رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
|
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
|
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء هناك بعض العوامل التي تنشئ عند الإنسان دافع الإخلاص في الحياة، في العبادات وغيرها، ومن أبرز هذه العوامل والوسائل ما يلي:الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (42) الوسائل المعينة على الإخلاص(1-2) 1 – التأمل في كتاب الله تعالى ولو في آية واحدة: إن التأمل في كتاب الله تعالى وآياته التي يخاطب الله تعالى من خلالها عباده على الأرض، يولد في النفس تعلقًا بالله تعالى وشعورًا برحمته بعباده، وهو يقرأ خطاب ربه الموجه إليه بأسلوب رائع جميل، ويصفه بالمؤمن {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فيه لطف وعطف وحنان، ثم يرشده من خلال هذه الآيات الكريمات إلى طريق الهدى والنجاة، ويحذره من طرق الغواية والضلال، ويهيأ له أسباب الهداية من إرسال الرسل والأنبياء وحدوث المعجزات. يجد القارئ كل هذه الحقائق والرحمات ويلمسها في كتاب الله المبين، فيتولد لديه إخلاص حقيقي نحو خالقه وبارئه، فيوجه كل ما لديه من فعل أو قول لإرضاء الرحمن الرحيم. 2 – التأمل في الكون وفي عظمة الله وقدرته: إن التأمل في الكون وما فيه من عجائب خلق الله تعالى، والتفكر في عوالمه المختلفة وأنماط الأمم التي تعيش في هذه العوالم، في البحر والبر والسماء، وكذلك الكواكب المحيطة بنا من شمس وقمر وغيرها، والنظام الدقيق الذي يسير وفق هذه المخلوقات جميعًا، إن هذا التأمل يولد إقرارًا ويقينًا بتوحيد الله تعالى، وقناعة ثابتة بالحق والعدالة التي بنيت عليها هذه الأشياء، من أجل ذلك يريد الله تعالى من عباده أن يكثروا من التأمل والتدبر فيما حولهم من الآيات الكونية، حتى يرتبطوا بحق مع خالقهم، ويخلصوا الأعمال والأقوال له وحده، يقول تبارك وتعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىظ° جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـظ°ذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}(1). ويقول أيضًا: {وَآيَةٌ لَّهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ. وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا غڑ ذَظ°لِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىظ° عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ. لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ غڑ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}(2). 3 – إقناع النفس أن النفع والضر بيد الله تعالى: إذا علم الإنسان أن الله تعالى خالق الكون، بيده ملكوت السموات والأرض، وأنه لا يجري في الكون من نفع وخير أو ضرر وشر إلا بإذنه، يزداد وثاقه مع خالقه، فلا يلجأ إلا إليه، ولا يقصد أحدًا غيره، ولا يقدم الطاعة والولاء إلا له جل شأنه، فيعيش لله ويعمل لله، ويجاهد في سبيل الله، وينفق في سبيل الله، ولا يخشى في ذلك أحدًا، لأن النفع والضر من عند الله، يقول عليه الصلاة والسلام: «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف» (3). ----------------------------- (1) سورة آل عمران، الآية 191. (2) سورة يس، الآيات 37-40 . (3) أخرجه الترمذي (ص576، رقم 2516) كتاب صفة القيامة، باب حديث حنظلة. وأحمد (1/ 307، رقم 2804). قال الترمذي: حديث حسن صحيح. |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (43) الوسائل المعينة على الإخلاص(2-2) 4 – مصاحبة المخلصين: إن من أهم عوامل تكوين الإخلاص في النفس وتقويته وتصفيته لله تعالى، مصاحبة المخلصين والصالحين، لأن الإيمان يزداد وينقص، وبرفقة هؤلاء المخلصين يزداد الإيمان وتصلح الأعمال، وفي مجالسة أهل الخير والصلاح ومصاحبتهم ذكر متواصل لله تعالى، وصلوات وقيام وإنفاق في سبيل الله، وكذلك فيها تذكير بالعذاب والوعيد لمن يخالفه عن أمره تعالى، أي أن هناك تبادلاً في اكتساب الصفات والخصال في المصاحبة الطيبة، لذا يقول عليه الصلاة والسلام: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» (1). 5 – القراءة في السيرة النبوية وسير المخلصين: حتى يكتسب الإنسان الإخلاص في العمل، ويسلك في ذلك السبيل الصحيح، لا بد أن يبحث في سيرة القدوة الأولى والمخلص الأول عليه الصلاة والسلام، فهو أخلص الناس فعلاً وقولاً، فهو رسول الله إلى الله بهذا الدين وأحكامه وتشريعه، وهو الذي يحثهم على الأعمال الصالحة والإخلاص فيها، وسيرته العطرة كلها دروس في كيفية التعامل بالإخلاص مع الله تعالى، من أجل ذلك كان لزامًا معرفة سيرته عليه الصلاة والسلام، حتى نتعبد الله تعالى بالإخلاص كما كان عليه النبي ï·؛. ثم لا بد من دراسة سير المخلصين من العلماء والقادة والعامة من المسلمين في التاريخ، ومعرفة ما كان عليه سلف الأمة من الاستقامة والصلاح والإخلاص، حيث أثر هذه العوامل في نبوغهم العلمي، وتقدمهم المعرفي، وفي تكوين القوة والمنعة لهم في الحياة. 6 – الدعــــاء: والدعاء من المنافذ المباشرة التي يلبي الله تعالى لعباده ما يطلبونه ويرغبون فيه، ومن أهم الأمور التي تعين على كسب الإخلاص في العمل لله تعالى، هو سؤاله جل وعلا هذا الأمر، بالدعاء المستمر والملح، بكورًا وعشيًا، ودبر كل صلاة، وفي أي وقت شاؤوا، وفي أية حال، فإنه قريب من عباده، سميع بدعواتهم، ومجيب لها، لقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ غ– أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ غ– فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(2) ويقول تبارك وتعالى أيضًا: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً غڑ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}(3). ويقول جلّ ذكره في آية أخرى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىظ° أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ غڑ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا غڑ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}(4). 7 – أن يقبل العبد على عمل صالح بصورة سرية ودائمة، لا يطلع عليه أحد من الناس، لأن ذلك يكون عنده الإخلاص لله تعالى، لأنه بعيد عن أنظار الناس ومدحهم وثنائهم، وربما يشفع هذا العمل لهذا العبد يوم القيامة، ويدخله الجنة والنعيم، وليس من الضروري أن يكون عملاً كبيرًا وشاقًا، فرب عمل صالح صغير يدوم عليه العبد، يربيه الله تعالى له، فيصبح كالجبال في الأجر والمثوبة، تقول عائشة رضي الله عنها عن حال النبي ï·؛: «وكان أحب الدِّين إليه ما داوم صاحبه عليه» (5). -------------------------- (1) أخرجه أحمد (2/ 334، رقم 8398). والحاكم (4/ 188). (2) سورة البقرة، [186]. (3) سورة الأعراف، [ 55]. (4) سورة الزمر [53]. (5) أخرجه البخاري (ص10، رقم 43) كتاب الإيمان، باب أحب الدين إلى الله أدومه. ومسلم (ص318-319، رقم 785) كتاب صلاة المسافرين، باب فصل العمل الدائم. |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
|
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
|
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
|
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (47) وفي الختام لابد من توضيح بعض النقاط المتعلقة بالإخلاص، لفئتين من الناس، هما: أولاً: المريض النفسي: حيث ينبغي عليه معرفة بعض الواجبات المهمة ليخلص عمله، ويدخل بإذن الله تعالى في مرحلة الشفاء، ومن هذه الواجبات: 1 – التعلق بالله الذي خلق الكون كله وإليه مآله، فلا يتنفس كائن ولا يتحرك حركة إلا بإرادته جلت قدرته، فلا يُقصد أحد سواء بالأعمال والأقوال، ولا يُرجى غيره للعلاج أو طلب الشفاء. فعليه أن يقوي إخلاصه بأعماله ويلح على الله بطلب الشفاء. 2 – التدبر في كتاب الله المبين وتلاوة آياته، بصورة دائمة وغير منقطعة، لما فيها من التعليمات والتوجيهات التي تنير الدروب وتجلي عنها الظلمات. 3 – لا بد من مجالسة النفس والخلو معها في ساعات معينة، لمراجعة شريط الأعمال والأقوال، وتصحيح ما فيه من أخطاء وذنوب ومعاصي. 4 – الاجتهاد في العبادات، من صلاة، وصيام، ودعاء وذكر، وإحسان، وإنفاق لأنها جميعًا مربط الجزاء في الدنيا والآخرة. ثانيًا: الداعية: فعليه معرفة بعض الأمور المهمة لنجاح دعوته، وإثمارها بثمر طيب وحسن، ومن هنا عليه أن يتذكر عظم عمله ويقوي إخلاصه فيه، ومن هذه الأمور: 1 – أن الدعوة عمل عظيم وهي من أجلّ الأعمال؛ بل أحسنها، فهي مهمة الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وبها يهتدي الناس ويستنيرون، وبسببها يكلل الله الأمة بالنصر والتمكين. 2 – أن الدعوة من غير إخلاص، لا قيمة لها ولا ثمرة في الحياة الدنيا، فضلاً عن الوبال الذي يرهق كاهل الداعية يوم القيامة. 3 – ضرورة تجرد النفس من حظوظ الدنيا وزخارفها، والتوجه الصادق إلى الله تعالى بكل ما يقوم به الداعية، لأن ما يكون لله يبقى ويثمر، وما يكون لغيره، يفنى ويفسد. 4 – فَهْمُ الدعوة بأصولها الصحيحة، وأساليبها المبينة في كتاب الله تعالى وسنة نبيه ï·؛، حيث إن أهم أصل لها هو الإخلاص لله تعالى. |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
