليهود بروح القدس جبريل عليه السلام، وقد عرفتم حادثة محاصرة منزله بالشرطة اليهودية، ودخل رئيس الشرطة عليه فألقى الله الشبه عليه ورفع عيسى من الروزنة من السقف، فدخلوا فوجدوا رئيس الشرطة فقالوا: هذا هو، فاحتضنوه والحديد في يديه ونقلوه إلى الساحة الكبرى ليصلب وصلبوه، فلهذا نعرف أن اليهود ما قتلوا عيسى، لكن بالنسبة إلى القضاء قتلوه؛ لأنهم قتلوا من تشبه به، فالجريمة فعلوها بالفعل، لكن المحنة هي: كيف يقتلون نبي الله ورسوله وهو منهم وأمه إسرائيلية؟ لأي شيء؟ لأنه اعترض عليهم في الربا والزنا والغش والكعب العالي والهبوط المادي، ما أطاقوا الاعتراض، هذا هو السبب، جاء ضد شهواتهم وأطماعهم، وأمرهم بالعفو والإحسان فما أطاقوا، فكادوا له والعياذ بالله، فأيده الله بروح القدس جبريل عليه السلام حتى رفعه إليه.

الواجب على النصارى في معرفة حقيقة الدين

وكان المفروض على النصارى أنهم يأتون إلينا ويتعرفون إلى إلههم الذي يعبدونه، هذا كتاب الله، ما إن قرأ جعفر بن أبي طالب سورة مريم على أصحمة النجاشي وسمعها حتى قال: والله! ما زاد ولا نقص مثل هذه، وأسلم النجاشي . فهم محرومون، نقول لهم: تعالوا لتعرفوا عن دينكم وعن نبيكم وعن دعوتكم، فيخافون على المراكز والمناصب والأموال ويخافون من الغسل والصلاة والصدقات. وعندنا أيضاً من المسلمين جهال ضلال كاليهود والنصارى، ما يريدون أن يسألوا ولا يتعلموا، فلا إله إلا الله! المؤمن بمجرد أن يشك أو يعرف أو يبلغه أن هذا باطل يذهب إلى الشرق والغرب يسأل أهل العلم، يقول: لعلي أنا هالك وأنا لا أدري، لا أنه يسمع من يقول: هذا كفر، هذا باطل، هذا حرام ويغني هو ويسكت، ما هذا؟ أهذا مؤمن؟ المؤمن بمجرد أن يشعر بخطئه لو استطاع أن يمشي إلى أقصى الأرض ليسأل أهل العلم عن هذا الخطأ فإنه يمشي، ما يسمع كلمة (كافر) ويقول: لا بأس، كيف هذا؟ هذا حال النصارى واليهود.

الخلاف بين اليهود والنصارى

وقوله تعالى: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ [البقرة:253] اقتتل اليهود والنصارى بعد نزول عيسى وآيات القرآن والإنجيل. وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ [البقرة:253] يبتلي عباده ويمتحنهم لينزلهم منازل يستحقونها، فمن آمن وعمل صالحاً رفعه إليه، ومن كفر وعمل سوءاً أبعده وأهبطه في الحياة السفلى.
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ...)
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

موقف المؤمن من نداء الله تعالى أهل الإيمان

انتهينا في الدرس السابق إلى هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:254] لبيك اللهم لبيك. هل ناداكم معشر المؤمنين أم لا؟ ما يشعر المؤمنون أبداً حين يسمعون: (يا أيها الذين آمنوا) أنهم مؤمنون. قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إذا سمعت الله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا) فأرعها سمعك. فأنت منادى أم لا؟ كيف يناديك مالكك، سيدك، أميرك، أستاذك وما تلتفت؟ أنت ميت إذاً، فهم أماتونا، والله! ما هناك من يسمع من الملايين من المسلمين، يسمع القارئ يقرأ: (يا أيها الذين آمنوا) فما يقول: أنا مؤمن يقول الله لي.يقول ابن مسعود : إذا سمعت الله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا) فأرعها سمعك؛ فإنه خير يأمرك بفعله، أو شر يحذرك منه. وقد تتبعنا -والحمد لله- نداءات الرحمن للمؤمنين والمؤمنات فوجدناها تسعين نداء، ينادينا إما ليأمرنا بما يسعدنا في الدنيا والآخرة، وينجينا من البلاء والشقاء في الحياتين، أو ينادينا لينهانا عما يفسدنا ويضعفنا ويشقينا ويردينا في الدنيا والآخرة، أو ينهانا ليبشرنا ليزداد إيماننا وأعمالنا الصالحة وسمو أرواحنا، أو ينادينا ليحذرنا من خطر يداهمنا يفسد علينا حياتنا، أو ينادينا ليعلمنا ما به نكمل ونسعد، ما نادانا لغير هذا قط.والشاهد عندنا: أنه إذا سمعت من يقرأ في الإذاعة أو في الشريط: (يا أيها الذين آمنوا) فقف، اسمع ما يقول الله، فإن كنت فاعلاً فاحمد الله، وإذا كنت تاركاً لما نهى فاحمد الله، وإذا كنت غير عامل فاستغفر الله واعزم على أن تفعل أو تترك، وإلا فلم ينادينا بهذه النداءات؟ لأننا أولياؤه والمؤمنون به وبرسوله وبكتابه، لأننا أحياء.

الحث على المسارعة في الإنفاق

قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:254] فرض الله الزكاة وفرض الصدقات، منها ما هو واجب، منها ما هو مستحب ومندوب، وحرم البخل، وحرم الإمساك، وهذا من مبادئ المجتمع الطاهر، الجهاد لا يقوم إلا بالمال، والرسول صلى الله عليه وسلم ما عنده ميزانية ولا عنده مال، والجهاد قائم؛ فأنفقوا، وتقدم السياق: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [البقرة:245] هذا اكتتاب رباني فتحه لعباده المؤمنين: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ [البقرة:245] الدرهم بسبعمائة، وبألف. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:254] سبحان الله! ما قال: أنفقوا ما رزقناكم ولا تبقوا شيئاً، ردوا علينا ما أعطيناكم، بل قال: من بعض ما أعطيناكم. وهو ماله، فطلب منا أن نعطي منه لصالحنا من أجل الجهاد وحمل راية الحق والدعوة، من أجل سد جوع الفقير وكسوة عورته، لا من أجله هو تعالى. أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:254] عجلوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ [البقرة:254] ويا له من يوم لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254]. استعجلنا: عجلوا بالإنفاق مما رزقناكم، فصاحب العلم يجب أن ينفق من علمه بتعليم غيره أو إرشاد سواه، أو بيان الحق له، والذي رزقه الله جاهاً ينبغي أن ينفق من هذا الجاه بأن يرفع حاجات الضعفة والمساكين حيث تسد خلتهم أو تقضى حوائجهم، والذي أعطي قوة بدنية يجب أن ينفق منها ولو أن يكنس شوارع المدينة، أرأيتم بطلاً يكنس؟ وإذا ما كان هناك بلدية فمن يكنس؟ المؤمنون، ففارغ الشغل ما عنده عمل يكنس أزقة المدينة، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى من الطريق )، المؤمن كلما شاهد حجرة، روثة، شيئاً في الطريق شمر عن ساعديه ونظف.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg

ابوالوليد المسلم 30-07-2020 03:44 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (22)
الحلقة (29)




http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

تفسير سورة البقرة (119)

آية الكرسي هي أعظم آية في كتاب الله، وهي تعدل ربع القرآن، وقد ذكر الله عز وجل فيها كرسيه فسميت به، وكرسي الرحمن من دلائل عظمته سبحانه وتعالى، فقد ثبت أن هذا الكرسي قائم على العرش، ورغم أن الكرسي بالنسبة للعرش كحلقة ملقاة في فلاة، إلا أنه لو جيء بالسماوات والأرض لضاقت بهذا الكرسي.

تابع تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل القرآن العظيم، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، فالحمد لله أن جعلنا منهم، فاحشرنا يا ربنا في زمرتهم وارض عنا كما رضيت عنهم، يا ولي المؤمنين ومتولي الصالحين.معنا آيتان: الأولى: قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254].والآية الثانية: آية الكرسي: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255].

سبب نداء المؤمنين بعنوان الإيمان

في الآية الأولى يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:254] لبيك اللهم لبيك، الحمد لله أن نادانا ربنا، أتدرون كيف تأهلنا حتى أصبحنا ينادينا الجبار عز وجل؟ هل لأننا بنو هاشم؟ بنو تميم؟ أتراك؟ كيف تأهلنا حتى أصبحنا ينادينا ربنا؟ تأهلنا لذلك بالإيمان به وبكتابه ورسوله ولقائه، لأن المؤمن بحق حي يسمع النداء ويجيب، والكافر ميت لا يسمع نداءً ولا يجيب، إن أمر أن يفعل ما فعل، وإن نهي ألا يفعل ما انتهى؛ لأنه في عداد الموتى، هل فيكم من يرد علي هذه النظرية؟ إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ [النمل:80].الروح هي الإيمان، إن وجدت الروح في الجسم كان حياً، الأذن تسمع، العين تبصر، اللسان ينطق، اليد تأخذ وتعطي، الرجل تمشي وتسعى، وإن خرجت الروح فلا العين تبصر ولا الأذن تسمع، أليس كذلك؟ والبرهان أن أهل الذمة من أهل الكتاب من اليهود والنصارى وما قيس عليهم من المجوس يعيشون تحت رايتنا وفي ظل دولتنا الإسلامية ونحن نصلي وهم لا يصلون، ونحن نزكي وهم لا يزكون، ونحن نصوم وهم لا يصومون، ونحن نرابط وهم لا يرابطون، ونحن نجاهد وهم لا يجاهدون، ولا نأمرهم أبداً وإن كنا حاكمين لهم قادرين على الأمر والنهي، لم ما أمرنا الله بأمرهم ونهيهم؟ لأنهم أموات، فانفخ الروح فيه، فإذا حيي وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فحينئذ كلفه فإنه قادر على أن ينهض بكل تكليف.

عدد نداءت الإيمان في القرآن ومقاصدها

وكم نادانا ربنا في كتابه بعنوان الإيمان؟ تسعين مرة، فهل أمرنا الله تعالى فيها بمنكر؟ بقطيعة رحم؟ بظلم؟ بشر؟ بفساد؟ بخبث؟ الجواب: والله! لا، أمرنا بفعل ما من شأنه أن يزكي نفوسنا ويطهر أرواحنا لتصبح أهلاً لأن تنزل الملكوت الأعلى، ونهانا عن أشياء من شأنها تخبيث نفوسنا وتدسيتها وتلويثها، فتقعد عن العروج إلى السماء وتنزل إلى الدركات السفلى في عالم الشقاء، بشرنا بما يزيد في طاقاتنا وقدراتنا على فعل الصالحات وترك المحرمات، أنذرنا في بعض النداءات عواقب سوء مدمرة، وأمرنا في نداءات أخرى بأن نتعلم العلم، بأن نعلم بأن العلم نور، فالجهال هم الذين يقعون في أودية الخبث والشر والفساد؛ لأنهم ما يبصرون، يمشون في الظلام، أما العالمون أصحاب النور فهل رأيتم مبصراً ذا بصيرة يمشي ثم يغمس نفسه في بركة فيها الخرء والعذرة والبول والغائط؟ والذي لا يبصر يقع فيها، فالعلم نور، واقرءوا: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا [التغابن:8] أي نور أنزله الله؟ القرآن الكريم، واقرءوا: وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52].
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

أهمية الاجتماع على مدارسة الكتاب والسنة

يا شيخ! لم ملايين المسلمين ما تعلموا ولا اهتدوا ولا استقاموا ولا طابوا ولا طهروا؟ الجواب: والله! ما اجتمعوا على تلاوة كتاب الله ودراسته، ولو أن أهل القرية في قريتهم، أهل الحي في حيهم إذا مالت الشمس إلى الغروب تركوا العمل وحملوا نساءهم وأطفالهم إلى بيوت ربهم يجلسون كما نحن الآن جالسون، فليلة آية وأخرى حديثاً من الكتاب والحكمة طول الحياة فهل سيبقى بينهم جاهل أو جاهلة؟ والله! ما يبقى؛ لأن الله أعلمنا أنه يهدي بهذا الكتاب، وإذا انتفى الجهل فما الذي يحل محله؟ العلم. هل رأيتم أعلم رجل في بلادكم يزني؟ يلوط؟ يشتغل في بنك ربوي؟ يسب المسلمين ويشتمهم؟ يختلس أموالهم؟ لم؟ لأنه أصبح ذا نور، فكل الذي تشكوه البشرية جمعاء من الظلم والشر والفساد والخبث مرده إلى جهلها، ما عرفت ربها، فما أحبته ولا خافته، وإذا لم يحب العبد ربه ولم يخفه فهل سيستقيم؟ ترميه شهوته حتى يفجر بأمه. فمن منعنا أن نجتمع على كتاب ربنا ونتدارسه بيننا؟ ما الذي يصيبنا؟ قف وانظر إلى هذه الجلسة: هل ترى فيها ظلمة أو شراً أو فساداً؟ ألم تر السكون والرحمة كيف غشيتنا والملائكة تحوطنا، والله جل جلاله يذكرنا بين أولئك المقربين.مضى على المسلمين أكثر من سبعمائة سنة وهم لا يجتمعون إلا في المقاهي والملاهي والأباطيل والأضاحيك، تدخل بيوت الله فتجدها خاوية خالية، تنتهي الصلاة فلا يبقى في المسجد أحد، إلى أين يفرون؟ حيث تريد الشياطين، لا نكثر من البكاء، ولنعد إلى الآية الكريمة.

