ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   ملتقى النحو وأصوله (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=122)
-   -   الاشتقاق الصوتي (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=280563)

ابوالوليد المسلم 16-08-2022 05:49 PM

الاشتقاق الصوتي
 
الاشتقاق الصوتي
د. سيد مصطفى أبو طالب




هذا النوع من الاشتقاق قائم على صوغ اسم أو فعل من حكاية صوت؛ من أجل التعبير عن صدور هذا الصوت أو ترديده.[1]
ولهذا النوع من الاشتقاق أهمية، حيث عدَّهُ بعض علماء اللغة أصل نشوء اللغات[2]، يقول ابن جني: "وذهب بعضهم إلى أنّ أصل اللغات كلها إنما هو من الأصوات المسموعات كدوِىّ الريح، وحنينِ الرعد، وخرِير الماء، وشحِيج الحمار، ونعيق الغراب، وصهيل الفرس، ونَزِيبِ الظبي، ونحو ذلك، ثم وُلِّدَتِ اللغات عن ذلك فيما بعد. وهذا عندي وجه صالح ومذهب مُتَقَبَّل"[3].

وتسمى هذه النظرية بنظرية المحاكاة، وخلاصتها: "أن كل المفردات، قد خرجت من صيغة تشبه نباح الكلب، أومن سلسلة من الأصوات، توحي بتمثيل الأشياء عن طريق المحاكاة"[4]. "فلقد سمى الإنسان الأشياء بأسماء مقتبسة من أصواتها، وعبر عن الأفعال بأصوات تشبه الأصوات التي تصدر عند قيام الإنسان بتلك الأعمال، وسارت اللغة في سبيل الرقي شيئًا فشيئًا تبعًا لارتقاء العقلية الإنسانية، وتقدم الحضارة،واتساع نطاق الحياة الاجتماعية، وتعدد الحاجيات".[5]


يقول جورجي زيدان بعد أن قسم الأصوات الطبيعية إلى أصوات حية وأصوات غير حية: "فمن حكاية الأصوات الطبيعية الحية وغير الحية على اختلاف مصادرها ومظاهرها اقتبس الإنسان لغته، فاتخذها أولاً بالتقليد للتعبير عما يحدثها أو ما يتعلق به، وهذا ما نسميه اللغة الطبيعية، ثم تنوعت وتفرعت بالنحت والإبدال والقلب تبعًا لاحتياجات الإنسان حتى صارت إلى ما هي عليه بتوالي الأجيال".[6]


ومن صور هذه المحاكاة ما نبه إليه ابن جني من أن العرب قد تسمي الشيء بصوته يعني: بكلمة تحاكي بنطق حروفها الصوت الصادر من الشيء، فقال عن حكمة العرب في باب (إمساس الألفاظ أشباه المعاني): " ولو لم يُتنَّبه (على ذلك)[7] إلا بما جاء عنهم من تسميتهم الأشياء بأصواتها كالخازِبازِ لصوت ذباب في الروض، والبطِّ لصوته والخاقباقِ لصوت الفرج عند الجماع، والواقِ للصرد لصوته، وغاقِ للغراب (لصوته) وقوله (تداعين باسِم الشِيب) لصوت مشافرها[8] وقوله: [9]
بينما نحن مُرْتِعون بفَلْج *** قالتِ الدُّلَّحُ الرِواء إِنِيهِ

فهذا حكاية لَرَزَمة السحاب وحنينِ الرعد".[10]
فما أورده ابن جني من صوت الخازباز –الذي هو ذباب يكون في الروض[11] وأبرز ما فيه (ز ز ز ز...)، وصوت البط يقرب من (بط بط)، أو (قاق قاق)، وصوت الصرد يقرب من (واق واق)، وصوت الغراب يقرب من (غاق غاق)، وشيب هو محاكاة صوت الإبل عند شربها، وكلمة (إنيه) حكاية لرزمة السحاب وحنين الرعد، كل هذا تعليل تسمية الشيء باسم صوته.