|
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (49) مكانة التوكل على الله: يعدُّ التوكل على الله تعالى من أهم مقتضيات العقيدة؛ لأن طلب العون والقوة والنفع من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى شرك به جلّ وعلا، ومن أجل ذلك تعددت النصوص القرآنية والنبوية من أجل ترسيخ عقيدة التوكل على الله في نفوس المسلمين. ويمكن بيان هذه المكانة والمنزلة للتوكل من خلال النقاط الآتية: 1- إن الله تعالى أمر بالتوكل عليه صراحة، ولا ينبغي لأحد أن يلجأ بعدها لغيره سبحانه وتعالى في الاستعانة وطلب القوة وتحقيق الآمال، لقوله جل وعلا: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ}(1). 2- إن المسلم يردد في كل ركعة من صلواته هذا المنهج ويتعهد الله تعالى عليه بقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}(2). 3- إن التوكل على الله تعالى يجلب للمتوكل محبة الله تعالى ورحمته وإعانته، لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}(3). 4- جعل الله تعالى التوكل عليه من صفات المؤمنين وثمرة من ثمرات الإيمان به جل وعلا، لقوله: {وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}(4). وقوله تعالى: {وَعَلَى اللَّـهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}(5). 5- بيّن الله تعالى أن التوكل عليه هو منهج الأنبياء والرسل جميعا عليهم الصلاة والسلام، يقول تبارك وتعالى: {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّـهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىظ° مَا آذَيْتُمُونَا غڑ وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}(6). وهي إشارة للمسلمين أن يحتذوا حذو أولئك الرسل باعتبارهم قدوة لهم في عقائدهم وتصوراتهم. يقول ابن عباس رضي الله عنهما: {حَسْبُنَا اللَّـهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}(7) قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد ï·؛ حين قالوا {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّـهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}(8)(9). 6- إن الله تعالى أمر عباده المؤمنين عند الخروج من البيوت بالتوكل عليه وحده، حتى يكونوا في حمايته ورعايته إلى أن يعودوا إلى إليها، لقول النبي ï·؛: «إذا خرج الرجل من بيته فقال بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله قال يقال حينئذ هديت وكفيت ووقيت فتتنحى له الشياطين فيقول له شيطان آخر كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي» (10). --------------------------------------- (1) الفرقان [58]. (2) الفاتحة [5]. (3) آل عمران [159]. (4) آل عمران [122]. (5) المائدة [23]. (6) إبراهيم [12]. (7) آل عمران [173]. (8) آل عمران [173]. (9) أخرجه البخاري (ص777، رقم 4563) كتاب التفسير. (10) أخرجه أبو داود (ص717، رقم 5095) كتاب الأدب، باب ما يقول إذا خرج من بيته. والحديث صحيح. |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (50) التوكل وفعل الأسباب: إن التوكل الصحيح هو طلب العون من الله تعالى للوصول إلى هدف أو تحقيق غاية، والأخذ بالأسباب المشروعة المؤدية إليها، فإذا تُرك أحد هذين العنصرين فإن التوكل يفقد مضمونه ومفعوله، رغم أن الله تعالى قادر على تأمين كل شيء وإحقاق كل مصلحة وظفر لعباده من غير علة أو سبب، ولا يعني هذا أن فعل السبب ينافي حقيقة التوكل؛ بل يؤكد عليها ما دام المتوكل يعتقد أن حصول الأشياء تتم بأمر الله تعالى وليس من فعل السبب نفسه، ولكن الله جعل الربط بينهما سنة كونية لحكمة هو يعلمها، والمتأمل في منهج القرآن والسنة النبوية وقصص الأنبياء والرسل عليهم السلام في دعواتهم سيجد هذه السنة واضحة وصريحة، ويمكن الإشارة إلى بعضها من خلال الآتي: 1- في طلب الرزق، أمر الله عباده بالسعي والعمل من أجل أرزاقهم فقال: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ غ– وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}(1). 2- في الحرب، يطلب الله تعالى من المؤمنين الأخذ بأسباب المواجهة مع الأعداء من العتاد والتجهيزات العسكرية وغيرها، رغم أنه تعالى قادر على هزيمتهم ودحرهم، قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّـهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّـهُ يَعْلَمُهُمْ غڑ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ}(2). 3- وفي قصص الأنبياء، أمر الله تعالى نبيه لوط عليه السلام قبل أن يحل بقومه العذاب أن يخرج بأتباعه بالليل حتى لا يلحق بهم العذاب، رغم أن الله تعالى قادر على أن ينجيهم من غير هذا الخروج، فقال: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ}(3). 4- وفي هجرة الرسول ï·؛ إلى المدينة، حيث خرج خفية مع أبي بكر رضي الله عنه، رغم أنه عليه الصلاة والسلام كان يستطيع أن يخرج على مرآى من قريش، من غير أن يلحق به أذى، ولكنه أخذ بسبب الحماية والحيطة في ذلك، وجعل هجرته سرًا، وكذلك في سائر أعماله عليه الصلاة والسلام، فكان يلبس في الغزوات الدرع ويحمل السيف والترس، وكان يخطط قبل المواجهة كما حدث في غزوة بدر حين استشار صحابته وأشاروا عليه بردم الآبار، وكلها أفعال أسباب لتحقيق الغاية والهدف. 5- في الشفاء من الأمراض، أمر النبي ï·؛ بالتداوي والعلاج لحصول الشفاء، رغم أن الله تعالى قادر على أن يشفي عباده من غير ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: «يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو قال دواء إلا داء واحدا قالوا يا رسول الله وما هو قال الهرم» (4). وأيضًا جعل الله تعالى تحقيق الشفاء في مادة العسل. -------------------------------------- (1) سورة الملك، الآية 15. (2) سورة الأنفال، الآية 60. (3) سورة هود، الآية 81. (4) سبق تخريجه. |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
|
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (53) توصيــــات: وأخيرًا فهذه بعض الوصايا لأولئك القوم الذين ابتلاهم الله تعالى بالعجز أو المرض أو الفقر أو غيرها من الابتلاءات، من أجل أن يصبحوا عناصر إيجابية فاعلة في أنفسهم وأهليهم ومجتمعهم، وهي في الوقت نفسه عوامل معينة على تقوية التوكل على الله تعالى:1 – تجديد الشعور مع الله تعالى: وذلك بالتواصل المستمر مع الله، وتقوية العلاقة معه في التقرب إليه بالطاعات والدعاء والذكر، وقراءة القرآن وغيرها من العبادات، حتى تستقر النفس، لتنطلق بعدها للحياة بوجه آخر مختلف عما كانت عليه في السابق. 2 – ترك الأسباب المحرمة: وذلك بتبديلها بالأسباب المباحة والمشروعة، التي بيّنها الشرع وأقرّها العلماء، مثل ترك التداوي بالحرام والمعاصي من شرب للخمور أو تناول للمخدرات، أو الوقوف على أبواب المشعوذين والسحرة، وإبدال ذلك باللجوء إلى الله تعالى والوقوف على بابه، فهو أرحم بعباده من أنفسهم وذويهم وجميع الخلق، فلا يرد دعوة عبده المنيب إليه بصدق وإخلاص. 3 – الاعتقاد أن الخير فيما قدره الله وإن كان ظاهره غير ذلك، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه. 4 – اتباع سبل الخير وملازمة أهل الخير، وذلك بتقوية الإرادة وإخراجها من دائرة العجز والكسل إلى ميدان الحركة والنشاط، لأن الحياة قائمة على السعي من أجل إحقاق الحق ونشره وإبطال الباطل ودحره. 6 – القيام بالأعمال المقدور عليها وعدم تركها، وإن كانت يسيرة، أو كانت ثمرتها بعيدة المنال، يقول عليه الصلاة والسلام: «إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها، فليفعل» (1). * * * بهذه الصورة يتمكن الإنسان أن يؤدي دوره الحقيقي في الحياة، من خلال التوكل على الله تعالى وفق المنهج الذي رسمه رسول الله ﷺ في حديث البحث، وينتقل من مرحلة الكسل والعجر والاتكال على الأماني والأوهام إلى مرحلة العمل والجد والإبداع في واقع الحياة.--------------------------------- (1) أخرجه أحمد (3/191، رقم 13004). والبخاري في الأدب المفرد (ص168، رقم 479). |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (54) محبة الله تعالى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ الله عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ ï·؛ قَالَ «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ الله وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لله، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ» (1).