أهمية الإنفاق في الإسلام

بم أمر الله عباده المؤمنين؟ بالإنفاق: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا [البقرة:254] أخرجوا من جيبوكم وصناديقكم بعض الذي رزقكم وأعطاكم ووهبكم، لم؟ لأن الزكاة قاعدة الإسلام، فلا إسلام بدون زكاة، الذي يملك مالاً تجب فيه الزكاة بأن بلغ النصاب المحدد وحال عليه الحول إن كان مما يحتاج إلى حول ولم يخرج زكاته فقد كفر والعياذ بالله، وإذا قال: أنا مؤمن ولم يزك فيجب أن يقاتل حتى يخضع ويزكي، وإذا قال: لا أؤمن بهذا؛ فإنه يقتل كافراً مرتداً والعياذ بالله.فمن هنا ما من مؤمن ولا مؤمنة يعرف عن الله عز وجل أن الزكاة واجبة وجوباً عينياً على كل من يملك نصاباً إلا وهم يخرجون زكاة أموالهم طيبة بها نفوسهم، والذين لا يزكون مرضى وقلوبهم عفنة، ولا تعجب إذا ارتكبوا كبائر الذنوب والآثام والفواحش، إذ ما هناك ما يزكي النفس ويطهرها حتى تشرق أنوارها ويميز بين الحق والباطل والخير والشر. أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:254] هذه النفقة العينية، ونفقة أخرى إذا أمر إمام المؤمنين بالإنفاق لإرسال السرايا وبعث الجيوش، لإعداد العدة وإحضار السلاح والطعام، كل من في جيبه أو صندوقه مال يجب أن ينفق، هل بلغكم أن نداءً أعلنه رسول الله القائد الأعظم صلى الله عليه وسلم في غزوة من الغزوات في تلك الروضة، فخرج أبو بكر الصديق بكل ماله، وخرج عمر رضي الله عنه بنصف ماله، أما عثمان فجهز جيشاً كاملاً. والحمد لله؛ فإنه لما بدأ الجهاد في ديارنا الجزائرية لطرد فرنسا والكافرين أصبحنا نجمع الأموال في هذا المسجد كل جمعة، حتى أبناء المدارس فرضنا عليهم أن كل واحد يأتي بريال، في الابتدائية وغيرها، يومها خرجنا بنصف ما عندنا، والله! لقد قسمته نصفين. فلو أن إمام المسلمين قال: هلم إلى الجهاد وبدأ بالمال لما حل لواحد منا أن يكون لديه مال ولا يخرج منه بعضه، لأن الله عز وجل قال: مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:254] أي: من بعض الذي رزقناكم، والمال مال الله، هو الواهب وهو المعطي، وطلب منا فقال: ردوا علينا بعض الشيء، فهل نقول: لا؟ هذه وقاحة وأسوأ خلق، كيف أعطيك وفي جيبك عطائي ثم أقول: رد علي كذا لأن فلاناً مريض إلى جنبك فتقول: لا؟ أهذه هي الأخلاق البشرية؟ كيف يقول: لا؟ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:254] وهذا الإنفاق يكون للجهاد في سبيل الله، ويكون لسد جوع الجائعين، وستر عورة العراة، ومداواة مرضى المؤمنين، ولإقامة الحصون والأسوار، وإعداد العدة للجهاد.

يتبع


ابوالوليد المسلم 30-07-2020 03:45 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
مقترح بإنشاء صندوق خيري في مسجد القرية والحي

وأخيراً اسمعوا: لو أن أهل القرية الإسلامية في بلد إسلامي -سواء كانوا عرباً أو عجماً- ينشئون صندوقاً في مسجدهم، وألاحظ بعض أهل الغفلة انتقدونا في هذا الكلام وقالوا: هذه خيالات، ولا يضرنا ذلك، والله! لولا علمي بأن هذا مما شرع الله بل وأوجب، وأنه لا خلاص من الفقر والذل والهون والدون إلا به لما قلت هذا، فهل هو مستحيل أو صعب؟ إمام أهل القرية يقول هذا وهو على المنبر يوم الجمعة، وأهل القرية كلهم حاضرون، يقول: من الليلة لا يتخلفن رجل عن صلاة المغرب في هذا المسجد، وائتوا بنسائكم الطاهرات من الحيض والنفاس وبأولادكم لنتلقى الكتاب والحكمة. فإن قالت امرأة: أنا غير طاهرة، فكيف؟ قلنا: اجعلوا لها ستارة وراء الجدر وضعوا مكبر صوت عندها لتسمع وتعي، فنحن مؤمنون، والمؤمن شعاره الصدق والوفاء. إذاً: الليلة إن شاء الله نبتدئ دعوة محمد صلى الله عليه وسلم، قد تقول: من أين لنا هذا الكلام؟ أقول: أما قال تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة:2]، وإبراهيم الخليل هو الذي دعا بهذه الدعوة واستجاب الله له منذ أربعة آلاف سنة، أليس إبراهيم القائل وهو يبني البيت مع إسماعيل: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [البقرة:129] هات يا إسماعيل الطين والحجارة، يتقاولان هذا الكلام وهما يبنيان البيت، واستجاب الله فبعث في ذرية إسماعيل محمداً صلى الله عليه وسلم، وكان يجلس لهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ويطهرهم صلى الله عليه وسلم.إذاً: فحين يحضرون يجلسون كجلوسنا هذا، فيبدءون باسم الله بآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254] ويتغنون بها كلهم بصوت منخفض واحد عشر مرات، عشرين، ثلاثين مرة، العجائز والنساء والأطفال والرجال كلهم حفظ هذه الآية ورتلها، فهذا أمر عظيم، والله! لخير من مليون دولار، وحين يحفظونها يأخذ يبين لهم مراد الله منها، ماذا طلب منهم؟ أن تفهموا أو تعملوا أو تقولوا، فيفهمون، ومن الغد حضروا كلهم، فإن دخلت القرية مع غروب الشمس لم تجد إلا من هو ذاهب إلى المسجد بأطفاله ونسائه. وفي الليلة الثانية حديث، وهو قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر )، ويتغنون به ربع ساعة أو عشرين دقيقة ليحفظوه، ويشرح ويبين ويفسر، فيقول: ما معنى (مثل المؤمنين)؟ ما التواد؟ ما التراحم؟ ما التعاطف؟ ما معنى الجسد الواحد؟ فيفهمون، وفي الليلة الثالثة آية، وفي الرابعة حديث يحفظونه حفظاً عن ظهر قلب ويفهمون معناه أكثر من فهمي أنا وأنتم، ويطبقون من الغد، فتلوح أنوار العمل في بيوتهم وأزقتهم وشوارعهم، والله! ما تمضي سنة إلا وهم أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وحين يصبحون بهذه المثابة هل سيعجزون عن فتح صندوق من حديد في المحراب؟ والواعظ أو المربي أو الكاتب أو الإمام والمؤذن في لجنة المسجد، فيقول: معاشر المؤمنين والمؤمنات! لقد فتح الله علينا هذا الصندوق، فمن زاد على قوت يومه درهم واحد فليأت به يودعه في هذا الصندوق، وباسم الله، واعلموا أنكم آمنون وسوف تعود أرباح هذا الصندوق عليكم، لا تخافوا فإن الله صادق الوعد لا يخلف وعده، فيأخذون يضعون في ذلك الصندوق، كل من يأتي بريال، بعشرة، يسجل اسمه ويأخذ ورقة، وفي ستة أشهر يمتلئ هذا الصندوق، فإن كانوا في أرض زراعية أنشئوا مزرعة خارقة، تنتج ما شاء الله من الزروع، أو ينشئون مصنعاً لصنع المسابح مثلاً أو النظارات، وينتظم ذلك العمل ويباركه الله عز وجل، فما تمضي سنة وإلا وقد امتلأ ذاك الصندوق.واللجنة الخاصة بالمسجد تعرف أهل الحي أو القرية، تعرف المريض والأرملة واليتيم والعاجز والمحتاج وتزورهم في بيوتهم وخيامهم وتغدق عليهم تلك الفضلات المالية، فيشعرون بالسعادة، هذا هو الإسلام، يقولون: هذا من إخوانكم، فكيف تصبح قلوبهم؟ ما يبقى حسد ولا بغض ولا رياء ولا كذب ولا باطل أبداً. فإن قالوا: أما يسرق هذا الصندوق؟ قلنا: في هذه القرية التي تفعل هكذا أيوجد سارق؟ أمجانين أنتم؟ وإن فرضنا ذلك فهل هذا المسجد سيخلو ساعة من ليل أو نهار؟ لن يخلو، فعزابنا من شبيبتنا يبيتون في المسجد ركعاً وسجداً، فكيف يفرغ المسجد؟ فكيف -إذاً- يختلس هذا الصندوق أو يؤخذ؟ هذا تصور خاطئ وليس بصحيح. أسألكم بالله: كيف تصبح تلك القرية أو ذلك الحي؟ لا يوجد من يتأخر عن صلاة، ولا يوجد من يرتكب باطلاً أو منكراً، فيعم الطهر والصفاء، والله! لو رفعوا أكفهم إلى الله وأقسموا عليه أن يفعل كذا لاستجاب لهم.والسؤال: ما المانع أن نفعل هذا؟ أيام كنا تحت كرباج أو عصا الروس فممكن ألا يأذنوا، لكن ليس كلنا سادتنا روسيا وحكمتنا البلشفة، العالم الإسلامي أكثره كان مستعمرات مسيحية ما فيها هذا الكفر والإلحاد، فانتهى الاستعمار وتحررنا واستقللنا وأصبح لنا نيف وأربعون دولة، فهل فعلت دولة هذا؟ والله! لن ينتهي الفقر ولا الخلاف ولا الضعف ولا العجز ولا الفسق ولا الفجور إلا على هذه الدعوة المحمدية، لو جاء عمر وقادنا فإن لم نطبق هذا النظام الرباني فلن تطيب حياتنا.يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:254]، لو كان لنا هذا الصندوق وأمتنا متحابة متعاونة لرأيت العجب، تفرح حين تنفق، لكن أين تنفق الآن؟ أمة هابطة، تشرب الحشيش وتأكل المر والحلو، لا آداب ولا أخلاق ولا كمالات ولا طاعة لله ولا رسوله.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

انتفاء التدارك بالبيع والخلة والشفاعة يوم القيامة

يقول تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ [البقرة:254] يوم عظيم، إنه يوم البعث من الأرض والحشر في ساحة القضاء ليسعد الله أهل الإيمان وصالح الأعمال، أهل الأرواح الزكية والنفوس الطاهرة، ويشقي ويردي ويخسر أهل القلوب المنتنة والأرواح الخبيثة الفاسدة من جراء الإجرام والظلم والفسق والعصيان، والله ليتمن هذا بالحرف الواحد. مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ [البقرة:254] أبداً، تبيع ماذا؟ عندك بقرة تبيعها؟ عندك دار تبيعها؟ هل تبيع نفسك؟ أهناك من يشتريك؟ لا دينار ولا درهم، لا بيع ولا خلة، والخلة: المودة والحب والصداقة، لا ينفع يومئذ ذلك. وَلا شَفَاعَةٌ [البقرة:254] هل هناك من يقول: يا رب! أدخل هذا الجنة؟ يا رب! عجل بحساب هذا؟ والله! ما ينطق بها واحد، ولا يستطيع أحد أن يقولها، أما بلغنا أن الله في ذلك اليوم يغضب غضباً لم يغضب قبله ولا بعده مثله، آدم ما استطاع أن يكلم الله، فحوَّل البشرية إلى نوح، ونوح حولهم إلى إبراهيم، وإبراهيم إلى موسى، وموسى إلى عيسى، وعيسى إلى محمد صلى الله عليه وسلم، والمطلوب فقط أن يقول: رب! احكم بين عبادك، طال الموقف، فما استطاع كل منهم، واستجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوعد الصادق الذي وعده الله، ومع هذا ما قال: يا رب! احكم بين عبادك، قال: ( آتي فأخر ساجداً تحت العرش ويلهمني ربي محامد أحمده بها ثم يقول لي: يا محمد! ارفع رأسك، وسل تعطه، واشفع تشفع ) وفي آية الكرسي: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255].إذاً: عجلوا بالإنفاق، آهٍ! لو كان هناك صندوق البر والإحسان والطهر والصفاء والمودة والإخاء فإنا سنقسم غداءنا وعشاءنا قسمين.

