ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   رمضانيات (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=23)
-   -   رمضان شهر تطوّر أم تدهور ؟ (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=272662)

ابوالوليد المسلم 02-01-2022 11:35 AM

رمضان شهر تطوّر أم تدهور ؟
 
رمضان شهر تطوّر أم تدهور ؟
محمد الأمين مقراوي الوغليسي‎





رمضان شهر تطوّر أم تدهور ؟


ينتظره الكثير من المسلمين على الأبواب، و تخفق القلوب لسماع مقدمه، يعانقون وصوله بكل لهفة، و يعتنقون نفحاته بكل شغف، إنه الشهر الذي أنزل فيه القرءان، و ارتبط ذكره بفتوحات عظيمة، و انتصارات جليلة، عن شهر رمضان نتحدث، ذلك الشهر المعظم، الذي عظمه الله في كتابه، وأكد على جلالته نبيه محمد عليه الصلاة و السلام.


رمضان بيننا و بينهم


لقد كان شهر رمضان المباركدافعا ايجابيا للأمة على مر القرون، بسبب التحفيزات الكبيرة التي يحملها، من خلال جملة المعاني التي يهدف إلى تحقيقها، و قد تشوّفت نفوس سلف هذه الأمة تلك المقاصد العظيمة و تشربتها، حتى صارت متمثلة فيهم، فكان بحق شهر التغير لأنهم تغيروا بحق، ثم توالت السنين على الأمة، و ضعفت تلك الحكم و الأسرار التي عرفها سلفنا، و سيطرت العادات الدخيلة و الراكدة على شهر رمضان، حتى أذهبت الكثير من غاياته، و صار عند عدد غير يسير من الناس، شهرا للنوم و الأكل، و المسلسلات و إضاعة الأوقات و إطالة السهرات، و لم يعد العالم الإسلامي يلمس تلك الروح المحفزة التي كانت تظهر في رمضان، بعد أن حجبتها ممارسات منافية تماما للغاية التي شرع من أجلها الصوم، و لذلك كانت هذه الكلمات محاولة لإحياء ما اندثر من معاني هذا الشهر المبارك.




سيد الشهور


يقول النبي عليه الصلاة و السلام في مدح و تعظيم رمضان: " أتاكم رمضان ، سيد الشهور ، فمرحباً به وأهلاً " أخرجه البيهقي، هذا الحديث يشير إلى أن السنة عبارة عن مناطق زمنية، و أفضل مرحلة خلال العام هي منطقة رمضان.. ففيها يرتقي الانسان و يطور ذاته، و فيها يكتسب معاني عميقة في علاقته مع ربه، و علاقته بنفسه و محيطه الاجتماعي و الطبيعي، لذلك كان وصف شهر القرءان بسيد الشهور لفتة نبوية تستحق التوقف عندها، و الانطلاق من خلالها نحو أكثر المقاصد تجليا فيه.


رمضان فرصة للتطور لا للخمول


من المعاني الجليلة التي يحمل الصوم المسلمين إليها: تطوير الإرادة و الارتقاء بها الى الدرجة القصوى من الفعالية، فلا صيام بلا إرادة، و لا تحمل للجوع و العطش دون إرادة، و لا تغير في مواعيد الطعام و النوم دون إرادة، وبالتالي فإن الصوم يجعل أهمية الإرادة القوية في حياة المسلم بارزة بين عينيه، حتى يصل به للوعي بأهمية التحكم فيها، و زيادة سماكتها، أمام مختلف التحديات التي يجابهها في حياته اليومية، و من يلحظ الدور الذي تلعبه العزيمة في تغيير أنماط الحياة نحو الإيجابية، فإنه أسرع الناس تغيرا، و استمرارا في السمو الأخلاقي، قد تحقق هذا في القرون التالية للبعثة، عندما تلبس السابقون بهذه المعاني، صاروا يسألون الله أن يتقبل منهم الصيام ستة أشهر، و يدعون في الستة الباقية أن يبلغهم إياه، بعد أن وجدوا بركاته في باقي الأيام، و أما من غابت عنه هذه اللفتة فإنه محروم من بركات شهر رمضان أثناءه و بعده، محجوز عن الإمساك بجليل أهدافه.


تطوير المفاهيم الحياتية


فالصوم يعلم المسلم الانتباه لمعاناة الفقراء و المساكين و المحتاجين و الضعفاء، و الإحساس بشعور العوز الذي يجتاحهم طيلة أيام السنة، مما يدفعه إلى الاهتمام بهم، واستحضار فضيلة البذل و العطاء طيلة السنة، بل والنضال لأجل أن يأخذ كل منهم حقه من طعام المسكين، و المساعدات المالية و العينية، و تمكينهم من العيش بكرامة وسلام.