مفهوم المحبة: في اللغة: أشار ابن القيم رحمه الله تعالى إلى عدة معان لمفهوم المحبة في اللغة فقال: «وهذه المادة تدور في اللغة على خمسة أشياء: أحدها: الصفاء والبياض، ومنه قولهم لصفاء بياض الأسنان ونضارتها: حَبَبُ الأسنان. الثاني: العلو والظهور، ومنه حَبَبَ الماء وحبابه، وهو ما يعلوه عند المطر الشديد، وحَبَبَ الكأس منه. الثالث: اللزوم والثبات، ومنه: حَبَّ البعير وأحبَّ إذا برك ولم يقم. الرابع: اللب، ومنه: حبة القلب، للُبّه وداخله، ومنه: الحبّة، لواحدة الحبوب، إذ هي أصل الشيء ومادته وقوامه. الخامس: الحفظ والإمساك، ومنه: حِبُّ الماء: للوعاء الذي يُحفظ فيه ويمسكه، وفيه معنى الثبوت أيضًا» (2). وأما في الاصطلاح فإن المحبة: هي ميل القلب نحو شيء معين، وظهور أثر ذلك في سلوك المحب. ----------------------- (1) أخرجه البخاري (ص6، رقم 16) كتاب الإيمان، باب حلاوة الإيمان. ومسلم (ص40، رقم 43) كتاب الإيمان، باب بيان خصال من اتصف بها وجد حلاوة الإيمان. (2) مدارج السالكين، للإمام ابن القيم، 3/ 9. |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (55) أقسام المحبة - محبة الله تعالى لعبده أقسام المحبة: تنقسم المحبة إلى عدة أقسام:1 – محبة الله تعالى: ويمكن تقسيم هذه المحبة إلى قسمين: - محبة الله تعالى لعبده: إن محبة الله تعالى لعبده صفة من صفات الله تعالى لا تحتاج إلى تأويل أو تعطيل، كتأويل بعضهم على أنها الإحسان إليه، وهو مخالف للأدلة الصريحة من الكتاب والسنة، كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ غڑ ذَظ°لِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ غڑ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(1). وقوله تعالى: {وَاللَّـهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}(2)، وقوله جل ثناؤه: { وَأَحْسِنُوا غ› إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(3)، والآيات القرآنية كثيرة في إثبات هذه المحبة. ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي: «يقول الله تعالى: من عادى لي وليًا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرّب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرّب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته» (4). ------------------------------------------------------ (1) المائدة [54]. (2) آل عمران [146]. (3) البقرة [195]. (4) أخرجه البخاري (ص1127، رقم 6502) كتاب الرقاق، باب التواضع. |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (56) - محبة العبد لربه: وهي من المحاب الواجبة على العبد، ومن دونها لا يتحقق الإيمان الحق، وقد جاءت الأدلة من الكتاب والسنة على وجود هذه المحبة ووجوبها، كقوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّـهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّـهِ غ– وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّـهِ غ— وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّـهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}(1)، وقوله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ غ— وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(2). وعن أنس رضي الله عنه: أن رجلاً سأل النبي ï·؛ عن الساعة، فقال: متى الساعة؟ قال: «وماذا أعددت لها؟» قال: لا شيء، إلا أني أحب الله ورسوله، فقال: «أنت مع من أحببت» قال أنس: فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي ï·؛: «أنت مع من أحببت» (3). وفي حديث آخر، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رجلاً على عهد النبي ï·؛ كان اسمه عبدالله، وكان يلقِّب حِمَارًا، وكان يضحك رسول الله ï·؛، وكان النبي ï·؛ قد جلده في الشراب، فأُتيَ به يومًا، فأمر به فجُلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي ï·؛: «لا تلعنوه، فوالله ما علمت أنه يحب الله ورسوله» (4). ----------------------------------- (1) البقرة [165]. (2) آل عمران [31]. (3) أخرجه البخاري (ص619-620، رقم 3688) كتاب فضائل أصحاب النبي ï·؛، باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ومسلم (ص1149، رقم 2639) كتاب البر والصلة. (4) أخرجه البخاري (ص1169، رقم 678) كتاب الحدود، باب ما يكره من لعن شارب الخمر. |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
|
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
|
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (59) المحاب الممنوعة: ويمكن تقسيم هذا النوع من المحاب إلى قسمين:1 – محبة المعصية: وهي محبة ما نهى الله عنه من الأقوال والأفعال، وتفضيلها على ما أمر بها من المحاب، وذلك مثل محبة الزنا والربا وشرب الخمر والسرقة والظلم وغيرها من المعاصي وتفضيلها على الفضيلة والاستقامة والعدل، وهذا اللون من المحبة ممنوع، لأنها مدخل إلى دائرة الفعل والعمل الذي يستوجب بعدها العقوبة في الدنيا والعذاب في الآخرة. وقد ذكر الله تعالى هذه المحبة في مواطن كثيرة من كتابه المبين على أنها محبة حقيقية حين تظهر آثارها الواقعية على الأرض، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ غڑ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَـظ°ئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(1)، وقوله تعالى عن ثمود لمّا فضّلوا حب الضلال على الهدى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىظ° عَلَى الْهُدَىظ° فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}(2)، وقوله تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا غڑ أُولَـظ°ئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ}(3) . 2 – محبة ما هو أدنى على ما هو أعلى: وهذا لا يعني أن محبة الأدنى محرمة، بل ربما تكون جائزة ومستحبة، ولكنها حين يجعل لها الأفضلية على ما هي أعلى تنقلب إلى محبة ممنوعة، وذلك مثل الذي يحب نفسه، فهذه محبة فطرية كامنة في كل نفس إنسانية، ولكن تتحول هذه المحبة إلى معصية حين تُفضل على محبة الله ورسوله ï·؛، وكذلك مثل محبة المال والأولاد والدنيا حين تسبق محبة الله ورسوله صلى الله عليه ومحبة الآخرة فإنها محبة ممنوعة يترتب عليها الحساب والعقاب، لقوله تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوه َا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىظ° يَأْتِيَ اللَّـهُ بِأَمْرِهِ غ— وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}(4). ويقول عليه الصلاة والسلام: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين» (5). ------------------------------------ (1) التوبة [23]. (2) فصلت [17]. (3) إبراهيم [3]. (4) التوبة [24]. (5) سبق تخريجه. |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (60) المراد بالمحبة في هذا البحث: هو محبة الله تعالى، فهي أعلى أنواع المحبة، وهي كالرأس بالنسبة للطائر يقوده في مسيره ومسبحه في الهواء. وهذه المحبة هي مصدر التعبد لله تعالى وهي محرك مسيرة الحياة، وهي أعلى درجات الإيمان لقوله ï·؛: «ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما، وأن يحبّ المرءَ لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار» (1). ويقول عليه الصلاة والسلام: «كان من دعاء داود يقول: اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك والعمل الذي يبلغني حبك، اللهم اجعل حبك أحب إلي من نفسي وأهلي ومن الماء البارد» (2). وهذه المحبة ليست اختيارية، بل هي واجبة ومن أوجب الواجبات، توعد الله على تركها فقال: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوه َا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىظ° يَأْتِيَ اللَّـهُ بِأَمْرِهِ غ— وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}(3) . ويستشعر المسلم هذه المحبة من خلال الأمور التالية: أ – يتمثل عظمة الله تعالى من خلال الكون وما فيه من الآيات الباهرة، والسنن المنظمة، والكائنات المتكاملة في البر والبحر والسماء، وفوق كل ذلك القوة التي تديرها والحكمة التي تكتنفها، كل ذلك من دواعي محبة الله تعالى وعبادته والتقرب إليه، قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىظ° جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُون َ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـظ°ذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}(4) . ب – يتمثل نعم الله تعالى التي لا تعد ولا تحصى ابتداء بخلقه وسجود الملائكة له وانتهاء بإرسال الرسل إليه وهدايته إلى سواء السبيل، وما بين هذا وذاك من النعم والنجاحات والنصر والتمكين صور من إحسان الله تعالى بعبده ورحمته عليه، فهو القائل: {وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ غڑ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا غ— إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}(5)، فكل ذلك من عوامل المحبة لله تعالى. ويقول عليه الصلاة والسلام: «أحبّوا الله لما يغذوكم به من نعمه وأحبوني لحب الله إياي» (6). يقول ابن القيم رحمه الله: «تنشأ المحبة من الإحسان، ومطالعة الآلاء والنعم، فإن القلوب جُبلت على حب من تحسن إليها، وبغض من أساء إليها، ولا أحد أعظم إحسانًا من الله سبحانه» (7). ---------------------------- (1) سبق