ظلم الكفرة

ثم قال تعالى: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254] الكافرون لنعم الله، أعطاهم الله الأموال ففسقوا بها وفجروا وكادوا بها للمؤمنين وحاربوا بها الصالحين، أنفقوها في الحشيش والخمور والباطل والشر والفساد، هؤلاء هم الظالمون، هؤلاء جاحدون للنعمة، إذاً: هم الكافرون، هم الظالمون؛ لأن الظلم حقيقته: وضع الشيء في غير موضعه، مثلاً: هذه حلقة ذكر، فلو يقوم مجنون يدخل أصبعيه في أذنيه ويغني: يا ليلى، أيجوز هذا؟ أهذا موضع أغاني هذا؟ فهذا ظلم أم لا؟ أو يجيء واحد ويقول: افسحوا لي وينام في الحلقة، أهذا مكان نوم؟ فهذا هو الظلم، وضع الشيء في غير موضعه، أو يأتي عند باب المسجد ويشمر عن ثيابه ويتغوط، فهذا ظلم، فالذي أعطاه الله المال لينفقه في رضائه وفيما يريد الله تعالى منه فيعاكس وينفقه ضد الله عز وجل، فأي كفر أعظم من هذا بهذه النعمة؟ والدليل على أن الكفر كفر النعمة قول الله عز وجل: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ [إبراهيم:7] أعلن: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7] ما قال: سيسلب النعمة، بل فوق السلب بلاء آخر، فهل عرف المسلمون هذا؟ ومن أين يعرفونه ما داموا لا يجتمعون ليلاً ولا نهاراً طول أعمارهم على الكتاب والسنة، كيف يتعلمون؟ أيوحى إليهم؟ مستحيل. إذاً: عرفتم هذا النداء ماذا يحمل؟ أولاً: إذا دعا داعي الإنفاق أن: أنفق يا عبد الله -وبخاصة الزكاة- فلا تتردد.ثانياً: اعرف قيمة هذا اليوم الآتي، اعمل له، زك نفسك وطهرها وطيبها حتى تقبل في الفراديس العلى، وإلا فسترفض وتنزل إلى أسفل الكون إلى سجين، اعمل قبل أن يفوت الوقت، واعلم أن من كفر نعم الله كمن كفر بآيات الله وشرع الله وأنبياء الله ورسله، فهو ظالم.
تفسير قوله تعالى: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم ...)

عظمة سعة الكرسي
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

والآن مع آية الكرسي، فما الكرسي؟ الكرسي يقول تعالى فيه في هذه الآية المسماة به: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [البقرة:255] قال الحبر ابن عباس الذي فاز بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ قال: ( اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ) أي: تفسير القرآن الكريم؛ قال: لو أخذنا السماوات السبع والأرضين السبع وألصقنا واحدة بواحدة فأصبحت قطعة واحدة ووضعنا كرسي الرحمن عليها لضاقت بالكرسي ولم تتسع له. ونسبة الكرسي إلى العرش المذكور في قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] نسبة الكرسي إلى العرش كحلقة من نحاس ملقاة في أرض فلاة، ما نسبة هذه القطعة من النحاس في الفلاة؟ هذه نسبة الكرسي إلى العرش، فقولوا: آمنا بالله.

أمثلة توضيحية لعظمة الله تعالى في الخلق

وإن كنت تريد بعض التوضيحات فهذا جبريل عليه السلام تجلى لرسولنا في مكة بعدما تركه في غار حراء فسد الأفق كله بأجنحته الستمائة، فأين يذهب بعقولنا؟ ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ( أذن لي أن أحدث عن ملك رأسه تحت العرش ورجلاه في تخوم الأرض السابعة ) ، هذه غيوب، فتعال أعرفك على بعض المخلوقات فقط، هل تعرف كوكب الشمس؟ هذا الكوكب أكبر من الأرض بقرابة مليون ونصف مليون مرة، ما هي نظرية المعاصرين، هذه كلمة قديمة من آلاف السنين، الشمس هذا الكوكب النهاري يحمل هذه الطاقة وهذه الحرارة أكبر من الأرض هذه بمليون مرة وزيادة، فمن أوجد هذا الكوكب؟ من كوكبه؟ من ملأه بهذه الحرارة وهذه النار؟ آمنا بالله، آمنا بالله. وأين هذا الكوكب من كواكب لا يحصي عددها إلا الله عز وجل؟ الله خالق كل شيء، ومن ادعى الخلق فليتفضل ليضحك عليه العقلاء، فالذين يقولون: الطبيعة خلقت نقول لهم: والطبيعة من طبعها؟ والحركة الدافئة من أدفأها؟ أوهام وأباطيل وترهات.إن السماوات السبع اخترقها رسول الله صلى الله عليه وسلم سماءً بعد سماء حتى انتهى إلى سدرة المنتهى عندها جنة المأوى، هذا الرائد الأعظم صلى الله عليه وسلم، والماديون بشطحاتهم يقولون: وصلنا إلى القمر، وصفقنا نحن التائهين الضيع، وشيخكم كان يقول: لا تقل: ما وصلوا ولا تقل: وصلوا، فجائز أنهم يكذبون، فهم كفار، كيف تقول: وصلوا؟ أما تستحي؟ أعندك علم أنت؟ وغضب أهل الحلقة، ونحن نقول: لم نصفق نحن -العرب والمسلمين- لانتصارات أعدائنا؟ عدوك انتصر هذا الانتصار وحقق هذا الكمال فهل تصفق له أنت؟ أما عندك ضمير؟ اجحده، لا تعترف به، لا تفرح بانتصاراته إن كنت عاقلاً، أخفها، غطها، كذبه ليبقى إخوانك على مكانتهم، ولكن إذا عاثوا فالعرب والمسلمون يصفقون، وتاهوا في هذه أكثر من إذاعات أمريكا وروسيا، فنقول: سبحان الله! أين العقول وأين القلوب؟ وشاء الله أن نعثر على مجلة في بلاد المغرب تنقل عن مجلة صينية، الصين كانت هي القوة الثالثة ما هي مع الرأسماليين والبلشفيين، فوالله! إن أهل الصين يقولون: هذه كلها خرافات، ما هي إلا تنويم مغناطيسي للشعوب، ما وصلوا إلى القمر ولن يصلوا إليه، هذه كلها تمثيليات أجريت في الجبال. سبحان الله! أنا ماذا فهمت؟ قلت: يحافظون على معنويات شعبهم الذي يقف أمام أمريكا وروسيا، يحافظون على معنوياته، ما ينهارون أمامهم، وتمضي عشرات السنين ويصرح زعيم الصعود إلى القمر يقول: والله! إنها أكاذيب، ما طلعنا ولا وصلنا، كله خرافات، تمثيليات في الجبال، كان هذا منذ سنتين، فلم العرب ما قالوها ورددوها؟ قالوا: دعوا الناس نائمين، وهذا الأمريكاني قال: ما صعدنا ولا يمكن هذا، كلها تمثيليات فقط، لا إله إلا الله! أرأيتم كيف هبطنا؟

حقيقة الكرسي ومعناه

إذاً: فالكرسي حقيقته: موضع القدمين فقط، هذا الحبر ابن عباس وغيره كابن جرير والروايات كلها تقول: المراد بالكرسي موضع القدمين لا الكرسي هذا الذي تشاهدونه، وذلك أن الملوك في أزمنة مضت يوضع السرير للملك أو العرش فيسمى عرشاً وسريراً، ويوضع تحته شيء يضع عليه قدميه، فسبحان الله! لما فسر ابن عباس فقال: الكرسي موضع القدمين ما استسغناه، كيف نفهم هذا؟ نحن نفهم الكرسي المعروف، فقال: موضع القدمين فقط؛ لأن الملك كان يجلس على سريره ويضع رجليه على شيء أسفل ذاك يسمى كرسياً يكرس عليه رجليه، هذا القدر الذي لا ينسب إلى السرير، هذا الذي يضع عليه قدميه وسع السماوات والأرض، فالسرير كيف؟ قولوا: آمنا بالله. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدث الصحابة ثم وضع يده على لحيته وقال: ( آمنت به، آمنت به، آمنت به. فتعجب الصحابة: ماذا يا رسول الله؟ قال: لقد أوحي إلي أن رجلاً من بني إسرائيل كان يركب بقرة ) والبقرة للسقي والسني والحرث، ما هي للركوب، ( فرفعت البقرة رأسها وقالت: ما لهذا خلقت يا هذا، فقلت: آمنت به ) البقرة تنطق؟ أي نعم. ثم قال: ( وآمن به أبو بكر وآمن به عمر ) وهما غائبان؛ ثقة في الرجلين وما عرف عنهما، قال: ( وآمن به أبو بكر وآمن به عمر )، وآمنا به، فالذي أنطقني وأنطق أمي أما ينطق البقرة؟ لسانها أكبر من لساني أنا، فلا إله إلا الله! إذا سمعت هذا فقل: آمنت بالله، آمنت بالله، يخلق ما يشاء وهو على كل شيء قدير.

فضل آية الكرسي

آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله، وفي القرآن الكريم ستة آلاف ومائتان وست وثلاثون آية، كل آية علامة على أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولن يستطيع ذو عقل أن ينقض هذا، فهذه الآية وما تحمل من نور وهدى من صاحبها؟ هل هناك من قال: هي كلامي؟ فهي كلام الله إذاً: الله موجود وهذا كلامه، والذي نزلت عليه وتلقاها من هو محمد صلى الله عليه وسلم، إذاً: فوالله! إنه لرسول الله، فكل آية من الستة آلاف والمائتين وست وثلاثين تدل على حقيقة لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.أعظم آية هي آية الكرسي؛ وذلكم أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أبي بن كعب من حفظة القرآن بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: ( أتدري أية آية أعظم في كتاب الله يا أبا المنذر ؟ قال: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم). فضرب النبي صلى الله عليه وسلم في صدره وقال: ليهنك العلم أبا المنذر ) يا ليته ضرب صدري أنا ولو في المنام، فهي أعظم آية في الكتاب، وها نحن عرفناها الآن مجاناً، فالحمد لله، الحمد لله، الحمد لله. وقد ثبت أيضاً عن أبي القاسم صلى الله عليه وسلم أن من قرأها دبر كل صلاة لا يمنعه من دخول الجنة إلا الموت، ومكلمكم ما تركها من الصبا، من أيام كنا أطفالاً ندرس في الكتاب، بلغنا هذا فما تركناه، نحن نمشي أو نجري لا بد من تلاوتها، فهل ستأخذون بهذا أم ما أنتم في حاجة إليه؟ هي أعظم آية، أما تتحصن بها وتتلوها؟ مع هذه البشرى العظيمة: لا يمنعك من دخول الجنة إلا الموت. وإن قلت: إذاً: أنا سأزني وأفجر وأقرؤها فوالله لن تقرأها، ما يستطيعها ولا يحافظ عليها وهو يجرم بكبائر الذنوب والآثام، فمن هنا إذا حافظ عليها عبد حفظه الله تعالى وأعده للطهر والكمال.

