ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=81)
-   -   وقفات مع قصة المرأة التي دخلت النار في هرة حبستها (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=279830)

ابوالوليد المسلم 05-08-2022 04:25 AM

وقفات مع قصة المرأة التي دخلت النار في هرة حبستها
 


وقفات مع قصة المرأة التي دخلت النار في هرة حبستها

(موعظة الأسبوع)









كتبه/ سعيد محمود


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

مقدمة:

- إن القلوب القاسية، والطباع المنحرفة، تلقي بأصحابها إلى النار؛ ذلك بخلوها من الرحمة، لا تبالي بما فعلته بالآخرين، فتقتل وتضرب وتفسد، وبذلك أهلك هؤلاء أنفسهم بسبب ما فعلوه بالآخرين.

- ومن هؤلاء: هذه المرأة التي حدثنا عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد حبست هرة حتى ماتت جوعًا وعطشًا، فدخلت بها النار، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ في هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا، ولَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِن خَشَاشِ الأرْضِ) (رواه البخاري)، وفي رواية أخرى له: (عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ في هِرَّةٍ سَجَنَتْها حتَّى ماتَتْ، فَدَخَلَتْ فيها النَّارَ، لا هي أطْعَمَتْها ولا سَقَتْها، إذْ حَبَسَتْها، ولا هي تَرَكَتْها تَأْكُلُ مِن خَشاشِ الأرْضِ) (رواه البخاري)(1).

- شرح إجمالي للقصة مع الإشارة إلى أن التفصيل سيأتي مع الدروس والوقفات التالية.

(1) ذم القسوة وبيان عاقبتها:

- لقد قص النبي -صلى الله عليه وسلم- القصة؛ للتحذير من قسوة القلوب، وبيان عاقبتها: (ففي القصة عظيم قسوة قلب المرأة، وقد ظلت تسمع عواء الهرة أيامًا من جراء الجوع والعطش، ومع ذلك لم تأخذها بها رحمة أو شفقة حتى لفظت أنفاسها!).

- حذَّر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- من القسوة والغلظة التي تنفر الناس من صاحبها: قال تعالى: (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) (آل عمران: 159).

- والقسوة من صفات الغافلين: قال -تعالى-: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام: 43).

- وبيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن القسوة والغلظة من علامات ضعف الدين والإيمان: قال -صلى الله عليه وسلم-: (ألَا إنَّ القَسْوَةَ وغِلَظَ القُلُوبِ في الفَدَّادِينَ، عِنْدَ أُصُولِ أذْنَابِ الإبِلِ) (متفق عليه)، (قال العلماء: هم الأعراب الذين لهم صياح وجلبة عند سوق الإبل).

- بل وهي مِن أسباب دخول النار والحرمان من الجنة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ألَا أُخْبِرُكُمْ بأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ) (متفق عليه).

من أسباب وعلامات قسوة القلب:

في القصة بيان عاقبة القسوة، فيحسن التنبيه على الأسباب المؤدية إليها؛ ليحذرها المسلم، وأبرزها:

أ‌- كثرة الذنوب والمعاصي من دون توبة ورجوع: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ المؤمنَ إذا أذنبَ كانت نكتةٌ سوداءُ في قلبِه، فإن تاب ونزع واستغفرَ صقلَ قلبُه(2)، فإن زاد زادت فذلك الرَّانُ الذي ذكرَه اللهُ في كتابِه: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوْا يَكْسِبُونَ) (رواه الترمذي وابن ماجه واللفظ له، وحسنه الألباني).

ب‌- الانغماس في الدنيا، والتوسع في الملذات المباحات: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ألَا إنَّ القَسْوَةَ وغِلَظَ القُلُوبِ في الفَدَّادِينَ، عِنْدَ أُصُولِ أذْنَابِ الإبِلِ)، وقال الفضيل بن عياض: "ثلاث خصال تقسي القلب: كثرة الأكل، وكثرة النوم، وكثرة الكلام".

ت‌- قلة ذكر الموت والآخرة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَكثروا ذِكرَ هاذمِ اللَّذَّات) (رواه الترمذي، وقال الألباني: "حسن صحيح")، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (زوروا القبورَ فإنَّها تذَكِّرُكمُ الآخرةَ) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).

ث‌- عدم الإحسان والرحمة إلى الضعفاء والمرضى والمحتاجين ونحوهم: روي أن رجلًا شكا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قسوة قلبه، فقال له: (إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ فَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ، وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ) (رواه أحمد، وحسنه الألباني)، وجَاءَ أعْرَابِيٌّ إلى النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ؟ فَما نُقَبِّلُهُمْ، فَقَالَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (أوَأَمْلِكُ لكَ أنْ نَزَعَ اللَّهُ مِن قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ؟!) (متفق عليه).

ج‌- هجر القرآن أو عدم التأثر عند تلاوته: قال -تعالى-: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (الزمر: 23)، وقال: (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) (الحشر: 21).