تخريجه. (2) أخرجه الترمذي (ص796، رقم 3490) كتاب الدعوات، باب اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك. والحاكم (2/433، رقم 3621) وقال صحيح الإسناد. (3) سورة التوبة، الآية 24. (4) سورة آل عمران، الآيتين 190-191. (5) سورة إبراهيم، الآية 34. (6) أخرجه الترمذي (ص859، رقم 3789) كتاب المناقب، باب مناقب أهل بيت النبي ï·؛. وقال: هذا حديث حسن غريب. (7) تقريب طريق الهجرتين، ص 444. |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (61) المراد بالمحبة في هذا البحث: الجزء الثانى ج – كما يستشعر المؤمن هذه المحبة حين يتلمس رحمة الله تعالى بعباده المذنبين، فهو الرحمن الرحيم، وهو العفو الغفور، وباب التوبة والاستغفار عنده لا يُغلق ولا يسد، ومتى شعر الإنسان بخطئه وأناب إلى الله تعالى فإن رحمته قريبة منه، ولا ينقص ذلك من ملكه شيء، فهو القائل في محكم التنزيل: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّـهَ يَجِدِ اللَّـهَ غَفُورًا رَّحِيمًا}(8). ويقول عليه الصلاة والسلام: «إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها» (9). د – إن معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته، من الأسباب التي تولد المحبة عند العبد، كالعلم والرحمة والمغفرة والقدرة والكرم، كلها عوامل تزيد من قرب الإنسان بربه ومحبته له وتقديم العمل الصالح بين يديه، فعلى سبيل المثال حين يتقرب المؤمن إلى الله تعالى بطاعة أو عمل صالح، فإنه يجازيه أضعافًا مضاعفة، كرمًا وتفضلاً منه جل وعلا، فهو القائل: {إِنَّ اللَّـهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ غ– وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}(10)، وهو القائل: {مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا غ– وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىظ° إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}(11). فهذه المعرفة بالله تعالى وصفاته تصنع المحبة وتزيدها، يقول ابن تيمية رحمه الله: «وأصل المحبة هو معرفة الله سبحانه وتعالى، ولها أصلان: أحدهما، وهو الذي يقال له محبة العامة لأجل إحسانه إلى عباده، والثاني: هو محبته لما هو له أهل، وهذا حب من عرف من الله ما يستحق أن يحبه لأجله» (12). ------------------------------------------- (8) سورة النساء، الآية 110. (9) أخرجه مسلم (ص1196، رقم 2759) كتاب التوبة، باب قبول التوبة من الذنوب وإن كثرت الذنوب والتوبة. (10) سورة النساء، الآية 40. (11) سورة الأنعام، الآية 160. (12) مجموع الفتاوى 10/ 84-85. |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (62) مقتضيات محبة الله تعالى: إن محبة الله تعالى ليست مجرد ادّعاء بالقول، أو بعض العواطف والعبرات، وإنما مجموعة من الالتزامات والواجبات العملية تدل على صدق هذه المحبة وقوتها، ومن أهم المقتضيات التي تلازم هذه المحبة ما يلي: 1- تقتضي هذه المحبة اتّباع شرع الله تعالى فيما أمر به وما نهى عنه، فإذا لم تترجم هذه المحبة على الواقع في المحافظة على الفروض والطاعات، والسلوك والأخلاق، فإنها تبقى مجرد ادّعاء، وصدق الشاعر حين قال: هذا محال في القياس بديع *** إن المحب لمن يحب مطيع تعصي الإله وأنت تزعم حبه *** لو كان حبك صادقًا لأطعته 2- تقتضي محبة الله تعالى، حبَّ رسوله ï·؛، وحبّ سنته والعمل بها، لقوله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ غ— وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(1). كما تقتضي هذه المحبة الذود عن النبي صلى الله عليه ومناصرته بكل الإمكانات والوسائل، لا سيما في هذه الفترة التي كثرت فيها حملات الإساءة إلى شخصه الطاهر عبر بعض الوسائل الإعلامية الغربية، الأمر الذي يفرض على الأمة بذل الجهود والأوقات لصدّ مثل هذه الهجمات المغرضة، حتى يتحقق معنى المحبة له ï·؛، فهو القائل: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين» (2). 3- تقتضي محبة الله تعالى، حب القرآن الكريم، بحفظه في الصدور، وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار، والعمل به وإقامة حدوده، يقول عثمان بن عفان رضي الله عنه: «لو سلمت منا القلوب ما شبعت من كلام الله، وكيف يشبع المحب من كلام محبوبه وهو غاية مطلوبة». وأما إهمال القرآن ووضعه على الرف وعدم تلاوته إلا في المناسبات، وعدم التحاكم إليه في أمور الحياة والخصومات، فإنه يناقض محبة الله تعالى ومقتضياتها، بل يعدّ ذلك من الهجران الذي أخبر عنه الله في قوله: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَـظ°ذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}(3). 4- تقتضي محبة الله تعالى، إدامة ذكره وذكر آلائه ونعمه، وكذلك شكره والثناء عليه، لأن المحبّ الصادق ينشغل جلّ أوقاته بمحبوبه، فكيف إذا كان هذا المحبوب هو الله تعالى، خالق الكون والإنسان، الرحمن الرحيم؟!! وقد أثنى الله تعالى على عباده المؤمنين المحبين له فقال: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىظ° جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُون َ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـظ°ذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}(4) . 5- تقتضي محبة الله تعالى محبةَ عباده الصالحين، وبغض العصاة والفاسدين والظالمين، لقوله ï·؛: «أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله». وقد أخبر عليه الصلاة والسلام أن من أسباب النجاة والتظلل في ظل الله تعالى في ذلك الموقف العصيب هو الحب في الله تعالى، فقال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله... ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه» (5). ولا تنافي محبة الله تعالى محبة الآخرين، بل هي تقتضيها وتحث عليها ما دامت على المنهج السليم ووفق الضوابط الشرعية، بحيث لا تكون في معصية أو فساد أو ظلم أو غير ذلك من المحرمات. 6 – كما تقتضي محبة الله العمل الصالح، الذي أمر به والمسارعة بقيامه، وعدم التكاسل أو الفتور عنه. -------------------------------- (1) سورة آل عمران، الآية 31. (2) سبق تخريجه. (3) سورة الفرقان، الآية 30. (4) سورة آل عمران، الآية 191. (5) أخرجه البخاري (ص107، رقم 659) كتاب الأذان، باب من جلس في المسجد بعد الصلاة. ومسلم (ص415، رقم 1031) كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة. |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (63) من يحبّهم الله تعالى؟ إن الله تعالى يحب عباده المؤمنين الصادقين، الذين يأتمرون بأوامره وينتهون عن نواهيه، كل حسب مستوى إيمانه وما يقدمه بين يديه من الطاعة والعملالصالح، ولا يمكن بحال الإشارة إلى جميع الأصناف التي يتحلون بهذه التعاليم والصفات، ولكن يمكن الإشارة إلى بعضهم الذين ذكرهم الله تعالى بشأنهم التعبير الصريح في الدلالة على محبته لهم، وكذلك ما أشار إليهم الرسول صلى الله عليه في بعض أحاديثه، وهؤلاء هم: 1- التوّابون الصادقون الذين ينيبون إلى الله تعالى بعد الغفلة والعصيان، وكذلك المتطهرون من جميع الأدران والأنجاس النفسية والجسدية والفكرية، لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِي نَ}(1) . 2- المتبعون لهدي النبي ï·؛، لقوله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ غ— وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(2) . 3- الصابرون في البأساء والضراء، لقوله تعالى: {وَاللَّـهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}(3). 4 – المحسنون إلى الناس في الأفعال والأقوال، لقوله تعالى: {وَأَحْسِنُوا غ› إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(4). 5 – المتوكلون على الله حق توكله، لقوله تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ غڑ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِي نَ}(5). 6 – المتّقون الله تعالى في السر والعلن، لقوله تعالى: {بَلَىظ° مَنْ أَوْفَىظ° بِعَهْدِهِ وَاتَّقَىظ° فَإِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}(6). 7 – المقسطون والعادلون في الحكم بين الناس، لقوله تعالى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ غڑ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}(7)، وقوله تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّـهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}(8) . 8 – المجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، لقوله تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّـهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}(9). 9 – الشاكرون لنعم الله وآلائه التي لا تعد ولا تحصى، لقوله ï·؛: «أفلا أكون عبدًا شكورًا» (10). 10 – الكرماء من الناس، والطيبون والنظيفون، ففي حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله ï·؛ قال: «إن الله جميل يحب الجمال» (11)، وفي حديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله ï·؛ رأى رجلاً وسخة ثيابه فقال: «أما وجد هذا ما ينقي ثيابه» (12). 