ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=81)
-   -   من صفات المؤمنين الخوف من يوم القيامة (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=273151)

ابوالوليد المسلم 18-01-2022 10:27 PM

من صفات المؤمنين الخوف من يوم القيامة
 
من صفات المؤمنين الخوف من يوم القيامة
السيد مراد سلامة



الخطبة الأولى

أما بعد:

فيا إخوة الإسلام، حديثنا اليوم عن صفة من صفات أهل الإيمان، صفة تدفع المسلم إلى الطاعات، وتبعده عن الذنوب والمخالفات، عن صفة تزيد في إيمان المؤمن؛ إنها الخوف من يوم القيامة ومن أهواله.



إخوتاه، الإنسان منا لا يدري ما الله تعالى فاعل به يوم القيامة:




إذا النبيون والأشهاد قائمة https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

والجن والإنس والأملاك قد خشعوا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


وطارت الصحف في الأيدي منشرة https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فيها السرائر والأخبار تطَّلعُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


فكيف سهوك والأنباء واقعة https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

عما قليل وما تدري بما تقعُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


أفي الجنان وفوز لا انقطاع له https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

أم الحميم فلا تبقي ولا تذرُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif



طال البكاء فلم ينفع تضرعهم https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

هيهات لا رقة تغني ولا جزعُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif






قال الله جل وعلا واصفًا عباده المؤمنين: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ﴾ [النور: 36، 37]، تعرفون لماذا؟ لأنهم كانوا يجلسون في بيوت الله، ويحافظون على الصلوات الخمس، ويؤدون الفرائض؛ قال: ﴿ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ [النور: 37]، كان ابن مسعود رضي الله عنه جالسًا، فسمع أحد أصحابه يقول: ما أود أن أكون من أصحاب اليمين، إنما أود أن أكون من المقربين - لأنهم أعلى درجة من أصحاب اليمين - فقال ابن مسعود أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: "أما أن ها هنا رجلًا يود أنه إذا مات لم يبعث - يعني: نفسه - أود أنني إذا مت لا أبعث، وددت أنني شجرة تعضد شجرة، ثم تزول وتهلك، كما تهلك الأشجار، ولا أبعث عند الله عز وجل يوم القيامة، ﴿ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَار ﴾ [النور: 37]"، هذا اليوم الذي كان يبكي منه أسلافنا، حتى كان أحدهم إذا أراد أن ينام لا يستطيع النوم ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا ﴾ [السجدة: 16]، وقال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * لَهُم مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ﴾ [الزمر: 13 - 16]، وقال الله تعالى واصفًا عباده المؤمنين: ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا ‌نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ﴾ [الإنسان: 9، 10].



وعن عمران بن مخلد قال: قال الحسن: "إن المؤمن يصبح حزينًا ويمسي حزينًا، لا يسعه غير ذلك؛ لأنه بين مخافتين؛ بين ذنب قد مضى لا يدري ما الله يصنع فيه، وبين أجل قد بقي لا يدري ما يصيب فيه من المهالك".



وعن قتادة قال: قال مورق العجلي: "ما وجدتُ للمؤمن في الدنيا مَثَلًا إلا مَثَل رجل على خشبة في البحر وهو يقول: يا رب، يا رب، لعل الله أن ينجيه".



وعن بكير عن إبراهيم التيمي قال: "ينبغي لمن لم يحزن في الدنيا أن يخاف أن يكون من أهل النار؛ لأن أهل الجنة قالوا: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ﴾ [سبأ: 34]، وينبغي لمن لم يشفق أن يخاف ألَّا يكون من أهل الجنة؛ لأنهم قالوا: ﴿ كُنَّا ‌قَبْلُ ‌فِي ‌أَهْلِنَا ‌مُشْفِقِينَ ﴾ [الطور: 26].



قال الحسن رحمه الله تعالى: "إن المؤمنين قوم ذلت - والله - منهم الأسماع والأبصار والأبدان، حتى حسبهم الجاهل مرضى، وهم – والله - أصحاب القلوب؛ ألا تراه يقول: ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ﴾ [سبأ: 34]، والله لقد كابدوا في الدنيا حزنًا شديدًا، وجرى عليهم ما جرى على من كان قبلهم، والله ما أحزنهم ما أحزن الناس، ولكن أبكاهم وأحزنهم الخوف من النار".