(2) فضل خلق الرحمة وبيان أثره في الدنيا والآخرة:

- في مقابلة القسوة التي كانت سببًا في هلاك المرأة، تأتي الرحمة التي هي سبب لكل خير: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الرَّاحمونَ يرحمُهُمُ الرَّحمنُ، ارحَموا من في الأرضِ يرحَمْكم من في السَّماءِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (غُفِرَ لِامْرَأَةٍ مُومِسَةٍ، مَرَّتْ بكَلْبٍ علَى رَأْسِ رَكِيٍّ يَلْهَثُ، قالَ: كَادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ، فَنَزَعَتْ خُفَّهَا، فأوْثَقَتْهُ بخِمَارِهَا، فَنَزَعَتْ له مِنَ المَاءِ، فَغُفِرَ لَهَا بذلكَ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَن لا يَرْحَمِ النَّاسَ، لا يَرْحَمْهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ) (متفق عليه).

صور من رحمة الرؤوف الرحيم -صلى الله عليه وسلم-:

- رحمته -صلى الله عليه وسلم- بالفقراء والضعفاء: عن جرير بن عبد الله قال: كُنَّا عِنْدَ رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- في صَدْرِ النَّهَارِ، قالَ: فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ، مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوِ العَبَاءِ، مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، عَامَّتُهُمْ مِن مُضَرَ، بَلْ كُلُّهُمْ مِن مُضَرَ، فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لِما رَأَى بهِمْ مِنَ الفَاقَةِ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ، فأمَرَ بلَالًا فأذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) إلى آخِرِ الآيَةِ (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (النساء: 1)، وَالآيَةَ الَّتي في الحَشْرِ: (اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ) (الحشر: 18)، تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِن دِينَارِهِ، مِن دِرْهَمِهِ، مِن ثَوْبِهِ، مِن صَاعِ بُرِّهِ، مِن صَاعِ تَمْرِهِ، حتَّى قالَ: ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ، قالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ بصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قدْ عَجَزَتْ، قالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ، حتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِن طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَتَهَلَّلُ كَأنَّهُ مُذْهَبَةٌ، فَقالَ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (مَن سَنَّ في الإسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَن عَمِلَ بهَا بَعْدَهُ، مِن غيرِ أَنْ يَنْقُصَ مِن أُجُورِهِمْ شَيءٌ، وَمَن سَنَّ في الإسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كانَ عليه وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَن عَمِلَ بهَا مِن بَعْدِهِ، مِن غيرِ أَنْ يَنْقُصَ مِن أَوْزَارِهِمْ شَيءٌ) (رواه مسلم).

- رحمته -صلى الله عليه وسلم- بمن كذبوه وحاربوه، لما صاروا ضعفاء أذلة: (لما كان يوم فتح مكة، وكانت جيوشه تحاصر مكة من كل جهة، قال بعض المسلمين: هذا يوم الملحمة. فقال -صلى الله عليه وسلم- منكرًا عليهم: "لا، بل اليوم يوم المرحمة"، وقال للأسرى من المشركين: "ما ترون أني فاعلٌ بكم؟"، قالوا: خيرًا، أخٌ كريمٌ، وابنُ أخٍ كريمٍ، قال: "فإني أقولُ لكم ما قال يوسفُ لإخوتِه: لا تثريبَ عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاءُ".

خاتمة:

- الإسلام عَلَّم البشرية حقوق الحيوان: (شاهد القصة: قصة البغي التي سقت الكلب، وجزاء ذلك)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إيَّاكم أن تتَّخذوا ظُهورَ دوابِّكم منابرَ، فإنَّ اللَّهَ إنَّما سخَّرَها لَكم لتبلِّغَكم إلى بلدٍ لم تَكونوا بالغيهِ إلَّا بشِقِّ الأنفُسِ، وجعلَ لَكمُ الأرضَ فعَليْها فاقْضُوا حَاجَتَكُمْ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

- الغرب أدعياء حقوق الإنسان والحيوان، لا يرقبون في المسلمين رحمةً ولا عهدًا ولا عدلًا: قال -تعالى-: (كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ? يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ) (التوبة: 8)(3).

- إشارة مختصرة جدًّا إلى ما جاء في القصة، وكيف أن تعذيب هرة أدَّى إلى هلاك المرأة، فكيف بقتل وتعذيب الأبرياء؟! قال الله -تعالى-: (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ) (النور: 15).

فاللهم ارزقنا لين القلوب، وعافنا من القسوة والغفلة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ

(1) وفي رواية: (فلاَ هيَ أطعمتْها ولاَ هيَ سقتْها حتَّى ماتت، فلقد رأيتُها تنْهشُها إذا أقبلت وإذا ولَّت تنْهشُ أليتَها) (رواه النسائي، وصححه الألباني).

(2) صقل قلبه: نظف وصفي مرآه قلبه؛ لأن التوبة بمنزلة المصقلة تمحو وسخ القلب وسواده (تحفة الأحوذي).

(3) أين هؤلاء من قتل المسلمين في سوريا وتدمير بلادهم على يد روسيا، التي لما قتلت عشرات عند بداية غزوها لأوكرانيا أقاموا الدنيا ولم يقعدوها! حسبنا الله ونعم الوكيل.






الساعة الآن : 03:46 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 15.17 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 15.08 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.62%)]