11 – الحامدون المثنون على الله تعالى، لقوله ï·؛: «إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها» (13). 12 – المتْقنون لأعمالهم التعبدية والدنيوية، لقوله ï·؛: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه» (14). 13 – الرفقاء مع الناس وجميع الأشياء، لقوله ï·؛ لعائشة رضي الله عنها: «يا عائشة، إن الله عز وجل يحبّ الرفق في الأمر كله» (15). 14- المتسامحون في البيع والشراء، لقوله ï·؛: «إن الله يحب سمح البيع سمح الشراء سمح القضاء » (16). --------------------------- (1) البقرة [ 222]. (2) آل عمران [31]. (3) آل عمران [ 146] (4) البقرة [195]. (5) آل عمران [159]. (6) آل عمران [76]. (7) المائدة [42]. (8) الحجرات [9]. (9) الصف [4]. (10) أخرجه البخاري (ص856، رقم 4836) كتاب التفسير. ومسلم (ص1227، رقم 2819) كتاب صفات المنافقين، باب إكثار الأعمال. (11) أخرجه مسلم (ص54، رقم 91) كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه. (12) أخرجه أبو يعلى (4/23، رقم 2026) وهو حديث صحيح. (13) أخرجه الترمذي (ص428-429، رقم 1816) كتاب الأطعمة، باب ما جاء في أكل الجراد. وقال: هذا حديث حسن. (14) أخرجه أبو يعلى في مسنده (7/349، رقم 4386). |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
|
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
|
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
|
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (67) الخوف من الله تعالى الخوف من الله وعقابه، ورجاء رحمته، عبادتان متقابلتان لا يجوز أن تنفك واحدة عن الأخرى، ولا تتم آثارهما الإيجابية إلا باجتماعهما كجناحي الطائر حال طيرانه، فلا يستطيع الطيران إلا بهما، ومن هنا نتناولهما جميعًا، نبدأ بالخوف من الله. ومنطلق هذا البحث هو حديثان رواهما الترمذي رحمه الله: الأول: قَال حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ المُهَاجِر،ِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ مُوَرِّقٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله ï·؛: «إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ أَطَّتْ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لله وَالله لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى الله لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ» (1). الثاني: قَال حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي النَّضْرِ حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْر،ِ حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو فَرْوَةَ يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ التَّمِيمِيُّ، حَدَّثَنِي بُكَيْرُ بْنُ فَيْرُوزَ قَال سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ الله ï·؛: «مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ الله غَالِيَةٌ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ الله الجَنَّةُ» (2). حقيقة الخوف: الخوف المقصود به هنا هو الخشية من الله تعالى وعذابه وعقابه ووعيده، وليس الخوف بمعناه العام الذي يدخل فيه الخوف الجبلي، أو الخوف من الأشخاص والأشياء. علاقة الخوف بالرجاء: فقد سبق أوضحنا في افتتاحية هذا العنصر، أن عمل الإنسان يجب أن يأخذ مساري الخوف والرجاء معًا، في التعامل مع الله تعالى، لأن طغيان أحدهما على الآخر يدخل صاحبه في دوامة القلق والاضطراب وعدم الاستقرار وبالتالي الضعف والخمول في سائر أعماله، وإن الاستسلام للخوف وحده والغفلة عن الرجاء من الله تعالى أمر في غاية الخطورة على سلامة الإنسان عقديًا، لأن الله تعالى أمر عباده بالرجاء والخوف معًا، ووصف أولئك الذين يسلكون هذين المسلكين بقوله تعالى: {تَتَجَافَىظ° جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}(3). ويمثّل الخوف الجناح الآخر للطائر كما وصف ابن القيم رحمه الله الإنسان َ به بقوله: «الإنسان مثل الطائر، الرأس هو المحبة، والجناحان أحدهما الرجاء والآخر الخوف» (4). -------------------------------- (1) أخرجه الترمذي (ص530، رقم 2312) كتاب الزهد، باب قول النبي ï·؛: لو تعلمون ما أعلم. وأحمد (5/173، رقم 21555). (2) أخرجه الترمذي (ص558، رقم 2450) كتاب صفة القيامة، باب في ثواب الإطعام والسقي. (3) سورة السجدة، الآية 16. (4) مدارج السالكين (2/ 36). |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (68) الأدلة على الخوف من الله أقسام الخوف: يمكن تقسيم الخوف إلى عدة أقسام، منها: الأول: الخوف من الله تعالى: والخوف من عقابه وعذابه عند التقصير في العبادات والفرائض وهو مطلب ضروري للإنسان في الحياة، وهو من صفات المؤمنين الصادقين، لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّـهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىظ° رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}(1). لأن الشعور بالخوف من الخالق جل وعلا يوصل الإنسان إلى تحقيق العبودية الصحيحة له جلّ وعلا، وبالتالي يؤثر على سلوكه وأخلاقه وقيمه فيقوّمها نحو البرّ والخير. بل إن الخوف من الله تعالى واللجوء إليه فطرة في النفس الإنسانية، يتحرك بين الظهور والاختفاء، حسب حال الإنسان وإيمانه وعقيدته، ولكنه يظهر بوضوح عند الشدائد والمحن والأزمات، لا سيما إذا تعرضت حياة الإنسان للخطر المحدق أو لمصيبة كبيرة، يقول تبارك وتعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}(2). الأدلة على خوف الله: وردت آيات كثيرة في كتاب الله تأمر الناس بالخوف من خالقهم وترك ما دون ذلك من أنواع الخوف كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا ذَظ°لِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}(3) وقوله جلّ وعلا {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}(4) وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ}(5) وغيرها من الآيات القرآنية. -------------------------- (1) الأنفال [2]. (2) العنكبوت [65]. (3) آل عمران [175]. (4) البقرة [40]. (5) المؤمنون [57]. |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (69) عوامل تقوية الخوف من الله: ولعل من أهم العوامل والأسباب التي تولد الخوف من الله تعالى بالصورة التي يريدها الله تعالى هو: 1- معرفة هذا الخالق في صفاته وأسمائه واستشعار عظمته جل وعلا، وذلك من خلال التفكر في كونه وخلائقه وصنعة إبداعه في ذلك والنظام الذي يسير كل عالَم من هذه العوالم عليه من غير خلل أو اضطراب، وهذا الاستشعار يولد في النفس رهبة هذا الخالق وعظمته، وكلما أدرك الإنسان هذه العظمة كلما ازداد إيمانًا ويقينًا بالله تعالى وازداد قربًا وعبادة وطاعة له جل ثناؤه، ومن أجل ذلك كان العلماء أشدّ خشية لله، لأنهم عرفوا الحقائق الكونية والإبداعية لخالقهم أكثر من غيرهم، يقول تبارك وتعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}(1). 2 – تدبر آيات الوعيد التي توعد الله العصاة والمعتدين، لما في هذه الآيات من تقريع وتخويف للنفس، حيث تقربّها من الطاعة وتبعّدها من المعصية، كقوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىظ°}(2) . 3 – العلم بالله تعالى وبرسوله ï·؛، وبدينه وكتابه وشريعته، التي يعرف العبد من خلالها العبد الحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والطيب والخبيث، وجميعها من الأسباب التي تزيد من خوف العبد من الله تعالى. 4– تأمل أحوال الكفار والعصاة الذين ذكرهم الله في كتابه من الأمم السابقة، كما في قوله تعالى في عاد وثمود: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً غ– أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّـهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً غ– وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ. فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا غ– وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىظ° غ– وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ. وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىظ° عَلَى الْهُدَىظ° فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}(3) . 