خوف النبي صلى الله عليه وسلم:

في مسند أبي يعلى من حديث ابْن عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ وَهُوَ يَقُولُ: ((‌لَا ‌تَنْسَوُا ‌الْعَظِيمَتَيْنِ، قُلْنَا: وَمَا الْعَظِيمَتَانِ؟ قَالَ: الْجَنَّةُ وَالنَّار، فَذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا ذَكَرَ، ثُمَّ بَكَى حَتَّى جَرَى أَوَائِلُ دُمُوعِهِ جَانِبَيْ لِحْيَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِه، لَوْ تَعْلَمُونَ مِنْ عِلْمِ الْآخِرَةِ مَا أَعْلَمُ، لَمَشَيْتُمْ إِلَى الصَّعِيدِ، فَلَحَثَيْتُمْ عَلَى رُءُوسِكُمُ التُّرَابَ))[1].



عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: ((وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ مَا انْبَسَطْتُمْ إِلَى نِسَائِكُمْ، وَلَا تَقَارَرْتُمْ عَلَى فُرُشِكُمْ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى ‌الصُّعُدَاتِ ‌تَجْأَرُونَ وَتَبْكُونَ، وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَنِي يَوْمَ خَلَقَنِي شَجَرَةً تُعْضَدُ وَتُؤْكَلُ ثَمَرَتِي))[2].



خوف الصحابة من أهوال يوم القيامة:

إخوتاه، هيا لنتأمل أحوال صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف كان خوفهم من يوم القيامة، وهم من هم صفوة خلق الله بعد الأنبياء والمرسلين.



خوف أبي بكر رضي الله عنه:

قال الضحاك بن مزاحم رحمه الله: "مرَّ أبو بكر الصديق رضي الله عنه على طيرٍ قد وقع على شجرة، فقال: طُوبى لك يا طيرُ، تطير فتقع على الشجر، ثم تأكل من الثمر، ثم تطير، ليس عليك حسابٌ ولا عذاب، يا ليتني كُنت مثلك، والله لوددتُ أني كنتُ شجرةً إلى جانبِ الطريق فمر عليَّ بعير فأخذني فأدخلني فاه، فلاكني ثم ازدردني، ثم أخرجني بعرًا، ولم أكن بشرًا".



هذا أبو بكر ثاني اثنين، أبو بكر المبشر بالجنة، أبو بكر الذي لو وُزن إيمانه بإيمان الأمة لرجح إيمانه، يخاف من يوم القيامة، فماذا أقول أنا؟ وماذا تقول أنت، وكلنا ذوو خطأ؟



خوف عمر رضي الله عنه:

وهذا عمر بن الخطاب في وجهه خطان أسودان من البكاء من خشية الله، وقيل: إنه ربما تأثر بسماع الآية من القرآن حتى يعوده الناس في البيت مما أصابه، ومن ذلك أنه مرة قرأ سورة الطور إلى أن بلغ: ﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ ﴾ [الطور: 7]، فبكى واشتد بكاؤه حتى مرض وعادوه.



هل تتذكر متى بكت عيناك من خشية ربك ومولاك؟!

خوف أبي الدرداء رضي الله عنه:

وهذا أبو الدرداء كان يقول: "إن أشد ما أخاف على نفسي يوم القيامة أن يقال لي: يا أبا الدرداء، قد علمت، فكيف عملت فيما علمت؟"، وكان يقول: "لو تعلمون ما أنتم لاقون بعد الموت لَما أكلتم طعامًا على شهوة، ولا شربتم شرابًا على شهوة، ولا دخلتم بيتًا تستظلون فيه، ولخرجتم إلى الصعدات تضربون صدوركم، وتبكون على أنفسكم، ولوددت أني شجرة تعضد ثم تؤكل".



خوف أبي هريرة رضي الله عنه:

أخرج ابن سعد عن مسلم بن بشير، قال: بكى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه في مرضه، فقيل له: ما يبكيك، يا أبا هريرة؟ قال: "أَمَا إنِّي لا أبكي على دنياكم هذه، ولكني أبكي لبُعد سفري وقلَّةِ زادي، أصبحت في صعود مهبطة على جنَّة ونار، فلا أدري إلى أيِّهما يُسلَك بي"[3].