وهذا ما عبر عنه ابن جني عنه بقوله: وكل ذلك وأشباهه إنما رجع في اشتقاقه إلى الأصوات.[12]
وقد عقد الثعالبي في كتابه (فقه اللغة وأسرار العربية) لهذا النوع من الاشتقاق ثلاثة وعشرين فصلا.[13]


وهذا الذي ذكره ابن جني بمثابة تأسيس لهذا النوع من الاشتقاق، ومن هذا القبيل أيضًا ما ذكره الأستاذ عبد الله أمين، إذ يقول: "إذا علمت أن العرب قد اشتقوا الأفعال والمصادر والمشتقات وغيرها من أسماء الأعيان، كما اشتقوها من أسماء المعاني من غير المصادر؛ فاعلم أن لك وراء ذلك مذهبًا هو ألطف منه مأخذًا وأدق صنعة وهو أن هذا الاشتقاق من نشأتها الأولى، فإنما كان هذا الاشتقاق من حكايات الأصوات[14].

ومن أمثلته:
أحَّ: حكاية تنحنح، أو توجع، وأحّ الرجل: ردد التنحنح في حلقه.[15]
والأَزِيزُ: صوت غليان القدر، والأَزِيزُ صوت الرعد من بعيد. أَزَّت السحابةُ تَئِزُّ أَزًّا وأَزِيزًا.[16]
أف: الأفُّ والأَفَفُ: من التّأفيف. تقول: قد أفّفتُ فلانًا، إذا قلت له: أفٍّ.[17]
ومعناه الاسْتِقْذارُ لما شَمَّ، وهو صوتٌ إذا صوّتَ به الإنسانُ؛ عُلِم أَنه متضجر مُتَكَرِّه، وأَفَّفْتُ بفلان تَأْفِيفًا، إِذا قلت له أُفّ لك، ورجل أَفَّافٌ كثير التَّأَفُّفِ.[18]
آه: وقد شق الإنسان من حكاية صوت التوجع (آه) فعلاً، فقال: آه يأوه أوهًا، أي شكا وتوجع. وهكذا: تأوه تأوهاً[19]
الثعثعة: حكاية صوت القالس[20]، وقد تثعثع بقيئه وثعثعه.[21]
الجهجهة: صياح الأبطال في الحرب، وقد جَهْجَه وتجهجه، وجَهْ: حكاية صوتهم.[22]
حَأْحَأَ: بالتَّيْسِ وبالكبش دعَاه، قال له حَأْحَأْ زَجْرًا.[23]
الصَّئِيُّ: على فعيلٍ صَوْتُ الفَرْخ، صَأَى الطَّائرُ والفَرْخُ والفأْرُ والخِنْزيرُ والسِّنَّوْرُ والكلبُ والفِيلُ -بوزن صَعَى- يَصْأَى صَئيًّا وتَصاءَى، أَي: صاحَ.[24]


فهذه اشتقاقات صوتية أسماء وأفعال، أخذت من ألفاظ مصوغة لحكاية أصوات تصدر من الإنسان وغيره لأمور متنوعة.


[1] علم الاشتقاق (ص52)