5– تدبّر النار وشدة عذابها، كما جاء في قوله تعالى: {إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا}(4)، وفي قوله تعالى: {وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ غ– وَبِئْسَ الْمَصِيرُ. إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ. تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ غ– كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ. قَالُوا بَلَىظ° قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّـهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ}(5). ---------------------------------------------- (1) سورة فاطر، الآية 28. (2) سورة طه، الآية 124. (3) سورة فصلت، الآيات 15-17. (4) سورة الفرقان، الآية 12. (5) سورة الملك، الآيات 6-9. |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (70) الخوف الجبلي وهذا النوع من الخوف مباح، لأن الإنسان مفطور عليه، وهو أمر جبلي خارج عن كسبه وإرادته، وهو ملازم لجميع البشر، كلٌّ حسب حالته النفسية والشعورية، وحسب حالة الشيء المخيف الذي يختلف أثره من إنسان لآخر، فربما يخاف إنسان من شيء ما، ويكون هذا الشيء طبيعيًا عند الآخر، ولهذا لا يمكن حصر الأشياء التي يخاف منها الإنسان جبليًا، وقد ذكر الله تعالى في كتابه المبين هذا الخوف الذي أصاب نبيه موسى عليه السلام فقال: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ}(1). وقد تعرض لهذا النوع من الخوف أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين خرج مع النبي ï·؛ في الهجرة، واتبعهم المشركون إلى باب الغار، فكان يقول رضي الله عنه للنبي ï·؛: يا رسول الله والله لو أن أحدهم نظر إلى قدمه لرآنا، فيقول له عليه الصلاة والسلام: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما. وقد جعل الله تعالى هذا الخوف نوعًا من الابتلاء لبعض عباده ليميز الصادقين من غيرهم، وليمحص إيمانهم هل يصبرون؟ يقول تبارك وتعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّ كُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ غ— وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}(2). وإذا خرج هذا الخوف عن حدوده الجبلية والفطرية يتحول إلى مرض نفسي وحالة غير طبيعية تحتاج إلى معالجة ومتابعة، كالخوف من الفقر أو المرض أو الموت أو أو من بعض الأصوات أو من بعض المشاهد التمثيلية وغيرها. ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــ (1) [القصص: 21] (2) [البقرة: 155] |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (71) الخوف السلبي وهو الخوف الذي يمنع الإنسان من فعل الطاعات وعمل الخير والإحسان وغيره، أو الخوف الذي يدفع الإنسان لاقتراف المعاصي واستحقاق سخط الله تعالى وغضبه، مثل الخوف من الأصنام أو من السحرة أو من الدجالين الذين يتعاملون مع الشياطين، فيأمرون الناس بالمعاصي والكبائر كالكفر بالله أو رمي المصحف في أماكن قذرة أو غيرها من أعمالهم الكفرية. ويعدّ هذا النوع من الخوف شركًا بالله تعالى، لأن الإنسان يعتقد من خلاله أن النفع والضر بيد هؤلاء السحرة والدجالين، فيستسلم لأفعالهم وأوامرهم، والله تعالى يقول: {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ}(1). * * * ويدخل في الخوف السلبي المجاملات المقيتة في الأمور الشرعية، كأن لم يصلِّ خوفًا من مسؤوله أو مجاملة لصديقه أن يقول عنه ملتزم أو غير متحضر، أو متشدد، وهو أمر في بالغ الخطورة حيث يقول عليه الصلاة والسلام: «من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكَّله الله إلى الناس«(2). ويرجع سبب هذا الخوف إلى ضعف الإيمان عند صاحبه وقلة العبادة والذكر لديه، وكذلك الجهل بأمور الدين وأحكامه. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ (1) [المائدة: 4](2) أخرجه الترمذي (ص550، 2414) كتاب صفة القيامة، باب عافية من التمس رضا الناس بسخط الله. وابن حبان في صحيحه (1/511، رقم 277). وهو حديث صحيح |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (72) علاج الخوف السلبي إذا تعرض الإنسان للخوف السلبي أو كان على وشك الإقبال عليه فإن عليه بالدواء الذي وصّى به كتاب الله تعالى وسنة نبيه ﷺ، وذلك بالأمور التالية: 1- تقوية الإيمان بالله تعالى وقدرته وأنه قادر على كل شيء وقاهر له، وأن ليس للإنسان أمامه حول ولا قوة، لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}(1).2- التوكل على الله تعالى وجعله حسيبًا في جميع الأمور والشؤون، والإكثار من قول: «حسبنا الله ونعم الوكيل»، يقول ابن عباس رضي الله عنه: «حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار وقالها محمد ﷺ حين قالوا إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل»(2). 3- استشعار قضاء الله وقدره في النفس وفي الكون، واليقين التام بأن ما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه وأنّ ما أخطأه لم يكن ليصيبه. 4- دراسة سبب الخوف، فقد يكون لموقف مفاجئ، مثل لحظة حزن أو ترويع أو صدمة لخبر جلل، أو ما شابه ذلك، وكلها مداخل للشيطان إلى النفس إذا لم يستعذ الإنسان من الشيطان أثناءها، لذا؛ ينبغي أن يضع في الحسبان في عملية المعالجة لهذا الخوف أن يُبدأ بالقرآن والذكر والدعاء ومراجعة أهل العلم الشرعي وكذلك المختصين من الأطباء النفسانيين. 5- التدرب والتمرن شيئًا فشيئًا على التفاعل مع أسباب الخوف ومواقفه، وهو ما يحرر الإنسان من الخوف وأوهامه، لأن كثيرًا من الناس يجدون الخوف في بعض المواقف العادية والمألوفة لدى العامة، وهذا يحتاج إلى خوض المواجهة معها، مثل الذي يخاف ركوب الطائرة، عليه محاولة ركوبها مرات كثيرة حتى يعتاد عليها ويكسر حاجز الخوف عنده، أو مثل الذي يخاف من الموت فعليه أن يكثر من زيارة القبور وحضور الجنائز والصلاة عليها، ليتفهم حقيقة الحياة وسنة الله تعالى في هذا الكون، ليكون على استعداد مع الموت وعدم الخوف منه. وهكذا التعامل مع سائر المواقف المخيفة. 6- عدم الانزواء وهجر الحياة والناس، لأن العزلة تزيد المرض تفاقمًا وشدة، وعلى العكس فإن الاجتماع والاختلاط يخفف من وطأته وأثره على النفس. 7- الدعاء، وهو لب العبادة، وهو الحبل الذي يوصل الإنسان بربه من غير وسيط، يبث معه شكواه ومرضه إلى خالقه جلّ وعلا ويطلب منه الشفاء، وإزاحة همّ الخوف عنه، ومنحه الشجاعة والجرأة لخوض الحياة وصعابها. وبذلك يتغلب المؤمن على كربة الخوف من الأشخاص والسحرة والأوهام وغيرها، ويتخلص من آثاره على العقل والنفس والجسد. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) [فصلت: 30].(2) أخرجه البخاري (ص777، 4563) كتاب التفسير، باب إن الناس قد جمعوا لكم |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (73) آثار الخوف من الله تعالى على الإنسان للخوف من الله تعالى آثار إيجابية كثيرة ومتعددة على الإنسان، منها: 1- إنه يبعث في النفس الشجاعة، فلا يجد الإنسان مقابل الخوف من الله تعالى خوفًا آخر من غيره، وكذلك في سائر الشؤون الحياتية، حيث يستند المؤمن إلى قوة عظيمة وركن متين، وحينها يكفيه الله تعالى أذى الشياطين وأوليائهم، وهو ما أشار إليه الرسول ﷺ بقوله: «من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكَّله الله إلى الناس«(1). 2- إنه يبعث في النفس روح المواجهة مع المشكلات والعقبات، فتهون لديه كل ما يعترضه في حياته الشخصية ومسيرته الحياتية والدعوية، لأنه على علم ويقين أن الحياة دار فناء وأن ما عند الله تعالى هو دار القرار، وهو التصوّر الذي تربى عليه الجيل الأول من الصحابة، حين استصغروا الدنيا واستهانوا بها جاءتهم سعيًا بين أيديهم، فخضعت الجبابرة وخارت قواهم أمام تلك الجموع الضعيفة التي خرجت من الجزيرة العربية. 3- إنه يبعث في النفس الاعتبار والتذكر في آيات الله، وفيما يجري من أقدار الله، فتلين القلوب وتخشع لذكر الله: {فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَىٰ . سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ}(2).4- إنه يمنع الإنسان من مقارفة المعاصي، والخوض في أعراض المسلمين والاعتداء عليهم وأكل الحقوق والظلم وغيره، فالإنسان الذي يخاف عاقبة الغيبة والسخرية والاستهزاء، لن يقبل على هذا الفعل أبدًا، وكذلك سائر الأعمال الممنوعة. 5- إنه يقود إلى عفو الله تعالى: {إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ ۖ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ}(3)، ويقول النبي ﷺ: «من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة»(4). 