اشتمال آية الكرسي على الاسم الأعظم

قال تعالى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن اسم الله الأعظم يوجد في هذه الآية وفي فاتحة آل عمران، وهي: الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران:1-2] وآية الكرسي: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين، فلذا نرجو أننا ظفرنا باسم الله الأعظم الذي ما سئل به أحد إلا أعطاه، ولا استعاذ به أحد إلا أعاذه، هو في كلمة: (الله لا إلا هو الحي القيوم)، فقل: يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم! يا ألله! وادع واسأل. وهذه الآية تعدل ربع القرآن، آية الكرسي إذا تلوتها كأنما قرأت ربع القرآن خمسة عشر حزباً، وسورة الزلزلة تعدل ربع القرآن أيضاً، وسورة الكافرون ربع القرآن، والنصر ربع القرآن، والصمد ثلث القرآن. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg

ابوالوليد المسلم 30-07-2020 03:46 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (23)
الحلقة (30)

http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

تفسير سورة البقرة (12)

الملائكة من مخلوقات الله تعالى، خلقهم من نور، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ليسوا على هيئة واحدة، ولا وظائف متحدة، بين القرآن بعضاً منهم، وطرفاً من أعمالهم، فجبريل موكل بالوحي، وإسرافيل بالنفخ في الصور، وملك الموت بقبض الأرواح، وهناك حملة العرش، والكرام الكاتبون، والملائكة الحافظون وغيرهم كثير بحيث لا يحصيهم إلا خالقهم.

تابع تفسير قوله تعالى: (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ...) وما بعدها

الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون .. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن السورة ما زالت كعهدنا بها سورة البقرة، وإن الآيات المباركات التي نستعين الله تعالى على تفسيرها، وفهم معانيها، سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها، والعمل بها، إنه قريب مجيب سميع الدعاء.قراءة تلك الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:30]، إلى آخر ما جاء في هذا السياق القرآني المبارك الكريم. ‏معاشر المستمعين والمستمعات! في الآيات التي قبل هذه قال تعالى وقوله الحق: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ [البقرة:28] وقد عرفنا أن هذا الأسلوب وهذا الاستفهام هو في معنى التقريع والتأديب، وهو يحمل معنى التعجب أيضاً، إذ كيف يكفر الإنسان بخالقه! تصوروا، كيف ينكر وجوده؟ يقول: أنا غير موجود .. أنا غير مخلوق، من يصدقه؟ هو لا يصدق نفسه، فكيف إذاً يكفر، ويستر، ويغطي، ويجحد خالقه، فهذا أمر يستدعي الاستغراب والتعجب، وصاحبه يؤدب ويقرع بالمقارع، كيف تكفر بربك؟وأنتم تعرفون السياق في الرد على أولئك الكافرين من المنافقين ومن المشركين، إذ كفروا بربهم، وعبدوا غيره، وحاربوا كتابه ورسوله. كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:28]، حجة بعد حجة بعد حجة، فكيف يستسيغ العاقل أن يجحد ربه وهو قد خلقه بعد أن لم يكن شيئاً.ثم أعظم من ذاك أنه يميته، هل هناك من فرض بقاءه على الله، وقال: مثلي لا يموت، أو أنا لن أموت، والبشرية مضت عليها قرون، هل وجد من فرض بقاءه على الله؟! إذاً: كيف يكفر بالله! وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ [البقرة:28].يبقى: ثُمَّ يُحْيِيكُمْ [البقرة:28] الذي يتمتع بعقل إنسان آدمي، ما دام قد عرف أنه كان غير مخلوق وخلق، وأنه مات بعد أن كان حياً فبأي ذوق أو منطق أو عقل يدعي أنه لا يحيا مرة ثانية! وهذا الكلام عقلي منطقي، كما نتكلم في دنيانا: هذه الشاة تساوي كذا، هذا البستان لفلان، هذه الدجاجة بيضها كذا.. بالعقول.إذاً: كيف يكفر هذا الإنسان بربه حتى يعصيه ويتمرد عليه، ويخرج عن طاعته؟!

سبب إنكار وجود الله

سبق أن عرفتم أن إنكار وجود الله كإنكار البعث الآخر، والعلة والسبب في ذلك: هو أن يتمرد الإنسان ويعيش بلا قانون، ولا شرع، ولا نظام، يريد أن يعيش كالبهائم؛ فلهذا كيف يتخلص من الطاعة، والانقياد، والإذعان؟ بالكفر، ولهذا أنكروا وجود الله، وأنكروا لقاء الله.وقد عرفنا سبب إنكار وجود الله وإنكار البعث الآخر ولقاء الله في قول الله تعالى: بَلْ يُرِيدُ الإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ [القيامة:5] في سياق تقرير البعث والجزاء: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ * أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ * بَلْ يُرِيدُ الإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ [القيامة:1-5]، الذي يريد أن لا يصلي، ولا يزكي، ولا يذكر الله، ولا يغتسل من جنابة، ولا يعطي حقاً من الحقوق، ماذا يصنع؟ يكفر. هذه الحقيقة، كالذي لا يريد أن يذعن لقانون الدولة ينكره، ولا يؤمن به، ولا يعترف بهذا الحاكم، ولا هذا الحكم، حتى ما يتقيد أبداً بقيد، ولا يلتزم بمبدأ، هذه حقيقة. ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:28]، لو كان رجوعنا بعد الموت إلى غير الله لهان الأمر، لكن رجوعنا إليه، وقد تمردوا عليه، وفسقوا عن أمره، وخرجوا عن طاعته، وحاربوه، وحاربوا رسله، كيف يكون هذا الرجوع؟! ماذا يلقون من جزاء؟! ماذا يتحملون من ألوان الشقاء والعذاب؟! ولكن لا يعزينا ولا يسلينا إلا قولنا: قضاء الله وقدره، حكم الله عليهم بالشقاء.

كل ما في الأرض خلق من أجل الإنسان

قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29]، هذه نعمه، وهذه آثار حلمه وعلمه وقدرته ورحمته، خلق لكم خاصة، لا لغيركم، ولا لسواكم، مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا كل ما في الأرض من حيوان . من أنواع الفواكه .. أنواع الخضر .. اللحوم، كل ما فيه حتى المعادن خلقها لكم، ولا تقولون: الحمد لله، ولا تقولون: المنة لله، ولا تقولون: مرنا يا ربنا نطعك، واطلب منا نعطك؛ لأن إنعامك سابغ، وإفضالك عظيم، ونحن عبيدك وأولياؤك، قالوا: لا، يأكلون، ويشربون، ويركبون، ويسكنون، وينكحون، ولا يذكرون الله. هذه هي آثار الكفر والعياذ بالله تعالى، إذ الكفر في الحقيقة موت، وما زلنا نقرر هذه الحقيقة أن الكافر ميت، فلا يسمع، ولا يبصر، ولا يعقل، ولا يأخذ، ولا يعطي. هذا شأنه، فإن حيي بالإيمان، وتفتحت حواسه؛ سمعه وبصره، أصبح قادراً على أن يعي ويفهم ويفقه، وإن أمر أطاع، وإن نهي استجاب. الموت في الكفر، والعياذ بالله. خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا هذه مظاهر نعم الله، إن الذي يقدم لك رغيفاً من الخبز فقط تحمده وتثني عليه، وتشكره، والذي يضع لك حصيراً تجلس عليها تحمده، وتثني عليه، فكيف بالذي أعطاك سمعك وبصرك ومنطقك، وأعطاك قواك تذهب وتجيء، وتقوم وتقعد؟! وخلق لك ما في الأرض من مخلوقات لك ومن أجلك، تأكل وتشرب، ومع هذا لا تقول: رب لك الحمد! عجب حال الكافر!

خلق الله للسماوات والأرض
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

قال تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ [البقرة:29] هنا السؤال: أيهما خلق قبل الآخر: الأرض أو السماوات؟هذا الموضوع فيه كلام طويل، ونحن لا نعيي ولا نتعب أفهامنا وعقولنا فيما لا طائل تحته، فنقول: خلق الله عز وجل الأرض، ولم يخلق فيها ما فيها من أنواع هذه النعم بعد، ثم خلق السماوات، ولنستمع إلى آية في هذا الشأن من سورة فصلت: حم [فصلت:1]، قال تعالى: قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا [فصلت:9-12]، فهذه الآية نص في أنه خلق الأرض أولاً في يومين، وخلق الأقوات والأرزاق في يومين، لكن ليس شرطاً بالتتابع، فخلق الأرض في يومين، وخلق السماوات في يومين، وخلق بعد ذلك ما تتطلب حياة الناس على الأرض من وجود هذه النعم.وقوله تعالى من سورة: وَالنَّازِعَاتِ [النازعات:1]، أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ [النازعات:27].يا من ينكرون البعث، والآخرة، والحياة الثانية! أخبرونا: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ [النازعات:27-33]، فهل فهمتم عني هذا؟أقول: خلق الله الأرض وخلق بعد ذلك السماوات، وعاد إلى الأرض فدحاها: أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا ، ولماذا قلت لكم: ما هناك حاجة إلى أن نجزم بهذا أو ذاك، إذ الذي نجزم به أن الله على كل شيء قدير، وأن نعم الله لا تعد ولا تحصى، وأن المطلوب منا بعد الإيمان أن نشكر الرحمن بطاعته؛ لأن السياق: قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ [فصلت:9]؟ أين يذهب بعقولكم؟! أتجحدون الرب العظيم الذي خلق؟ الأرض في يومين؟ الذين أنكروا البعث، والجزاء، والحياة الثانية قال الله تعالى: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ ، من يقول: نحن أشد خلقاً؟ ما نحن بالنسبة إلى السماء؟ ماذا نحن؟ بعوض، السماء بناها: رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا [النازعات:28-29]، ونحن نقول: ما يستطيع أن يعيدنا من جديد، أن يعيد خلقنا ليحاسبنا على أعمالنا، ويجزينا بها؟وقد عرفنا؛ العلة أنهم يريدون أن يواصلوا الفجور، لا استقامة، ولا طاعة، ولا أدب، ولا خلق، ولا حياء، ولكن حيوانات وبهائم.

حادثة المعراج إلى السموات السبع وما فوقها

إذاً: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ [البقرة:29]، السماء الأولى، والثانية، والثالثة، والرابعة عشناها ليلة الحديث في صحيح البخاري ، إذ عرج بنبينا صلى الله عليه وسلم بعد أن أسري به من مكة إلى بيت المقدس، ثم عرج به من بيت المقدس (المسجد الأقصى) إلى الملكوت الأعلى، فاخترق السماوات السبع، وأعلمنا -لنتأكد- أنه وجد في السماء الأولى آدم أبا البشر، وأهل ورحب وسهل به، وقال: من ابن ونبي. وعرج به إلى السماء الثانية، وهو يستفتح له جبريل، ويقال له: من معك؟ فلان، أذن له ودعي أو لا؟ يقول: نعم، فوجد في السماء الثانية ابني الخالة: عيسى ويحيى عليهما السلام، ووجد في السماء الثالثة يوسف الصديق ابن الصديق ابن الصديق عليه السلام، ووجد في الرابعة إدريس عليه السلام، ووجد في الخامسة هارون، وفي السادسة موسى، وفي السابعة إبراهيم، وهو يرى رؤيا العين، ثم ارتفع وتجاوز السماوات السبع حتى انتهى إلى جنة عدن؛ إلى دار السلام، وثَمَّ شاهد سدرة المنتهى، وارتفع أيضاً، وبقي جبريل دونه حتى انتهى إلى مقام سمع فيه صرير الأقلام، وصوت أقلام القضاء والقدر، وناجاه ربه وناداه، وكلمه كفاحاً؛ بلا واسطة، وقد كلم من قبل موسى في جبل الطور، وناداه وقال: يا رب! أكلامك أسمع أم كلام رسولك؟ قال: بل كلامي يا موسى. حتى تاقت نفس موسى واشتاقت روحه أن ينظر إلى وجه الله الكريم، ولكنه عاجز ما يقدر؛ لأن هاتين المقلتين قوتهما بحسب حياتنا في هذه الدار، وليس عندها طاقة كبيرة ترى أنوار الله عز وجل، وقد سئل نبينا صلى الله عليه وسلم: ( هل رأيت ربك؟ قال: نور أنى أراه )، فلينظر أحدكم إلى الشمس هل يستطيع أن يرى شيئاً؟ ( حجابه النور، لو أزال تعالى حجابه لاحترق ما انتهى إليه بصره )، قولوا: آمنا بالله، آمنا بالله.مظاهر العلم والقدرة والحكمة: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ ، وما قال: إلى السماوات، أي: جنس السماء، فلهذا قال: سواهن، بجمع المؤنث، فهن سبع سماوات، سماء بعد سماء بعد سماء، وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سمك السماء وغلظها مسيرة خمسمائة عام، وما بين السماء والسماء مسيرة خمسمائة عام، ومع هذا اخترقها صلى الله عليه وسلم في دقائق معلومة، ثم أتم هذا كله وعاد، تقول أم هانئ : وفراشه دافئ ما برد بعد. فلا يسعك يا ابن آدم إلا أن تقول: آمنت بالله! آمنت بالله.وكلمة استوى نبهنا أنه ليس معناها: علا، وإنما أراد وقصد -ولم يقصد إلى شيء آخر- إلى السماء حتى سواهن سبع سماوات، أو علا علو قهر وغلبة، فغلب هذا الملكوت وخلق السبع السماوات.وهو مع هذا بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ أسألكم بالله: أهذا يكفر، أهذا يجحد، كيف تستطيع أن تجحده؟ أنت لا تستطيع أن تجحد -والله- ولو كأس حليب على طاولة، تقول: لا مستحيل أن يكون هذا قد وضعه إنسان، ممكن؟ تستطيع أن تجحد وجود عربة أو دراجة عند باب المسجد تقول: هذه ما أوجدها أحد، هذه وجدت هكذا، ممكن؟ كيف -إذاً- ينكر هذا المخلوق خالق كل شيء، ورب كل شيء، ومالك كل شيء، ومن بيده كل شيء؟عجب كفر الكافرين كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:28-29].

