ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=81)
-   -   ما تبقى من رمضان (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=257961)

ابوالوليد المسلم 04-05-2021 02:00 PM

ما تبقى من رمضان
 
ما تبقى من رمضان


عبدالرحمن بن بشير الهجلة




الخطبة الأولى

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ... أَمَّا بَعْدُ:

عباد الله، ها هي أيام وليالي شهر رمضان المبارك قد تصرمت ولم يبقَ منها إلا القليل، وها نحن نودِّع رمضان بعد أن كنا في شوق للقياه، بعد أن كنا نعد الأيام والليالي في رجاء بلوغه، ها نحن اليوم نوشك أن نخرج منه كل واحد منا بمحصوله ومنتوجه الذي حصده في هذا الموسم العظيم من مواسم الطاعات، ها نحن إخوة الإيمان في العشر الأواخر من رمضان قد منَّ الله علينا منَّةً بعد منَّة، منَّ علينا ببلوغ هذا الشهر في صحة وغيرنا مريض، بلغناه في عافية وغيرنا مبتلى، بلغناه في سِلم وأمنٍ وغيرنا في خوف ورعب.




ثم منَّ علينا بإدراك أوله وأوسطه وها نحن في آخره، في العشر الأواخر المباركات التي كان يخصها النبي صلى الله عليه وسلم دون غيرها من ليالي هذا الشهر بمزيد عبادة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره"؛ رواه مسلم.




وكان من هدْي النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر: الاعتكاف فيها؛ كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها:"كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قُبض فيه، اعتكف عشرين يومًا"؛(رواه البخاري)؛ حيث كان يتحرى ليلة القدر التي تقع فيها، والله سبحانه سمَّاها ليلة القدر لعظيم قدرها وشرفها، وجلالة مكانتها عنده، ولكثرة مغفرة الذنوب وستر العيوب فيها، ولأن المقادير تقدَّر وتُكتَب فيها.




ومع ما نجد من اجتهاد المجتهدين في رمضان، فإن البعض قد يغفل عن ليلة عظيمة من ليالي هذا الشهر، وهي آخر ليلة من لياليه، فقد روى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه في الحديث الذي يصحِّحه الألباني في صحيح الجامع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الْتمِسوا ليلةَ القدرِ آخرَ ليلةٍ مِن رمضانَ"، وورد حديث آخر في فضل هذه الليلة رواه جابر بن عبدالله رضي الله عنه بإسناد لا بأس به عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنَّه إذا كان آخرُ ليلةٍ، غفر اللهُ لهم جميعًا، فقال رجلٌ من القومِ: أهي ليلةُ القدرِ، فقال: لا، ألم ترَ إلى العمَّالِ يعملون، فإذا فرغوا من أعمالِهم، وُفُّوا أجورَهم".




عباد الله، شهر رمضان شهر المغفرة والرضوان، فمن خرج من هذا الشهر ولم يُغفَر له، فرغم أنفه وترِبت يداه، فعن أنسَ بنَ مالِكٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ يقولُ: "ارتقَى رسول اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ المنبرَ، فقالَ: آمينَ، ثمَّ ارتقى ثانيةً، فقالَ: آمينَ، ثمَّ استوى عليهِ فقالَ: آمينَ، فقالَ أصحابُهُ: على ما أمَّنتَ يا رسولَ اللَّهِ؟ فقالَ: أتاني جبريلُ عليهِ السَّلامُ، فقالَ لي: يا محمَّدُ رغِمَ أنفُ امرئٍ ذُكِرتَ عندَهُ، فلم يصلِّ عليكَ، فقلتُ: آمينَ، ثمَّ قالَ: رغمَ أنف امرئٍ أدرَكَ والديهِ أو أحدَهُما فلم يُدخلاهُ الجنَّة، فقلت: آمينَ، ثمَّ قالَ: رغمَ أنفُ امرئٍ أدرَكَ شَهْرَ رمضانَ فلم يغفر لَهُ، فقلتُ: آمينَ حديث حسن الإسناد.




بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو البر الرؤوف الرحيم.



الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، أما بعد:

فيا عباد الله، أيام قلائل تفصلنا عن عيد الفطر المبارك؛ يقول الله تعالى: ﴿ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185]، يقول الإمام الطبري رحمه الله في تأويل هذا الجزء من الآية: يعني تعالى ذكره: ولتعظِّموا الله بالذكر له بما أنعم عليكم به من الهداية التي خذَل عنها غيرَكم من أهل الملل الذين كُتِب عليهم من صوم شهر رمضان مثل الذي كُتب عليكم فيه, فضلوا عنه بإضلال الله إياهم, وخصَّكم بكرامته فهداكم له, ووفَّقكم لأداء ما كتب الله عليكم من صومه, وتشكروه على ذلك بالعبادة له والذكر الذي خصهم الله على تعظيمه به التكبير يوم الفطر؛ انتهى.




فلنفرح عباد الله بالعيد: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ﴾ [يونس: 58].

البعض قد يشعر ببعض الحزن لفقْد الصيام والقيام، وله ذلك، فوالله إنها لمن أسعد الأوقات التي مرت بنا، فقد عشنا في رحابها نفحات إيمانية، فكيف بنا وقد افتقدنا تلك النفحات؟! ولكن الفرح هنا وفي هذا الموضع هو المشروع لنا لا الحزن، وبانتهاء رمضان ينتهي موسم عظيم من مواسم الطاعات، ولكن ليس انتهاءً للعبادة والطاعة، فقد شرع لنا فور انتهائه عبادات أخرى متممة لتلك العبادة العظيمة، فعند انتهاء رمضان هناك ثلاث عبادات:




التكبير ليلة العيد حتى دخول الخطيب للمصلى، والثانية الزكاة (زكاة الفطر)، وأما عيد الفطر فهو في حد ذاته عبادة، فنحن نمتثل أمر الله في الفرح المشروع لنا، فهو مَن قد أذن لنا بالعيد، وأبدلنا بأعياد الجاهلية أعيادًا مشروع لنا فيهنَّ الفرح والسرور.




فلنفرح بالعيد، ولكن بحدود ما شرع لنا، فلا نحيل العيد إلى معاص وآثام، بل نصل فيه أرحامَنا ونوسِّع فيه على مَن نعول، ونقضيه في ظل ما ارتضاه الله لنا، ولنتذكر أن غيرنا لم يشعر بالعيد ولم يتذوق له طعمًا، ولم يجد السعادة التي وجدناها نحن، فهو إما مريض في مشفى، أو طريد بلا مأوى، أو فقير لا يجد الجديد مما تجد من اللباس، أو ميت تحت التراب قد أمسى!




ولنبادر عباد الله بالأعمال الصالحة، ولنواظب على ما تعوَّدنا عليه في رمضان من تلك العبادات التي عِشنا وإياها أجملَ وأسعد أيام هذه السنة، فرمضان دورة في العبادات تعلَّمنا من خلاله الصيام؛ فلا نجعل آخر عهدنا بالصيام هو رمضان، بل نصوم الست من شوال والأيام البيض والاثنين والخميس وعاشورا، وعرفة والتسع من ذي الحجة.





والصوم دورة تعلمنا فيها القيام؛ فلنواصل عليه في كل ليلة، فهو شرف المؤمن، وفيه تعلَّمنا اعتياد المساجد - وهو ما يقلُّ بعده - وتعلَّمنا البذل والإنفاق، والدعاء وقراءة القرآن، فلنستمر ولا نعجِز بعده عن هذه الفضائل، فالسنة عند البعض كلها رمضان، وعلينا أن لا نكون من القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان.







الساعة الآن : 04:24 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 14.07 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 13.97 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.67%)]