6- إنه يقوي الإيمان: {إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}(5).7- إنه يمنع الخوف السلبي والمذموم، لما يترتب على الخوف السلبي من عقوبة زاجرة، لا سيما إذا صار في دائرة الشرك التي سبق ذكرها، فإن الخوف من الله تعالى يردع الإنسان من ذلك ويجعل خوفه دائمًا من الله وحده دون سواه، وهو ما عبّرت عنه الآية القرآنية: {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ}(6).8- إنه يقود صاحبه إلى الجنة لقوله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}(7) وقوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ . فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ}(8). * * * وأخيرًا: على الإنسان أن يكون على دراية ويقين أنه أمام جبروت الله تعالى وقوته وعظمته، وأنه لا ملجأ ولا منجى من الله إلا إليه، وأن الأمر في الأول والآخر يؤول إليه، فلا داعي للخوف من غيره من الإنس أو الجان، أو من أي مخلوق آخر، ثم إن استشعار هذه القوة الإلهية يجعل المرء في حالة ترقب دائمة مع نفسه، فيمنعها من اقتراف المعاصي وجلب أسباب غضب الله وسخطه، بل يدفعه أن يقدم بين يدي ربه من العبادات والطاعات وأفعال الخير المختلفة، وجميع ما تستقيم عليه حاله، ثم إن هذا الاستشعار يحرر الإنسان من القلق والاضطراب والهم والحزن، ويدفع عنه وساوس الشياطين وهمزاتهم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ (1) سبق تخريجه(2) [الأعلى: 9، 10](3) [يس: 11](4) سبق تخريجه(5) [آل عمران: 175](6) [المائدة: 4](7) [الرحمن: 46](8) [النازعات: 40] |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (74) الرجاء سبق معنا في مبحث شعيرة الخوف أن الخوف والرجاء شعيرتان متقابلتان، يجب أن يسير معهما العبد مثل مسيرة الطائر حال طيرانه بجناحين لا يغني أحدهما عن الآخر، وقد سبق الحديث عن الخوف، وندخل في الرجاء مستفتحين بما رواه الإمام الترمذي رحمه الله بسنده – وهو من أعظم أحاديث الرجاء-: عن أنس بن مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله ﷺ يَقُولُ:»قَالَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي. يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي. يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَة«(1). مفهوم الرجاء: في اللغة: رَجاه رَجْوًا، ورُجُوًا، ورَجاءً، ورَجاةً، ورَجاءَةً، ورَجاوَةً، ومَرْجاةً: أمَّله. فهو راج، والشيءُ مَرْجُوٌّ. وهي مَرْجوَّةٌ. وفي التنزيل: {مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا}(2)(3). في الاصطلاح: هو العمل في الحياة بالمنهج الذي رسمه الشرع، والطمع في قبوله عند الله تعالى وما يترتب عليه من الجزاء الأخروي. وهذا يعني أن الرجاء يستند إلى ركنين أساسيين: الأول: العمل، والثاني: الطمع في تحقق المطلوب. مثل المريض حين يراجع الطبيب طلبًا للشفاء والمعافاة. وكذلك المؤمن الذي يقوم بمقتضيات توحيد الله تعالى ويعمل صالحًا لينال النجاة والجنة في الآخرة. * * * علاقة الرجاء بالخوف: لا يستقيم عمل الإنسان، ولا تستقر نفسه في الحياة إلا إذا عمل ضمن مجال الرجاء والخوف معًا، بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر، فهما خطان متوازيان في حياة الإنسان، إذا أخذ الإنسان بأحدهما دون الآخر فإنه يضلّ عن سواء السبيل، ويهتز استقراره النفسي، لأن الإنسان حينما يترك جانب الخوف من الله تعالى ومن عذابه، ويبرر كل أعماله وسلوكياته المنحرفة برحمة الله وعفوه، بأنه الرحمن الرحيم، يتجاوز عن عباده بتلك الرحمة، فإن هذا التصور وما تنطوي عليه من المعاصي والمنكرات، يجعل حياة صاحبه ضربًا من التخبط واللاوعي مع دين الله تعالى، وإلا فلماذا أرسل الله نبيه ﷺ بهذا الدين، أليس من أجل التعبد به والسير على ما شرعه من أمر ونهي؟ وكذلك الحال بالنسبة للإنسان الذي ينتهج مسلك الخوف من الله تعالى وحده في وجوده في الحياة، فإنه أيضًا يضطرب ويصيبه الهلع الدائم من نتائج أعماله في الحياة ويتصور عذاب الله لاحق به لا محاله من جراء ما يقع فيه من الخطايا وما يقترف من منكرات، دون أن يضع في الحسبان رحمة الله وعفوه وغفرانه وتجاوزه عن عباده المؤمنين، وبهذا فإنه يضع نفسه في زاوية ضيقة ومظلمة لا يرى فيها سعادة ولا راحة سوى القلق والخوف. أما التصور الإسلامي الصحيح نحو الرجاء والخوف، هو تلازم هذين الجانبين في حياة الإنسان، لأن الله تعالى الذي وصف نفسه بأنه شديد العقاب على الكافرين وعلى العصاة المنغمسين في محاربة دينه وأوليائه، فإنه في الوقت نفسه رؤوف رحيم بعباده المؤمنين الذين يؤدون ما فُرض عليهم من الواجبات، وينتهون عما نُهوا عنه من المعاصي والموبقات، وهو ما عبّر عنه الله تعالى بقوله: {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}(4). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أخرجه الترمذي (ص806-807، رقم 3540) كتاب الدعوات، باب الحديث القدسي: إنك ما دعوتني. وأحمد (5/ 167، رقم 21510). وحسنه الألباني.(2) [نوح: 13](3) المعجم الوسيط 1/ 333 مادة (رَجَاهُ).(4) [السجدة: 16] |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (75) أقسام الرجاء: الرجاء المحمود الرجاء قسمان: المحمود والمذموم. أولاً: الرجاء المحمود (المطلوب): وهذا الرجاء هو الذي يتوافر فيه عنصرا العمل والتوبة، والعمل من لوازم وجود الإنسان في الأرض، لقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(1)، والمؤمن الذي يعرف هذه الحقيقة لا يتوانى من القيام بالعمل الصالح المكلف به من الله لينال رضوانه وثوابه في الآخرة، لقوله تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}(2)، وقوله تبارك وتعالى في الصلاة مثلاً: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ}(3). ولكن من فطرة الإنسان في هذه الحياة أن يقع في بعض الأخطاء والمعاصي، وعندها يأتي دور العنصر الثاني وهو التوبة إلى من هذه الأخطاء، وطلب المغفرة من منه جلّ وعلا، لقوله ﷺ: «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم»(4) . وأما النصوص الواردة في كتاب الله تعالى في هذا الباب، فكثيرة جدًا نذكر منها: قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}(5) وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}(6). وقوله جل ذكره: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۖ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(7). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ (1) [الذاريات: 56](2) [الكهف: 110](3) [هود: 114](4) أخرجه مسلم (ص1191، رقم 2749) كتاب التوبة، باب سقوط الذنوب بالاستغفار(5) [الزمر: 53](6) [الشورى: 25](7) [الأنعام: 54] |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (76) من وسائل تكفير السيئات (الجزء الاول) توجد وسائل عملية لتكفير السئيات، وهي تتعلق بعباداته اليومية، ليدرك الإنسان مدى رحمة الله تعالى حين يقبل على عبادته ويأتمر بأوامره، وينتهي عن نواهيه، ومن هذه الوسائل:1- الوضوء: سبب من أسباب رفع الخطايا ومحو الذنوب، لقوله ﷺ: «من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره» (1). 2- الصلوات الخمس وصلاة الجمعة: الصلاة التي هي خمس فرائض في اليوم والليلة وكذلك صلاة الجمعة فضلاً عن النوافل وسنن القيام وغيرها، كلها مسببات لمحو الأخطاء التي يقع فيها ابن آدم، لقوله عليه الصلاة والسلام: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات قالوا: بلى يا رسول الله. قال: إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط» (2). وقوله ﷺ: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر» (3). 3- الحج والعمرة: وأما ركن الحج الواجب أداؤه في العمر مرة واحدة، وكذلك نسك العمرة، فإنهما من أسباب مغفرة الذنوب وغسل الأدران عن الإنسان، لقوله عليه الصلاة والسلام: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» (4). وقوله: «من حجّ هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» (5). 4- حسن الخلق: بالإضافة إلى ما ذكر من العبادات والطاعات، فإن هناك جبلة بشرية أخرى نابعة من العقيدة الصحيحة، وهي حسن الخلق والسلوك مع الناس والتحلي بآداب الإسلام، وهذا الأمر له وجوه كثيرة ومتعددة لا يمكن إحصاؤها، لأنها تتعلق بوجود الإنسان وحركته وتعامله مع الآخرين، وعلى سبيل المثال لا الحصر: الأخوة الصادقة التي تنشأ عن الحب في الله تعالى، فإنه من المكفرات للذنوب كما قال عليه الصلاة والسلام: «ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا» (6). العفو والصفح مع الناس سبب لمغفرة الذنوب لقوله تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(7) والأمثلة على ذلك كثيرة ومتنوعة. ------------------------ (1) أخرجه مسلم (ص121، رقم 245) كتاب الطهارة، باب خروج الخطايا مع الوضوء. (2) أخرجه مسلم (ص123، رقم 251) كتاب الطهارة، باب فضل إسباغ الوضوء على المكاره. (3) أخرجه مسلم (ص117، رقم 233) كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة. (4) أخرجه البخاري (ص285، رقم 1773) كتاب الحج، أبو العمرة. ومسلم (569، رقم 1350) كتاب الحج، باب فضل الحج والعمرة. (5) أخرجه البخاري (ص293، رقم 1819) كتاب المحصر، ومسلم في الموضع السابق. (6) أخرجه أبو داود (ص731، رقم 5212) كتاب الأدب، باب المصافحة. والترمذي (ص618، رقم 2727) كتاب الاستئذان، باب المصافحة. وهو حديث صحيح. (7) سورة النور، الآية 22. |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (77) من وسائل تكفير السيئات (الجزء الثانى) 5- الذكر والاستغفار: الأذكار بصورة عامة مكفرات للذنوب والخطايا، وقد أخبر النبي ﷺ بذلك في أحاديث كثيرة، منها قوله عليه الصلاة والسلام: «من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر» (1). 6- حسن الظن: إن من أهم العوامل والأسباب التي تؤدي إلى غسل الأدران عن الإنسان وتطهير نفسه من وزر الآثام هو حسن الظن بالله تعالى، والذي يُعدّ محور الرجاء مع الله تعالى، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي: «إن الله يقول: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني» (2). 