تفسير قوله تعالى: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ...)

قال تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ [البقرة:30]، أي: اذكر يا رسولنا، اذكر أيها السامع، اذكر أيها المؤمن للملاحدة والمشركين والكافرين والهابطين، اذكر لهم ما تم في الملكوت الأعلى؛ لترتفع هممهم، وتعلو علومهم ومعارفهم، إنهم جهلة عميان؛ لا يبصرون، ولا يعلمون، فاذكر لهم مظاهر العلم والقدرة والحكمة الإلهية. وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ الملائكة -معشر المستمعين والمستمعات- واحدهم ملك. وهل هو مأخوذ من ألك يألكه، والألوكة هي الرسالة؟ ليس هناك حاجة إلى أن نشقى في هذا الباب، فهو علم لا ينفع، وجهالة لا تضر. وقد أخبرنا الله عن أسمائهم، وحدث بذلك رسوله، فالواحد ملك، والجمع ملائكة.



يتبع

ابوالوليد المسلم 30-07-2020 03:46 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
عدد الملائكة
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

الملائكة خلق عظيم.وعددهم لا يحصيه إلا خالقهم، فلو تضرب الآلات الحاسبة ألف سنة لا تستطيع معرفة عددهم، يدلنا على هذا العدد العظيم ما أخبر به صلى الله عليه وسلم في قوله، وقد حدث أصحابه وهو جالس بينهم فقال: ( أطت السماء وحق لها أن تئط )، أي: تأرجحت بالثقل فوقها، ثم بين ذلك لهم فقال: ( ما من موضع قدم أو شبر إلا وعليه ملك راكع أو ساجد )، من يعد .. من يحصي إذاً؟ فهذه السماوات السبع، ما هي سماء واحدة: ( أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع قدم إلا وعليه ملك راكع أو ساجد ).

ذكر أسماء بعض الملائكة وأعمالهم

هؤلاء الملائكة ذكر الله تعالى صفاتهم، وذكر أسماءهم في كتابه القرآن الكريم، فذكر من الأسماء: جبريل وميكائيل وإسرافيل.وذكر لنا من أعمالهم: أن جبريل موكل بالرسالة؛ بالوحي بين الله ورسله، وأن ميكائيل موكل بالأرزاق والخيرات والأمطار، وأن إسرافيل موكل بمهمة واحدة، وهي أن ينفخ في الصور أو في الناقور فيتم الفناء، وينفخ نفخة أخرى فيبعث الخلق، وينفخ نفخة ثالثة فيصعق من في المحشر كله، وينفخ رابعة فإذا هم قيام ينظرون.واقرءوا: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الزمر:67]، أي: الذين عبدوا غيره، الذين ألهَّوا سواه، وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا [الزمر:67] بكل أجزائها، ومحيطاتها، وصحاراها، وجبالها قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الزمر:67] كحبة خردلة في يده، وَالسَّموَاتُ [الزمر:67] السبع مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر:67]، يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ [الأنبياء:104]، ومن يجرؤ على أن يقول هذا القول أو يدعي هذه الدعوى سوى الله رب العالمين! وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ [الزمر:68]، من في السماوات؟ الملائكة، إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى [الزمر:68] نفخة أخرى: فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا [الزمر:68-69]، جاء الله .. امتلأ الأرض بالنور: وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ [الزمر:69-70].أين نحصل على هذه المعارف، هل تقوى عقول البشر على أن تأتي بمثلها، أو يخطر ببالها مثلها؟ هذا هو القرآن العظيم.

ملك الموت وعمله

بعد ما عرفنا مهمة جبريل وميكائيل وإسرافيل نعرف مهمة عزرائيل، ومن عزرائيل؟بعض أهل العلم يقولون: ما ورد اسمه في القرآن ولا في السنة، ونحن نقول: عرفت البشرية -أخذاً من الكتب السابقة- أن اسمه عزرائيل، فما المانع؟! وعزرائيل كجبريل وميكائيل بمعنى عبد الله أو عبد الرحمن؛ لأن إيل هو اسم الله.وملك الموت له أعوان، وقد قال تعالى فيه: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ [السجدة:11]، وقال: تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ [الأنعام:61-62].وعندنا عن ملك الموت قصة لطيفة ظريفة ذكرها ابن كثير في تفسيره، وهي:كان نبي الله سليمان عليه السلام على سرير ملكه يحكم بين الناس وهو جالس، فجاءه ملك الموت أيضاً وجلس، وسليمان أعطاه الله قدرة على أن يرى الجان، ويستخدمهم في مهام الأعمال، فهو يرى الملائكة، إلا أن ملك الموت جاء في صورة إنسان كما كان جبريل عليه السلام يأتي في صورة رجل كريم جميل، ويجلس إلى رسول الله والصحابة مئات يشاهدون، إذ من خصائص الملائكة أنهم يتشكلون بما شاء الله أن يتشكلوا، وقد نزلوا في وقعة بدر وعليهم عمائم، وخاضوا المعركة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، مسومين.فكان أن دخل شاب من شبيبة بلاد سليمان يقول: يا نبي الله! لي حاجة؛ نريد أن نمشي في الرحلة الأولى، ولا نستطيع أن ننتظر إلى غد، أرجو أن تجعلني ممن يرحلون في الرحلة الأولى، إذ كان له ما يسمى ببساط، وهو سفينة هوائية وهبها الله لسليمان، وأنتم تعرفون السفن التي تمشي في البحر، أما سفينة سليمان فهي هوائية، برية بحرية، برمائية، سفينة صنعها ليركب هو وجيوشه وأمتعته وسلاحه، وتأتي الريح فتحركها، ثم ترتفع وتمشي الريح معها، وتقودها حيث شاء سليمان، غُدُوُّهَا شَهْرٌ [سبأ:12] مسافة شهر تمشيها في الصباح، ومسافة شهر تمشيها في المساء، في رواحها: غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ [سبأ:12] والله العظيم، هذا كلام الله.فهذا الشاب كان مستعجلاً، فابتسم ملك الموت أمام سليمان فسأله سليمان قال: هذا الشاب الذي يرتعد أنا مأمور بأن أقبض روحه في الإقليم الفلاني، وانظروا كيف هو يستعجل موته، يتلطف ويسأل من فضل الله أن يرحل في أول رحلة!وهذا ذكره ابن كثير عند قول الله تعالى من سورة لقمان: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34]، فانظروا كيف جاء مستعجلاً يلح بالطلب: لا تحرمني من الرحلة الأولى يا نبي الله، لأكون أول من يركب، فلي مهمة في الإقليم الفلاني، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان:34].إذاً: جبريل، ميكائيل، إسرافيل، ملك الموت عرفنا مهماتهم.

حملة العرش وعملهم

عندنا حملة العرش، وفيهم قال تعالى وقوله الحق: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [الحاقة:17]، فالعرش سرير الملك، ويحمله ثمانية من الملائكة، أما اليوم فيحمله أربعة فقط، والله العظيم حاملوه أربعة ملائكة.ولهذا كثيراً ما نقول: اللهم لك الحمد أن سمحت لنا أن نذكر اسمك. فمن نحن حتى نذكر اسم الله، فكيف بالذين يهزءون ويسخرون ويكفرون؟والرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ من نومه قال: ( الحمد لله الذي رد علي روحي وعافاني في جسدي وأذن لي في ذكره )، أي: سمح لي أن أذكره، فهذا العرش الذي تحمله اليوم أربعة ملائكة اقرءوا قول الله تعالى من سورة البقرة؛ آية الكرسي: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [البقرة:255]، لو أخذنا السماوات السبع رقعة رقعة، وألصقنا واحدة بالثانية، وجعلنا الأرضين السبع رقعة واحدة، فألزقنا كل أرض بالأخرى، ووضعنا عرش الرحمن لكان عرش الرحمن أوسع، لا، بل الكرسي فقط وهو موضع القدمين أوسع من السماوات والأرضين! وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ولا نلتفت إلى المبطلين والضالين الذين يؤولون؛ ليبعدوا خشية الله وحب الله من قلوب المؤمنين؛ يؤولون الكرسي بالعلم، عجز الله أن يقول: وأحاط بكل شيء علماً حتى يعبر بالكرسي عن العلم؟ كل هذا من أجل أن يفقدوا المؤمنين حب الله، والرغبة والرهبة والخوف منه، فيحرفون كلام الله: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ .ويقول الحبر ابن عباس رضي الله عنهما: (نسبة الكرسي إلى العرش)، وهذا فيما إذا أردنا أن ننسب بالتقدير نسبة الكرسي إلى العرش كيف هي، قال: (كحلقة ملقاة في صحراء)، تعرفون الحلقة -والجمع حلق- في عنق الإنسان أو في أصبعه أو في يده، حلقة ألقيناها في صحراء، وما نسبة الأرض إلى تلك الحلقة، أو الحلقة إلى تلك الأرض؟ لا شيء.كما ذكر لنا صلى الله عليه وسلم أن نسبة العالم الدنيوي أو الحياة الأولى إلى الآخرة كما يغمس أحدنا أصبعه في البحر، ثم يخرج أصبعه ويمسح البلل ويقومه بربع مليمتر مثلاً، ما هي النسبة هذه؟ البلل الذي يعلق بأصبعك إذا نسبته إلى البحر كيف تنسبه؟ يقف العقل، كذلك نسبة الحياة الأولى إلى الحياة الآخرة، قولوا: آمنا بالله.فهذا العرش نسبة الكرسي إليه كما سمعتم، ومع هذا يحمله الآن أربعة ملائكة فقط، ويوم القيامة يضاعف الله العدد؛ لأنه يوم الهول، والموقف الصعب، فيجعلهم ثمانية كما في سورة الحاقة: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ [الحاقة:17-18] على الله: لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة:18-24]، أية أيام خلت؟ هذه! سوف تخلو وتنتهي. وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ [الحاقة:25-27].كفى بك داءًَ أن ترى الموت شافياًوحسب المنايا أن يكن أمانيا يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ [الحاقة:25-32]، من فمه وتخرج من دبره، سلسلة طولها سبعون ذراعاً، بأذرعتنا هذه، ونحن البعوض؟ ما قيمة أذرعتنا؟ لم هذا المخلوق؟ إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ [الحاقة:33] ملحد؛ كافر، هذا جزاؤه: وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ [الحاقة:34].هذه تعاليم الله التي أحيت البشرية بعد موتها، وكونت أمة لم تكتحل عين الوجود بمثلها في قرونها الذهبية الثلاثة عدلاً ورحمة، وصدقاً وصفاء وطهراً، وكمالاً وعزاً، فما عرفت الدنيا أمة أطهر ولا أكمل من تلك الأمة.ما سبب طهرها وصفائها وعزها وكمالها؟ هي هذه الدراسة، قال الله وقال رسوله.وعرف العدو هذا، وأبعد المسلمين عن الكتاب والسنة، فماتوا، ففعل بهم ما شاء، وما زلنا مبعدين عن نور الله وحكمة كتابه، ومازال الجهل ينخر في عظامنا ويمزقنا إلى الآن.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/45.jpg

خلقة الملائكة

إذاً: عرفتم حملة العرش، كيف تتصورون الملائكة الأربعة الذين يحملون عرشاً هو أعظم من السماوات والأرضين.سدوم وعمورة مدن في البحر الميت كانت تسكنها أمة جبارة من قوم لوط، رفعها جبريل عليه السلام من أسفل الأرض إلى السماء وقلبها، عرفتم قوة جبريل؟ لما تجلى وظهر في السماء لرسولنا في مكة، في جياد بالضبط سد الأفق كله، إذ له ستمائة جناح، واقرءوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ [فاطر:1] وخماس.. إلى كم؟ اكتفى؟ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ [فاطر:1] جبريل له ستمائة جناح.الملائكة الأطهار الأصفياء، مادة خلقهم ما هي؟ النور، مخلوقون من النور، يوجد النور أو لا؟ وتوجد النار أو لا؟ العوالم الثلاثة: بنو آدم من مادة الطين والتراب، والشياطين والجان من مادة النار .. من شواظ من نار، والملائكة من نور. فهم أعلانا، وأصفانا، وأطهرنا، وأزكانا. قطعاً ما في ذلك شك، وهذا العالم علمنا ربنا عنهم أنهم لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون، يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:20] .. هكذا خلقهم، لا أكل، ولا شرب، ولا نوم.ولهم أعمال، عرفنا فيما سبق عمل جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وحملة العرش.