[2] سر الليال في القلب والإبدال (ص22) لأحمد فارس الشدياق. المطبعة العامرة. الأستانة. 1284هـ، ومقدمة لدرس لغة العرب للشيخ عبد الله العلايلي (ص199) المطبعة العصرية. بدون تاريخ، وفقه اللغة د. إبراهيم نجا (ص81)، والعربية خصائصها وسماتها (ص287)، ونشوء اللغة العربية ونموها واكتهالها لأنستاس الكرملي (ص9).
ولقد بين بعض العلماء ذلك، أمثال أنستاس الكرملي حيث قال: "المفردات أول ما نشأ منها كان موضوعًا على هجاء واحد، محاكاة للطبيعة، أوله متحرك وثانيه متحرك، ثم جاء المضاعف من ثلاثي ورباعي" نشوء اللغة العربية، (ص9).
وهذا الرأي يجرنا إلى الحديث عن أصل الألفاظ، هل هي ثنائية أو ثلاثية ؟
وقد اختلف علماء اللغة قدماء ومحدثون حول هذه القضية.
فاتجه فريق إلى القول بثلاثية الألفاظ، ومال آخرون إلى القول بالثنائية.
وممن تبنى هذه الفكرة(الثنائية) من القدماء ابن فارس، والأصفهاني صاحب كتاب (المفردات في غريب القرآن)، ومن المحدثين أحمد فارس الشدياق، حيث أرجع ألفاظ اللغة إلى أبنية ثنائية،وأن الثنائي الذي نشأت منه ألفاظ اللغة كان يدل على حكاية صوتية، ثم تطورت عنه الأبنية الثلاثية وما فوقها. ينظر: سر الليال في القلب والإبدال (ص21) وما بعدها.
ومن المحدثين أيضًا الشيخ عبد الله العلايلي، فهو يرى أن الثلاثي نشأ عن الثنائي إلا أنه يجعل نشأة الثلاثي من الثنائي بواسطة المعلات، وهذه المعلات المحفوظة في شتى المعاجم يجب أن نتخذها عمدتنا في الدرس لفهم الثلاثي على وجهه؛ لأنها الأصل الذي انفصل عنه، ولم يكن عمل التصحيح إلا ضربًا من إقرار اللغة على صورة واحدة من الثلاثية.
ينظر: مقدمة لدرس لغة العرب (ص201)، وينظر: فقه اللغة/ د. محمد المبارك (ص92) وما بعدها، وفقه اللغة/ د.إبراهيم نجا (ص81) وما بعدها، والعربية خصائصها وسماتها/ د. عبد الغفار هلال ص(287) وما بعدها.

[3] الخصائص (1/ 46، 47)..

[4] العربية خصائصها وسماتها (ص40، 41).

[5] المدخل في علم اللغة د. عبد الحميد أبو سكين (ص50)، وينظر: فقه اللغة د / نجا (ص22)، والفلسفة اللغوية (ص138).

[6] الفلسفة اللغوية (ص140).

[7] يعني لحكمة العرب..

[8] الشيب: حكاية صوت مشافر الإبل عند الشرب.

[9] لم أعثر على قائله، وهو في الخصائص (2/ 165).

[10] الخصائص (2/ 165).

[11] اللسان (خزب) (3/ 80).

[12] الخصائص (2/ 165).

[13] تحت باب بعنوان (في الأصوات وحكايتها) ينظر فيه (ص143 إلى ص151).

[14] الاشتقاق لعبد الله أمين (ص125). مكتبة الخانجي. القاهرة. ط2. 1420هـ 2000م.

[15] اللسان (أحح) (1/ 89)، والمخصص لابن سيده (أصوات الغناء والطرب) (2/ 141) دار الكتب العلمية. بيروت. بدون تاريخ.

[16] اللسان (أزز) (1/ 140).

[17] العين ((أفف) (8/ 410).

[18] اللسان (أفف) (1/ 182).

[19] الفلسفة اللغوية (ص147).

[20] القلس: ما خرج من البطن من الطعام أو الشراب إلى الفم أعاده صاحبه أو ألقاه، وهو القالس. اللسان (قلس) (7/ 470).


[21] المخصص (القيء ونحوه) (5/ 82).

[22] المخصص (2/ 135).

[23] اللسان (حأحأ) ( 2/ 282).

[24] السابق (صأى) (5/ 258).





الساعة الآن : 06:03 AM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 15.83 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 15.73 كيلو بايت... تم توفير 0.09 كيلو بايت...بمعدل (0.59%)]