خوف التابعين من عذاب يوم القيامة:

خوف يزيد بن مرثد:

قال عبدالرحمن بن يزيد بن جابر رحمه الله:

قلت ليزيد بن مرثد: ما لي أرى عينيك لا تجف؟ قال: وما مسألتك عنه؟ قلت: عسى الله أن ينفعني به، قال: يا أخي، إن الله قد توعدني إن أنا عصيته أن يسجنني في النار، والله لو لم يتوعدني أن يسجنني إلا في الحمام، لكنت حريًّا ألَّا تجف لي عين، قال: فقلت له: فهكذا أنت في خلواتك؟ قال: وما مسألتك عنه؟ قلت: عسى الله أن ينفعني به، فقال: والله إن ذلك ليعرض لي حين أسكن إلى أهلي، فيحول بيني وبين ما أريد، وإنه ليوضع الطعام بين يدي، فيعرض لي فيحول بيني وبين أكله، حتى تبكي امرأتي ويبكي صبياننا، ما يدرون ما أبكاني، ولربما أضجر ذلك امرأتي فتقول: يا ويحها، ما خصصت به من طول الحزن معك في الحياة الدنيا، ما تقر لي معك عين"[4].



خوف عمر بن عبدالعزيز رحمه الله:

قال المغيرة بن حكيم رحمه الله: قالت لي فاطمة بنت عبدالملك: يا مغيرة، قد يكون من الرجال من هو أكثر صلاة وصيامًا من عمر، ولكني لم أرَ من الناس أحدًا قط كان أشد خوفًا من ربه من عمر، كان إذا دخل البيت ألقى نفسه في مسجده، فلا يزال يبكي ويدعو حتى تغلبه عيناه، ثم يستيقظ فيفعل مثل ذلك ليلته أجمع"[5].



قال عبدالسلام، مولى مسلمة بن عبدالملك رحمه الله: "بكى عمر بن عبدالعزيز فبكت فاطمة، فبكى أهل الدار لا يدري هؤلاء ما أبكى هؤلاء، فلما تجلى عنهم العبر، قالت له فاطمة: بأبي أنت يا أمير المؤمنين، مم بكيت؟ قال: ذكرت - يا فاطمة - منصرف القوم من بين يدي الله عز وج‍ل، فريق في الجنة، وفريق في السعير، قال: ثم صرخ وغُشي عليه"[6].



الخطبة الثانية




إلهي لا تعذبني فإني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

مُقِرٌّ بالذي قد كان مني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


فما لي حيلة إلا رجائي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لعفوك إن عفوت وحسن ظني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


وكم من زلة لي في الخطايا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وأنت عليَّ ذو فضل ومنِّ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


إذا فكرت في ندمي عليها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

عضضت أناملي وقرعت سنِّي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


أجن بزهرة الدنيا جنونًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وأقطع طول عمري بالتمني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


ولو أني صدقت الزهد عنها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

قلبت لأهلها ظهر المجنِّ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


يظن الناس بي خيرًا وإني https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

لشرُّ الخلق إن لم تعف عنِّي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif






الخوف من سوء المصير:

إخوتاه، مَن منَّا تذكر منصرف القوم من بين يدي الله تعالى لا يدري أيأمر به ذات اليمين أم يأمر به ذات الشمال؟



إخوتاه، من منا تذكر يوم تبلى السرائر فتذكر ذنوبه ومعاصيه؟



كان سفيان الثوري يشتد قلقه من السوابق والخواتيم، فكان يبكي، ويقول: "أخاف أن أكون في أمِّ الكتاب شقيًّا، ويبكي، ويقول: أخاف أن أُسلَب الإيمان عند الموت"[7].



خشية ابن المنكدر من آية من القرآن:

بكى محمد بن المُنكَدِر ليلةً فكثر بكاؤه حتى فزع أهلُهُ، فأرسلوا إلى أبي حازم، فجاء إليه فقال: ما الذي أبكاك؟ قد رُعتَ أهلكَ، قال: مرَّت بي آية من كتاب الله عز وجل: ﴿ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَم يَكُونُوا يَحتَسِبُونَ ﴾ [سورة الزمر: 47]، فبكى أبو حازم معه، فقال بعض أهله لأبي حازم: جئنا بك لتفرِّج عنه فزدته[8].



عبدالواحد بن زيد رحمه الله:

قال عبدالواحد بن زيد رحمه الله: "يا إخوتاه، ألا تبكون شوقًا إلى الله؟ ألا إنه من بكى شوقًا إلى سيده لم يحرمه النظر إليه.



يا إخوتاه، ألا تبكون خوفًا من النار؟ ألا إنه من بكى خوفًا من النار أعاذه الله منها، يا إخوتاه، ألا تبكون خوفًا من العطش يوم القيامة؟ ألا إنه من بكى خوفًا من ذلك سقي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، يا إخوتاه، ألا تبكون؟ بلى، فابكوا على الماء البارد أيام الدنيا، لعله أن يسقيكموه في حظائر القدس مع خير الندماء والأصحاب من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.



ثم جعل يبكي حتى غشي عليه"[9].



خوف صالح المري رحمه الله:

قال الحسن بن حسان رحمه الله: "كنا يومًا عند صالح المري وهو يتكلم ويعظ، فقال لرجل حدث بين يديه: اقرأ يا بني فقرأ الرجل: ﴿ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ﴾ [غافر: 18].



فقطع عليه صالح القراءة فقال: وكيف يكون للظالمين حميم أو شفيع والطالب له رب العالمين؟ إنك والله لو رأيت الظالمين وأهل المعاصي يساقون في السلاسل والأغلال إلى الجحيم، حفاة عراة، مسودة وجوههم، مزرقة عيونهم، ذائبة أجسامهم، ينادون: يا ويلاه، يا ثبوراه، ماذا نزل بنا؟ ماذا حل بنا؟ أين يُذهَب بنا؟ ماذا يُراد منا؟ والملائكة تسوقهم بمقامع النيران، فمرة يجرون على وجوههم ويسحبون عليها متكئين، ومرة يقادون إليها عنتًا مقرنين، من بين باكٍ دمًا بعد انقطاع الدموع، ومن بين صارخ طائر القلب مبهوت - إنك والله لو رأيتهم على ذلك، لرأيت منظرًا لا يقوم له بصرك، ولا يثبت له قلبك، ولا يستقر لفظاعة هوله على قرار قدمك، ثم نحب وصاح: يا سوء منظراه! ويا سوء منقلباه! وبكى وبكى الناس، فقام شاب به تأنيث، فقال: أكل هذا في القيامة يا أبا بشر؟ قال: نعم، والله يا ابن أخي، وما هو أكبر من ذلك، لقد بلغني أنهم يصرخون في النار حتى تنقطع أصواتهم، فلا يبقى منها إلا كهيئة الأنين من المدنف، فصاح الفتى: إنا لله واغفلتاه عن نفسي أيام الحياة! ويا أسفى على تفريطي في طاعتك يا سيداه! وا أسفاه على تضييع عمري في دار الدنيا! ثم بكى واستقبل القبلة، ثم قال: اللهم إني أستقبلك في يومي هذا بتوبة لك لا يخالطها رياء لغيرك، اللهم فاقبلني على ما كان مني، واعفُ عما تقدم من عملي، وأقلني عثرتي، وارحمني ومن حضرني، وتفضل علينا بجودك أجمعين يا أرحم الراحمين، لك ألقيت معاقد الآثام من عنقي، وإليك أنَبْتُ بجميع جوارحي صادقًا بذلك قلبي، فالويل لي إن أنت لم تقبلني، ثم غلب فسقط مغشيًّا عليه، فحمل من بين القوم صريعًا يبكون عليه ويدعون له، وكان صالح كثيرًا ما يذكره في مجلسه يدعو الله له ويقول: بأبي قتيل القرآن، بأبي قتيل المواعظ والأحزان"[10].





[1] ضعيف الترغيب والترهيب (2/ 432).




[2] أخرجه ابن ماجه (4190)، والبزار (3524).





[3] حياة الصحابة: (2/ 693، 695، 696).




[4] حلية الأولياء (5/ 164).




[5] الزهد والرقائق، ص: (308)، تاريخ دمشق (45/ 235)، حلية الأولياء (5/ 260).




[6] حلية الأولياء (5/ 269).




[7] جامع العلوم والحِكَم، لابن رجب الحنبلي: (1/ 125).





[8] أحسن المحاسن، لأبي إسحاق الرقِّي: ص: 177.




[9] صفة الصفوة (2/ 191).




[10] حلية الأولياء (6/ 165).











الساعة الآن : 12:27 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 25.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.19 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.37%)]