الكرام الكاتبون، والملائكة الحافظون

ما هو عمل الكرام الكاتبين؟ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا [الانفطار:10-11]، الحمد لله ما هم (لئاماً)، يا ويلك لو كان مسجل أعمالك وحركاتك لئيماً! كِرَامًا كَاتِبِينَ [الانفطار:11]، ما من أحد منا إلا وله أربعة ملائكة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( يتعاقب فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار )، ما معنى التعاقب؟ يطلع اثنان ويهبط اثنان ( يتعاقب فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، فيجتمعان في صلاة العصر وصلاة الصبح )، فلهذا الشقي المحروم التعس من لم يشهد صلاة الصبح وصلاة العصر في بيت الرب مع عباده المؤمنين!! لم؟ لأن الملائكة التي تقوم بعمل الإحصاء والكتابة في النهار ينزلون في صلاة الصبح، فيجدون المؤمنين يصلون، فيعرج ملائكة الليل ويبقى ملائكة النهار إلى صلاة العصر، فإذا أذن المؤذن وحضر الناس في بيت الرب، ينزل ملائكة الليل ويعرج ملائكة النهار، فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم: كيف تركتكم عبادي؟ اسمع هذه الشهادة من كريم، يقول: وجدناهم في الصلاة، وتركناهم في الصلاة، لا حصاد، ولا زرع، ولا عمل، ولا أكل، ولا شرب، ولا.. وجدناهم في الصلاة، والله كذلك، وتركناهم في الصلاة، بكم تشتري هذه الشهادة؟ ما تُقَدر أبداً بمقدار، شهادة من؟ ملائكة كذبوا هم؟ لا، والله لقد صدقوا، ما وجدونا في صلاة الصبح؟ ما وجدونا في صلاة العصر؟ وجدناهم في الصلاة، وتركناهم في الصلاة.فلهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من فاتته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله )، كأنما أخذ منه أهله وأخذ منه ماله، وبقي بلا أهل ولا مال، ( من فاتته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله ) عرفتم السر أو لا؟ولهذا الصلاة الوسطى هي صلاة الصبح وصلاة العصر، إذ ما منهما إلا وسطى، فالصبح قبلها المغرب والعشاء، وبعدها الظهر والعصر، والعصر قبلها الظهر والصبح، وبعدها المغرب والعشاء، فكلاهما وسطى، ولهذا إذا قال المالكي: نحن نعتقد أن الوسطى هي الصبح، فهو على حق، وإذا قال الحنبلي: الصلاة الوسطى هي العصر، كان على حق، وما اختلفنا.إذاً: هؤلاء الكرام الكاتبين، كم عدد البشرية؟ اضربهم في أربعة، أليس كل واحد موكل به أربعة؟وهناك أيضاً مهمة أخرى لملائكة من نوع آخر كلفهم الله بحمايتنا، هذا الحرس الجمهوري أو الملكي، ومع هذا تسب الله يا أحمق وتنكره وتكفر به، وأنت محفوظ بحماية، والله لولا تلك الحماية لتمزقت، ومزقتك الشياطين والجان، واقرءوا من سورة الرعد: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [الرعد:11]، وإذا جاء أمر الله وقفت الملائكة لينفذ حكم الله فيك يا عبد الله، لكن لا تقل: إذاً ما الفائدة؟ ما الفائدة! أريك الفائدة إن كنت تعقل: الملك عنده حرس أو لا؟ وكذلك السلطان .. الرئيس، قد تقول: ما هذا الحرس ولم، والقضاء نافذ؟ أنت بهلول تقول هذا الكلام، أتدري لم؟ لأنه ليس معنى هذا أن الملك أو السلطان أو الرئيس ما يموت، إذا جاء القضاء والقدر وقف كل شيء، ولكن وجود حرس يطمئنه، يسكن نفسه، يهدئ خاطره، يجعله يقضي أموره وقضاءه وهو مطمئن، بخلاف لو لم يوجد حرس، يلتفت كل دقيقة أو لا؟معقبات من بين أيدينا ومن خلفنا يحفظوننا أليس كذلك، لا تقل: ها نحن نموت، إذا جاء القضاء وقفوا، ينفذ أمر الله عز وجل، لكن فائدة ذلك أنك تعيش مطمئن النفس وهادئ البال؛ غير خائف، ولا تلتفت: الآن الشياطين أو الجان يأخذونني، فمعك حماية معك، وضربت لكم مثلاً شارحاً مبيناً بالحرس بالعظماء من أهل الدنيا الذين يوجد لهم حرس، فالمحروس تطمئن نفسه، ويهدأ باله وخاطره، وينسى الخوف والالتفاتة من أن يقتله فلان وفلان، وهذه فائدة عظيمة، وأما قضاء الله فهو نافذ، وإذا جاء الأجل وقف كل شيء.إذاً الملائكة الكرام الكاتبون يكتبون ويدونون أعمالنا، ولا ينقصوننا حسنة واحدة، فاطمئن.ومع هذا ورد أن كاتب السيئات يمهلك ساعة، ما هي بالدقيقة هذه، فإن استغفرت وأنبت ورجعت لم يكتب، فهو يمهلك بعد معصيتك ساعة من الزمن قبل أن يكتب، لعلك ترجع .. لعلك تتوب، فإن أنت عرفت الذنب وقلت: أستغفر الله، وأتوب إلى الله، وغفرانك ربي، لا يكتب.أما صاحب الحسنات فعلى الفور يكتبها، كرام أو لئام؟ من وصفهم بالكرم؟ الله: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار:10-12]، ما في جهالة عندهم.للحديث صلة لنعيش مع الملائكة يوماً آخر أو يومين إن شاء الله، ونحن مع الملائكة في كل ساعة. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/46.jpg


ابوالوليد المسلم 07-08-2020 03:47 AM

رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
 
http://majles.alukah.net/imgcache/2018/02/44.jpg

تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (24)
الحلقة (31)




تفسير سورة البقرة (120)

من الأدلة على قدرة الله تعالى وعظيم خلقه أن خلق سبحانه وتعالى الكرسي وجعله قائماً على عرشه، وهذا الكرسي قد وسع السماوات والأرض فما بالك بعرش الرحمن، والله عز وجل مستو على عرشه بائن من خلقه ومع ذلك فهو محيط بهم لا تخفى عليه منهم خافية، ولا تأخذه عنهم سنة ولا نوم، تعالى الله الملك الحق علواً كبيراً.
تابع تفسير قوله تعالى: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم...)

فضل آية الكرسي

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل.وها نحن مع آية الكرسي، وأعيد إلى أذهان الأبناء والإخوة المستمعين أن آية الكرسي هي أعظم آية في كتاب الله، من بين ستة آلاف ومائتين وست وثلاثين آية هذه أعظمها.كما أن أفضل سورة في كتاب الله هي سورة الفاتحة أم الكتاب والسبع المثاني، بهذا صح الخبر عن سيد البشر صلى الله عليه وسلم، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم امتحن صاحب القرآن أبي بن كعب رضي الله عنه، ( سأله عن أية آية أعظم في كتاب الله، فقال: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم)، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم في صدر أبي وقال: ليهنك العلم أبا المنذر! ) وكناه بكنيته تشريفاً له وتعظيماً.

ذكر ما اشتملت عليه آية الكرسي من أسماء الله تعالى وأنواع توحيده

ولنسمع ما قال أهل العلم في شأن هذه الآية الكريمة:قال أهل العلم في هذه الآية المباركة: إنها أعظم آية في كتاب الله تعالى، اشتملت على ثمانية عشر اسماً لله تعالى ما بين اسم ظاهر واسم مضمر، آية واحدة اشتملت على ثمانية عشر اسماً لله تعالى، ما بين الظاهر مثل: (الله)، وما بين المضمر مثل: (هو).وكلماتها خمسون كلمة، وانظر إلى عناية السلف الصالح بكتاب الله، عدوا كلماتها فوجدوها خمسين كلمة، وعدوا جملها فإذا هي عشر جمل كلها ناطقة بربوبية الله تعالى وألوهيته وأسمائه وصفاته، الدالة على كمال ذاته وعلمه وقدرته وعظيم سلطانه.والتوحيد يدور على الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، فهذه الآية المباركة العظيمة بلغكم وعرفتم أن من واظب عليها دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت فقط.

الأسرار القرآنية

وقد ذكرنا أن سورة الزلزلة: إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا [الزلزلة:1] تعدل ربع القرآن، وأن سورة الكافرون: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] تعدل أيضاً ربع القرآن، وسورة النصر: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1] تعدل ربع القرآن، وأن سورة الصمد تعدل ثلث القرآن.ومن هنا فالراغبون في عظيم الأجر يصلون أكثر المواسم بهذه السور، وقد يصلي بالسور الأربع في ركعة أو ركعتين، وفضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.ولا بأس أن نلفت النظر إلى أن سورة الزلزلة تقرر مبدأ المعاد والحياة الثانية، ولو تقرأ القرآن وتحصيه فستجد ربعه يتكلم عن الدار الآخرة وما فيها؛ فلهذا تعدل ربع القرآن؛ لأن مبدأ البعث والنشور والحياة الثانية، والحساب والجزاء بالنعيم المقيم أو العذاب الأليم؛ هذا أخذ من القرآن ربعه.ثانياً: سورة الكافرون تحمل توحيد الألوهية: لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ [الكافرون:2] وتوحيد الألوهية كذلك ربع القرآن يدرو حوله. ومعنى توحيد الألوهية: أن تعتقد موقناً أنه لا يستحق أن يعبد في العوالم كلها إلا الله؛ لأنه الخالق الرازق المدبر، وما عدا الله فمخلوق مرزوق، فكيف يصل إلى مستوى يعبد فيه كما يعبد الله؟!وسورة النصر: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:1-3]، أليس فيها الأمر بالاستغفار والتوبة؟ راجع القرآن فستجد آيه يحمل هذا المعنى في ربعه، كما قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ [النور:31]، فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا [نوح:10]، فالاستغفار والتوبة في القرآن تجد ربعه يحملهما.أما سورة الصمد -وهو الله جل جلاله- فإنها تعدل ثلث القرآن؛ لأن فيها توحيد الألوهية والأسماء والصفات: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:1-4]، فما دامت تحمل عقيدة الأسماء والصفات والألوهية فهذا ثلث القرآن. ومن هنا سميت الفاتحة أم القرآن، سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم القرآن وأم الكتاب، وقال: (من لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصلاته خداج خداج)؛ لأنها اشتملت على كل ما هو في القرآن: توحيد الألوهية، توحيد الربوبية، العبادات بأنواعها، القصص والتاريخ بما فيه، إذاً: القرآن كله يتفرع عنها وهي أمه، كحواء أم البشرية كلها.


فضل الجهر بـ(لا إله إلا الله وحده لا شريك له ...) في السوق

وقد سأل سائل عن تلك الجملة من الأذكار التي يثاب عليها صاحبها بمليون حسنة، فنقول: هي أن من يدخل السوق القائم على البيع والشراء والناس منكبون على البيع والشراء والمساومة والأخذ والعطاء، فيرفع صوته عالياً حتى يقال: هذا مجنون، فيقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وإليه المصير، وهو على كل شيء قدير؛ فإنه يأخذ شيكاً بجائزة ألف ألف حسنة! بهذا أخبر أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، يعطى ألف ألف حسنة، وألف ألف الآن بالاصطلاح المعاصر مليون، على شرط: ألا يجبن أو يستحي أو يخاف، يرفع صوته عالياً حتى أهل السوق كلهم يتطلعون إليه، بأعلى صوت، ثم ثلاثة أرباعهم يتراجعون عن الغش والكذب والتكالب على الدنيا، حيث أصلح السوق بهذه الكلمة؛ حيث البلدية تعجز عن إصلاحه، فطول العام وهي تتابع! فهذه الجملة هي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير وإليه المصير، وهو على كل شيء قدير، ويمشي ليتركهم يفكرون.

