ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى النقد اللغوي (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=120)
-   -   تلميذة الرومان لعبير النحاس رؤية نقدية (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=273264)

ابوالوليد المسلم 21-01-2022 10:33 PM

تلميذة الرومان لعبير النحاس رؤية نقدية
 
تلميذة الرومان لعبير النحاس رؤية نقدية


أ. محمود توفيق حسين






مجموعة "تلميذة الرومان" القصصية للأديبة عبير النحاس تمثِّل معرِضًا أنثويًّا مرهف اللوحات، لا يعتمد على الحدَّة في مزج الألوان وإبراز التقاطيع، ولا على التوسُّل بالتقنيات الإبداعية المركَّبة؛ مما يتيح للقارئ الفرصة للنظر في هذا الجمال المتَّسم باللُّطف والعذوبة.

هذا المعرض الأنثوي لا يصخب بذكرى إناث استثنائيات "دراميًّا"، يخطَفن بصر القارئ بقتامة مآسيهن، وعجزهن المفرط، ولا بولع الصغيرات في مواسم التفتح؛ إننا أمام مزاج إبداعي يبحث عن عمقٍ ما في إنسانية المرأة فيما بعد الترمُّل، وفيما يقع خلف الشروخ الإنسانية الشهيرة جراء العَوَز والإحباط المستديم والخيانات، وفيما يقع أيضًا خلف النزق الإنساني وارتداداته العنيفة.

تهتم الأديبة بـ:
"أناقة التصوير"، لا أقصد تلك الأناقة الفجَّة الزاعقة، إنما أتكلم عن أناقة أكثر دفئًا وذكاءً وبساطة وإنسانية، واستعانت في سبيل هذه الأناقة بمفردات بسيطة و"وسيمة" من حياة الأنثى؛ كالوردة، والقُرْط، ورشة العطر، وفنجان القهوة، والأردية الصوفية، و"الماسكرا"، وكحل العيون، وتحولت تلك "المستلزمات" بإبداعها إلى بطل فاعل ومألوف في ثنايا القصص الدافئة الرقيقة.

ومن الصعب جدًّا على أديب من الذكور أن يكتبَ عن ثَنْيَة البنطال قصة مقبولة ولطيفة كتلك التي كتبتها الأديبة؛ فهذا الشيء البسيط مُربِكٌ جدًّا، يصعب اللعب فيه إبداعيًّا، وكثير من الأدباء لا يحفلون بالأشياء البسيطة احتفالاً يمكنهم من اكتشاف عمقها، ولكنها فعلت ذلك، ليس بدافع المغامرة الإبداعية أو الجسارة الفنية، إنما هي حالة حب وحميمية وانتباه قوي لديها لمفردات الحياة الأنثوية، تجلى في هذه القصة وفي غيرها، حالة انتباهٍ أثارت إعجابي بقدرتها على نقل حتى هذا الحب الذي تهتم به المرأة بصب الشاي بنفسها لزوجها، والتي بها أيضًا يؤلمها ألاّ يلحظ التطابق بين لون القُرْط ولون الفستان.

لم يهرب اللطف منها حتى في تعبيرها عن الخوف من الزمان، ونزول الشيخوخة كنزول الجليد على الهضاب، في سطورها لم يكن هذا الخوف خوفًا مثيرًا للجزع بقدر ما كان مثيرًا للشجن والأنين المموسق؛ كان التعبير عن الخوف من الشيخوخة اختبارًا جيدًا لقدرتها على تلوين المشاهد بوداعة وحكمة ودفء.

والأديبة - على ما يبدو - تثيرها المثابرة الأنثوية، والصبر الطويل، والآمال البسيطة الملحَّة، وقد عبرت عن ذلك مرتين كما في قصة كسوة الشتاء، وقصة تخفيضات، ومن الطريف أنهما مرتبطتان بالملابس، حينما يكون الثوب أو الكسوة هو الحُلم، والثوب من الصعب أن يكونَ هاجسًا ذكوريًّا في القصة القصيرة، أما الأديبة عبير النحاس فقد استطاعت أن تجعل منه هاجسًا أنثويًّا مقنعًا في قصتين فيهما صعود درامي جيد وغير مفتعل، وهذا يؤكد على أنها كانت كما صرَّحت تتماشى فيما تكتب مع الأنثى كما هي، تحفظ لها طزاجة دوافعها الأصيلة، وأولوياتها غير الشرسة.


وأخيرًا فإن المجموعة ترسم جسرًا مجدولاً ومعشوشبًا بين الطفولة والأنوثة على درجة عالية من البساطة والإقناع والجمال، مشدودًا بأحبال تربوية سافرة في بعض القصص، شعرتُ تجاهها بالاحترام والتفهُّم، وإن تمنيتُ أن تخفيَها الأديبة بمزيد من الزهور والفراشات، التي تجيد نثرها في تحفة من الألوان الأولية الرقيقة.




الساعة الآن : 03:13 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 6.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 6.80 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (1.36%)]