ومن أبرز المفاهيم التي يهدف الصوم إلى تحقيقها في دنيا الناس، تطوير الاداء الاجتماعي للفرد، من خلال تدريب الصائم على التحكم أكثر في الأعصاب، و تربيته على ضبط ردّات الفعل مهما كان حجم الاستفزاز، وتطوير مهارة التغافل عن التفاهات ، و يظهر هذا جليا في عدم الرد على المسيء أصلا، قال عليه الصلاة و السلام: "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، و لا يصخب، فإن سابه أحد أو شاتمه أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم" فالرد بكلمة " إني صائم" تذكير من الصائم لخصمه و لنفسه بما هو فيه من جو عبادي راقٍ ، و بالتالي ينأى بنفسه عن تدنيس الصوم.


ومن المفاهيم الغائبة و التي يريد رمضان تعليمنا إياها ضبط الأوقات، و ضبط الشهوات المباحة، حتى لا تكبر فتغطي حياتنا و تصبح هي الأصل، فالجد هو الأصل في حياة الأمم، و هو هدف نبيل مقصود، فحق للصائم أن يفتح عينيه عليه، و يداوم عليه، و هذا لا ينافي أن يكون له قسط من الراحة و المرح و الترفيه و التسلية.



تطوير عمل الجوارح


ومن الغايات التي يرنو إلى تحقيقها شهر القرءان : تطوير عمل الجوارح من خلال زيادة الكم و النوع في العبادات، وهذا لا يتم إلا إذا فهم دور الإرادة الفذة، و العزيمة الصلبة في تحقيق ذلك، و لذلك وردت كلمة "احتسابا" في عدة أحاديث تناولت فضل الصيام و القيام في رمضان" فلا احتساب دون إرادة، و لا صيام و لا قيام بحق إلا بتحققها، و لا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الغاية الكبرى من ذلك إيجاد المسلم الفعال، الذي ينفع أينما حل، و الذي تسكنه روح العمل و النشاط و الإصلاح، ومن الأدلة على أن هذا الشهر شهر للارتقاء بعمل الجوارح ما يلي:


- الإكثار من قراءة و ختم القرآن في رمضان، بالصورة التي لا نجدها في غيره، فقد كان جبريل عليه السلام يدارس النبي عليه الصلاة و السلام القرءان في رمضان، وكان السلف يشتغلون فيه بالقرآن اشتغالا تاما، و يختمون ختمات كثيرة لشرف الزمان.


- مضاعفة أجر القيام: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه" أخرجه البخاري ومسلم.


- و تزداد فضيلة الصدقة في رمضان وقد قال صلى الله عليه وسلم : " أفضل الصدقة صدقة في رمضان" أخرجه الترمذي عن أنس. ففيما روى ابن عباس رضي الله عنهما، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، و كان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل.. فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة" متفق عليه.


- مضاعفة أجر إطعام الطعام في رمضان، قال صلى الله عليه وسلم : " من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء" أخرجه أحمد والنسائي وصححه الألباني . وفي حديث سلمان :" ومن فطر فيه صائماً كان مغفرةً لذنوبه وعتق رقبته من النار ، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء قالوا : يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائماً على مذقة لبن أو تمرة أو شربة ماء ومن سقى صائماً سقاه الله من حوضي شربةً لا يظمأ بعدها ، حتى يدخل الجنة"


- الاعتكاف: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام ، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً " أخرجه البخاري ، و هي عبادة لا يحققها إلا من وفق في الارتقاء بإرادته، و السمو بعمل الجوارح في العشرين يوما السابقة للعشر الأواخر من رمضان، فهو حبس النفس على العبادة فقط، و لاشك أن هذا من الأمور التي تستثقلها النفوس التي فشلت في التلبس بالمعاني السابق ذكرها.


إن المسلم الصائم و القائم و القارئ و المنفق و المعتكف، و الذي يقوم بكل هذه الأعمال دون التفريط في واجباته اليومية و عمله، يحق له أن يتريد العالم، و أن يتسيّد المشهد الحضاري، فهلا انتبه إلى ذلك.؟


رمضان فرصة قد لا تتكرر


إن الحديث عن المعاني السامية التي يهفو شهر رمضان إلى تحقيقها في دنيانا كثيرة، و لا يمكن الإحاطة بها في مقالة صغيرة كهذه، و لكن الإشارة إلى بعضها من أجل إيجادها في حياتنا و تحقيقها واجب محتم، خاصة مع تميع وتسيب الكثير من هاته المقاصد، مما يعرض المسلم إلى الانتكاسة الشديدة في حياته، بعد رحيل الفرصة الرمضانية الذهبية، بسبب حصره الإمساك على شهوتي البطن و الفرج، دون الوصول به إلى المراتب العليا، و هنا يأتي حديث النبي عليه الصلاة و السلام شاهدا ودليلا على خطورة ذلك " من لم يدع قول الزور و العمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه و شرابه" أخرجه البخاري. فكل ما يعاكس غايات شهر الصيام، يجعله شهرا نصب و تعب و شقاء، نسأل الله أن يوفقنا لصيامه حق الصيام، و إدراك معانيه الراقية، و التخرج من مدرسته بأحسن الأوصاف و الأخلاق.




http://www.awda-dawa.com/App/Upload/articles/32007.jpg


الساعة الآن : 05:54 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 11.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 11.81 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.79%)]