علمية لفظ الجلالة على الذات الإلهية

والآن مع آية الكرسي، لم سميت آية الكرسي؟ لذكر الكرسي فيها، هذا هو السبب.قال تعالى بعدما نادانا إلى الإنفاق والبذل والعطاء، وحذرنا من يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة، والكافرون بجحود النعم وكفرانها، الكافرون بالله عز وجل مولاهم هم الظالمون، قال تعالى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [البقرة:255] هو الذي ينجيكم ويفرج عنكم، وييسر أمركم، فافزعوا إليه بالإنفاق في سبيله والتوبة إليه والإقبال على عباداته. و(الله) اسم علم على ذات الله، الاسم مأخوذ من السمة، أي: العلامة، سمته كذا وكذا: علامته كذا وكذا، إنسان مثلي ذاته كيف نعرفها من بين الذوات؟ ضع عليها علامة، هذه العلامة هي أن تسميه بالاسم. فذات الله عز وجل لا تشبه الذوات، ومن خطر بباله تصور هذه الذات أو البحث عن كيف؛ فقد أخطأ وزلت قدمه، ووالله! لن يدرك شيئاً، فعقولنا محدودة الطاقة كآذاننا وأسماعنا، كأعيننا وبصرنا، كنطقنا وذاتنا، محدودة، هل يستطيع أحدنا أن يدرك بعينيه تلك الجراثيم في الأنعام؟ ما يستطيع! انظر الآن هنا، فهذا الهواء فيه جراثيم تراها بمكبرات الرؤية، وسمعك تسمع به ما شاء الله أن تسمع في حدود معدودة، وأكثر من ميل أو ميلين ما تسمع الصوت أبداً، وبصرك تبصر به أيضاً مدى محدوداً لا تتجاوزه أبداً، صوتك ترفعه: الله أكبر فينتهي إلى مدى محدود، ما يصل إلى كل مكان، طاقتك البدنية تحمل قنطاراً أو قنطارين وتعجز عن الخمسة والعشرة.فكذلك عقلك يا ابن آدم محدود الطاقة، ما تستطيع أن تدرك كل شيء، فلهذا لا يحل لمؤمن أو مؤمنة أن يفكر في ذات الله؛ لأنه تزل قدمه ويخبط خبط عشواء، ومستحيل أن يدرك ذات الله، فهو خالق العوالم كلها فكيف تدركه أنت؟! فتفكروا في آياته، ولا تتفكروا في ذاته؛ لأنكم عاجزون عن إدراك الذات الإلهية! فـ(الله) اسم علم، فهناك اسم علم، وهناك اسم نكرة، فرجل نكرة، وإنسان، وامرأة، لكن المرأة زينب علم عليها، وإبراهيم علم على رجل، و(الله) علم على ذات الرب تبارك وتعالى.فمن أراد أن يناديه فليقل: يا ألله! يا ألله! وإن شاء قال: اللهم! حذفت ياء النداء لقربه تعالى، وعوضت عنها الميم، فقالت العرب: اللهم، هذه الميم عوض عن ياء النداء، لا تقل: يا اللهم! هذا ما يقوله عربي، كيف تجمع بين الحرفين؟! إما أن تقول: يا ألله، أو تقول: اللهم. فهذه الميم زيدت عوضاً عن ياء النداء؛ لأن الله تعالى قريب، مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا [المجادلة:7] كيف هذا؟ هنا مثال: الشمس حين تطلع وتمشي في إقليم بكامله هي معك أينما كنت، فهل هي في جيبك؟ هل أنت قريب منها؟ بينك وبينها مسافة ملايين الأميال، وهي معك. فالله الذي خلق الكون كله، ويقبض السماوات والأرض بيمينه كل الكون بين يديه، فلهذا استحوا منه يا عباد الله!

معنى قوله تعالى: (الله لا إله إلا هو)

و اللَّهُ [البقرة:255] مبتدأ، فأين الخبر؟ قال تعالى: لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [البقرة:255]، كما تقول: إبراهيم، فيقال: ما له؟ تقول: إبراهيم مات، فهل أخبرت أم لا، إبراهيم لا كريم أكرم منه، هل أخبرت عنه أم لا؟ إذاً: الله أخبر عن نفسه فقال تعالى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [البقرة:255] لا معبود سواه، إذ لفظ: (إله) في لغتهم معناه: المعبود، فكل ما عبد يسمى إلهاً، كل ما عبد، من كوكب، صنم، فرج، حيث عبدوا الفروج، كل ما عبد يقال فيه: إله في لغة العرب التي نزل بها القرآن.وبالمناسبة يذكر أنه كان لأحد العرب إله في واد من الأودية في شعب من الشعاب، صنم، ويأتيه ليتمسح به، يتبرك به، يستغيث، ينذر النذور له ويذبح، جاء يوماً من الأيام فوجد ثعلباً قد رفع رجله ووضعه على كتفه يبول عليه! لأن الذئاب والثعالب إذا أراد أحدها أن يبول رفع رجله بالفطرة، يضعها على شيء مرتفع، فوضعها على كتف الصنم، فذاك الأعرابي نظر يتأمل، ثم صاح يقول: أرب يبول الثعلبان برأسهلقد ذل من بالت عليه الثعالبولم يرجع إليه إلى الأبد.ولا تعجب؛ فالآن المسيحيون البصراء العارفون طاروا في السماء وزعموا أنهم وصلوا إلى القمر -وكذبوا- والصليب في أعناقهم يعبدونه، هذا الصليب مصنوع من الذهب أو الحديد، أهذا هو الله؟! تعالى عن ذلك علواً كبيراً.يقدسون الصليب كأنه الله، ومن هنا إذا هبطت العقول وخرجت عن فطرتها فلا تعجب، هناك من البشر من يعبدون الفروج! بعيني هاتين رأيت ذلك في مدينة في بلاد الهند، مدينة رزناها للدعوة، وإذا بالدكاكين تبيع الفروج المصنوعة، وإذا بعابد لها يحمل ذلك الفرج من خصيتين وذكر على كتفه ليعبده! عبدوا الصور والتماثيل، فهبطوا، وعبادتهم هذه ناتجة عن الخوف الفطري والفقر الفطري والحاجة الفطرية، ما عرفوا الله، ما عرفوا الطريق إليه، فيزين الشيطان لهم عبادة كوكب أو عبادة شجرة، أو عبادة إنسان أو عبادة حيوان، لفقرهم وحاجتهم ولجهلهم، وإذا تمكنت تلك العبادة فما يريدون أن يتخلوا عنها ويرفضوها.وحارب الرسول صلى الله عليه وسلم المشركين سنوات حتى هدأت الحرب وهم يصرون على عبادة الأصنام! إذاً: كل ما عبد من دون الله يسمى إلهاً، وهو إله باطل، والله! لا يوجد إله حق إلا الله؛ لأن الذي تخضع له وتذل، وتحبه وتتطامن بين يديه، وتعفر وجهك في التراب يكون قد أسدى إليك وقدم أعظم ما يقدم إليك، أوجدك من العدم، وهبك حياتك كلها، وهبك كل شيء أنت فيه وعليه، هذا الذي تذل بين يديه وتخضع وتبكي وتستغيث به وتسأله، أما المخلوق مثلك فكيف ترفعه إلى مستوى الإله وتعبده؟! بأية شبهة؟!إذاً: الله جل جلاله أخبرنا عن نفسه فقال: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [البقرة:255] أي: لا معبود بحق إلا هو، فكل ما عبد من دون الله كالملائكة والأنبياء والرسل والأولياء والكواكب والأحجار والأشجار والبشر، كل تلك المعبودات باطلة، ما خلقتك ولا رزقتك، ولا دبرت حياتك، فكيف تعبدها؟ كيف تذل وتخضع بين يديها وتقدسها وتجلها؟ هذا ظلم. اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [البقرة:255] معشر المستمعين والمستمعات! ما معنى لا إله إلا هو؟ أي: لا يوجد في العوالم العلوية ولا في السفلية من يستحق أن يعبد بأن يدعى ويستغاث به، ويتملق إليه ويتزلف بذكر أسمائه، بطاعته في أمره ونهيه؛ لا يوجد إلا واحد هو الله تعالى. وله تسعة وتسعون اسماً أيضاً، هذا واحد منها: ( إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً ) هذا الذي نزل به القرآن، وبينه الرسول الكريم، وقد تكون له أسماء أخرى يعلمها هو أطلع عليها من شاء من أنبيائه ورسله، وقد أشار إلى هذا النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه: ( أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن الكريم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني وذهاب همي وغمي ).


معنى قوله تعالى: (الحي القيوم)

قال تعالى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255] اسمان عظيمان، الحي أصله: الحيي، كالحرير، فسكنت الياء وأدغمت في الياء، فصارت: (الحيّ)، ذو الحياة الدائمة التي لم يسبقها عدم، ولا يقع عليها عدم، كل الموجودات مسبوقة بعدم، وتنتهي بعدم، إلا الله فإنه حي دائم الحياة التي لم يسبقها عدم ولا يلحقها عدم، وما عدا الله من الملائكة ومن كل المخلوقات ما كانت موجودة وأوجدها ثم يعدمها.وفي البخاري (باب: كان الله ولم يكن شيء غيره)، وقال للقلم: يا قلم! اكتب فكتب، فلو نعرف الله معرفة حقيقية فإنا سنستحي فقط أن نتكلم باسمه؛ لجلاله وعظمته، فكيف إذاً نجاهره بمعاصيه؟ لكن تدبير الله! فالله تعالى الحي الدائم الحياة التي لا تشبه حياة المخلوقات الموهوبة لهم منه تعالى، حياة لا ابتداء لها ولا انتهاء لها، واقرءوا من سورة الحديد: هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد:3] هو الأول لا أول قبله، والآخر لا آخر بعده، فآمنا بالله! والقيوم: الذي قام بكل شيء، العوالم كلها يدبرها، وهو قائم عليها، ولولا قيوميته لخرب العالم من آلاف السنين، لاصطدمت الكواكب ببعضها واحترق الكون.القيوم الذي أمر الدنيا والآخرة كله هو القيم عليه يديره ويدبره، القيوم بمعنى (القيم)، لكن أبلغ من (القيم)، فهو كثير أو كبير القيومية.

معنى قوله تعالى: (لا تأخذه سنة ولا نوم)

اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة:255] لا تأخذه سنة، أي: لا يأتيه النعاس، السنة: مقدمة النوم، وعندنا آية يقول تعالى فيها: وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ [الروم:23] سبحان الله! هذه آية دالة على قدرة الله ووجود الله وعلم الله، وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ [الروم:23] والله! لولا الله ما نمنا، ولا عرفنا النوم ولا كيف النوم، ولولا الله ما استيقظنا أيضاً، فكوننا ننام ونستيقظ هذا من مظاهر تدبير الله وقيوميته على خلقه وعباده، هل يستطيع إنسان أن يقول: سأنام ونام لتوه؟ لا أحد.فالله جل وعز لا تأخذه سنة -أي: نعاس- ولا نوم أبداً، وكل هذه المخلوقات مفتقرة إلى النوم والراحة حتى الحيوانات تنام، هذا الذي ينام ويستيقظ كيف تدعوه مع الله: يا سيدي عبد القادر ! يا مولاي إدريس ! يا رسول الله! يا فاطمة ! يا حسين ! هل أنت تتحدى الله؟ أما تستحي؟! يا شيخ! لا تلمهم فما عرفوا، إي والله ما عرفوا. فمن تنادي؟ أتغيظ الله؟ تؤله مخلوقاً من مخلوقاته، وتقبل عليه بلسانك وقلبك، وتناديه أن يفعل ويفعل؟ كيف يتم هذا؟ يتم بالجهل، لأنهم ما عرفوا، ومن علمهم؟ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة:255]، يروى أن أحد الرسل أو الأنبياء سأل ربه: كيف لا تنام يا رب؟! فأمره أن: ضع في كفيك كأساً في يمينك وكأساً في شمالك ملوءين باللبن، ونم، فأخذه النعاس، وفي كل مرة يميل فيتدفق الكأس بما فيه، ثم يملأ فتأخذه السنة فيسقط الكأس من يده! فالذي يدير الكون لو كان ينام فلن يستقر الكون والحياة، سيخرب الكون في يومه الأول.

معنى قوله تعالى: (له ما في السموات وما في الأرض )

لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [البقرة:255] هل بلغكم إن إنساناً أو ملكاً يملك المنطقة الفلانية في العالم؟ و(ما) اسم موصول يشمل هذا اللفظ كل كائن، أي موجود في السماوات أو في الأرض هو ملك لله، إذ هو خالقه ومدبره ومالكه، وغير الله لا يملك.إذاً: كيف تدعون غير الله؟! أنت تعرف أن إبراهيم أو عثمان أو عبد القادر لا يملك شيئاً وتدعوه وتناديه؟ هل أنت مجنون؟ تأمل. هل آمنتم بأن لله ما في السماوات وما في الأرض أم لا؟ فإذا كان هو المالك لها وهي بيده؛ فهل يجوز طلب شيء منها من غيره؟! لا يجوز، أنت تمر بحديقة أو بمنزل وترى فيه ما فيه من الطعام والشراب؛ فإذا كان صاحبه موجوداً وتراه فاسأله؛ لأنه يملك، وإذا مررت بآخر وصاحبه غير موجود فقلت لآخر: يا إبراهيم! أعطني. فسيقول: أنت مجنون؛ هذا ما هو ملكي أنا، ما هو بستاني ولا مالي! وأوضح من هذا أن يأتي الإنسان إلى خربة ما فيها سكان ولا أحد ويلزم الباب: يا أهل البيت! يا أهل الدار! أخوكم من ثلاثة أيام ما طعم ولا شرب، أغيثوني! فإذا مررت به أنت تضحك أم لا؟ ما هو واجبك؟ تقول: يا عبد الله! هذه خربة ما فيها أحد، لا امرأة ولا رجل ولا طعام ولا ماء، اذهب إلى دار أهله موجودون فيه. ومع هذا يمر بنا إخواننا وهم يستغيثون بعبد القادر وفلان وفلان ونحن ساكتون، فلنقل لهم: إن هذا ما يعطيكم شيئاً، اسألوا الله، استغيثوا بالله، أنتم تغيظون ربكم وتغضبونه عليكم، من يعطيكم؟ وهذا هو واقع أمة الإسلام من ثمانمائة سنة، يجده يدعو صاحب قبر فما يغضب! قل له: ارفع كفيك إلى ربك، توضأ وصل بين يديه واسأله، أما صاحب هذا الضريح أو القبر فما يعطيك شيئاً.والله! لو كان في الإمكان إجراء عملية اختبار لقلنا: ابعدوا الهيئة والعسكر من حول الحجرة، فإذا لم تروا إخوانكم من الشرق والغرب يركعون ويتمسحون ويبكون ويستغيثون فاذبحوني الآن، مع ما انتشر من الوعي والسلفية والتوحيد! إذاً: لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [البقرة:255] من الكائنات كلها، مياهها وأنهارها وذهبها وفضتها، وكل ما فيها؛ فمن أراد أن يسأل فليسأل الله، فلا تمل إلى عزى ولا مناة ولا عائشة ولا مريم ولا عيسى، فالله تعالى له ما في السماوات وما في الأرض من كل الخيرات، فمن نطلب إذاً؟ نطلب إبراهيم؟! لا يملك، نطلب من محمد صلى الله عليه وسلم؟! لا يملك، من نطلب؟ الله.

ضلال المتجهين إلى عبادة غير الله تعالى

في غزوة ثقيف التي غزاها الرسول صلى الله عليه وسلم عام الفتح بعدما دخلوا مكة في السنة الثامنة استراحوا يومين أو ثلاثة، وبلغهم أن ثقيف تتجمع لحربهم، ولما خرج القائد الأعظم صلى الله عليه وسلم وإذا بمسلمي أمس ومن ثلاثة أيام مروا بشجرة كان المشركون يعلقون نبالهم وسيوفهم ورماحهم عليها ثم يغزون، يتبركون بها، فقالوا: يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط! أي: ننيط بها سلاحنا للبركة ونحن غازون! فتعجب الرسول وقال: ( ما زدتم أن قلتم كما قال بنو إسرائيل لموسى: اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ [الأعراف:138] ). لما نجى الله موسى وبني إسرائيل من فراعنة مصر وخرجوا وشق لهم البحر وقطعوه وصلوا إلى الأرض، وإذا بقرية على الساحل أهلها مشركون يعبدون عجلاً، فقالوا: يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ [الأعراف:138] سبحان الله! هذه الآيات التي شاهدتموها، والانتصار الذي تم بفضل الله علينا وتقولون: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة؟! إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [الأعراف:138]. فالنبي صلى الله عليه وسلم ذكر المؤمنين الجدد بأنهم ما زادوا أن قالوا كما قال بنو إسرائيل، وإلى الآن المسلمون يتبركون بالأشجار، والمملكة هي الوحيدة التي قطعت الأشجار وهدمت القباب وهدمت كل ما يعبد مع الله، والناس يتحمسون ويتغيظون يدعون عليهم بالهلاك،كل الخرافيين هكذا! ومنذ ثلاث وعشرين سنة أيام كان الدرس في باب المجيدي جاء شاب وقال لي: والله! إنه لتوجد شجرة تعبد في المدينة، سبحان الله! فقلنا للطلاب: هيا باسم الله. فمشى مجموعة وانتظروا وإذا بأولئك الفقراء يعكفون عليها ويدعونها ويتبركون، فقطعوها، ولما قطعوها ضجت النساء بأعلى أصواتهن بالبكاء! هذا في المدينة، فكيف ببلد ما فيه من قال: هذا باطل؟ تبنى القباب وترفع، هذا قبر سيدي فلان الولي! وهذا كله كما قال موسى عليه السلام: إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [الأعراف:138] الجهل هو السبب، والله! لولا أن علمنا الله لكنا كآبائنا وإخواننا، وإلى الآن الذي لا يتعلم لن يكون إلا مثل آبائه وأجداده. لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [البقرة:255] هل هناك قطعة لآخر؟ هل هناك حبة عنب لآخر؟ لا يسأل إلا الله.


معنى قوله تعالى: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه)

ثم قال تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255] اجعل الجن والملائكة والبشر يعقدون مؤتمراً لعلهم يعثرون على من يشفع بدون إذن الله؟ والله! لا جبريل ولا ميكائيل ولا إسرافيل، ولا أي كائن يستطيع أن يشفع بدون إذن الله.وهذا الاستفهام للتعجيز؟ هو للنفي المطلق، (من ذا الذي؟!) لا أحد يشفع لأحد لينقذه أو ينجيه أو يكرمه إلا بإذن الله.والمشركون كانوا يعبدون أصنامهم تحت شعار: أنها تشفع لهم عند الله. واقرءوا إن شئتم من سورة الزمر: تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:1-3] ما نعبدهم لأي غرض آخر، إلا ليقربونا إلى الله عز وجل فيقضي حوائجنا.والآن عبدة القبور يقول لك: أنا ما أعبد سيدي، لكن نستشفع به فقط! كيف تعبده؟ ماذا تقول؟ يقول: يا سيدي! أنا بين يديك، أنا كذا، اسأل الله لي، افعل لي كذا، وهذه هي العبادة! فما هي العبادة سوى اطراحك بين يدي الله، وسؤاله حاجتك.

أنواع شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم

إذاً: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ [البقرة:255]؟ فقل: لا أحد ولا تتردد، وهنا الشفاعة العظمى فاز بها أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، وقد استعرضنا مواقف عرصات يوم القيامة، وشاهدنا أنه ما من رسول إلا يقول: عليكم بفلان، وحين يأتون النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( أنا لها ) ؛ لسابق علمه بذلك، إذ جاء من سورة الأسراء: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79].فأي مقام محمود يحمده أهل الموقف أجمعين عليه؟ هو أن يشفع لهم عند الله ليقضي بينهم فقط، ليحكم، طال الزمان وطالت المدة، خمسون ألف سنة وهم وقوف.ولا يقول: يا رب! لقد وعدتني فاقض بين عبادك، بل قال: ( فآتي فأخر تحت العرش ساجداً، ويلهمني ربي محامد، ولا أزال أحمده وأثني عليه بها حتى يقول: أي محمد! ارفع رأسك، واسأل تعط، واشفع تشفع ) ثم يأخذ الله عز وجل في فصل القضاء ليحكم بين الناس، هذه الشفاعة العظمى صاحبها واحد؟ من هو هذا؟ محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهناك شفاعات للرسول صلى الله عليه وسلم غير، ومنها -وهي أعظم شفاعة- أن يخرج من دخلوا النار من أهل التوحيد، يشفع لهم فيخرجهم الله من النار.وهناك شفاعة أخرى أنه يقدمك على غيرك في حسابك وجزائك، وشفاعة ليرفعك إلى مستويات ما كنت تصل إليها، يسأل الله عز وجل فيعطيك.

شروط شفاعة غير النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة

وما عدا النبي صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أحد أن يشفع لآخر إلا بشرطين: الأول: أن يأذن الله له بالشفاعة، يا عبدنا فلان! أنت من حفظة القرآن التالين له في الليل والنهار، اشفع في أمك خديجة، فيقول: يا خديجة شفعنا لك بابنك هذا إلى الجنة.ثانياً: أن يكون الله قد رضي عن المشفوع له بأن ينزل بجواره، وإذا لم يرد الله أن ينزل هذا في الجنة فما تنفع الشفاعة، واقرءوا الآية الموضحة: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ [النجم:26] من الشفعاء وَيَرْضَى [النجم:26] عن المشفوع له.لو أذن الله لمؤمن أن يشفع في أربعين من أهله ومن بينهم من كان عدواً لله والله لا يرضى جواره فما تقبل شفاعته.إذاً: شرطان رئيسان لا ننساهما، الأول: لا شفاعة إلا بإذنه، إن أذن اشفع، ولن تشفع إلا لمن يحب، لا كما تحب أنت، على شرط: أن يكون الله راضياً عنه أن يدخل الجنة، وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ [الأنبياء:28]، لكن آية النجم واضحة: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم:26].وهذا إبراهيم الخليل في عرصات القيامة كما تبينا وعلمنا يقيناً بأخبار أبي القاسم الصحيحة، إبراهيم في ساحة فصل القضاء يقول: أي رب! لقد وعدتني ألا تخزيني يوم يبعثون، وهذا أبي الأبعد في النار، فأي خزي أخزى من هذا؟ فيقول له الرب تبارك وتعالى: يا إبراهيم! انظر تحت قدميك، فينظر فإذا بأبيه آزر في صورة ضبع ملطخ بالدماء والقيوح! فيصرخ إبراهيم ويقول: سحقاً سحقاً! فيؤخذ من قوائمه الأربع ويلقى في أتون الجحيم، والخليل يقول: سحقاً سحقاً.وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرَد عن حوضه جماعات من أمته، يدفعون عن الحوض، فيقول: رب! أصحابي! رب! إخواني! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فيقول: سحقاً سحقاً. والقضية عند أهل الحلقة واضحة كالشمس، فقد صدر حكم الله جل جلاله وعظم سلطانه على الأبيض والأصفر، على الأول والآخر، أنه لا يدخل الجنة ألا من زكى نفسه وطهرها بالإيمان وصالح الأعمال، وأبعدها عما يدسيها من الشرك والمعاصي، إذ أقسم الجبار قسماً لم نر غيره مثله في القرآن، اسمع هذا القسم: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [الشمس:1-8] أي قسم أعظم من هذا؟! على الحكم التالي: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، كن ابن من شئت، أو أباً لمن شئت، لا ينفعك نسب أبداً، وإنما هل عملت على تزكية نفسك أم لا؟ فإن أهملتها واشتغلت ببدنك فأنت من الخاسرين، لا ينفعك نبي ولا ملك ولا عمل. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9] كيف يزكيها؟ يطيبها، يطهرها، وَقَدْ خَابَ [الشمس:10] ما معنى خاب؟ خسر، خسر الجنة ونزل في دار البوار النار. هذه الآية الذين عرفوا معناها يتحاشى أحدهم أن يقول كلمة سوء تدسي نفسه، أو ينظر نظرة محرمة حفاظاً على زكاة نفسه وطهارتها، فإذا جاء ملك الموت وأعوانه يبشرونه فيستبشر: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت:30].وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.




الساعة الآن : 07:00 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 1,073.47 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 1,071.70 كيلو بايت... تم توفير 1.77 كيلو بايت...بمعدل (0.16%)]