7- اجتناب الكبائر: إن عفو الله تعالى ورحمته تنزل بالعبد في معظم أوقاته ما دام مؤمنًا ومؤديًا ما فُرض عليه من الفروض والواجبات، وما دام بعيدًا عن اقتراف كبائر الذنوب والموبقات، لقوله تعالى: {إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا}(3). 8- من أ عظم الرجاء أن باب التوبة مفتوح: ما دام في الإنسان روح تسري، فإن باب التوبة مفتوح له، والله يتقبل منه توبته في كل حين، يقول عليه الصلاة والسلام: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» (4). ويقول عليه الصلاة وسلام في حديث آخر: «إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها» (5). في هذا النوع من الرجاء يتكوّن الإنسان السوي المعتدل، المعافى نفسيًا من القلق والاضطراب والخوف، لأنه يسير على المنهج الصحيح، في القيام بالأعمال الصالحة والطمع في الجزاء العظيم المترتب عليه، وكذلك لا يستغني عن التوبة والاستغفار بصورة دائمة عما تصدر منه من أخطاء وذنوب، وهذه هي الصورة المثالية للإنسان المسلم الذي عرف حقيقة الرجاء وعمل بمقتضاها. وهو مضمون قوله عليه الصلاة والسلام السابق ذكره: «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم» (6). ----------------------- (1) أخرجه البخاري (ص1112، رقم 6405) كتاب الدعوات، باب فضل التسبيح. ومسلم (1171، رقم 2691) كتاب الذكر والدعاء. (2) أخرجه مسلم (ص1171، رقم 2675) كتاب الذكر والدعاء، باب الحث على الذكر الله. والترمذي (ص544، رقم 2388) كتاب الزهد، باب ما جاء في حسن الظن بالله. (3) سورة النساء، الآية 31. (4) أخرجه الترمذي (ص806، رقم 3537) كتاب الدعوات، باب إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. وابن ماجه (ص619، رقم 4253) كتاب الزهد، باب ذكر التوبة. (5) أخرجه مسلم (ص1196، رقم 2759) كتاب التوبة، باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت. (6) سبق تخريجه. |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (78) آثار الرجاء المحمود (1-2) إذا كان عمل المسلم قائمًا على أساس الرجاء المحمود، من غير إفراط أو تفريط، فإن ذلك سيثمر نتائج وآثارًا إيجابية كثيرة تعود بالفائدة على صاحبه أولاً، ثم على المجتمع والأمة قاطبة ثانيًا، ومن أبرز تلك النتائج الخيرة للرجاء المحمود، بما يلي: 1- قبول العمل: إن المسلم حين يقوم بأداء رسالته في الحياة، على النحو الذي رسمه الله تعالى له، ضمن دائرة الأمر والنهي المنصوص عليها في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وما يترتب على ذلك من آداب وأخلاق، فإنه يرجو تحقيق رضوان الله تعالى والفوز بالقرب منه والإقامة في جنته، فإن هذا التصور وحسن الظن بالله تعالى بالجزاء على تلك الأعمال، فإن الله توعد نفسه ووعده الحق بأنه سيكون عند حسن ظن عبده به، لقوله في الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني«(1). وهذه القناعة تدخل المسلم في السعادة الحقيقية، من طمأنينة النفس، وراحة البال، وعدم الخوف من المستقبل، الأمر الذي يسدّ الأبواب أمام وساوس الشياطين وهمزاتهم. 2-رفع الخطايا ومحو الذنوب: إن الرجاء المحمود سبب في محو السيئات والذنوب عن صاحبه، ما دام هذا الإنسان يقوم بما يملي عليه كتاب الله وسنة نبيه ﷺ، وقد سبق ذكر النصوص الوارد في هذا الشأن، كقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}(2). وقوله ﷺ: «إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها«(3). 3- الإيجابية والإنتاج: إن الرجاء المحمود، يعطي الإنسان قوة نحو العمل الجاد والإنتاج المفيد في الحياة، فلا يتوانى ولا يتكاسل عن أداء واجبه بأكمل صورة في الحياة، سواء كانت أداء الفرائض لله تعالى، أو حسن الخلق والتعاون ونشر الخير مع الناس، أو أعماله اليومية في العبادة أو المدرسة أو الوزارة أو المصنع أو غيرها من ميادين العمل المختلفة، وبذلك يتكوّن في المجتمع لبنة قوية تثبت أركانه وقواعده وتحميه من عوامل الانهيار والخراب، وهو ما عبّر عنه الله تعالى في قوله: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}(4). 4- الفأل المستمر: وذلك أن الرجاء المحمود، يكوّن الإنسان المتفائل بالخير والنجاح بشكل دائم، فلا يعرف هذا الإنسان التحسر على فقدان أي شيء في الحياة، لأنه كلما فقد شيئًا تفاءل بأحسن منه، لأنه في حالة حسن الظن بربه في ذلك، فإذا كان مريضًا فإنه يرجو من الله تعالى الشفاء والمعافاة ويعيش على هذا الرجاء فترة مرضه، فلا يصيبه اليأس أو القنوط من رحمة الله تعالى أو بتأخير نزول الشفاء عليه، وإذا فقد منصبًا أو وظيفة أو مكانة فإنه يسعى إلى أفضل منها بتفاؤل وأمل في الله تعالى بأنه أرحم عليه من الناس، وهكذا، وهذا التصور والشعور المتجدد لدى الإنسان المسلم، يقضي على كل أسباب اليأس والقنوط التي إذا حلّت بالنفس جعلتها غير مستقرة وغير مطمئنة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ (1) سبق تخريجه.(2) [الشورى: 25](3) سبق تخريجه(4) [الكهف: 110] |
رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)
حيـــــــــاة الســــــعداء الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر (79) آثار الرجاء المحمود (2-2) 1-قوة العقل والجسم: الرجاء يعطي فاعلية في قوة العقل للإبداع والابتكار، لأن صاحبه معافى من الخمول الفكري واضطرابه الناجم عن الخوف على النفس وعلى المصالح والأموال والتجارة والمنصب والوظيفة وغيرها من متاع الدنيا، وكذلك فإن هذا الرجاء يجعل صاحبه في حالة نشاط وحركة مستمرة، ربما يسعى أن يقطع آلاف الأميال ويتغرب عن أهله وذويه، ويقضي في ذلك جلّ عمره في سبيل أن يؤدي عملاً يرضي به خالقه، أو ينفع به مجتمعه وأمته، كما كان السلف الصالح من هذه الأمة، فقد انطلقت جيوش المسلمين ودعاتهم من الجزيرة العربية إلى الشرق والغرب لنشر هذا الدين وتبليغه إلى الناس، إلى وصلوا أقاصي الأرض، وهم لا يملكون إلا وسائل النقل البدائية من الخيول أو الجمال، لم يدفعهم إلى ذلك إلا رضا الله تعالى والطمع فيما عنده. وكذلك المتأمل في حال علماء الأمة سيجد العجب من جلدهم وصبرهم في سبيل الحصول على خبر أو حديث عن النبي ﷺ، أمثال أئمة الحديث المعروفين، البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم، جابوا الأرض وقطعوا السهول والهضاب، وتعرضوا للخطوب والصعاب، من أجل أن يقدموا للأمة كنوز السنة النبوية، لينهل منها المسلمون إلى قيام الساعة، ويأخذوا منها أحكامهم وتشريعاتهم ويتطلعوا من خلالها إلى سيرة نبيهم ﷺ، ولم يدفع هؤلاء الجهابذة إلى هذا العمل العظيم إلا أملهم ورجاؤهم في رضى خالقهم والقرب منه يوم القيامة. 2-الطموح الدائم نحو الخير: وهذا الأثر يتحقق في كل عمل صالح يقوم به المسلم، سواء كانت العبادات المفروضة أو الأعمال الاعتيادية اليومية، لأنه حينما يقوم بأي عمل فإنه يرجو الله تعالى قبوله والثواب عليه، وهذا الشعور يجعله يسعى إلى ما بعد ذلك من الأعمال، وهكذا، كأن يصلي إحدى الصلوات ويرجو قبولها فينتظر التي تليها ليلقى معها ذلك القبول، وكذلك الحال مع جميع الأعمال والسلوكيات الأخرى التي يقوم بها في حياته، حتى وإن كان على فراش الموت، يقول عليه الصلاة والسلام: «إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها، فليفعل«(1). وهذه حال المؤمنين الصادقين الذين جاء وصفهم في كتاب الله تعالى بالخيرية: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}(2). 3-الراحة الطمأنينة وعدم القلق: الرجاء عامل مهم في بناء النفس واستقراره، لأنه يُربط صاحبه بالله تعالى في السراء والضراء، وفي السر والعلن، ومن كان هذا شأنه فإن الطمأنينة النفسية والراحة والسكينة ستنزل عليه من كل جانب، فلا يخاف من أي تهديد بشري مهما أوتي من قوة، لأنه يحس حماية الله تعالى له وأنه ناصره لا محال، وقد بيّن رسول الله ﷺ هذه الحقيقة لصاحبه أبي بكر رضي الله عنه في غار ثور، حينما وقف المشركون على باب الغار «ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما«(3). والرجاء بصورة عامة يهيأ المسلم نفسيًا لمواجهة الحياة بمصاعبها وأخطارها، لأن النفس هي نقطة الانطلاق لكل شيء، فالإنسان الذي تحتضنه نفس سوية ومستقرة هو الإنسان الصالح في الحياة، يسعى لإعمار الكون بكل قوة ونشاط، أما الذي تحتويه نفس مليئة بالوساوس والأمراض فإنه أفشل كائن في الحياة، يسعى لخرابها ودمارها من كل جانب. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أخرجه أحمد (3/191، رقم 13012). والطيالسي (1/275، رقم 2068). وهو حديث صحيح(2) [آل عمران: 110](3) أخرجه البخاري (ص613، رقم 3653) كتاب فضائل أصحاب النبي ﷺ، باب مناقب المهاجرين وفضلهم. ومسلم (ص1049، رقم 2381) كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أبي بكر |
الساعة الآن : 06:28 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour