ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   من بوح قلمي (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=72)
-   -   دورة العصيان (قصة) (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=257249)

ابوالوليد المسلم 20-04-2021 01:15 AM

دورة العصيان (قصة)
 
دورة العصيان (قصة)
محمد حسن جباري





القرية الحالِمة البيضاء، تُفيق على وقع كابوسٍ أسود! قمطها بدِثار أشهب لسبع سنواتٍ عِجاف.

الآبار العميقة أمسَت وكرًا للعقارب والثَّعابين، ومزبلةً لزجاجات السكارى، الذين يُعربِدون في حطام البساتين المجاورة.

آخر سربٍ من الهَداهِد، غادَر منذ سنتين، بعدما جفَّ النَّبع الأخير.

الضفادع هي الأخرى، خرسَت عن البُشرى، التي كانت تُرسلها مع بداية غروب شمس كل يوم.

في عين عمِّي بشير، تأتلق دمعة.. بقايا أعنزة تتخايل له كأشباحٍ على رقعةٍ من القمامة، تتهارَش على قطعة كرتون، أو بقايا جريدة يابسة!

حماره.. يزجي أوقات العطالة، وهو يهشُّ بذيله أسراب الذباب الذي يتقافَز على ظهره.

مخالب القَحط.. مزقت خيطَ أملهم الأخير، في استبقاء قنوات المياه التي مدَّتها إليهم القرى المجاورة العامَ الماضي؛ فالينابيع هناك صارَت أَبخل من مادر.

في الأفق المعتم، لاح لهم شبَح الهلاك دميمًا، مربدًّا.. يقهقِه ملءَ شدقيه، ويفغر فاه الجبَّار متلهفًا ليرضي منهم شهيَّتَه التي لا تشبع.

بعد أن تنكَّر لهم ترابُ الأرض، ونبحَتهم أحجارها، وملَّت الدروب المغبرة نظراتهم الذابلة.. وبعد لَأْيٍ وتفكير.. حَفَّ من أعماقهم نداء واهِن، يذكِّرهم أبواب السماء!

ذكروا أنَّ بجوارهم مسجدًا، يَفتح أبوابه طيلة أيام العام، لا في الجمع، والأعياد فحسب، ذكروا أنَّ هناك صلاة للاستسقاء، وأنَّه لا يَيئس من رحمة الله تعالى إلَّا القومُ الكافرون..

إمام المسجد وعَظَهم بالتوبة النَّصوح قبل الاستسقاء، خصوصًا ما يتعلَّق بردِّ المظالم، ولو كان مثقالَ ذرَّة؛ فجاؤوا.. ليس على أجسادهم إلَّا ما يَستر سوءاتهم!

تنادى السحابُ من أطراف السماء، تزاوج في قبَّتها، أرسل نسلَه المبارك على القرية..

تقنَّحت الآبار..

عادَت الهداهد..
استأنفَت الضفادع تباشير الغروب..
وسمنَت عنزات عمي بشير..

سبع سنين دأبًا.. تبرَّجت الحقولُ بمفاتنها الآسِرة، رغت طواحين الحبوب دون كلَل، ولعب أبناؤهم بأكواز الذُّرة المشويَّة..

ثمَّ.. عود على بدء، والعود أَشْأَم!
ابتسموا للشيطان من جديد.. ضحكوا له.. ثمَّ قَهقهوا..
جفَّت الآبارُ..
غادرت الهداهد..
سكتَت الضفادع..
وماتَت عنزاتُ عمِّي بشير.




الساعة الآن : 10:56 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 7.83 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 7.74 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (1.20%)]